حاجتنا إلى الشكر
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله العزيز الحميد، وعَدَ الشاكرين بالمزيد، وتوعَّدَ الكافرين بالعذاب الشديد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغفور الودود، ذو العرش المجيد، فعَّالٌ لِمَا يريد, وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، خير العبيد، صاحب القول السديد والعمل الرشيد، صلى الله وسلم عليه كلما أُصيب المؤمن بالسرَّاء فشكر وبالضرَّاء فصبر، وعلى آله وصحبه ومَن سَلَكَ طريقه إلى يوم الدين.,
أما بعد:
أحبتي في الله, اتقوا الله الذي }سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً{ [لقمان: 20]، }وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ{ [إبراهيم: 34].
قابلوا إحسانه بالإحسان، واحفظوا النِعَم بالطاعة والعرفان، واحذروا من الجحود والنكران، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، فإن فضل الله علينا عظيم، وإن إنعامه علينا جسيم، وإن خيره علينا عميم، شَمَلَ بفضله الأبدان فأطعمها عند جوعها، وسقاها عن عطشها، وكساها عند عُريها، ومَنَّ علينا بالمساكن الواسعة، والمراكب الفاخرة، والملابس اللينة، وأمنها في أوطانها، وعفاها في أبدانها، وجعلها تتقلَّب في النِعَم الكثيرة صباح مساء، وأتمَّ عليها النعمة بكلام اللسان، ونظر العين، وسماع الأُذن، وبطش اليد، وحركة الرِّجل. يقول تعالى عن هذا الفضل: }فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [الجمعة: 10]. ويقول: }وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ{ [المؤمنون: 78].
* * * *
فضل الشكر
جعل من فضله فضلاً خاصًّا بالمؤمنين، هداهم للإسلام فأحبوه أكثر من أولادهم ووالديهم والناس أجمعين، وأبقاهم على الفطرة السويَّة التي لا خوف علي أهلها ولا هم يحزنون، وعمَّر حياتهم بالطاعة التي وجدوا لذَّتها أشد من لذة الطعام والشراب واللباس والسكن, يقول الله تعالى: }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [يونس: 58].
وأهل الفضل الخاص هم أولو الفضل الذين فضَّلهم الله على كثير ممن خَلَق تفضيلاً، وهم الذين أنعم الله عليهم بأعظم نعيم، وهو نعيم الاستقامة وجنَّبهم طريق المغضوب عليهم والضالين، وجَعَلهم من أهل الفضل الكبير وهو الجنة. }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا{ [الأحزاب: 45-47]، ويقول: }ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ{ [فاطر: 32، 33].
وهذا الفضل يستوجب منَّا أن نطيع الله فلا نعصاه؛ لأن من }يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{ [النساء: 69]، ولأن يد الله سخاء بالليل والنهار، وخزائنه مليئة لا يغيضها شيء، وفي الحديث: «يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر».
وهذا الفضل يستوجب أن نذكر الله فلا ننساه؛ لأن نعمه وفضله معنا دائمة في الليل والنهار والسر والجهار، ولو أن أحدًا صَنَع إليكم معروفًا كل يوم لذكرته على الدوام فكيف ونِعَم الله في كل ثانية ودقيقة, يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا{ [الأحزاب: 41-44].
وفضل الله يستوجب منَّا أن نشكر الله فلا نكفره فما بنا من نعمة فمن الله، ولن نستطيع أن نؤدي شكر نعمة واحدة. يقول تعالى: }إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{ [الزمر: 7].
وشكر الله واجب في جميع الأحوال، يجب أن يكون في الشباب والهرم، وفي الصحة والسقم، وفي الغِنى والفقر، وفي الفراغ والشغل، وفي السرَّاء والضراء، وفي اليقظة والنوم، وفي السفر والإقامة، وفي كل وقت وفي كل حين؛ لأن نعمة الله دائمة وشكره يجب أن يكون دائمًا، والشكر هو تصور النعمة ثم إظهارها ويدور على ثلاثة أركان.
1- الاعتراف بالنعمة باطنًا.
2- التحدث بها ظاهرًا.
3- الاستعانة بها على طاعة الله تعالى.
ويكون الشكر بالقلب واللسان والجوارح، فشكر القلب بمعرفة المنعم تعالى ومحبته، وشكر اللسان بالثناء على الله بما هو أهله وحمده على نعمه، وشكر الجوارح باستعمالها في طاعة الله تعالى وكفها عن معاصيه.
ولأهمية الشكر اشتقَّ الله له من اسمه وصفته، فهو تعالى الشكور الشاكر، وصفته الشكر، وقد شكر الله تعالى لأهل الفضل فضلهم، فقد شكر لسليمان فعله عندما عقر خيله وقسَّمها على الفقراء والمساكين، وعوَّضه عنها الريح }غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ{، }تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ{، وشَكَرَ للصحابة فِعْلهم عندما هاجروا وجاهدوا وآمنوا وصبروا وصدقوا ما عاهدوا الله عليه، فرزقهم أموال اليهود والنصارى والمجوس والوثنيين والمنافقين، وشَكَرَ للشهيد الذي بذل نفسه وماله في سبيل الله وتَرَكَ ماله وولده ووطنه وأهله فجعل روحه في حواصل طير خضر تطير في الجنة حيث تشاء، وأعطاه عدة خصال: غفر له مع أول قطرة من دمه، وأمنه من فزع القبر، ومن فزع يوم القيامة، وأراه مكانه في الجنة، وزوَّجه باثنتين وسبعين حورية، وشفَّعه في سبعين من أهله، وكساه حُلَّة الإيمان.
وشَكَرَ للَّذي وَجَدَ غصن شوك في طريق الناس فأزاله، فشكر الله له هذا العمل النبيل وغَفَرَ له وأدخله الجنة؛ فالله شكور يحب الشكر، قَرَنَ الله بين الشكر والذِكْر؛ ليكون العبد ذاكرًا شاكرًا دائمًا. يقول الله تعالى: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ{ [سورة البقرة: 152].
وقَرَنَ بينه وبين الإيمان؛ ليكون العبد مؤمنًا وبإيمانه يكون شاكًرا. يقول تعالى: }مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا{ [النساء: 147]، وأخبر تعالى بقلَّة أهله من العالمين، يقول تعالى: }وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{ [سبأ: 13]، وأهل القلَّة هم أهل المعادن النفيسة، وأهل المنازل العالية. ولذا يقول تعالى لآدم: «أخرِج أهل النار من ذريَّتك. فيقول: مَن هم يا رب؟ فيقول: أخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة». وقد كان عمر يقول: اللهم اجعلني من القليل. قالوا: كيف. قال: لأن الله تعالى يقول: }إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ{ [ص: 24].
وقسَّم تعالى عباده إلى شكور وكفور، وأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله. يقول تعالى: }إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا{ [الإنسان: 3]، وقال عن نبيه سليمان: }قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ{ [النمل: 40]. ووعد تعالى بالمزيد لمَن شكر، فمن أراد حفظ النعمة وعدم زوالها وزيادتها وأداء حق الله فيها فليشكر الله. قال تعالى: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7]. وأخبر أن رضاه في شكره ومَن رضي الله عليه أدخله الجنة ولم يعذبه أبدًا. قال تعالى: }إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{ [الزمر: 7]، ويقول ﷺ: «مَن قال حين يُصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. فقد أدَّى شكر يومه، ومن قال ذلك حين يمسي فقد أدَّى شكر ليلته». وقال أبو هريرة: مَنْ رُزِقَ الشكر لم يُحْرَم الزيادة، ومَن رُزِقَ الصبر لم يُحْرَم الثواب، ومَن رُزِقَ التوبة لم يُحْرَم القبول والعفو، ومَن رُزِقَ الاستغفار لم يُحْرَم المغفرة، ومَن رُزِقَ الدعاء لم يُحْرَم الإجابة.
وقد جعل الله الشكر مفتاح كلام أهل الجنة، فقال: }وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ{ [الزمر: 74]. والشكر: هو أول وصية وصَّى بها الله الإنسان بعد ما عقل عنه. يقول تعالى: }أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ{ [لقمان: 14].
والشكر هو أول كلمة قالها آدم u، إذ لمَّا نَفَخَ الله فيه الروح طارت إلى رأسه فعطس فحمد الله. فقال الله: يرحمك الله. ولمَّا علم إبليس أهمية الشكر حرص على صرف الناس عنه، وتوعَّد أن يأتيهم من كل جهة. قال تعالى: }ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{ [الأعراف: 17]، وقد مَدَحَ الله أنبياءه بالشكر.
* فها هو أول رسول إلى أهل الأرض، وهو الأب الثاني للبشر إذ لم يأت بعده أحد إلا وهو من ذريَّته نوح u يشكر الله على جميع أحواله عند مطعمه ومشربه وملبسه ومركبه فسمَّاه الله عبدًا شكورًا. يقول تعالى: }ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا{ [الإسراء: 3].
* وها هو الخليل u يُثني عليه الرب بأنه أُمَّة وقدوة للناس يقتدون به، وأنه دائم الشكر لله تعالى. يقول تعالى: }إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [النحل: 120، 121].
* وها هو موسى u يأمره الله بالشكر بعد أن اصطفاه تعالى برسالته وبكلامه. يقول تعالى: }يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ{ [الأعراف: 144].
* وها هو داود وسليمان u يقول الله لهما: }اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{ [سبأ: 13].
* وها هو رسولنا ﷺ يشكر الله على جميع أحواله، عُرِضَت عليه بطحاء مكة لتكون له ذهبًا فقال: «لا يا رب، أُريد أن أجوع يومًا فأذكرك، وأشبع يومًا فأشكرك».
ومن صفات هذه الأمَّة الشكر، ففي الحديث أن الله عز وجل يقول: «يا عيسى، إني باعث بعدك أُمَّة إن أصابهم ما يحبون حمدوا الله وشكروه، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا».
وقد أوصى رسول الله ﷺ معاذًا بالشكر، وأَمَرَه أن يدعو الله أن يعينه عليه. قال: «يا معاذ، إني أحبك، لا تدع أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنِّي على ذِكْرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك».
وأَمْر المؤمن كله خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. واعلموا أن الشكر يكون باللسان، حمدًا وثناءً على الله بما يستحقه، فقد سمع ﷺ رجلاً يقول: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، قال: «لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكًا أيُّهم يحملها». وقال: «إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها».
ويكون الشطر بالسجود لله تعالى ويسمى: (سجود الشكر).
* فقد روى أبو بكر t أن رسول الله ﷺ إذا جاءه أمر سرور أو بُشِّر به خرَّ ساجدًا.
* وروى ابن عباس أن رسول الله ﷺ سَجَد في سجدة }ص{ وقال: «سجدها داود توبة وأسجدها شكرًا».
* ولمَّا جاءه جبريل وقال له: إن الله يقول: مَن صلَّى عليك واحدة صلَّى الله عليه بها عشرًا. فسجد سجودًا طويلاً، قال عبد الرحمن بن عوف: حتى ظننت أنه مات من طول السجود.
* وقد روي أن أبا بكر سجد لله شكرًا لمَّا أُخْبِر أن مسيلمة الكذاب قُتِل.
* وسجد علي بن أبي طالب لله شكرًا لمَّا أُخْبِر أن الخارجي بن الثدية قُتِل.
* وسجد كعب بن مالك لله شكرًا لمَّا تاب الله عليه.
وهكذا المؤمن إذا جاءه خبر سار يسجد لله ويحمد الله ويشكره، ولا يصفق ولا يصفر بل يُسَبِّح كما ورد عن الصحابة عندما قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا...».
ويكون الشكر بالصلاة، فقد وَرَدَ أن رسول الله ﷺ صلَّى يوم الفتح ثماني ركعات في بيت أم هانئ، وقد قيل إنها صلاة شكر، وقيل صلاة ضُحى، وقال عن صلاة الليل: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
ويكون بالصدقة على الفقراء والمساكين، فسليمان u تصدَّق بخَيْلِهِ في سبيل الله، وتقرَّب بها إلى الله تعالى.
ويكون بالصيام، وقد صام موسى u يوم عاشوراء وهو العاشر من محرم؛ لأنه اليوم الذي نجَّاه الله فيه من فرعون وقومه، ونجَّاه من الغرق، ونجَّى قومه معه فصامه موسى شكرًا، وصامته اليهود كذلك بل وصامته قريش، وقد واظب رسول الله ﷺ على صيامه حتى مات، ولم يُعْلَم أنه صام يومًا أكثر من صيامه لعاشوراء، وصيامه له على أربع حالات:
صامه في مكة. وصامه في المدينة عند قدومها وأَمَرَ الناس بصيامه، وترك الأمر بصيامه عند فرض رمضان، فكان صيامه نفلاً وكان قبل ذلك واجبًا، وقال قبل موته: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع» أي: من العاشر. ويوم عاشوراء مرغب في صيامه إذ أن مَن صامه غَفَرَ الله به ذنوبه سنة ماضية. ومراتب صيامه ثلاث:
* المرتبة الأولى: أن يُصام يوم قبله ويوم بعده معه، فيكون الصيام ثلاثة أيام.
* المرتبة الثانية: أن يُصام يوم قبله أو يوم بعده معه.
* المرتبة الثالثة: أن يُصام هو فقط.
وحَرِيٌّ بالمسلم أن يحظى بصيامه ليحظى بثوابه، وليعلم المسلم أن كل عبادة لله تعالى فهي شكر له.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: الصلاة شكر، والصوم شكر، وكل خير تعمله شكر، وأفضل الشكر الحمد، ولكل جارحة شكر.
اللهم اجعل ألسنتنا ذاكرة، وجوارحنا شاكرة، واحفظ أوقاتنا وحياتنا بذكرك وشكرك، وصلى الله وسلم وبارك على محمد.
* * * *