×
خطبة جمعة بالمسجد النبوي، ألقاها فضيلة الدكتور عبد المحسن القاسم أثابه الله في يوم 8 ذي القعدة 1421هـ، يتحدث فيها الشيخ عبد المحسن القاسم عن الصحابي الجليل أبو بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيق دربه.

رجل الأمة أبو بكر الصديق([1])

إنَّ الحمد للَّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أمَّا بعد:

فاتقوا اللَّه - عبادَ اللَّه - حقَّ التَّقوى، فالتَّقوى سعادة في الأولى، وزاد في الأخرى.

أيُّها المسلمون:

لا تزال الأمم والشعوب تفاخر بنبلائها وفضلائها، تأنس بسيرهم وتقتدي بفضائلهم، رغبةً في مرافقتهم يقول ﷺ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» (رواه مسلم)، وكل مؤمن فللصحابة عليه فضل، وكل خير فيه المسلمون من الإيمان والعلم والعبادة والسعادة إنما هو ببركة ما فعلوه؛ بلَّغوا الدين وجاهدوا في سبيل اللَّه، وهم أكمل الأمة عقلاً وعلماً وفقهاً وديناً، يقول ابن مسعود رضي اللَّه عنه: «مَنْ كَانَ مُسْتَنّاً فَلِيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، فِإِنَّ الحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَةُ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ، كَانُوا وَاللَّهِ أَفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَبَرَّهَا قُلُوباً، وَأَعْمَقَهَا عِلْماً، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفاً؛ قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ ﷺ وَإِقَامِةِ دِينِهِ»، يقول الشافعي رحمه اللَّه: «هم فوقنا في كل فقه وعلم ودين وهدى، وفي كل سبب ينال به علم وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا».

وقد أثنى اللَّه على الصَّحابة وأخبرنا أنه رضي عنهم وأعدَّ لهم الحسنى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التَّوبة: 100]، وكلٌّ منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام.

وبالوقوف على أخبارهم تحيا القلوب وتقوى العزائم، وباقتفاء آثارهم تحصل السعادة وبمعرفة مناقبهم تكون القدوة بجميل الخصال، ونبيل المآثر والفعال، قال ابن الجوزي رحمه اللَّه: «كان السلف يُعَلِّمون أولادهم حب أبي بكر وعمر كما يُعَلِّمُونهم السورة من القرآن».

وأكمل الصحابة وأفضلهم وأسبقهم إلى الخيرات عبد اللَّه بن عثمان بنِ عامر القرشي أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه،

كان معظَّماً في قريش، محبباً مألوفاً، خبيراً بأنساب العرب وأيامِهم، يألفونه لعقله وعلمه وإحسانه، ولما جاء الإسلام بادر إلى تصديق رسول اللَّه ﷺ، ولازم الصدق، فلم تقع منه هنة ولا وقفة في حال من الأحوال.

أجمعت الأمة على تسميته بالصديق يقول النبي ﷺ: «إِنِّي قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلِيكُمْ جَمِيعاً، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكَرٍ: صَدَقْتَ» (رواه البخاري).

دُعي إلى الإسلام فما كَبَا ولا نَبَا، فكان أول من آمن من الرجال.

أبو بكر رضي اللَّه عنه، له المواقف الرفيعة والأيادي الكريمة، رجل عظيم القدر، رفيع المنزلة، كان حازماً رحيماً حليماً كريماً، نافح عن دينه ونصر رسوله ﷺ، أوَّلُ الخلفاء الراشدين، وأوَّلُ العشرة المبشرين، شديد الحياء، كثير الورع، غني بماله وجاهِه وأخلاقِه، لم يشرب الخمر قط لسلامة فطرته وعقله، ولم يعبد صنماً في حياته، بل كان يكثر التبرم منها، ولم تُؤْثَر عنه كَذْبة قط بل كان صِدِّيقاً صَدَوقاً رضي اللَّه عنه وأرضاه، أوَّلُ من دعا إلى اللَّه؛ فأسلم على يديه خمسة من العشرة: عثمان، وطلحة، وسعد، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف رضي اللَّه عنهم جميعاً.

وهو أوَّلُ من أوذي بعد رسول اللَّه ﷺ حتى خرج من مكة مهاجراً إلى الحبشة، وحثوا التراب على رأسه.

عاش في ذروة سنام الصحبة وأعلى مراتبها، صحب النَّبي ﷺ من حين بعثه اللَّه إلى أن مات، كمل في الصحبة كمالاً لم يشركه فيه غيره؛ كان مُؤْنِساً للنَّبي ﷺ؛ هاجر وحده منفرداً معه، وأقام معه وحده يوم بدر في العريش، ماله مبارك، يتجر ويأكل من كسبه، وإنفاقه أفضل من إنفاق غيره، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَا نَفَعَنِي مَالَ قَطْ كَمِالِ أَبِي بَكْرٍ»، كان أبعد الناس عن النعمة التي تجزى، وأولاهم بالنعمة التي لا تجزى، أنفق في سبيل اللَّه ماله كله، يقول عمر رضي اللَّه عنه: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالاً عِنْدِي فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكِرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْماً، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا أَبْقَيْتَ لَأَهْلِكَ؟ فَقُلْتُ: مِثْلَهُ - أي: تصدق بشطر ماله -، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ عُمَرُ: لَا أَسَابِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَداً» (رواه أبو داود).

الصِّدِّيق رضي اللَّه عنه شريف النفس سامي الروح، لم يطلب من مخلوق مالاً ولا حاجة دنيوية، إذا سقط سوطه من يده لا يقول لأحد ناولني إياه، ويقول: «إِنَّ خَلِيلِي ﷺ أَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئاً» (رواه أحمد).

أرجح الأمة إيماناً، اليقين والإيمان الذي في قلبه لا يساويه فيه أحد، لو وزن إيمانه بايمان هذه الأمة ليس فيها رسول اللَّه ﷺ لَرَجَحَ بهم.

أعلم الصحابة والأمة وأذكاهم، كان يقضي ويفتي بحضرة النَّبي ﷺ ويُقِرُّه، ولم تكن هذه المرتبة لغيره، وقد عرف الصحابة له هذا الفضل، قال أبو سعيد الخدري رضي اللَّه عنه: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا».

لم تختلف الأمة في عصره في مسألة إلا فَصَلَها، بيَّن لهم موتَ النبي ﷺ، وثَبَّتهم على الإيمان بعد موته، وبيَّن لهم موضعَ دفنه وميراثَه، واستخلفه رسول اللَّه ﷺ على الصَّلاة التي هي عمود الإسلام، واستعمله النَّبي ﷺ على أوَّلِ حَجَّةٍ حُجَّتْ من المدينة، قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: «وعلم المناسك أدقُّ ما في العبادات، وليس في مسائل العبادات أشكلُ منها، ولولا سعة علمه لم يستعمله»، وقال أيضاً: «لم يحفظ له قول يخالف فيه نصّاً، ولا يعرف له مسألة من الشريعة غَلَط فيها، ثم الأقوال التي خولف فيها الصِّديق بعد موته قوله فيها أرجح من قول من خالفه بعد موته».

حياته كلها للَّه، لم يفارق المدينة إلا حاجاً أو معتمراً أو غازياً، أزهد الصحابة في الحياة، ما جمعه من مال أنفقه في سبيل اللَّه، تقول ابنته عائشة رضي اللَّه عنها: «لما مات ما ترك ديناراً ولا درهماً».

أمينٌ في الأمة، من كُتَّاب الوحي المنزلِ على خير خلق اللَّه، أشجعُ الناس، لم يكن بعد رسول اللَّه ﷺ أشجعَ منه، يقول شيخ الإسلام رحمه اللَّه: «أبو بكرٍ رضي اللَّه عنه أقوى قلباً من جميع الصّحابة، لا يقاربه في ذلك أحد منهم، لم يُعرف عنه قطُّ أنه جَبُنَ عن قتال عدوه».

أبو بكر يُقْدِم في المخاوف، يَقِي النبي ﷺ بنفسه في بدر في العريش وحده مع النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وثبت في أُحُد وحنين، ولم ينهزم مع من انهزم، يقول عن نفسه: «ما دخل قلبي رُعْب بعد ليلة الغار، فإن النبي ﷺ لَمَّا رأى حزني قال: لَا عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِهَذَا الأَمْرِ بِالتَّمَامِ».

في دهشة العقول بموت النبي ﷺ - بثبات قلب ورباطة جأش - صدع بكلمات مؤثرة: «من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت» قال أنس رضي اللَّه عنه: «خطبنا أبو بكر رضي اللَّه عنه وكنا كالثعالب، فما زال يُشَجِّعُنا حتى صرنا كالأسود».

قاد الأمة بعد رسولها بعدل وحكمة وسؤدد، وأقام الإسلام، وأدخل الناس من الباب الذي خرجوا منه مع كثرة المخالفين من المرتدين وغيرهم.

أَسَدُّ الصحابة رأياً وأكملهم عقلاً، كان النبي ﷺ إذا استشار أصحابه أول من يتكلم أبو بكر رضي اللَّه عنه في الشورى، ويعمل النبي ﷺ برأيه وحده في الأمور العظيمة، فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه - كما في أسارى بدر وصلح الحديبية -، وكان عمر رضي اللَّه عنه يراجعه في عهد النبوة؛ لكمال عقله ورجاحة رأيه.

ليس في الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده وأولاد أولاده وأدركوا النبي ﷺ سواه، قال شيخ الإسلام رحمه اللَّه: «فهم أهل بيت إيمان ليس فيهم منافق، ولا يُعرف هذا لغير بيت أبي بكر، وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت، فبيوت أبي بكر من بيت الإيمان»، ومن هذا البيت العامر بالإيمان خرجت عائشة بنت الصِّديق رضي اللَّه عنها، وفيه ترعرعت على يد والدها.

وقد كان صوَّاماً قوَّاماً منفقاً مجاهداً، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه ولم يَسْمَعِ الناسَ قرأتَه من البكاء، سبَّاق إلى البرِّ والخيرات، في يوم واحد أصبح صائماً وتبع جنازة وعاد مريضاً وأطعم مسكيناً، ولا اجتمعت في امريءٍ إلا دخل الجنة.

أبو بكر أفصح الناس وأخطبهم كان يخطب عن النبي ﷺ في حضوره وغيبته، ويخاطب الوفود تَقْدِمةً للنبي ﷺ لا تقدماً بين يديه، لم يسوء النبي ﷺ قط أحبه عليه الصَّلاة والسَّلام حبّاً جمّاً، قال عمرو بن العاص رضي اللَّه عنه: «قلت يا رسول اللَّه، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال عمر» (رواه البخاري).

كان يزوره النبيُّ ﷺ في بيته أول النهار وآخره ويأنس به ويقول: أخي وصاحبي، قالت عائشة رضي اللَّه عنها: «لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول اللَّه ﷺ طرفي النهار بكرة وعشية، يحدِّثه في العلم والدين ومصالح المسلمين»، أفلا نحبّ من أحب نَبِيُّنا محمد ﷺ، يقول عليه الصَّلاة والسَّلام: «نعم الرجل أبو بكر» (رواه الترمذي).

النَّبي ﷺ يرأف به ويشفق عليه، لما رأى النبي ﷺ هَمَّه في الغار قال له: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»، تزوج رسولنا ﷺ ابنته، وكانت أحبّ النساء إليه، توفي في حِجْرِها وحُجْرتها وكانت مباركة على هذه الأمة.

«شَبَّهَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالنَّبِيَّيْنِ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فِي لِينِهِ فِي جَانِبِ اللَّهِ» (رواه مسلم)، واسى النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بنفسه وماله وأغدق ماله لرسول اللَّه ﷺ لنصرة الإسلام حتى قال ﷺ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا كَافَيْنَاهُ عَلَيْهَا مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَداً يُكَافِئُهِ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ» (رواه الترمذي)؛ لذا قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ» بل هو أوَّلُ من يدخل الجَنَّة من هذه الأمة بعد نبيها، «أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي» (رواه أبو داود)، بل ويدعى في الجنة من باب الصَّلاة والجهاد والصدقة والريان.

والصحابة رضي اللَّه عنهم أحبوه وأَجلُّوه يقول عمر رضي اللَّه عنه: «واللَّه لَلَيْلة من أبي بكر ويوم، خير من عمرَ وآلِ عمر»، ويقول: «أبو بكر سيدنا وخيرنا»، ويقول ابن عمر رضي اللَّه عنهما: «كُنَّا زمن النبي ﷺ لا نَعْدِلُ بأبي بكر أحداً» (رواه البخاري)، ولمحبتهم له سمى الصحابة رضي اللَّه عنهم أولادهم باسمه، فلعلي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أولاد سمى أحدهم أبا بكر والآخر عمر.

تلكم - عباد اللَّه - بعضُ مناقبِ الصديق رضي اللَّه عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء، فاعرفوا لصاحب رسول اللَّه حقَّه، وأنزلوه منزلته.

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 23].

بارك اللَّه لي ولكم في القرآن العظيم ...


الخطبة الثانية

الحمد للَّه على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّه وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه.

أمَّا بعد: أيُّها المسلمون:

فأَمْرُ آخر هذه الأمة لا يصلح إلا بما صلح به أولها، وأصحاب النبي ﷺ هم خير الخلق بعد رسول اللَّه ﷺ، ومعرفة أحوالهم وأخلاقهم وسيرهم تضيءُ الطريق أمام المؤمن الذي يريد أن يعيش أسوة محمد ﷺ، وأخبارهم دواء للقلوب، وجِلاء للألباب من الدنس والعيوب، مثال يحتذى، ونبراس يقتدى؛ لِيَعْرِفَ المتأخرُ للمتقدم فضله، ويسعى على دربه ونهجه.

فلازم الصِّدق في حديثك تكن من الصِّديقين، وأنفق من مالك ابتغاء وجه اللَّه تُكَفَّر عنك الذُّنوب، وأحسن إلى الخلق فبالإحسان إليهم تنجلي الهموم والكروب، واصبر على الأذى في ذات اللَّه فذا دأب المصلحين، واقتصر على الكسب الحلال يباركْ لك في المال، وتعفف عما في أيدي الناس تكن أعزَّهم، وازهد في الحياة تأتك الدنيا راغمة، وباليقين والإيمان ترتقي في درجات الجنان، وتزَوَّد من العلم فهو شعار الموفقين، واجعل حياتك كلها للَّه تكن أسعد خلق اللَّه، واتصف بالأمانة تكن لك العاقبة، واجعل الحكمة مصاحبة لقولك وفعلك تكن راجح الرأي، وأكثر من الصيام والصَّلاة وإطعامِ المساكين وعيادةِ المرضى واتباعِ الجنائز تدعى من أبوابها في الجنان، واتَّصف بالحِلم والعفو يغفر لك، وأَجِلَّ صحابةَ رسولِ اللَّه ﷺ فإجلالك لهم من محبَّتك لنبيِّك، وأحبهم تحشر معهم، فتلك صفات الصِّديقين؛ فاتصف بها لتلحق بهم.

ثم اعلموا أنَّ اللَّه أمركم بالصَّلاة والسَّلام على نبيِّه ...


([1]) ألقاها الشيخ د. عَبْدُ المُحْسِنِ بْنِ مُحَمَّدٍ القَاسِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ، يوم الجمعة، الثامن من شهر ذي القعدة، سنة إحدى وعشرين وأربع مئة وألف من الهجرة، في مسجد الرسول ﷺ.