مجموع الرسائل الحديثية

أعرض المحتوى باللغة العربية anchor

translation تأليف : عبد الرحمن المعلمي اليماني

<ul><li><a href="#t1">مجموع الرسائل الحديثية</a> <ul> <li><a href="#t2"> 1) الاستبصار في نقد الأخبار.</a> </li> <li><a href="#t3"> 2) رسالة في أحكام الجرح والتعديل:</a> </li> <li><a href="#t4"> 3) إشكالات في الجرح والتعديل:</a> </li> <li><a href="#t5"> 4) الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل:</a> </li> <li><a href="#t6">5) الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء.</a> </li> <li><a href="#t7">6) رسالة في الصِّيَغ المحتملة للتدليس أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟</a> </li> <li><a href="#t8"> 7) فوائد في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم الرازي:</a> </li> <li><a href="#t9">8) أحكام الحديث الضعيف:</a> </li> <li><a href="#t10"> 9) محاضرة في علم الرجال وأهميته.</a> </li> <li><a href="#t11">10) ملخَّص طبقات المدلسين لابن حجر</a> </li> <li><a href="#t12"> 11) تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري</a> </li> <li><a href="#t13">12) شرح حديث: "آية المنافق ثلاث ... "</a> </li> <li><a href="#t14"> 13) التعليق على الأربعين في التصوّف للسُّلَمي</a> </li> <li><a href="#t15"> 14) صفة الارتباط بين العلماء في القديم</a> </li> <li><a href="#t16">الرسالة الأولى الاستبصار في نقد الأخبار</a> </li> <li><a href="#t17">الرسالة الثانية رسالة في أحكام الجرح والتعديل</a> </li> <li><a href="#t18">الرسالة الثالثة إشكالات في الجرح والتعديل</a> </li> <li><a href="#t19">الرسالة الرابعة الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل</a> </li> <li><a href="#t20">الرسالة الخامسة الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء</a> </li> <li><a href="#t21">الرسالة السادسة رسالة في الصيغ المحتملة للتدليس أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟</a> </li> <li><a href="#t22">الرسالة السابعة فوائد في كتاب «العلل» لابن أبي حاتم</a> </li> <li><a href="#t23">الرسالة الثامنة أحكام الحديث الضعيف</a> </li> <li><a href="#t24">الرسالة التاسعة محاضرة في علم الرجال وأهميته</a> </li> <li><a href="#t25">الرسالة العاشرة مُلَخّص طبقات المُدلِّسين</a> </li> <li><a href="#t26">الرسالة الحادية عشرة تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري</a> </li> <li><a href="#t27">الرسالة الثانية عشرة شرح حديث: "آية المنافق ثلاث ... "</a> </li> <li><a href="#t28">الرسالة الثالثة عشرة التعليق على "الأربعين في التصوف" للسلمي</a> </li> <li><a href="#t29">الرسالة الرابعة عشرة صفة الارتباط بين العلماء في القديم</a> </li> </ul></li> </ul><div class="rtl start"><div class="rtl start"><h1 class="rtl start" id="p1"><a id="t1" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t1">مجموع الرسائل الحديثية</a></h1><p class="rtl right" id="p30"> <span class="c2">(1 - 14)</span> تأليف الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي <span class="c2">(1312 - 1386)</span> تحقيق علي بن محمد العمران</p><p class="rtl left" id="p31"><span class="c2">(مقدمة 15/1)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p32">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ</p><p class="rtl left" id="p33"><span class="c2">(مقدمة 15/2)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p34">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،<span class="c6"> وبعد:</span> فهذا مجموع يضم عدة رسائل في علوم الحديث وما يتعلّق به، من تأليف الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي <span class="c2">(ت 1386)</span> رحمه الله تعالى، وهذه الرسائل كتبها المؤلف في فترات مختلفة، فبعضها إبّان إقامته في الهند، كرسالة "علم الرجال" و"التعليق على الأربعين" وغيرها، وبعضها إبَّان استقراره في مكة المكرمة.<span class="c6"> وهذا مسرد الرسائل بحسب ترتيبها في هذا المجموع:</span> 1 - الاستبصار في نقد الأخبار. 2 - رسالة في أحكام الجرح والتعديل. 3 - إشكالات في الجرح والتعديل. 4 - الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل. 5 - الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء. 6 - رسالة في الصيغ المحتملة للتدليس، أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟ 7 - فوائد في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم. 8 - أحكام الحديث الضعيف.</p><p class="rtl left" id="p35"><span class="c2">(مقدمة 15/5)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p36">9 - محاضرة في علم الرجال وأهميته. 10 - مُلَخّص طبقات المُدلِّسين. 11 - تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري. 12 -<span class="c6"> شرح حديث:</span> "آية المنافق ثلاث ... ". 13 - التعليق على "الأربعين في التصوف" للسلمي. 14 - صفة الارتباط بين العلماء في القديم. وسنتحدّث عن كل رسالة بما يُعرِّف بها، ويكشف عن غرضها وموضوعها، وبيان أصولها المعتمدة في التحقيق وطريقة العمل عليها. </p><h2 class="rtl start" id="p2"><a id="t2" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t2"> 1) الاستبصار في نقد الأخبار.</a></h2><p class="rtl right" id="p37"> هذه الرسالة سمَّاها مؤلفها بهذا الاسم، كما هو واضح على صفحة الغلاف. وغرض المؤلف منها كما يقول في مقدمتها <span class="c2">(ص 5)</span>: "رسالة في معرفة الحديث، أتوخَّى فيها تحرير المطالب، وتقرير الأدلة، وأتتبع مذاهب أئمة الجرح والتعديل؛ ليتحرر بذلك ما تعطيه كلماتهم في الرواة ... ". ثم شرح الأسباب التي دفعته إلى تأليفها،<span class="c6"> فأشار إلى أمرين رئيسين:</span> الأول: اختلاف اصطلاحات الأئمة في إطلاق عبارات الجرح والتعديل.<span class="c6"> الثاني:</span> اختلافهم في الاستدلال على أحوال الرواة. وتمنَّى إنْ تَمّت رسالتُه هذه أن يتضح بها سبيل القوم في نقد الحديث،</p><p class="rtl left" id="p38"><span class="c2">(مقدمة 15/6)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p39">ويتبيّن أن سلوكَه ليس بالأمر العسير على أولي الهمم العالية، فيكون منهم أئمة مجتهدون في ذلك. انظر <span class="c2">(ص 6)</span>.<span class="c6"> ثم ذكر أن نقد الخبر على أربع مراتب هي:</span> الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا.<span class="c6"> الثانية:</span> النظر في اتصاله.<span class="c6"> الثالثة:</span> البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطأ إن كان.<span class="c6"> الرابعة:</span> النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه. وأراد أن يعقد لكل واحدة من هذه الأربع مقالةً خاصّة، لكن لم يصلنا إلا كلامه على المقالة الأولى، ولا ندري هل كتب غيرها فَضَاع أو توقف عندها فلم يكملها؟<span class="c6"> وقد قسَّم المؤلف الكلامَ في هذه المقالة إلى أربعة أبواب:</span> الأول: الإسلام.<span class="c6"> الثاني:</span> البلوغ.<span class="c6"> الثالث:</span> العقل.<span class="c6"> الرابع:</span> العدالة. ثم بعد أن تكلم عن كل باب ختم بالكلام على العدالة وتعريفها وأدلتها،<span class="c6"> ثم عقد عشرة فصول متعلّقة بها وهي:</span> 1 - الصحابة <span class="c2">(ص 19 - 29)</span>. 2 - التابعون <span class="c2">(ص 30 - 34)</span>. 3 - فصل حدّ الكبيرة <span class="c2">(ص 35)</span>. 4 - فصل في الإصرار على الصغيرة <span class="c2">(ص 35 - 36)</span>. 5 - فصل صغائر الخسة <span class="c2">(ص 36 - 38)</span>. 6 - فصل في خوارم المروءة <span class="c2">(ص 38 - 40)</span>. 7 - فصل في التفسيق <span class="c2">(ص 40)</span>. 8 - فصل إذا وقع ما تقرَّر أنه كبيرة فَلْتة <span class="c2">(ص 41 - 43)</span>.</p><p class="rtl left" id="p40"><span class="c2">(مقدمة 15/7)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p41">9 - فصل في المبتدع <span class="c2">(ص 43 - 44)</span>. 10 - فصل في المعدّل والجارح <span class="c2">(ص 44 - 62)</span>. وبهذا القدر ينتهي الموجود من الرسالة، ولم ينته الكلام في نظري على هذه المقالة وهي "النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا". وهذه المقالة تمثّل نحو ربع الرسالة من حيث التقسيم الذي ذكره في أولها لا من حيث حجم الرسالة <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> تحتفظ مكتبة الحرم المكي الشريف بنسخة الرسالة الوحيدة برقم <span class="c5">[4783]</span>، كتبت في دفتر معتاد بخط مؤلفها المعروف، تقع الرسالة في 62 صفحة بترقيم المؤلف.<span class="c6"> كتب المؤلف عنوان الرسالة في صفحتها الأولى:</span> "الاستبصار في نقد الأخبار" ثم كتب في منتصف الصفحة على الجهة اليسرى بقلم الرصاص ــ ثم أعاد عليه بقلم أسود ــ: "قوله تعالى: <span class="c4">{وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}</span> يحتمل معنيين،<span class="c6"> الأول:</span> أنهم كانوا عارفين، فيكون استفعل بمعنى فعل مع ما ....<span class="c6"> الثاني:</span> أنهم كانوا معتقدين أنهم ذوو معرفة، فيكون استفعل للاعتقاد، على ما في شرح الرضيّ للشافية.<span class="c6"> ومثَّل له بقوله:</span> "استكرمته" أي: اعتقدت فيه الكرم، واستسمنته،<span class="c6"> أي:</span> اعتقدت فيه السّمن،<span class="c6"> واستعظمته أي:</span> عددته ذا عَظَمَة". والنسخة أقرب إلى كونها مبيَّضة مقارنةً بما تركه المؤلف من كتب ورسائل، على أنها لا تخلو من الضرب والتخريج والبياضات. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر في احتمال ارتباط هذه الرسالة بالتي تليها <span class="c2">(ص 11)</span>.</p><p class="rtl left" id="p42"><span class="c2">(مقدمة 15/8)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p43">والرسالة لم يصلنا منها إلا هذا القَدْر،<span class="c6"> وتنتهي عند قوله:</span> "من الإسناد رجل أو نحو ذلك". وهذا القدر لا يمثل إلا نحو الربع كما سلف. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p3"><a id="t3" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t3"> 2) رسالة في أحكام الجرح والتعديل:</a></h2><p class="rtl right" id="p44"> هذه الرسالة لم يسمها مؤلفها بهذا الاسم،<span class="c6"> ولكنا أخذناه من قوله:</span> "وقد عنَّ لي أن أجمع رسالة في أحكام الجرح والتعديل ... ". وكان غرض المؤلف منها أمرين،<span class="c6"> الأول:</span> حل مشكلات الفن.<span class="c6"> الثاني:</span> تيسير طرق الاجتهاد في هذا الفن، ليتمكَّن العالم من الحكم على الرواة بنفسه بالحجة والدليل. لكن القَدْر الذي وصلنا من هذه الرسالة ناقص الأول والآخر، مشوّش الترتيب، وهي تقع بحسب ما وصلنا ضمن مجموعة أوراق للشيخ فيها مسائل عدة <span class="c2">(تصحيح الكتب، وبحث إعادة الصلاة، والكلام على الفاتحة، وهذه الرسالة)</span>. وهي تبدأ من الورقة 25 ب <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> فقد وضع المؤلف خطًّا في الثلث الأخير من الورقة وبدأ بقوله:</span> "هذا وضبط الخبر وإتقانه يحتاج ... " وكان قبله قد كتب سطرًا وضرب عليه. وهذه البداية تدلّ على أن هناك كلامًا سبق لكن لم نجده ضمن هذه الأوراق. ويستمرّ الكلام متواصلًا في موضوع الضبط إلى ص 28، ثم تبدأ _________ <span class="c2">(1)</span> الترقيم حديث وليس من الشيخ.</p><p class="rtl left" id="p45"><span class="c2">(مقدمة 15/9)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p46">ص 29 بقوله: "وقد عنَّ لي أن أجمع ... " ــ كما سبق نقله ــ وبيَّن غرضه من تأليف الرسالة ... وعند النظر والتأمل يتبين أن هذا الكلام هو الأشبه أن يكون بدايةً للرسالة، لذا فقد قدّمناه إلى أولها، فالقطعة من <span class="c5">[ص 25 - 28]</span> في موضوع الضبط، ومن <span class="c5">[ص 29 - 34]</span> في موضوع العدالة، والعدالة كما لا يخفى مقدَّمة في الكلام على الضبط. هذا ما يتعلق بترتيب الرسالة والتقديم والتأخير فيها. أما موضوعات الرسالة،<span class="c6"> فقد مهّد المؤلف للكلام على العدالة والصدق ومَن هو الذي ينبغي أن يُصدّق بالكلام على آية:</span> <span class="c4">{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ... }</span> <span class="c5">[التوبة: 61]</span> ودلالتها على تصديق المؤمنين فيما أخبروا به. ثم عَقَد فصلًا في المراد بالمؤمنين في الآية، وذَكَر الاحتمالات في ذلك، واختار أنه مَن أظهر الإسلام وظهرت دلائلُ إيمانه. ثم عَقَد فصلًا في دلالة الآية على قبول خبر العدل بخلاف غيره ممن تلبّس بالفسق. وانفصل منه إلى فصل في العدالة، تكلم فيه عن معناها لغة،<span class="c6"> ثم ذكر قولَه تعالى:</span> <span class="c4">{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ... }</span> ودلالتها على العدالة. ثم عقد فصلًا في المقصود من العدل وما الذي يخرم العدالة، وتخريج ما ورد من إشكالات في الباب، ثم فصلًا مختصرًا في الصغائر متى تخلّ بالعدالة.</p><p class="rtl left" id="p47"><span class="c2">(مقدمة 15/10)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p48">ثم تبدأ الورقة 33 بالبسملة <span class="c2">(1)</span>، ثم تكلم عن الطعن في العدالة بالبدعة وذكر الأقوال في ذلك،<span class="c6"> ثم أورد سؤالًا لبعضهم وهو:</span> كيف يكون الرجل عدلًا في شيء وغير عدل في شيء آخر؟ وأجاب عنه. وبه ينتهي الكلام على العدالة. ثم تبدأ القطعة التي أخرناها <span class="c5">[25 ب- 28]</span> وسلف الحديث عنها <span class="c2">(2)</span> بالكلام على ضبط الخبر،<span class="c6"> وأنه يحتاج إلى التيقظ في ثلاثة مواضع:</span> عند تلقي الخبر، وبين التحمل والأداء، وعند الأداء. وتكلّم عليها. ثم ذكر أمثلةً على التساهل والغفلة في الرواية من بعض الصالحين، وأن المدار في قبول الرواية على الأمن من وقوع الغلط في الرواية، وأنه لابد من التمييز بين الرواة، وأن الأخبار المحتج بها ثلاثة أقسام، ومعرفة الرواة يُحتاج إليها في كل الأقسام، وشَرْح ذلك. ثم تكلم على قلّة من يُتقن هذا الفن، وأنه في القرون المتأخرة صار نسيًا منسيًّا، وأن الناظرين في العلم من المعاصرين فريقان، وذَكَرهما.<span class="c6"> وانقطع الكلام عند قوله:</span> "وإيضاح ذلك بوجوه".<span class="c6"> وبدأ ورقة جديدة بقوله:</span> "فصل المجهول" ولم يكتب تحته شيئًا، فهل استكمل المؤلف مباحث هذه الرسالة أو لا؟ الله أعلم. وهذه الرسالة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالرسالة التي قبلها "الاستبصار"؛ فإنّ _________ <span class="c2">(1)</span> وهذه طريقة للمؤلف عرفناها في عدد من كتبه أنه إن طال الفاصل الزمني بين كتابة فصلين أو بحثين في رسالة واحدة أن يبدأ الكتابة بالبسملة أو الحمدلة. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 9)</span>.</p><p class="rtl left" id="p49"><span class="c2">(مقدمة 15/11)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p50">موضوعهما واحد، وهو الجرح والتعديل، وموضوع العدالة ... وأخشى أن تكون هذه الرسالة مسوّدة لرسالة "الاستبصار"، مع أن فيها فوائد ومعلومات ومكمّلات ليست في "الاستبصار"، كالحديث عن الضبط وتفاصيل الكلام على العدالة.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> للرسالة نسخة واحدة محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <a id="ref_4693" class="anchor"></a><a href="#note_4693" name="r_4693" class="fnote">[<span>4693</span>]</a> ضمن مجموع في عشر ورقات <span class="c5">[25 ب- 34]</span>، تقع في دفتر غير مسطّر من القطع الكبير، بخط مؤلفها المعروف. وهي نسخة مسوّدة كتب بعضها بالمداد الأسود وبعضها بقلم الرصاص، كثيرة الضرب والتخريج كشأن مسوّدات المؤلف. وقد مضى الكلام على إعادة ترتيب النسخة، بحيث جعلناها تبدأ من <span class="c5">[29 - 34]</span> ثم من <span class="c5">[25 - 28]</span>. </p><h2 class="rtl start" id="p4"><a id="t4" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t4"> 3) إشكالات في الجرح والتعديل:</a></h2><p class="rtl right" id="p51"> صدَّر المؤلف هذه الخاطرة بقوله: "مهمة"، ثم قرَّر أن أئمة الجرح والتعديل كثيرًا ما يوثقون رواة لم يدركوهم، وضَرَب عدة أمثلة، وأنه لا يُنكر على المتبحر في هذا العصر إذا تتبّع حديثَ الراوي أن يخلُص إلى حكم فيه، لكن بقيت إشكالات تتعلق بذلك، فذكر أربعة إشكالات ولم يجب عنها. والظاهر أن الشيخ قيَّد هذه الأسئلة على أمل أن يجيب عنها لاحقًا بجواب مفصّل، أو يعثر على مَن أجاب عنها من الأئمة، أو على سبيل التنزّل للاحتجاج لمن لديهم اعتراضات على هذا الفن، وهذه طريقة للمؤلف معروفة أنه قد يحتج لبعض الأقوال والمذاهب بما لم يخطر لهم على بال،</p><p class="rtl left" id="p52"><span class="c2">(مقدمة 15/12)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p53">ثم يكر عليها بالجواب والتفنيد. وعلى كل حال فهي تفتح أُفقًا في البحث والنظر في هذا العلم. وإن كان المؤلف لم يجب عن هذه الأسولة في هذه الورقات فقد أجاب عنها في أواخر ما وُجِد من رسالة "الاستبصار في نقد الأخبار- ضمن هذا المجموع" <span class="c2">(ص 59 - 62)</span> فإنه قال هناك: " قد يتوهَّم من لا خبرةَ له أنّ كلام المحدِّث فيمن لم يدركه إنّما يعتمد النقلَ عمّن أدركه، فالمتأخّر ناقلٌ فقط، أو حاكم بما ثبت عنده بالنقل. وهذا الحصر باطل، بل إذا كان هناك نقل، فإنّ المتأخِّر يذكره، فإن لم يذكره مرّة ذكره أخرى، أو ذكره غيره.<span class="c6"> والغالب فيما يقتصرون فيه على الحكم بقولهم:</span> "ثقة" أو "ضعيف" أو غير ذلك إنما هو اجتهاد منهم، سواء أكان هناك نقلٌ يوافق ذلك الحكم أم لا، وكثيرًا ما يكون هناك نقل يخالف ذاك الحكم. واعتمادهم في اجتهادهم على طرق". ثم ذكر ثلاث طرق تكفي في الجواب عن عُظْم هذه الإشكالات هنا.<span class="c6"> ويمكن أن يُجاب عن تلك الأسولة بجواب جُمْليّ فيقال:</span> لا يخلو الناظر في كلام أولئك الأئمة من حالين: إما أن يكون خبيرًا في فن الجرح والتعديل عارفًا به، أو يكون مقلِّدًا لا خبرة له فيه. فالثاني يسوغ له تقليد إمامٍ في الفنّ كما يسوغ له التقليد في الحكم الشرعي. والأول عنده أهليّة النظر والحكم، فينظر في حال الراوي كما نظر فيه النقَّاد قبله، فقد يوافقهم على الحكم أو يخالفهم، كما هو واضح من عمل الأئمة واختلافهم في الراوي الواحد بين مُضعِّف وموثِّق وغير ذلك.</p><p class="rtl left" id="p54"><span class="c2">(مقدمة 15/13)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p55">أما كون الإمام الناقد قد يخطئ في حكمه فأمْرٌ وارد؛ لأن حكمه مبنيّ على النظر والتأمل في القرائن، والحكم يكون نتيجة لغلبة الظن، كما هو الشأن في تصحيح الحديث وتضعيفه. ثم لا يتصوّر أن يوجد راوٍ أو حديث يوثِّقه أو يصححه إمام ــ ويكون مخطئًا في نفس الأمر ــ وتمضي الأمةُ على الخطأ ولا يوجد مَن يصحح هذا الخطأ أو يخالف هذا الناقد،<span class="c6"> فإن هذا يخالف حفظ الله للسنة الثابت بقوله تعالى:</span> {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ <span class="c2">(9)</span>}. والله أعلم.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> لهذه الرسالة نسخة واحدة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4658/ 4]</span> ضمن مجموع غير مرقم، يحوي عدة رسائل، وتقع في 3 صفحات في دفتر عادي متوسط الحجم. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p5"><a id="t5" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t5"> 4) الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل:</a></h2><p class="rtl right" id="p56"> لم يعنون المؤلف هذه الرسالة الموجزة، فاجتهدتُ في وضع عنوان مناسب لموضوعها؛ إذ أراد المؤلف منها بيانَ أهمية علم الجرح والتعديل، وأنه لابد من معرفته لمن أراد الاجتهاد.<span class="c6"> وطريقته التي سلكها في التمهيد لهذه النتيجة:</span> أنه قرَّر أن الله خلق الناس لعبادته وطاعته، وطاعته لا تكون إلا باتباع خاتمة الشرائع شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - التي تكفل الله بحفظها، فقيَّض للدين حَفَظة وللسنة نَقَلَة. وذكر حُسْبان</p><p class="rtl left" id="p57"><span class="c2">(مقدمة 15/14)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p58">بعض الناس: أن الجهاد في تمييز الحق من الباطل قد انتهى دوره، وأن هؤلاء على أقسام ... فأخذ في حوار الفرقة الثانية منهم، القائلة بأنه لا طريق إلى معرفة صحاح الأحاديث من ضعافها إلا بأقوال أئمة الحديث الذين ميزوا الصحيح من غيره ... فوصل معهم إلى أن معرفة صحاح الحديث وضعافه ليس بمتعسّر ويمكن لمن سلك سبيل القوم أن يصل إليه. ثم أخذ في حوار الفرقة الثالثة، وهم مَن يرون أنه لا طريق إلى معرفة أحوال الرواة إلا بما قاله فيهم أئمةُ الحديث كما هو مدوّن في كتب الرجال ... فوصل معهم إلى أنه ينبغي البحث عن أحوال الرواة والتعرُّف على مذاهب أئمة الجرح والتعديل.<span class="c6"> وختم الرسالة بتقرير أن أهل العلم يحتاجون إلى أمرين:</span> الأول: تحقيق الحق فيما اختلف فيه أئمة الجرح والتعديل، ومعرفة عادة كل إمام في إطلاقاته.<span class="c6"> الثاني:</span> معرفة الطريق التي سلكها الأئمة لنقد الرواة، ثم السعي في اتباعهم فيها.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> للرسالة نسخة واحدة محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف ضمن مجموع برقم <a id="note_4693" class="anchor"></a><a href="#ref_4693" name="n_4693" class="fnote_ref">[<span>4693</span>]</a> وتقع في صفحتين <span class="c2">(40 أ- ب)</span> من القطع الكبير، كتبت بقلم الرصاص وهي مسوّدة فيها الكثير من الضرب والتخريج واللحق. * * * *</p><p class="rtl left" id="p59"><span class="c2">(مقدمة 15/15)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p6"><a id="t6" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t6">5) الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء.</a></h2><p class="rtl right" id="p60"> هذا العنوان كتبه المؤلف في رأس الصفحة الأولى من نسخة الرسالة التي بخطه. وواضح من العنوان موضوع هذه الرسالة، وهي تندرج تحت بحث "رواية الرجل بصيغةٍ محتملة للسماع عمن عاصره ولم يثبت له لقاؤه" وقد كفانا المؤلف رحمه الله شرح هذه المسألة، وما المقصود بهذه الأحاديث التي استشهد بها مسلم، وذلك في كتابه "التنكيل" <span class="c2">(1)</span>، فقد ذكر فيه أنه كان يريد الكلام على تلك الأحاديث هناك إلا أن المكان لم يتسع لذلك، فكانت هذه الرسالة المكان المناسب للتوسع في الكلام عليها، وننقل هنا نصَّه بطوله، ففيه ما يكفي لبيان موضوع الرسالة، وما المقصود بهذه الأحاديث.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> "ذكر مسلم في مقدمة "صحيحه" <span class="c2">(2)</span> عن بعض أهل عصره: أنه شَرَط أن يثبت لقاء الراوي للمروي عنه ولو مرة، فإن لم يثبت لم يُحكم لما يرويه عنه بالاتصال. وذكروا أن الذي شَرَط ذلك هو البخاري وشيخه عليُّ بن المديني <span class="c2">(3)</span>، وحكى مسلم إجماعَ أهل العلم سَلَفًا وخَلَفًا على الاكتفاء بالمعاصرة وعدم التدليس، وألزم مخالفَه أن لا يَحكم بالاتصال فيما لم يصرِّح فيه الراوي بالسماع، وإن ثبت اللقاء في الجملة، ولم يكن الراوي مدلسًا. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 134 - 137)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 28 - 35)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر "الإكمال": <span class="c2">(1/ 164)</span> للقاضي عياض. وعنه نقله غالب من بَعْده.</p><p class="rtl left" id="p61"><span class="c2">(مقدمة 15/16)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p62">وتوضيح هذا الإلزام: أنه كما أن الراوي الذي يُعرَف ويشتهر بالإرسال عمن عاصره ولم يلقه قد يقع له شيء من ذلك، فكذلك الراوي الذي لم يُعرفْ ويشتهرْ بالإرسال عمن لقيه وسمع منه قد يقع له شيء من ذلك. فإن كان ذلك الوقوع يوجب التوقف عن الحكم بالاتصال في الأول، فلْيوجبه في الثاني. وإن لم يوجبه في الثاني فلا يوجبه في الأول. أجاب النووي <span class="c2">(1)</span> بما إيضاحه أن رواية غير المدلس بتلك الصيغة عمن قد لقيه وسمع منه، الظاهر منها السماع، والاستقراء يدلّ أنهم إنما يطلقون ذلك في السماع إلا المدلِّس.<span class="c6"> أقول:</span> فمُسْلِم يقول: الحال هكذا أيضًا في رواية غير المدلس عمن عاصره. والرواية عن المعاصر على وجه الإيهام تدليسٌ أيضًا عند الجمهور، ومَن لم يطلق عليها ذلك لفظًا لا ينكر أنها تدليس في المعنى، بل هي أقبح عندهم من إرسال الراوي على سبيل الإيهام عمن قد سمع منه. هذا، وصنيع مسلم يقتضي أن الإرسال على أي الوجهين كان إنما يكون تدليسًا إذا كان على وجه الإيهام. ويوافقه ما في "الكفاية" للخطيب <span class="c2">(ص 357)</span>. وذَكَر مسلم <span class="c2">(2)</span> أمثلةً فيها إرسال جماعة بالصيغة المحتملة عمن قد سمعوا منه، ولم تُعَدَّ تدليسًا ولا عُدُّوا مدلسين. ومحمل ذلك أن الظن بمن وقعت منهم أنهم لم يقصدوا الإيهام، وأنهم اعتمدوا على قرائن خاصة _________ <span class="c2">(1)</span> في "شرح مسلم": <span class="c2">(1/ 128)</span>. <span class="c2">(2)</span> في مقدمة "صحيحه": <span class="c2">(1/ 33 - 35)</span>.</p><p class="rtl left" id="p63"><span class="c2">(مقدمة 15/17)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p64">كانت قائمة عند إطلاقهم تلك الرواية تدفع ظهور الصيغة في السماع. وقد كنتُ بسطتُ ذلك، ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه. ولا يخالف ذلك ما ذكروه عن الشافعي أن التدليس يثبت بمرة <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> لأنا نقول:</span> هذا مسلَّم، ولكن محلّه حيث تكون تلك المرة تدليسًا بأن تكون بقصد الإيهام. والأمثلة التي ذكرها مسلم لم تكن كذلك، بدليل إجماعهم على أن أولئك الذين وقعت منهم تلك الأمثلة ليسوا مدلسين. وزعم النووي في "شرح صحيح مسلم" <span class="c2">(2)</span> أنه لا يحكم على مسلم بأنه عمل في "صحيحه" بقوله المذكور. وهذا سهو من النووي، فقد ذكر مسلم في ذلك الكلام أحاديثَ كثيرة زعم أنه لم يُصرَّح فيها بالسماع ولا عَلِمَ اللقاء، وأنها صحاح عند أهل العلم، ثم أخرج منها في أثناء "صحيحه" تسعة عشر حديثًا كما ذكره النووي نفسه، ومنها ستة في "صحيح البخاري" كما ذكره النووي أيضًا. هذا، ولم يجيبوا عن تلك الأحاديث إلّا بأن نفيَ مسلمٍ العلمَ باللقاء لا يستلزم عدم علم غيره. وهذا ليس بجواب عن تصحيح مسلم لها،<span class="c6"> وإنما هو جواب عن قوله:</span> إنها عند أهل العلم صحاح. وقد دفعه بعض علماء العصر <span class="c2">(3)</span> بأنه لا يكفي في الردّ على مسلم، مع العلم بسعة اطلاعه. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "الرسالة" <span class="c2">(ص 379)</span> للشافعي. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 14)</span>. <span class="c2">(3)</span> لعله يقصد الشيخ شبّير العثماني في كتابه "فتح الملهم بشرح صحيح مسلم": <span class="c2">(1/ 109 و 402)</span>. فإنه أشار إلى مثل ذلك.</p><p class="rtl left" id="p65"><span class="c2">(مقدمة 15/18)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p66">أقول: قد كان على المجيبين أن يتتبعوا طرق تلك الأحاديث وأحوال رواتها، وعلى الأقل كان يجب أن يعتنوا بالستة التي في "صحيح البخاري". وكنتُ أظنهم قد بحثوا، فلم يظفروا بما هو صريح في ردّ دعوى مسلم، فاضطروا إلى الاكتفاء بذاك الجواب الإجمالي. ثم إنني بحثتُ، فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت في بعضها السماع، بل في "صحيح مسلم" نفسه التصريح بالسماع في حديث منها. وسبحان من لا يضل ولا ينسى! وأما بقية الأحاديث، فمنها ما يثبت فيه السماع واللقاء فقط، ومنها ما يمكن أن يجاب عنه جواب آخر، ولا متسع هنا لشرح ذلك".<span class="c6"> النسخ الخطية:</span> للرسالة نسختان خطيتان: الأولى: بخط مؤلفها، وهي محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4677]</span>، وتقع في أربع صفحات من القطع الكبير، في كل صفحة نحو 38 سطرًا، وقد كتبت بخط دقيق جدًّا، وقد وقع تآكل في أطراف الورقة السُّفلية أتى على بعض الكلام، وقد اسْتُدرك من النسخة الثانية الآتي وصفها، وهي كعادة ما كتب المؤلف فيها الضرب واللحق إلا أنها مع ذلك قد وصلتنا كاملة، وإن لم يبتدئ المؤلف فيها بمقدمة ولا خاتمة.<span class="c6"> الثانية:</span> بخط الشيخ حماد الأنصاري <span class="c2">(ت 1417 هـ)</span> رحمه الله، كتبها من النسخة السالفة بتاريخ <span class="c2">(20/ 4/1382)</span> أي في حياة مصنفها، وهي محفوظة أيضًا في مكتبة الحرم المكي الشريف. * * * *</p><p class="rtl left" id="p67"><span class="c2">(مقدمة 15/19)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p7"><a id="t7" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t7">6) رسالة في الصِّيَغ المحتملة للتدليس أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟</a></h2><p class="rtl right" id="p68"> ابتدأ المؤلف هذه الرسالة بسؤال طويل استغرق أربع صفحات، وظاهر السؤال أنه من إنشاء غيره،<span class="c6"> ففي أوله:</span> "ما قولكم ــ رحمكم الله ــ في قول المحدّث ... ". وواضح من السؤال والمناقشة الواردة فيه وصياغته أنه للمؤلف، افترض أن هناك سائلًا يستشكل ويحاور ليظهر البحث على شكل حوار بين شخصين أو فريقين، وقد صنع المؤلف ذلك في غير موضع من كُتُبه ورسائله. والسؤال على طوله لم يكن مجرّد سؤال، بل فيه حوار وأجوبة وإشكالات؛ غرضها تحديد مناط الخلاف، وتخليص الإشكال المراد الجواب عنه. والمسألة التي ناقشها المؤلف هنا هي قول المحدّث "عن فلان" أو "قال فلان" أو "ذكر فلان" ونحوها من الصِّيَغ المحتملة للتدليس هل هي ظاهرةٌ في السماع أم لا؟<span class="c6"> ثم شرع المؤلف في جواب السؤال بقوله:</span> "الجواب ... " واختار أن هذه الصيغة ليست ظاهرة في السماع وبيَّن وجه ترجيحه، وأجاب عما يمكن أن يُعترض به عليه.<span class="c6"> ثم ذكر مسألة مغفولًا عنها في الكتب وهي العنعنة المتكررة في الأسانيد في نحو قوله في الحديث:</span> "حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" ... فذكر ما في كتب المصطلح</p><p class="rtl left" id="p69"><span class="c2">(مقدمة 15/20)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p70">وأنه وهمٌ،<span class="c6"> وذكر الاحتمالات الممكنة فيمن يقول:</span> "عن". وهذه الرسالة ناقصة لم يصلنا منها إلا هذا القدر، فهل أكملها المؤلف ولم نظفر بباقيها، أو وقف المؤلف عن إكمالها؟ وقد بحث المؤلف مسألة التدليس في العديد من كتبه،<span class="c6"> وتطرّق إلى هذه المسألة في كتاب "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل":</span> <span class="c2">(1/ 141 - 143)</span>، وتكلم فيه بنحو كلامه هنا. وقد ألحقنا بالرسالة فائدة قيّدها المؤلف في أحد كنانيشه تتعلق بهذا البحث، غالبها ملخّص من "فتح المغيث" للسخاوي رحمه الله.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> نسختها الوحيدة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4784]</span>، وتقع في 6 صفحات، في أوائل دفتر من القطع المتوسط، يليها رسالة في "حقيقة التأويل" وهي ضمن رسائل العقيدة في هذه الموسوعة. وهي بخط مؤلّفها المعروف، شِبْه مبيضة، قليلة الضرب والإلحاق، ولم يعنونها المؤلف، أما العنوان المكتوب على ظهر الدفتر وهو "رسالة في التدليس" فمن صُنع المفهرس. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p8"><a id="t8" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t8"> 7) فوائد في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم الرازي:</a></h2><p class="rtl right" id="p71">في هذه الورقات استخرج المؤلف عدة فوائد من كتاب "العلل" للإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي <span class="c2">(ت 327)</span>، وقد بلغت أكثر من خمسين</p><p class="rtl left" id="p72"><span class="c2">(مقدمة 15/21)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p73">فائدة. كتبها المؤلف بحسب ورودها في الكتاب، ولم يرتبها ترتيبًا معينًا، بل حرص على ذكرها مرتبة بحسب ورودها في الكتاب، وكان يشير إلى رقم الحديث للدلالة على موضع الفائدة. وهذه الفوائد المقيّدة في الأوراق تقف عند حديث رقم <a id="ref_488" class="anchor"></a><a href="#note_488" name="r_488" class="fnote">[<span>488</span>]</a>، وعدد أحاديث العلل <span class="c5">[2840]</span>، فتكون الفوائد مستخرجة من نحو سدس أحاديث الكتاب، ولا ندري هل استكمل المؤلف بقية فوائد الكتاب في أوراق مستقلّة أو وقف عند هذا الحد؟ لكنّا وجدنا المؤلف قد قيَّد على نسخته من كتاب "العلل" المحفوظة في مكتبة الحرم المكي بعض الفوائد على غلاف المجلد الثاني وبدأ بالحديث رقم <a id="ref_1410" class="anchor"></a><a href="#note_1410" name="r_1410" class="fnote">[<span>1410</span>]</a>؛ فجعلناها ذيلًا لهذه الفوائد بحسب ترتيبها. وكانت طريقة المؤلف الإشارة إلى الفائدة بأوجز عبارة وألْخَص إشارة، وهذه التقييدات أشبه بالتنبيهات والإشارات التي يفهمها العارف بالفن والمدقِّق فيه، فقد يكتفي المؤلف بذكر رأس الحديث، أو كلمتين، أو كلمة واحدة.<span class="c6"> النسخة الخطية:</span> لهذه الفوائد نسخة بخط مؤلفها في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4662]</span>، تقع في 3 صفحات من القطع العادي، بخط دقيق، ويظهر منها حرصه على ترتيب الفوائد على حسب أرقام الأحاديث فكان يدخل الفائدة في مكانها من الترتيب بين الأسطر. * * * *</p><p class="rtl left" id="p74"><span class="c2">(مقدمة 15/22)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p9"><a id="t9" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t9">8) أحكام الحديث الضعيف:</a></h2><p class="rtl right" id="p75"> لم يسمّ المؤلف رسالته هذه،<span class="c6"> لكنه قال في صدرها:</span> "فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف ... " فاقتبسنا هذا العنوان منه.<span class="c6"> وقد بيَّن المؤلف سبب تأليفها بقوله:</span> "جمعتُها لما رأيتُ ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه؛ فنَسَب بعضُهم إلى كبار الأئمة الاحتجاجَ به، ونَسَب غيرُه إلى الإجماع استحبابَ العمل به في فضائل الأعمال ونحوها، وتوسّع كثيرٌ من الناس في العمل به، حتى بنوا عليه كثيرًا من المحدَثات، وأكَّدوا العمل بها، وحافظوا عليها أبلغ جدًّا من محافظتهم على السنن الثابتات، بل والفرائض القطعيات. بل كثيرًا ما بنوا عليه عقائد مخالفة للبراهين القطعية من الكتاب والسنة والمعقول. ولم يقتصروا على الضعاف بل تناولوا الموضوعات"،<span class="c6"> ثم قال بعد أن ذكر بعض جَدَل المثبتين للعمل به:</span> "وتلك المطاولة هي التي ألجأتني إلى تأليف رسالة مستقلة".<span class="c6"> وأشار أيضًا إلى أمرٍ آخر كان سببًا في إفرادها بالتأليف قال:</span> "وذلك أنني ألَّفت كتابًا نبَّهتُ في مقدمته على الأمور التي يسلُكُها كثير من المتأخرين في الاحتجاج وهي غير صالحةٍ لذلك، وذكرتُ من جملتها العمل بالضعيف، وحاولت أن أحقِّق الكلامَ فيه، فطال الكلام جدًّا قبل أن أستوفي البحث كما أحبّ، فآثرت إفراده برسالة مستقلة". وهذا الكتاب الذي عناه المؤلف هو كتاب "العبادة" انظر <span class="c2">(1/ 243)</span>، فقد أشار هناك إلى أنه أفرد الحديث الضعيف برسالة مستقلة، وقد أشار أيضًا إلى أنه أفرد الحديث الضعيف برسالة في رسالة "حقيقة البدعة" <span class="c2">(ص 87)</span> ضمن رسائل العقيدة في هذه الموسوعة المباركة.</p><p class="rtl left" id="p76"><span class="c2">(مقدمة 15/23)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p77">بدأ المؤلف رسالته بذكر موضوع الرسالة والسبب الذي دعاه لتأليفها ــ كما سلف ــ ثم ذكر الأقوال في حكم العمل بالحديث الضعيف،<span class="c6"> ومحصّل ما ذكره ثلاثة مذاهب:</span> المنع مطلقًا، الجواز، الاستحباب، وذَكَر مَن قال بذلك وحجج بعضهم، وأن هذا الاختلاف والمطاولة دعته إلى تأليف الرسالة. ثم عقد فصلًا ذكر فيه مهماتٍ خمسًا تتعلق بالحديث الضعيف، أما تعريفه فمذكور في كتب المصطلح <span class="c2">(ص 156 - 158)</span>. وتقرير هذه المهمّات في بداية الرسالة كان لغرض الإحالة إليها فيما يأتي من فصول الرسالة، كما في الفصل الذي يليه. ثم عَقَد فصلًا ذكر فيه القوادح التي قيلت في حكاية الإجماع على أن الأحكام لا تثبت بالحديث الضعيف، فذكر خمسة قوادح، وأجاب عنها جميعًا، فسَلِمَت حكايةُ الإجماع من أيّ قادح مؤثّر. ثم عَقَد فصلًا ذكر فيه التسلسلَ التاريخيَّ للكلام في مسألة العمل بالحديث الضعيف، فذكر أن أول مَن تكلم في هذه المسألة القاضي أبو بكر ابن العربي <span class="c2">(ت 543)</span>، ثم ذكر مَن بعده، وما وقع لهم من الاختلاف ... وأنه ليس من غرضه في الرسالة استيعاب أقوالهم، بل علينا أن نعترض الحجج والدلائل ونغترف الحق من معدنه. وفَصَل منه إلى فَصْل ذكر فيه الآثار المروية عن أئمة السلف التي استند إليها مَن حكى الإجماعَ على جواز العمل بالضعيف ... وأنه عند إنعام النظر فيها لا تدل على الجواز بل هي صريحة في خلافه.</p><p class="rtl left" id="p78"><span class="c2">(مقدمة 15/24)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p79">فذكر عبارة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة وعبارة للإمام أحمد، وأن العبارات الأخرى لا تخرج عن هذا المعنى، وأن ابن الصلاح قد لخَّص في "مقدمته" ما جاء عن السلف باحتياطٍ تام، وساق عبارته ... بخلاف النووي الذي لخَّص كتاب ابن الصلاح فإنه زاد زيادةً نابية غيَّرت كلام ابن الصلاح وخرجت عن مراد عبارات أئمة السلف. ثم عَقَد فصلًا في أن عبارات السلف تلك إنما فيها تساهلهم في رواية الضعيف لا العمل به ولا استحبابه، وذكر كيف فهم النووي منها جواز العمل بالضعيف بل استحبابه. وخَلَص منه إلى فصلين في ردّ ذلك الفهم الذي أوقع النوويّ وغيره في ذلك القول، وما المراد بتساهل الأئمة في الرواية، وما هو الضعيف الذي تساهلوا فيه. وعقد مناظرة بين مَن يرى أن المباح يجوز أن يُعمل على زَعْم أنه عبادة ... ثم عَقَد فصلًا في زيادة إيضاح هذا المعنى الذي تقرر في الفصول السابقة، وجعله على شكل مناظرة أيضًا. ثم ذكر ما وقع في "مستدرك الحاكم" في عبارة ابن مهدي السابقة من زيادة لفظ "المباحات والدعوات" بما يخالف المصادر الأخرى الخالية من هذه الزيادة، فشكَّك في صحة هذه الزيادة، وأنها ربما تكون إقحامًا من الناسخ، وذَكَر مستند هذا الاحتمال. ثم تكلم عليها على اعتبار ثبوتها، فخرَّجها بتخريج يدل على عبقرية المؤلف وتمكُّنه رحمه الله، ولا أظن أحدًا سبقه إليه ولا حام طائره عليه.</p><p class="rtl left" id="p80"><span class="c2">(مقدمة 15/25)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p81">ثم عَقَد فصلًا في بيان أن هذا التساهل المرويّ عن بعض السلف لم يكن إجماعًا، بل وُجد من يتشدّد مطلقًا فلا يروي إلا عن ثقة. وعقد فصلًا بعده ذكر فيه فرضيَّة ثبوت ذلك الإجماع المحكيّ في التساهل، وأنه إن ثبت فهو إجماع سكوتيّ ضعيف. ثم توّج هذه الفصول بفصلٍ ذكر فيه أمورًا أخرى استدلَّ بها المجوِّزون على جواز العمل بالحديث الضعيف؛ فذكر خمسة أدلة، وأجاب عنها جميعًا. وبهذا الفصل تنتهي هذه القطعة من الرسالة، ولا أدري أهي آخر ما كتب الشيخ من هذه النسخة المبيَّضة، أم كتب شيئًا مكمّلًا لها؟ ولتمام الفائدة فقد أتْبَعنا هذه القطعة المبيَّضة من الرسالة فصلين من النسخة المسوَّدة،<span class="c6"> الأول:</span> فصل ذَكَر فيه المؤلف نصوص الإمام الشافعي في هذا البحث، مع تخريج نصوصه الموهمة للعمل بأحاديث وُصِفت بالضعف.<span class="c6"> وتأتي أهمية ذِكْر نصوص الشافعي هنا وتخريجها:</span> أن المصنف استظهر أن كلام الشافعي من ضمن الحجج التي استند إليها النواوي في حكايته الاتفاق على جواز بل استحباب العمل بالحديث الضعيف. أما الفصل الثاني الذي ألحقناه فهو يتعلّق ببعض الأفعال التي استحسن بعضُ الأكابر العملَ بها وظهر أن مستندهم حديث ضعيف. ثم تطرّق إلى موضوع البدعة وأدلة ذمّها بإطلاق، وأنه إذا ثبت ذلك فإن البدعة من الكبائر، ولا يخرج العمل المُحْدَث عن كونه بدعة إلا بحجّة يحصل بها اليقين، والضعيفُ بعيد عن ذلك.</p><p class="rtl left" id="p82"><span class="c2">(مقدمة 15/26)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p83">ثم نقل نقلًا طويلًا من "إعلام الموقعين" لابن القيم في مسألة "هل لترك النبي - صلى الله عليه وسلم - دلالة" مع التعليق عليه وتأييده. ثم ذكر بعض حجج القائلين بالعمل بالحديث الضعيف، فذكر حجتين،<span class="c6"> الأولى:</span> الإجماع على أن المباح يصير قُرْبة بالنية.<span class="c6"> والثانية:</span> أنه يُعمل بالضعيف احتياطًا. وأجاب عنهما، وقد تقدمت هاتان الحُجّتان في القطعة الأولى مع ثلاثٍ أُخريات، لكنه هنا تبسّط وأطال في الجواب عنهما.<span class="c6"> وصف النسخ الخطية:</span> وصلنا من هذه الرسالة أربع قطع كلها محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف،<span class="c6"> وهذا وصفها:</span> القطعة الأولى: وهي برقم <span class="c5">[4658/ 10]</span> وتقع في 40 صفحة في دفتر من القطع العادي غير مرقمة الصفحات، ويبدو أنها آخر ما حرّره المؤلف في هذه الرسالة، لاكتمال مادتها مقارنة ببقية القطع، وتحرير مباحثها، وقلة الضرب والتغيير فيها، وتسلسل موضوعاتها.<span class="c6"> القطعة الثانية:</span> وهي برقم <span class="c5">[4658/ 10]</span> أيضًا وتقع في الدفتر السالف نفسه لكن من طرفه الآخر، وتقع في 26 صفحة،<span class="c6"> وتبدأ بقوله:</span> "وكثيرًا ما يحتجون بالحديث مع اعترافهم ... " وأكثر مباحث هذه القطعة موجودة في القطعة السالفة أو في القطع الأخرى التي سيأتي وصفها، مع اختلاف في بعض العبارات أو الإضافات القليلة.<span class="c6"> القطعة الثالثة:</span> وهي برقم <span class="c5">[4658/ 8]</span> وتقع في 35 صفحة في دفتر من القطع العادي مرقَّمة ترقيمًا حديثًا، ويبدو أنها الإخراج الأول للكتاب؛ فقد</p><p class="rtl left" id="p84"><span class="c2">(مقدمة 15/27)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p85">أعاد المؤلف كتابة صدر الرسالة مرتين، وهي كثيرة الضرب والتغيير واللحق، وغالب موضوعاتها موجودة في القطعة الأولى غير بحث في نصوص الإمام الشافعي في هذا البحث، فإنه لا وجود له في باقي القطع، فأخذناه وألحقناه في ذيل القطعة الأولى كما سلف الإشارة إليه.<span class="c6"> القطعة الرابعة:</span> وهي برقم <span class="c5">[4658/ 10]</span> وتقع في 28 صفحة مضروب على 10 صفحات منها، وهي بخط أحد تلاميذ المؤلف أو ورّاقيه ممن استعان بهم في تبييض بعض كتبه <span class="c2">(1)</span>، وعليها خط الشيخ في مواضع متفرقة بالزيادة والضرب والتخريج، وفيها خرم عدة أوراق في موضعين أو أكثر، عُرِف ذلك باستخدام الناسخ لنظام التعقيبة، ومن خلال اختلال سياق الكلام،<span class="c6"> وتبدأ هذه القطعة بقوله:</span> "في صلاة النافلة وكذلك إذا ثبت ... ". وهذه الورقة مضروب عليها، وأغلب هذه القطعة في مبحث حُجج مَن قال بجواز أو استحباب العمل بالحديث الضعيف والجواب عما استدلوا به، وقد ألحقنا هذه القطعة في ذيل الرسالة. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p10"><a id="t10" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t10"> 9) محاضرة في علم الرجال وأهميته.</a></h2><p class="rtl right" id="p86"> كانت دائرة المعارف العثمانية بحيدراباد دكن تعقد لقاءً ثقافيًا سنويًّا، وتدعو فيه جمعًا من العلماء لإلقاء كلمات أو محاضرات، فشارك المؤلف في موسم سنة 1354 بمحاضرته هذه التي عنونها بـ "علم الرجال وأهميته". _________ <span class="c2">(1)</span> وهذا التلميذ هو مَن نسخ رسالة "العبادة" في إحدى نسخها المبيّضة.</p><p class="rtl left" id="p87"><span class="c2">(مقدمة 15/28)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p88">فبدأ كلامه في تفاوت العلوم في مقدار شرفها،<span class="c6"> وأن لدين الإسلام ينبوعين عظيمين:</span> القرآن والسنة، ثم عرَّف السنة وكيف انتقلت إلينا عبر الرواية، وأن الرواة متفاوتون في القوة والضعف، ومن هنا نشأ علم الرجال ومعرفة الرواة، وذكر تأصيل الكلام في الجرح والتعديل ومَن أوّل من تكلم في الرجال؟ وكيف تطوَّر إلى أن صار عِلْمًا برأسه. ثم تطرّق إلى طرق اختيار الأئمة للرواة فذكر جملةً منها. ثم عقد عنوانًا وسمه بـ "حفظ علماء السلف لتراجم الرجال" ذكر فيه حفظ الأئمة لرواة الحديث ومعرفتهم بأحوالهم. ثم عنون بـ "طائفة من مشاهير المكثرين من الجرح والتعديل" فعدّ منهم اثنين وخمسين عالمًا؛ بدأهم بشعبة بن الحجاج <span class="c2">(ت 161)</span> وانتهى بالسخاوي <span class="c2">(ت 902)</span>. ثم عنون بـ "تدوين العلم وحظّ علم الرجال منه" فذكر طائفةً من أخبار مَن دوَّن العلم من السلف من الصحابة فالتابعين فمن بعدهم. ثم عنون بـ "طريقة العلماء في صنع كتب الرجال" فذكر أن ترتيبهم كان على حروف المعجم، وأن أجود ذلك طريقة "التهذيب"، وذَكَر فوائد الترتيب على هذا النحو ونماذج منها، وما وقع في بعض الكتب من خلط الطابعين وتصحيفاتهم. ثم عنون بـ "وضع التراجم" وذكر فيه طريقة العلماء في الترجمة للرواة، وبماذا يبدؤون، وأهمّ ما يذكرون، وبماذا ينتهون؟ وفوائد ذلك كله.</p><p class="rtl left" id="p89"><span class="c2">(مقدمة 15/29)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p90">ثم ذكر أنواع كتب التراجم، فمنها ما هو خاص بالأنساب، أو المشتبه، أو بالكنى، وذكر بعض كتب هذه الأنواع وفوائدها، وما وقع من أوهام لمن لم يتنبّه لفوائد استعمالها. ثم عقد عنوانًا سماه "إحياء كتب الرجال ولمن الفضل في ذلك؟ " ذكر في هذا المبحث أنواع الكتب المؤلفة في علم الرجال وما الذي طُبع في كل نوع، مع ذِكْر جهة الطبع وفي أيّ بلد،<span class="c6"> خلص بعده إلى نتيجة هي:</span> أن للهند ولاسيما حيدراباد دكن الفضل الأكبر في نشر كتب الرجال والحديث ومتعلقاتهما. وفي ختامها أنشأ قصيدة في مدح الدائرة والقائمين عليها.<span class="c6"> نسخة الرسالة:</span> اعتمدنا في إخراج هذه الرسالة على مطبوعة قديمة للرسالة ضمن مجموع ضمّ عدّة محاضرات ألقيت في دائرة المعارف العثمانية سنة 1937 م، وتقع هذه الرسالة في المجموع <span class="c2">(ص 73 - 97)</span>، وهي نسخة صحيحة نادرة الغلط، استفدت منها في تقويم الطبعات التالية للرسالة، وقد طبعت المحاضرة عدة طبعات تالية، وتبيّن لنا عند الوقوف على الطبعة القديمة ومقارنتها أنهم حذفوا جميعَ حواشي المؤلف التي فيها العزو والدلالة على مصادر النقول! ولا أدري ما الذي حملهم على ذلك؟! وقد أثبتناها معزوّة إلى <span class="c5">[المؤلف]</span> بين معكوفين. * * * *</p><p class="rtl left" id="p91"><span class="c2">(مقدمة 15/30)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p11"><a id="t11" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t11">10) ملخَّص طبقات المدلسين لابن حجر</a></h2><p class="rtl right" id="p92"> هذا جزء لطيف في الرواة الذين وُصفوا بالتدليس، اختصره المؤلف رحمه الله تعالى من كتاب "طبقات المدلسين" للحافظ ابن حجر العسقلاني <span class="c2">(ت 852)</span> رحمه الله، المسمى "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس". وكتاب الحافظ مِن أجْمع ما كُتِب فيمن وُصِف من الرواة بالتدليس، رتّبهم على خمس طبقات ذكرها في مقدمة كتابه، وقد بلغ عدد تراجم الكتاب كله مئة وإحدى وخمسين ترجمة. ولم يبين المؤلف رحمه الله سببَ اختصاره للكتاب، وإخراجه في هذا الحجم اللطيف،<span class="c6"> إلا أن يقال:</span> إنه اختصره ليخفّ ويسهل استحضاره لأسماء الرواة ومن وُصِفوا بالتدليس. ويمكننا أن نذكر أهم معالم اختصاره للكتاب،<span class="c6"> ثم طريقة العمل فيه في النقاط الآتية:</span> 1 - لم يحذف المؤلف أي ترجمة من الكتاب، بل ذكر جميع التراجم المئة وإحدى وخمسين. 2 - تصرف المؤلف في سياق الأسماء للرواة، فقد يختصرها حتى لا يُبقي إلا اسم العَلَم فقط، مثل "عطية" و"بقية" و"مكحول"، أو يقتصر على اللقب فقط. 3 - حرص المؤلف على ذِكْر مَن وصَفَ الراوي بالتدليس.</p><p class="rtl left" id="p93"><span class="c2">(مقدمة 15/31)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p94">4 - حافظ المؤلف على ذكر الرموز التي تبيّن مَنْ أخرج له من أصحاب الكتب، وربما ذهل فأغفل ذكر الرموز في عدد من التراجم، انظر رقم <span class="c2">(67، 103، 112 - 116، 133)</span>. 5 - قد يعلق على بعض التراجم بفائدة، أو استدراك على ابن حجر، كما في التراجم رقم <span class="c2">(41، 47، 60، 68)</span>. 6 - يبدو أن الطبعة التي اختصر منها المؤلف ليست بالجيدة، فوقع فيها بعض الأخطاء في الأسماء كما في ذوات الأرقام <span class="c2">(44، 103، 107، 133)</span>، وفي الرموز كما في الأرقام <span class="c2">(47، 59، 56، 124، 138، 145)</span> وإن كانت ليست بالكثيرة، وقد أصلحنا ما وقع فيها من وهم وتحريف مع الإشارة إليه؛ إما بالرجوع إلى الأصل "الطبقات" أو بالرجوع إلى المصادر الأخرى؛ إلّا أنّ الأصل أيضًا في طبعته التي اعتمدنا العزو إليها على جودتها <span class="c2">(1)</span> هي الأخرى لم تخلُ من بعض ذلك أو من خلافٍ مع المصادر الأخرى. 7 - لم نعزُ كلّ ترجمة إلى مكانها في "الطبقات"؛ لأن الكتابين مرقّمان ترقيمًا متطابقًا في التراجم، فأغنى عن الإحالة في كل ترجمة. 8 - ذكرتُ الخلافَ المهم بين ما اختصره الشيخ وبين أصله "الطبقات". 9 - أحلت على الكتب التي ذكرها المؤلف. 10 - صنعت فهرسًا في آخر الكتاب مرتبًا على حروف المعجم، مع الرمز للترجمة من أي مراتب المدلسين هي. _________ <span class="c2">(1)</span> بتحقيق د. أحمد بن علي سير المباركي ط الأولى 1413.</p><p class="rtl left" id="p95"><span class="c2">(مقدمة 15/32)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p96">النسخة الخطية: النسخة بخط مؤلفها العلامة المعلمي، محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف، ضمن مجموع رقم <span class="c5">[4717]</span> في الصفحات <span class="c2">(ص 107 - 132)</span> بترقيم المؤلف. وخطها واضح، تكاد تخلو من الضرب والتخريج على غير عادة الشيخ في كتبه، وقد يعلق في هامشها بعض الفوائد أو التصحيحات. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p12"><a id="t12" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t12"> 11) تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري</a></h2><p class="rtl right" id="p97"> هذه الرسالة تتبّع المؤلف فيها مطاعن الشيخ محمد زاهد الكوثري <span class="c2">(ت 1371)</span> التي ذكرها في كتابه "تأنيب الخطيب" وفي تعليقاته على كتاب "الانتقاء" لابن عبد البر، وكان المؤلف قد تعرَّض لذلك في كتابه العظيم "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" في ترجمة الإمام الشافعي <span class="c2">(رقم 189)</span>؛ لكن رأى أن يُفْرد الكلام على ذلك في رسالة مستقلة مع زيادات وإضافات كما سيأتي.<span class="c6"> وسأتكلم في التعريف بهذه الرسالة في عدة مباحث:</span> أولًا: عنوان الرسالة عنوان الرسالة أثبته المؤلف على الورقة الظهرية بخطه المعروف، وهو <span class="c2">(تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري)</span> ثم كتب تحته: "تأليف العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي حفظه الله".<span class="c6"> وكان كتب أولًا:</span> "تأليف الشيخ ... " ثم ضرب على "الشيخ" وأخّر مكانها إلى بعد</p><p class="rtl left" id="p98"><span class="c2">(مقدمة 15/33)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p99">"المحقق". وكل هذا بخط الشيخ فيما يظهر. والسؤال المتبادر كيف يكتب الشيخ عن نفسه "العلامة المحقق ... "؟ وقد عُلم ما كان عليه الشيخ من التواضع وهضم النفس، بل كان كثيرًا ما يشير إلى نفسه بـ "الحقير" زيادةً في التواضع؟<span class="c6"> فجوابي الآن أمران:</span> الأول: إما أن يكون كاتب هذا غيره كبعض طلابه أو أقرانه، حاول محاكاة خطه فقارب جدًّا، وقد وقفت على بعض مصنفات الشيخ بغير خطه بل بخط يشبهه ويحاكيه،<span class="c6"> وقد يؤيد هذا الاحتمال قوله في آخر الاسم:</span> "حفظه الله" فليس من عادة من يكتب اسمه أن يقول هذا،<span class="c6"> وإنما جرت العادة أن يقال:</span> "لطف الله به" أو "كان الله له" أو "ستر الله عيبه ... " ونحوها من العبارات. وحينئذٍ ننفصل من هذا الإشكال.<span class="c6"> الثاني:</span> أنه بخط الشيخ،<span class="c6"> فحينئذٍ نقول:</span> لعل الشيخ لما انتهى من الكتاب، وجهَّزه للطباعة وحَرَص على نشره <span class="c2">(كما سيأتي)</span> كأنما قيل له: إن الطابع يريد أن يكتب على الغلاف ثناء على المؤلف من نحو هذه العبارات، وربما اقترحها عليه وطلب منه أن يكتبها، فاستجاب له الشيخ نزولًا عند رغبته ... خاصة وأن الناشر يريد أن يَنْفُق كتابه ... وأيضًا هو ردّ على الكوثري، وهو معروف في الأوساط العلمية في مصر وغيرها بكونه وكيل المشيخة العثمانية سابقًا، وقد أضفى عليه طلابُه وغيرُهم من الألقاب والأوصاف <span class="c2">(1)</span> ما يخيف أيّ ناشر من التجاسُر على أن _________ <span class="c2">(1)</span> وقد أشار المؤلف في مواضع عديدة في "التنكيل" إلى هذه الألقاب وأنها تُخْلَع عليه لإرهاب من يريد تعقبه والردّ عليه.</p><p class="rtl left" id="p100"><span class="c2">(مقدمة 15/34)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p101">يطبع كتابًا في الردّ عليه إلا أن يتقيه بنفس السلاح ... فكان ما ذكرته سابقًا. والله أعلم.<span class="c6"> ثانيًا:</span> سبب التأليف ذكر المؤلف في مقدمة رسالته هذه <span class="c2">(ص 3)</span> أن الأستاذ محمد زاهد الكوثري ألَّف كتابًا سماه "تأنيب الخطيب" وفيه ما لا يوافقه عليه أهل العلم ... فجمع كتابًا في الرد عليه سماه "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" وأنه قد طَبَع "طليعتَه" بمصر، فبدا له أن يفرد ما يتعلّق بردّ مزاعم الكوثري التي حاول بها الطعن في الإمام الشافعي في كتاب مفرد، وهو هذا. إذًا كان هذا الردّ جزءًا من "التنكيل" ثم أفرده الشيخ وجعله رسالةً مستقلّة وسماه باسم مستقل. وأعاد ذلك في رسالته "شكر الترحيب" <span class="c2">(ص 9 و 24)</span> إذ قال في الموضع الثاني: "وقد شرحتُ ذلك في ترجمة الشافعي من "التنكيل"، ورأيت أن أفردها عن "التنكيل" لطولها". وقد كان الشيخ حريصًا على طبع هذه الرسالة مفردة، هي وترجمة الخطيب البغدادي التي في "التنكيل"؛ ففي رسالة بعث بها المؤلف إلى العلامة المحدّث أحمد محمد شاكر <span class="c2">(ت 1377)</span> قال فيها: "في عزمي أن أفرد من كتابي <span class="c2">(يعني التنكيل)</span> ترجمةَ الإمام الشافعي وترجمة الخطيب؛ لأن الكلام طال فيهما فصار كل منهما يصلح أن تكون رسالة مستقلة. فهل هناك في القاهرة مِن الشافعية مَن ينشط لطبع تينك الرسالتين على نفقته؟ فإن كان فأرجو من فضلكم أن تعرّفوني حتى أرسلهما إليكم، وتنوبوا عني فيما يلزم".</p><p class="rtl left" id="p102"><span class="c2">(مقدمة 15/35)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p103">لكن السؤال هل ترجمة الشافعي في "التنكيل" متطابقةٌ مع هذه الترجمة المفردة؟<span class="c6"> الجواب:</span> كلا، ففي كل منهما ما ليس في الأُخرى فالترجمة المفردة فيها زيادات في أثناء المباحث، وتوسّع في الكلام والنقاش كما في <span class="c2">(ص 6، 9، 10، 12، 13 - 16، 25، 26 - 27، 28 - 30)</span>، كما تمتاز بأنّ فيها فصلًا كاملًا من <span class="c2">(ص 51 - 66)</span> ليس في الترجمة التي في "التنكيل". وهذا الفصل يتعلّق بتتبّع تعليقات الكوثري على "الانتقاء" لابن عبد البر، فيما حاول به الطعن على الإمام الشافعي. فيكون المؤلف في رسالته هذه ــ المفردة ــ قد ردّ مطاعن الكوثري التي في "التأنيب" والتي في تعليقاته على "الانتقاء". نعم في الرسالة المفردة نقصٌ سببه فقدان بعض الأوراق من أوائل الرسالة، فيها مبحث الطعن في نسب الشافعي، والرد على خمس كلمات للشافعي طعن الكوثريُّ في فصاحتها.<span class="c6"> وهذه المباحث موجودة في "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 406)</span>.<span class="c6"> ثالثًا:</span> موضوعات الرسالة كتب المؤلف للرسالة مقدمة مقتضبة بيَّن فيها سبب تأليف الكتاب، ولماذا أفرده عن "التنكيل" ... وتقدم القول أنه قد سقط من النسخة ما يتعلق برد مطاعن الكوثري حول نسب الشافعي، وبعض الألفاظ اللغوية. وتبدأ الرسالة بالكلام على بقية المآخذ اللغوية عند شرح معنى "الفِهْر" ...</p><p class="rtl left" id="p104"><span class="c2">(مقدمة 15/36)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p105">ثم عقد المؤلف فصلًا لرد محاولة الأستاذ إثبات تتلمذ الشافعي على محمد بن الحسن، وأطال في الرد وأطاب بالروايات التاريخية، والواقع العملي من مناظرات الشافعي مع أصحاب محمد ومع محمد نفسه مما هو ثابت في "الأم" للشافعي ... ثم عقد فصلًا مختصرًا في مناظرة الحسن بن زياد مع الشافعي وفيه تقويم لعلم الحسن من أخبار تاريخية ... بعده فصَّل المؤلف بما لا مزيد عليه في قضية كلام ابن معين في الشافعي فأتى فيها بتحقيق بالغ ... <span class="c2">(ص 32 - 41)</span>. ثم نظر في كلام الشافعي في فقه أبي حنيفة، وزَعْم الكوثري أن الشافعية حائرون في تطبيق فروع الشافعي على أصوله <span class="c2">(ص 41 - 46)</span>. وأخيرًا رد مزاعم الكوثري في كون الشافعي رجع عن جميع أقواله في القديم ... <span class="c2">(ص 46 - 50)</span>. ثم توّج الرسالة فعقد فصلًا في نقض ما علقه الكوثري على كتاب "الانتقاء" لابن عبد البر فيما يتعلّق بمطاعنه على الشافعي. وذكر الشيخ أن الكوثري علق على "الانتقاء" إلى ص 88 من طبعة حسام الدين القدسي ثم أوقفه القدسيُّ عن التعليق بعدما اكتشف أنه مدخول في علمه وعمله كما صرح بذلك في مقدمته. وهذا الفصل برمّته ليس في "التنكيل", والمرجّح أن المؤلف حذفه من التنكيل بعد أن كان قيده في مسوّداته اكتفاءً بوجوده في هذا الجزء.</p><p class="rtl left" id="p106"><span class="c2">(مقدمة 15/37)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p107">رابعًا: النسخة الخطية نسخة الكتاب محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف رقم <span class="c5">[2791 عام]</span> وهي بخط الشيخ المعلمي رحمه الله. تقع في 45 صفحة في حقيقة الأمر، وإن كان الترقيم الذي تنتهي به الرسالة هو 43؛ لأنه لم يدخل في الترقيم صفحة المقدمة وصفحة كاملة ملحقة بـ <span class="c2">(ص 4)</span> ضلَّت طريقها فجُلّدت في آخر المخطوط. وإذا اعتبرنا أن المؤلف قد أحال بأن ينقل ما في <span class="c2">(ص 108 - 110)</span>، فإن العدد لصفحات المخطوط يكون 48 صفحة. في صفحة العنوان أربعة أسطر في رأس الصفحة مضروب عليها لعلها كانت جزءًا من ترجمة سابقة. ثم كتب عنوان الرسالة في منتصف الصفحة "تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري" وبعده "تأليف العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي حفظه الله". وتحته فهرس مقتضب لمحتويات الرسالة في ستة أسطر. والنسخة أشبه بالمبيضة، ولا تخلو من الضرب والإلحاق والإحالات، وواضح أن هذا الدفتر الذي كتب فيه الرسالة كان إحدى مسوّدات كتاب "التنكيل"، فحذف منه المؤلف التراجم التي قبل ترجمة الشافعي وأضاف ورقةً كتبَ فيها العنوان والمقدمة. ثم لما انتهت ترجمة الشافعي بدأ بترجمة محمد بن أبي الأزهر،<span class="c6"> وهي كذلك في "التنكيل":</span> <span class="c2">(رقم 190)</span>. لكن يشهد أنها مسوّدته أن رقم الترجمة في المسوّدة هو 215، بينما رقمها في المطبوعة 190. فقد نقَّح الشيخ كتاب "التنكيل" وحذف نحو 25 ترجمة من المبيّضة.</p><p class="rtl left" id="p108"><span class="c2">(مقدمة 15/38)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p109">وقد وقع نقص في النسخة يتعلق بمطاعن الكوثري في نسب الشافعي، ومطاعن في خمس كلمات أُخِذت على عربيته. وهي موجودة في "التنكيل" فلا أدري أسقطت من النسخة أم أراد الشيخ أن يبيضها فلم يتمكن. وقد عاد الشيخ على النسخة مرة ثانية فأصلح فيها واستكمل مواضع بالإحالة والترتيب، وعلق كل ذلك بقلم الرصاص كما في <span class="c2">(ص 4، 31، 27 وظهر 26)</span>.<span class="c6"> خامسًا:</span> منهج التحقيق نسختُ الكتاب من المخطوط، وقابلته مرة ثانية لمزيد الاطمئنان والتأكد، ثم قابلته من جديد على ترجمة الشافعي التي في "التنكيل"، واستفدت منها. وقابلت النصوص التي ينقلها المؤلف عن الكوثري على كتابه "التأنيب" في طبعته الجديدة، وكذلك تعليقاته على "الانتقاء" لابن عبد البر، وقد راجعت طبعتَه الجديدة بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله،<span class="c6"> فإنه قد أثبت تعليقات الكوثري بعُجَرها وبُجَرها! وأبقيتُ النقص الذي في أول المخطوط على حاله ولم أكمله من "التنكيل" لأمرين:</span> الأول: لأني لاحظتُ أن غالب المباحث في كتابنا هذا تختلف بالزيادة أو النقص أو تغيير العبارة عما في "التنكيل".<span class="c6"> الثاني:</span> أن هذه المواضع موجودة في "التنكيل" وهو ضمن هذه الموسوعة فليراجعها مَن أحبّ. * * * *</p><p class="rtl left" id="p110"><span class="c2">(مقدمة 15/39)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p13"><a id="t13" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t13">12) شرح حديث: "آية المنافق ثلاث ... "</a></h2><p class="rtl right" id="p111"> لم يعنون المؤلف هذه الرسالة، فوضعت لها هذا العنوان اجتهادًا، وإن كان بداية البحث تتعلق بـ"إذا" وإفادتها التكرار.<span class="c6"> ثم ذكر حديث:</span> "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب ... " وأن <span class="c2">(إذا)</span> يُقصد بها التكرار والمداومة ومَن غلبت عليه هذه الخصال، ثم ذكر الحديث الآخر الذي ذكرت فيه أربع خصال، وأنها تعود في حقيقة الأمر إلى الثلاث الواردة في الحديث الأول. ثم ذكر بعض ما يَرِد على معنى الحديث وأجاب عنه.<span class="c6"> ثم ذكر خلاصة البحث وهي:</span> أن من غَلَب عليه الكذب في الحديث والغدر بالعهد والخيانة بالأمانة مهما كانت= فهو منافق خالص.<span class="c6"> وصف النسخة:</span> للرسالة نسخة واحدة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4691]</span> بخط مؤلفها المعروف، وتقع في 3 صفحات من القطع الكبير. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p14"><a id="t14" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t14"> 13) التعليق على الأربعين في التصوّف للسُّلَمي</a></h2><p class="rtl right" id="p112"> ألَّف الشيخ محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن السُّلَمي <span class="c2">(ت 412)</span> كتابًا جمع فيه أربعين حديثًا في التصوُّف، ووضع لكل حديث بابًا ... فلما رأت دائرة المعارف العثمانية طبع هذه الأربعين التمس مجلس الدائرة من الشيخ المعلمي أن يكتب تعليقًا يُطبع مع الأربعين يتضمن النظر في أحاديث الكتاب صحة وضعفًا <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر تقديم المؤلف <span class="c2">(ص 363)</span>.</p><p class="rtl left" id="p113"><span class="c2">(مقدمة 15/40)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p114">فلبَّى المعلمي الطلب وكتب هذا التعليق، إلا أنه لم يُطْبَع مع الأربعين، لسبب غير معلوم لدينا. وقد كتب الشيخ تقديمًا بين يدي تخريجه لأحاديث الأربعين نبَّه فيه إلى سبعة أمور مهمة تتعلّق بالكتاب وبعلوم الحديث. ومما ذكره مما يتعلق بأحاديث الكتاب أنه مشتمل على ما حقه أن يُحْكَم بثبوته، وما حقه أن يحكم ببطلانه، وما هو على الاحتمال.<span class="c6"> وذكر أيضًا أن عادة رواة الحديث الحرص على شيئين:</span> العلو والغرابة، وهذا ما وقع فيه السلمي.<span class="c6"> وذكر أيضًا أن المؤلفين في استدلالهم بالحديث على قسمين:</span> الأول: من يكون اعتقاده مبنيًّا على دليل يريد أن يبيِّنه، فيذكر المسألة ثم يذكر الدليل.<span class="c6"> والثاني:</span> مَن يكون اعتقاده مبنيًّا على أمر آخر، ويريد أن يستدلّ عليه بالحديث، كالمقلد يعتقد المسألة تقليدًا ثم يحاول الاستدلال بالحديث. والسلمي من القسم الثاني كما سيتبين من عنوانات أبوابه. ثم شرع المؤلف في الكلام عليها حديثًا حديثًا ... وقد سلك المؤلف طريقة الاختصار في التخريج بما يتناسب مع حجم الرسالة، فيذكر مَن أخرج الحديث غير السلمي، وينظر في إسناده، فيذكر من طُعِن عليه فيه، ويذكر شواهده إن وُجدت، ويعزو إلى المصادر بالجزء والصفحة غالبًا.</p><p class="rtl left" id="p115"><span class="c2">(مقدمة 15/41)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p116">وينبغي التنبيه إلى أن الشيخ لم يحقق نص الأربعين <span class="c2">(1)</span> وإنما تركّز عمله في التخريج والتعليق على ما يورده من الأحاديث.<span class="c6"> وصف النسخة الخطية:</span> للكتاب نسخة واحدة بخطّ مؤلفها، محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف برقم <span class="c5">[4832]</span>، وتقع في 9 صفحات من القطع الكبير، في كل صفحة نحو 31 سطرًا. وهي مبيّضة بخط واضح جميل دقيق. ثم ألحق المؤلف بين الأسطر أو في الهوامش بعضَ الفوائد والزيادات بقلم الرصاص، وبعضها يتعلق بمعلومات طبع بعض الكتب، فأثبتّها مُنبِّهًا على ذلك.<span class="c6"> كتب المؤلف في رأس الورقة الأولى بعد البسملة:</span> "تعليق على الأربعين في التصوّف للسلمي".<span class="c6"> وكتب آخرها:</span> "عبد الرحمن بن يحيى اليماني، المصحح بدائرة المعارف العثمانية 27 رجب سنة 1369". ثم ألحقَ ورقةً بالمراجع التي اعتمدها في العزو والإحالة مع تواريخ طبعاتها، وقد بلغت واحدًا وثلاثين كتابًا.<span class="c6"> العمل في الكتاب:</span> لما كان المؤلف قد كتب تعليقاته في أوراق منفصلة عن الأحاديث بحيث تطبع معها= ذهبت إلى طبعة دائرة المعارف من الأربعين فأثبتّها مع _________ <span class="c2">(1)</span> والمتن الذي أوردناه للأربعين هو من طبعة دائرة المعارف ط 2، 1402 مع بعض التصحيحات التي نبهنا عليها في الحواشي.</p><p class="rtl left" id="p117"><span class="c2">(مقدمة 15/42)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p118">أبوابها جاعلًا الإسناد بحرف أصغر قليلًا من المتن، ثم أتبعته بتعليق الشيخ مصدِّرًا له بـ "قال المعلمي" ويبدأ التعليق بسطر جديد، فإذا انتهى التعليق فصلت بينه وبين الحديث الآتي بعدة نجوم صغيرة <span class="c2">(* * * *)</span> ... وهكذا حتى نهاية الكتاب. علقت على الكتاب بالعزو إلى الكتب التي لم يُشر المؤلف إلى صفحاتها أو إلى الكتب التي اختلفت طبعاتها عن طبعات المؤلف، وجعلت العزو برقم الحديث إن وُجد أو إلى الجزء والصفحة. أكملت التخريج بالعزو إلى كتبٍ أخرى لم يذكرها المؤلف، وكثير منها طُبعت لاحقًا؛ إذ كَتَب المؤلفُ التعليقَ قبل أكثر من ستين عامًا. ومما يجدر ذكره أن الإمام السخاوي <span class="c2">(ت 902)</span> قد ألَّف تخريجًا لأحاديث الأربعين لم يطّلع عليه المؤلف، وقد طبع سنة 1408 هـ بتحقيق علي حسن الأثري في جزء، وقد استفدتُ منه وضمنت فوائدَه وزوائدَه في هوامش الكتاب، وقد اتفقت أحكام المؤلف والسخاوي في غالب الأحاديث بحمد الله تعالى. وأخيرًا ذكرت قائمة المراجع التي اعتمدها المؤلف وأثبتها في ورقة في آخر التعليق. * * * * </p><h2 class="rtl start" id="p15"><a id="t15" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t15"> 14) صفة الارتباط بين العلماء في القديم</a></h2><p class="rtl right" id="p119"> هذا العنوان من وضع المؤلف رحمه الله، وهذه الرسالة عبارة عن محاضرة ألقاها المؤلف سنة 1356 في أحدِ المواسم الثقافية التي كانت</p><p class="rtl left" id="p120"><span class="c2">(مقدمة 15/43)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p121">تعقدها دائرة المعارف العثمانية بحيدراباد دكن، كما سلف في الكلام على رسالة "علم الرجال وأهميته". وكانت بمناسبة زيارة وفد من علماء الأزهر دائرة المعارف العثمانية. فألقيت عدد من الكلمات كان من جملتها كلمة الشيخ هذه. قصد المؤلف برسالته أن يبين كيف كان التواصل بين العلماء في القديم، وما كان يجري بينهم من المراسلات، سواء منها الأخوية أو العلمية، وأن كثيرًا من المؤلفات كانت بسبب تلك المراسلات ... وأن الأمر اختلف في الأعصار المتأخرة فلا صِلَة بين علماء الأقطار، ولا بين علماء القُطر الواحد ... وذَكَر الحجَّ وأنه من أعظم مواسم التواصل العلمي عند العلماء، وأن العالم ربما أنفق ضنائنه ليتزوّد للسفر ليجتمع بعالم آخر، أو لتحصيل سماع، وذكر أمثلة لذلك عن السلف. وأعاد الشكاية مما حصل ويحصل في عصره من قلة التواصل بين أهل العلم وطلابه مع أنهم من أحوج الناس إليه. ثم حثّ على التواصل العلمي بين الجهات والمجامع العلمية كالأزهر والدائرة وغيرها.<span class="c6"> نسخة الرسالة:</span> طُبعت هذه المحاضرة في حياة الشيخ رحمه الله، ضمن مجموع يضم كلمات العلماء التي أُلقيت في المؤتمر السالف الذكر، وهو بعنوان "رسالة علمية تاريخية نُشرت تذكارًا لورود البعثة الأزهرية إلى عاصمة الدولة</p><p class="rtl left" id="p122"><span class="c2">(مقدمة 15/44)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p123">الآصفية"، فقابلتها عليها، وأصلحت ما بدا من خطأ أو نحوه على قلّته. والحمد لله رب العالمين. وكتب علي بن محمد العمران في 15/ 5/ 1433 <span dir="ltr">aliomraan@hotmail.com</span></p><p class="rtl left" id="p124"><span class="c2">(مقدمة 15/45)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p125">نماذج من النُّسخ الخطية</p><p class="rtl left" id="p126"><span class="c2">(مقدمة 15/47)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p127">الورقة الأولى من "الاستبصار في نقد الأخبار"</p><p class="rtl left" id="p128"><span class="c2">(مقدمة 15/49)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p129">الورقة الأخيرة من "الاستبصار"</p><p class="rtl left" id="p130"><span class="c2">(مقدمة 15/50)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p131">ورقة من رسالة في الصيغ المحتملة للتدليس</p><p class="rtl left" id="p132"><span class="c2">(مقدمة 15/51)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p133">ورقة من رسالة "أحكام الحديث الضعيف"</p><p class="rtl left" id="p134"><span class="c2">(مقدمة 15/52)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p135">ورقة من نسخة أخرى من "أحكام الحديث الضعيف"</p><p class="rtl left" id="p136"><span class="c2">(مقدمة 15/53)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p137">ورقة من "ملخّص طبقات المدلسين"</p><p class="rtl left" id="p138"><span class="c2">(مقدمة 15/54)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p139">الورقة الأولى من "تنزيه الإمام الشافعي"</p><p class="rtl left" id="p140"><span class="c2">(مقدمة 15/55)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p141">الورقة الأخيرة من "تنزيه الإمام الشافعي"</p><p class="rtl left" id="p142"><span class="c2">(مقدمة 15/56)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p143">الورقة الأولى من "التعليق على الأربعين للسلمي"</p><p class="rtl left" id="p144"><span class="c2">(مقدمة 15/57)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p145">مجموع الرسائل الحديثية <span class="c2">(1 - 14)</span> تأليف الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي <span class="c2">(1312 - 1386)</span> تحقيق علي بن محمد العمران</p><p class="rtl left" id="p146"><span class="c2">(15/1)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p16"><a id="t16" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t16">الرسالة الأولى الاستبصار في نقد الأخبار</a></h2><p class="rtl left" id="p147"><span class="c2">(15/3)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p148"><span class="c5">[ص 1]</span> بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. أما بعد، فهذه ــ إن شاء الله تعالى ــ رسالة في معرفة الحديث، أتوخّى فيها تحريرَ المطالب، وتقرير الأدلة، وأتتبع مذاهبَ أئمة الجرح والتعديل فيها؛ ليتحرَّر بذلك ما تعطيه كلماتُهم في الرواة. فإنّ منهم من لا يطلق "ثقة" إلا على مَن كان في الدرجة العُليا مِن العدالة والضبط، ومنهم مَن يطلقها على كلّ عدلٍ ضابط وإن لم يكن في الدرجة العليا، ومنهم من يطلقها على العدل وإن لم يكن ضابطًا، ومنهم مَن يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا واحدًا قد تُوبع عليه، ومنهم مَن يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا له شاهد، ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا لم يستنكره هو، ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة، إلى غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى. <span class="c5">[ص 2]</span> وهم ــ مع ذلك ــ مختلفون في الاستدلال على أحوال الرواة؛ فمنهم المبالغ في التثبُّت، ومنهم المسامح. ومَنْ لم يعرف مذهب الإمام منهم ومنزلته من التثبُّت لم يعرف ما تعطيه كلمتُه، وحينئذٍ فإما أن يتوقَّف،</p><p class="rtl left" id="p149"><span class="c2">(15/5)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p150">وإما أن يحملها على أدنى الدرجات، ولعل ذلك ظلم لها. وإما أن يحملها على ما هو المشهور في كتب المصطلح، ولعلَّ ذلك رفعٌ لها عن درجتها. وبالجملة، فإن لم يتوقف قال بغير علم، وسار على غير هدى. وأرجو ــ إذا يسَّر الله تبارك وتعالى إتمام هذه الرسالة كما أحبّ ــ أن يتضح لقارئها سبيل القوم في نقد الحديث، ويتبين أن سلوكها ليس من الصعوبة بالدرجة التي يُقطع بامتناعها، وعسى أن يكون ذلك داعيًا لأولي الهمم إلى الاستعداد لسلوكها، فيكون منهم أئمة مجتهدون في ذلك إن شاء الله تعالى. هذا؛<span class="c6"> ونقد الخبر على أربع مراتب:</span> الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا.<span class="c6"> الثانية:</span> النظر في اتصاله.<span class="c6"> الثالثة:</span> البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطأ إن كان.<span class="c6"> الرابعة:</span> النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه. فلنعقد لكلِّ واحدة من هذه الأربع مقالةً، ونسأل الله تبارك وتعالى التوفيق.</p><p class="rtl left" id="p151"><span class="c2">(15/6)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p152"><span class="c5">[ص 3]</span> المقالة الأولى: في النظر في أحوال الرواة شرط قبول الخبر: أن يكون المُخبِر حين أَخبر به مسلمًا بالغًا عاقلًا عدلًا ضابطًا.<span class="c6"> الباب الأول:</span> في الإسلام أما الإسلام فلاشتراطه أدلّة: منها: أنَّ عامَّة الأدلة على مشروعية العمل بخبر الواحد في الدّين خاصة واردةٌ في خبر المسلم.<span class="c6"> ومنها:</span> قول الله تبارك وتعالى في المنافقين والرد عليهم: <span class="c4">{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}</span> <span class="c5">[التوبة: 61]</span>.<span class="c6"> أي:</span> ويصدِّق المؤمنين.<span class="c6"> ومنها:</span> قوله تعالى: <span class="c4">{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}</span> <span class="c5">[الحجرات: 6]</span>.<span class="c6"> والكفر أشدّ الفسق قال تعالى:</span> <span class="c4">{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}</span> إلى قوله: <span class="c4">{وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}</span> [الجرز <span class="c2">(1)</span>: 18 ــ 20]. _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في الأصل: "الجُرُز" وقد سمّاها المؤلف كذلك في عدة مواضع من كتبه، ولم أجد من سمى سورة السجدة بهذا الاسم،<span class="c6"> وقد ورد فيها قوله تعالى:</span> <span class="c4">{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ}</span>.</p><p class="rtl left" id="p153"><span class="c2">(15/7)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p154">وقال سبحانه: <span class="c4">{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ}</span> <span class="c5">[البقرة: 99]</span>. والآيات في ذلك كثيرة.<span class="c6"> وتبادُر المسلم من نحو قولك:</span> "رأيتُ رجلًا فاسقًا" من العُرف الحادث <span class="c5">[ص 4]</span> بعد صدر الإسلام،<span class="c6"> وسببه:</span> أنه صار الغالب إذا ذُكِر الكافر أن يُذْكر بلفظه الخاص به "كافر" أو ما يعطي ذلك مثل: "يهودي، ونصراني، ومجوسي".<span class="c6"> وإذا ذُكِر المسلم الذي ليس بعَدْل أن يُذكر بنحو:</span> "فاسق، وفاجر"، ومثل هذا العرف لا يعتدّ به في فهم القرآن. وغَفَل بعضهم عن هذا فظنَّ أن دخول الكافر في الآية إنما هو من باب الفحوى،<span class="c6"> قال:</span> لأنه أسوأ حالًا من الفاسق. ونُوقش في ذلك بأن الفسق مظنة التساهل في الكذب، إذ المانع من الكذب هو الخوف من الله عز وجل، ومن عيب الناس، ومرتكب الكبيرة قد دلَّ بارتكابه إياها على ضعف هذا الخوف من نفسه. وأما الكافر فقد يكون عدلًا في دينه بأن يكون يحسب أنه على الدين الحقّ، ويحافظ على حدود ذلك الدين، ويخاف الله عز وجل والناس بحسب ذلك.<span class="c6"> أقول:</span> في هذا نظر؛ فإن الحجة قد قامت على الكافر، فدلَّ ذلك على كذبه في زعمه أنه يعتقد أنَّ دينه حقّ.</p><p class="rtl left" id="p155"><span class="c2">(15/8)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p156">والكافر الذي بلغته دعوة الإسلام لا يخلو عن واحد من ثلاثة أمور: الأول: التقصير في البحث عن الدين الحق.<span class="c6"> الثاني:</span> الهوى الغالب.<span class="c6"> الثالث:</span> العناد. ولو برئ من هذه الثلاثة لأسلم،<span class="c6"> قال الله تبارك وتعالى:</span> {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ <span class="c2">(68)</span> وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت <span class="c2">(1)</span>: 68 - 69]. <span class="c5">[ص 5]</span> وقد اتفقوا على أنّ من كان مسلمًا مخالطًا للمسلمين، ثم ارتكب كبيرة قد قامت الحجة القاطعة بأنها كبيرة ــ كأن ترك صوم رمضان ــ فهو فاسق، فإن زاد على ذلك فزعم أنه لا حجَّة عنده على تحريم ما ارتكبه كان مرتدًّا، وهو في باب الأخبار أسوأ حالًا من المسلم المرتكب الكبيرة مع اعترافه بأنها كبيرة.<span class="c6"> فإن قيل:</span> إننا نجد من الكفار من يبالغ في تحرِّي الصدق والأمانة، حتى إن مَن يَخبر حاله، ويتّبع أخباره، قد يكون أوثق بخبره من خبر كثير من عدول المسلمين.<span class="c6"> قلت:</span> وكذلك في فُسّاق المسلمين ممن يترك الصلاة المفروضة ــ مثلًا ــ من يكون حاله في إظهار تحرِّي الصدق والأمانة كحال الكافر المذكور. _________ <span class="c2">(1)</span> عبارة المؤلف: "خاتمة العنكبوت".</p><p class="rtl left" id="p157"><span class="c2">(15/9)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p158">وحل الإشكال من أوجه: الأول: أنَّ الظاهر من حال الكافر والفاسق الذي يُعرف بتحرِّي الصدق أن المانع له من الكذب الخوف من الناس، وحبُّ السمعة الحسنة بينهم، وعلى هذا فهذا المانع إنّما يؤثر في الأخبار التي يخافُ من اطلاع الناس على جَليَّة الحال فيها، فلا يُؤمن ممن هذا حاله أن يكذب إذا ظن أنه لا يُوقَفُ على كذبه. فالعدل في خبر هذا أن نتبيّن <span class="c5">[ص 6]</span> فيه، فإن ثبت بدليل موثوق به أنه صَدَق عُمل به لذلك الدليل، وإلا اطُّرح لعدم الوثوق به حينئذٍ.<span class="c6"> الوجه الثاني:</span> أنه لا يُسْتنكر من الشارع أن لا يعتدّ بصدق مثل هذا؛ لأنه ليس بصدقٍ يحمده عليه الشارع؛ إذ الباعثُ عليه هو رئاء الناس كما علمت.<span class="c6"> الوجه الثالث:</span> أنه لو فُرِض أنه يحصل من الوثوق بخبره كما يحصل بخبر المسلم العدل، فقد يكون الشارع جعل كفرَ هذا الرجل أو فسقَه مانعًا من قبول خبره في الدين؛ زجرًا له، وعونًا له على نفسه، لعله يستنكف من تلك الحال فيتوب، ورفعًا لتلك المرتبة العليّة ــ وهي أن يُدان بخبر الرجل ــ عمن لا يستحقها.<span class="c6"> الوجه الرابع:</span> أن السبب الباعث على الحكم قد يكون خفيًّا، أو غير منضبط، فإذا كان هكذا فلو كلَّف الشارعُ الناس ببناء الحكم عليه كان في ذلك مفاسدُ،<span class="c6"> منها:</span> أنه من باب التكليف بما لا يطاق،<span class="c6"> ومنها:</span> أنه فتحٌ لباب اتباع الهوى، ولكثرة الاختلاف، ولاتهام الحكام، وغير ذلك. فاقتضت الحكمةُ أن يبني الشارعُ الحكمَ على أمر آخر يشتمل على</p><p class="rtl left" id="p159"><span class="c2">(15/10)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p160">ذلك السبب غالبًا، ثم تكفَّل الله عز وجل بتطبيق العدل بقضائه وقدره.<span class="c6"> مثال ذلك:</span> أن السبب الباعث على شرع العقوبة للمذنب هو الذنب، فإذا شُرعت العقوبة على وجهين ــ مثلًا ــ<span class="c5">[ص 7]</span> فإنما ذلك لاختلاف حال ذلك الذنب.<span class="c6"> فمن ذلك الزنا شُرِع الحدُّ عليه على وجهين:</span> الأول: الجلد.<span class="c6"> الثاني:</span> الرجم. ولا يخفى أن الجلد أخفّ من الرجم، وأنّ حقّه أن يكون الرجم عقوبة لمن يكون زناه جرمًا أغلظ مِنْ زنا عقوبته الجلد، ولكنَّ الغِلَظَ والخِفَّة في الإجرام بالزنا أمرٌ لا ينضبط؛ لأن شديد الشهوة أقرب إلى العذر من ضعيفها، وشدّتها وضعفُها أمرٌ خفيٌّ وغير منضبط، والعاشق أقرب إلى العذر من غيره، والعشق يخفى ولا ينضبط. والمصادف للمرأة بغتةً أقرب إلى العذر من المتصدّي لها. والعاجز عن التزوّج بالمرأة أقرب إلى العذر من القادر على زواجها، في أمورٍ أخر. فلذلك علّق الشارع الفرق بالإحصان وعدمه؛ لأن الغالب أن يكون المحصَن أضعف عذرًا من غيره، على أنه قد يتَّفق خلاف ذلك، فقد يكون شابٌّ فقيرٌ، قوي البنية، شديدُ الشهوة، عاشقًا لامرأة عاجزًا عن التزوّج بها، وهو يحبس نفسه عن التعرُّض لها، والقرب من مكانها، ثم حاول أن يدافع داعيته فتزوج امرأة فقيرة، فبات معها ليلة فهلكت، ثم لم يستطع الزواج بغيرها، ولم تزل نفسُه متعلّقة بمعشوقته، فبينا هو ليلةً في خلوة لم يفجأه إلا دخول معشوقته عليه، ورميها نفسها <span class="c5">[ص 8]</span> بين ذراعيه، فلم يتمالك أن كان ما</p><p class="rtl left" id="p161"><span class="c2">(15/11)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p162">كان. وآخر غنيٌّ ضعيفُ البنية، ضعيف الشهوة، لم يتزوّج حتى شاخ وضعف، فتعرَّض مرةً لامرأة لو شاء لتزوّجها، ولكنه لم يلتفت إلى ذلك، بل تَبِعها ووقع عليها. فظاهرٌ أنَّ ذنب هذا الشيخ الذي لم يُحصَن أغلظ من ذنب ذلك الشاب الذي قد أُحْصِن بدرجات، ولكن مع ذلك حدُّ الشابِّ المحصن الرجم، وحدُّ الشيخ الذي لم يحصَن الجلد.<span class="c6"> إلا أننا نقول:</span> إن الحكمة اقتضت في القانون الكلي أن يُناط الفرقُ بالإحصان وعدمه، والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على عباده، يطبق العدل بقضائه وقدره، كأن يستر ذلك الشاب، ويفضح هذا الشيخ، أو غير ذلك، فإنه سبحانه بكل شيء خبير، وعلى كل شيء قدير.<span class="c6"> ومن ذلك:</span> القاتل إذا تعمّد الضرب قد تكون عقوبته الدية، وقد تكون القتل قودًا، والمعقول أنَّ جرمه إنما يختلف بأن يكون قَصَد القتل أو لم يقصده، ولكنَّ قَصْده القتل أمرٌ خفيٌّ لا يُعْلَم كما ينبغي إلا بقوله، والقاتل غالبًا يدفع عن نفسه القتل،<span class="c6"> فهو ــ وإن قصد القتل ــ حريٌّ بأن يقول:</span> لم أقصده، والقرائن عامتها مشتبهة، فناط الشارعُ الفرقَ بأقوى القرائن، وهي الآلة، وموضع الضرب بها، فإن كان الضرب في ذلك المكان بمثل تلك الآلة من شأنه أن يقتل حُكِم <span class="c5">[ص 9]</span> بالقَوَد؛ إذ الغالب أن القاتل قَصَد القتل، وإلا فلا. وكأنه ــ والله أعلم ــ بناءً على هذا ذهب مالك رحمه الله إلى أن الوالد إذا</p><p class="rtl left" id="p163"><span class="c2">(15/12)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p164">قتل ولده قِتْلَة شنيعة ــ كأن أضجعه فذبحه ــ وجب القصاص، وإلا فلا. كأنه بنى دفعَ القصاص عن الوالد بأن الغالب أنه لا يقصد القتل، فلم يوجب القصاص عليه إلا في الحال التي يمتنع فيها أن يكون لم يقصد القتل. هذا وقد يتفق في مَنْ حقّه ــ بحكم الشرع ــ أن يُقاد منه أن لا يكون قصد القتل، وفي مَن حقه أن لا يقاد منه أنه قصد القتل، فمثل هذا يُطبق الله سبحانه وتعالى العدل فيه بقضائه وقدره. إذا تقرّر هذا فمظنّة أن لا يكذبَ المخْبِر في خبرٍ عن الشرع مما لا ينضبط، فضبطه الشارع بالإسلام والعدالة، وقد يتفق في المسلم العدل أن يكذب خطأ أو عمدًا، وفي غيره أن يصدق، ولكن الله تبارك وتعالى يطبق العدل بقضائه وقدره، فيهدي أهلَ العلم إلى معرفة خطأ ذاك أو عَمْده، ويغنيهم عن خبر الكافر أو الفاسق بأن ييسر لهم علمه من غير طريقه.<span class="c6"> فإن قيل:</span> قد لا يهتدي بعضهم إلى الخطأ، وقد لا يقف بعضهم على الدليل.<span class="c6"> قلت:</span> إن قصَّر فهو الموقِعُ نفسَه في ذلك، وإن لم يقصّر <span class="c5">[ص 10]</span> فذلك داخل في تدبير الله عز وجل، وتطبيقه العدل والحكمة بقضائه وقدره، والبحث طويل، وفي هذا كفاية إن شاء الله تعالى.</p><p class="rtl left" id="p165"><span class="c2">(15/13)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p166"><span class="c5">[ص 11]</span> الباب الثاني: في البلوغ وأما البلوغ فهو حدُّ التكليف، ولا يتحقق الخوف من الله عز وجل والخوف من الناس إلا بعده؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم فلا يخاف الله عز وجل، وكذلك لا يخاف الناس؛<span class="c6"> لأنهم إن ظهروا على كذبٍ منه قالوا:</span> صبي، ولعله لو قد بلغ وتمَّ عقلُه لتحرَّز. ومع هذا فلا تكاد تدعو الحاجة إلى رواية الصبي؛ لأنه إن روى فالغالب أن المرويّ عنه حيّ فيراجع، فإن كان قد مات فالغالب ــ إن كان الصبي صادقًا ــ أن يكون غيره ممن هو أكبر قد سمع من ذلك المخبر أو غيره، فإن اتفق أن لا يوجد ذلك الخبر إلا عند ذلك الصبي، فمثل هذا الخبر لا يوثَقُ به. هذا وعامة الأدلة على شَرْع العمل بخبر الواحد موردها في البالغين.</p><p class="rtl left" id="p167"><span class="c2">(15/14)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p168">الباب الثالث: في العقل وأمّا العقل فالأمر فيه أظهر، إذ المراد به هنا أن لا يكون مجنونًا، فأما المغفّل فيأتي الكلام فيه في الباب الخامس إن شاء الله تعالى.</p><p class="rtl left" id="p169"><span class="c2">(15/15)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p170"><span class="c5">[ص 12]</span> الباب الرابع: في العدالة وأما العدالة،<span class="c6"> فقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}</span> <span class="c5">[الحجرات: 6]</span>،<span class="c6"> وقال سبحانه:</span> <span class="c4">{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}</span> <span class="c5">[الطلاق: 2]</span>.<span class="c6"> وقال تعالى:</span> <span class="c4">{يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}</span> <span class="c5">[المائدة: 95]</span>. والشهادة والحكم كالإخبار، والأصل اتحاد الحكم فيهما وفي الرواية إلا ما قام الدليل على الافتراق فيه. وقد تقدّم في الكلام على الشرط الأول ما يتعلق بهذا <span class="c2">(1)</span>، فلا حاجة إلى إعادته. هذا؛ و"العدالة" مصدر عَدُل الرجل صار عادلًا،<span class="c6"> والعدل في الحكم:</span> الإنصاف فيه، كأنه مِن عَدْل الغرارتين على البعير مثلًا، أي التسوية بينهما حتى تكونا متعادلتين، فيبقى الحمل معتدلًا مستقيمًا لا ميل فيه.<span class="c6"> فالعدل في الحكم إذًا:</span> أن ينظر ميل المائل عن الحقّ فيردّه إليه،<span class="c6"> وحاصله:</span> أن يتحرَّى الحق فيقضي به. فالعدالة إذًا هي الاستقامة على حدود الشرع.<span class="c6"> والفِسْقُ هو:</span> الخروج عن هذه الصفة.<span class="c6"> قالوا:</span> وأصله من فَسَقت الرطبةُ إذا خرجت عن قشرتها. هذا، وقد تقرّر في أقوال أهل العلم سلفًا وخلفًا أنّ المعصية الصغيرة لا _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 5 ــ 6)</span>.</p><p class="rtl left" id="p171"><span class="c2">(15/16)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p172">تقتضي الخروج عن العدالة،<span class="c6"> وقد قال الله تبارك وتعالى:</span> {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ <span class="c5">[ص 13]</span> وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى <span class="c2">(31)</span> الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} <span class="c5">[النجم: 31 ــ 32]</span>.<span class="c6"> فههنا احتمالان:</span> الأول: أن يقال: إن الفسوق يختص بالخروج الفاحش، فلا يسمَّى ارتكاب الصغيرة فسوقًا وإن كان عصيانًا، وقد يستدلُّ على هذا بقول الله تبارك وتعالى ــ بعد آية <span class="c4">{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ .. }</span> الآية ــ: <span class="c4">{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}</span> <span class="c5">[الحجرات: 7]</span>. فكما أن الفسوق أعمُّ من الكفر؛ لأن من الفسوق ما هو دون الكفر، فكذلك يظهر أنّ العصيان أعمُّ من الفسوق، وأنّ من العصيان ما هو دون الفسوق.<span class="c6"> الاحتمال الثاني:</span> أن يُقال: الفسوق من الأشياء التي تتفاوت كالعلم مثلًا، فكما لا يوصَف من علم مسألةً أو مسألتين بأنه عالم على الإطلاق، فكذلك لا يوصف من فَسَق بصغيرة أو صغيرتين بأنه فاسق على الإطلاق. <span class="c5">[ص 14]</span> والآية الأولى وهي قوله تعالى: <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ}</span> إنما بُنيت على من هو فاسق لا على من وقع منه فسوق.</p><p class="rtl left" id="p173"><span class="c2">(15/17)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p174">وقال الله عز وجل في سورة الحجرات في سياق الآيتين السابقتين وهما: <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ}</span> <span class="c4">{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}</span>: <span class="c4">{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}</span> <span class="c5">[الحجرات: 11]</span>.<span class="c6"> وقال الله تبارك وتعالى:</span> <span class="c4">{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}</span> <span class="c5">[البقرة: 197]</span>.<span class="c6"> وقال سبحانه:</span> <span class="c4">{وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}</span> <span class="c5">[البقرة: 282]</span>.<span class="c6"> وقال تعالى:</span> <span class="c4">{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}</span> <span class="c5">[النور: 4]</span>.<span class="c6"> لمّا ذكر الكبيرة الموجبة للحدّ ورد الشهادة قال:</span> <span class="c4">{وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}</span>. ولمّا ذكر ما قد يكون دونها ــ أي صغيرة ــ من السخرية بالمسلم، <span class="c5">[ص 15]</span> ولمزه، ونبزه بلقب، ومضارة الكاتب أو الشاهد،<span class="c6"> وما قد يقع في الحج من ذلك وما يشبهه سماها:</span> فسوقًا. * * * *</p><p class="rtl left" id="p175"><span class="c2">(15/18)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p176"><span class="c5">[ص 27]</span> <span class="c2">(1)</span> فصل ــ 1 الصحابة اسم الصحابي يعمُّ عند الجمهور كلَّ من رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلمًا ومات على ذلك. والمراد رؤيته إياه بعد البعثة وقبل الوفاة. والاسم يشمل من ارتدَّ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن كان قد رآه مسلمًا إذا عاد إلى الإسلام ومات عليه، كطُلَيحة بن خويلد، وعُيينة بن حصن، وأضرابهما. لكن قضيّة ما نُقِل عن الشافعي وغيره ـ مِن أنّ الردة تُحبط العمل الصالح قبلها ولو عَقَبَتْها توبة ــ أن هؤلاء لا حظّ لهم في فضل الصحبة. وذهب الجمهور إلى أن الصحابة كلَّهم عدول،<span class="c6"> قال ابن الأنباري:</span> "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم، واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلُّف للبحث عن أسباب العدالة والتزكية <span class="c2">(2)</span>، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد. فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أصحاب السير، فإنه لا يصح، وما _________ <span class="c2">(1)</span> هذه الورقة <span class="c2">(27)</span> كان قد كتب عليها المؤلف: "الفرع السابع" ثم ضرب عليها وكتب ما هو مثبت،<span class="c6"> ثم كتب بقلم الرصاص:</span> "من هنا إلى ص 44 محلّه بعد صفحة 15". <span class="c2">(2)</span> في "فتح المغيث": "وطلب التزكية".</p><p class="rtl left" id="p177"><span class="c2">(15/19)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p178">صحَّ فله تأويل صحيح" فتح المغيث <span class="c2">(ص 378)</span> <span class="c2">(1)</span>. وقال الخطيب في "الكفاية" <span class="c2">(ص 46)</span> <span class="c2">(2)</span>: "باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم ... " فذكر عدة آيات <span class="c5">[ص 28]</span> وأحاديث في الثناء عليهم،<span class="c6"> إلى أن قال:</span> "فهم على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحدٍ ارتكاب ما لا يحْتَمِل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيُحْكَم بسقوط العدالة، وقد برأهم الله من ذلك، ورَفَع أقدارهم <span class="c5">[عنه]</span>، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحالُ التي كانوا عليها؛ من الهجرة، والجهاد والنُّصرة، وبذل المُهَج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين= القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدَّلين والمُزَكَّين الذين يجيئون مِنْ بعدهم أبد الآبدين".<span class="c6"> أقول:</span> أما الآيات فمنها: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ <span class="c2">(8)</span> وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ <span class="c2">(9)</span> وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(4/ 100 ــ ط السلفية ببنارس)</span>. <span class="c2">(2)</span> طبعة دائرة المعارف <span class="c2">(ص 46، 49)</span>، وما بين المعكوفين منه.</p><p class="rtl left" id="p179"><span class="c2">(15/20)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p180">يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} <span class="c5">[الحشر: 8 ــ 10]</span>. <span class="c5">[ص 29]</span> <span class="c4">{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}</span> <span class="c5">[التوبة: 100]</span>. <span class="c4">{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}</span> <span class="c5">[التوبة: 117]</span>. <span class="c4">{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}</span> <span class="c5">[الفتح: 18]</span>. <span class="c4">{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}</span> [الفتح <span class="c2">(1)</span>: 29]. <span class="c5">[ص 30]</span> {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ <span class="c2">(172)</span> الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ _________ <span class="c2">(1)</span> عبارة المؤلف: "خاتمة الفتح".</p><p class="rtl left" id="p181"><span class="c2">(15/21)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p182">جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ <span class="c2">(173)</span> فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} <span class="c5">[آل عمران: 172 ــ 174]</span>. <span class="c4">{لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}</span> <span class="c5">[الحديد: 10]</span>. {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ <span class="c2">(121)</span> إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} <span class="c5">[آل عمران: 121، 122]</span>. <span class="c4">{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 110]</span>. <span class="c4">{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}</span> <span class="c5">[البقرة: 143]</span>. <span class="c5">[ص 31]</span> ومن تدبَّر هذه الآيات وغيرها من القرآن وجدَ الثناء على المهاجرين عامًّا سالمًا من التخصيص، فإذا تتبَّع السنة أيضًا لم يجد ما ينافي ذلك، سوى فلتاتٍ ربما كانت تقع من بعضهم فلا تضرهم.<span class="c6"> فمنها:</span> ما جرى منهم يوم بدر، مِنْ ترجيح أخذ الفداء،<span class="c6"> فأقرّهم الله عز وجلّ عليه وأنزل:</span> {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ</p><p class="rtl left" id="p183"><span class="c2">(15/22)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p184"><span class="c2">(68)</span> فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} <span class="c2">(1)</span> <span class="c5">[الأنفال: 68 ــ 69]</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> تولي بعضهم يومَ أحد فأنزل الله عز وجل: <span class="c4">{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}</span> <span class="c2">(2)</span> <span class="c5">[آل عمران: 155]</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> قصة مِسْطَح بن أُثاثة لما خاض مع أهل الإفك فكان ما كان، وأقسم أبو بكر أن لا ينفق عليه،<span class="c6"> فأنزل الله عز وجل:</span> <span class="c4">{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}</span> <span class="c2">(3)</span> <span class="c5">[النور: 22]</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> قصة حاطب بن أبي بلتعة <span class="c2">(4)</span>. وأشدّ ما وقع من ذلك قصة عبد الله بن أبي سرح، مع أنه ليس من المهاجرين الأولين، وإنما كان ممن أسلم قبيل الفتح، ثم ارتد، فأمر النبي صلى الله <span class="c5">[ص 32]</span> عليه وآله وسلم يوم الفتح بقتله فلم يقتل وأسلم <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(1763)</span>، وأحمد <span class="c2">(208)</span> من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. <span class="c2">(2)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(4066)</span> من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وأحمد <span class="c2">(490)</span> في حكاية بين عبد الرحمن بن عوف والوليد بن عقبة. <span class="c2">(3)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(4750)</span> عن عبد الله بن عتبة عن عائشة. وأخرجه البخاري <span class="c2">(2595)</span>، ومسلم <span class="c2">(2770)</span> عن عروة عن عائشة. <span class="c2">(4)</span> أخرجها البخاري <span class="c2">(3007)</span>، ومسلم <span class="c2">(2494)</span> من حديث عليّ رضي الله عنه. <span class="c2">(5)</span> أخرجه أبو داود <span class="c2">(2685)</span>، والنسائي في "الكبرى" <span class="c2">(3516)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(3/ 47)</span> وصححه على شرط مسلم،<span class="c6"> والبيهقي:</span> <span class="c2">(4/ 70)</span> من حديث مصعب بن سعد عن أبيه.</p><p class="rtl left" id="p185"><span class="c2">(15/23)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p186">قال ابن عبد البر <span class="c2">(1)</span>: "فحسن إسلامه، فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك، هو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش". ثم ذكر ولايته مصر وفتحه أفريقية والنوبة،<span class="c6"> ثم قال:</span> "ودعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فتوضأ ثم صلى الصبح، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلّم عن يمينه، وذهب يسلم عن يساره، فقبض الله روحه. ذكر ذلك كله يزيد بن أبي حبيب وغيره". ومع ذلك فلم يُرْوَ عنه من الحديث شيء إلا حديث واحد قد رواه غيره من الصحابة، ومع ذلك لم يصح السند إليه. وأمّا الأنصار فحالهم قريب من حال المهاجرين، إلا أنه لم يعم الإيمان جميع الأوس والخزرج بل كان منهم أفراد منافقون. وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه، لكن أولئك الأفراد كانوا قليلًا، كما يظهر من الآيات والأحاديث، وكما يُعْلَم ذلك بدلالة المعقول؛ فإنهم لو كانوا هم الأكثر أو كثيرًا، لكانوا أظهروا كُفْرَهم، ولم يحتاجوا إلى النفاق، ومع ذلك فقد كانوا معروفين عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، إن لم يكن عِلْمَ اليقين فالظن،<span class="c6"> قال الله عز وجل:</span> {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ <span class="c2">(29)</span> وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [القتال <span class="c2">(2)</span>: 29 ــ 30]. _________ <span class="c2">(1)</span> في "الاستيعاب" <span class="c2">(2/ 375 - 378 ـ بهامش الإصابة)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا عبارة المؤلف، يعني سورة محمد.</p><p class="rtl left" id="p187"><span class="c2">(15/24)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p188"><span class="c5">[ص 33]</span> وكانوا مع ذلك خائفين كما قال الله عز وجل فيهم: <span class="c4">{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}</span> <span class="c5">[المنافقون: 4]</span>. وكانوا مع ذلك إلى نقص بالهلاك أو التوبة والإخلاص، والغالب على الظن أنّ من بقي منهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرَّض أحدٌ منهم لأن يذكر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئًا لخوفهم من المؤمنين، وعلمهم أنَّ أحدَهم لو أخبر بشيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكَذَب فيه لأنكره عليه المؤمنون وفضحوه بما كانوا يظنونه من نفاقه، أو لأعْلَمهم بنفاقه حذيفةُ أو غيرُه ممن كان قد أسرَّ إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسماء المنافقين.<span class="c6"> وأمّا الأعراب فقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}</span> <span class="c5">[الحجرات: 14]</span>. والظاهر أنَّ أهلَ هذه الآية آمنوا بعد ذلك أو غالبهم، كما تقتضيه كلمة "لمّا". وقد ذكر الله عز وجل فِرقَهَم في سورة التوبة <span class="c5">[95 ــ 105]</span> فذكر أنّ منهم منافقين، ومنهم مؤمنون مخلصون، ومنهم مخلّطون يرجى لهم الخير،<span class="c6"> وقال في آخر ذلك:</span> <span class="c4">{وَقُلِ اعْمَلُوا <span class="c5">[ص 34]</span> فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}</span> <span class="c5">[التوبة: 105]</span>. ثم ابتلاهم الله عز وجل بعد غزوة العُسْرة بوفاة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فارتدَّ أقوامٌ من الأعراب، فعرفهم المؤمنون حقّ المعرفة.</p><p class="rtl left" id="p189"><span class="c2">(15/25)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p190">وأمّا الطُّلقاء من أهل مكة فلم يرتدّ منهم أحد بعده صلى الله عليه وآله وسلم، وقد شملتهم بعضُ الآيات المتقدّمة كما يعلم بمراجعتها، وكذلك تشملهم بعض الأحاديث،<span class="c6"> كالحديث المشهور:</span> "خير الناس قرني ... " <span class="c2">(1)</span>. وبالجملة فتعديل الله عز وجل ورسوله ثابت للمهاجرين عامة، ولم يجئ ما يخصِّصه. وأمّا الأنصار؛ فالثناء عليهم عام، ولكن قد كان من الأوس والخزرج منافقون لكنهم قليل، ولم يحضر من المنافقين أحدٌ بيعةَ العقبة، ولا شهد بدرًا ولا أحدًا، فإنَّ كبيرهم اعتزل بهم، والظاهر أنه لم يبايع تحت الشجرة أحدٌ منهم،<span class="c6"> وقد قيل:</span> إنه كان هناك واحد منهم فلم يبايع وقد سُمّي <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وقول الله عز وجل في ذكر تخلُّفهم عن غزوة تبوك:</span> {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ <span class="c2">(46)</span> لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} الآية <span class="c5">[التوبة: 46 ــ 47]</span> يقتضي أنه لم يشهد تبوك أحدٌ منهم. ولكن رُوي أن اثني عشر منهم اعترضوا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم مَرْجِعَه من تبوك، وأرادوا تَرْديته من العقبة <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(2652)</span>، ومسلم <span class="c2">(2533)</span> من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. <span class="c2">(2)</span> هو الجدّ بن قيس أخو بني سَلِمة.<span class="c6"> انظر "السيرة النبوية":</span> <span class="c2">(ق 2/ 3/316)</span> لابن هشام. <span class="c2">(3)</span> أخرجه البيهقي في "الكبرى": <span class="c2">(9/ 23)</span> من مرسل عروة بن الزبير، وذكره الواقدي في "المغازي" <span class="c2">(3/ 1042)</span>.</p><p class="rtl left" id="p191"><span class="c2">(15/26)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p192"><span class="c5">[ص 35]</span> وقد يقال ــ إن صح الخبر ــ: لعلّ هؤلاء لم يشهدوا تبوك، وإنّما ترصَّدوا قدومَه صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك، فالتقوه ببعض الطريق لمَّا هموا به. ومع ذلك ففي الخبر أن حذيفة عرف هؤلاء. هذا، وقد سبق أن الظاهر أنّ من بقي من المنافقين لم يُرْوَ عن أحدٍ منهم شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأمّا الأعراب فقد تمّ امتحانهم بوفاته صلى الله عليه وآله وسلم، فَمَن ثبت منهم على الإسلام فقد ثبتت عدالته، ومن ارتدّ فقد زالت، فمن عاد بعد ذلك إلى الإسلام فيحتاج إلى عدالة جديدة. وأمّا الطُّلقاء فقد شملتهم بعض الآيات كما عرفتَ، ولم تقع منهم ردّة. ولو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن مَنْ تأخَّر إسلامُه وقلَّت صحبتُه يحتاج إلى البحث عنهم لكان لقوله وجهٌ في الجملة. وأوجه من ذلك مَنْ كان من الأعراب، ويحتمل أنّه ممن ارتدّ عقب وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما من عُلِم أنه ممن ارتدّ فالأمر فيه أظهر. هذا، وقد كان العرب يتحاشَون من الكذب، وتأكَّد ذلك فيمن أسلم، وكان أحدهم ــ وإن رقَّ دينُه ــ لا يبلغُ به أن يجترئ على الكذب على الله ورسوله، وكانوا يرون أنّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون، وأنه إن تجرَّأ أحدٌ على الكذب افْتُضِح. <span class="c5">[ص 36]</span> ولو قال قائل: إنّ الله تبارك وتعالى منعَ القومَ مِن تعمُّدِ الكذب على نبيه عليه الصلاة والسلام بمقتضى ضمانه بحفظ دينه، ولا سيّما مع إخباره بعدالتهم لَمَا أبْعَد.</p><p class="rtl left" id="p193"><span class="c2">(15/27)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p194">ومَنْ تدبّر الأحاديث المروية عمن يمكن أن يُتكلَّم فيه من الطلقاء ونحوهم= ظهر له صِدْق القوم؛ فإنَّ المرويّ عن هؤلاء قليل، ولا تكاد تجد حديثًا يصحّ عن أحدٍ منهم إلا وقد صحَّ بلفظه أو معناه عن غيره من المهاجرين أو الأنصار. وقد كانت بين القوم إحَنٌ <span class="c2">(1)</span> بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلو استساغ أحدٌ منهم الكذب لاختلق أحاديث تقتضي ذمَّ خصمه، ولم نجد من هذا شيئًا صحيحًا صريحًا. وفوق هذا كله فأهل السنة لم يدَّعوا عصمةَ القوم، بل غاية ما ادَّعوه أنه ثبت لهم أصل العدالة، ثم لم يثبت ما يزيلها. والمخالف يزعم أنه قد ثبت عنده في حقِّ بعضهم ما يزيل العدالة، فانحصر الخلاف في تلك الأمور التي زعمها، فإذا أثبت أهل السنة أنها لم تصح، وأن ما صحَّ منها لا يقتضي زوال العدالة استتبَّ الأمر. فأمّا من ثبتَ شهادةُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم له بالمغفرة والجنة فقد تضمن ذلك تعديلهم أوّلًا وآخرًا. والله الموفق. <span class="c5">[ص 37]</span> تنبيه: أما الخطأ فقد وقع من بعض الصحابة،<span class="c6"> كقول ابن عمر:</span> إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مرةً في رجب <span class="c2">(2)</span>، وغير ذلك مما يعرف بتتبع كتب السنة <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> أي: حقد وعداوة. <span class="c2">(2)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(1775، 1776)</span>، ومسلم <span class="c2">(1255)</span> وقد استدركت عليه عائشة رضي الله عنها هذا القول، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رجب قط. <span class="c2">(3)</span> وقد تتبّع الزركشيّ ما استدركته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على الصحابة في كتاب سمّاه "الإجابة عما استدركته عائشة على الصحابة".</p><p class="rtl left" id="p195"><span class="c2">(15/28)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p196">مسألة: قال الخطيب في "الكفاية" <span class="c2">(ص 52)</span>: "ومن الطريق إلى معرفة كونه صحابيًّا: تظاهرُ الأخبار بذلك. وقد يُحْكَم بأنه صحابي إذا كان ثقة أمينًا مقبول القول،<span class="c6"> إذا قال:</span> "صَحِبتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكثر لقائي له ...<span class="c6"> وإذا قال:</span> أنا صحابي ولم يُحْكَ عن الصحابة رَدُّ قوله ولا ما يعارضه ... = وجبَ إثباته صحابيًّا حكمًا بقوله لذلك،<span class="c6"> أو قول آحاد الصحابة:</span> <span class="c5">[إنه صحابي]</span> <span class="c2">(1)</span> ".<span class="c6"> أقول:</span> فعُرِف من هذا أن من لم تثبت صحبتُه إلا بقوله حُكْمه حكم التابعين في البحث عن عدالته؛ لأنها لا تثبت صحبته حتى تثبت عدالته. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> من "الكفاية".</p><p class="rtl left" id="p197"><span class="c2">(15/29)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p198"><span class="c5">[ص 39]</span> فصل ــ 2 التابعون التابعيُّ: مَن أدرك بعض الصحابة، ورأى بعضهم، وسمع منه سماعًا يُعتدُّ به، بأن يكون السامع مميزًا،<span class="c6"> وقيل:</span> بل تكفي الرؤية مع التمييز.<span class="c6"> والذي يظهر في حديث:</span> "خيرُ الناسِ قرني، ثمّ الذين يلونهم" <span class="c2">(1)</span> أن الدخول في "الذين يلونهم" يُشْترط فيه زيادة على ما تقدَّم، قال ابن الأثير في "النهاية" <span class="c2">(2)</span> عن أبي عبيد الهروي: "فيه: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم" يعني الصحابة ثم التابعين <span class="c2">(3)</span>، والقرن أهلُ كلّ زمان، وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان، مأخوذ من الاقتران، وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم،<span class="c6"> وقيل:</span> القرن أربعون سنة،<span class="c6"> وقيل:</span> ثمانون،<span class="c6"> وقيل:</span> مائة".<span class="c6"> أقول:</span> والقول الثاني كأنّه ضابط تقريبيّ للأول. هذا، والقرون تتداخل ــ أعني أن القرن الأول إذا أخذَ في النقصان أخذ الذي يليه في الزيادة،<span class="c6"> وهكذا ــ فقد يقال:</span> إن قَرْنه صلى الله عليه وآله وسلم بقي على الغلبة إلى تمام ثلاثين سنة من الهجرة، ثم أخذ في الضعف، وذلك حين بدأ الناسُ في الإنكار على أمراء عثمان، وأخذ القرنان يصطرعان، فكان _________ <span class="c2">(1)</span> سبق تخريجه. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 51)</span>. <span class="c2">(3)</span> "الغريبين": <span class="c2">(5/ 1533 - ط نزار الباز)</span>.</p><p class="rtl left" id="p199"><span class="c2">(15/30)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p200"><span class="c5">[ص 40]</span> بعد خمس سنين قتل عثمان،<span class="c6"> وذلك مصداق حديث البراء بن ناجية عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل مَنْ هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عامًا".<span class="c6"> قال:</span> فقلت: مما بقي أو ممّا مضى؟<span class="c6"> قال:</span> "ممّا مضى" <span class="c2">(1)</span>. وفي بعض الروايات "مما بقي". وروى شريك عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق،<span class="c6"> عن ابن مسعود مرفوعًا:</span> "إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين، فإن اصطلحوا فيما بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عامًا رغدًا، وإن يقتتلوا يركبوا سَنَن من قبلهم" <span class="c2">(2)</span>. فكان لخمس وثلاثين حَصْر عثمان، ولم يقم الدين كما ينبغي؛ إذ لم يصطلحوا على غير قتال، بل كان هلاك ما بالقتل والفرقة والفتنة، فكان سبيلهم سبيل الأمم الماضية من الاختلاف، ثم تمت الغلبة للقرن الثاني بعد سنوات بقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم بتسليم ابنه الحسن الخلافة لمعاوية، وذلك مصداق حديث سفينة مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> قال:</span> سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "الخلافة ثلاثون _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(3730)</span>، وأبو داود <span class="c2">(4254)</span>، والطيالسي <span class="c2">(383)</span>، والحاكم <span class="c2">(3/ 123)</span> وغيرهم.<span class="c6"> قال الحاكم:</span> صحيح الإسناد. <span class="c2">(2)</span> أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ــ كما في "اتحاف الخيرة": <span class="c2">(8/ 11)</span> ــ والبزار: <span class="c2">(5/ 323)</span>،<span class="c6"> والطبراني في "الكبير":</span> <span class="c2">(10/ 158)</span>،<span class="c6"> قال البوصيري:</span> بسندٍ ضعيف لضعف مجالد بن سعيد.</p><p class="rtl left" id="p201"><span class="c2">(15/31)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p202">عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> فتمَّت الغلبة للقرن الثاني بنحو أربعين سنة من الهجرة، فثلاثون سنة منها كانت للقرن الأول، وعشر بينه وبين الثاني، ثم تمَّت للقرن الثاني ثلاثون سنة لستين من الهجرة، فكانت ولاية يزيد، ثم قتل الحسين بن عليّ عليه السلام. وقد صحَّ عن أبي هريرة <span class="c5">[ص 41]</span> أنه كان يتعوَّذ من عام الستين وإمارة الصبيان <span class="c2">(2)</span>، فمات قبلها. ثم كانت وقعة الحرَّة، وإحراق الكعبة، ثم كان بعد السبعين رمي الكعبة بالمجانيق، وقتل ابن الزبير، واستتباب الأمر لعبد الملك. وعلى هذا المنوال يكون انتهاء القرن الثاني سنة سبعين، وانتهاء الثالث على رأس المائة.<span class="c6"> ومن أسباب الفضل للثاني والثالث:</span> أنه لم يزل فيهما بقايا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وانتهى ذلك بعد انتهاء المائة بقليل، مصداقًا _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(21919)</span>، وأبو داود <span class="c2">(4647)</span>، والترمذي <span class="c2">(2226)</span>، والنسائي في "الكبرى" <span class="c2">(8099)</span>، وابن حبان <span class="c2">(6943)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(3/ 71، 145)</span> وغيرهم من طرق عن سعيد بن جُمهان عن سفينة به. والحديث صححه أحمد كما في "السنة" <span class="c2">(636)</span> للخلال،<span class="c6"> وقال الترمذي:</span> "هذا حديث حسن" وصححه ابن حبان. <span class="c2">(2)</span> تعوّذه من عام الستين وإمارة الصبيان أخرجه الطبراني في "الأوسط" <span class="c2">(1397)</span> وقال: لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا حماد، تفرّد به رَوح بن عبادة. ورواه أبو هريرة مرفوعًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قال:</span> "تعوّذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان" أخرجه أحمد <span class="c2">(8319، 8320)</span>، والبزار <span class="c2">(16/ 249)</span>.</p><p class="rtl left" id="p203"><span class="c2">(15/32)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p204">لقوله صلى الله عليه وآله وسلم قبيل موته: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن <span class="c5">[على]</span> رأس مائة سنة <span class="c5">[منها]</span> لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحدٌ" <span class="c2">(1)</span>. هذا، والظاهر أنه يدخل في القرن الأول من أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجتمع به، وكذلك من أسلم بعده بقليل، وكذا من ولد بعده بقليل، بحيث يكون منشؤه في عهد كثرة الصحابة وظهورهم؛ فإنه يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وآدابهم، حتى يستحكم خلقُه على ذلك. ولا مانع من أن يكون هؤلاء في القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة.<span class="c6"> وعلى هذا فالدرجات تتفاوت:</span> فمَنْ وُلد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقرب إلى نيل خصائص القرن الأول ممن ولد بعده بخمس <span class="c5">[ص 42]</span> سنوات ــ مثلًا ــ وهكذا، حتى إن من ولد بعده صلى الله عليه وآله وسلم بخمس عشرة سنة أقرب إلى القرن الثاني، وقد يكون بعض من يولد متأخرًا أمكن في خصائص القرن الأول ممن ولد متقدِّمًا لأسباب أخرى، ككثرة مجالسة أفاضل الصحابة، وقس على هذا. ومن استحكمت قوَّته في عهد القرن الأول فهو منهم، وإن بقي إلى الثاني والثالث، وهكذا.<span class="c6"> وقد يكون هذا هو السرّ ــ والله أعلم ــ في الشكِّ في أكثر روايات الحديث:</span> أكرّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم "ثم الذين يلونهم" مرتين أم ثلاثًا؟ وذلك أنه بعد انتهاء قَرْنه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، تبقى جماعة من أهل الثالث يعيشون في الرابع. _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(116)</span>، ومسلم <span class="c2">(2537)</span> من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وما بين المعكوفات منهما.</p><p class="rtl left" id="p205"><span class="c2">(15/33)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p206"><span class="c5">[ص 43]</span> هذا، وقد احْتُجَّ بهذا الحديث على أن الظاهر في التابعين وأتباعهم العدالة، فمن لم يُجْرَح منهم فهو عدل. وقد يوجَّه ذلك بأنَّ الخيرَ لم يرتفع من الأمة جملةً بعد تلك القرون، فثناؤه صلى الله عليه وآله وسلم عليها، وذمه من بعدها إنما هو بناء على الأغلب،<span class="c6"> فكأنه يقول:</span> إن غالب أهلها أخيار، وغالب من بعدها أشرار. وإذا ثبت أن غالبهم أخيار، فمن لم يُعْرَف حاله منهم حُمِل على الغالب.<span class="c6"> أقول:</span> وفي هذا نظر من وجهين: الأول: أنه قد يجوز أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم راعى الكثرة، فيكون حاصل ذلك أن القرن الأول ــ وهم الصحابة ومن انضمَّ إليهم ــ غالبهم عدول، والقرن الثاني نصفهم عدول، والقرن الثالث ثلثهم عدول، والثلث كثير، وأما بعد ذلك فإن العدالة تقلُّ عن ذلك. وعلى تسليم الغلبة في القرن الثاني ــ أيضًا ــ فقد يكون في الثالث التعادل، واستحقوا الثناء لأنّ شرّهم لم يكن أكثر من خيرهم، بخلاف من بعدهم.<span class="c6"> الوجه الثاني:</span> أن الغلبة تصْدُق بخمسة وخمسين في المائة ــ مثلًا ــ، ومثل هذا <span class="c5">[ص 44]</span> لا يحصل به الظن المعتبر في أنَّ مَنْ لم يُعْرَف حاله من المائة فهو من الخمسة والخمسين،<span class="c6"> ولو قال المحدِّث:</span> "أكثر مشايخي ثقات"، لما كان توثيقًا لمن لا يُعْرَف حاله منهم. وتمام هذا البحث يأتي في الكلام على المجهول إن شاء الله تعالى <span class="c2">(1)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> لم يتمكن المؤلف من كتابة هذا البحث.</p><p class="rtl left" id="p207"><span class="c2">(15/34)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p208"><span class="c5">[ص 16]</span> <span class="c2">(1)</span> فصل ــ 3 اختلف في حدِّ الكبيرة اختلافًا كثيرًا، ومن أحبَّ الاطلاع على ذلك فليراجع كتاب "الزواجر" <span class="c2">(2)</span> لابن حجر المكي. وقد وردت الأحاديث في النصِّ على بعض الكبائر، وثبت بالأدلة أن من الذنوب الأخرى ما هو أشدُّ من بعض النصوص أو مثله، فالمدار على الاجتهاد. * * * * فصل ــ 4 اشتهر بين أهل العلم أنّ الإصرار على الصغيرة يصيّرها كبيرة،<span class="c6"> وقال جماعة:</span> كالكبيرة في ردِّ الشهادة والرواية، وقيَّده جماعة بالإصرار على كثير من الصغائر، بحيث تصير معاصي الرجل أغلب من طاعاته، لنصِّ جماعةٍ من الأئمة كالشافعي وغيره على أنَّ من غلبت طاعاتُه معاصيه فهو عدل.<span class="c6"> وعبارة الشافعي:</span> "لا أعلم أحدًا أُعطي طاعة الله حتى لم يخلطها بمعصية الله إلا يحيى بن زكريا عليه السلام، ولا عُصِي الله فلم يُخْلَط بطاعته، فإذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدّل، وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرَّح". أسنده الخطيبُ في "الكفاية" <span class="c2">(ص 79)</span> وذكر هناك أقوالًا أخرى في هذا المعنى، وبَسَط الكلامَ فيه ابنُ حجر المكي في "الزواجر" <span class="c2">(2/ 187)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> عدنا إلى هذا الموضع <span class="c2">(ص 16)</span> بإشارة المؤلف في آخر <span class="c2">(ص 44)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 4 - 10)</span>.</p><p class="rtl left" id="p209"><span class="c2">(15/35)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p210"><span class="c5">[ص 17]</span> أقول: قد يصعب الحكم على من يجتنب الكبائر كلها بأنَّ الغالب عليه المعصية، والغالب على من يستكثر من الصغائر إلى ما يقارب هذا الحدّ أنه لا يسلم من بعض الكبائر، وفي "الصحيحين" <span class="c2">(1)</span> عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه". فالصغائر حِمَى الكبائر، فمن وقع في الصغائر إلى الحدِّ المتقدّم ذِكْره فالغالب أنه يقع في الكبائر، والله أعلم.<span class="c6"> فإن فُرِضَ أنه لم يوقَفْ له على كبيرة فقد يقال:</span> يجعل حكمه حكم مرتكب الكبيرة؛ لما تقدَّم أنَّ الغالب أنه لا يسلم منها.<span class="c6"> * * * * فصل ــ 5 عدُّوا مما يُسْقط العدالة:</span> صغائر الخِسّة، ومثَّلوه بالتطفيف بحبَّةٍ، وسرقة باذنجانة. وكذلك قالوا في الرشوة، وأكل مال اليتيم، والغصب، وجزم كثيرون بأنَّ هذه كلّها كبائر، سواء وقعت في كثير أو قليل. راجع "الزواجر" <span class="c2">(1/ 221)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> الظاهر أنها كبائر، وعلى فَرْض أنها صغائر فالغالب أن صاحبها لا يسلم من الكبائر؛ لأنَّ مَنْ لم يمنعه دينه وإيمانه وتقواه من المعصية لتحصيل منفعة تافهة، فَلأَنْ لا يمنعه ذلك من تحصيل ما هو أعظم منها= أولى _________ <span class="c2">(1)</span> البخاري <span class="c2">(52)</span>، ومسلم <span class="c2">(1599)</span> من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.</p><p class="rtl left" id="p211"><span class="c2">(15/36)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p212">وأحرى.<span class="c6"> قال الله تبارك وتعالى:</span> <span class="c4">{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 75]</span>. <span class="c5">[ص 18]</span> أي أنّ منهم من هو عظيم الأمانة، حتى لا يغلب هواه وشهوتُه أمانتَه ولو عَظُمت المنفعةُ التي تحصل له بالخيانة.<span class="c6"> والقنطار جاء عن الحسن البصري:</span> أنه ملء مَسْك ثور ذهبًا <span class="c2">(1)</span>. ومنهم من ليس عنده من الأمانة ما يغلب به هواه وشهوته في اليسير كالدينار،<span class="c6"> أي:</span> وإذا كان هواه وشهوته يغلبان أمانته في الدينار فأولى من ذلك أن يغلباها فيما هو أكثر منه. <span class="c5">[ص 19]</span> ومما يلتحق بهذا الفرع: تقبيل الأجنبية، أو معانقتها على رؤوس الأشهاد، ويظهر ــ والله أعلم ــ أنه كبيرة من جهة المجاهرة بالفحش. وفي "الصحيحين" <span class="c2">(2)</span> وغيرهما: "كلُّ أُمتي مُعافى إلا المجاهرين ... " الحديث. وفي المجاهرة بالمعصية عدة مفاسد،<span class="c6"> منها:</span> حَمْل الناس على فعل مثلها. وفي "صحيح مسلم" <span class="c2">(3)</span>: " ... ومن سنَّ في الإسلام سنةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "معاني القرآن": <span class="c2">(1/ 383)</span> للزجاج، و"المفردات" <span class="c2">(ص 677)</span> للراغب الأصبهاني. <span class="c2">(2)</span> البخاري <span class="c2">(6069)</span>، ومسلم <span class="c2">(2990)</span> من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1017)</span> من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.</p><p class="rtl left" id="p213"><span class="c2">(15/37)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p214">ومثل هذا الفعل ظاهر في انتفاء الحياء أو ضعفه. وفي "الصحيح" <span class="c2">(1)</span>: "إنّ مما أدرك الناسُ من كلام النبوَّة الأولى: إذا لم تستَحْيِ فاصنع ما شئت". ومعناه ــ والله أعلم ــ إذا فقد الإنسان الحياء صنع ما شاء،<span class="c6"> أي:</span> فالظنُّ به أنه لا يحجم عن ارتكاب كل ما تدعوه إليه نفسُه <span class="c2">(2)</span>. * * * * <span class="c5">[ص 20]</span> فصل ــ 6 اشتهر بين أهل العلم: أنّ ممّا يخرم العدالة: تعاطي ما ينافي المروءة، وقيَّده جماعةٌ بأن يكثر ذلك من الرجل، حتى يصير إخلاله بما تقتضيه المروءة غالبًا عليه،<span class="c6"> قال الشافعي ــ رحمه الله تعالى ــ:</span> "ليس من الناس أحدٌ نعلمه ــ إلا أن يكون قليلًا ــ يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئًا من الطاعة والمروءة، فإذا كان الغالب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قُبِلَت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رُدَّت شهادتُه".<span class="c6"> "مختصر المزني ــ بهامش الأم":</span> <span class="c2">(5/ 256)</span> <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> ذكروا أنّ المدار على العرف، وأنه يختلف باختلاف حال الرجل وزمانه ومكانه، فقد يعدُّ الفعل خرمًا للمروءة إذا وقع مِنْ رجل من أهل _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(3483، 3484)</span> من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه. <span class="c2">(2)</span> انظر "فتح الباري": <span class="c2">(6/ 523)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(5/ 310 ــ طبعة المعرفة)</span>.</p><p class="rtl left" id="p215"><span class="c2">(15/38)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p216">العلم، لا إذا كان من تاجر ــ مثلًا ــ. وقد يُعدّ ذلك الفعل مِنْ مِثْل ذلك الرجل خرمًا للمروءة في الحجاز ــ مثلًا ــ لا في الهند. وقد يُعدّ خرمًا للمروءة إذا كان في الصيف لا إذا كان في الشتاء. أو يعدُّ خرمًا في عصر ثم يأتي عصرٌ آخر لا يعدُّ فيه خرمًا.<span class="c6"> ثم أقول:</span> لا يخلو ذلك الفعل الذي يعدُّه أهلُ العرف خرمًا للمروءة عن واحد من ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون ــ مع صرف النظر عن عرف الناس ــ مطلوبًا فعله شرعًا، وجوبًا أو استحبابًا.<span class="c6"> الثاني:</span> أن يكون مطلوبًا تركه بأن يكون حرامًا أو مكروهًا أو خلاف الأولى.<span class="c6"> الثالث:</span> أن يكون مباحًا. <span class="c5">[ص 21]</span> فأمّا الأول، فلا وجه للالتفات إلى العرف فيه؛ لأنه عُرْفٌ مصادم للشرع، بل إذا ترك ذلك الفعل رجل حفظًا لمروءته في زعمه، كان أحقّ بالذم ممن يفعله لمجرد هواه وشهوته. وأمّا الثاني، فالعرف فيه معاضد للشرع، فالاعتداد به في الجملة متجه؛<span class="c6"> إذ يقال في فاعله:</span> إنه لم يستحيِ من الله عز وجل ولا من الناس، وضعف الحياء من الله عز وجل ومن الناس أبلغ في الذمِّ من ضعف الحياء من الله عزّ وجلّ فقط، وقد مرَّ حديث "كلُّ أُمّتي معافَى إلا المجاهرين" <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> سبق <span class="c2">(ص 35)</span>.</p><p class="rtl left" id="p217"><span class="c2">(15/39)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p218">وأمّا الثالث فقد يقال: يلتحق بالثاني؛ إذ ليس في فعل ذلك الفعل مصلحة شرعية، وفيه مفسدة شرعية،<span class="c6"> وهي:</span> تعريض النفس لاحتقار الناس وذمهم. <span class="c5">[ص 22]</span> هذا وقد يقال: إذا ثبت صلاح الرجل في دينه، بأن كان مجتنبًا الكبائر وكذا الصغائر غالبًا فقد ثبتت عدالته، ولا يُلتفت إلى خوارم المروءة؛ لأن الظاهر في مثل هذا أنه لا يتصوّر فيه أن يكون إخلاله بالمروءة غالبًا عليه، وعلى فَرْض إمكان ذلك، فقد تبيّن من قوَّة إيمانه وتقواه وخوفه من الله عزّ وجل ما لا يحتاج معه إلى معاضدة خوفه من الناس، بل يظهر في هذا أنّ عدم مبالاته بالنّاس إنما هو من كمال إيمانه وتقواه. وأمّا من كثر منه ارتكاب الصغائر، ومع ذلك كثر منه مخالفة المروءة،<span class="c6"> ولم يبلغ أن يقال:</span> إن معاصيه أغلب من طاعاته= فهذا محلُّ النظر، وفَصْل ذلك إلى المعدِّل؛ فإن كان يجد نفسه غير مطمئنة إلى صدقه، فليس ممن يُرْضى،<span class="c6"> وقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}</span> <span class="c5">[البقرة: 282]</span>. * * * * فصل ــ 7 التفسيق مَنوطٌ بالإثم، فمن ارتكب مفسِّقًا جاهلًا أو ناسيًا أو مخطئًا فلم نؤثِّمْه لعذره فكذلك لا نفسِّقُه. راجع كلام الشافعي رحمه الله تعالى في "الأم" <span class="c2">(6/ 210)</span>. * * * *</p><p class="rtl left" id="p219"><span class="c2">(15/40)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p220">فصل ــ 8 <span class="c5">[ص 23]</span> ما تقرّر في الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلتة، كمن أغضبه إنسان فترادّا الكلامَ حتى قذفَه على وجه الشّتْم، ففي الحكم بفسقه نظر؛ لأن مثل هذا قد لا يوجب سوء ظن الناس بالمشتوم، فإن سامع مثل هذا قد يفهم منه الشتم فقط، لا أن الشاتم يثبت نسبة الفاحشة إلى المشتوم. والذي يدفعُ الإشكالَ من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب منها، وقد تقرّر في الشرع أن التوبة تجبُّ ما قبلها، وأنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعلى هذا يُحْمَل ما روي عن أبي داود الطيالسي،<span class="c6"> عن شعبة:</span> أنه ذَكَر أبا الزبير: محمد بن مسلم بن تَدْرُس وسماعه منه قال: "فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل فسأله عن مسألة فردَّ عليه، فافترى عليه،<span class="c6"> فقلت له:</span> يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟<span class="c6">! قال:</span> إنه أغضبني،<span class="c6"> قلت:</span> ومن يغضبك تفتري عليه؟ لا رويتُ عنك شيئًا". ذَكَر هذا في ترجمة أبي الزبير في "التهذيب" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> لكن قال في ترجمة محمد بن الزبير التميمي:</span> "وأسند ابنُ عديّ من طريق أبي داود الطيالسي قلت لشعبة: مالَك لا تحدِّث عن محمد بن الزبير؟<span class="c6"> فقال:</span> مرّ به رجل فافترى عليه، فقلت له،<span class="c6"> فقال:</span> إنه غاظني" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> واتفاق القصة لكلٍّ من الرجلين:</span> محمد بن الزبير، ومحمد بن مسلم أبي الزبير ليس بممتنع، لكن تقارب الاسمين يقرب احتمال الخطأ، والله أعلم. _________ <span class="c2">(1)</span> "تهذيب التهذيب": <span class="c2">(9/ 442)</span>. وانظر لتحقيق حال أبي الزبير "عمارة القبور- المبيضة" <span class="c2">(ص 77 - 81)</span> و"المسوّدة" <span class="c2">(ص 82 - 87)</span> للمؤلف. <span class="c2">(2)</span> المصدر نفسه: <span class="c2">(9/ 167)</span>.</p><p class="rtl left" id="p221"><span class="c2">(15/41)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p222"><span class="c5">[ص 24]</span> وفي ترجمة أبي حُصَين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي من "التهذيب": "وقال وكيع: كان أبو حصين يقول: أنا أقرأ من الأعمش،<span class="c6"> فقال الأعمش لرجل يقرأ عليه:</span> اهمز الحوتَ، فهمزه، فلما كان من الغد قرأ أبو حصين <span class="c2">(1)</span> في الفجر <span class="c2">(نون)</span> فهمز الحوتَ،<span class="c6"> فقال له الأعمش ــ لمّا فرغ ــ:</span> أبا حصين كسرتَ ظهرَ الحوت! فقذفه أبو حصين، فحلف الأعمش ليحدَّنّه، فكلَّمَه فيه بنو أسد فأبى،<span class="c6"> فقال خمسون منهم:</span> <span class="c5">[والله لنشهدنَّ أن أمه كما قال.]</span> <span class="c2">(2)</span> فغضب الأعمش وحلف أن لا يساكنهم وتحوَّل عنهم" <span class="c2">(7/ 127)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> هذه الرواية منقطعة؛ لأنّ أبا حصين توفِّي قبل مولد وكيع أو بعده بقليل على اختلاف الروايات في ذلك <span class="c2">(3)</span>. فإن صحَّت،<span class="c6"> فهمز الحوت معناه أن يقال:</span> "الحؤت" بهمزة بدل الواو، وهي لغة قد قرأ ابن كثير <span class="c4">{بِالسُّؤْقِ وَالْأَعْنَاقِ}</span> <span class="c2">(4)</span> <span class="c5">[ص: 33]</span> قالوا: "وكان أبو حيَّة النُّميري يهمز كلَّ واوٍ ساكنة قبلها ضمة" <span class="c2">(5)</span> "روح المعاني": <span class="c2">(7/ 354)</span>. فكأنّ أبا حصين ظنَّ أنَّ مراد الأعمش بقراءة "الحؤت" مهموزًا إظهار _________ <span class="c2">(1)</span> بعده في الأصل،<span class="c6"> والتهذيب:</span> "قرأ". خطأ. <span class="c2">(2)</span> سقط من الأصل والتهذيب،<span class="c6"> والاستدراك من "تاريخ دمشق":</span> <span class="c2">(38/ 413)</span>،<span class="c6"> و"السير":</span> <span class="c2">(5/ 414)</span>. <span class="c2">(3)</span> في سندها أيضًا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي. ضعيف. <span class="c2">(4)</span> انظر "المبسوط" <span class="c2">(ص 279)</span> لابن مهران. <span class="c2">(5)</span> وانظر "المحرر الوجيز": <span class="c2">(4/ 262)</span>،<span class="c6"> و"البحر المحيط":</span> <span class="c2">(7/ 59)</span>،<span class="c6"> و"الدرّ المصون":</span> <span class="c2">(8/ 619)</span></p><p class="rtl left" id="p223"><span class="c2">(15/42)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p224">أنه يعرف ما لا يعرف غيره، فقرأ بها أبو حصين إعلامًا بأنه يعرفها. فأما القذف فلم يُرِد به أبو حصين الإثبات، وإنما هو شتم جرّ إليه الغضب، ولم يلتفت أحدٌ من أئمة الحديث والفقه إلى هذه القصة، بل احتجّوا بأبي حُصين، وأطابوا الثناء عليه. * * * * <span class="c5">[ص 25]</span> فصل ــ 9 في المبتدع البدعة التي جَرَت عادتُهم بالبحث عن صاحبها عند الكلام في العدالة، هي البدعة في الاعتقاديات وما بُني عليها أو أُلْحِق بها. وأهلُ العلم مختلفون في هذا الضرب من البدعة أيكون جرحًا في عدالة صاحبه؟ والذي يظهر لي أنه ينبغي أولًا النظر في أدلة تلك المقالة، ثم في أحوال الرجل وأحوال عصره وعلاقته بها، فإن غلب على الظن ــ بعد الإبلاغ في التثبُّت والتحرّي ــ أنه لا يخلو في إظهاره تلك المقالة عن غَرَض دنيوي من عصبية، أو طَمَع في شهرة، أو حبّ دنيا، أو نحو ذلك= فحقّه أن يُطْرَح، وكذلك إن احْتُمِل ذلك احتمالًا قويًّا بحيث لا يغلب على ظنِّ العارف به تبرئته ممّا ذُكِر. وإن ظهر أنه أنّما أداه إليها اجتهادُه، وابتغاؤه الحقَّ، وأنه حريص على إصابة الحق في اتباع الكتاب والسنة، فلا ينبغي أن يُجْرَح بمقالته، بل إن ثبتت عدالتُه فيما سوى ذلك، وضبطُه، وتحرِّيه، نُظِر في درجته من العلم والدين والصلاح والتحري والتثبُّت. فإنْ كان عالي الدرجة في ذلك احتجَّ</p><p class="rtl left" id="p225"><span class="c2">(15/43)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p226">به مطلقًا،<span class="c6"> وإلا فقد قيل:</span> يُقبل منه ما لا يوافق مقالته، ويتوقَّف عما يوافقها لموضع التهمة. وليس هذا بشيء؛ لأنه إن كان حقيقًا بأن يُتَّهم في شيء من روايته بما ينافي العدالة فلم تثبت عدالته، وقد شرحت هذا في "التنكيل" <span class="c2">(1)</span>. * * * * <span class="c5">[ص 45]</span> فصل ــ 10 في المُعَدِّل والجارح أما المعدِّل: فشرطه أن يكون في نفسه: بالغًا، عاقلًا، عدلًا، عارفًا بما يُثبت العدالةَ وما ينافيها، ذا خبرة بمن يعدِّله. ولا بدّ أن يكون متيقِّظًا، عارفًا بطباع الناس وأغراضهم <span class="c2">(2)</span>. وهل يكفي الواحد؟<span class="c6"> اختلف في ذلك:</span> فقال أبو عبيد القاسم بن سلَّام: لا بد من ثلاثة، واحتجَّ بما في "صحيح مسلم" <span class="c2">(3)</span> من حديث قَبيصة بن المُخَارق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المسألة لا تحلّ إلّا لأحد ثلاثة: رجلٌ تحمّل حَمالة ...<span class="c6"> ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجا من قومه:</span> لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يصيب قَوامًا من عيش". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 71 - 86)</span>.<span class="c6"> وكان المؤلف قد كتب:</span> "تعزيز الطليعة" ثم ضرب عليها وكتب ما هو مثبت. <span class="c2">(2)</span> تحتمل: "أعرافهم" وما أثبته أقرب. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1044)</span>.</p><p class="rtl left" id="p227"><span class="c2">(15/44)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p228">قال أبو عبيد: "وإذا كان هذا في حقِّ الحاجة فغيرها أولى". "فتح المغيث" <span class="c2">(ص 123)</span> <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> وممّا يساعده أنَّ العدالة تتعلق بما يخفى من حال الإنسان كالحاجة،<span class="c6"> ولكن يَرِد عليه أمور:</span> منها: أنّ هذا الحديث تفرّد به عن قبيصةَ كنانةُ بن نعيم، ولم يعدِّله ثلاثة تعديلاً سالمًا <span class="c2">(2)</span> وإنما قال ابن سعد <span class="c2">(3)</span>: "وكان معروفًا ثقة إن شاء الله" فلم يجزم. ووثَّقه العجلي، وسيأتي في بحث المجهول أنَّ في توثيقه نظرًا، وأن مذهبه قريب من مذهب ابن حبان. ووثَّقه ابنُ حبان، ومذهبه معروف في التسامح، ويأتي بيانه أيضًا <span class="c2">(4)</span>. فإذا عدَدْنا إخراج مسلم لحديثه توثيقًا، فلم يسلم له إلا مسلم. <span class="c5">[ص 46]</span> الأمر الثاني: أنّ هؤلاء كلّهم لم يدركوا كنانة،<span class="c6"> وإنما وثَّقوه بناء على مذاهبهم:</span> أن من روى عنه الثقات، ولم يُجْرَح، ولم يأت بمنكر، فهو ثقة، وسيأتي الكلامُ في هذا إن شاء الله تعالى.<span class="c6"> الأمر الثالث:</span> ظاهر الحديث أنه لا يحلّ للمحتاج المسألة حتى يقوم ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومه فيخبروا أنه نزلت به فاقة، ولا يُعْرَف أحدٌ قال بهذا، بل مدار الحلِّ عند أهل العلم على نفس الحاجة، فإن احتاجَ في نفسه _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 8 ــ 9)</span>. <span class="c2">(2)</span> "تعديلًا سالمًا" كتبت فوق السطر بخط غير واضح فلعلها ما أثبت. <span class="c2">(3)</span> "الطبقات": <span class="c2">(9/ 226)</span>. <span class="c2">(4)</span> لم يتسنَّ للمؤلف كتابة هذا المبحث هنا،<span class="c6"> وقد تكلم عن توثيق العجلي وابن حبان في "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 113 - 114، ورقم 200)</span>.</p><p class="rtl left" id="p229"><span class="c2">(15/45)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p230">إلى المسألة حلَّت له، ولا نعلم أحدًا تكلَّف العملَ بهذا. وليس هذا من ردِّ السنة بعدم العمل بموافق لها، أو عامل بها، وإنما المقصود أنَّ مثل هذا قد يُسْتنكر فيصير الحديث منكرًا، فيقدح في راويه ــ أعني كنانة بن نعيم ــ مع قِلَّة ما له من الحديث،<span class="c6"> ومع أنّه في حديثه هذا شيء من الاختلاف:</span> فرواه حماد بن زيد، عن هارون بن رئاب، عن كنانة، كما مرَّ.<span class="c6"> ورواه ابنُ عيينة عن هارون فقال في أوله:</span> "إن المسألة لا تصلح" وقال مرة: "حرمت" أخرجه أحمد في "المسند" <span class="c2">(3/ 475)</span> <span class="c2">(1)</span>. ورواه إسماعيل بن عُلَيّة، عن أيوب، عن هارون فلم يذكر محلَّ الشاهد أصلًا،<span class="c6"> بل قال:</span> "إنّ المسألةَ لا تحلّ إلا لثلاثة ... ورجلٌ أصابته فاقة فيسأل حتى يصيب قَوامًا من عيش" أخرجه أحمد في المسند <span class="c2">(5/ 60)</span> <span class="c2">(2)</span>. <span class="c5">[ص 47]</span> الأمر الرابع: أنَّ مقتضى حَمْل الشاهد والمخبر على المحتاج أن لا يحلَّ أن يشهد أحدٌ أو يخبر حتى يعدِّله ثلاثة، وهذا لا قائل به، ولا يعلم واحد ــ فضلًا عن ثلاثة ــ عدَّل كنانةَ قبل أن يخبر.<span class="c6"> الأمر الخامس:</span> أنّ الأولوَّية التي ادّعاها أبو عبيد غير ظاهرة، بل الصواب عكس ما قال،<span class="c6"> وبيان ذلك:</span> أن الحكمة في تحريم المسألة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحِجا من قوم مَن يريد المسألة هي: أولًا: منع أهل الستر عن المسألة بدون حاجة؛ لأن أحدَهم يرى أنه لو _________ <span class="c2">(1)</span> رقم <span class="c2">(15916)</span>. <span class="c2">(2)</span> رقم <span class="c2">(20601)</span>. لكن رواه اثنان عن ابن عُليّة بالشاهد عند الطبراني في "الكبير" <span class="c2">(15337)</span> قال: واللفظ لحديث ابن عُليّة.</p><p class="rtl left" id="p231"><span class="c2">(15/46)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p232">اسْتَشهد ثلاثةً من قومه لا يشهدون له، وإن أقدم على المسألة بدون شهادة، كان عند الناس أنه أقدم على محرَّم، وهو يكره ذلك لحبّه السِّتْر.<span class="c6"> وثانيًا:</span> شَرْع طريقٍ يُرجى أن يستغني بها المحتاج من أهل الصلاح أو الستر، فلا يحتاج إلى المسألة البتة،<span class="c6"> وإيضاحه:</span> أنه لا يقدم على المسألة بدون استشهاد، فيضطرّ إلى أن يطالب ثلاثة من ذوي الحجا من قومه بأن يشهدوا له،<span class="c6"> ولا ريب أنهم إذا علموا حاجته وجب عليهم أحدُ أمرين:</span> إما أن يقوموا فيشهدوا، وإما أن يواسوه من أموالهم بما يغنيه عن المسألة. ولعلّ هذا الثاني يكون أيسر عليهم؛ لأنهم يرون أنّ اقتصارهم على أن يقوموا فيشهدوا يحمل الناس على أن يَرْموهم باللؤم،<span class="c6"> ويقول الناس:</span> أما كان في أموال هؤلاء الثلاثة متَّسَع لأن <span class="c5">[ص 48]</span> يواسوا ابنَ عمّهم بما يسدّ فاقته إلى أن يجد قوامًا من عيش؟ ولهذا ــ والله أعلم ــ شَرَط في الحديث أن يكونوا من قومه، وأن يكونوا من ذوي الحجا، وأن يكونوا ثلاثة؛ لأن الغالب أن الثلاثة لا يكونون كلهم فقراء أو لؤماء. وعلى فرض أنهم قاموا فشهدوا، فالغالب أن قومه عندما يسمعون شهادة الثلاثة من ذوي الحجا فيهم، يجمعون له ما يكفيه بدون أن يحتاج إلى مسألة، وعلى هذا فقد أغنى الله عز وجل ذلك المحتاج بدون مسألة؛ لأن مطالبته الثلاثة بأن يشهدوا ليست مسألةً لهم، وإظهاره الحاجة ليس بمسألة صريحة، وإظهاره العزمَ على المسألة ليس بمسألة، فتدبَّر. وليس في الشهادة والإخبار أثر لهذا المعنى، على أن المحتاج مضطر إلى أن يستشهد الثلاثة، فلا يكون في اشتراط ذلك مفسدة، والشاهد والمخبر غير مضطرين إلى الشهادة والإخبار. بل إن شَرَط أن يتقدّم تعديل الثلاثة على</p><p class="rtl left" id="p233"><span class="c2">(15/47)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p234">الشهادة والإخبار ــ كما هو مقتضى حملهما على المسألة كما مر ــ وَجَد الشاهدُ عذرًا لعدم حضوره إلى الحاكم، وأما المخبر فيجد عذرًا لكتمانه العلم. <span class="c5">[ص 49]</span> وقال جماعة: لا بد من اثنين، قال السخاوي في "فتح المغيث" <span class="c2">(ص 123)</span> <span class="c2">(1)</span>: حكاه القاضي أبو بكر ابن الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم؛ لأن التزكية صفة فيحتاج في ثبوتها إلى عدلين. كالرشد والكفاءة وغيرهما، وقياسًا على الشاهد بالنسبة لما هو المُرَجَّح فيها عند الشافعية والمالكية، بل هو قول محمد بن الحسن، واختاره الطحاوي". وعارض الخطيب في "الكفاية" <span class="c2">(ص 47)</span> هذا القياس بقياس آخر حاصله: أنه لا يكفي في شهود الزنا إلا أربعة، ومع ذلك اكْتُفِيَ في إثبات الإحصان الذي به يثبت الرجمُ باثنين، وقد اكْتُفِيَ في الأخبار بواحد، والعدالة صفة كالإحصان، فيجب أن يُكْتَفى في إثباتها بدون ما اكْتُفِيَ به في الأخبار، إلا أنه غير ممكن. وكأنّ الخطيبَ عَدَل عما هو أوضح من هذا خوفَ النقض؛<span class="c6"> وذلك أنَّ أوضح من هذا أن يقال:</span> لم يكتف في عدد شهود الزنا بأقلّ من أربعة واكْتُفِيَ في عدد مزكِّيهم باثنين اتفاقًا وبواحد عند قومٍ، فقياس ذلك أن يكفي في عدد مزكّي المُخبِر دون ما يكفي في عدد المخبر.<span class="c6"> ونقضُه أن يقال:</span> قد اكتفى قوم في الأموال بشاهد ويمين، ولم يكتفوا في تعديل <span class="c5">[ص 50]</span> هذا الشاهد إلا باثنين. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 8)</span>.</p><p class="rtl left" id="p235"><span class="c2">(15/48)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p236">وهذا كلّه جعاجع، والصواب إنما هو النظر في النصوص، فإن وُجِد فيها دلالة بيِّنة فذاك، وإلا نُظِر في التعديل أشهادة هو أم خبر؟ أم شهادة في تعديل الشاهد وخبر في تعديل المخبر؟ فإن تعيَّن واحدٌ من هذه الثلاثة فذاك، وإلا نُظِر في الحكمة التي لأجلها فرّق الشارع بين الشهادة والخبر، ثم ينظر في التعديل أمثل الشهادة في تلك الحكمة، أم كالخبر؟ فهذه ثلاثة مسالك. فأما النصوص فهاكها، فمنها حديث "الصحيحين" <span class="c2">(1)</span> عن أنس في الثناء على الميّت وفيه: مُرَّ بجنازة فأثنوا عليها خيرًا،<span class="c6"> فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "وجبت"، ثم مَرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا،<span class="c6"> فقال:</span> "وجبت"،<span class="c6"> فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:</span> ما وجبت؟<span class="c6"> قال:</span> "هذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت <span class="c5">[له]</span> الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض". ولهما <span class="c2">(2)</span> من طريق أبي الأسود عن عمر نحو هذه كقصته،<span class="c6"> فقال أبو الأسود:</span> فقلت: وما "وجبت" يا أمير المؤمنين؟<span class="c6"> قال:</span> قلت كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أيُّما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة"،<span class="c6"> فقلنا:</span> وثلاثة؟<span class="c6"> قال:</span> "وثلاثة"،<span class="c6"> فقلنا:</span> واثنان؟<span class="c6"> قال:</span> "واثنان"، ثم لم نسأله عن الواحد.<span class="c6"> أقول:</span> وتفسير هذا ما رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث أنس مرفوعًا: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا _________ <span class="c2">(1)</span> البخاري <span class="c2">(1367)</span>، ومسلم <span class="c2">(949)</span>. <span class="c2">(2)</span> هو في البخاري <span class="c2">(1368)</span> دون مسلم. وأخرجه الترمذي <span class="c2">(1059)</span>، والنسائي <span class="c2">(1934)</span>.</p><p class="rtl left" id="p237"><span class="c2">(15/49)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p238">يعلمون منه إلا خيرًا إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون" <span class="c2">(1)</span>. ذكره الحافظ في "الفتح" <span class="c2">(2)</span> وإيضاحه: أن في "الصحيحين" أيضًا عنه صلى الله عليه وآله وسلم <span class="c5">[ص 51]</span>: "كلُّ أُمتي معافى إلا المجاهرين" <span class="c2">(3)</span>. وعقَّبه البخاري <span class="c2">(4)</span> بحديث ابن عمر مرفوعًا: "يدنو أحدُكم من ربه حتى يضع كَنَفه عليه،<span class="c6"> فيقول:</span> عملت كذا وكذا،<span class="c6"> فيقول:</span> نعم،<span class="c6"> ويقول:</span> عملت كذا وكذا،<span class="c6"> فيقول:</span> نعم، فيقرره،<span class="c6"> ثم يقول:</span> إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم". وفي معنى هذا أحاديث أخرى في أنَّ من ستره الله عزَّ وجلَّ من المؤمنين في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. ومن السرِّ في ذلك ــ والله أعلم ــ أن الإنسان إذا أظهر المعصية كان ذلك مما يجرِّئ الناسَ عليها،<span class="c6"> أولًا:</span> لأنه يكثر تحدّثهم بها فتتنبَّه الدواعي إلى مثلها <span class="c2">(5)</span>،<span class="c6"> وقد قال الله تبارك وتعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}</span> <span class="c5">[النور: 19]</span>.<span class="c6"> وثانيًا:</span> لأنه إذا لم يُعاجل بالعقوبة هانت على الناس.<span class="c6"> ثالثًا:</span> لأن العاصي يتجرأ على المعاصي بعد ذلك؛ لأنه كان يخاف أولًا _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(13541)</span>، وابن حبان <span class="c2">(3026)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(1/ 534)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3/ 231)</span>. <span class="c2">(3)</span> تقدم تخريجه. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(6070)</span>. <span class="c2">(5)</span> تحتمل: "فعلها".</p><p class="rtl left" id="p239"><span class="c2">(15/50)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p240">على شرفه وسمعته، وبعد الفضيحة لم يبق ما يخاف عليه،<span class="c6"> بل يقول كما تقول العامة:</span> "يا آكل الثوم كل وأكثر".<span class="c6"> رابعًا:</span> أنه يحرص على أن يدعو الناس إلى مثل فعله؛ ليشاركوه في سوء السمعة، فتخف الملامة عنه.<span class="c6"> خامسًا:</span> يخرج بذلك عن قول الله عز وجل: <span class="c4">{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 110]</span>، لأنه إن أمر بمعروف أو نهى عن المنكر،<span class="c6"> قيل له:</span> ابدأ بنفسك ألم تفعل كذا وكذا.<span class="c6"> سادسًا:</span> يكون سببًا لعدم إفادة أمر غيره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ لأن <span class="c5">[ص 52]</span> مَن يُؤمر أو يُنهى يقول: لستُ وحيدًا في هذا، قد فعل فلان كذا، وفلان كذا، وأنا واحد من جملة الناس.<span class="c6"> سابعًا:</span> أن ذلك يقلِّل خوف الناس من الله عز وجل،<span class="c6"> يقول أحدهم:</span> أنا من جملة عباد الله العاصين، هذا فلان وهذا فلان وذاك فلان، وقد تقدم في فصل <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(1)</span> حديث: "ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده". وفي "الصحيحين" <span class="c2">(2)</span>: "لا تقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سنّ القتل".<span class="c6"> وقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}</span> <span class="c5">[النحل: 25]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 37)</span>. <span class="c2">(2)</span> البخاري <span class="c2">(3335)</span>، ومسلم <span class="c2">(1677)</span> من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.</p><p class="rtl left" id="p241"><span class="c2">(15/51)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p242">وقوله: <span class="c4">{بِغَيْرِ عِلْمٍ}</span> يصح أن يكون حالًا من الفاعل والمفعول معًا، فيدخل فيه أن المتبوع يحمل من أوزار مَن تَبِعه وإن لم يعلم بأنهم يتَّبِعونه، كما أنَّ ابن آدم الأول لم يكن يعلم بمن سيستنّ به في القتل.<span class="c6"> وليس ما تقدَّم بمخالفٍ لقول الله عز وجل:</span> <span class="c4">{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}</span> <span class="c5">[النجم: 38]</span>. وما في معناها؛ لأن التحقيق أنَّ المتبوع إنما عُذِّب بوزره.<span class="c6"> وبيان ذلك:</span> أنّ أصل الإثم في المعصية مَنوطٌ بتعمّدها، وأما زيادة قدره فمَنوطٌ بما ينشأ عنها من المفاسد. ألا ترى لو أنّ ثلاثة صوبوا بنادقهم إلى ثلاثة قاصدين <span class="c5">[ص 53]</span> رميهم، ثم أطلقوا بنادقهم، أنّ أصل الإجرام قد وقع من كلٍّ منهم، وأما زيادة مقداره فموقوف على ما ترتَّب على ذاك الفعل، فلو أخطأ أحدهم، وأصاب آخر فجَرَح، وأصاب الثالث فقَتَل، لكان جرم الثالث أغلظ من جرم الثاني، وجرم الثاني أغلظ من جرم الأول. وقد حرّم الله عز وجلّ ما حرّم ولم يفصِّل ما يترتَّب على المحرَّمات من المفاسد، فمن علم بالتحريم ثم أقدم على الفعل، فقد التزمَ ما يترتَّب عليه من المفاسد، فدخلت كلُّها في وِزْره وإن لم يعلم بتفصيلها، فتدبّر.<span class="c6"> هذا وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:</span> إن الله عز وجل يقول: "وغفرت له ما لا يعلمون" ظاهرٌ في أن شهادتهم إنما تنفع إذا كانت مطابقةً لعلمهم لأنه إنما يغفر له ما لا يعلمون، فإن كانوا علموا شرًّا فكتموه،<span class="c6"> وقالوا:</span> لم نعلم إلا خيرًا أو نحو ذلك، لم ينفعه ذلك، بل يضرهم؛ لأنهم شهدوا زورًا.<span class="c6"> وبناءُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الحكم على ثناء الناس بقوله:</span> "وجبت" صريحٌ في أن الذين أثنوا كانوا عدولًا عنده صلى الله عليه وآله</p><p class="rtl left" id="p243"><span class="c2">(15/52)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p244">وسلم، فبنى على أن شهادتهم مطابقة للواقع في أن الذي أثنوا عليه خيرًا لم يظهر منه للناس إلا الخير. وإذا كان الإنسان بحيث لا يظهر منه لجيرانه الأَدْنين ونحوهم من أهل الخبرة إلا الخير، فهو العدل، والمثني عليه منهم بذلك مُعَدِّل له، فالمثنون <span class="c5">[ص 54]</span> على الميت من جيرانه وأهل الخبرة به معدِّلون له. وقد نصَّ في الحديث على أنه يكفي في ذلك الأربعة، ويكفي الثلاثة، ويكفي الاثنان، ففي هذا دليل واضح على كفاية الاثنين في التعديل. ويبقى النظر في الواحد،<span class="c6"> فقد يقال:</span> قد ثبت من حديث جابر وغيره أنه كان للصحابة رضي الله عنهم أن يراجعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرّتين، فإذا قال الثالثة، لم يكن لهم أن يراجعوه بعدها <span class="c2">(1)</span>. وشواهد هذا في الأحاديث كثير، فابتداؤه صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الأربعة يشعر بالنهي عن السؤال عن الواحد، وذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم لعله إنما ابتدأ بالأربعة مستشعرًا أنهم سيراجعونه فيسألونه عن الثلاثة، ثم يراجعونه ثانية، فيسألونه عن الاثنين، ثم يقفون لما تقرَّرَ عندهم من المنع عن المراجعة فوق اثنتين. وفي هذا دلالة ما على أنّ ثناء الواحد لا يكفي لبناء الحكم بوجوب الجنّة، فأما وجوب الجنة في نفس الأمر فقد ظهر ممّا تقدّم أنها تجب لمن لم يَظْهر منه إلا الخير، وإن لم يثن عليه أحد، ففائدة الشهادة على هذا إنما _________ <span class="c2">(1)</span> قصة حديث جمل جابر في الصحيح ليس فيها ذلك، ووقع التصريح بذلك عند أحمد في "المسند" <span class="c2">(14846)</span> قال: "كنّا نراجعه مرتين في الأمر إذا أمرنا به، فإذا أمَرَنا الثالثة لم نراجعه .. ". وانظر رسالة المؤلف في "حجيّة خبر الواحد".</p><p class="rtl left" id="p245"><span class="c2">(15/53)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p246">هي لحكم <span class="c2">(1)</span> من يسمعها ممن لم يخبر حال الميت بمقتضاها؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم "وجبت". وقد يحتمل أن الشهادة تنفع، فمن لم يشهدوا له في الدنيا، وكان في نفسه لم يظهر للناس منه إلا الخير، فيحتاج في الآخرة إلى أن يسأله الله عز وجل، كما في حديث <span class="c5">[ص 55]</span> ابن عمر المتقدم <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> ثم يقول له:</span> "إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم"، ومن شهدوا له لم يحتج إلى هذا السؤال. والعلم عند الله عزَّ وجلَّ.<span class="c6"> وقد يُقال:</span> إنّ قول عمر: "ثم لم نسأله عن الواحد" يُشعر بأنه لم يفهم من الحديث أنّ الواحد لا يكفي.<span class="c6"> وأقول:</span> إذا صحّ أنّ في الحديث إشارة إلى ذلك لم يضرها أن يتردّد فيها الصحابي.<span class="c6"> لكن لقائل أن يقول:</span> سلّمنا إشارة ما إلى أنه لا يكفي ثناء الواحد على الميت في الحكم له بالجنة، ولكن لا يلزم من هذا عدم الاكتفاء بتعديل الواحد للشاهد والمخبر، فإنَّ الحكمَ للميت بالجنة لا ضرورةَ إليه ولا كبير حاجة. فإذا كان من أهل الجنة ولم يحكم له الناس بذلك، لم يترتَّب على ذلك مفسدة، بخلاف الشهادات والأخبار، فإنّ الضرورة فيها قائمة، وفي ردّ شهادة العدل وخبر الصادق ما لا يخفى من المفاسد، فتأمّل.<span class="c6"> ومن النصوص:</span> ما وقع في قضية الإفك من سؤال النبي صلى الله عليه _________ <span class="c2">(1)</span> تحتمل: "بحكم". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 48)</span>.</p><p class="rtl left" id="p247"><span class="c2">(15/54)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p248">وآله وسلم أسامة عن عائشة، فأخبر أنه لا يعلم إلا خيرًا، وكذلك سأل بريرة، وسأل أيضًا زينب بنت جحش وكلتاهما أثنت خيرًا،<span class="c6"> وبنى النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك قوله على المنبر:</span> "من يعذرني مِن رجلٍ قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما عَلِمتُ على أهلي إلا خيرًا" <span class="c2">(1)</span>. وفي الاحتجاج بهذا نظر؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان هو نفسه خبيرًا بعائشة، وإنما استظهر بسؤال غيره؛<span class="c6"> لئلا يقول المنافقون:</span> إنَّه لحبِّه إيّاها ... <span class="c2">(والعياذ بالله)</span>. وهذا ــ والله أعلم ــ من الحكمة في تأخير الله عز وجل إنزال براءتها. وقال البخاري في "الصحيح" <span class="c2">(2)</span>: " <span class="c2">(باب إذا زكى رجلٌ رجلًا كفاه)</span>،<span class="c6"> وقال أبو جميلة:</span> وجدت منبوذًا فلما رآني عمر قال: عسى الغُوَير أبؤسًا، كأنّه يتهمني. <span class="c5">[ص 56]</span> قال عريفي: إنه رجل صالح،<span class="c6"> قال:</span> كذاك، اذهب وعلينا نفقته". وهذا الأثر أخرجه مالك في "الموطأ" <span class="c2">(3)</span>،<span class="c6"> وفيه بعد قوله "كذاك" قال:</span> نعم.<span class="c6"> فقال عمر:</span> اذهب فهو حُرّ ولك ولاؤه، وعلينا نفقته.<span class="c6"> والحجة فيه:</span> أن عمر قَبِل تعديل العريف وحده، وبنى على ذلك تصديق أبي جميلة في أنّ ذلك الطفل كان منبوذًا، وأقرّه في يده، ولا يقرّ اللقيط إلا في يد عدل، وحكم له بولائه، وأنفق عليه من بيت المال. _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(2661)</span>، ومسلم <span class="c2">(277)</span> من حديث عائشة رضي الله عنها. <span class="c2">(2)</span> كتاب الشهادات، باب 16 قبل حديث <span class="c2">(2662)</span>. معلقًا،<span class="c6"> ووصله البيهقي:</span> <span class="c2">(6/ 201)</span>.<span class="c6"> وانظر "فتح الباري":</span> <span class="c2">(5/ 275)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2155)</span>.</p><p class="rtl left" id="p249"><span class="c2">(15/55)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p250">وقد أُجيب عن هذا بأنه مذهبٌ لعمر، مع أنّ أبا جميلة إما صحابي، وإما من كبار التابعين، فلا يلزم من الاكتفاء في تعديله بواحد أن يُكْتَفى بذلك فيمن بعد ذلك. وهذا الجواب ضعيف، والظاهر أنّ هذا مذهب عمر، فإن لم يكن في النصوص ما يخالفه، ولا نُقِل عن الصحابة ما يخالفه صحّ التمسُّكُ به. ثم ذكر البخاري <span class="c2">(1)</span> في الباب حديث أبي بكرة: أثنى رجلٌ على رجل عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> فقال:</span> "ويلك قطعت عنقَ صاحبِك، قطعتَ عنقَ صاحبِك" مرارًا،<span class="c6"> ثم قال:</span> "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة،<span class="c6"> فليقل:</span> أحسب فلانًا، والله حسيبه ولا أزكِّي على الله أحدًا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه". قال ابن حجر في "الفتح" <span class="c2">(2)</span>: "ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد؛ لأنه لم يعب عليه إلا الإسراف والتغالي في المدح. واعترضه ابنُ المنيِّر بأنّ هذا القدر كافٍ في قبول تزكيته، وأمّا اعتبار النصاب فمسكوت عنه.<span class="c6"> وجوابه:</span> أنّ البخاريَّ جرى على قاعدته بأنّ النصاب <span class="c5">[ص 57]</span> لو كان شرطًا لذُكِر؛ إذ لا يُؤخَّر البيانُ عن وقت الحاجة".<span class="c6"> أقول:</span> لا يخفى حال هذا الجواب، فإنه ليس في الحديث أنّ الممدوح شهد أو أخبر، ولا أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بنى على مدح المادح _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2662)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(5/ 276)</span>.</p><p class="rtl left" id="p251"><span class="c2">(15/56)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p252">حكمًا يحتاج فيه إلى عدالة الممدوح، وليس هناك حاجة لبيان نصاب التعديل. نعم الأشبه بدقة نظر البخاري ــ رحمه الله تعالى ــ ولُطْف استنباطه،<span class="c6"> أنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمادح:</span> "قطعتَ عنقَ صاحبِك" ثناءً على الممدوح؛ فإنّ قَطْع العنق كناية عن الإهلاك،<span class="c6"> والمعنى كما قال الغزالي:</span> "إنّ الآفة على الممدوح أنّه لا يأمن أن يُحْدِث فيه المدح كِبرًا أو إعجابًا، أو يتّكِل على ما شهره به المادح، فيفتر عن العمل؛ لأنّ الذي يستمرّ على العمل غالبًا هو الذي يعدّ نفسَه مقصّرًا" ذكره في "الفتح" <span class="c2">(1)</span>. فكأنّ البخاري ــ رحمه الله ــ فهم أنّ المدح إنّما يقطع عنق من له عنق، والكافر والفاسق مقطوعة أعناقهما،<span class="c6"> ففي قوله صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "قطعت عنق صاحبك" دلالة على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بأنّ للممدوح عنقًا، يخشى أن يقطعها المادحُ بمدحِه، والعنق هي العدالة، فقد تضمّن ذلك القضاء بأنّ الممدوح عدل. وهذا ــ على لُطْفه ــ لا يكفي للحجة، وفيه بَعْد ذلك أنّه ليس في الحديث أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يعرف الممدوح،<span class="c6"> حتّى يُقال:</span> <span class="c5">[ص 58]</span> إنّه إنّما أثبت له سلامة العنق بثناء ذاك المادح.<span class="c6"> وأمّا المسلك الثاني:</span> فالأقرب أنّ تزكية الشاهد شهادة، وأما تزكية المخبر فإن كانت ممّن جاوره وصَحِبه مدّة فظاهرٌ أنّها خبر، وإن كانت ممّن تأخّر عنه كتعديل الإمام أحمد لبعض التابعين فقد يُقال إنها حكم؛ لأنّ أئمة هذا الفن في معنى المنصوبين من الشارع أو من جماعة الأئمة <span class="c2">(2)</span>، لبيان _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(10/ 478)</span>،<span class="c6"> وهو في "الإحياء":</span> <span class="c2">(3/ 170)</span>. <span class="c2">(2)</span> تحتمل: "الأمة".</p><p class="rtl left" id="p253"><span class="c2">(15/57)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p254">أحوال الرواة ورواياتهم.<span class="c6"> وقد يقال:</span> إنّها فتوى لأنّها خبر عمّا أدّى إليه النظر والاجتهاد، وهو إن لم يكن حكمًا شرعيًّا فتُبنى عليه أحكام شرعية كما لا يخفى. والأقرب أنّها خبر أيضًا.<span class="c6"> وأمّا المسلك الثالث:</span> فقد شرحت في "رسالة الاحتجاج بخبر الواحد" <span class="c2">(1)</span> بعضَ ما ظهر لي من الحكمة في أنّه لا يكفي في الزنا أقلّ من أربعة شهود، وفي الدماء وغيرها بشاهدين، وفي الأموال بشاهد ويمين المدَّعِي عند قوم، والاكتفاء في الخبر بواحد.<span class="c6"> والذي يظهر من ذلك:</span> أنّ تعديل الشاهد كالشهادة بالدماء ونحوها في أنه لا يكفي إلا اثنان، وأنّ تعديل المخبر كالخبر. وعلى كلّ حال فخبر من عدَّلَه اثنان أرجح من خبر من لم يعدِّله إلا واحد، وإن قامت الحجةُ بكلٍّ منهما، والله أعلم. <span class="c5">[ص 59]</span> هذا كلّه حال المعدِّل،<span class="c6"> فأمّا الجارح فشرطه:</span> أن يكون عدلًا، عارفًا بما يوجب الجرح إن جَرَح ولم يفسِّر، وقلنا بقبوله. واشترط بعضُهم أيضًا أن لا يكون بينه وبين المجروح عداوة دنيوية شديدة، فإنها ربما أوقعت في التحامل، ولا سيّما إذا كان الجرح غير مفسّر.<span class="c6"> وزاد غيره:</span> العداوة الدينية، كما يقع بين المختلفين في العقائد، وقد بسطتُ القولَ في ذلك في "النقد البريء" <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 28 فما بعدها)</span>. <span class="c2">(2)</span> هذا العنوان القديم لكتاب "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل".<span class="c6"> وانظر البحث فيه:</span> <span class="c2">(1/ 87 - 98)</span>.</p><p class="rtl left" id="p255"><span class="c2">(15/58)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p256">فرع تقدَّم أنّ من شَرْط المعدِّل أن يكون ذا خبرة بمن يعدِّله، وذكروا أنّ الخبرة تحصل بالجوار أو الصحبة أو المعاملة. ولا شكّ أنّه لا يكفي جوار يوم أو يومين، وكذلك الصحبة، وكذا المعاملة لا يكفي فيها أن يكون قد اشترى منه سلعة أو سلعتين، بل لا بدّ من طول الجوار أو الصحبة أو المعاملة مدّةً يغلب على الظنّ حصول الخبرة فيها، والمدار في ذلك على غَلَبة ظنّ المزكِّي الفَطِن العارف بطباع الناس وأغراضهم. واشتراط الخبرة بهذا التفصيل في مزكِّي الشاهد لا إشكال فيه، وإنّما الإشكال <span class="c5">[ص 60]</span> في تزكية الرواة، فإنّ ما في كتب الجرح والتعديل من الكلام في الرواة المتقدّمين غالبه من كلام من لم يُدْرِكهم، بل ربما كان بينه وبينهم نحو ثلاثمائة سنة، هذا الدارقطني المولود سنة 306 يتكلّم في التابعين فيوثِّق ويضعِّف. قد يتوهَّم من لا خبرةَ له أنّ كلام المحدِّث فيمن لم يدركه إنّما يعتمد النقلَ عمّن أدركه، فالمتأخّر ناقلٌ فقط، أو حاكم بما ثبت عنده بالنقل <span class="c2">(1)</span>. وهذا الحصر باطل، بل إذا كان هناك نقل، فإنّ المتأخِّر يذكره، فإن لم يذكره مرّة ذكره أخرى، أو ذكره غيره.<span class="c6"> والغالب فيما يقتصرون فيه على الحكم بقولهم:</span> "ثقة" أو "ضعيف" أو غير ذلك إنما هو اجتهاد منهم، سواء أكان هناك نقلٌ يوافق ذلك الحكم أم لا، وكثيرًا ما يكون هناك نقل يخالف ذاك الحكم. _________ <span class="c2">(1)</span> وهذا التوهم ساقه المؤلف على شكل أسولة في <span class="c2">(الرسالة الثالثة)</span> من هذا المجموع ولم يجب عليها هناك، فخذ جوابها من هنا.</p><p class="rtl left" id="p257"><span class="c2">(15/59)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p258"><span class="c5">[ص 61]</span> واعتمادهم في اجتهادهم على طرق: الطريقة الأولى: النظر فيمن روى عن الرجل، فإن لم يرو عنه إلا بعض المتَّهمين، كابن الكلبي والهيثم بن عدي، طرحوه ولم يشتغلوا به. وإن كان قد روى عنه بعضُ أهل الصدق، نظروا في حال هذا الصدوق،<span class="c6"> فيكون له واحدة من أحوال:</span> الأولى: أن يكون يروي عن كلّ أحدٍ حتى من عُرِف بالجرح المسقط.<span class="c6"> الثانية:</span> كالأولى إلا أنه لم يرو عمّن عرف بالجرح المسقط.<span class="c6"> الثالثة:</span> كالأولى إلا أنه لم يُعْرَف بالرواية عمّن عُرِف بالجرح، وإنّما شيوخه بين عدول ومجاهيل، والمجاهيل في شيوخه كثير.<span class="c6"> الرابعة:</span> كالثالثة إلا أنّ المجاهيل من شيوخه قليل.<span class="c6"> الخامسة:</span> أن يكون قد قال: "شيوخي كلهم عدول" أو: "أنا لا أحدِّث إلا عن عَدْل". فصاحبُ الحال الأولى لا تفيد روايته عن الرجل شيئًا، وأمّا الأربع الباقية فإنها تفيد فائدةً ما، تَضْعُف هذه الفائدة في الثانية، ثم تقوى فيما بعدها على الترتيب، فأقوى ما تكون في الخامسة.<span class="c6"> الطريقة الثانية:</span> النظر في القرائن؛ كأن يوصَف التابعيّ بأنّه كان من أهل العلم، أو من سادات الأنصار، أو إمامًا في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو مؤذنًا لعمر أو قاضيًا لعمر بن عبد العزيز، أو يذكر الراوي عنه أنّه أخبره في مجلس بعض الأئمة وهو يسمع، كما قال الزهري.</p><p class="rtl left" id="p259"><span class="c2">(15/60)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p260">وعكس هذا أن يوصَفَ الرجلُ بأنّه كان جنديًّا أو شرطيًّا أو نحو ذلك من الحِرَف التي يكثر في أهلها عدم العدالة. <span class="c5">[ص 62]</span> الطريقة الثالثة ــ وهي أعمّ الطرق ــ: اختبار صدقه وكذبه بالنظر في أسانيد رواياته ومتونها، مع النظر في الأمور التي قد يستفاد منها تصديق تلك الروايات أو ضعفها. فأمّا النظر في الأسانيد،<span class="c6"> فمنه:</span> أن ينظر تاريخ ولادته، وتاريخ وفاة شيخه الذي صرّح بالسماع منه. فإن ظهر أنَّ ذلك الشيخ مات قبل مولد الراوي، أو بعد ولادته بقليل بحيث لا يمكن عادةً أن يكون سمع منه ووعى= كذَّبوه.<span class="c6"> ومنه:</span> أن يسأل عن تاريخ سماعه من الشيخ، فإذا بيّنه وتبين أنّ الشيخ قد كان مات قبل ذلك= كذَّبوه.<span class="c6"> ومنه:</span> أن يسأل عن موضع سماعه من الشيخ، فإن ذكر مكانًا يعرف أن الشيخ لم يأته قط= كذَّبوه.<span class="c6"> وقريب من ذلك:</span> أن يكون الراوي مكيًّا لم يخرج من مكة، وصرَّح بالسماع من شيخ قد ثبت عنه أنّه لم يأت مكة بعد بلوغ الراوي سنَّ التمييز، وإن كان قد أتاها قبل ذلك.<span class="c6"> ومنه:</span> أن يحدِّث عن شيخٍ حيّ، فيُسأل الشيخ عن ذلك فيكذبه. فإذا لم يوجد في النظر في حاله وحال شيوخه ما يدلّ على كذبه، نُظِر في حال شيوخه المعروفين بالصدق، مع الشيوخ الذين زعم أنّهم سمعوا منهم على ما تقدّم.<span class="c6"> فإذا كان قد قال:</span> حدّثني فلان أنّه سمع فلانًا، فتبيَّن بالنظر أن فلانًا الأوّل لم يلق شيخه= كذَّبوا هذا الراوي.</p><p class="rtl left" id="p261"><span class="c2">(15/61)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p262">وهكذا في بقية السند. لكن إذا وقع شيء من هذا، ممّن عُرِفَت عدالته وصدقه، وكان هناك مظنة للخطأ حملوه على الخطأ، وقد يختلفون، فيكذِّبه بعضهم،<span class="c6"> ويقول غيره:</span> إنما أخطأ هو، أو شيخه، أو سقط من الإسناد رجل، أو نحو ذلك <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> هذا آخر ما وُجد من الكتاب، ولا أدري هل أكمله المؤلف أو لا؟</p><p class="rtl left" id="p263"><span class="c2">(15/62)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p17"><a id="t17" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t17">الرسالة الثانية رسالة في أحكام الجرح والتعديل</a></h2><p class="rtl left" id="p264"><span class="c2">(15/63)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p265"><span class="c5">[ص 29]</span> <span class="c2">(1)</span> وقد عنَّ لي أن أجمع رسالة في أحكام الجرح والتعديل، ومذاهب أئمة الفن في ذلك تفصيلًا بقدر الإمكان، وأرجو إذا يسّر الله عز وجل ذلك أن تنحلّ به كثير من مشكلات الفن، بل أن يتيسَّر للعالم في هذا العصر السبيلُ إلى أن يعرف بالحجة والدليل درجات التابعين وأتباعهم فمن بعدهم، حتى يمكنه أن يوثّق من لم يعلم أحدًا وثقه، ويجرح من لم يعلم أحدًا جرحه. هذا، ولست بجاهلٍ قصور باعي، وقلة اطلاعي، ولكن عسى أن يكون الله تبارك وتعالى قد أراد إظهار شيء من هذا العلم على يدي، والله على كل شيء قدير. فإذا أتمَّ الله عز وجل ذلك شرعتُ إن شاء الله تعالى في رسالة في أحكام الاتصال والانقطاع، ثم أخرى في أحكام الشذود والعلل. والله المستعان، وعليه التكلان.<span class="c6"> قال الله تبارك وتعالى في صفات المنافقين:</span> <span class="c4">{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}</span> <span class="c5">[التوبة: 61]</span>.<span class="c6"> قولهم:</span> <span class="c4">{هُوَ أُذُنٌ}</span> معناه كما في كتب اللغة والتفسير: أنه يُكثر الاستماعَ والتصديقَ لما يقال <span class="c2">(2)</span>. يريدون أنه يصدّق ما يُخْبَر به صدقًا كان أو كذبًا. _________ <span class="c2">(1)</span> لم يتحرر ترتيب الرسالة، فابتدأناها بهذا الموضع؛ لأنه أشبه شيء ببدايتها، وأخرنا <span class="c5">[ص 25 ب -28 ب]</span> إلى آخرها. <span class="c2">(2)</span> الكلمة غير واضحة ولعلها ما أثبت.</p><p class="rtl left" id="p266"><span class="c2">(15/65)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p267">واختلف المفسرون <span class="c2">(1)</span>؛<span class="c6"> فقال قوم:</span> المعنى أن هؤلاء كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيبلغه أذاهم، فيصدّق من بَلّغه، فيلومهم بعض المؤمنين فيما قالوه، فيجحدون، ويقولون <span class="c2">(2)</span>: محمد أذن.<span class="c6"> وقال قوم:</span> بل المعنى أنهم كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وآله وسلم.<span class="c6"> ويقولون:</span> لا علينا أن نقول ما شئنا، فإذا بلغ محمدًا، فلامنا، أتيناه فجحدنا ذلك، وحلفنا له فصدَّقَنا، فإنه أذن. والمعنى الأول هو الصواب إن شاء الله تعالى.<span class="c6"> وقوله تعالى:</span> <span class="c4">{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}</span> الظاهر أن الخطاب هنا عام،<span class="c6"> كأنه قيل:</span> خير لكم أيها الناس،<span class="c6"> ويشهد له قوله فيما بعد:</span> <span class="c4">{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}</span>.<span class="c6"> وخصَّ جماعةٌ الخطاب بالمؤذِين القائلين:</span> هو أذن. وعليه، فوَجْه كون إيمان الرسول بالله وإيمانه للمؤمنين خيرًا لهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا عرف أذاهم يَعِظُهم ويذكِّرهم، وفي ذلك أعظم الخير لهم إن انتفعوا به، فإن لم ينتفعوا فخير رفضوه.<span class="c6"> وقوله تعالى:</span> <span class="c4">{يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}</span> فيه معنى التصديق بما يوحى إليه، وذلك تنبيه على أن من أخبارهم التي يحاولون جَحْدها ما جاء به الوحي من عند الله عز وجل. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر تفسير ابن جرير: <span class="c2">(11/ 354 - 356)</span>،<span class="c6"> وابن عطية:</span> <span class="c2">(3/ 52)</span>. <span class="c2">(2)</span> غير محررة في الأصل، ولعلها ما أثبت.</p><p class="rtl left" id="p268"><span class="c2">(15/66)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p269">وقوله: <span class="c4">{وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}</span> اتفقوا على أن المعنى: أي ويصدِّق المؤمنين،<span class="c6"> كما قالوا في قوله تعالى حكاية عن أخوة يوسف في خطابهم أباهم:</span> <span class="c4">{وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}</span> <span class="c5">[يوسف: 17]</span> أن المعنى: وما أنت بمصدِّق لنا.<span class="c6"> قالوا:</span> وأصله من الأمن الذي هو طمأنينة النفس، وانتفاء الخوف عنها.<span class="c6"> فقوله:</span> آمنت لفلان،<span class="c6"> معناه:</span> جعلته آمنًا من تكذيبي له.<span class="c6"> ثم قالوا:</span> والأصل: "آمنت فلانًا"،<span class="c6"> ثم قال بعضهم:</span> إنما يزاد اللام للتقوية.<span class="c6"> وقال غيره:</span> بل على تضمين "آمن" معنى أذعن وسلَّم.<span class="c6"> وقد يقال:</span> مما حسَّن ذلك هنا: إن قولك "آمنت فلانًا"،<span class="c6"> المتبادر منه عند الإطلاق:</span> جعلته آمنًا فقط،<span class="c6"> فإذا قيل:</span> آمنت لفلان، عُرِف أن المراد الأمن من التكذيب.<span class="c6"> ويلوح لي أن أصل التقدير:</span> آمنت نفسي لفلان، أي جعلتُها آمنةً له لا تخاف كذبه، فهذا أقرب إلى إفادة التصديق من التقدير الأول، ويمكن غير ذلك. والمقصود هنا إنما هو أن <span class="c4">{يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}</span> في الآية بمعنى يصدِّقهم. وهذا لا خلاف فيه. <span class="c5">[ص 30 ب]</span> <span class="c2">(1)</span> فقد نصّت الآية على أن تصديق المؤمنين فيما يخبرون به من صفات الحقّ التي أثنى الله عز وجل بها على رسوله، وقد أمر أُمته باتباعه _________ <span class="c2">(1)</span> ضرب المؤلف على <span class="c5">[ص 30 أ]</span> كاملة.</p><p class="rtl left" id="p270"><span class="c2">(15/67)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p271">والتأسّي به، فكان حقًّا على الأمة تصديق المؤمنين فيما يخبرون به. فصل المراد بالمؤمنين في الآية إما مَنْ أظهر الإسلام، وإما مَن أظهره ولم يعلم منه ما يريب في إيمانه، وإما مَن أظهره وظهرت دلائل إيمانه، بمحافظته على مقتضى الإيمان، ومجانبته ما يخالفه، حتى اطمأنت إليه نفوسُ من عَرَفه ويخالطه بأنه مؤمن صادق. وإما من أعْلَم الله عز وجل رسولَه بأنه مؤمن حقًّا. الأولان باطلان؛ لأن مجرد إظهار الإسلام ليس بإيمان على الحقيقة،<span class="c6"> قال تعالى:</span> <span class="c4">{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}</span> <span class="c5">[الحجرات: 14]</span>. ومجرد عدم العلم بما يريب، بدون اختبار ولا مخالطة، لا يدلُّ على ثبوت الإيمان. ويؤكِّد ذلك أنه قد تقرّر في الأصول أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلَّة ما منه الاشتقاق، فإيمان المؤمنين هو العلة المقتضية لتصديقهم. ولا شك أن فيمن كان يظهر الإسلام من لم يؤمن، بل ومن هو منافق. والحاصلُ لهؤلاء بإظهارهم الإسلام لا يقتضي أن لا يكذبوا، فلا يقتضى تصديقهم.<span class="c6"> وأما الرابع:</span> ففيه بعد؛ لأن الله عز وجل لم يكن يُطْلِع رسولَه على حال كلّ واحد في صدق الإيمان أو عدمه،<span class="c6"> بل قد قال سبحانه لرسوله:</span> <span class="c4">{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}</span> <span class="c5">[التوبة: 101]</span>.</p><p class="rtl left" id="p272"><span class="c2">(15/68)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p273">وقال تعالى: <span class="c4">{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}</span> <span class="c5">[القتال: 30]</span>. والمعرفة بلحن القول لا يختص به صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كنا لا ننفي أن يكون الله عز وجل أطلعه على بعضهم، أو على جميعهم بعد ذلك. فالمتعيّن هو الثالث، وهو أن المراد بالمؤمنين في الآية هم الذين ظهرت دلائل الإيمان عليهم بمحافظتهم على مقتضاه، ومجانبتهم ما يخالفه، وعُرِف أن ذلك <span class="c5">[ص 32]</span> صار خُلقًا لهم، بحيث تطمئنّ نفوسُ عارفيهم إلى صدق إيمانهم، فيكون كلّ منهم بذلك قد آمن عارفيه، أي جعلهم آمنين من أن يقع منه ما يخالف الإيمان من كذب أو غيرهم <span class="c2">(1)</span>، فاستحقّ أن يؤتمن ويؤمَّن من التكذيب.<span class="c6"> وقريب من هؤلاء قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المشهور:</span> "المؤمنُ مَن أَمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم" <span class="c2">(2)</span>. وإنما يأمنه الناس إذا كانوا قد اختبروه فعرفوه بعدم الاعتداء والخيانة، فكذلك في الآية. والله أعلم.<span class="c6"> ويؤكد هذا المعنى مفهوم قوله تعالى عز وجل:</span> {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ _________ <span class="c2">(1)</span> كذا ولعلها: "أو غيره". <span class="c2">(2)</span> أخرجه الترمذي <span class="c2">(2627)</span>، والنسائي <span class="c2">(4995)</span>، وأحمد <span class="c2">(8931)</span>، وابن حبان <span class="c2">(180)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(1/ 10)</span> وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.<span class="c6"> قال الترمذي:</span> حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم على شرط مسلم.</p><p class="rtl left" id="p274"><span class="c2">(15/69)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p275">فَتَبَيَّنُوا} <span class="c2">(1)</span> <span class="c5">[الحجرات: 6]</span>.<span class="c6"> والمراد بالفاسق عندهم:</span> أي من بان لهم أنه فاسق، فإنهم لم يكلَّفوا علم الغيب. ومن التزم الإيمان، واستمرّ مدّةً محافظًا على ما اقتضاه، مجانبًا لما نافاه، حتى اطمأنت النفوس إلى أن ذلك خلق ثابت له، فليس بفاسق عندهم اتفاقًا. فهؤلاء هم المؤمنون في الآية الأولى، ويزيده في حق الآية وضوحًا،<span class="c6"> بل يصل درجة اليقين القاطع:</span> ما عرف من الدلائل على وجوب العمل بخبر الواحد الثقة، وقد ذكرت كثيرًا منها في رسالة "العمل بخبر الواحد" <span class="c2">(2)</span>. والله أعلم.<span class="c6"> فصل دل قوله تعالى:</span> <span class="c4">{وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}</span> بمنطوقه،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}</span> بمفهومه: أن من عُرِف بالإيمان والمحافظة على ما يقتضيه، واجتناب ما ينافيه، حتى اطمأنت النفوس إلى أن ذلك خلق له، فهو حقيق بأن يصدَّق في خبره، وهو المسمى عندهم بالعدل. ودلت الأولى بمفهومها، والثانية بمنطوقها على أن من عُثِر منه على ما يقتضي الفسق، وجب التبيُّن في خبره. فخبر العدل بَيِّن بنفسه، وخبر الفاسق غير بَيِّن بنفسه، بل يحتاج إلى _________ <span class="c2">(1)</span> في الأصل سقط من الآية <span class="c4">{بِنَبَإٍ}</span>. <span class="c2">(2)</span> وهي مطبوعة ضمن "رسائل أصول الفقه" في هذه الموسوعة المباركة.</p><p class="rtl left" id="p276"><span class="c2">(15/70)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p277">التبين، أي بالنظر، فإن وُجدت بينه على صدقه أُخذ به؛ لدلالة تلك البينة، وإلّا طُرِح. * * * *</p><p class="rtl left" id="p278"><span class="c2">(15/71)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p279">فصل العدالة يقال: حَكَم عَدْل، وشَاهِد عَدْل، أي لا يخشى أن يميل عن الحق،<span class="c6"> كما يقال:</span> هو رضًا ومأمون،<span class="c6"> أي:</span> يرضاه الناس ويأمنونه، لثقتهم بأنه لا يجور. فالعدل في الرواية هو من يوثَق بأنه لا يكذب؛ لأنه مسلم معروف بالاستقامة في الدين، ولزوم ما يقتضيه، واجتناب ما ينافيه من الكذب وغيره. وقال الله عز وجل في ما حكاه عن المنافقين،<span class="c6"> وردَّه عليهم:</span> <span class="c4">{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}</span> <span class="c5">[التوبة: 61]</span>. كان هؤلاء يؤذون النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بألسنتهم بأشياء يقولونها، فتبلغ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فربما ذَكَر لهم ذلك، ووعظهم، فكانوا يجحدون ذلك،<span class="c6"> ثم يقولون لمن لقوه من المؤمنين:</span> محمد أُذُن.<span class="c6"> يعنون:</span> يقبل ما يُبَلِّغه الناس عنّا ويصدِّقه، مع أننا لم نقله،<span class="c6"> فردَّ الله عز وجل عليهم بقوله:</span> <span class="c4">{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ}</span>. يظهر أن الخطاب هنا عام، أي أُذُن خيرٍ لكم أيها الناس،<span class="c6"> بقرينة قوله بعد ذلك:</span> <span class="c4">{وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ}</span>. فإن كان خطابًا للمؤذين فقط، فوَجْه كون قبوله لما يَبْلُغه عنهم خيرًا لهم أنه يبعثه ذلك على أن يَعِظَهم وينصحهم، وفي ذلك خير لهم إن أرادوا الانتفاع به.</p><p class="rtl left" id="p280"><span class="c2">(15/72)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p281">وقول: <span class="c4">{يُؤْمِنُ بِاللَّهِ}</span> تنبيه على أن من أخبارهم التي تبلغه ما يأتيه به الوحي من عند الله، وهو مؤمن بالله، فكيف لا يصدّق ما يوحيه إليه؟<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}</span> أي يصدِّقهم، كما اتفق عليه المفسرون.<span class="c6"> فالمعنى:</span> إن الأخبار التي تبلغه عنكم <span class="c5">[ص 32]</span> فيصدقها،<span class="c6"> ليست إلا من أحد هذين الوجهين:</span> الأول: الوحي.<span class="c6"> الثاني:</span> إخبار المؤمنين.<span class="c6"> إما بمعنى:</span> الذين آمنوه وغيره من أن يكذبوا.<span class="c6"> وإما بمعنى:</span> المؤمنين بالله ورسوله. وإما بالمعنى الثاني مع الإشارة إلى المعنى الأول. ويظهر أن هذا الأخير أرجح،<span class="c6"> فالمعنى:</span> أنه يصدِّق المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله، وظهر للرسول وغيره بطول اختبارهم ما بان به صحةُ إيمانهم، وتحرّيهم ما يقتضيه الإيمان من الصدق وغيره، وتجنّبهم ما ينافيه، فبذلك جعلوا النبيّ وغيره ممن عَرَف حالَهم لا يخافون منهم أن يأتوا ما ينافي الإيمان الراسخ من الكذب وغيره، فكما آمنوا النبيَّ وغيرَه من أن يَكْذِبوا كان من الحق أن يؤمِنَهم من أن يكذِّبهم، بل كان من الحقّ أن يصدّقهم. فحاصل المعنى أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنَّما يصدق من الأخبار ما كان صدقًا، إما يقينًا وهو الوحي، وإما ظاهرًا شرعًا وعقلًا، وهو خبر من عرف إيمانه واستقامته.</p><p class="rtl left" id="p282"><span class="c2">(15/73)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p283">وقد تقرر في الأصول أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذِنُ بعِلّية ما منه الاشتقاق،<span class="c6"> فكأنه قيل:</span> وإنما يصدقهم لإيمانهم، فيفهم منه أن من ليس بمؤمن لا يحقّ أن يصدَّق. وقد تقدم أن المراد الإيمان مع الثبات على ما يقتضيه، بحيث يحصل لمن عرف صاحبه الوثوق به، والركون إليه. وعلى هذا فيخرج الكافر والفاسق،<span class="c6"> وقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}</span> فنصّ على أن خبر الفاسق لا يحق أن يصدَّق، بل ينبغي التبيّن فيه، فإن وُجِدت بيّنة على صدقه، وإلّا طُرِح. والكافرُ فاسقٌ وزيادة.<span class="c6"> فصل جاء عن الإمام الشافعي وغيره:</span> أنه ليس من شرط العدل أن لا يعصي الله عز وجل البتة، فإن هذا يؤدّي إلى أن لا تُقْبَل شهادة ولا رواية، ولا يُقام إمام ولا قاضٍ، إلى غير ذلك، ولكن المراد من كانت الطاعات أغلب عليه من المعاصي <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> وفي كلام الشافعي وغيره أنه لا تُقْبَل شهادة من شرب الخمر، أو زَنَى، إلى غير ذلك، إلا <span class="c2">(2)</span> من ظهر منه شيء من ذلك ثم ظهرت توبته. فواجبٌ حَمْل النقل الأول على هذا، أي أنّ مَن كان الغالب عليه الطاعة، وإنما تقع المعصية منه زلة، ثم يتوب منها، ثم أخرى ثم يتوب منها، فإنه يقبل، يعني عند ظهور توبته مما سبق منه من المعاصي. _________ <span class="c2">(1)</span> حكاه عنه المزني في "مختصره" <span class="c2">(5/ 310 ط المعرفة)</span>. <span class="c2">(2)</span> في الأصل: "إلى" سبق قلم.</p><p class="rtl left" id="p284"><span class="c2">(15/74)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p285">فأما من كان الغالب عليه المعصية، فإنه ما دام على ذلك لا تتحقق له توبة. وفي كتب الفقه ما يوضّح هذا،<span class="c6"> وهو أن يشترط في قبول من ظهرت معصيته وتاب منها:</span> أن تظهر توبته بأن تمضى مدةٌ يظهر منه فيها الندم على تلك المعصية، والامتناع عن العَوْد إليها، حتى يكون الظاهر أنه لن يعود.<span class="c6"> أقول:</span> والظاهر أنه يُغْتَفر لمن عُرِفت عدالته، وظهرت استقامته من الرواة ما قد يقع منه مما يكون الظاهر أنه وقع فلتة. فقد حكى وكيع قصةً لأبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي مع الأعمش،<span class="c6"> وفيها:</span> أن أبا حصين قذف الأعمش <span class="c5">[فحلف]</span> ليحدّنّه، فكلّمه فيه بنو أسد. القصة <span class="c2">(1)</span>. والقذف كبيرة، ولاسيَّما لمثل الأعمش، ولكن لم يجرح أحدٌ أبا حصين بهذا، بل وثقوه، وأحسنوا الثناء عليه، فكأنهم حملوا هذا على أنه فلتة جرى على لسان الرجل عند الغضب. والظاهر أنه تاب في الحال؛ لما عُرِف من فضله وصلاحه قبل ذلك وبعد.<span class="c6"> وجاء عن أبي داود الطيالسي عن شعبة:</span> أنه سمع أبا الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُس غاضَبَه إنسانٌ، فافترى عليه.<span class="c6"> يريدُ:</span> فَقَذَفه <span class="c2">(2)</span>. لكن عندي في صحة هذا وقفة، فقد جاء عن أبي داود الطيالسي مثل _________ <span class="c2">(1)</span> القصة في "تاريخ دمشق": <span class="c2">(38/ 413)</span>،<span class="c6"> و"السير":</span> <span class="c2">(5/ 415)</span>. <span class="c2">(2)</span> القصة في "تهذيب الكمال": <span class="c2">(6/ 503)</span> و"تهذيب التهذيب": <span class="c2">(9/ 440)</span>. وانظر ما سلف <span class="c2">(ص 41)</span>.</p><p class="rtl left" id="p286"><span class="c2">(15/75)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p287">هذا في محمد بن الزبير التميمي الحنظلي <span class="c2">(1)</span>، فلعلّ محمد بن الزبير هو صاحب الواقعة، ووقع الوهم في جَعْلها لأبي الزبير محمد بن مسلم. والله أعلم.<span class="c6"> فصل وذكروا أن المعاصي الصغيرة لا تخلُّ بالعدالة إلا في صورتين:</span> الأولى: أن تدل على الخِسّة، كسرقة تمرة، وخيانة فلس.<span class="c6"> الثانية:</span> أن يصرّ صاحبها عليها. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "تهذيب التهذيب": <span class="c2">(9/ 167)</span>. وانظر "الاستبصار في نقد الأخبار- ضمن هذا الكتاب" <span class="c2">(ص 41)</span> للمؤلف.</p><p class="rtl left" id="p288"><span class="c2">(15/76)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p289"><span class="c5">[ص 33]</span> بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ العدالة مباحثها مستوفاة في كتب الفقه ومصطلح الحديث، وقد نظرتُ في عدة من كتب الجرح والتعديل، فرأيتُ تصريحَ الأئمة بالجرح بالمعاصي قليلًا، وإنما أقصد في رسالتي هذه قَصْد ما تكثر الحاجة إليه، مع الحاجة إلى تحقيقه.<span class="c6"> فمن ذلك:</span> البدع التي لا يُحْكَم بكفر أصحابها؛<span class="c6"> فقيل:</span> جرح مطلقًا.<span class="c6"> وقيل:</span> جرح إذا كان صاحبها داعيةً، يدعوا الناسَ إلى بدعته.<span class="c6"> وقيل:</span> ليست بجرح مطلقًا، ولكن لا يقبل من صاحبها ما يرويه مما يوافق بدعته لمكان التهمة.<span class="c6"> وقيل:</span> ليست بجرح، ويقبل من صاحبها ما رواه، وإن وافق هواه.<span class="c6"> أقول:</span> <span class="c5">[الذي]</span> <span class="c2">(1)</span> ينبغي اختياره أن المدار على قوَّة التهمة،<span class="c6"> فالرواة على طبقات:</span> الأولى: من اشتهر بالثقة والصدق والأمانة، وكثر ثناء أهل العلم عليه. فهذا ينبغي أن يُقْبل منه كلّ ما روى، وإن كان له هوًى يدعو إليه، وروى ما يوافقه، وذلك أن الذي يغلب على الظن في مثله <span class="c2">(2)</span> أنه إنما يدعو لاعتقاده أنه يدعو إلى حقّ، وأنه صادق فيما رواه مما يوافق هواه، وهو من جملة ما أداه إلى ذلك الهوى. _________ <span class="c2">(1)</span> زيادة يستقيم بها السياق. <span class="c2">(2)</span> الأصل: "مثل" سهو.</p><p class="rtl left" id="p290"><span class="c2">(15/77)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p291">الطبقة الثانية: مَنْ لم يبلغ تلك الدرجة، وقد وثَّقه بعض الأئمة. فهذا ينبغي التوقُّف عما يرويه موافقًا لهواه، ولاسيما إن كان داعية، فإن الداعية تكثر منه الخصومة، والخصومة توقع في اللجاج، واللجاج مظنة المجازفة. فقد يتأوّل أحدهم إذا لج أنه لا حَرَج عليه في أن يكذب لنصرة ما هو الحق عنده، وقد لا يشمل الكذب، ولكن يورِّي تورية خفيَّة، ويدلِّس تدليسًا خفيًّا، وإن كان ممن يتقي التدليس في غير ذلك. فأما الطبقة الأولى فلا يُعْرَف أحد منهم كان يخاصم ويلجّ.<span class="c6"> الثالثة:</span> من لم يوثق. فهذا أولى بالاتهام، فإن كان ممن يصلح للمتابعة في الجملة، فالصالح من حديثه للمتابعة هو ما لا يُتَّهم فيه. وبهذا أجبتُ لمَّا حُكِي لي عن بعض المتأخرين ــ ممن كان يُظهر التشيع بلا غلوّ شديد ــ أنه ناظر بعضَ العلماء من أهل السنة، واحتج بأحاديث.<span class="c6"> فأجابه السنِّي:</span> أنها ضعيفة؛ لأن في أسانيدها مَنْ ضعَّفه الأئمة.<span class="c6"> فقال:</span> إنما ضعفوه بأنه كان يتشيّع، فلي الحق أن أردّ الأحاديث التي تحتجّون بها؛ لأن في رواتها من كان يُظهر النصب، فإن ما تسميه أنت تشيعًا،<span class="c6"> أقول أنا:</span> هو السنة في الحقيقة، وما تسميه أنت مذهب أهل السنة،<span class="c6"> أسميه أنا:</span> نصبًا،<span class="c6"> وأقول:</span> هو البدعة في الحقيقة.</p><p class="rtl left" id="p292"><span class="c2">(15/78)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p293">قال: فقال ذلك العالم السني: إذن يسقط الاحتجاج بالأحاديث من الجانبين. هذا معنى الحكاية. وعلى ما قدمتُه لا تسقط الأحاديث بحمد الله عز وجل، ولكن الإنصاف أن لا يحتج على المتشيع بأحاديث الطبقة الثانية ممن عرفوا بالسنة ولا يحتج هو بأحاديث الطبقة الثانية ممن عرفوا بالتشيُّع. فإذا وافق على هذا، وكان الإنصاف، فما أسرع ما يكون الاتفاق، وإن أبى فقد سقطت شبهتُه، وظهرَ عنادُه. وقد ذكرتُ هذا لبعض أهل العلم،<span class="c6"> فقال:</span> وكيف يكون الرجل عدلًا في شيء، وغير عدل في شيء؟<span class="c6"> والجواب:</span> أن العدالة تتفاوت قوة وضعفًا، كما لا يخفى. <span class="c5">[ص 34]</span> وقد جاء عن شريك أن رجلًا ادّعى على آخر عنده بمائة ألف دينار، فأقر،<span class="c6"> فقال:</span> أما إنه لو أنكر لم أقبل عليه شهادة أحدٍ بالكوفة إلا شهادة وكيع وعبد الله بن نُمير <span class="c2">(1)</span>. يعنى أن المال عظيمًا <span class="c2">(2)</span>، فلا تنتفي تهمة الشاهد فيه حتى يكون عظيم _________ <span class="c2">(1)</span> القصة في "تاريخ بغداد": <span class="c2">(13/ 499)</span>. وقد حكم عليها المؤلف بالانقطاع، وأجاب عنها بأنها "لو ثبتت لوجب حملها على أن مراده القبول الذي تطمئن إليه نفسه، فإن القاضي قد لا يكون خبيرًا بعدالة الشاهدين وضبطهما وتيقظهما وإنما عدّلهما غيره، فإذا كان المال كثيرًا جدًّا بقي في نفسه ريبة ... ".<span class="c6"> انظر "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 69)</span> و"تعزيز الطليعة" <span class="c2">(ص 132 - 133)</span> للمؤلف. <span class="c2">(2)</span> كذا والوجه "عظيم".</p><p class="rtl left" id="p294"><span class="c2">(15/79)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p295">العدالة، ولو كان ألف دينار فقط لكان بالكوفة يومئذٍ ألف عدل أو أكثر ممن تنتفي التهمة بشهادة رجلين منهم فيه. وذكر الشافعي في "الأم" أنه ينبغي للقاضي إذا سأل عن الشهود مَنْ يطلب منه بيان حالهم أن يبين للمسؤول مقدار ما شهدوا فيه،<span class="c6"> قال:</span> " فإن المسؤول عن الرجل قد يعرف ما لا يعرف الحاكم من أن يكون الشاهد ... وتطيب نفسه على تعديله في اليسير، ويقف في الكثير " الأم <span class="c2">(6/ 309)</span> <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وقد قال الله تبارك وتعالى:</span> <span class="c4">{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 75]</span>. يعني أن منهم من هو عظيم الأمانة حتى لو ائتمن على قنطار لأداه، ومنهم من هو ضعيف الأمانة حتى لو ائتمن على دينار واحد لخان فيه. والقنطار المال العظيم،<span class="c6"> جاء عن الحسن البصري:</span> أنه ملء مَسْك ثورٍ ذهبًا <span class="c2">(2)</span>. وغالبُ المسلمين تطيب أنفسُهم ببذل الزكاة المفروضة، والسفر للحج، والقتال في سبيل الله عند رجاء السلامة، ولو كُلِّفوا أعظم من هذا ما فعله إلا قليل.<span class="c6"> قال الله تبارك وتعالى:</span> {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ <span class="c2">(36)</span> إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(7/ 508)</span>. <span class="c2">(2)</span> ذكر القول في "تفسير الطبري": <span class="c2">(5/ 259)</span> و"تفسير ابن المنذر": <span class="c2">(1/ 259)</span> لكن منسوبًا إلى أبي نضرة العبدي.</p><p class="rtl left" id="p296"><span class="c2">(15/80)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p297">وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} <span class="c5">[القتال: 36 - 37]</span>. يعنى ــ والله أعلم ــ لا يسألكم أموالكم كلها فرضًا محتومًا.<span class="c6"> وقال تعالى:</span> <span class="c4">{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}</span> <span class="c5">[النساء: 66]</span>. وقد تقرر في الشهادة أنه لا تقبل شهادة الرجل لنفسه، ولا حيث يجرّ لنفسه نفعًا، إلى غير مما هو معروف في الفقه بدون تفرقة بين الناس، حتى لو كان الرجل بغاية العدالة لما خرج عن ذلك، وعللوه بالتهمة. وتقرر في الشريعة قبول إقرار الرجل على نفسه، وإن كان غاية في الكفر، أو الفجور، وإنما ذلك لبعد التهمة. والله أعلم.</p><p class="rtl left" id="p298"><span class="c2">(15/81)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p299"><span class="c2">(1)</span> <span class="c5">[ص 25 ب]</span> هذا،<span class="c6"> وضبط الخبر وإتقانة يحتاج إلى التيقُّظ في ثلاثة مواضع:</span> الأول: عند تلقّي الخبر، فيجب على المتلقّي أن يتثبّت في حال المخبِر أنه فلان بن فلان، وفي إخباره بالخبر أنه أخبر به من لفظه جازمًا به، أو قُرئ عليه وهو منصت لا يخفى عليه من القراءة شيء حتى أقرَّ به، أو عُرض عليه مكتوبًا فتأمله حقّ التأمل، وهكذا في سائر أنواع التحمّل، كلٌّ بحسبه. ثم يتثبّت في أخذه للخبر، فإن كتبه بإملاء الشيخ، تثبَّت في كتابته حتى يثق بأنه كتبه كما تلقَّاه، لم يزد ولم ينقص ولم يغير. ويدخل في ذلك نَقْط ما يحتاج إلى النقط، وضَبْط ما يحتاج إلى ضبط. وإن كَتَبه مما قُرئ على الشيخ تثبَّت في المنقول عنه أنه مكتوب كما قُرئ على الشيخ، ثم في المنقول أنه كُتِب كما في المنقول عنه. وإن حَفِظه راجع نفسه حتى يثق بأنه حفظه كما يجب، وإن اقتصر على فهمه راجع نفسه حتى يثق بأنه فهمه كما يجب، وقس على هذا.<span class="c6"> الموضع الثاني:</span> بين التحمّل والأداء، فإن كان مسموعه في كتاب احتاط لحفظ الكتاب، فلا يزيد فيه ولا ينقص ولا يغير، ولا يُمَكِّن منه مَن يُحْتَمل أن يصنع ذلك. وإن كان حَفِظَه أو فَهِمَه تعاهَد حِفْظه أو فَهْمه، <span class="c5">[ص 26]</span> وذاكر الحفَّاظ، _________ <span class="c2">(1)</span> أخرنا من هذا الموضع <span class="c5">[ص 25 ب- 29]</span> إلى آخر الرسالة مع تقدمه في الترقيم؛ ليتناسب مع ترتيب موضوعات الرسالة.</p><p class="rtl left" id="p300"><span class="c2">(15/82)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p301">وتفطّن لمظان الاشتباه والالتباس، فاحترز منها.<span class="c6"> الموضع الثالث:</span> عند الأداء،<span class="c6"> فأولًا:</span> يمرّ بفكْرِه على الموضعين الأولين ليستحضر هل تثبَّت فيهما كما يجب، ثم يتثبَّت في الإلقاء بحيث يثق بأنه ألقاه كما تلقاه. ومن اختبر الناسَ، وعرفَ أحوالَهم، عرف أن من المؤمنين الصالحين <span class="c5">[من]</span> <span class="c2">(1)</span> تغلب عليه الغفلة، وقلّة التيقّظ، كأن ترى في زمن سفيان بن عيينة رجلًا،<span class="c6"> فيقول لك هو:</span> أنا سفيان بن عيينة،<span class="c6"> أو يقول لك آخر لا تعرفه:</span> هذا سفيان بن عيينة، ثم يخبرك بخبر،<span class="c6"> فتذهب فتقول:</span> أخبرني سفيان بن عيينة. هذا مع أنه لم يقم عندك دليلٌ يحقق أن الذي أخبرك سفيان بن عيينة حقًّا.<span class="c6"> والضابطُ المتيقِّظ يقول في مثل هذا:</span> لقيتُ رجلًا لا أعرفه زعم،<span class="c6"> أو قال لي رجل آخر لا أعرفه:</span> إنه سفيان بن عيينة، فأخبرني. هذه صورة من صور الغفلة، وصورها كثيرة، فقد تغلب الغفلة على الرجل حتى إن من يعر ف حاله لا يثق بخبره ألبته، فيصير حينئذٍ في الحال <span class="c2">(2)</span>. ومن اختبر أحوال الناس وجدهم يتباينون في الضبط والإتقان، فقد تكون مؤمنًا صالحًا، فيلقاك رجل لا تعرفه،<span class="c6"> فيقول لك:</span> أنا فلان بن فلان، ويخبرك بخبر،<span class="c6"> فتذهب فتقول:</span> أخبرني فلان بن فلان. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "مع" سهو. <span class="c2">(2)</span> كذا، وتقدير باقي الكلام "بحيث لا تُقبل روايته" وقد كرر المؤلف هذا المعنى في الفقرة التالية.</p><p class="rtl left" id="p302"><span class="c2">(15/83)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p303">ولو تيقظت لكنت تقول: لقيت رجلًا لا أعرفه، فزعم لي أنه فلان بن فلان، وأخبرني. وقد ترى رجلًا يقرأ ورقةً على شيخ، فتذهب فتنسخ تلك الورقة،<span class="c6"> وتقول:</span> أخبرنا الشيخ. ولو كنت يقظًا لكنت أولًا تتفقّد حالَ الشيخ عند القراءة عليه، فلعلّه يكون ساهيًا، أو ناسيًا، ثم تتفقّد حالَ القراءة، فلعلها أن تكون فيها خلاف المقروء. في صور كثيرة أمثال هذه يتفاوت الناس في الاحتراز منها؛ فرُبَّ مؤمن صالح لا يتهمه العارف به بكذب، ولكنه لا يثق بكثير من أخباره. فخبر هذا لعدم ضبطه في معنى خبر الفاسق الذي لا يوثق بخبره لفسقه. وقد يكون الرجل مؤمنًا صالحًا ضابطًا، ولكن يتفق في بعض أخباره أن يكون مظنّة للغلط، وتقوم قرينة على الغلط، فيكون خبره في هذا الموضع في معنى خبر الفاسق أو أضعف منه. وذلك أن من قضية الإيمان أن تؤمِّن الناسَ من أن تأتي إليهم ما لا يحل لك،<span class="c6"> كما في الحديث المشهور:</span> "المؤمن مَن أمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالهم" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> ومما لا يحل:</span> الكذب، فإذا أمنت الناس من الكذب كان عليهم أن يؤمِّنوك من التكذيب. _________ <span class="c2">(1)</span> سبق تخريجه <span class="c2">(ص 69)</span>.</p><p class="rtl left" id="p304"><span class="c2">(15/84)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p305">والفاسق قد أخاف الناسَ فهو خارج عن <span class="c2">(1)</span> نص الآية وكما هو خارج من الحديث، فخبر المؤمن بيِّن بنفسه، فلا يحتاج إلى تبين، بخلاف الفاسق. وفي هذا كالإيماء إلى أن المدار على الأمن والبيان. وعلى هذا فإذا لم يحصل الأمن والبيان بخبر المؤمن الذي ليس بفاسق، كأنْ كان مغفّلًا يكثر وهمه وجب التبين في خبره. <span class="c5">[ص 27]</span> وكذلك المؤمن الذي <span class="c5">[ليس]</span> <span class="c2">(2)</span> بفاسق ولا مغفّل إذا عرض في بعض أخباره ما يَريبُ فيه، كأن يكون مظنة خطأٍ وهناك قرينة على الخطأ، فيجب التبين في ذلك الخبر وأشباهه. فلا سبيل إلى معرفة ما يجب قبوله من المنقول من غيره إلا بمعرفة أحوال الناقلين، ثم بمعرفة ما يوقف على مظان الخطأ وقرائنه <span class="c2">(3)</span>. وإذا كانت الآية مفتقرة إلى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان على علمائها أن يعرفوا أحوال الرواة؛ ليعرفوا من يجب قبول روايته من غيره. وإذا كان المخبر مؤمنًا غير فاسق ولا مغفّل أو في معناه، ولم يكن هناك مظنة خطأ، ولا دلالة عليه، فخبره بيّن بنفسه، يجب قبوله منه وتصديقه فيه. فأدى الصحابةُ رضي الله عنهم ما تحمّلوه بعضهم إلى بعض، وإلى _________ <span class="c2">(1)</span> تحتمل قراءتها: "من". <span class="c2">(2)</span> زيادة يستقيم بها السياق. <span class="c2">(3)</span> ضرب المؤلف على أكثر الصفحة وبقي قوله: "هذا وإذا كثرت الوسائط فالمأمور به" ثم انقطع الكلام فالظاهر أنه كلام تابع للمضروب عليه أيضًا.</p><p class="rtl left" id="p306"><span class="c2">(15/85)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p307">التابعين، وأدى التابعون بعضهم إلى بعض، وإلى أتباعهم، وهكذا. وصار في وسع المتأخّر أن يعرف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتلقي ممن قبله، إلا أن المنقول اختلط فيه الحق بالباطل، والصحيح بالسقيم، فلم يكن بُدٌّ للعلماء من تمييز ذلك. وقد أرشد الكتاب والسنة إلى طريق التمييز، وتلقّى الأئمةُ ذلك فشرحوه، وعملوا به، كلٌّ بقدر وُسْعه.<span class="c6"> وملخص ذلك:</span> أن المحتجّ به من الأخبار ثلاثة: الأول: المقطوع بصحته، كالمتواتر.<span class="c6"> الثاني:</span> ما جمع ثلاث شرائط: أن يكون راويه عدلًا ضابطًا، وأن يكون متصلًا، وأن لا يكون شاذًّا ولا معللًا.<span class="c6"> الثالث:</span> ما قصر عن هذه الدرجة إذا وُجِد ما يعضده، بحيث يحصل بالمجموع ظنّ قويّ، كالحاصل بخبر من اجتمعت فيه الشرائط. <span class="c5">[ص 28]</span> ومعرفة أحوال الرواة في العدالة والضبط مفتقرٌ إليها في الأضْرُب الثلاثة، أما في الثاني والثالث فواضح، وأما في المقطوع به فلأن معظم الموجود منه في الأحاديث هو ما يفيد القطع بمعونة القرائن، والعدالةُ والضبط من أعظم القرائن. وكما يفتقر إلى معرفة ثبوت العدالة والضبط أو انتفائهما، أو أحدهما، فإنه يفتقر إلى معرفة درجة الراوي في ذلك.<span class="c6"> أما في الضرب الأول:</span> فلأن العدالة التامة والضبط التام أقوى مما</p><p class="rtl left" id="p308"><span class="c2">(15/86)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p309">دونهما، فقد يفيد القطع خبر الثلاثة إذا كانوا تامي العدالة والضبط، ولا يفيده خبر الأربعة أو الخمسة من العدول الضابطين دون درجة أولئك.<span class="c6"> وأما في الثاني:</span> فليعرف الراجح، فيقدّم عند التعارض.<span class="c6"> وأما في الثالث:</span> فليعرف ما يصلح للشواهد والعواضد والمتابعات، ومقدار صلاحيته لذلك، فقد يصدق على ثلاثة أنهم ليسو امن أهل العدالة والضبط، بحيث لو تابعه آخر مثله لصار الخبر صالحًا للحجة. ودرجة الثاني متوسطة بحيث لو تابعه آخر مثله لم يبلغ ذلك، بل يحتاج إلى متابعة اثنين أو ثلاثة مثلًا، وهكذا. ودرجة الثالث بعيدة بحيث لو تابعه عشرة مثله لم يغن شيئًا،<span class="c6"> بل يقال:</span> كأنهم تواطؤوا أو سرقه بعضُهم من بعض، أو وضعه بعضُ الدجّالين على هؤلاء فلقَّنهم، أو نحو ذلك. وكذلك معرفة الاتصال، ومعرفة الشذود والعلة، يُحْتَاج إليها في الأضرب الثلاثة، كما يعلم بالتأمل. وقد بلغ هذا العلم أوْجَه في القرون الأولى، ثم تباعد الناس عنه في القرون الوسطى؛ لاستغناء جمهورهم عن الاتباع بالتقليد، ومن احتاج إلى السنة من المقلدين إنما همّه نُصرة مذهبه، فينظر إلى الأحاديث المروية، فيرى منها ما يوافق مذهبه ومنها ما يخالفه، فيجتهد في تقوية ما يوافقه، وتضعيف ما يخالفه، فإذا وجد في الأصول المختلف فيها ما يساعده التزمه ونَصَره، وسعى في توهين ما يخالفه، وإن لم يجد أصلًا يساعده على هواه اخترع أصلًا وسعى في تثبيته بين أهل مذهبه على الأقل، ولهذا يكثر</p><p class="rtl left" id="p310"><span class="c2">(15/87)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p311">تناقضهم حتى في الأصول.<span class="c6"> والمقصود:</span> أن مرتبة التحقيق في هذا الفن عزَّ وجودُها في القرون الوسطى، إلا الواحد بعد الواحد. فأما القرون المتأخرة فصار هذا العلم نسيًا منسيًّا؛ لأن كلَّ فرقةٍ قنعت بما عندها في كتب مذهبها، وأقرت مخالفيها على ما عندهم في كتب مذهبهم. وضَعُف العلمُ جملةً، بل هُجِرت كتب السنة نفسها، فكم من كتاب من كتبها لا يوجد في مكاتب العالم منه إلا نسخة أو نسختان، ومنها ما فُقِد ألبته، إلا أنّ الاعتناء بالسنة في الجملة بقيت منه بقيّة في اليمن والهند، ثم في هذا القرن بدأ الناس يتراجعون إلى الاعتبار بالسنة شيئًا فشيئًا. ولله الحمد.<span class="c6"> والناظرون في هذا الفن من أهل العصر فريقان:</span> فريق ليسوا من المعتنين بالسنة أصلًا، وإنما يضطرّ أحدُهم إلى تثبيت حديث أورده، فيتعاطى الكلام عليه. وهؤلاء لا يُعْبأ بهم، ولا بغلطهم. وفريق لهم عناية بالسنة في الجملة، وأكثرهم من يرى أنه إذا طالع بعضَ كتب المصطلح كـ"شرح ألفية العراقي"، و"شرح تدريب النواوي"، ثم حَصَلت له نسخةٌ من "تهذيب التهذيب"، ونسخة من "لسان الميزان" فقد أخذ بناصية الفن! وهيهات هيهات العقيقُ وأهلُه ... وهيهاتَ خِلٌّ بالعقيق نُحاوله <span class="c2">(1)</span> _________ <span class="c2">(1)</span> البيت لجرير في "ديوانه" <span class="c2">(ص 385)</span>.<span class="c6"> وفيه:</span> فأيهات أيهات العقيقُ ومَن به ...<span class="c6"> وأيهات وصلٌ بالعقيق تواصله وبسياق المؤلف في "الصحاح":</span> <span class="c2">(6/ 2258)</span>،<span class="c6"> و"اللسان":</span> <span class="c2">(13/ 552)</span>.</p><p class="rtl left" id="p312"><span class="c2">(15/88)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p313">وإيضاح ذلك بوجوه <span class="c2">(1)</span>. فصل المجهول <span class="c2">(2)</span> _________ <span class="c2">(1)</span> هنا انقطع الكلام فلعله سقط صفحة أو أكثر. <span class="c2">(2)</span> لم يكتب المؤلف تحت هذا العنوان شيئًا وأبقى باقي الصفحة بياضًا، فهل كتب المؤلف بقية المبحث في مكان آخر أم وقف به القلم هنا؟ فالله أعلم.</p><p class="rtl left" id="p314"><span class="c2">(15/89)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p18"><a id="t18" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t18">الرسالة الثالثة إشكالات في الجرح والتعديل</a></h2><p class="rtl left" id="p315"><span class="c2">(15/91)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p316">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مُهمّة نَجِد أئمة الجرح والتعديل يوثِّقون كثيرًا ممن لم يروهم ولم يدركوهم، وذلك كأبان بن صالح، توفي سنة بضع عشرة ومئة، ووثَّقه ابن معين والعجليّ ويعقوب بن شيبة وأبو زُرعة وأبو حاتم. وهؤلاء كلهم لم يُدْركوه، وأكبرهم ابن معين، وإنما ولد سنة 158 أي بعد وفاة أبان بنحو أربعين سنة. ونعجة بن عبد الله الجهني توفي سنة مئة ولم يصرح بتوثيقه غير النسائي، ومولد النسائي سنة 215. ومثل هذا كثير. فلا يُنكَر على المتبحّر في الحديث حتى في عصرنا هذا أن يقضي للتابعي فمَن دونه بتحرِّي الصدق في الحديث والضبط له؛ وذلك بأن يتتبّع أحاديث الراوي ويعتبرها، فيجد لها أو لأكثرها متابعات ثابتة وشواهد صحيحة، وإن لم يجد للقليل منها متابعة ولو شاهدًا خاصًّا وجد لها شواهد عامة بمطابقتها القواعد الشرعية وموافقة للقياسات الجليّة، فيغلب على ظنه أن ذلك الراوي صدوق في الحديث ضابط له.<span class="c6"> لكن بقيت إشكالات:</span> الأول: أننا نجد بعض الأئمة يوثّق مَن لم يُدركه مع أنه لم يقف له إلا على الحديث والحديثين، ومثل هذا لا يظهر منه صدق الراوي ولا ضبطه. وهب أنه ترجح عند النسائي صدق الراوي وضبطه لمّا وجد ثقةً قد تابعه فروى ذينك الحديثين عن شيخه كما رواهما، فما يُدريه لعل لذلك الراوي أحاديث أُخَر قد تفرّد بها، ولا يلزم من صدقه وضبطه في الحديثين صدقه</p><p class="rtl left" id="p317"><span class="c2">(15/93)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p318">وضبطه مطلقًا، وهو إذا وثَّقه قَبِلَ الناسُ ذلك منه، فاحتجوا بذلك الراوي مطلقًا.<span class="c6"> الإشكال الثاني:</span> أن الحفَّاظ يختلفون في الرجال فقد يعتمد الحافظ في توثيق الراوي على أنه وجد له متابعًا هو ثقة عنده، وقد اطلع غيره على جرح ذلك المتابع. ومَن يجيء بعده يعتمد توثيقه ولا يشعر أنه إنما وثَّقه لظنه أن المتابع له ثقة.<span class="c6"> الإشكال الثالث:</span> أن الحفّاظ لا يستنكرون تفرُّد الصحابي بل ولا تفرُّد التابعي بل ولا تفرُّد الراوي عن التابعين إذا روى عن تابعيّ لم تَكْثُر الرواةُ عنه. وعلى هذا فإذا وجد أحدُ الحفَّاظ لبعض أتباع التابعين حديثين قد رواهما عن بعض التابعين الذين لم يكثر الرواةُ عنهم عن بعض الصحابة، ولم يجد ذينك الحديثين من جهةٍ أخرى= فالظاهر أنه يعتمد على الشواهد المعنوية. وقد يُخطئ الحافظ في فهم الشواهد المعنوية، فقد يكون ذانك الحديثان في القدر، ويكون مذهب ذلك الحافظ على وفق معناهما، فلا يستنكرهما، وقد يكون مذهبه خطأ. وإذا وثّق ذلك الراوي قبل الناسُ توثيقه مطلقًا. وربما كان ظاهر الحديثين على معنى منكر، ولكن الحافظ تأوّلهما على معنى صحيح فوثَّق الراوي، فيأتي مَن بعده يحتج بهما على ظاهرهما.<span class="c6"> الإشكال الرابع ــ وهو أشدها ــ:</span> أنه لا يلزم من معرفة الصدق في الحديث والضبط له معرفة العدالة المطلقة، وقد تقرَّر في الفقه أن المعدِّل لابدّ أن يكون ذا خبرة بمن يعدّله، وأيّ خبرةٍ للحافظ بمن مات قبله بزمان طويل؟!</p><p class="rtl left" id="p319"><span class="c2">(15/94)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p320">فإن قيل: لعله ثبت عنده تعديل الراوي عن بعض الثقات الذين خَبَروه من أهل عصره.<span class="c6"> قلت:</span> هذا قد يقع وقد يُحتَمل ولكن في بعض الأفراد، فأما احتماله في جميع الموثقين فكلّا، بل من سَبَر هذا الفنّ عَلِم أنّ الأئمة كثيرًا ما يوثقون مِن عندهم بدون نقل، ولو كان هناك نقل لكان الأولى بالموثِّق أن يذكره. ومع ذلك فهب أنه كان عند الموثّق نقل بذلك، فهذا النقل يحتاج إلى معرفة رواته، وإذا لم يُسمّهم الموثّق كان إطلاقه التوثيق بمنزلة إرساله الحديث،<span class="c6"> وأكبر أمْرِه أن يكون بمنزلة قوله:</span> "حدثني الثقة عن الثقة".<span class="c6"> وقد قالوا:</span> إن الحديث لا يثبت بذلك فكذلك التعديل،<span class="c6"> فلو صرّح به فقال:</span> أخبرني ثقة عن ثقة عن ثقة: أنّ فلانًا كان عدلًا، هل تثبت العدالةُ بهذا؟ <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> ذكر المؤلف هذه الإشكالات ولم يجب عنها هنا، لكنه أجاب عنها في آخر رسالة "الاستبصار في نقد الأخبار- ضمن هذا المجموع" <span class="c2">(ص 59 - 62)</span> فلتراجع. وقد ذكرتُ ذلك وما يمكن أن يُجاب به عن بعض هذه الأسولة في المقدمة <span class="c2">(ص 13 - 14)</span>.</p><p class="rtl left" id="p321"><span class="c2">(15/95)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p19"><a id="t19" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t19">الرسالة الرابعة الحاجة إلى معرفة علم الجرح والتعديل</a></h2><p class="rtl left" id="p322"><span class="c2">(15/97)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p323">قال تبارك وتعالى: <span class="c4">{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}</span> <span class="c5">[الذاريات: 56]</span>، وعبادته سبحانه وتعالى هي طاعته، وطاعتُه هي امتثال ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، فلذلك بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وعلّمهم الكتابَ والحكمةَ، ليبينوا للناس أمرَ الله عز وجل ونهيَه، فيكون لمن أراد أن يقوم بما خُلق لأجله سبيلٌ إلى معرفته، فيسعى في تحصيله، وذاك السعي بنفسه عبادة، وتقوم الحجة على من لم يُرِد ذلك، فيحيا من حيَّ عن بيّنة، ويَهْلِك من هلك عن بيّنة. ولما قضى سبحانه وتعالى أن نبوّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين وشريعتَه خاتمةُ الشرائع قضى أن تبقى محفوظةً إلى قيام الساعة،<span class="c6"> قال تعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}</span> <span class="c5">[الحجر: 9]</span>. والذِّكْر متناولٌ للسنة إن لم يكن بلفظه فبمعناه؛ لأن المقصود من حفظ القرآن إنما هو حفظ ما يعلم به أمر الله عز وجل ونهيه، وهذا ثابت للسنة. ومَنْ أوفى بعهده من الله؟ فقد وفّى سبحانه وتعالى بعهده، فقيَّض للدين حَفَظَة، وللسنة نَقَلَة.<span class="c6"> فإن قيل:</span> قد اختلط بها ما ليس منها.<span class="c6"> قلنا:</span> أما أن تلتبس بها ألبتة بحيث لا يمكن تمييز الحق من الباطل، فلا والله. وأما بحيث يشتبه، فيتوقف التمييز على النظر والاجتهاد، فنعم، وتلك سنة الله عز وجل.</p><p class="rtl left" id="p324"><span class="c2">(15/99)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p325">قال الله تبارك وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ <span class="c2">(112)</span> وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} <span class="c5">[الأنعام: 112 - 113]</span>.<span class="c6"> قال تعالى:</span> <span class="c4">{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 142]</span>.<span class="c6"> وقال سبحانه:</span> {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ <span class="c2">(68)</span> وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} <span class="c5">[خاتمة العنكبوت]</span>. يحسب كثير من الناس أن الجهاد في تمييز الحق من الباطل في السنة قد انتهى دوره،<span class="c6"> وهم فرق:</span> الأولى: غُلاة المقلدين، الذين يزعمون أنه لم يبق للناس طريق إلى معرفة الشريعة إلا بأقوال أئمتهم أو القياس عليها.<span class="c6"> الثانية:</span> من يترقّى عن هذه الدرجة، ولكنه يزعم أنه لا طريق إلى معرفة صحاح الأحاديث من ضعافها إلا بأقوال أئمة الحديث الذين ميزوا الصحيح من غيره.<span class="c6"> الثالثة:</span> من يترقّى عن هذه الدرجة، ولكنه يرى أنه لا طريق إلى معرفة أحوال الرواة إلا بما قاله فيهم أئمة الحديث، كما هو مدون في كتب الرجال.<span class="c6"> فأما الفرقة الأولى:</span> فليس هذا مقام البحث معها.</p><p class="rtl left" id="p326"><span class="c2">(15/100)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p327">وأما الفرقة الثانية: فيقال لهم: أرأيتم أولئك الأئمة أمعصومين كانوا؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> لا.<span class="c6"> قيل لهم:</span> فالعادة تقضي بأنهم لم يسلموا من الخطأ.<span class="c6"> فإن قالوا:</span> العبرة بالغالب.<span class="c6"> قيل لهم:</span> أفرأيتم إذا كانت الطريق لمعرفة ما غلطوا فيه موجودة، لماذا تسدونها؟ أو رأيتم ما اختلف فيه إمامان، فصححه أحدهما، وضعفه آخر؟<span class="c6"> فإن قلتم:</span> يُتوقّف فيه.<span class="c6"> قيل لكم:</span> فإذا كانت السبيل إلى معرفة المصيب منهما موجودة، لماذا تقطعونها؟ أو رأيتم ما لم يُنْقَل عن الأئمة فيه تصحيح ولا تضعيف، ومعرفة حاله ممكنة، لماذا تتركونها؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> إنما ذهبنا إلى ما ذهبنا إليه لقصور عِلْم الناس، فإن غاية أحدهم أن يعرف أن رواة هذا الحديث ثقات، قد سمع كلٌّ منهم ممن قبله، وهذا وحده لا يقتضي الصحة؛ فإن شَرْط الصحيح أن يسلم من الشذوذ والعلة، ومعرفة العلل بغاية الصعوبة.<span class="c6"> قيل لهم:</span> أرأيتم تلك الصعوبة، أتَبْلُغ أن يُقْطَع لأجلها بأن بلوغ تلك الرتبة مستحيل؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> نعم.</p><p class="rtl left" id="p328"><span class="c2">(15/101)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p329">قيل لهم: هذا خلاف قضاء الله السابق، ووعده الصادق، فإن معرفة حكم تلك الأحاديث من الدين الذي تكفَّل الله عز وجل بحفظه.<span class="c6"> وإن قالوا:</span> أما الاستحالة فلا، ولكن بلوغها متعسّر.<span class="c6"> قيل لهم:</span> فهلموا إلى السعي في سبيلها، والاجتهاد في تحصيلها،<span class="c6"> وقد قال الله عز وجل:</span> <span class="c4">{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا ... }</span> الآية <span class="c5">[العنكبوت: 69]</span>. وأما الفرقة الثالثة؛<span class="c6"> فيقال لهم:</span> أرأيتم من لم يوثّق، ولم يجرَّح؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> مجهول.<span class="c6"> قلنا:</span> أرأيتم إن أريناكم الطريق إلى معرفة أحوال كثير من هؤلاء، أتسلكونها على ما فيها من التعب؟<span class="c6"> أو رأيتم من قال فيه بعض الأئمة:</span> روى عنه ثقة ولم أر في حديثه ما يدلُّ على ضعفه، أيكون هذا توثيقًا؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> لا.<span class="c6"> قيل:</span> فإنّ من أهل العلم مَن يقول في مثل هذا: هو <span class="c3">«ثقة»</span>، فمَنْ عُلِم أن هذا مذهبه، هل يُعتدّ بتوثيقه؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> لا.<span class="c6"> قيل لهم:</span> فلعل كثيرًا من الموثِّقين يرى هذا المذهب، فكيف تستندون إلى توثيقهم بدون أن تعرفوا مذهبهم؟ أو رأيتم ألفاظ الجرح والتعديل، هل الأئمة متفقون على معانيها؟</p><p class="rtl left" id="p330"><span class="c2">(15/102)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p331">فإن قلتم: غالبًا.<span class="c6"> قلنا:</span> بل هناك اختلاف، لابد لكم مِن معرفة مَن مِن الأئمة يقول بهذا ومَن منهم يقول بذاك، لتُعرف قيمة الكلمة الصادرة عن كل منهم. أو رأيتم من اختُلِف فيه، فوثقه بعض، وجرحه بعض؟<span class="c6"> فإن قالوا:</span> الجرح إن كان مفسّرًا مقدّم.<span class="c6"> قيل لهم:</span> فهل حققتم ما هو المفسر من ألفاظ الجرح والتعديل؟<span class="c6"> فإن الظاهر من رأيكم أن نحو قولهم:</span> <span class="c3">«ضعيف»</span> غير مفسَّر، أفرأيتم من كان منهم لا يطلق هذه الكلمة إلا لمعنى ترونه جرحًا، ألا تكون هذه الكلمة من المفسَّر؟ وبالجملة، فإنه ينبغي لكم أن تبحثوا عن مذاهب أئمة الجرح والتعديل، لتعرفوا مذهب كلِّ واحد في حدّ مَن يُطلِق عليه <span class="c3">«ثقة»</span> وفي حدّ مَن يُطلِق عليه <span class="c3">«ضعيف»</span> وغير ذلك. بل وأن تبحثوا عن الطريقة التي سلكها أئمة الحديث في تعرُّف أحوال الرواة، وتسعوا في اتباعهم فيها.<span class="c6"> فإن قالوا:</span> هذا صعب. كان الكلام معهم كما تقدم مع الفرقة الثانية. وبالجملة،<span class="c6"> فإن بأهل العلم أشدّ الحاجة إلى أمرين:</span> الأول: تحقيق الحق فيما اختلف فيه بما يقتضي القبول أو الرد، مع السعي في معرفة رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل في ذلك، ومعرفة عادة كل إمام في استعماله ألفاظ الجرح والتعديل، في أيّ حال يطلق <span class="c3">«ثقة»</span>،</p><p class="rtl left" id="p332"><span class="c2">(15/103)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p333">وفي أيّ حالٍ يطلق <span class="c3">«ضعيف»</span> إلى غير ذلك.<span class="c6"> الثاني:</span> معرفة الطريق التي سلكها الأئمة لنقد الرواة، ثم السعي في اتباعهم فيها.</p><p class="rtl left" id="p334"><span class="c2">(15/104)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p20"><a id="t20" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t20">الرسالة الخامسة الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء</a></h2><p class="rtl left" id="p335"><span class="c2">(15/105)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p336">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الأحاديث التي استشهد بها مسلم رحمه الله في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء <span class="c2">(1)</span> 1 -<span class="c6"> حديث هشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة:</span> "كنت أُطيِّبُ" <span class="c2">(2)</span>. ورواه جماعةٌ عن هشام عن أخيه عثمان عن أبيه <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> فهذا تدليس من هشام، وراجع ترجمة هشام في "مقدمة الفتح" <span class="c2">(4)</span> و"معرفة الحديث" للحاكم <span class="c2">(ص 104)</span>. 2 -<span class="c6"> هشام عن أبيه عن عائشة:</span> "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف" <span class="c2">(5)</span>. ورواه مالك عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة <span class="c2">(6)</span>. في أبواب الاعتكاف "باب لا يدخل البيت إلا لحاجة" عندما روى _________ <span class="c2">(1)</span> انظر مقدمة "صحيح مسلم": <span class="c2">(1/ 31 - 33)</span>. <span class="c2">(2)</span> أخرجه النسائي في "الكبرى" <span class="c2">(4149)</span>، والدارمي <span class="c2">(1842)</span>، وابن حبان <span class="c2">(3772)</span>. <span class="c2">(3)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(5928)</span>، ومسلم <span class="c2">(1189)</span>، والنسائي وغيرهم <span class="c2">(2690)</span>، وأحمد <span class="c2">(24988)</span>، وغيرهم. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 448)</span>. وانظر "التنكيل" رقم <span class="c2">(261)</span>. <span class="c2">(5)</span> مقدمة صحيح مسلم <span class="c2">(1/ 31)</span>. <span class="c2">(6)</span> في "الموطأ" <span class="c2">(866)</span>. وعنه أخرجه مسلم <span class="c2">(297)</span>، وأبو داود <span class="c2">(2467)</span>، والترمذي <span class="c2">(804)</span>، وأحمد <span class="c2">(24731)</span>.</p><p class="rtl left" id="p337"><span class="c2">(15/107)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p338">البخاري <span class="c2">(1)</span> المتن بمعنى هذا عن الليث عن الزهري عن عروة وعَمرة، ذكر الحافظ <span class="c2">(2)</span> أن منهم من اختصر على عروة،<span class="c6"> ثم قال:</span> "اتفقوا على أن الصواب قول الليث، وأن الباقين اختصروا منه ذِكرَ عَمْرة، وأن ذِكْر عَمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد".<span class="c6"> أقول:</span> ويؤيد ذلك ما في كتاب الحيض من "صحيح البخاري" <span class="c2">(3)</span> من طريق هشام عن أبيه،<span class="c6"> وفيه من قوله:</span> "أخبرتني عائشة أنها كانت تُرجِّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي حائض، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ مجاور في المسجد، يُدني لها رأسه فتُرَجِّله وهي حائض". 3 -<span class="c6"> الزهري وصالح بن أبي حسان عن أبي سلمة عن عائشة:</span> "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقبِّلُ وهو صائم" <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> فقال يحيى بن أبي كثير:</span> أخبرني أبو سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة أخبره أن عائشة أخبرته" <span class="c2">(5)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> الظاهر أن الحديث عند أبي سلمة من الوجهين، وإنما رواه بنزولٍ توقيرًا لعمر بن عبد العزيز وإظهارًا لفضله، وهذا أولى بلا ريب من اتهام أبي سلمة بالتدليس. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2029)</span>. <span class="c2">(2)</span> "فتح الباري" <span class="c2">(4/ 273)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(296)</span>. <span class="c2">(4)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(26196)</span>. <span class="c2">(5)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(25613)</span>، والنسائي في "الكبرى" <span class="c2">(3055)</span>.</p><p class="rtl left" id="p339"><span class="c2">(15/108)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p340">4 - وروى ابن عيينة وغيره عن عمرو بن دينار عن جابر،<span class="c6"> قال:</span> "أطعمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحومَ الخيل ... " <span class="c2">(1)</span>. ورواه حمَّاد بن زيد، عن عَمرو، عن محمد بن علي عن جابر <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> عمرٌو ذكره ابنُ حجر في "طبقات المدلسين" <span class="c2">(3)</span> وقال: "أشار الحاكم في "علوم الحديث" إلى أنه كان يدلس".<span class="c6"> أقول:</span> عبارة الحاكم في "المعرفة" <span class="c2">(ص 111)</span> <span class="c2">(4)</span> في الكلام على المدلسين: "هذا باب يطول، فليعلم صاحب الحديث أن الحَسَن لم يسمع من أبي هريرة ... وأن الأعمش لم يسمع من أنس ... وأنَّ قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس، وأنَّ عامة حديث عمرو بن دينار عن الصحابة غير مسموعة". وقد حمل الترمذي رواية حماد على الوهم،<span class="c6"> وقال:</span> "سمعت محمدًا ــ البخاري ــ يقول: ابن عيينة أحفظ من حماد". ولكن ذكر الحافظ في "الفتح" <span class="c2">(9/ 513)</span> <span class="c2">(5)</span> أنَّ حمادًا توبع،<span class="c6"> ثم قال:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه الحميدي <span class="c2">(1309)</span>، والترمذي <span class="c2">(1793)</span>، والنسائي <span class="c2">(4328)</span>، وابن حبان <span class="c2">(5268)</span>.<span class="c6"> قال الترمذي بعد أن ذكر الطريق الأخرى:</span> "ورواية ابن عيينة أصحّ،<span class="c6"> وسمعت محمدًا يقول:</span> سفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن زيد". <span class="c2">(2)</span> أخرجه النسائي في "الكبرى" <span class="c2">(4820)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 88 - 89)</span>. <span class="c2">(4)</span> وقع في الأصل <span class="c2">(ص 11)</span> سهو. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(9/ 646 - السلفية)</span>.</p><p class="rtl left" id="p341"><span class="c2">(15/109)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p342">"والحق أنه إن وُجِدت روايةٌ فيها تصريحُ عمرو بالسماع من جابرٍ، فتكون روايةُ حمادٍ من المزيد في متصلِ الأسانيد، وإلَّا فرواية حمادِ بن زيدٍ هي المتصلة".<span class="c6"> أقول:</span> إن لم يثبت عن عَمرو ما يدلّ على التدليس غير هذا، فينبغي حملُ كلام الحاكم على الصحابة الذين لم يلقهم عمرٌو، وقد بيَّن الأئمة كثيرًا منهم، كما في ترجمة عمرو من "التهذيب" <span class="c2">(1)</span>، وهذا عند الحاكم تدليس كما صرَّح به. والحق <span class="c5">[أنه]</span> لا يلزم من ثبوتِ هذا عن الراوي أن يُحْكَم عليه بالتدليس في شيوخه الذين قد سمع منهم. ثم يُحمل ما وقع في هذا الحديث على نحو ما تقدم في الذين قبله، وهو أن عمرًا أراد تكريم محمد بن علي؛ لقرابته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفضله، فروى عنه ما قد سمعه هو من شيخه، والله أعلم. ثم رأيت في "مسند أحمد <span class="c2">(3/ 268)</span> <span class="c2">(2)</span>: "ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله،<span class="c6"> قال:</span> "كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، يعني العَزْل،<span class="c6"> قال:</span> قلت لعمرو: أنتَ سمعتَه من جابر؟<span class="c6"> قال:</span> لا". والحديث في "الصحيحين" <span class="c2">(3)</span> من طريق عمرو عن عطاء عن جابر مصرحًا فيه بالسماع،<span class="c6"> فقد يقال:</span> إن عمرًا إنما يفعل مثل هذا فيما سمعه نادرًا، حيث يكون قد حدَّث بالحديث على وجهه، ويكون سمعه من ثِقة متفق عليه. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 28)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(14957)</span>. <span class="c2">(3)</span> البخاري <span class="c2">(5209)</span>، ومسلم <span class="c2">(1440/ 136)</span>.</p><p class="rtl left" id="p343"><span class="c2">(15/110)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p344">5 - "عبد الله بن يزيد الأنصاري، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم -، روى عن حذيفة حديثًا، وعن أبي مسعود حديثًا، ولم يصرح بالسماع، ولا علمنا لُقِيَّهُ لهما" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> أما حديث حذيفة فذكر النووي أنه قوله: "أخبرني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن". الحديث خرَّجه مسلم <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> أخرج أولًا <span class="c2">(3)</span> معناه مطولًا من طريق أبي إدريس عن حذيفة، ومن طريق أبي وائل عن حذيفة، ثم ذكره، فهو متابعة. والحديث مشهور عن حذيفة، فإن صحَّ قول مسلم في عدم العلم بلقاء عبد الله بن يزيد لحذيفة، فالجواب أنه لمَّا لم يكن له عنه إلا حديث واحدٌ، والحديث مشهورٌ من غير طريقه عن حذيفة، لم يحتَجْ أهلُ العلم إلى الكلام فيه، بل رووا الحديثَ على أنه متابعة، فهو مقبول في مثل ذلك، وإن كان محكومًا عليه بالانقطاع. وأما حديثه عن أبي مسعود ففي "شرح النووي" <span class="c2">(4)</span> أنه حديث: نفقة الرجل على أهله.<span class="c6"> أقول:</span> والحديث في "الصحيحين" <span class="c2">(5)</span> من طُرُق،<span class="c6"> وفي رواية للبخاري:</span> " ... عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود ... " <span class="c2">(6)</span> فقد ثبت اللقاء والسماع _________ <span class="c2">(1)</span> مقدمة مسلم: <span class="c2">(1/ 33)</span> باختصار وتصرّف. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2891/ 24)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2891/ 22)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 137)</span>. <span class="c2">(5)</span> البخاري <span class="c2">(4006، 5351)</span>، ومسلم <span class="c2">(1002)</span> وغيرهما. <span class="c2">(6)</span> هي التي برقم <span class="c2">(4006)</span>.</p><p class="rtl left" id="p345"><span class="c2">(15/111)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p346">لهذا الحديث نفسه. راجع "الفتح" <span class="c2">(9/ 401)</span> <span class="c2">(1)</span>. 6 - "أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما ممن أدرك الجاهلية، وصَحِبا البدريِّين، ونقلا عنهم الأخبار، حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة. قد أسند كلُّ واحد منهما عن أُبيّ بن كعب حديثًا، ولا يُعلم لقاؤهما له" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> حديث أبي عثمان قال النووي <span class="c2">(3)</span>: إنه قوله: "كان رجلٌ لا أعلم أحدًا أبعدَ من المسجد بيتًا منه ... " خرَّجه مسلم <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> والجواب عنه:</span> أن في "مسند أحمد" <span class="c2">(5/ 133)</span> <span class="c2">(5)</span>: "ثنا سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أُبيّ ... " فذكر الحديث،<span class="c6"> ثم قال أحمد:</span> "ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان، حدثني أُبيُّ بن كعب،<span class="c6"> قال:</span> قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمَا إنّ لكَ ما احتسبتَ". وهي قطعة من هذا الحديث، فثبت اللقاء والسماع <span class="c2">(6)</span>. <span class="c5">[ص 2]</span> قال النووي <span class="c2">(7)</span>: "وأما حديث أبي رافع عنه فهو: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 498)</span>. <span class="c2">(2)</span> مقدمة صحيح مسلم <span class="c2">(1/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> في "شرح مسلم": <span class="c2">(1/ 139)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(663)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(21213)</span>. <span class="c2">(6)</span> "وهي قطعة ... " من نسخة الأنصاري، وقد أتى عليها التَلَف في النسخة التي بخط المؤلف. <span class="c2">(7)</span> "شرح مسلم": <span class="c2">(1/ 139)</span>.</p><p class="rtl left" id="p347"><span class="c2">(15/112)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p348">كان يعتكف في العشر الأُخَر، فسافر عامًا، فلما كان في العام المُقبل اعتكف عشرين يومًا" رواه أبو داود <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> لم يخرجه مسلم رحمه الله في "الصحيح"، وذلك يدلّ على توقُّفٍ له فيه؛ لأنه ليس هناك طريقٌ أخرى صحيحة يورِدُها، ويجعلَ هذه متابعةً لها، والحديث في حُكمٍ وسُنَّةٍ. وقد أنصف بذلك. 7 - "أسند أبو عمرو الشيباني، وأبو معمر عبد الله بن سَخْبَرَة، كلُّ واحدٍ منهما عن أبي مسعود، خبرَيْن" <span class="c2">(2)</span>. قال النووي <span class="c2">(3)</span>: "حديثا الشيباني أحدُهُمَا حديث: "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،<span class="c6"> فقال:</span> إنه أُبْدعَ بي ... "،<span class="c6"> والآخر:</span> "جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناقةٍ مخطومةٍ،<span class="c6"> فقال:</span> لك بها يوم القيامة سبعمائة"، أخرجهما مسلم <span class="c2">(4)</span>،<span class="c6"> وأسند أبو عمرو أيضًا عن أبي مسعود حديث:</span> "المستشار مؤتمن" رواه ابن ماجه" <span class="c2">(5)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> ومتن الأول: "مَن دلَّ على خيرٍ فله مثلُ أجر فاعله". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2463)</span>. وأخرجه ابن ماجه <span class="c2">(1770)</span>، والنسائي في "الكبرى" <span class="c2">(3330)</span>، والطيالسي <span class="c2">(555)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(1/ 439)</span>. <span class="c2">(2)</span> مقدمة مسلم <span class="c2">(1/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> "شرح مسلم": <span class="c2">(1/ 140)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1893 و 1892)</span> على التوالي. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(3746)</span>. وأخرجه أحمد <span class="c2">(22360)</span>.</p><p class="rtl left" id="p349"><span class="c2">(15/113)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p350">وأما الثاني <span class="c2">(1)</span>، فمتنه "لتأتينَّ" أي الناقة، وكلها في فضائل الأعمال، وشواهدُ الأول من السنن الثابتة معروفةٌ،<span class="c6"> كقوله صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "من سنَّ سنَّةً حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها" <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثلُ أجورِ مَن تبعه" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> ودليل الثاني:</span> قوله تعالى: <span class="c4">{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ}</span> <span class="c5">[البقرة: 261]</span>.<span class="c6"> وللثالث شواهد من حديث جابر وابن عباس وأبي هريرة ومعناه ثابتٌ في العقول:</span> أنَّ الإنسان لا يستشير على الحقيقة إلا من يأتمنه، فمن استشارك فقد ائتمنك. قال النووي <span class="c2">(4)</span>: "وأما حديثا أبي معمر،<span class="c6"> فأحدهما:</span> "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة" أخرجه مسلم <span class="c2">(5)</span>،<span class="c6"> والآخر:</span> "لا تجزي صلاةٌ لا يقيم الرجل صلبَه فيها في الركوع" أخرجه أصحاب السنن وغيرهم <span class="c2">(6)</span>،<span class="c6"> وقال الترمذي:</span> "هو حديث حسن صحيح". _________ <span class="c2">(1)</span> "وأما الثاني" ضرب عليها المؤلف سهوًا. <span class="c2">(2)</span> أخرجه الترمذي <span class="c2">(2675)</span>، وابن ماجه <span class="c2">(203)</span>، وأحمد <span class="c2">(19200)</span> من طرق عن جرير البجلي. <span class="c2">(3)</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(2674)</span> من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. <span class="c2">(4)</span> "شرح مسلم": <span class="c2">(1/ 140)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(432)</span>. <span class="c2">(6)</span> أخرجه أبو داود <span class="c2">(855)</span>، والترمذي <span class="c2">(265)</span>، والنسائي <span class="c2">(1026)</span>.</p><p class="rtl left" id="p351"><span class="c2">(15/114)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p352">أقول: أما الحديث الأول فأخرج معه مسلمٌ عدّة أحاديثَ صحيحة تؤدّي معناه، فهو في حكم المتابعة، وأقربُ تلك الشواهد من لفظه حديث النعمان بن بشير <span class="c2">(1)</span>، فهو إذًا في معنى المتابعة. وأما الحديث الثاني فلم يخرِّجه مسلم، ولعلّ ذلك لأنه في حُكْمٍ مختلَفٍ فيه، ولم يجد له شاهدًا صريحًا صحيحًا.<span class="c6"> ومن شواهده:</span> حديث المسيء صلاتَه وفيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ارجع فصلِّ فإنك لم تُصَلّ"، وهو في "الصحيحين" <span class="c2">(2)</span>، لكن لم يقع في روايتهما أن الرجل إنما قصَّر بأنه لم يُقم صُلبَه في الركوع والسجود، وإن وقع معنى ذلك في رواية لغيرهما كما في "الفتح" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> ومن شواهده قول زيد بن وهب:</span> "رأى حذيفةُ رجلًا لا يتم الركوع والسجود،<span class="c6"> فقال:</span> ما صليت، ولو متَّ مِتَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه البخاري <span class="c2">(4)</span>، ولكن في الحكم له بالرفع خلافٌ، والله أعلم. 8 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند عُبيدُ بن عُمير عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا، وعُبيد بن عمير ولد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - " <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(436)</span>. <span class="c2">(2)</span> البخاري <span class="c2">(757، 793)</span>، ومسلم <span class="c2">(397)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 220)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(389)</span>. <span class="c2">(5)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 34)</span>.</p><p class="rtl left" id="p353"><span class="c2">(15/115)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p354">قال النووي: "هو قولها لمَّا مات أبو سلمة،<span class="c6"> قلت:</span> غريبٌ وفي أرض غريبة، لأبكينَّه بكاء يُتَحدثُ عنه. أخرجه مسلم" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> حاصله أنه بعد موت أبي سلمة جاءت امرأةٌ لتسعدها في البكاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> للمرأة:</span> "أتريدين أن تُدْخِلي الشيطانَ بيتًا قد أخرجه الله منه" فهو في النهي عن النياحة، وهو ثابت بأحاديث كثيرة، وفيه فضيلة لأبي سلمة، وذلك أيضًا ثابت. 9 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند قيسُ بن أبي حازم ــ وقد أدرك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ــ عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أخبار" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "هي حديث: "إن الإيمان ههنا،<span class="c6"> وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدَّادين" وحديث:</span> "إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد"،<span class="c6"> وحديث:</span> "لا أكاد أُدرك الصلاة مما يطوِّلُ بنا فلان" أخرجها كلها البخاري ومسلم" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> قال البخاري في "الصحيح" <span class="c2">(4)</span> في كتاب الكسوف: "حدثنا شهاب بن عَبّاد،<span class="c6"> قال:</span> حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس،<span class="c6"> قال:</span> سمعت أبا مسعود يقول ... " فذكر الحديث الثاني. _________ <span class="c2">(1)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 140)</span>. والحديث في مسلم <span class="c2">(2131)</span>. <span class="c2">(2)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 140)</span>. الحديث الأول عند البخاري <span class="c2">(4387)</span>، ومسلم <span class="c2">(51)</span>. والحديث الثاني عند البخاري <span class="c2">(1041)</span>، ومسلم <span class="c2">(911)</span>. والحديث الثالث عند البخاري <span class="c2">(90)</span>، ومسلم <span class="c2">(466)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1041)</span>.</p><p class="rtl left" id="p355"><span class="c2">(15/116)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p356">وقال في أبواب الإمامة <span class="c2">(1)</span>: "حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير،<span class="c6"> قال:</span> حدثنا إسماعيل،<span class="c6"> قال:</span> سمعت قيسًا قال: أخبرني أبو مسعود ... " فذكر الحديث الثالث، فثبت اللقاء والسماع، ولله الحمد. 10 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى ــ وقد حفظ عن عمر، وصَحِب عليًّا ــ عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "وهو قوله: "أمر أبو طلحة أمَّ سُلَيم، اصنعني طعامًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> هو عنده في كتاب الأشربة والأطعمة "باب جواز استتباع غيره" <span class="c2">(4)</span> ساق مسلم الحديثَ من طريق "إسحاق بن عبد الله، عن أبي طلحة أنه سمع أنسًا"، ثم من طريق "بُسر بن سعيدٍ، حدثني أنس"، ومن طريق أخرى عنه "سمعتُ أنسا"، ثم ذكر رواية ابن أبي ليلى، فهي عنده متابعةٌ، ثم ذَكَره من طريق خمسةٍ آخرين عن أنس. <span class="c5">[ص 3]</span> 11 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند ربعيُّ بن خِراش، عن عِمران بن حصين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين. وعن أبي بكرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا. وقد سمع ربعيٌّ من عليٍّ، وروى عنه" <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(702)</span>. <span class="c2">(2)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 140 - 141)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2040/ 142 - 143)</span>. <span class="c2">(5)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 35)</span>.</p><p class="rtl left" id="p357"><span class="c2">(15/117)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p358">قال النووي: "أما حديثاه عن عمران فأحدهما في إسلام حُصين والد عِمران، رواه عبد بن حُمَيد في "مسنده" والنسائي في كتابه "عمل اليوم والليلة" بإسناديهما الصحيحين.<span class="c6"> والحديث الآخر:</span> "لأعطينَّ الرايةَ رجلًا يحبّ اللهَ ورسولَه" رواه النسائي في "سننه"" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> لم يخرجهما مسلم، ولا فيهما حكم، وقد توبع ربعيٌّ على كلٍّ منهما.<span class="c6"> قال النووي:</span> "وأما حديثه عن أبي بكرة فهو: "إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على حرف جهنم" أخرجه مسلم، وأشار إليه البخاري" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> ذكراه في المتابعات. 12 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "أما حديثه فهو حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره" أخرجه مسلم في كتاب الإيمان هكذا، وقد أخرجه البخاري ومسلم أيضًا من رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري" <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 141)</span>. <span class="c2">(2)</span> مسلم <span class="c2">(2888)</span>، وعلقه البخاري في كتاب الفتن، باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما <span class="c2">(7083)</span>. <span class="c2">(3)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 35)</span>. <span class="c2">(4)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 141)</span>.</p><p class="rtl left" id="p359"><span class="c2">(15/118)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p360">أقول: أخرج مسلم <span class="c2">(1)</span> حديثَ أبي هريرة بمثل أبي شُرَيح، ثم أخرجَ حديث نافع عن أبي شريح <span class="c2">(2)</span>، فهو شاهدٌ مع ثبوته عن أبي شريح من طريق سعيد المقبريّ سماعًا من أبي شريح. 13 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند النعمانُ بن أبي عيّاش، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أحاديث" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "الأول: "من صام يومًا في سبيل الله ... "،<span class="c6"> والثاني:</span> "إن في الجنة شجرة ... "، أخرجهما معًا البخاري ومسلم،<span class="c6"> والثالث:</span> "إن أدنى أهل الجنة ... " أخرجه مسلم" <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> قال البخاري في "التاريخ" <span class="c2">(4/ 2/77)</span>: "النعمان بن أبي عيّاش الزُّرَقي الأنصاري، سمع أبا سعيد الخدري ... "، وقال في "الصحيح" <span class="c2">(5)</span> في كتاب الرِّقاق،<span class="c6"> في باب صفة الجنة والنار:</span> "وقال إسحاق بن إبراهيم: أنبأنا المغيرة بن سلمة، حدثنا وُهيبٌ، عن أبي حازم، عن سهل بن سعدٍ ...<span class="c6"> قال أبو حازم:</span> فحدّثتُ به النعمان بن أبي عياش، فقال أخبرني <span class="c2">(6)</span> أبو سعيد ... " _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(47)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(48)</span>. <span class="c2">(3)</span> مقدمة مسلم: <span class="c2">(1/ 35)</span>. <span class="c2">(4)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 141 - 142)</span>.<span class="c6"> الحديث الأول:</span> البخاري <span class="c2">(2840)</span>، ومسلم <span class="c2">(1153)</span>.<span class="c6"> الحديث الثاني:</span> البخاري <span class="c2">(6553)</span>، ومسلم <span class="c2">(2828)</span>.<span class="c6"> الحديث الثالث:</span> مسلم <span class="c2">(188)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(6553)</span>. <span class="c2">(6)</span> في نسخة: "حدثني".</p><p class="rtl left" id="p361"><span class="c2">(15/119)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p362">فذكر الحديث الثاني، بل رواه مسلمٌ نفسه في أوائل كتاب الجنة <span class="c2">(1)</span> بهذا السند نفسه،<span class="c6"> وفيه:</span> "قال: أبو حازمٍ فحدثتُ به النعمان بن أبي عياش الزرقي،<span class="c6"> فقال:</span> حدثني أبو سعيد الخدري". 14 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "هو حديث: "الدين النصيحة"" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(4)</span> في كتاب الإيمان،<span class="c6"> باب:</span> بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وذكر معه أحاديث تؤدي معناه،<span class="c6"> منها:</span> حديث أبي هريرة: "لا تؤمنوا حتى تحابوا" <span class="c2">(5)</span>،<span class="c6"> وحديث جرير:</span> "بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم" <span class="c2">(6)</span>. وقد رُوي "الدين النصيحة" من حديث ثوبان وغيره <span class="c2">(7)</span>، ومعناه ثابتٌ بنصوص كثيرة،<span class="c6"> كقوله تعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}</span> <span class="c5">[الحجرات: 10]</span>، وقوله _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2827 - 2828)</span>. <span class="c2">(2)</span> مقدمة مسلم: <span class="c2">(1/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 142)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(55)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(54)</span>. <span class="c2">(6)</span> <span class="c2">(56)</span>. <span class="c2">(7)</span> من حديث ثوبان أخرجه الطبراني في "الأوسط" <span class="c2">(1184)</span>. ورُوي من حديث ابن عباس عند أحمد <span class="c2">(3281)</span>، ومن حديث أبي هريرة عند النسائي <span class="c2">(4199)</span> وأحمد <span class="c2">(7954)</span>.</p><p class="rtl left" id="p363"><span class="c2">(15/120)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p364">صلى الله عليه وآله وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُه" <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> "من غَشّنا فليس منّا" <span class="c2">(2)</span> إلى غير ذلك. 15 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "هو حديث المحاقلة أخرجه مسلم" <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> في باب كِراء الأرض بالطعام <span class="c2">(5)</span>، وأخرج له عدة متابعاتٍ، وشواهد. <span class="c5">[ص 4]</span> 16 -<span class="c6"> قال مسلم:</span> "وأسند حُميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث" <span class="c2">(6)</span>.<span class="c6"> قال النووي:</span> "من هذه الأحاديث: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" أخرجه مسلم".<span class="c6"> ثم ذكر عن الحميدي:</span> أنه ليس للحميري عن أبي هريرة في الصحيح غيره،<span class="c6"> قال النووي:</span> "وربما اشتبه بحُميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وقد رَوَيَا له في "الصحيحين" أحاديث كثيرة ... وليس للحميري عن أبي هريرة أيضًا _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(2442)</span>، ومسلم <span class="c2">(2580)</span> من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. <span class="c2">(2)</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(101)</span> من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. <span class="c2">(3)</span> مقدمة الصحيح: <span class="c2">(1/ 35)</span>. <span class="c2">(4)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 142)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(1547)</span>. <span class="c2">(6)</span> مقدمة صحيح مسلم: <span class="c2">(1/ 35)</span>.</p><p class="rtl left" id="p365"><span class="c2">(15/121)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p366">في سنن أبي داود والترمذي والنسائي غير هذا الحديث" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> ولم أرَ له في حديث أبي هريرة من "مسند أحمد" على طوله غير هذا الحديث على ما فيه. قال مسلم في <span class="c2">(باب: فضل صوم المحرم)</span>، والترمذي في <span class="c2">(باب: ما جاء في صوم المحرم)</span>، والنسائي في <span class="c2">(باب: فضل صلاة الليل)</span> <span class="c2">(2)</span>: "حدَّثنا <span class="c2">(وقال النسائي: أخبرنا)</span> قتيبة <span class="c2">(زاد مسلمٌ والنسائي: ابن سعيدٍ)</span>، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حُميد بن عبد الرحمن <span class="c2">(الحميري، كذا قال مسلم والترمذي،<span class="c6"> أما النسائي فقال:</span> هو ابن عوفٍ)</span> عن أبي هريرة". وقال أبو داود <span class="c2">(3)</span>: <span class="c2">(باب: في صوم المحرّم)</span>: "حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد،<span class="c6"> قالا:</span> ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة". وقال أحمد في "المسند" <span class="c2">(3/ 344)</span> <span class="c2">(4)</span>: "ثنا عفان، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن، حُميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة". وأخرجه النسائي <span class="c2">(5)</span> عن سويد بن نصر، عن عبد الله، عن شعبة، عن أبي بشرٍ جعفر بن أبي وحشيَّة،<span class="c6"> أنه سمع حُميد بن عبد الرحمن يقول:</span> قال _________ <span class="c2">(1)</span> شرح مسلم: <span class="c2">(1/ 143)</span>. <span class="c2">(2)</span> مسلم: <span class="c2">(2/ 821)</span>،<span class="c6"> والترمذي:</span> <span class="c2">(3/ 117)</span>،<span class="c6"> والنسائي:</span> <span class="c2">(3/ 206)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 298)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(8534)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(1614)</span>.</p><p class="rtl left" id="p367"><span class="c2">(15/122)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p368">رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... "،<span class="c6"> قال النسائي:</span> "أرسله شعبة". ورواه أحمد <span class="c2">(2/ 535)</span> <span class="c2">(1)</span>: عن أبي الوليد الطيالسي، عن أبي عوانة، عن عبد الملك، عن حُميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. ورواه البيهقي في "السنن" <span class="c2">(4/ 291)</span> من طريق "مسدَّدٍ، ثنا أبو عَوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن محمد بن المُنتَشِر، عن حُميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة". وقد رواه مسلم <span class="c2">(2)</span> أيضًا من طريق جرير، عن عبد الملك بن عُمير، عن محمد بن المنتشر، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، ومن طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير،<span class="c6"> قال مسلم:</span> "بهذا الإسناد في ذكر الصيام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثله". وقد أخرجه ابن ماجه <span class="c2">(3)</span> من طريق "زائدة عن عبد الملك بن عمير، عن محمد بن المنتشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري،<span class="c6"> عن أبي هريرة قال:</span> جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -،<span class="c6"> فقال:</span> أيُّ الصيام أفضلُ بعد شهر رمضان؟<span class="c6"> قال:</span> شهر الله الذي تدعونه المحرَّم".<span class="c6"> قال البيهقي:</span> "وخالفهم في إسناده عبيد الله بن عمرو الرَّقيُّ" ثم ساقه من طريق الربيع بن نافع، عن عبيد الله، عن عبد الملك بن عمير، عن جندب بن سفيان البجلي،<span class="c6"> قال:</span> كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول، فذكره. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(10915)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1163/ 203)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1742)</span>.</p><p class="rtl left" id="p369"><span class="c2">(15/123)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p370">أقول: ورجاله ثقات، ويمكن أن يكون شعبة ــ والله أعلم ــ إنما أرسله لهذا الاختلاف. وقال البخاري في "التاريخ" <span class="c2">(1/ 2/343)</span>: "حُميد بن عبد الرحمن الحميري البصري عن أبي هريرة وابن عباس ... ".<span class="c6"> أقول:</span> وفي الحديث نظرٌ من وجوه: الأول: ما ذكره مسلم من أنه لا يعلم لـ"حميد الحميري" لقاءٌ لأبي هريرة.<span class="c6"> الثاني:</span> ما سمعتَ من الاختلاف.<span class="c6"> والثالث:</span> أنه لا يُتابَعُ عن أبي هريرة، ولا عن جُندب، مع ما لأبي هريرة من الأصحاب الحفاظ المكثرين.<span class="c6"> الرابع:</span> أنه بالنسبة إلى الصوم ليس له شاهدٌ ــ فيما أعلم ــ إلَّا ما رواه الترمذي <span class="c2">(1)</span> من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد عن علي،<span class="c6"> وقال الترمذي:</span> "حسن غريب" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وعبد الرحمن بن إسحاق هو:</span> ابن شيبةَ الواسطيِّ،<span class="c6"> قال أحمد:</span> ويحيى: "ليس بشيء"،<span class="c6"> وقال أحمد وغيره:</span> "منكر الحديث"،<span class="c6"> وقال مرة:</span> "ليس بذاك، وهو الذي يُحدّثُ عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير"، وضعَّفه غيرهم أيضًا. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2527)</span>. <span class="c2">(2)</span> وفي نسخة "غريب" فقط.</p><p class="rtl left" id="p371"><span class="c2">(15/124)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p372">والنعمان بن سعدٍ تفرَّد عنه عبد الرحمن بن إسحاق، فيما قال أبو حاتم <span class="c2">(1)</span>، وكذا قال البخاري <span class="c2">(4/ 3/77)</span>، كما ثبت في بعض نسخ "التاريخ". قال ابن حجر في "التهذيب" <span class="c2">(2)</span>: "والراوي عنه ضعيف فلا يحتجُّ بخبره".<span class="c6"> أقول:</span> وذكره ابن حبان في "الثقات" <span class="c2">(3)</span> والثقة عنده: مَن روى عن ثقة، وروى عنه ثقة، ولم يروِ منكرًا. وهذا الشرط مع تساهله مفقودٌ هنا؛ لأنّ الراوي عنه غير ثقة، وروى عنه المناكير، كما مرَّ.<span class="c6"> الخامسُ:</span> أن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يصومُ شهرًا كاملًا إلا أنه كان يكثرُ الصيامَ في شعبان، والله أعلم. _________ <span class="c2">(1)</span> "الجرح والتعديل": <span class="c2">(8/ 446)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(10/ 453)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(5/ 472)</span>.</p><p class="rtl left" id="p373"><span class="c2">(15/125)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p21"><a id="t21" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t21">الرسالة السادسة رسالة في الصيغ المحتملة للتدليس أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟</a></h2><p class="rtl left" id="p374"><span class="c2">(15/127)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p375">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ما قولكم ــ رحمكم الله ــ في قول المحدث: "عن فلان" أو "قال فلان" أو "ذكر فلان" ونحوها من الصِّيَغ المحتملة للتدليس، أظاهرةٌ هي في السماع أم لا؟<span class="c6"> فإن قلتم:</span> نعم، فيلزم من ذلك أن يكون المتكلّم بها مريدًا خلافَ ظاهرها، كاذبًا إذا لم ينصب قرينةً تصرفها عن ظاهرها؛ لما تقرَّر في موضعه <span class="c2">(1)</span>: أن نيّة التورية بدون قرينة لا تُخرج الكلامَ عن كونه كذبًا. وليس هذا من المواضع التي رُخِّص في الكذب مع التورية فيها ولا يشبهها؛ لأن الكذب فيها لدفع مضرَّة ولا تترتّب عليه مفسدة، وما هنا ليس كذلك؛ لأن المفسدة قائمة وهي ظنّ السامع الحديثَ صحيحًا، فيحلّ به الحرام ويحرم الحلالَ. وإذا ثبت هذا لزم أن يكون التدليس جرحًا.<span class="c6"> فإن قلتم:</span> إن المدلِّس إذا اشتهر بالتدليس صارت هذه الصِّيَغ غير ظاهرةٍ في السماع بالنسبة إليه، وهذه قرينةٌ كافية، لأن الكلام يكون معها محتملًا فيخرج عن الكذب حتمًا.<span class="c6"> قيل:</span> نعم ولكن ما حصلت هذه القرينة إلا بعد أن وقع منه التدليس مرارًا، فقد دلَّس مرارًا قبل أن تحصل القرينة بمعرفة عادته، وهذا كافٍ في الجرح. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر رسالة "أحكام الكذب" للمؤلف ضمن مجموع رسائل أصول الفقه.</p><p class="rtl left" id="p376"><span class="c2">(15/129)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p377">على أنه بعد أن عُرِفت عادتُه، كثيرًا ما يقع أن يسمع منه مَن لم يعرف عادتَه من الغرباء ونحوهم <span class="c5">[ص 2]</span> وربما كان يحضر حَلْقة المحدِّث مائة ألف أو أكثر. وإذا راجعنا تراجم المدلسين من كتب الرجال وجدنا الرجلَ منهم قد يوثِّقه جماعة ولا يذكرون التدليس، وإنما يذكره واحد أو اثنان، وذلك قاضٍ بأنه لم يكن مشهورًا بالتدليس الشهرةَ الكافية. ولا يظهر كبيرُ فرقٍ بين من يدلس عن الضعفاء مطلقًا كبقية بن الوليد ومَن لا يدلّس إلا عن ثقة عنده، ومَن لا يدلّس إلا عن ثقة متفق عليه، كسفيان بن عُيينة. أما الثاني فلأنّ الثقة عنده قد يكون مجروحًا عند غيره، فالمفسدة باقية وإن كانت أخفّ من الأول. وأما الثالث فلأن الثقات يتفاوتون في الحفظ والإتقان، ويظهر أثرُ ذلك عند التعارض، فإذا روى رجلٌ مكافئ لابن عُيينة حديثًا بالسماع من عَمرو بن دينار عن ابن عمر، وروى ابنُ عيينة حديثًا يعارضه عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة. فربما رجّح من يظن أن ابن عُيينة سمع الحديث من الزهري حديثَ الزهري، ويكون ابن عُيينة إنما سمع الحديث من عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، ولكنه دلَّسه. ولو علم المرجّح بهذا لرجّح حديث عَمرو بن دينار. نعم، إن مثل هذا قليل ولكن أصل الكذب باقٍ ولم تُدْفَع به مضرّة كما</p><p class="rtl left" id="p378"><span class="c2">(15/130)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p379">في الكذب على الزوجة ونحوه مما رخّص فيه، وإيهام العلوّ ليس فيه دفع مضرّة بل ولا جلب <span class="c5">[3]</span> مصلحة.<span class="c6"> وقد صدق الخطيب في قوله:</span> "وذلك خلاف موجب العدالة ومقتضى الديانة؛ من التواضع في طلب العلم، وترك الحميّة في الإخبار بأخذ العلم عمن أخذه" <span class="c2">(1)</span>. هذا،<span class="c6"> ويشتدّ الأمر فيمن كان يقول:</span> "حدثنا" ثم يسكت،<span class="c6"> ثم يقول:</span> "فلان ...<span class="c6"> " يريد:</span> قال فلان ولم يسمعه منه.<span class="c6"> ومَن كان يقول:</span> "حدثنا فلان وفلان" ولم يسمعه من الثاني إنما أراد: وقال فلان أو نحوه.<span class="c6"> ومَن كان يدلّس تدليس التسوية كالوليد بن مسلم فيقول:</span> "حدثنا الأوزاعي عن الزهري" مع أن الأوزاعي إنما رواه عن إبراهيم بن مرة عن الزهري، وإبراهيم بن مرة قد ضعَّفه الوليدُ نفسُه.<span class="c6"> وإن قلتم:</span> ليست الصيغة ظاهرةً في السماع، فإنه ينحلّ الإشكال المتقدّم، لكن يورد إشكال أشدّ منه، وهو أنهم صرَّحوا بأنها إذا صدرت ممن لم يوصف بالتدليس تُحْمَل على السماع، تحسينًا للظن بمن ثبتت عدالتُه.<span class="c6"> فيقال لهم:</span> الفَرْض أنها ليست ظاهرةً في السماع، وعليه فلا يكون إطلاقها مع عدم السماع قبيحًا ولا مكروهًا حتى يلزم من احتماله إساءة الظن بالراوي. وإذا ثبت هذا لم يبق حجة لحملها على السماع إلا في حق مَن ثبت _________ <span class="c2">(1)</span> "الكفاية" <span class="c2">(ص 358)</span>.</p><p class="rtl left" id="p380"><span class="c2">(15/131)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p381">أنه لم يكن يطلقها إلا إذا سمع كشعبة. وأما مَن لم يوصَف <span class="c5">[ص 4]</span> بالتدليس، ولا بِعَدَمِه ــ وهم غالب الرواة ــ فلا وجه لِحَمْلِها على السماع، سواء أثبتَ اللقاء أم لم يثبت.<span class="c6"> الجواب:</span> أننا نختار الشق الثاني، وهو أن الصيغة ليست ظاهرةً في السماع، ولكن كانت عادة أكثر السلف الاحتياط، بأن لا يذكر أحدُهم صيغةً تحتمل السماع وتحتمل خلافه إلا وقد سمع. وسلكَ المدلّسون مسلك التوسُّع، فمَن لم يكن يدلّس فهو محتاط ملتزم ما لو أخلَّ به لما أثِمَ، ومَن دلّس فهو غير محتاط ولكن لا يصدق عليه الكذب؛ لأن الصيغة في نفسها محتملة الأمرين على السواء. ثم إن أئمة الحديث تتبّعوا الرواة وفتَّشوا عن أحوالهم، فمَن عثروا منه على ترك ذلك الاحتياط أخبروا الناس بأنه مدلّس، ومَن لم يجدوه أخلَّ بها أصلًا اقتصروا على تعديله وتوثيقه والثناء عليه. وبهذا التقرير سلم المدلِّسون من الكذب، وثبت أن من كَثُرت مخالطةُ المحدّثين له والسماع منه، ولم يصفوه بالتدليس= فهو ممن لم يكن يطلق الصِّيَغ المتقدمة إلّا للسماع، ما لم تكن هناك قرينة واضحة كالعلم بأنه لم يدرك مَن حَكى عنه. فيبقى من لم يرو إلّا بضعةَ أحاديث ولم يُعْنَ أئمة الحديث بامتحانه. ومثل هذا إن كان قد عدّله بعضُ أئمة الحديث فالظنّ بالمعدّل أنه قد احتاط حتى عرف أن ذلك الشيخ لا يدلّس، والظن بذلك الشيخ أنه يحتاط كما كان أكثر الرواة يحتاطون، ولو لم يكن إلا الحَمْل على الغالب لكفى.</p><p class="rtl left" id="p382"><span class="c2">(15/132)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p383"><span class="c5">[ص 5]</span> وههنا فائدة مغفولٌ عنها <span class="c2">(1)</span> <span class="c5">[وهي أن "عن" المتكررة في]</span> <span class="c2">(2)</span> ثاني حديث في "صحيح البخاري" <span class="c2">(3)</span> وهو قوله: "حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة" جرى علماء المصطلح في نحو ذلك على أن كلمة "عن" الأولى من لفظ مالك، والثانية من لفظ هشام، والثالثة من لفظ عروة.<span class="c6"> ولذلك يقولون:</span> إن المدلّس إذا عنعن لم يكن حجة. وغير ذلك مما تجده في فصل التدليس من "فتح المغيث" <span class="c2">(4)</span> وغيره.<span class="c6"> وهو عندي سهو وإنما الأُولى من قول عبد الله بن يوسف متعلّقة بقوله:</span> "أخبرنا"، والثانية والثالثة محتملتان، فيحتمل أن تكونان <span class="c2">(5)</span> أيضًا من قول عبد الله بن يوسف،<span class="c6"> ويكون التقدير هكذا:</span> "أخبرنا مالك عن هشام أنه أخبره <span class="c2">(عن أبيه)</span> أنه أخبره <span class="c2">(عن عائشة)</span>.<span class="c6"> ويحتمل أن يكون هكذا:</span> " ...<span class="c6"> عن هشام قال:</span> أخبرنا هشام <span class="c2">(عن أبيه)</span> قال: أخبرني أبي <span class="c2">(عن عائشة)</span>.<span class="c6"> ويحتمل أن يكون مالك ابتدأ وقال:</span> "هشام ... " وقِسْ عليه. _________ <span class="c2">(1)</span> ذكر المؤلف هذا المبحث في "التنكيل": <span class="c2">(1/ 142 - 144)</span>. <span class="c2">(2)</span> ضرب المؤلف على ما بين القوسين، ربما أملًا في صياغةٍ جديدة للعبارة لكنه ذهل عن كتابتها فأبقيتها من أجل السياق. <span class="c2">(3)</span> رقم <span class="c2">(2)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 208 فما بعدها)</span>.<span class="c6"> وانظر "تدريب الراوي":</span> <span class="c2">(1/ 256 فما بعدها)</span>. <span class="c2">(5)</span> كذا،<span class="c6"> والوجه:</span> "أن تكونا".</p><p class="rtl left" id="p384"><span class="c2">(15/133)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p385">ولم يكن أحدٌ من المدلسين يقول في ابتداء الحديث: "عن فلان". ولكن كانوا كثيرًا ما يبتدئون بالاسم، كما تجد أمثلته في فصل التدليس من "فتح المغيث" <span class="c2">(1)</span>، واعترف بكثرته، وقد اطّلعتُ على أمثلةٍ أخرى،<span class="c6"> ولم أجد مثالًا واحدًا أن أحدًا من المدلسين أو غيرهم ابتدأ بقوله:</span> "عن فلان".<span class="c6"> وهذا السهو لا يُغيّر حكمًا ولكن ما حقّقتُه يساعد على ما قدّمته:</span> أن الصيغة غير ظاهرة <span class="c5">[ص 6]</span> في السماع، وذلك أن قول ابن عُيينة مثلًا "الزهري ... " <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 208 - 229)</span>. <span class="c2">(2)</span> هنا انتهى ما وُجد من هذه الرسالة، وترك المؤلف باقي ص 6 بياضًا.</p><p class="rtl left" id="p386"><span class="c2">(15/134)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p387">فائدة <span class="c2">(1)</span>: قد ترِدُ <span class="c2">(عن)</span> ولا يُقصد بها الرواية، بل يكون المراد سياق قصَّة، سواء أدركها <span class="c5">[أو لم يُدركها]</span> <span class="c2">(2)</span>، ويكون هناك شيء محذوف تقديره "عن قصة فلان" وله أمثلة كثيرة،<span class="c6"> مِن أَبْيَنِها:</span> ما رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه": ثنا أبي ثنا أبو بكر بن عياش ثنا أبو إسحاق ــ هو السبيعي ــ عن أبي الأحوص ــ يعني عوف بن مالك ــ أنَّه خرج عليه خوارج فقتلوه.<span class="c6"> قال شيخنا:</span> فهذا لم يردْ أبو إسحاق بقوله "عن أبي الأحوص" أنه أخبره به <span class="c5">[ص 15]</span> وإن كان قد لقيه وسمع منه، لأنه يستحيل أن يكون حدثه به بعد قتله، وإنما المراد على حذف مضاف تقديره "عن قصة أبي الأحوص". وقد روى ذلك النسائي في "الكنى" <span class="c2">(3)</span>: من طريق يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش سمعت أبا إسحاق يقول: خرج أبو الأحوص إلى الخوارج فقاتلهم فقتلوه. ولذا قال موسى بن هارون ــ فيما نقله ابن عبد البر في "التمهيد" <span class="c2">(4)</span> عنه ــ: كان المشيخة الأولى جائزًا عندهم أن يقولوا: "عن فلان" ولا يريدون بذلك الرواية، وإنما معناه "عن قصة فلان" اهـ. _________ <span class="c2">(1)</span> من "فتح المغيث": <span class="c2">(1/ 194)</span>. <span class="c2">(2)</span> الاستدراك من "فتح المغيث": <span class="c2">(1/ 194)</span>. <span class="c2">(3)</span> عزاه أيضًا إلى "الكنى" الحافظ في "التهذيب": <span class="c2">(8/ 169)</span>.<span class="c6"> وهو في "السنن الكبرى":</span> <span class="c2">(8517)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(23/ 343)</span>.</p><p class="rtl left" id="p388"><span class="c2">(15/135)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p389">ابن الصلاح <span class="c2">(1)</span>: إنَّ <span class="c2">(التدليس)</span> رواية الراوي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه موهمًا أنّه سمعه منه، أو عمّن عاصره ولم يلقه موهمًا أنّه قد لقيه وسمعه اهـ. <span class="c2">(وفرَّق الجمهور فسمَّوا الثاني: الإرسال الخفي)</span>. قال الحافظ أبو الحسن بن القطان في "بيان الوهم والإيهام" <span class="c2">(2)</span> له قال: "والفرق بينه وبين الإرسال: هو أن الإرسال روايته عمَّن لم يسمع منه ... " وارتضاه شيخنا لتضمنه الفرق بين النوعين، وخالف شيخه في ارتضائه هذا من شرحه <span class="c2">(3)</span> حَدَّ ابن الصلاح، وفي قوله في "التقييد" <span class="c2">(4)</span>: إنه المشهور بين أهل الحديث.<span class="c6"> وقال:</span> إن كلام الخطيب في "كفايته" يؤيِّد ما قاله ابن القطان.<span class="c6"> قلت:</span> وعبارته فيها: هو تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلَّسه عنه بروايته إياه على وجهٍ أنه سمعه منه، ويعدل عن البيان لذلك <span class="c2">(5)</span>.<span class="c6"> قال:</span> "ولو بيَّن أنَّه لم يسمعه من الشيخ الذي دلَّسه عنه وكشف ذلك لصار بيانه مرسلًا للحديث غير مدلس فيه؛ لأنّ الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه، و <span class="c2">(لا)</span> <span class="c2">(6)</span> مُلاقيًا لمن لَمْ _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 73)</span>.<span class="c6"> والنقل من "فتح المغيث":</span> <span class="c2">(1/ 208 - 209)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(5/ 493)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر <span class="c2">(ص 73 - 75)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 452)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 358)</span> وفيه: "بذلك". <span class="c2">(6)</span> في الأصل: "ما"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا منه لهذا الحرف.<span class="c6"> وفي "فتح المغيث":</span> <span class="c2">(1/ 209)</span> بدونها، والنص مستقيم بلا إضافة.</p><p class="rtl left" id="p390"><span class="c2">(15/136)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p391">يلْقه؛ إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة. وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط، وهو المُوهِنُ لأمره، فوجب كون التدليس متضمِّنًا للإرسال، <span class="c5">[ص 18]</span> والإرسال لا يتضَمَّن التدليس، لأنّه لا يقتضي إيهام السَّماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذمّ العلماء من أرسل،<span class="c6"> يعني:</span> لظهور السقط وذمُّوا من دلّس". وأصرح منه قول <span class="c2">(ابن)</span> عبد البر في "التمهيد" <span class="c2">(1)</span>: "التدليس عند جماعتهم اتفاقًا هو: أن يروي عمَّن لقيه وسمع منه وحدّث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه ممن تُرضى حاله أو لا تُرضى. على أنَّ الأغلب في ذلك أنه لو كانت حاله مرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره".<span class="c6"> قال:</span> وأما حديث الرجل عمّن لم يلقه كمالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي،<span class="c6"> فاختلفوا فيه:</span> فقالت فرقة: إنَّه تدليس ...<span class="c6"> وقالت:</span> طائفة من أهل الحديث: إنما هو إرسال ...<span class="c6"> قال:</span> وإن كان هذا تدليسًا؛ فما أعلم أحدًا من العلماء قديمًا ولا حديثًا سلِمَ مِنه، إلا شعبة والقطان ... انتهى. وكلامه بالنظر لما اعتمده يُشير أيضًا إلى الفرق بين التدليس والإرسال _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 15)</span>.</p><p class="rtl left" id="p392"><span class="c2">(15/137)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p393">الخفي والجليّ، لإدراك مالك لسعيد في الجملة، وعدم إدراك الثوري للنخعي أصلًا ... صرَّح في مكان آخر فيه <span class="c2">(1)</span> بذمّه في غير الثقة فقال: ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقة، فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث، وكذلك إن حدَّث عمَّن لم يسمع منه، فقد جاوز حدَّ التدليس الذي رخَّص فيه مَنْ رخَّص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمُّونه ولا يحمدونه. وسبقه لذلك يعقوب بن شيبة كما حكاه الخطيب عنه <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> وهو مع قوله في موضع آخر:</span> إنّه إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح <span class="c2">(وأشنع)</span> <span class="c2">(3)</span>. يقتضي أن الإرسال أشد، بخلاف الأول فهو مشعر بأنه أخف فكأنّه <span class="c2">(هنا)</span> <span class="c2">(4)</span> عيَّن <span class="c2">(5)</span> الخفيّ لما فيه من إيهام اللقي والسماع معًا، وهناك عين الجليّ لعدم الالتباس فيه ... <span class="c2">(6)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 28)</span>. <span class="c2">(2)</span> في "الكفاية" <span class="c2">(ص 362)</span>. <span class="c2">(3)</span> في الأصل: "واسمع"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا لهذه الكلمة.<span class="c6"> والذي في "فتح المغيث":</span> "وأسْمَج". <span class="c2">(4)</span> في الأصل: "هذا"، ووضع المؤلف بجوارها ما هو مثبت؛ تصحيحًا لهذا الحرف. وفي "فتح المغيث" على الصواب. <span class="c2">(5)</span> في "الفتح": "عنى" في الموضعين. <span class="c2">(6)</span> "فتح المغيث": <span class="c2">(1/ 211)</span>.</p><p class="rtl left" id="p394"><span class="c2">(15/138)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p395">"مسند أحمد" <span class="c2">(1)</span>: يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم قال: قلت لمِقْسَم: أُوتر بثلاثٍ ثم أخرج إلى الصلاة مخافة أن تفوتني؟<span class="c6"> قال:</span> لا وَتْر إلا بخمس أو سبع.<span class="c6"> قال:</span> فذكرت ذلك ليحيى بن الجزَّار ومجاهد فقالا لي: سلْه عمَّن؟ فقلت له.<span class="c6"> فقال:</span> عن الثقة، عن عائشة وميمونة <span class="c5">[عن النبي - صلى الله عليه وسلم -]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(25616)</span>.</p><p class="rtl left" id="p396"><span class="c2">(15/139)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p22"><a id="t22" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t22">الرسالة السابعة فوائد في كتاب <span class="c3">«العلل»</span> لابن أبي حاتم</a></h2><p class="rtl left" id="p397"><span class="c2">(15/141)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p398">فوائد في كتاب العلل - العمل بالضعيف في الدعاء. <a id="ref_13" class="anchor"></a><a href="#note_13" name="r_13" class="fnote">[<span>13</span>]</a> <span class="c2">(1)</span>. -<span class="c6"> إذا روى الرجلُ الحديثَ على وجهين:</span> تارةً كذا، وتارةً كذا، ثم رواه فجمعهما معًا دلَّ ذلك على صحتهما معًا. <span class="c5">[25، 469]</span>. - منكر. <span class="c5">[48، 53، 55، 73، 105، 108، 117، 130، 158، 166، 196، 197، 267، 416، 417، 437، 459، 467، 470، 472، 478، 480، 496]</span>. - تدليس ابن عيينة يَقْدَح؟ <a id="ref_60" class="anchor"></a><a href="#note_60" name="r_60" class="fnote">[<span>60</span>]</a>. - <span class="c3">«لو كان صحيحًا لكان في مصنفات ابن أبي عَروبة»</span>. قاله في حديث استنكره، رواه ابن عيينة، عن ابن أبي عَروبة. <a id="note_60" class="anchor"></a><a href="#ref_60" name="n_60" class="fnote_ref">[<span>60</span>]</a>. - أصحُّ حديثٍ في المسح على الخفّين. <span class="c5">[65]</span>. - دخل حديثٌ في حديثٍ. <span class="c5">[63، 86، 207، 226، 237، 245، 265، 319، 503]</span>. - <span class="c3">«لو أنَّ عروة سمع من عائشة لم يُدخل بينهم أحدًا، وهذا يدلُّ على وَهَنِ الحديث»</span> <span class="c5">[74]</span>. - <span class="c3">«يخرج فيبول فيمسحُ فيُقال له: الماءُ قريبٌ.<span class="c6"> فيقول:</span> ما أدري لعلِّي لا أبلغُ»</span> لا يصح في هذا الباب حديث. <span class="c5">[94]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> الرقم هنا وما سيأتي هو رقم الحديث الذي منه الفائدة، وهو من وضع المؤلف رحمه الله.</p><p class="rtl left" id="p399"><span class="c2">(15/143)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p400">-<span class="c6"> زيد العَمِّي يقال له:</span> زيد بن أسلم؟ <span class="c5">[100]</span>. - اختصار شعبةَ لحديثٍ <span class="c5">[107]</span>. -<span class="c6"> قول أبي حاتم:</span> الذي أرى أن يُذكر الله على كلِّ حالٍ على الكنيفِ وغيره <span class="c5">[124]</span>. - حميدة بنت عبيد بن رفاعة تُكنى أم يحيى. <span class="c5">[126]</span>. - ليس في <span class="c3">«إسباغُ الوضوءِ يزيد في العمر»</span> حديثٌ صحيحٌ. <span class="c5">[128]</span>. - إبراهيم بن طهمان قد يَصِلُ الحديثَ في كلامه لا يُمَيّزِه المُسْتَمعُ. <span class="c5">[170]</span>. - سببُ الخطأ في حديثٍ. <span class="c5">[207، 226، 237، 245، 265]</span>. - <span class="c3">«فلو كان عند ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة لم يُحَدِّث به عن محمد بن عَمرو، عن مَلِيح، عن أبي هريرة»</span>. <span class="c5">[223]</span>. - بعضُ أصحابِ قتادةَ وتفاضلهم. <span class="c5">[228]</span>. - سببُ الخطأ في حديث. <span class="c5">[236]</span>. - سببُ الخطأ في حديث. <span class="c5">[237]</span>. - لم يَضبِط هذا الحديث، وكان ثِقَةً. <a id="ref_239" class="anchor"></a><a href="#note_239" name="r_239" class="fnote">[<span>239</span>]</a>. - من وجوه الإنكار. <a id="note_239" class="anchor"></a><a href="#ref_239" name="n_239" class="fnote_ref">[<span>239</span>]</a>. -<span class="c5">[ص 2]</span> يتعلق برواية الليث، عن سعيد بن أبي هلال. <span class="c5">[240]</span>. - هذا زادَ رجلًا، وذاك نقص رجلًا، وكلاهما صحيحين <span class="c2">(1)</span>؟ <span class="c5">[241]</span>. - حديثُ قتيبة في الجمع. <span class="c5">[245]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> كذا،<span class="c6"> والوجه:</span> <span class="c3">«صحيحان»</span>.</p><p class="rtl left" id="p401"><span class="c2">(15/144)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p402">- حكمٌ من الأحكام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يُشاركه فيه أحدٌ؟ <span class="c5">[248]</span>. - عبد الملك بن أبي سليمان لم يرو عن نافع. <span class="c5">[253]</span>. - الحسن بن عياش. <span class="c5">[256]</span>. - الثوري. <span class="c5">[258]</span>. - لولا أنهم سمعوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانوا يقولونه. <span class="c5">[270]</span>. - الحِمَّاني، عن علي بن سويد، عن نُفَيْع. علي بن سويد هنا هو مُعَلَّى بن هلال بن سويد. <span class="c5">[286]</span>. - محمد بن مسلم بن أبي الوَضَّاح، عن زكريا، عن الشعبي. زكريا هو ابن حكيم الحَبَطي ليس هو ابن أبي زائدة. <span class="c5">[295]</span>. - أبان العطار، عن قتادة، عن أبي سعيد ــ من أَزْدِ شَنُوءَةَ ــ،<span class="c6"> عن أبي هريرة:</span> أوصاني خليلي بثلاثٍ. ورواه سعيد بن أبي عَروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي هريرة.<span class="c6"> قال أبو زرعة وأبو حاتم:</span> سعيد أحفظهم. <span class="c5">[297]</span>. [نعم،<span class="c6"> ولكن لعل قتادة:</span> <span class="c3">«ثنا أبو سعيد»</span> فحَسِبَه ابن أبي عروبة <span class="c3">«الحسن البصري»</span>؛ لأنَّ كنيته <span class="c3">«أبو سعيد»</span>] <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> كتب الشيخ هذا التعقيب بين معكوفين. وقد وضعنا تعليقات الشيخ بعده بين معكوفات.</p><p class="rtl left" id="p403"><span class="c2">(15/145)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p404">- <span class="c3">«فكيف سمع عطاءٌ من ابن عمر، وهو قد سمِعَ من سعد بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن قيس بن عمرو ... »</span>. <span class="c5">[309]</span>. <span class="c5">[كأنه يعني أن رواية عطاءٍ للحديث نازلًا تدل أنه ليس عنده عن ابن عمر، وإلَّا لاجتزأ به]</span>. - المتصلُ أشبه؛ لأنه اتفق اثنان. <span class="c5">[330]</span>. - موقوفٌ أصَحُّ، لا يجيءُ مثل هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. <span class="c5">[334]</span>. - شريكُ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال <span class="c2">(1)</span>: <span class="c3">«كان لا يُداري ولا يُماري»</span> مَن هو؟ <span class="c5">[350]</span>. - اضطرابُ يونسَ في حديث، وتصحيح رواية ابن المبارك عنه. <span class="c5">[357، 358]</span>. - <span class="c3">«هذا حديث كذب، لا أصل له، ومحمد بن الصلت لا بأس به، كَتَبْتُ عنه»</span>. <span class="c5">[374]</span>. -<span class="c5">[ص 3]</span> <span class="c3">«لو كان عند قيس، عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يُحَدِّث عن عمر، موقوف»</span>. <span class="c5">[376]</span>. -<span class="c6"> قول ابن معين:</span> <span class="c3">«أنا نظرت في كتاب إسحاق، فليس فيه هذا»</span>.<span class="c6"> ورَدَّ أبي حاتم بقوله:</span> <span class="c3">«كيف نظر في كتبه كله، إنما نظر في بعضٍ، وربما كان في موضعٍ آخر»</span>. <span class="c5">[378]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> في الأصل <span class="c3">«كان»</span> سبق قلم. والمقصود قول الشريك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.</p><p class="rtl left" id="p405"><span class="c2">(15/146)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p406">- النكارةُ للتفرد. <span class="c5">[391]</span>. - حديث استحبَّ إسحاق بن راهويَه العمل به،<span class="c6"> وقال أبو حاتم:</span> إنه <span class="c3">«باطل موضوع»</span>. <span class="c5">[410]</span>. - مدرج. <span class="c5">[419]</span>. - وقع في سند <span class="c2">(أبو إسحاق الفَزَاري)</span> قال أبو حاتم: <span class="c3">«هذا خطأ، إنما هو أبو إسحاق الحجازي، وهو عندي إبراهيم بن أبي يحيى»</span>. <span class="c5">[420]</span>. - إسماعيل بن عياش، عن ثعلبة بن مسلم الخَثْعَمِي، عن نافع سألتُ عائشة. نافع هو مولى ابن عمر. <span class="c5">[423]</span>. - جعل إسنادين في إسنادٍ. <span class="c5">[424]</span>. - زيادة <span class="c3">«وإذا قرأ فأنصتوا»</span> غير محفوظة. <span class="c5">[465]</span>. - باطل بهذا الإسناد. <span class="c5">[473]</span>. - منكر بهذا الإسناد. <span class="c5">[478]</span>. - <span class="c3">«كان الوليدُ صنَّف كتابَ الصلاةِ، وليس فيه هذا الحديث»</span>. <span class="c5">[487]</span>. - <span class="c3">«قلتُ لأبي: لِمَ حَكمتَ لرواية ابن لهيعة؟<span class="c6"> فقال:</span> لأنَّ في رواية ابن لهيعة زيادةَ رجلٍ، ولو كان نقصانُ رجلٍ كان أسهل على ابن لهيعة حفظه»</span>. <a id="note_488" class="anchor"></a><a href="#ref_488" name="n_488" class="fnote_ref">[<span>488</span>]</a>.</p><p class="rtl left" id="p407"><span class="c2">(15/147)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p408">- <span class="c2">(1)</span> حديث عِراك بن مالك عن عائشة: <span class="c3">«حوّلوا مقعدي إلى القبلة»</span> موقوف. <span class="c5">[50]</span>. - مكان القلم من أُذُن الكاتب. <span class="c5">[141]</span>. - <span class="c3">«أحلوا حلاله وحرِّموا حرامه»</span>. <a id="note_1410" class="anchor"></a><a href="#ref_1410" name="n_1410" class="fnote_ref">[<span>1410</span>]</a>. - كيفية الغلط. <span class="c5">[1667]</span>. -<span class="c6"> قول أبي حاتم:</span> <span class="c3">«حسن»</span>. <span class="c5">[1676]</span>. - <span class="c3">«يُشَرِّفون المترَفين»</span>. <span class="c5">[1856]</span>. - وحسَّن صورته. <span class="c5">[1858]</span>. - معاوية بن يحيى الأطرَابُلُسي أيدلّس؟ <span class="c5">[1892]</span>. - محمد بن مصعب وَهِمَ في معنى الحديث. <span class="c5">[1897]</span>. - هشام بن عمار وصورة التلقين. <span class="c5">[1899، 1482، 1576، 2615]</span>. - محمد بن يزيد الأسلمي. <span class="c5">[1902]</span>. - محمد بن أبي يحيى الأسلمي= محمد بن فُلَيح. <span class="c5">[2311]</span>. - خطأ شديد من شريك. <span class="c5">[2319]</span>. - تدليس بقيَّة للموضوعات،<span class="c6"> ومنها:</span> حديث <span class="c3">«النظر إلى الفرج»</span>، و <span class="c3">«من أصيب بمصيبة»</span>، و <span class="c3">«لا تأكلوا بهاتين، ولكن كلوا بثلاث»</span>. ثلاثة أحاديث موضوعة من تدليس بقية. <span class="c5">[2394]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> هذه الفوائد قيَّدها الشيخ على غلاف نسخته من العلل.</p><p class="rtl left" id="p409"><span class="c2">(15/148)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p410">- <span class="c3">«من خضب بالسواد»</span>. <span class="c5">[2411]</span>. - زيادة الحافظ على الحافظ تُقبل. <span class="c5">[2416]</span>. - <span class="c3">«إذا بلغكم عني حديث»</span>. <span class="c5">[2445]</span>. - حديث غلط، خفي على أحمد. <span class="c5">[2451]</span>. - <span class="c3">«أنا سابق العرب»</span>. <span class="c5">[2577]</span>. - سلوك الجادة. <span class="c5">[2582]</span>. - دَوْس. <span class="c5">[2592]</span>. - معاوية. <span class="c5">[2594، 2601، 2634]</span>. - زهير بن العلاء. <span class="c5">[2616]</span>. - من أعاجيب الغلط. <span class="c5">[2622]</span>. - إسماعيل بن عياش وابنه. <span class="c5">[2637]</span>. - العرب. <span class="c5">[2641]</span>. - مِنْ تدليس ابن عيينة. <span class="c5">[2648]</span>. - عبد الرحمن بن مَغْراء. <span class="c5">[2657]</span>. - <span class="c3">«ادعي لي»</span>. <span class="c5">[2660]</span>. - <span class="c3">«أقدمكم سِلْمًا»</span>. <span class="c5">[2664]</span>. - <span class="c3">«وأَخبِرْه أنه يلي الأمةَ من بعدي»</span>. <span class="c5">[2671]</span>.</p><p class="rtl left" id="p411"><span class="c2">(15/149)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p412">- <span class="c3">«لا تخبرهما يا عليّ»</span>. <span class="c5">[2677]</span>. - آخى بين نفسه وبين عليّ. <span class="c5">[2678]</span>. - <span class="c3">«سُدُّوا هذه الأبواب»</span>. <span class="c5">[2672، 2657، 2661]</span>. - محمد بن كثير. <span class="c5">[2681]</span>. - حكاية للفَلَّاس مردودة. <span class="c5">[2731]</span>. - يَتثبَّت دُحيم دون سليمان بن عبد الرحمن، وهشام بن عمار، وهشام بن خالد. <span class="c5">[2462]</span>.</p><p class="rtl left" id="p413"><span class="c2">(15/150)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p23"><a id="t23" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t23">الرسالة الثامنة أحكام الحديث الضعيف</a></h2><p class="rtl left" id="p414"><span class="c2">(15/151)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p415">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد، فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف، جمعتُها لما رأيت ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه؛ فنَسَب بعضُهم إلى كبار الأئمة الاحتجاجَ به، ونَسَب غيرُه إلى الإجماع استحبابَ العمل به في فضائل الأعمال ونحوها، وتوسّع كثيرٌ من الناس في العمل به، حتى بنوا عليه كثيرًا من المحدَثات، وأكَّدوا العمل بها، وحافظوا عليها أبلغ جدًّا من محافظتهم على السنن الثابتات، بل والفرائض القطعيات. بل كثيرًا ما بنوا عليه عقائد مخالفة للبراهين القطعية من الكتاب والسنة والمعقول. ولم يقتصروا على الضعاف بل تناولوا الموضوعات. وأنكر جماعةٌ جواز العمل بالضعيف مطلقًا، حتى قال بعضهم كما نقله ابن حجر الهيتمي في "شرح الأربعين النووية" <span class="c2">(1)</span>: "إن الفضائل إنما تُتلقى من الشارع، فإثباتها بما ذُكِر اختراعُ عبادة وشَرْعٌ لما لم يأذن به الله". ومَن تأمل هذه العبارة وجدها تُنبئ أن إثبات الفضائل بالضعيف شرك؛ لأن شَرْع ما لم يأذن به الله كذلك،<span class="c6"> قال تعالى:</span> <span class="c4">{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}</span> <span class="c5">[الشورى: 21]</span>. وسيأتي تقرير هذا المعنى إن شاء الله تعالى <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 6)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 174 - 175)</span>.</p><p class="rtl left" id="p416"><span class="c2">(15/153)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p417">ومن المانعين القاضي أبو بكر ابن العربي، والمحقق الشاطبي صاحب <span class="c5">[ص 2]</span> كتاب "الموافقات" في أصول الفقه وغيره. ثم نصّ بعضُ الفقهاء الشافعية كالزركشي في مقدمة "الذهب الإبريز" <span class="c2">(1)</span> والخطيب الشربيني في "شرح المنهاج" <span class="c2">(2)</span> أن العمل بالحديث الضعيف جائز فقط لا مستحبّ، وردّه بعضهم كابن قاسم في "حواشيه على التحفة" <span class="c2">(3)</span> وأثبت الاستحباب. هذا، وقد نصّ النوويّ نفسُه في كتاب "الأذكار" <span class="c2">(4)</span> على الاستحباب. واستشكل جماعةٌ القولَ بالجواز أو الاستحباب مع الإجماع على أن الضعيف لا يثبت به حكم، والجواز والاستحباب من الأحكام الخمسة. وأُجيب من طرف القائلين بالجواز والاستحباب بأجوبةٍ عامّتها من قبيل ما عُرِف في الجدليّات من المطاولة وتشتيت ذهن الناظر، ليقْنَع بالتقليد الصِّرْف. وتلك المطاولة هي التي ألجأتني إلى تأليف رسالة مستقلة. وذلك أنني ألَّفت كتابًا <span class="c2">(5)</span> نبَّهتُ في مقدمته على الأمور التي يسلكُها كثير من المتأخرين في الاحتجاج وهي غير صالحةٍ لذلك، وذكرتُ من جملتها العمل بالضعيف، وحاولت أن أحقِّق الكلامَ فيه، فطال الكلام جدًّا قبل أن أستوفي البحث كما أحبّ، فآثرت إفراده برسالة مستقلة. _________ <span class="c2">(1)</span> في تخريج أحاديث فتح العزيز، لم يطبع بعد. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 62)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 240)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 8)</span>. <span class="c2">(5)</span> هو كتاب "العبادة" ذكر المؤلف فيه <span class="c2">(ص 669)</span> هذا البحث وأنه أفرده في رسالة.</p><p class="rtl left" id="p418"><span class="c2">(15/154)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p419">هذا، وبعد أن توسطت هذه الرسالة، ووجدتُ الكلام في هذه المسألة مرتبطًا بالكلام على البدع والمحْدَثات عزمتُ على إفراد رسالةٍ أخرى في تحقيق ما هي البدعة؟ <span class="c2">(1)</span> ومِن الله أستمدُّ التوفيق والعون بفضله وكرمه. _________ <span class="c2">(1)</span> طُبعت ضمن هذا المشروع المبارك ضمن الرسائل العقدية.</p><p class="rtl left" id="p420"><span class="c2">(15/155)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p421"><span class="c5">[ص 3]</span> فصل تعريف الضعيف مذكور في كتب المصطلح وغيرها فلا نطيل بذكره،<span class="c6"> وإنما ننبّه هنا على مهمّات:</span> الأولى: يُعْلَم من إمعان النظر في فصل "الحسن" من كتب الاصطلاح المطوّلة كـ "فتح المغيث" <span class="c2">(1)</span> أنه إنما استقرّ الاصطلاح على جَعْل الحسن قسمًا برأسه من الترمذي فمَنْ بعدَه. ويتحقق بذلك ما قاله بعض الأجلّة <span class="c2">(2)</span>: أن ما استقر الاصطلاح على تسميته بالحسن كان المتقدّمون يطلقون عليه تارةً "صحيح" وتارة "ضعيف".<span class="c6"> فإذا نظروا إليه من حيث هو صالح للحجة قالوا:</span> صحيح،<span class="c6"> وإذا نظروا إليه من حيث هو قريب مما لا يصلح للحجة قالوا:</span> ضعيف.<span class="c6"> ويقرُب من هذا ما قاله السخاوي:</span> "ينبغي أن تتأمل أقوال المزكّين ومخارجها،<span class="c6"> فقد يقولون:</span> فلان ثقة أو ضعيف، ولا يريدون به أنه ممن يُحتج بحديثه ولا ممن يُردّ، وإنما ذلك بالنسبة لمن قُرِن معه ... وعلى هذا يُحمل أكثر ما ورد من اختلاف كلام أئمة الجرح والتعديل". "فتح المغيث" ص 142 - 143 <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> الثانية:</span> إذا وجدنا مسألةً ذهب إليها إمام، وشاع أنه إنما استند إلى حديث ضعيف، لم يَجُز أن نَنْسب إليه أنه يرى الاحتجاج بالضعيف، بل _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 71 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(2)</span> لعله أراد الشيخ محمد تقي العثماني في مقدمة كتابه "فتح الملهم شرح مسلم". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 127)</span>.</p><p class="rtl left" id="p422"><span class="c2">(15/156)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p423">نقول: لعله ظن الحديث صحيحًا، إما لعدم علمه <span class="c5">[ص 4]</span> بجرح الراوي، وإما لأنه اعتضد عنده بدليلٍ قويّ عنده، إما بفهمه من القرآن، أو الأحاديث الثابتة، أو قياس، أو قول صحابيّ، أو إجماع ظنّه، أو عَمَل أهل بَلَدِه، أو غير ذلك.<span class="c6"> الثالثة:</span> إذا عَرَضتْ للمجتهد مسألة لم يجد لها دليلًا وإنما بلَغَه فيها حديثٌ ضعيف، فيجوز أن يؤدّيه اجتهاده إلى تصحيحه؛<span class="c6"> لأن أمامه ثلاثة احتمالات:</span> أحدها: أن تكون الشريعةُ أهملت هذه المسألة.<span class="c6"> الثاني:</span> أن الأمة أضاعت الدليلَ الخاصَّ بتلك المسألة.<span class="c6"> الثالث:</span> أن يكون هناك دليل محفوظ، ولكن خفي على المجتهد. والأوّلان باطلان فيتعيّن الثالث،<span class="c6"> وفيه احتمالان:</span> أحدهما: أن يكون ذلك الدليل غير هذا الضعيف ومخالفًا له.<span class="c6"> الثاني:</span> أن يكون هو ذلك الضعيف يُروى من طريق ثابتة، أو دليلًا آخر موافقًا له، والنظر يُساعد على ترجيح هذا الثاني. فعلى هذا لم يَبْقَ هذا الضعيف ضعيفًا عند المجتهد، بل ترقّى عنده إلى رتبة الحسن بهذا النظر. فتدبّر.<span class="c6"> الرابعة:</span> قد يكون نوع أو فرد من الحديث صحيحًا في نظر مجتهد وهو ضعيف عند غيره، فإذا احتجّ ذلك المجتهد بما هذا حاله من الحديث أو عَمِل به فإنما عمل بالصحيح <span class="c5">[ص 5]</span> في رأيه، فمِنَ الغفلة والمغالطة أن</p><p class="rtl left" id="p424"><span class="c2">(15/157)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p425">يُنسَب إليه أنه يعمل بالضعيف أو يُحتج بفعله على جواز العمل بالضعيف مطلقًا.<span class="c6"> الخامسة:</span> قد يكون نوع أو فرد من الحديث ضعيفًا عند مجتهد ضعفًا يسيرًا، فينصّ أنه إذا اعتضد بكذا <span class="c2">(ويذكر عاضدًا ضعيفًا)</span> صار حجةً، مع أنّ ذلك العاضد لا يُصَيّر كلَّ حديث ضعيف حجة عند ذلك المجتهد، وعلى هذا فلا يصح أن يُنسَب إلى ذلك المجتهد العمل بالضعيف. <span class="c5">[ص 6]</span> فصل نقل بعضُهم حكايةَ الإجماع على أن الأحكام لا تثبت بالضعيف، كما سيوافيك في كلام الدواني،<span class="c6"> وقد يخدش في ذلك أمور:</span> الأول: ما نُسِب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يحتج بالضعيف ويقدّمه على القياس <span class="c2">(1)</span>. ولم يُنقل عن أبي حنيفة نصّ بهذا على أنه أصل وقاعدة، وإنما حُكيت عنه مسائل ذهب إليها ولم يوجد لها دليل إلا حديث ضعيف مع مخالفتها للقياس. ولما كان المشهور عن أبي حنيفة أنه يقدّم القياس على الأحاديث الصحيحة،<span class="c6"> ولهذا سمّوه وأصحابَه "أهل الرأي" حاول بعض أتباعه أن يدفع هذا ويبالغ في نفيه فقال:</span> بل مذهب أبي حنيفة تقديم الحديث الضعيف على القياس، وحكى تلك المسائل،<span class="c6"> وأضاف إلى ذلك:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "أصول البزدوي" <span class="c2">(ص 5)</span>، و"الإحكام" <span class="c2">(7/ 54)</span> لابن حزم،<span class="c6"> و"إعلام الموقعين":</span> <span class="c2">(2/ 145)</span>.<span class="c6"> وانظر للمؤلف:</span> "التنكيل": <span class="c2">(1/ 37 - 40)</span>،<span class="c6"> و"تنزيه الإمام الشافعي":</span> <span class="c2">(ص 329 - 330 ضمن هذا المجموع)</span>.</p><p class="rtl left" id="p426"><span class="c2">(15/158)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p427">أن أصحاب أبي حنيفة مجمعون على أن مذهبه تقديم الضعيف على القياس، كأنه أراد أن جميع أصحابه ينقلون عنه تلك المسائل ويذكرون في الاستدلال لها تلك الأحاديث الضعيفة. وهذا كلّه مناورة، وقد عُلم جوابه من المهمّة الثانية <span class="c2">(1)</span>. ومن راجع أصول الحنفية تبيَّن له الصواب.<span class="c6"> الأمر الثاني:</span> ما نُقل عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه يحتج بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره <span class="c2">(2)</span>، وقد عُلِم جوابه من المهمّة الأولى <span class="c2">(3)</span>، وبذلك أجاب بعض المحققين من أتباعه. ويؤيّده أن الناقلين مثّلوا الضعيفَ الذي يأخذ به إذا لم يجد غيره <span class="c5">[ص 7]</span> بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو من قبيل الحسن عند أحمد، كما يظهر من كلامه فيه؛<span class="c6"> قال مرة في عَمْرو:</span> له أشياء مناكير وإنما يُكتب حديثُه يُعتبر به، فأما أن يكون حجةً فلا.<span class="c6"> وقال مرةً:</span> أنا أكتبُ حديثَه، وربما احتججنا به، وربما وَجَس في القلب منه شيء.<span class="c6"> وقال مرة:</span> أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإذا شاؤوا تركوه <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> وقال البخاري:</span> رأيت أحمد بن حنبل وعلي ابن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عُبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عَمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحدٌ _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 156)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "إعلام الموقعين": <span class="c2">(2/ 55 و 145 - 146)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 156)</span>. <span class="c2">(4)</span> انظر نصوص أحمد في "موسوعة أقوال أحمد في الرجال": <span class="c2">(3/ 99 - 100)</span>.</p><p class="rtl left" id="p428"><span class="c2">(15/159)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p429">من المسلمين <span class="c2">(1)</span>. "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(2)</span> ترجمة عَمرو.<span class="c6"> ويتلخّص من كلام أحمد:</span> أن حديث عَمرو ليس عنده بحجة مطلقًا وإنما يُحتج بأحاديثه التي لم يجس في النفس منها شيء، فإذا وَجَس في النفس من حديثه شيء لم يحتج به، وذلك بأن يكون الحديث منكرًا أي مخالفًا لدليل أقوى منه. وهذا شأن الثقات كلهم ولكن كأنّ هذا الضرب من المناكير وقع في حديث عَمرو أكثر مما وقع في حديث وكيع وأضرابه، ولم يبلغ في الكثرة إلى حدّ يوقع الشكَّ في جميع حديثه.<span class="c6"> على أنّ يعقوب بن شيبة قال:</span> "والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقومٍ ضعفاء رووها عنه، وما روى عنه الثقات فصحيح".<span class="c6"> وقال أبو زُرعة:</span> "عامة المناكير تُروى عنه إنما هي عن المثنّى بن الصبّاح وابن لهيعة والضعفاء، وهو ثقة في نفسه ... ".<span class="c6"> وقال إسحاق بن راهويه:</span> "إذا كان الراوي <span class="c5">[ص 8]</span> عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر". "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(3)</span> أيضًا. فإن ثبت عن أحمد الاحتجاج بالضعيف المصطَلَح عليه إذ <span class="c2">(4)</span> لم يجد في الباب غيره، فقد مرَّ توجيه ذلك في المهمة الثالثة <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر نحوه في "التاريخ الكبير": <span class="c2">(6/ 343)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(8/ 48 - 55)</span>. <span class="c2">(3)</span> نفسه. <span class="c2">(4)</span> كذا في الأصل. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 157)</span>.</p><p class="rtl left" id="p430"><span class="c2">(15/160)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p431">وأما ما رواه عبد الله بن أحمد: "أنه سأل أباه عن الرجل يكون ببلدٍ لا يجد فيها إلا صاحبَ حديث لا يدري صحيحه من سقيمه، وصاحبَ رأي، فمن يسأل؟<span class="c6"> قال:</span> يسأل صاحبَ الحديث" <span class="c2">(1)</span>. فوجْهُه أنه رأى أن كلام الرجلين يمكن أن يصيب ويمكن أن يُخطئ، والخطأ مع قَصْد الاتِّباع خير من الخطأ على قَصْد العمل بالرأي، والفَرْضُ أن صاحبَ الرأي جاهل بالحديث كما هو ظاهر. وفي مذهب أحمد كثير من المسائل بناها على القياس وخالف أحاديث ضعيفة وردت فيها، منها المسائل التي نُسِب إلى أبي حنيفة أنه بناها على أحاديث ضعاف مخالفة للقياس، كانتقاض الوضوء بالقهقهة في الصلاة وغيرها.<span class="c6"> الأمر الثالث:</span> ما حُكي عن أبي داود أنه يحتجّ بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره. وكأنّهم أخذوا ذلك من قوله في "رسالته إلى أهل مكة" <span class="c2">(2)</span>: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى ... فإذا لم يكن مسند غير <span class="c2">(3)</span> المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يُحتجّ به، وليس هو مثل المتصل في القوّة ... وأما ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينتُه، ومنه ما لم يصح سندُه. وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح". هذا مع أن في كتابه أحاديث ضعيفة سكت عنها. _________ <span class="c2">(1)</span> في "مسائل عبد الله" <span class="c2">(ص 275)</span> بنحوه،<span class="c6"> وانظر "تاريخ بغداد":</span> <span class="c2">(13/ 448)</span>،<span class="c6"> و"ذم الكلام":</span> <span class="c2">(2/ 264)</span> للهروي. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 64 - 69)</span>. <span class="c2">(3)</span> كذا، والذي في الأصول الخطية للرسالة "ضد" وهو الأصح من جهة المعنى.</p><p class="rtl left" id="p432"><span class="c2">(15/161)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p433">وعبارته تُشْعِر بأنه متردّد في تصحيح المرسل مطلقًا، ومال إلى تصحيحه إذا لم يوجد غيره، وكأنّ ذلك لِمَا مرَّ في المهمة الثالثة <span class="c2">(1)</span>. مع أن "غير المراسيل" <span class="c2">(2)</span> بلفظ الجمع ربما يُشْعِر باشتراطه اعتضاد المرسل بمرسل آخر كما هو رأي الشافعي على ما يأتي.<span class="c6"> وأما قوله:</span> "وما كان في كتابي فيه وهن شديد .. إلخ" فقد بيَّن المحققون أن مراده بالصالح ما هو أعم من الصالح للحجة والصالح للاعتبار، فيُحْمَل ما في الكتاب من <span class="c5">[ص 9]</span> أحاديث ضعيفة سكت عنها على أنها عنده صالحة للاعتبار فقط.<span class="c6"> ويرشد إلى هذا قوله:</span> "وهن شديد" فإنه يدل على أنه لم يبيِّن ما فيه وهن وليس بالشديد. انظر "فتح المغيث" <span class="c2">(3)</span> وغيره.<span class="c6"> الأمر الرابع:</span> ما ذهب إليه مالك وغيره من الاحتجاج بالمرسل، وقد عُلِم جوابه من المهمة الرابعة <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> الأمر الخامس:</span> ما ذهب إليه الشافعي من الاحتجاج بالمرسل إذا اعتضد بمرسل آخر من وجه آخر، أو بقول صحابيّ أو نحوه على تفصيل له في ذلك <span class="c2">(5)</span>. وقد عُلِم الجواب عنه من المهمة الخامسة <span class="c2">(6)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 157)</span>. <span class="c2">(2)</span> سبق أن الثابت في الأصول في لفظة "غير المراسيل"= "ضد المراسيل" وعليه يكون المعنى: إذا لم يوجد مسند مضاد للمرسل، ولم نجد مسندًا يُغني عنه فإنه يُقبل. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 88)</span>. <span class="c2">(4)</span> انظر <span class="c2">(ص 157)</span>. <span class="c2">(5)</span> ذكره في كتاب "الرسالة" <span class="c2">(ص 462 فما بعدها)</span>. <span class="c2">(6)</span> انظر <span class="c2">(ص 158)</span>.</p><p class="rtl left" id="p434"><span class="c2">(15/162)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p435"><span class="c5">[ص 10]</span> فصل قال الجلال الدواني في كتابه "أنموذج العلوم" <span class="c2">(1)</span>: "اتفقوا على أن الحديث الضعيف لا تثبت به الأحكام الشرعية، ثم ذكروا أنه يجوز بل يستحبّ العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ... وفيه إشكال؛ لأن جواز العمل واستحبابه كلاهما من الأحكام الخمسة". نقله السيد الإمام عبد الرحمن بن سليمان الأهدل في "المنهج السوي" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> أول من أحفظ عنه الكلام في مسألة العمل بالضعيف في الفضائل صراحةً هو القاضي أبو بكر بن العربي المتوفى سنة 543، فإنهم نقلوا عنه أنه أنكر جواز العمل به <span class="c2">(3)</span>،<span class="c6"> ولعله صاحب العبارة التي حكاها ابن حجر الهيتمي عن بعض المانعين:</span> "إن الفضائل إنما تُتلقّى عن الشارع فإثباتها بما ذكر اخْتِراع عبادة وشَرْعٌ لما لم يأذن به الله" <span class="c2">(4)</span>. ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فقد ذكر الحافظ ابن حجر في شروط جواز العمل بالضعيف ثلاثة شروط <span class="c2">(5)</span>: أحدها: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 2)</span> ونقله عنه جمال الدين القاسمي في "قواعد التحديث" <span class="c2">(ص 117 - 118)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر "فتح المغيث": <span class="c2">(1/ 333)</span>،<span class="c6"> و"تدريب الراوي":</span> <span class="c2">(1/ 351)</span>. <span class="c2">(4)</span> في "الفتح المبين" <span class="c2">(ص 36)</span>. <span class="c2">(5)</span> في "تبيين العجب لما ورد في فضل رجب" <span class="c2">(ص 9)</span>.</p><p class="rtl left" id="p436"><span class="c2">(15/163)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p437">والمتهمين بالكذب ومَن فَحُش غلطُه. ونَقَل العلائيُّ الاتفاقَ عليه <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> الثاني:</span> أن يندرج تحت أصلٍ معمولٍ به.<span class="c6"> الثالث:</span> أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.<span class="c6"> وقال:</span> هذان ذكرهما ابن عبد السلام وابن دقيق العيد. هكذا نقله السيوطي في "تدريب الراوي" <span class="c2">(2)</span>. ثم ابن دقيق العيد ولد سنة 635 وتوفي سنة 703. وقد مرَّ نقل ابن حجر عند اشتراط الشرطين السابقَين. وقال الزركشي في مقدمة "الذهب الإبريز" <span class="c2">(3)</span> <span class="c5">[ص 11]</span> بعد أن ذكر جواز العمل بالضعيف: "وههنا أمران: أحدهما: قال أبو الفتح القُشيري ــ هو ابن دقيق العيد ــ حيث قلنا: يُعْمَل بالحديث الضعيف لدخوله تحت العمومات، فشرطه أن لا يقوم دليل على المنع منه أخصّ من تلك العمومات،<span class="c6"> مثاله:</span> الصلاة المذكورة في ليلة أول جمعة من رجب، فإن الحديث فيها ضعيف، فمن أراد فِعْلها وإدراجها تحت العمومات الدالة على فضل الصلاة _________ <span class="c2">(1)</span> نقله السيوطي في "التدريب". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 351)</span>. <span class="c2">(3)</span> كتاب "الذهب الإبريز في تخريج أحاديث فتح العزيز" للزركشي <span class="c2">(795)</span> لا يزال مخطوطًا. انظر "الفهرس الشامل-<span class="c6"> قسم الحديث":</span> <span class="c2">(2/ 797)</span>.<span class="c6"> وكلام ابن دقيق العيد في كتابه "إحكام الأحكام بشرح عمدة الأحكام":</span> <span class="c2">(2/ 150 - بحاشية الصنعاني)</span> وقد نقله أيضًا ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام": <span class="c2">(2/ 398 - 404)</span>.</p><p class="rtl left" id="p438"><span class="c2">(15/164)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p439">والتسبيحات لم يستقم؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَهْيٌ أن تُخَصّ ليلة الجمعة بقيام، وهذا أخصّ من العمومات الدالة على فضيلة الصلاة". والنووي ولد سنة 631 وتوفي سنة 676. وهو الذي اشتهر عنه هذا القول، ونصّ عليه في عدة <span class="c5">[من]</span> كتبه، وحَكَى الاتفاقَ عليه، وفي أكثر كتبه ذِكْر الجواز فقط <span class="c2">(1)</span>، وفي "الأذكار" <span class="c2">(2)</span> الجواز والاستحباب، ولم ينص على شرطٍ أصلًا كما قاله السيوطي في "التدريب" <span class="c2">(3)</span> إلا أن الشروط المذكورة تؤخذ من كثير من أقواله. ويظهر لي أن الصلاة ليلة أول جمعة من رجب هي التي أثارت هذا البحث، فقد حكى أبو شامة في كتابه "الباعث" <span class="c2">(4)</span> أن ابن الصلاح كان متولّيًا لمنصب الفتوى، فاسْتُفْتي عن الصلاة المذكورة، فأجاب بإنكارها وأنها محْدَثة، ثم اسْتُفتي مرة أخرى، فأجاب بنحو جوابه الأول. ثم فُصِل عن منصب الفتوى وأُقيم فيه الشيخ عز الدين ابن عبد السلام، فشدّد النكير على صلاة الرغائب، فعارضه ابنُ الصلاح <span class="c5">[ص 12]</span> وجوَّزها؛ معتذرًا بأنه قد ورد فيها حديث، وبأنها داخلة في عموم الترغيب في الصلاة، وصلاة الليل خاصة، فردّ ابنُ عبد السلام وتلامذتُه كأبي شامة وابن دقيق العيد بما تراه في _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "الأربعين" <span class="c2">(ص 3)</span>،<span class="c6"> و"المجموع":</span> <span class="c2">(1/ 59)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 8)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 351)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 145)</span>.</p><p class="rtl left" id="p440"><span class="c2">(15/165)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p441">كتاب "الباعث" لأبي شامة <span class="c2">(1)</span>. وكان النوويّ من جملة من ردّ على ابن الصلاح، وصرّح بأن الصلاة المذكورة بدعة قبيحة <span class="c2">(2)</span>. ثم كأنَّ النوويَّ استخلص من البحث جواز العمل بالضعيف في الفضائل، وأيّد ذلك بما نقله عن أئمة السلف من النصوص في تساهلهم في رواية ما لم يكن فيه حُكم، كما ستراها. وكأنّه اعتضد ذلك عنده بفروعٍ للشافعي سَتَرِدُ عليك إن شاء الله، فجزم بالاتفاق على ذلك، ثم رأى أن الجواز لا فائدة له؛ لأن الفَرْض أنه ثابت بدون الضعيف فزاد الاستحباب كما صرّح به في "الأذكار" <span class="c2">(3)</span>. ومن العجب أن كتاب أبي شامة "الباعث على إنكار البدع والحوادث" لم يتصدَّ للكلام في العمل بالحديث الضعيف، مع أن القصد الأول منه إبطال الصلاة المذكورة، وتعرّض فيه لغالب ما جرى من الاحتجاج من الطرفين، نعم يؤخذ منه ما يخالف قولَ النوويِّ كما ستراه إن شاء الله. ثم جاء مَن بَعْد النووي، فمنهم من ردّ عليه قوله أصلًا كالمحقق الشاطبي في "الاعتصام" <span class="c2">(4)</span>. ومنهم من أرْعَبَتْه حكاية الاتفاق ولكنه لم ير _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 145 وما بعدها)</span>، وهناك رسالة بعنوان "مساجلة علمية بين الإمامين العز بن عبد السلام وابن الصلاح حول صلاة الرغائب المبتدعة"، من مطبوعات المكتب الإسلامي بتحقيق الشيخ الألباني. <span class="c2">(2)</span> انظر "المجموع شرح المهذب": <span class="c2">(4/ 56)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 8)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 16 - 20 ت مشهور)</span>.</p><p class="rtl left" id="p442"><span class="c2">(15/166)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p443">وجهًا للاستحباب.<span class="c6"> قال الزركشي في مقدمة "الذهب الإبريز" بعد ما تقدم نقله عنه:</span> "الثاني: أن هذا الاحتمال الذي قلناه من جواز إدراجه تحت العمومات يريد به في الفعل <span class="c5">[ص 13]</span> لا في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة؛ لأن الحكم باستحبابه على هيئته الخاصة يحتاج إلى دليل عليه ولابدّ، بخلاف ما إذا بُني على أنه من جملة الخيرات التي لا تختص <span class="c5">[بذلك الوقت]</span> <span class="c2">(1)</span> ولا بتلك الهيئة. وهذا هو الذي قلنا باحتماله وجواز العمل به". ونحو هذا قال الخطيب الشربيني في "شرح المنهاج" <span class="c2">(2)</span> فاعترضه ابنُ قاسم وأثبت الاستحباب. ومنهم من تحيّر وقرر الإشكال كالدواني <span class="c2">(3)</span>، ومنهم من قلّد النووي وتمحّل في الاعتذار كابن حجر الهيتمي <span class="c2">(4)</span>،<span class="c6"> على أنه قال في "رسالة البسملة":</span> "إنما يُعمل به حيث لم يعارضه ما هو أولى منه بالاعتماد والعمل، وهذا معلوم من كلامهم بلا شكّ، فإذا دلّ ضعيف على ترغيب في فعل شيء خاصة وقد عارضه صحيح يدل على كراهيته ــ مثلًا ــ ولو بطريق العموم= وجب أن يعمل بمدلول ذلك العام في هذا الشيء الخاص، ولم يَجُز العمل بالضعيف فيه". _________ <span class="c2">(1)</span> مستدركة من كتاب ابن دقيق العيد. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 62)</span>،<span class="c6"> وكلام ابن قاسم في حاشيته على "تحفة المحتاج":</span> <span class="c2">(1/ 240)</span>. <span class="c2">(3)</span> سبق العزو إلى كتابه "أنموذج العلوم". <span class="c2">(4)</span> في "شرح الأربعين" وقد سبق.</p><p class="rtl left" id="p444"><span class="c2">(15/167)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p445">وهذا ــ وإن لم يتنبّه قائله ــ يقتلع جواز العمل بالضعيف من أصله، كما سترى إن شاء الله تعالى. ومنهم من فصَّل، ولا داعي لاستيعاب أقوالهم،<span class="c6"> بل علينا أن نعترض الحجج والدلائل ونغترف الحقَّ من معدنه فأقول:</span> <span class="c5">[ص 14]</span> فصل الآثار المروية عن أئمة السلف ــ وإليها استند النووي في حكاية الإجماع فيما يظهر ــ لم أر فيها ما هو ظاهر في جواز العمل بالضعيف ولا استحبابه. بل إذا أمعنت النظرَ وجدتها صريحة في خلافه،<span class="c6"> وهذا أشهرها:</span> قال السخاوي في "فتح المغيث" <span class="c2">(1)</span>: "قال الحاكم: سمعت أبا زكريا الغُبَري <span class="c2">(2)</span> يقول: الخبر إذا ورد لم يحرّم حلالًا، ولم يحلّ حرامًا، ولم يوجب حكمًا، وكان في ترغيب أو ترهيب= أُغْمِض عنه وتُسُهِّل في رواته. ولفظ ابن مهدي فيما أخرجه البيهقي في "المدخل" <span class="c2">(3)</span>: إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام والأحكام شدّدنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 332)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا في الأصل،<span class="c6"> كما في الطبعة التي نقل عنها المؤلف وصوابه:</span> "العنبري" كما في ط المحققة، وقول العنبري ذكره الخطيب في "الكفاية" <span class="c2">(ص 134)</span>. <span class="c2">(3)</span> ليس في المطبوع منه،<span class="c6"> وقد أخرجه الحاكم في "المستدرك":</span> <span class="c2">(1/ 490)</span> وفي "المدخل إلى الإكليل" <span class="c2">(ص 59)</span>.</p><p class="rtl left" id="p446"><span class="c2">(15/168)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p447">سهّلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال.<span class="c6"> ولفظ أحمد في رواية الميموني عنه:</span> الأحاديث الرقائق يُحتمل أن يُتَسَاهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم" اهـ "فتح المغيث" ص 130. وقال الخطيب في "الكفاية" <span class="c2">(1)</span>: "باب التشدّد في أحاديث الأحكام والتجوّز في فضائل الأعمال. قد ورد عن غير واحدٍ من السلف أنه لا يجوز حمل الأحاديث المتعلقة بالتحليل والتحريم إلّا عمن كان بريئًا من التهمة بعيدًا عن الظِّنّة. وأما أحاديث الترغيب والمواعظ فإنه يجوز كَتْبها عن سائر المشايخ".<span class="c6"> ثم أسند عدة آثار منها عن الإمام أحمد أنه قال:</span> "إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم <span class="c5">[ص 15]</span> في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشدّدنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضائل وما لا يضع حكمًا ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد" "الكفاية" ص <span class="c5">[134]</span>.<span class="c6"> وقال ابن عبد البر في كتاب "فضل العلم" بعد أن ذكر حديثًا ضعيفًا في فضل العلم:</span> "الفضائل تُرْوَى عن كل أحد والحجة من جهة الإسناد إنما تُتقصَّى في الأحكام وفي الحلال والحرام" "مختصر جامع بيان العلم" ص <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 133)</span>. <span class="c2">(2)</span> بيَّض المؤلف رقم الصفحة،<span class="c6"> وكلام ابن عبد البر في "جامع بيان العلم":</span> <span class="c2">(1/ 152)</span>.</p><p class="rtl left" id="p448"><span class="c2">(15/169)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p449">وثَمَّ عبارات أخرى لا تخرج عن هذا المعنى، أي التساهل في الأخذ والرواية عن الضعفاء فيما رووه في الفضائل، مما ليس فيه حكم ولا حلال ولا حرام ولا سنة. وقد لخص ابن الصلاح في "مقدمته" <span class="c2">(1)</span> عبارات القوم باحتياطٍ تامٍّ رغمًا عما حُكي عنه من تمحّله أخيرًا لصلاةِ ليلةِ أول جمعة من رجب وأشياء تُشْبهها، كما ذكره أبو شامة في "الباعث" <span class="c2">(2)</span>. وكأنّ ابن الصلاح ــ غفر الله له ــ أراد أن يكون كتابه "المقدمة" أصلًا لأهل الحديث إلى يوم القيامة، فتورّع أن يحْدِث فيه حَدَثًا أو يؤوي محدثًا. وأما النووي رحمه الله فإنه رغمًا عن إنكاره الصلاةَ المذكورة زاد في "مختصره لمقدمة ابن الصلاح" <span class="c2">(3)</span> زيادةً نابية،<span class="c6"> وهذه عبارته:</span> "ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف، والعمل به من غير بيان ضعفه، في غير صفات الله تعالى والأحكام كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك <span class="c5">[ص 16]</span> كالقصص وفضائل الأعمال والمواعظ وغيرها مما لا تعلُّق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم".<span class="c6"> فقوله:</span> "والعمل به" من زيادته. ولولا أن القول بجواز العمل متواتر عن النووي،<span class="c6"> نصّ عليه في كثير من كتبه لقلتُ:</span> إن هذه الكلمة ملحقة في عبارته؛ لأنها كما ستعرف مناقضة لما قبلها وما بعدها، ومناقضة للنصوص التي _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 103)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 145)</span>. <span class="c2">(3)</span> "التقريب لسنن البشير النذير": <span class="c2">(1/ 350 - مع شرحه تدريب الراوي)</span>.</p><p class="rtl left" id="p450"><span class="c2">(15/170)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p451">لخَّصها، وليست في عبارة أصله. إنني قد استعجلتُ بهذا الحكم قبل أن أضطَرَّ الناظر في هذه الرسالة إلى مشاركتي فيه، ولكنَّ الخطب سهل. <span class="c5">[ص 17]</span> فصل أنت ترى النصوص المتقدّمة عن ابن مهدي وغيره ليس فيها ذِكْر لجواز العمل بالضعيف ولا استحبابه، وإنما فيه تساهلهم في روايته بشرطه، لكن قد لا يبعد أن يكون النووي رحمه الله رأى تساهلهم في رواية الضعيف في الفضائل دون الأحكام يستلزم جواز العمل به في الفضائل، وإلّا لَمَا كان هناك معنى للفرق، فإن تشدّدهم في رواية ما فيه حُكم إنما هو لعلمهم أنهم إذا لم يُشدّدوا في روايته يُخشَى أن يَعملَ به من يسمعه، وذلك لا يجوز، فتساهلهم في الفضائل يدلّ على أنهم لم يروا محذورًا في أن يعمل بها من يسمعها، وهذا معنى الجواز. ثم رأى أن العمل المتوقّع من العامة إذا سمعوا الضعيف في الفضائل هو العمل طلبًا للفضل، ومعنى ذلك أنهم يرونه مظنّة لأن يُؤجروا عليه، وعليه فلو كان أولئك الأئمة يرون أن العمل به ليس مظنة للأجر لكانوا يرون العمل به طلبًا للأجر بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، فكيف يقع منهم تساهل يؤدّي إلى إيقاع الناس في الضلالة؟! فتعيّن أنهم كانوا يرون العملَ به مظنَّة للأجر، وهذا هو الاستحباب، فلهذا صرَّح النووي في "الأذكار" <span class="c2">(1)</span> بالاستحباب، وكأنه حمل ما صرَّحوا به من أنهم لا يتساهلون في رواية ما فيه حكم أو سنة _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 8)</span>.</p><p class="rtl left" id="p452"><span class="c2">(15/171)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p453">أو يرفع حكمًا أو يضعه= على ما عدا ذلك الضرب من الجواز والاستحباب. <span class="c5">[ص 18]</span> فصل يجب أولًا أن نعلم ما هو التساهل الذي كان يعتمده ابن مهدي وغيره،<span class="c6"> فأقول:</span> حاصل ما في "فتح المغيث" <span class="c2">(1)</span>: أن التساهل هو أن لا يَنصّ على ضعف الحديث بل يكتفي بسياق إسناده، أو ذِكْره بصيغة التمريض، نحو رُوِي ويُروَى.<span class="c6"> أقول:</span> وعندي في هذا نظر؛ فإننا نجد في الكتب أحاديث ضعيفة في العقائد والأحكام قد رواها ابنُ مهدي وغيره ولم يبين ضعفها. وهذا "مسند أحمد" فيه أحاديث كثيرة ضعيفة في العقائد والأحكام ولم يبيِّن ضعفها، بل غالب مصنفات المتقدمين كذلك، كمصنَّفَي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ومسانيد إسحاق والحميدي وعبد بن حُمَيد، وسنن النسائي الكبرى، وسنن الدارمي وابن ماجه، وتاريخ البخاري، وغيرها. والذي أراه أن تشديد ابن مهدي هو أنه كان يتأمَّل الحديثَ الذي قد سمعه، فإن كان في العقائد والأحكام بدأ فنظر في إسناده ومتنه، فإذا تبيَّن له أن الحديث شديد الضعف بحيث لا يصلح للحجة ولا للاعتبار لم يَرْوِه أصلًا، فإن اضطرّ لروايته بيَّن ضعفه. وإن كان الحديث في غير العقائد والأحكام رواه ما لم يعلم أنه موضوع، فإذا علم أنه موضوع لم يروه أصلًا، فإن اضطر إلى روايته بيَّن وضعَه. فهذا الصنيع هو الذي ينطبق على ما نجده _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 331 - 332)</span>.</p><p class="rtl left" id="p454"><span class="c2">(15/172)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p455">في الكتب عن ابن مهدي والإمام أحمد وأكثر الأئمة، فاعْلَمْه، والله أعلم. <span class="c5">[ص 19]</span> فصل ثم يجب ثالثًا أن نحقق الأمور التي كانوا يتساهلون في رواية ما ورد فيها مما ليس بموضوع ولكنه غير صالح للمتابعة،<span class="c6"> فأقول:</span> يُعلَم من صنيع النووي ومَن وافقه: أنه يدخل في ذلك ما وَرَد بفضيلة لعملٍ خاصّ ولم تثبت له تلك الفضيلة، ولكنه مندرج تحتَ عمومٍ ثابت بالاستحباب. وهذا كأنْ يَرِد ضعيفٌ بفضيلةٍ لصيامِ أولِ يومٍ من صفر أو قيام ليلته، أو بفضيلةٍ لقراءة سورة الأنعام في صلاة الصبح أو في ركعتَيْ تطوّع. ويظهر من كلام بعضهم إلحاق ما اندرج تحت عموم ثابت بالإباحة، كأنْ يَرِد ضعيف بفضل التختُّم بخاتم فضة عقيق. فقال النووي بجواز واستحباب العمل بأشباه هذا، واقْتَصَر بعضهم على الجواز، واستشكله بعضهم كما مر. ورأى العلائي أن مثل هذا إن جاز في الضعيف الصالح للمتابعة فلا يتصوّر جوازه في شديد الضعيف، فلذلك زاد هذا الشرط وحكى الاتفاقَ عليه،<span class="c6"> كما تقدم مع ابن الصلاح والنووي قالا:</span> "ما سوى الموضوع". وعلينا أن نتدبّر النصوصَ السابقةَ وغيرها لتحقيق الأمور التي يتساهلون فيها،<span class="c6"> فأقول:</span> <span class="c5">[ص 20]</span> الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال على أضْرُب: الأول: ما ورد بفضيلةٍ لعملٍ قد ثبت أنه مشروع بخصوصه، كأن يَرِدَ ضعيفٌ بفضيلةٍ للصلوات الخمس وصوم رمضان وصوم التطوّع مطلقًا،</p><p class="rtl left" id="p456"><span class="c2">(15/173)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p457">وصوم الاثنين والخميس ونحو ذلك.<span class="c6"> الثاني:</span> ما ورد بفضيلةٍ لعملٍ خاصّ قد ثبتت مشروعيةُ ما هو أعمّ منه ولم تثبت له خصوصية، كأن يَرِد ضعيفٌ بفضيلةٍ لصيامِ ثاني يوم من صفر أو قيام ليلته، أو بفضيلةٍ لقراءة سورة الأنعام في صلاة الصبح أو في ركعتي تطوّع.<span class="c6"> الثالث:</span> ما ورد بفضيلةٍ لعملٍ هو مع صرف النظر عن الضعيف مباح، كأن يَرِد ضعيف بفضيلة للقيام في الشمس على رجلٍ واحدة.<span class="c6"> الرابع:</span> ما ورد بفضيلةٍ لعملٍ قد دلّ غير الضعيف على أنه حرام أو مكروه. فأما الرابع فلا نزاع أنه لا يجوز العمل به، وقد تقدَّم كلام <span class="c5">[ص 21]</span> ابن دقيق العيد وابن حجر الهيتمي. وأما الثالث فَلِكَي تعلم ما فيه يجب أن تنظر في المباح هل يجوز أن يُعْمَل على زَعْم أنه عبادة؟ ومن أمثلته أن يتحرّى إنسانٌ الجلوس مستقبِلًا مطلع سُهيل، أو النوم في ضوء القمر، أو الإمساك عن المُفَطِّرات ليلة العيد، زاعمًا أن هذه الأعمال يُرجى لفاعلها الأجر والثواب.<span class="c6"> فإننا نقول لمن زَعَم زَعْمًا من هذا الضرب:</span> أمِن المشروع فِعْل هذا العمل التماسًا للأجر والثواب؟<span class="c6"> فإن قال:</span> لا، فقد كفانا شأنه.<span class="c6"> وإن قال:</span> نعم،<span class="c6"> قلنا:</span> آللهُ عزَّ وجلَّ شَرَعَه أم غيرُه؟</p><p class="rtl left" id="p458"><span class="c2">(15/174)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p459">فإن قال: غيره، فقد أشرك.<span class="c6"> قال الله تعالى:</span> <span class="c4">{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}</span> <span class="c5">[الشورى: 21]</span>.<span class="c6"> وإن قال:</span> بل الله عزَّ وجلَّ شرعه.<span class="c6"> قيل له:</span> فهل أعْلَمَ به رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم؟<span class="c6"> فإن قال:</span> لا! قيل له: فأَنَّى عَلِمْتَه؟ أتعلم الغيب؟ أم تدّعي النبوَّة لك أو لأحدٍ بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> وقد قال الله تبارك وتعالى:</span> <span class="c4">{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}</span> <span class="c5">[المائدة: 3]</span>. نزلت قُبيل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وجاء عن عمر وابن عباس وغيرهم <span class="c5">[ص 22]</span> كمالك والشافعي وأحمد والبخاري وغيرهم تفسيرها بأن جميع أحكام الدين قد أوحاها الله إلى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، وبلَّغها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أمّته <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وإن قال:</span> بل أعْلَم الله عزَّ وجلَّ رسولَه صلى الله عليه وآله وسلم مشروعيّة هذا العمل.<span class="c6"> قيل له:</span> هل أمره بتبليغ ذلك؟<span class="c6"> فإن قال:</span> لا! قيل له: فليست إذن مما شرعه للأمة، إذ لو كان مما شُرِع للأمة لأمره بتبليغه، وأيضًا فكيف علمتَ أنتَ أنَّ الله شَرَعَه؟ ! _________ <span class="c2">(1)</span> انظر تفسير الطبري: <span class="c2">(8/ 79 - 80)</span>،<span class="c6"> و"الدر المنثور":</span> <span class="c2">(2/ 456)</span>.</p><p class="rtl left" id="p460"><span class="c2">(15/175)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p461">وإن قال: بل أمره بتبليغه.<span class="c6"> قيل له:</span> فهل بلّغه؟<span class="c6"> فإن قال:</span> لا، فقد كفر؛ لاتهامه النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بعدم تبليغ ما أمره الله بتبليغه، وأيضًا فكيف علمتَها أنت؟<span class="c6"> وإن قال:</span> بل بلّغَه.<span class="c6"> قيل له:</span> فهل حَفِظَتْها الأمة؟<span class="c6"> فإن قال:</span> لا.<span class="c6"> قيل له:</span> فأين قول الله عزَّ وجلَّ: <span class="c4">{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}</span> <span class="c5">[الحجر: 9]</span>. الآية تدل على حفظ السنة أيضًا؛ لأن المقصود من حفظ القرآن هو أن تبقى الحجةُ قائمةً والهدايةُ دائمًة إلى يوم القيامة، حتى لا تدعو الحاجة إلى بعث نبي بعد خاتم الأنبياء صلى الله عليهم وسلم.<span class="c6"> ولذلك لما قيل لابن المبارك:</span> هذه الأحاديث المصنوعة؟<span class="c6"> قال:</span> تعيش لها الجهابذة <span class="c4">{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}</span> <span class="c2">(1)</span>. فاحتجَّ بالآية على حفظ السنة من أن يُلْصَق بها ما ليس منها على وجهٍ لا يمكن تمييزه، ونحن نحتجّ بها على حفظ السنة من أن يضيع منها دليل لا يُغني عنه غيره. <span class="c5">[ص 23]</span> وأيضًا فكيف علمته أنت؟<span class="c6"> ! وإن قال:</span> بل حفظَتْها الأمة.<span class="c6"> قيل له:</span> فأوْجِدْنا في الشريعة ذلك. _________ <span class="c2">(1)</span> "تقدمة الجرح والتعديل": <span class="c2">(1/ 3 و 2/ 18)</span>.</p><p class="rtl left" id="p462"><span class="c2">(15/176)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p463">فإن قال: أنا لا أستحضر ذلك، ولكن لعله في دلالة آيةٍ من القرآن لم أتنبّه لها، أو في سنة ثابتة محفوظة لم أقف عليها.<span class="c6"> قيل له:</span> فمن أين علمتَ أن ذلك موجود محفوظ؟ والأصل عدم الشرع، ولو كان هناك دليل على شَرْع هذه الأعمال لَعَلِمه العلماء أو بعضُهم، ولو علموه لأخبروا به وتُنُوقِل عنهم. وادّعاؤك على الله عزَّ وجلَّ أنه شَرَع ذلك العمل، وليس بيدك دليل على ذلك، كذب على الله،<span class="c6"> وقد قال تعالى:</span> [<span class="c4">{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ}</span> <span class="c5">[النحل: 116]</span>] <span class="c2">(1)</span>. <span class="c5">[ص 24]</span> فأنت ترى أن مَن تحرّى شيئًا من المباحات زاعمًا أنه يُرجى لعامله الأجر والثواب دائرٌ بين الشرك والكفر والكذب على الله والتكذيب بآياته، وأقلّ أحواله أنه مبتدع ضالّ إذا عَذَرْناه فلم نُكفّره.<span class="c6"> إذا تقرر هذا فكيف يسوغ قلب الحكم لمجرّد حديث ضعيف فيقال:</span> لو لم يَرِد الحديث الضعيف لكان تحرِّي هذا العمل رجاءً للأجر والثواب إما شركًا وإما كفرًا، وإذا عُذِر صاحبه لم يكفَّر ولكنه مبتدع ضال، ولمّا ورد الحديث الضعيف بالدلالة على استحبابه صار تحرّيه رجاء الأجر والثواب جائزًا أو مستحبًّا.<span class="c6"> وبعبارة أخرى:</span> لولا الضعيف لما كان هذا العمل من الدين، ولكن _________ <span class="c2">(1)</span> ترك المؤلف مكان الآية بياضًا، والظاهر أنه أراد الآية التي أثبتّها.</p><p class="rtl left" id="p464"><span class="c2">(15/177)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p465">ورود الضعيف جَعَله من الدين!! وبالنظر إلى النصوص السابقة نقول: ألا ترى هذا الضعيف فيه حُكم وحلال وحرام وسنة ويضع حُكمًا ويرفعه؟ فارجع إلى تلك النصوص وانظر هل تدل على أن القوم كانوا يتساهلون في رواية ما هذا شأنه؟ <span class="c5">[ص 25]</span> بالأدلة <span class="c2">(1)</span> الثابتة جملةً وتفصيلًا، فليس في ذلك الضعيف أمر زائد على الثابت، فهذا هو الذي تدلّ النصوص السابقة على أن العلماء يتساهلون في روايته؛ لأنهم يرون أنه لا يُخشى من تساهلهم فيه إلا أن يسمعه بعض المسلمين فيُجوِّز كونه صحيحًا، فيزداد إقبالًا على الطاعة، وهذه هي الفائدة في تساهلهم في رواية ما هذا شأنه.<span class="c6"> فصل ونزيد ذلك إيضاحًا فنقول:</span> لو سألتَ عالمًا هل صوم يوم عَرفة لغير الحاج سنة ومستحبّ؟<span class="c6"> لبادرك بالجواب قائلًا:</span> نعم! فلو قلتَ له: فهل صوم ثاني يوم من صفر سنة ومستحبّ؟<span class="c6"> لبادر قائلًا:</span> لا! فإن احتاط في الجواب قال: أما من حيث خصوصه فلا، ولكن صيام التطوّع مستحبّ في أيّ يوم كان، ما عدا ما ثبت النهي عنه. فقد علمتَ من هذا أن إثبات السّنِّية والاستحباب على الخصوص حكم _________ <span class="c2">(1)</span> كذا تبدأ هذه الورقة <a id="ref_25" class="anchor"></a><a href="#note_25" name="r_25" class="fnote">[<span>25</span>]</a> وفي الكلام نقص، يدل على أنّ هناك سقطًا في صفحات المخطوط.</p><p class="rtl left" id="p466"><span class="c2">(15/178)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p467">مستقلّ. <span class="c5">[ص 26]</span> ولو سألتَه: هل يمكن أن يكون مِنْ أَجْر المكثر من صيام التطوّع غيرِ خارجٍ عن المشروع أن يُسْقَى من حوض النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل مَن كان أقلّ صيامًا منه؟<span class="c6"> لقال لك:</span> يمكن! فلو قلتَ له: فهل يمكن أن يكون مِن أجْر صائم يوم الأربعاء وثاني صفر أن يُسقى من الحوض قَبْل صائمِ اليومِ الذي قبله وسائر الأيام؟<span class="c6"> لقال لك:</span> لا! فإن طالبتَه بالفرق،<span class="c6"> قال:</span> الشرع لم يُحدّد أجر صيام التطوّع وغيره من الطاعات، بل نصّ على بعض الأجر ووعد بالمزيد والمضاعفة، فيمكن أن يكون التقديم في السقي من الحوض من ذلك المزيد، ولا يلزم من عدم نص الشرع عليه ــ على فرض أنه واقع في نفس الأمر ــ نقصٌ في الدين. ولا يلزم من تجويز ذلك كَذِبٌ على الله تعالى ولا زيادةٌ في دينه ولا غير ذلك مما تقدم. وأمّا ثاني يوم من صفر فلو كان له هذه المزيّة لخَصَّه الشارع بالحضّ على صيامه كما خصّ يوم عرفة ويوم عاشوراء، فلو جوَّزنا له هذه المزيّة، مع أن الشرع لم ينص على مزيّة له، لكُنّا قد جوّزنا أن يكون صيامه سنةً ومستحبًّا على الخصوص. وهذا حُكْم مستقل، لو كان واقعًا ولم ينص عليه، لكان الدين ناقصًا. <span class="c5">[ص 27]</span> وإذ قد عُلِمَ أن الدين كامل؛ فإنّ في زَعْم أن <span class="c5">[صيامَ]</span> ثاني صفر سُنةٌ ومستحبّ على الخصوص شرعًا لِمَا لم يأذن به الله، وكذبًا عليه ... إلى غير ذلك من الموبقات.</p><p class="rtl left" id="p468"><span class="c2">(15/179)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p469">فلو ورد حديثان ضعيفان،<span class="c6"> أحدهما:</span> أن المكثرين من صيام التطوع يُسْقَون قبل غيرهم.<span class="c6"> والآخر:</span> أن صائمي ثاني يوم من صفر يُسقون قبل غيرهم. فأيُّ الحديثين تدلّ النصوص التي تقدمت عن الإمام أحمد وغيره على أنهم يتساهلون في روايته؟ آلأول الذي ليس فيه حكم زائد ولا سنة ولا حلال ولا حرام؟ أم الثاني وفيه حكم زائد وسنة وحلال وحرام، على ما مرَّ تقريرُه؟<span class="c6"> بقي شيءٌ وهو أن الحاكم قال في أول كتاب الدعوات من "المستدرك":</span> <span class="c5">["وأنا بمشيئة الله أُجري الأخبار التي سقطت على الشيخين في كتاب الدعوات على مذهب أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي في قبولها؛<span class="c6"> فإني سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول:</span> سمعت أبا الحسن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: كان أبي يحكي عن عبد الرحمن بن مهدي،<span class="c6"> يقول:</span> إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والأحكام شدّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب والمباحات والدعوات تساهلنا في الأسانيد"]</span> <span class="c2">(1)</span> "المستدرك" ج 1 ص 490.<span class="c6"> فزاد في عبارة ابن مهدي "المباحات والدعوات" فلقائل أن يقول:</span> هذه الزيادة تمنع حمل التساهل في كلام ابن مهدي على التساهل في رواية الضعيف على الضرب الأول، وتُعيِّن أنه أراد الضرب الثاني والثالث.<span class="c6"> وأقول:</span> أما المباحات فلم يُرِد ابن مهدي أنه يتساهل في الضعاف الواردة بفضائل لما ثبت في الشرع أنه مباح، فإن هذه الضعاف فيها سنن _________ <span class="c2">(1)</span> ترك المؤلف ثلاثة أسطر لكلام الحاكم، فأضفناها من "المستدرك".</p><p class="rtl left" id="p470"><span class="c2">(15/180)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p471"><span class="c5">[ص 28]</span> وأحكام وحلال وحرام كما سمعتَ، وإنما أراد أن يَرِدَ ضعيف يقتضي إباحة شيء وقد ثبت من الشرع أنه مباح. وأما الدعوات فعندي كالشكّ في صحة زيادتها، ولا آمن أن يكون بعض النّسّاخ زادها في "المستدرك" ظنًّا منه أنها سقطت من الأصل، وأنها لولا أنها في عبارة ابن مهدي لما استند إليها الحاكم معتذرًا بها عن إيراده أحاديث ضعيفة في الدعوات، ولم يتنبّه لاحتمال أن يكون الحاكم استند إلى عبارة ابن مهدي= يرى أن الدعوات تدخل في "فضائل الأعمال والثواب والعقاب".<span class="c6"> ويَقْوى الشكُّ إذا لاحظنا أن قوله:</span> "والدعوات" وقع آخر الأنواع: "فضائل الأعمال والثواب والعقاب والمباحات والدعوات" والأخير موضع الزيادة. وقد ذكر السخاويُّ <span class="c2">(1)</span> عبارة ابن مهدي ونَسَبَها إلى "المدخل" <span class="c2">(2)</span> للبيهقي ولم يذكر فيها المباحات والدعوات كما سبق. وقد وقع في "المستدرك" المطبوع شبيه بهذا. <span class="c5">[ص 29]</span> ولنصرف النظر عن ذلك ونبني على أن زيادة "والدعوات" صحيحة عن ابن مهدي،<span class="c6"> ثم نقول:</span> الدعاء يُفارق سائر الأعمال، فإن الدعاء غير محدود، بل لكلّ إنسان أن يُنشئ ما شاء من الأدعية، وله أن يحفظ دعاء غيره ويُكثر من الدعاء به إذا وجده مناسبًا لحاله، حاويًا لما يُسْتحْسَن شرعًا _________ <span class="c2">(1)</span> في "فتح المغيث": <span class="c2">(1/ 332)</span>. <span class="c2">(2)</span> تقدم أنه ليس في المطبوع <span class="c2">(ص 18)</span>.</p><p class="rtl left" id="p472"><span class="c2">(15/181)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p473">في الدعاء؛ من تعظيم الربّ، وإظهار الخضوع والافتقار، مع جَمْع المقاصد واختصار اللفظ ونحو ذلك. ولا يُعَدُّ بحفظه له والإكثار من الدعاء به مُحْدِثًا. وله أن يتلقّف الدعاء من كافر إذا رآه دعاءً حسنًا. وعَلِمَ ابنُ مهدي أن أكثر الناس لا يُحْسِنون الدعاء، ويحتاجون إلى أن يتحَفَّظوا أدعيةَ غيرهم، <span class="c5">[ص 30]</span> وإذا أنشأ أحدُهم دعاءً لنفسه، أو تلقَّفَ دعاءً من غيره ممن هو قريب منه لم يُؤمَن أن يكون في ذلك الدعاء مخالفةٌ للشرع باعتداء، أو وصف الله عزَّ وجلَّ بما لا ينبغي. فرأى ابن مهدي أن تعريض العامة لتلقّف الدعاء الذي ورَدَ به الضعيف، وهو دعاءٌ حَسَن في نفسه، وليس فيه مخالفة للشرع= خير لهم من تركهم يُنْشِؤون الأدعية لأنفسهم، فربما وقعوا في المحظور. ولم يخش ابن مهدي من العامة أن يسمع أحدهم الدعاء في الحديث الضعيف فيحفظه ويدعو به لمجرّد أنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن العامةَ في ذلك الزمان كانوا يعلمون أن فيما يُروَى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يثبت <span class="c2">(1)</span> وما لا يثبت <span class="c5">[ص 31]</span>، وكانوا أيضًا يعلمون قُبْح الإحْداث والابتداع،<span class="c6"> فلم يكن يَتَوقّع من العامة إذا رَوى لهم الحديثَ المشتملَ على الدعاء إلا أن يقول أحدهم:</span> لا أدري أثبتَ هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا يثبت، ولكنني أراه دعاء بليغًا موجزًا، جامعًا للمقاصد، مناسبًا لحالي، وقد علمتُ برواية العلماء له وسكوتهم عنه أنه ليس فيه ما يُنْكَر شرعًا؛ مِن اعتداء، أو وصفٍ لله عز وجل بما لا يجوز، _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "ما لا يثبت" سبق قلم.</p><p class="rtl left" id="p474"><span class="c2">(15/182)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p475">فَلَأن أتحَفَّظه وأدعو به أسْلَم لي من أن أُنشئ دعاءً لنفسي أو أتَلَقّف دعاءً من غيري ممن هو قريب منّي. ولسنا نشكّ أن العاميَّ في ذلك الزمان لم يكن ليقدِّم مثل هذا الدعاء على الأدعية التي أخبر بثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يتحرَّاه كما يتحرّاها، ويواظب عليه كما يواظب عليها. فقد تبيَّن بحمد الله عز وجل أنه ليس في النصوص المتقدّمة مُتَمَسَّك لما ذهب إليه النووي وموافقوه، بل إنها تدلّ على خلاف ما قالوه، والله أعلم. <span class="c5">[ص 32]</span> فصل هذا التشديد والتساهل المرويّ عن ابن مهدي ومن معه ليس إجماعًا، فإن من الأئمة من كان يشدّد مطلقًا فلا يروي إلا عن ثقة، وفي "كفاية الخطيب" آثار من ذلك؛ ففيها "باب ما جاء أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يُقبل إلا عن ثقة"، "ذم الرواية عن غير الأثبات" <span class="c2">(1)</span>، "باب السماع من الأُمناء وكراهة النقل والرواية عن الضعفاء" <span class="c2">(2)</span>، "باب كراهة الرواية عن أهل المجون والخلاعة" <span class="c2">(3)</span>. ونَقَل في هذه الأبواب عن الأئمة نصوصًا توافقها. _________ <span class="c2">(1)</span> "الكفاية" <span class="c2">(ص 31 - 34)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 132)</span> وفيها: "باب في اختيار السماع ... ". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 156 - 158)</span>.</p><p class="rtl left" id="p476"><span class="c2">(15/183)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p477">فلو فَرَضْنا أن النصوص الواردة في التساهل تدلّ على ما ذهب إليه النووي وموافقوه، فإن نصوصَ غيرهم ممن ذكره الخطيب في هذا الأبواب تخالف ذلك؛ فبطلت دعوى الإجماع قطعًا.<span class="c6"> ولا يجوز أن يقال:</span> تُحمل نصوص التشديد مطلقًا على النصوص المفصلة؛ لأن ممن جاء عنه التشديد مطلقًا مَن لم يجئ عنه التفصيل، ولا يصح تخصيصُ أو تقييدُ نصِّ إمام بنصّ غيره. ألا ترى أن نصوص مالك العامة لا يجوز تخصيصها أو تقييدها بنصوص الشافعي؟! <span class="c5">[ص 33]</span> فصل ولو سَلِمَت دعوى الإجماع من النقض فغايتُه أن يكون إجماعًا سكوتيًّا ضعيفًا،<span class="c6"> والإجماعُ السكوتيّ القويّ:</span> أن يُنْقَل أن بعض المجتهدين قال: كيتَ وكيتَ، وبلغ ذلك سائرَ المجتهدين في ذلك العصر فسكتوا.<span class="c6"> والضعيف هو:</span> أن يُنْقَل عن بعض المجتهدين، ثم يبحث المطّلع فلا يعلم لهم مخالفًا. وقد أنكر الإمامان الشافعي وأحمد تسمية مثل ذلك إجماعًا،<span class="c6"> وقالا:</span> ينبغي أن يقول: "قال جماعة ممن قبلنا، ولا أعلم لهم مخالفًا" أو نحو هذا. ويظهر من مذهبيهما أن مثل هذا حجة ضعيفة يُصار إليه إذا لم يوجد دلالة من الكتاب ولا من السنة، وعلى هذا تدلّ الآثار عن الصحابة. وعلى كل حال فإن القائلين بحجيّة الإجماع السكوتي يعترفون بأنه حجة ظنيّة، والدلائل الظنية لا تثبت بها مسائل الأصول، ومسألتنا منها.</p><p class="rtl left" id="p478"><span class="c2">(15/184)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p479"><span class="c5">[ص 34]</span> فصل وقد استدلّ المجوّزون بأمور أخرى: منها: حديث رُوي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من بَلَغه عن الله شيء وفيه فضيلة فأخَذَ به إيمانًا رجاء ثوابه أعطاه الله ذلك". ورُوي نحوه عن ابن عمر مرفوعًا، وعن أنسٍ مرفوعًا. وهذا الحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" <span class="c2">(1)</span> والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" ج 1 ص 111 - 113 <span class="c2">(2)</span>. وطرقه تدور على الكذابين والمتهمين. واعلم أن الزنادقة والضُّلّال والكذّابين في تلك القرون كان ربما اجتمع منهم <span class="c2">(3)</span> جماعة، فتواطؤوا على وضع حديث، ثم يذهب كلّ منهم يرويه بإسنادٍ غير إسناد صاحبه ليُشَبِّهوا على الناس. وكان جماعةٌ منهم إذا سمعوا حديثًا غريبًا من كذّاب ذهب كلّ منهم يخترع له إسنادًا. وكانوا كثيرًا ما يُغَلّطون المغفّلين من الرواة إما بالتلقين وإما بالإلحاق في كتبهم، وإما بغير ذلك. كل هذا معروف لمن مارس الحديث، فلا يغرّنّك تعدد الطرق مع دورانها على الهلْكَى والمتروكين والمغفّلين، وإن نُسِب بعضهم إلى الزهد والصلاح؛ فقد كان كثيرٌ من الزنادقة والضُّلّال يُظهرون الزهد والصلاح، و <span class="c5">[كان]</span> كثير من الزُّهّاد جُهّالًا يستحبّون الكذب في الحديث ترغيبًا للناس _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(501)</span>. وحديثا ابن عمر وأنس أخرجهما ابن الجوزي في "الموضوعات" أيضًا <span class="c2">(1642 و 1643)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 214)</span>. <span class="c2">(3)</span> الأصل: "منهما" سبق قلم.</p><p class="rtl left" id="p480"><span class="c2">(15/185)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p481">في الخير ــ زعموا ــ حتى تأوّل بعضهم الحديث المتواتر: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوّأ مقعدَه من النار" فقالوا: إنما نكذب له لا عليه!!! <span class="c2">(1)</span>. هذا، ولو صحّ الحديث المذكور لما كان فيه حجة للمجوّزين، بل يُحْمَل على مَن بلغه حديث ظاهره الصحة <span class="c5">[ص 35]</span> وهو في نفس الأمر باطل، توفيقًا بينه وبين أدلة المنع من العمل بالضعيف كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد رأيت رسالةً لبعض الإمامية في هذه المسألة، نَقَل فيها عن علمائهم المنعَ من العمل بالضعيف، ثم ذهب يتأوّل ويتمحّل، وذكر أثرًا عن الإمام جعفر الصادق في معنى الحديث الذي ذكرناه، فإن صحّ فقد علمتَ محله، والله أعلم.<span class="c6"> ومنها:</span> أن في العمل بالضعيف احتياطًا، والاحتياط مرغّب فيه شرعًا.<span class="c6"> والجواب:</span> أن الاحتياط إنما يُطْلَب في مواضع الاشتباه،<span class="c6"> كما في الحديث المتفق عليه:</span> "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من الناس، فمن ترك الشُّبُهات فقد استبرأ لدينه وعِرْضِه" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وفيما رُوي عن الحسن بن علي عن جده صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "دَعْ ما يَرِيبك إلى ما لا يَرِيبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة" <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "الموضوعات": <span class="c2">(1/ 138)</span> لابن الجوزي. وعلامات التعجّب الثلاث من المؤلف. <span class="c2">(2)</span> البخاري <span class="c2">(52)</span>، ومسلم <span class="c2">(1599)</span> من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما. <span class="c2">(3)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(1723)</span>، والترمذي <span class="c2">(2518)</span>، والنسائي <span class="c2">(5711)</span>، وابن حبان <span class="c2">(722)</span> وغيرهم.<span class="c6"> قال الترمذي:</span> حسن صحيح،<span class="c6"> وصححه ابن حبان والحاكم:</span> <span class="c2">(2/ 13)</span>.</p><p class="rtl left" id="p482"><span class="c2">(15/186)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p483">وأنت إذا تأملت ما تقدم وما يأتي عَلِمتَ أن الحديث الضعيف المتفرّد بعمل لا يوقع في الشُّبْهة بل الراجح أنه باطل، وعلى فَرْض الاشتباه فالاحتياط ترك العمل به؛ لأن غاية ما يحتمل في ترك العمل أن يكون تركًا لمستحبّ، وأما العمل فيُخشى منه الابتداع والإحْداث في الدين، والكذب على الله تعالى، واتهام سلف الأمة بالتفريط، وغير ذلك مما تقدّم. فالمُقْدِم على العمل إن كان الأمر عنده مشتبهًا، بمنزلة من يُقْدِم على <span class="c5">[ص 36]</span> الوقوع على امرأةٍ يشك أأُمه هي أم زوجته! ومنها: أن المباح يصير قُرْبةً بالنية.<span class="c6"> والجواب:</span> أن محلّ ذلك في مباح من شأنه أن يُعين على عبادة ثابتةٍ شرعًا، كالأكل بنيّة التقوِّي على الجهاد، فأما أن يعمد جاهل إلى أمر مباح، فيزعم أنه عبادة مقصودة، ويتعبد به، ويحافظ عليه؛ فذلك هو الإحْداث في الدين والكذب على ربّ العالمين، والتكذيب بآياته في حفظ الذكر وإكمال الدين، إلى غير ذلك مما مرّ.<span class="c6"> ومنها:</span> ما أجاب به ابنُ حجر الهيتمي في "شرح الأربعين" <span class="c2">(1)</span> عمن قال من المانعين: "إن الفضائل إنما تُتلقّى من الشارع، فإثباتها بما ذُكِر اختراعُ عبادة وشَرْعٌ لما لم يأذن به الله".<span class="c6"> قال الهيتمي:</span> "وليس ذلك من باب الاختراع والشرع المذكورَين، وإنما هو من باب ابتغاء فضيلة ورجائها بأمارةٍ ضعيفة من غير ترتُّب مفسدة عليه". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 32)</span>.</p><p class="rtl left" id="p484"><span class="c2">(15/187)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p485">والجواب: أن ابتغاء فضيلةٍ ورجاءها بأمارةٍ ضعيفة إنما يجوز فيما يكفي في ثبوته دلالة الحسّ والمشاهدة والقرائن، وذلك كمعرفة أن فلانًا عالم، وفلانًا فقير، وفلانًا صالح؛ فإنّ توقير العالم والصالح ومواساة الفقير فضائل ثابتة بالشرع. ولكن معرفة أن فلانًا عالم وفلانًا صالح وفلانًا فقير <span class="c5">[ص 37]</span> لا تتوقّف على الحجج النقلية بل مدارها على الحسّ والمشاهدة والتسامع والقرائن، فإذا وُجِدت أمارة ضعيفة أن فلانًا فقير ــ مثلًا ــ كان للمكلّف ابتغاءُ فضيلة الصدقة عليه استنادًا إليها، وذلك كأن يرى ثوبَه خَلَقًا. ويُعتدّ هنا بالأمارات التي لا تثبت بها الأحكام الشرعية، وذلك كخبر الكافر والفاسق والصبي، وكالرؤيا ونحوها. وليس مسألتنا من هذا القبيل في شيء وإنما هي من قبيل الأحكام الشرعية التي إنما يُستدلّ عليها بالحجج المعتبرة شرعًا في ثبوت الأحكام. وهذا واضح والحمد لله.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يُقال: إذا جاز أن يفعل المباح، ويختار صيام يوم معيّن، وقيام ليلةٍ معيّنة لمجرَّد سبب دنيوي، وذلك كالتختُّم بالعقيق تزيُّنًا به، وصوم ثاني يوم من صَفَر لأنه كان فارغًا فيه، وقيام ليلته لأنه سهر فيها، فكيف لا يجوز لسبب ديني وهو التماس فضيلة زائدة ولاسيما إذا ورد بها ضعيف.<span class="c6"> والجواب:</span> أن التزيّن واغتنام الفراغ والسهر ليس فيها كَذِب على الله ولا تكذيب بآياته ولا زيادة في دينه، وعليك أن ترجع إلى ما قدمنا من الأسئلة التي تورَد على من تحرّى النومَ في ضوء القمر ونحو ذلك، زاعمًا أنه يُرجى لفاعله الأجر والثواب.</p><p class="rtl left" id="p486"><span class="c2">(15/188)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p487">وقد قدمنا أن الأسئلة بعينها تورَد على من تحرّى <span class="c5">[ص 38]</span> صوم ثاني صفر، زاعمًا أنه يُرجَى لصائمه أجرٌ وثواب أفضل مما يُرجَى لصائم اليوم الذي قبله ونحوه.<span class="c6"> فإنه يقال لهذا:</span> أمِن المشروع صوم هذا اليوم لهذا الرجاء؟<span class="c6"> فإن قال:</span> نعم،<span class="c6"> قيل له:</span> آلله عزَّ وجلَّ شَرَعَه أم غيره؟ .. <span class="c2">(إلى آخر ما تقدّم)</span> <span class="c2">(1)</span>. فأما المتزيّن ومغتنم الفراغ ومغتنم السهر؛<span class="c6"> فإنهم لو سُئلوا الأسئلة المذكورة لمرّوا في أجْوِبتها على الوجه الصحيح إلى أن يقال لهم:</span> "فأوْجِدونا في الشريعة ذلك" فيقولون: قال الله تعالى: <span class="c4">{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ}</span> <span class="c5">[الأعراف: 32]</span>، <span class="c4">{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}</span> <span class="c5">[الشرح: 7]</span>، والسهر ضرب من الفراغ، والإجماع المحقق منعقد على الجواز. فتدبَّر <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 175 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(2)</span> هنا تنتهي هذه القطعة من الكتاب. وقد ألحقنا بها موضعين من القطع الأخرى كما سيأتي التنبيه عليه.</p><p class="rtl left" id="p488"><span class="c2">(15/189)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p489"><span class="c5">[فصل]</span> <span class="c2">(1)</span> نصوص الإمام الشافعي في هذا البحث قال الإمام الشافعي في صدر "الرسالة" <span class="c2">(2)</span>: " ... وصنف كفروا بالله فابتدعوا ما لم يأذن به الله، ونصبوا بأيديهم حجارة وخشبًا وصورًا استحسنوها، ونبزوا أسماء افتعلوها، ودعوها آلهةً عبدوها، فإذا استحسنوا غيرَ ما عبدوا منها ألقوه ونصبوا بأيديهم غيره فعبدوه ... فكانوا قبل إنقاذه إياهم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أهلَ كفر في تفرُّقهم واجتماعهم، يجمعهم أعظم الأمور الكفر بالله وابتداع ما لم يأذن به الله ... فليست تنزل بأحدٍ من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله جل ثناؤه الدليل على سبيل الهدى فيها".<span class="c6"> وقال:</span> "والعلم طبقات شتى،<span class="c6"> الأولى:</span> الكتاب والسنة إذا ثبتت السنة <span class="c2">(3)</span>،<span class="c6"> ثم الثانية:</span> الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة،<span class="c6"> والثالثة:</span> أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعلم له مخالفًا منهم،<span class="c6"> والرابعة:</span> اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك،<span class="c6"> الخامسة:</span> القياس على بعض الطبقات، ولا يُصار إلى شيء غير الكتاب والسنة وهما _________ <span class="c2">(1)</span> هذا الفصل ألحقناه هنا، وهو من القطعة الثانية من الرسالة <span class="c5">[4658/ 10]</span> <span class="c2">(17 ب- 19 ب)</span>. ولعله من ضمن ما استدل به النواوي على جواز العمل بالضعيف، كما ذكر المؤلف <span class="c5">[ص 6]</span> من هذه القطعة من الرسالة. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 10)</span>. <span class="c2">(3)</span> "إذا ثبتت السنة" ليست في ط دار الوفاء.</p><p class="rtl left" id="p490"><span class="c2">(15/190)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p491">موجودان". "الأم" <span class="c2">(7/ 246)</span> <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وقال:</span> " ... لا يجوز لمن استأهل أن يكون حاكمًا أو مفتيًا أن يحكم ولا أن يفتي إلا من جهة خبر لازم، وذلك الكتاب ثم السنة، أو ما قاله أهلُ العلم لا يختلفون فيه، أو قياس على بعض. هذا، ولا يجوز له أن يحكم ولا يفتي بالاستحسان ... " "الأم" <span class="c2">(7/ 271)</span> <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وقال ــ رحمه الله ــ بعد أن ساق المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعاء الافتتاح:</span> "فإن زاد فيه شيئًا أو نقصه كرهته ولا إعادة" "الأم" <span class="c2">(1/ 92)</span>. ونحو هذا ذكر في التلبية،<span class="c6"> وروى فيها "عن عبد الله بن أبي سلمة أنّه قال:</span> سمع سعدٌ بعضَ بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج،<span class="c6"> فقال سعد:</span> المعارج؟ إنّه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". "الأم" <span class="c2">(2/ 132 ــ 133)</span> <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> وذكر في موضع آخر بعد أن ذكر تلبية النبي صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "ولا أحبّ أن يزيد على هذا في التلبية حرفًا إلا أن يرى شيئًا يعجبه فيقول: لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة، فإنّه لا يُرْوَى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه زاد في التلبية حرفًا غير هذا عند شيء رآه فأعجبه". <span class="c2">(2/ 173)</span> <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 764 - دار الوفاء)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(9/ 67 - 68)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 391 - 392)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(3/ 525)</span>.</p><p class="rtl left" id="p492"><span class="c2">(15/191)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p493">أقول: ومثل هذا ما جاء أنّ رجلًا عطس عند ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله.<span class="c6"> فقال ابن عمر:</span> وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> علّمنا أن نقول:</span> "الحمد لله على كل حال". "جامع الترمذي" <span class="c2">(2/ 123)</span> <span class="c2">(1)</span>، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" <span class="c2">(2)</span> وقال: صحيح غريب، وأقرّه الذهبي. وقال الشافعي <span class="c2">(3)</span>: "وأحبّ أن يستلم الركنَ اليماني بيده ويقبّلها ولا يقبّله؛ لأنّي لم أعلم أحدًا روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قبّل إلا الحجر الأسود، وإن قبّله فلا بأس به، ولا آمره باستلام الركنين اللذين يليان الحجر الأسود، ولو استلمهما أو ما بين الأركان من البيت، لم يكن عليه إعادة ولا فدية، إلا أني أحبّ أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". وبعد كلام روى "عن محمد بن كعب القُرَظي أنّ رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يمسح الأركان كلها،<span class="c6"> ويقول:</span> لا ينبغي لبيت الله تعالى أن يكون شيء منه مهجورًا.<span class="c6"> وكان ابن عباس يقول:</span> <span class="c4">{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}</span> ... " "الأم" <span class="c2">(2/ 146 ــ 147)</span> <span class="c2">(4)</span>. وذكر بعد ذلك أنّ الذي كان يستلمه ابنُ الزبير، وذَكَر قولَ ابن عباس ثم _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2738)</span> وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 265)</span> وعبارته: "هذا حديث صحيح الإسناد غريب في ترجمة شيوخ نافع". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 428)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(3/ 430 - 431)</span>.</p><p class="rtl left" id="p494"><span class="c2">(15/192)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p495">قال: "وبهذا نقول" <span class="c2">(1)</span>. وقد روى الإمام أحمد <span class="c2">(2)</span> وغيره أنّ ابن عبّاس طاف مع معاوية فكان معاوية يستلم الشاميين وابن عباس يمنعه ويقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".<span class="c6"> وفي بعض الروايات:</span> أنّ معاوية رجع عن ذلك <span class="c2">(3)</span>. وقد عقد البيهقي في "السنن" بابًا لذلك،<span class="c6"> وذكر فيه جواب الشافعي عن شبهة الهجران بقوله:</span> "قال الشافعي: ولم يدَّعِ أحدٌ استلامهما هجرةً لبيت الله ونسكه، ولكنّه استلم ما استلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمسك عمّا أمسك عنه". "سنن البيهقي" <span class="c2">(5/ 77)</span>. وقد جاء عن عمر وعثمان عدم استلام الشاميين واحتجَّا بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله <span class="c2">(4)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> وقول الشافعي: "وإن قبّله فلا بأس به ... " يمكن أن يكون أراد بالبأس الإعادة والفدية،<span class="c6"> أي:</span> أنّه لا إعادة عليه ولا فدية كما بيّنه بعد ذلك،<span class="c6"> ولكنّه قال في موضع:</span> "وأيّ البيت قَبَّل فحَسَنٌ غير أنّا نأمر بالاتباع"، وهذا لا يخلو عن إشكال، ولعله أراد أنّه مباح إذا لم يزعم فاعله أنّه من الدين، بل فعله بباعث المحبة، كالذي كان يقرأ <span class="c4">{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}</span> في كل ركعة، مع أنّ بينهما فرقًا، فإنّ <span class="c4">{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}</span> في الصلاة ثابت إجمالًا، وتقبيل ما _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 435)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2210)</span>، وأخرجه البخاري <span class="c2">(1608)</span> معلقًا،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(3/ 542)</span>. <span class="c2">(3)</span> في "المسند" <span class="c2">(1877)</span> وفيه قول معاوية لما ذكر له ابنُ عباس الآية: "صدقت". <span class="c2">(4)</span> خبر عمر رواه أحمد <span class="c2">(253، 313)</span>، وخبر عثمان رواه أحمد أيضًا <span class="c2">(512)</span>.</p><p class="rtl left" id="p496"><span class="c2">(15/193)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p497">بين الأركان لم يثبت إجمالًا ولا تفصيلًا، والقياس فاسد الاعتبار لمخالفته النص، فإنّ تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجرَ الأسود، وتركه تقبيل غيره واضح في الدلالة على الفرق، هذا مع ما جاء من مزيّة الحجر الأسود على سائر البيت، والله أعلم. وذكر الشافعيُّ في الحجِّ أدعيةً بعضها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسندٍ لا يثبت، وبعضها حكاها عن بعض التابعين وبعضها لم يحكه عن أحد،<span class="c6"> ويعبر عنها بقوله:</span> "أستحب" ونحوه، وقد يتوهّم أنّ تلك الأدعية مستحبة على التعيين، وليس هذا مراد الشافعي إن شاء الله، وإنّما مراده ــ إن شاء الله ــ أنّ الدعاء المناسب للمقام مستحب، وذلك الدعاء الذي ذكره مناسب، وروايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن بعض السلف يُكْسِب النفسَ طمأنينة بسلامة الدعاء ممّا يكره، ولو عَدَل الحاجُّ عنه إلى دعاء آخر مناسب كان قد أتى بالمستحب؛<span class="c6"> ولهذا قال الشافعي في باب القول عن رؤية البيت بعد أن ساق بعض الأدعية:</span> "فأستحبّ للرجل إذا رأى البيت أن يقول ما حكيت، وما قال مِنْ حَسَن أجزأه إن شاء الله تعالى". <span class="c2">(2/ 144)</span> <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وهذا كثيرٌ في كلام الشافعي يقول:</span> أستحبُّ كذا، ويذكر مثالًا خاصًّا يريد ــ والله أعلم ــ أنّه فَرْد من أفراد المستحب المطلق لا أنّه مستحب بعينه. فمن ذلك أنّ مالكًا ــ رحمه الله ــ كره عند الذبح أن يُصَلّى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> فقال الشافعي:</span> "والتسمية على الذبيحة "باسم _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 423)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "البيان والتحصيل": <span class="c2">(3/ 281)</span>،<span class="c6"> و"مواهب الجليل":</span> <span class="c2">(1/ 383)</span>.</p><p class="rtl left" id="p498"><span class="c2">(15/194)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p499">الله" فإذا زاد على ذلك شيئًا مِنْ ذِكْر الله عز وجل فالزيادة خير، ولا أكره مع تسميته عند <span class="c2">(1)</span> الذبيحة أن يقول: صلى الله على محمد رسول الله، بل أحبُّه له، وأحب أن يُكثر الصلاةَ عليه، فصلّى الله عليه في كل الحالات؛ لأنّ ذكر الله عزّ وجلّ والصلاة عليه إيمان بالله تعالى وعبادة له يُؤجَر عليها إن شاء الله تعالى من قالها ...<span class="c6"> قال:</span> ولسنا نعلم مسلمًا، ولا نخاف عليه أن تكون صلاته عليه صلى الله عليه وآله وسلم إلا إيمان بالله <span class="c2">(2)</span>، ولقد خشيت أن يكون الشيطان أدْخَلَ على بعض أهل الجهالة النهيَ عن ذِكْر اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الذبيحة، ليمنعهم الصلاةَ عليه في حالٍ لمعنى يعرض في قلوب أهل الغفلة ... ". "الأم" <span class="c2">(2/ 305)</span> <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> يعني بقوله:</span> "لمعنى ... " إلخ أن ينوي الذبح لله وللرسول، أو يظن ذِكْر الرسول لازمًا لزوم ذكر اسم الله أو نحو ذلك.<span class="c6"> وقوله:</span> "فالزيادة خير" يريد الخيرية المطلقة المشتركة بين هذا الموضع وغيره،<span class="c6"> وهكذا قوله:</span> "بل أحبه له" مراده أنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم محبوبة مطلقًا، وهذا الموضع من أفراد ذلك المطلق، وهذا ظاهر في سياق عبارته، وإن غلط في هذا بعض الفقهاء فزعم أنّها مستحبة في هذا الموضع بعينه على الخصوص. وقد يُحْتَجّ لمالك بأنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الذبح لم تُنقل عنه صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن أحدٍ من أصحابه ولا _________ <span class="c2">(1)</span> في "الأم": "على". <span class="c2">(2)</span> كذا في الأصل، وفي ط.<span class="c6"> دار الوفاء:</span> "الإيمان بالله". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 621 - 622)</span>.</p><p class="rtl left" id="p500"><span class="c2">(15/195)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p501">أئمة التابعين، وقد احتجّ الشافعي بمثل هذا في مواضع قد تقدم بعضها <span class="c2">(1)</span>. وتَرْكُه صلى الله عليه وآله وسلم من سنّته،<span class="c6"> وقد مرّ احتجاج ابن عباس بقوله تعالى:</span> <span class="c4">{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}</span> <span class="c2">(2)</span> <span class="c5">[الأحزاب: 21]</span>،<span class="c6"> ومثلها في الحجة قوله تعالى:</span> <span class="c4">{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}</span> <span class="c5">[آل عمران: 31]</span>. وغيرها من الآيات في الأمر بطاعته صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنّ مِنْ اتباعه تَرْكَ ما تركه، وقد غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النفر الذين أراد بعضهم أن يصوم ولا يفطر، وأراد الآخر أن يقوم الليل ولا ينام، وأراد الثالث أن يتجرّد للعبادة فلا يتزوّج،<span class="c6"> وممّا قاله صلى الله عليه وآله وسلم في زَجْرهم وزجر أمثالهم:</span> "فمن رغب عن سنتي فليس مني". ومرّ احتجاج عمر وغيره، وسيأتي مزيد لذلك في بيان أن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة <span class="c2">(3)</span>. وذكر الشافعي ــ رحمه الله ــ في باب <span class="c2">(الاغتسال للعيد)</span> <span class="c2">(4)</span> <span class="c5">[قال: كان مذهب سعيد وعروة في أن الغسل في العيدين سنة، أنه أحسن وأعرف وأنظف، وأنْ قد فعله قومٌ صالحون، لا أنه حَتْمٌ بأنه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -]</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 191)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 192)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 200 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 489)</span>. إلى هنا انتهت هذه القطعة من النسخة الثانية من الرسالة، وقد نقلتُ باقي كلام الشافعي من "الأم".</p><p class="rtl left" id="p502"><span class="c2">(15/196)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p503"><span class="c5">[فصل]</span> <span class="c2">(1)</span> نعم قد توجد مسائل عن بعض الأكابر استحسنوا فيها العمل بحديث يظهر أنه ضعيف، ولكن مثل ذلك لا يثبت به أصل عظيم من الأصول الشرعية تُعارَض به الأصول القطعية؛ لاحتمال أن ذلك الحديث كان عند مَن قال بموجبه صحيحًا، أو كان له عاضد ولو من القياس، أو يكون ذلك سهوًا منه، أو غير ذلك. وقد يُروى عن بعضهم المحافظة على بعض المباحات على هيئة يتوهَّم الناسُ أنه كان يرى أنها مستحبة، ولم يكن هو يراها مستحبة، وقد تكون له نية يصيرُ ذلك المباح بها قربة، ولكن لا تتفق هذه النية لكل أحد. كما يروى أن مالكًا رحمه الله كان إذا أراد الخروج إلى مجلس الحديث اغتسل <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> وأن البخاري قال:</span> ما وضعت في كتابي الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين <span class="c2">(3)</span>. فكأنهما كانا يغتسلان لأن الغسل يورث ...... <span class="c2">(4)</span>. <span class="c5">[فصل]</span> <span class="c5">[ص 21]</span> <span class="c5">[والبدعة]</span> بالتعريف المذكور <span class="c2">(5)</span> مذمومةٌ قطعًا ولا يُستثنى منها _________ <span class="c2">(1)</span> من هنا إلى آخر الرسالة أضفناه من القطعة الثانية من الرسالة <span class="c5">[4658/ 10]</span> <span class="c2">(ق 23 ب- 33 ب)</span> وقد حصل فيها خرم في موضعين كما سيأتي التنبيه عليه. <span class="c2">(2)</span> انظر "تهذيب الأسماء واللغات": <span class="c2">(ق 1/ 2/76)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر "تاريخ بغداد": <span class="c2">(2/ 9)</span>،<span class="c6"> و"السير":</span> <span class="c2">(12/ 402)</span>. <span class="c2">(4)</span> هنا خرم ورقة أو أكثر. <span class="c2">(5)</span> بسبب الخرم السالف سقط ما قبل هذا من الكلام، وواضح أن حديث المؤلف عن البدعة فأضفناه بين معكوفين، والتعريف الذي أراده المؤلف هو "إلصاق أمر بالدين وليس من الدين". انظر "حقيقة البدعة" <span class="c2">(ص 88 - ضمن رسائل العقيدة)</span> للمؤلف.</p><p class="rtl left" id="p504"><span class="c2">(15/197)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p505">شيء، وأدلة ذلك لا تحصى، وقد بسطها الشاطبي في "الاعتصام" <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> وسأشير إلى بعضها:</span> فمنها: أن الله تعالى قسَّم الكفر في كتابه إلى قسمين: الكذب عليه، والتكذيب بآياته، والآيات في ذلك كثيرة،<span class="c6"> منها قوله تعالى:</span> <span class="c4">{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}</span> <span class="c5">[العنكبوت: 68]</span>،<span class="c6"> وقوله تعالى:</span> <span class="c4">{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}</span> <span class="c5">[الزمر: 32]</span>. وكلّ من عمل عملًا يرجو ثوابه من الله تعالى، فقد نَسَب ذلك العمل إلى الدين، فإن كان عنده سلطان أنه من الدين وإلا فهو كاذب على الله تعالى، والسلطان إما يقينيّ بذاته كآيةٍ من القرءان قطعية الدلالة، وإما مُسْتَنِد إلى يقينيّ كحديث صحيح، فإنه ليس قطعيًّا في نفسه عند أكثر العلماء، ولكنه مستند إلى أصل قطعي، وهو وجوب العمل بالحديث الصحيح، فإن مجموع الأدلة على ذلك يفيد اليقين، وإن كان كلّ فرد منها لا يفيده.<span class="c6"> وما لم يكن قطعيًّا ولا يستند إلى قطعيّ فهو من الخَرْص الذي قال الله تعالى فيه:</span> <span class="c4">{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}</span> <span class="c5">[الذاريات: 10]</span>،<span class="c6"> ومن الظن الذي قال فيه:</span> <span class="c4">{إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}</span> <span class="c5">[يونس: 36]</span>، فصاحبه كاذب على الله عز وجل ولا بدّ. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 62 - 66)</span>.</p><p class="rtl left" id="p506"><span class="c2">(15/198)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p507">والبدعةُ المذمومةُ التي سبق تعريفها <span class="c2">(1)</span> كلها داخلة في هذا، ولكن من النّاس من يُعْذَر، على ما يأتي إيضاحه في موضعه إن شاء الله تعالى <span class="c2">(2)</span>. ومن هنا تضافرت الأحاديث على ذمها كلها،<span class="c6"> ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم وغيره من طرق متواترة إلى جعفر الصادق عن أبيه قال:</span> سمعت جابر بن عبد الله يقول: كانت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة: يحمد الله ويثني عليه،<span class="c6"> ثم يقول بعد ذلك ــ وقد علا صوتُه ــ:</span> "أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" مسلم ج 3 ص 11 <span class="c2">(3)</span>. ولولا عِظَم خطر الإحداث في الدين لما كرّر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام كلَّ جمعة. وقد اتفق المحققون أنّ المرادَ بالبدعة في هذا الحديث البدعةُ في الدين ــ على ما قدمنا تعريفها ــ ولكن منهم من أدخل فيها ما كان مِنْ هَدْيه صلى الله عليه وآله وسلم بالقوّة، فاحتاج إلى استثنائه من هذا الحديث وغيره من الأحاديث الكثيرة. ومنهم مَن نَظَر إلى أنّ البدعة لغةً أعمّ من البدعة في هذه الأحاديث، فاحتاج إلى قسمتها إلى الأحكام الخمسة. وقد نصّ هذا الحديثُ وغيرُه <span class="c5">[ص 22]</span> من الأحاديث أنّ البدع شر الأمور، وأنّ كلّ بدعة ضلالة. فأقلّ ما _________ <span class="c2">(1)</span> انظر <span class="c2">(ص 197)</span> حاشية رقم <span class="c2">(5)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 211 - 212)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(867)</span>.</p><p class="rtl left" id="p508"><span class="c2">(15/199)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p509">يدلّ عليه ذلك أنّها من الكبائر، وحينئذٍ فلا يخرج العمل عن كونه بدعة إلا بحجّةٍ يحصل بها اليقين، أو غَلَبة الظن المستنِد إلى يقين= بأنّ ذلك العمل من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والضعيفُ بعيد عن ذلك، ولا ينفعه ثبوتُ عمومٍ يندرج تحته، فإنّ الأمر بمطلق قيام الليل وصيام التطوع يدلّ على تساوي الليالي والأيام، فمن قام ليلة النصف من شعبان أو صام يومها رجاء ثوابٍ أعظمَ من ثواب ليلة النصف من صفر، فإن واظب عليها احتاج إلى سلطانٍ بأن من هَدْي النبي صلى الله عليه وآله وسلم المواظبة عليها، فإن لم يكن له سلطان على ذلك، فعمله بدعة، وقد علمتَ أنّ ذلك العموم لا يدلّ على ما ذكر، وأنّ الحديث الضعيف لا يصلح سلطانًا، وقس على ذلك. ولا يُظَنّ بالصحابة والتابعين وسلف الأمة أن تفوتهم سنةٌ من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينفرد بها بعض الضعفاء، والمنفردُ بها إن كان واحدًا فذلك حديث غريب، وقد أَبْلَغ الأئمةُ في ذمّ الغرائب كما سلف <span class="c2">(1)</span>. <span class="c5">[تَرْك النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل هو حجة]</span> واعلم أنّ عامة الفضائل التي يحاول المتأخرون إثباتها بالأحاديث الضعيفة مما لم يُنْقَل من وجه صحيح أنّه عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها ولا أصحابه، ولا أئمة التابعين، وكثيرٌ منها لم يعمل به <span class="c5">[ص 26]</span> مَنْ بعدهم إلى قرون، وما كان كذلك وجب الحكم بأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لم يعملوا به ....<span class="c6"> وفي "إعلام الموقعين":</span> "فصل، وأمّا نقلهم لتركه صلى الله عليه وآله _________ <span class="c2">(1)</span> من هنا ضرب المؤلف على 9 صفحات إلى أواخر <span class="c5">[ق 25 ب]</span>.</p><p class="rtl left" id="p510"><span class="c2">(15/200)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p511">وسلم فهو نوعان، وكلاهما سنة،<span class="c6"> أحدهما:</span> تصريحهم بأنّه ترك كذا ... والثاني عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هِمَمهم ودواعيهم أو أكثرِهم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدّث به في مجمع أبدًا عُلِم أنه لم يكن".<span class="c6"> أقول:</span> وما نُقِل من وجه غير ثابت فكأنّه لم يُنْقَل. ثم ذَكَر أمثلة من ذلك،<span class="c6"> إلى أن قال:</span> "ومن ههنا يُعلَم أنّ القول باستحباب ذلك خلاف السنة، فإنّ <span class="c2">(1)</span> تَرْكه صلى الله عليه وآله وسلم سنة كما أن فِعْله سنة، فإذا استحببنا فِعْل ما تَرَكه كان نظير استحبابنا تَرْك ما فَعَله ولا فرق ... ".<span class="c6"> أقول:</span> يعني أنّ استحباب ترك السنة الثابتة تكذيب له صلى الله عليه وآله وسلم، وشَرْعٌ في الدين يناقض ما شرعَه، واستحبابُ فعلِ ما تركه كَذِبٌ على الله تعالى، وشَرْعٌ في الدين ما لم يشرعه. فأمّا إذا تركنا للتكاسل ما فَعَلَه فإنّه أهون جدًّا من استحبابنا فعل ما تركه؛ لأنّ غاية الأوّل أن يكون معصية أو مكروهًا أو خلاف الأولى، وليس فيه كذب على الله ولا تكذيب بآياته. وأمّا الثاني فهو كذب على الله وشَرْعٌ في الدين لما لم يأذن به الله، وفيه مع ذلك تكذيب فيما نصّ عليه من إكمال الدين، وفيما تكفّل به من حفظ الشريعة أو رَمْيٌ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه لم يبلّغ ما أنزل الله إليه، أو للصحابة بأنّهم لم يبلغوا ما سمعوا، أو لأئمة التابعين أو من بعدهم. ورَمْيٌ لهم جميعًا بأنّهم كانوا مقصرين عن فضيلة من الفضائل حتى جاء هذا المبتدع فأحياها والعياذ بالله". _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "وما" والمثبت من "الإعلام".</p><p class="rtl left" id="p512"><span class="c2">(15/201)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p513">ثم قال: "فإن قيل: من أين لكم أنّه لم يفعله، وعدم النقل لا يستلزم نقل العدم؟ فهذا سؤال بعيد جدًّا عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صحّ السؤال وقُبِل <span class="c2">(1)</span> لاستحبَّ لنا مستحبٌّ الأذان للتراويح،<span class="c6"> وقال:</span> من أين لكم أنّه لم يُنْقَل؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر الغُسلَ لكلّ صلاة،<span class="c6"> وقال:</span> من أين لكم أنّه لم ينقل؟ ...<span class="c6"> واستحبّ لنا آخر صلاة ليلة النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال:</span> من أين لكم أنّ إحياءها لم يُنقل؟ وانفتح بابُ البدعة،<span class="c6"> وقال كلُّ من دعا إلى بدعة:</span> من أين لكم أنّ هذا لم يُنقل". "إعلام الموقعين" <span class="c2">(2/ 440)</span> <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> والسؤال الذي فرضَه مردودٌ إجماعًا، ويكفي لدفعه من الشرع <span class="c5">[ص 27]</span> قوله تعالى: <span class="c4">{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}</span> <span class="c5">[الحجر: 9]</span>، وما عُلِم من الدين بالضرورة بأنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وكتابه خاتم الكتب، وشريعته خاتمة الشرائع. ومن جهة العقل والعادة ما عُلِم بالتواتر من شِدّة حرص النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على تبليغ جزئيات الدين، وحرص أصحابه ــ مع كثرتهم ــ على حفظ ذلك وتبليغه إلى من بعدهم وهلمّ جرًّا، حتّى لقد أنكر بعضُ العلماء الحديثَ الذي يجمع شروط الصحة ولكنه فرد، وأنكر مالكٌ كثيرًا من الأحاديث الصحيحة؛ لأنّه وجد عملَ أهلِ المدينة على خلافها. وكذا أبو حنيفة رحمه الله فإنّه يتردّد في الأحاديث الأفراد إذا خالفت العمل. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "وقيل" خطأ. والمثبت من "الإعلام". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 264 - 265)</span>.</p><p class="rtl left" id="p514"><span class="c2">(15/202)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p515">ونحن نرى العمل بالأحاديث الأفراد الصحيحة؛ لأنّها داخلة في الأصل القطعي الموجِب للعمل بالحديث الصحيح؛ ولأنّا نرى أنّ ما تكفَّل الله تعالى به من حفظ الشريعة يحصل بذلك. وقد يجوز أن ينفرد الصحابيُّ بالسنة، ويتفق له أن يحدِّث بها جماعةً محصورين، فيبلّغها واحد منهم فقط. على أنّنا نتردَّدُ في الحديث الفَرْد وإن كان رواته ثقات، إذا كان عن عمل يتكرّر سببُه كثيرًا، أو من شأنه أن تتوفر الرغبات على نقله، وانضمَّ إلى ذلك غرابةُ المعنى؛ بأن لم يوجد له شبيه في الشريعة.<span class="c6"> • وممّا احتجّ به القائلون بالعمل بالضعيف:</span> الإجماعُ على أنّ المباح يصير قُربةً بالنية.<span class="c6"> والجواب:</span> أن محلّ ذلك في المقاصد الشرعية الثابتة إذا كان يمكن تحصيلها بوسائل كثيرة، كلّ واحدةٍ منها كافية في ذلك، ولم يعيِّن الشرعُ وسيلةً منها على سبيل التحديد، بل ترك النظر للمكلف؛ فإنه يعلم حينئذ أنّ على المكلّف أن يتوصل إلى ذلك المقصد بأي وسيلة شاء من الوسائل المباحة في نفسها، فإذا كان المقصد واجبًا ثبت أنه يجب على المكلّف أن يتوسل إليه بوسيلة من تلك الوسائل، وهي حينئذ واجبة على التخيير، فإذا اختار واحدًا منها صار ذلك الواحد قربة؛ لأنّه حينئذٍ واجب، وإن كان المقصد مندوبًا كانت تلك الوسائل مندوبة على التخيير، فإذا اختار واحدًا منها صار مندوبًا، ويكون التوسل بأحدها إلى ذلك المقصد من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل إن ثبت عنه أنّه توسل به لذلك المقصد، ومن هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالقوة إن كان استغنى عنه بغيره، ولكن</p><p class="rtl left" id="p516"><span class="c2">(15/203)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p517">على العامل أن يعلم أنّ تلك الوسيلة <span class="c5">[ص 28]</span> ليست قربةً بذاتها، وإنّما تكون قُربة للتوسل بها إلى قربة، وعليه إذا كان متبوعًا أن يحترز عن إيهام تابعيه أنّها قربة بذاتها. فمن ذلك الحج والجهاد مقصدان شرعيّان أُمِرْنا بهما ويمكننا التوسل إليهما بأمور متعددة، كالسفر إلى الحج مشيًا وركوبًا على الخيل والبغال والحمير والجمال والفِيَلة، وفي السفن البحرية شراعية أو بخارية، وفي القطار والسيارات والطيارات وغير ذلك، ولم يحدد لنا الشرع شيئًا منها على سبيل التقييد. وتوسَّل النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بالركوب على الناقة وكثير من أصحابه بالمشي، فكانت هاتان الوسيلتان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، وأمّا التوسل بركوب الباخرة أو القطار أو السيارة أو الطيارة، فلم يقع في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنّه من هديه بالقوة.<span class="c6"> وممّا يصرح بذلك قول الله عز وجل:</span> <span class="c4">{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}</span> <span class="c5">[آل عمران: 97]</span>. وركوب السيارة والطيارة ونحوهما سبيل من السبل، وقس على هذا حال الجهاد، فالتوسّل إليه بالسيف والرمح من هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، وبالبندق والمدفع وغيرهما من هديه بالقوة،<span class="c6"> وممّا يصرّح بذلك قول الله عز وجل:</span> <span class="c4">{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}</span> <span class="c5">[الأنفال: 60]</span>.<span class="c6"> ومن ذلك:</span> أنّ قراءة القرآن مقصد شرعي أُمِرنا به مطلقًا أي: بدون تعيين وسيلة من وسائله على وجه التحديد والتقييد، فكان ذلك أمرًا بوسائله على وجه التخيير، فيدخل في ذلك التوسل بالنظارات الزجاجية فهي من هدي</p><p class="rtl left" id="p518"><span class="c2">(15/204)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p519">النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقوة؛ لأنّها إنّما لم تُستعمل في عهده؛ لأنّها لم تكون موجودة. وقد يكون للمقصد الشرعي وسيلة متيسرة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيعمل به ثم بعده تختل تلك الوسيلة، إمّا بحيث لا تبقى كافية لتحصيل المقصد، وإمّا بحيث يصير غيرها أصلح منها، وحينئذٍ فينبغي العدولُ عن الوسيلة التي كانت في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تتعين وسيلةٌ لم تكن على عهده فتصير واجبة لعينها، وذلك كتحصيل البنادق والمدافع ونحوهما من آلات الجهاد. وقد تصير وسيلةً لم تكن على عهده أصلح من التي كانت على عهده، فتصير مستحبةً لعينها، وعلى هذين القسمين يدور قسم الواجب والمستحب من أقسام البدعة على ما قَسّمه بعضُ <span class="c5">[ص 29]</span> العلماء. ويدخل فيما تقدم اغتسال مالك عند إرادة التحديث، والبخاري عند إرادة إثبات الحديث في الصحيح <span class="c2">(1)</span>؛ لأنّ من المقاصد الشرعية وجوب التحفُّظ عن الخطأ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي الحكم على الحديث بالصحة، ولاسيما إذا كان الحاكم يرى أن حكمه سيُعْمَل به إلى يوم القيامة، ومن الوسائل إلى التحفّظ الاغتسال ليكون أقوى للنشاط وصفاء الذهن ولطف الفطنة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستغنيًا عن ذلك بما وهبه الله تعالى له من القوة والعصمة، وأمّا أصحابه فكانوا أحضر أذهانًا وأقوى فطنة مما بعدهم، مع أنّهم لا يكادون يخشون الخطأ؛ لأنّهم سمعوا الحديث من فيه صلى الله عليه وآله وسلم مرارًا، فهم على يقين لا شكّ فيه، ويدخل في هذا كلّ ما لعله يصح ممّا يشبه ذلك عن _________ <span class="c2">(1)</span> انظر تخريجهما فيما سلف <span class="c2">(ص 197)</span>.</p><p class="rtl left" id="p520"><span class="c2">(15/205)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p521">أئمة السلف، على أنّنا نعلم أنّه لم يكن أحد منهم معصومًا عن الخطأ، والله أعلم. إذا أحطت خبرًا بما تقدم، ثم وزنتَ به مسحَ الرقبة في الوضوء، وتخصيصَ ليلة النصف من شعبان بالقيام، ويومها بالصيام، اتضح لك الفرق، فإنّ هذه وأمثالها مقاصد لا وسائل، والعامل بها إنّما يتديَّن بها على أنّها قربة بذاتها، والحجة قائمة على أنّها ليست من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بالفعل ولا بالقوة، بل الحجة قائمة على أنّ من هديه صلى الله عليه وآله وسلم تركها بالفعل، وليس هناك ما يقتضي أنّها من هديه بالقوة، بل إنّ الهدي بالقوة إنّما يتصوّر في الوسائل كما تقدم، فأمّا المقاصد الشرعية فكلها من هديه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل، وتحقيق هذا يحتاج إلى إطالة.<span class="c6"> • وممّا احتجُّوا به:</span> أنّ في العمل بالضعيف احتياطًا.<span class="c6"> والجواب:</span> يا حبذا الاحتياط، فإنّ الشرع يحثّ عليه، وفي القرآن آيات كثيرة تشير إليه، والأحاديث فيه كثيرة، قد ذكرنا بعض ذلك في موضع آخر، وإنّما علينا أن نعرف ما هو الاحتياط،<span class="c6"> فأقول:</span> محل الاحتياط عند الاشتباه، فينبغي للمكلف حينئذ أن يختار ما لا خطر فيه، أو ما هو أقلّ خطرًا. والحديثُ الضعيف بعد ثبوت ضعفه ليس بحجة، بل قد قدمنا ما يُعْرَف منه أنّ الحجة قائمة على بطلانه.<span class="c6"> ثم نقول:</span> لا يخلو الضعيف أن يكون يقتضي فعلاً أو تركًا، فأمّا الأوّل فإنّك إن عملت ما دلّ عليه وقعت في البدعة، وهي حرام أو شرك، كما يأتي تحقيقه ــ إن شاء الله تعالى ــ، وإن تركتَ العملَ به فغاية الأمر أنّ هناك احتمالاً ضعيفًا</p><p class="rtl left" id="p522"><span class="c2">(15/206)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p523">أنّك تركت مستحبًّا، <span class="c5">[ص 30]</span> فأخبرني الآن كيف الاحتياط؟ أليس هو أن تترك العمل بالضعيف لئلا تقع في البدعة الحرام أو الشرك؟ ! تدبّر. وأمّا الثاني فكذلك؛ لأنّ الضعيف إن اقتضى تركًا لما قام الدليل على أنّه واجب أو مستحب فواضح، وإن اقتضى تركًا لما قام الدليل على أنّه مباح، فَتَرْك المباح الذي قام الدليل على إباحته خوفًا من أن يكون حرامًا أو مكروهًا تدين بتركه، والتدين بما قام الدليل على أنّه ليس من الدين بدعة حرام أو شرك،<span class="c6"> قال تعالى:</span> {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ <span class="c2">(118)</span> وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ <span class="c2">(119)</span> وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ <span class="c2">(120)</span> وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} <span class="c5">[الأنعام: 118 - 121]</span>.<span class="c6"> وجاء في أسبا ب النزول ما حاصله:</span> أنّ شياطين الجن والإنس أوحوا إلى المشركين أن يقولوا للمسلمين: أمّا ما ذبح الله تعالى ــ يعنون الميتة ــ فلا تأكلون، وأمّا ما ذبحتم بأيديكم فتأكلون. وهذه شبهة قد تحمل بعض الناس على أن لا يأكل اللحم أصلاً،<span class="c6"> يقول:</span> إذا حرم ما ذبح الله فما ذبحت أولى،<span class="c6"> وتحمل آخرين على أكل الميتة قائلين:</span> إذا أحلّ لنا ما ذبحناه فما ذبح الله تعالى أولى، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، وبيّن فيها أنّ كلا القولين شرك منافٍ للإيمان؛ لأنّ كلاًّ منهما تديُّن بما لم يشرعه الله عز وجل.<span class="c6"> فإن قلت:</span> إنّما كان التديُّن بالامتناع عن أكل ما ذبحناه وسمينا الله عليه</p><p class="rtl left" id="p524"><span class="c2">(15/207)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p525">ممّا أحلّه لنا كفرًا منافيًا للإيمان؛ لأنّ حِلّه قطعيّ، ولا كذلك التدين بالامتناع عمّا ورد بتحريمه حديثٌ ضعيف، ولم يكن حِلّه قطعيًّا.<span class="c6"> قلت:</span> الفرق ضعيف؛ لأنّ الدليل الشرعي المعتدّ به يجب العمل به قطعًا، وذلك كالحديث الصحيح فإنّه، وإن كان ظنيًّا في ذاته إلا أن وجوب العمل بالحديث الصحيح مطلقًا قطعي، وكذلك سائر الأدلة الظنية المعتدّ بها شرعًا، فإنّ كلَّ فردٍ منها يرجع إلى أصلٍ من أصول الفقه، وأصول الفقه قطعية، وما كان منها ظنيًّا فإنّه يرجع إلى أصل فوقه قطعيّ من أصول الشريعة، وإنّما يتوقف عن التكفير <span class="c5">[ص 31]</span> للعذر.<span class="c6"> وافرض أنّ رجلاً قال:</span> أنا أعْلَم أن وجوب العمل بالحديث الصحيح أصلٌ قطعيّ من أصول الشريعة، وأعْلَم أن الحديث في حلِّ لحم الضبّ صحيح، وليس عندي ما يعارضه،<span class="c6"> ولكنّي أقول:</span> إنّ لحم الضبّ حرام، فإنّ العلماء يكفِّرون هذا الرجل، وسيأتي نقل بعض عباراتهم.<span class="c6"> ومنها:</span> ما قاله ابن حجر الهيتمي في كتابه "الإعلام بقواطع الإسلام"،<span class="c6"> قال:</span> "ووقع قريبًا أنّ أميرًا بنى بيتًا عظيمًا فدخله بعض المجازفين من أهل مكة،<span class="c6"> فقال:</span> قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تُشدُّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد"،<span class="c6"> وأنا أقول:</span> تُشدّ الرحال إلى هذا البيت أيضًا. وقد سُئلت عن ذلك، والذي يتّجِه ويتحرّر فيه أنّه بالنسبة لقواعد الحنفية والمالكية وتشديداتهم= يكفر بذلك عندهم مطلقًا، وأمّا بالنسبة لقواعدنا وما عُرِف من كلام أئمتنا السابق والّلاحق= فظاهر هذا اللفظ أنّه استدراك على حَصْره صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه ساخر به، وأنّه شَرَع شرعًا آخر غير ما شرعَه نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّه ألْحَقَ هذا البيت بتلك المساجد الثلاث في</p><p class="rtl left" id="p526"><span class="c2">(15/208)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p527">الاختصاص عن بقية المساجد بهذه المزية العظيمة، التي هي التقرُّب إلى الله تعالى بشدّ الرحال إليها. وكلُّ واحد من هذه المقاصد الأربعة التي دلّ عليها هذا اللفظ القبيح الشنيع كفرٌ بلا مِرْية، فمتى قَصَد أحدَهما فلا نزاع في كفره، وإن أطلق فالذي يتجه الكفر أيضًا؛ لما علمتَ أنّ الّلفظ ظاهر في الكفر، وعند ظهور اللفظ فيه لا يحتاج إلى نية كما عُلِم من فروع كثيرة مرّت وتأتي. وإن أُوِّل بأنّه لم يُرِد إلا هذا البيت لكونه أعجوبةً في بلده، يكون ذلك سببًا في مجيء الناس إلى رؤيته، كما أنّ عَظَمة تلك المساجد اقتضت شدّ الرحال إليها، قُبِل منه ذلك، ومع ذلك فيُعَزَّر التعزير البليغ بالضرب والحبس وغيرهما بحسب ما يراه الحاكم، بل لو رأى اقتضاءَ <span class="c2">(1)</span> التعزيرِ إلى القتل كما سيأتي عن أبي يوسف لأراح الناسَ من شرِّه ومجازفته، فإنّه بلغ فيها الغايةَ القصوى. تاب الله علينا وعليه آمين". "الإعلام" ص 36 <span class="c2">(2)</span>. والحاصل أنّ محلّ الاحتياط إنّما هو عند الاشتباه،<span class="c6"> كما يُروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه رأى تمرةً مُلقاة فقال:</span> "لولا أنّي أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها" <span class="c2">(3)</span>. كأنّه كان وجدها في موضع يحتمل أن تكون من تمر الصدقة وأن تكون من غيره، والاحتمالان متكافئان ولو كان في موضعٍ _________ <span class="c2">(1)</span> في المطبوعة: "إفضاء". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 253 - 254 - ط دار إيلاف)</span>. <span class="c2">(3)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(6720)</span> من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وحسَّنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء <span class="c2">(2/ 99)</span>،<span class="c6"> وقال الهيثمي في "المجمع":</span> <span class="c2">(3/ 88)</span>: رجاله موثقون.</p><p class="rtl left" id="p528"><span class="c2">(15/209)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p529">الغالبُ فيه أن لا تكون من تمر الصدقة لما <span class="c2">(1)</span> كفّ عنها، والله أعلم. والدليل على ذلك أنّه صرّح أنه إنّما مَنَعه عنها خشيةَ أن تكون من تمر الصدقة، مع أنّه يحتمل أن تكون <span class="c5">[ص 32]</span> لفقيرٍ تَرِبٍ لها عنده بال، ولكن لما كان هذا الاحتمال ضعيفًا لم يعتدّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فتدبّر. والمسلم لا يخلو أن يكون مجتهدًا أو مقلّدًا، فأمّا المجتهد فإنّه ينبغي له إذا بلغه حديثٌ لم يتبين له أصحيح هو أم ضعيف أن يتوقّف عن الحكم حتى يتبين له، ولكنّه إذا اضطر إلى العمل في تلك المسألة قبل التبيُّن عمل بحسب ما عنده من الأدلة الثابتة وأعرض عن ذلك الحديث. وعلى هذا جرى عمل الأئمة.<span class="c6"> ألا ترى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كثيرًا ما يبلغه الحديث لا يعلم صحَّتَه فيجزم بالحكم بخلافه ثم يقول:</span> إلا أن يصح الحديث فيؤخذ به. وقد جمع الحافظ ابن حجر في ذلك كتابًا سماه "المنحة فيما علّق الشافعيُّ القولَ به على الصحة".<span class="c6"> ولكن إذا كان ذلك الحديث يقتضي تحريمًا فقد قال إمام الحرمين في حديث المستور:</span> يجبُ الانكفاف حتى يتبين <span class="c2">(2)</span>. ونازعه ابنُ السبكي بأنّ اليقين لا يزال بالشك <span class="c2">(3)</span>. وفي "فتح المغيث" عن الحافظ ابن حجر ما يوافق إمام الحرمين، وأنّ ذلك ما دام يُرجى التبيُّن، فأمّا إذا يئس منه فلا يجب الانكفاف، وتنقلب الإباحة كراهية. وتردد السخاوي في معنى انقلاب _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "كما" سهو. <span class="c2">(2)</span> في "البرهان": <span class="c2">(1/ 614)</span>. <span class="c2">(3)</span> في "جمع الجوامع ــ مع حاشية العطار": <span class="c2">(2/ 176)</span>.</p><p class="rtl left" id="p530"><span class="c2">(15/210)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p531">الإباحة كراهية، أإثبات للكراهية هو أم نفي لها. "فتح المغيث" ص 138 <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وأقول:</span> الظاهر أنّه إثبات لها،<span class="c6"> أي:</span> أنّ ذلك الشيء الذي كان قبل سماع الحديث باقيًا على الإباحة الأصلية يصير بعد سماع الحديث واليأس من معرفة حال راويه مكروهًا احتياطًا، جرى الحافظُ في هذا على ما تقدم عن النووي. والذي أراه أنّ المجتهد إذا سمع حديثًا يقتضي تحريمًا من مستور، وهو يستطيع البحث عن حاله عن قُرْب؛ فالظاهر ما قاله إمام الحرمين وتبعه الحافظ من وجوب الانكفاف والبحث. وإذا بحث ولم يتبين له ولكنّه يرجو أن يتبين له في المستقبل، فالظاهر استحباب الانكفاف احتياطًا لبقاء الشبهة. فأمّا إذا ترجّح أنّ ذلك المستور لا سبيل إلى معرفة حاله فلا يستحب الانكفاف، بل يحرم الانكفاف لأجل ذلك الحديث؛ لأنّه قد تبين واستقرّ أنّه ليس بحجة فلم تبق الشبهة. وذلك مثل أن يقف المجتهد على حديث رُوي عن مستور كان قبل عصره بقرون، وتتبَّع كلام الحفّاظ في ذلك الرجل فلم يجد لهم كلامًا فيه أو وجد بعضهم قد نصّ على أن ذلك الرجل مستور. هذا حكم المستور، فأمّا مَن قد عُلِم ضعفه فإنّه لا يقام لحديثه وزن أصلاً؛ لأنّه لما عُلم ضعفُه فقد عُلم أنّ حديثه ليس بحجة، فزال تعادل الاحتمالين الذي يتحقق به الاشتباه الداعي إلى الاحتياط. والله أعلم. وأمّا المقلّد إذا سمع أنّ من العلماء مَن يخالف إمامَه، فالظاهر أنّه ينبغي له الاحتياط إلا أن يظفر بعالمٍ متبحِّر عارف بكتاب الله وسنة رسوله، مطلع _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 53 - 54)</span>.</p><p class="rtl left" id="p532"><span class="c2">(15/211)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p533">على مذاهب العلماء وأدلتهم، معروف بالتورّع والتقوى في ... <span class="c2">(1)</span>. فإن لم يغنه ذلك فألتمس منه أن ينظر هل العمل بالضعيف مستند إلى أصل قطعيّ كالصحيح والحسن؟ فسيعلم إن شاء الله أنّه ليس كذلك، وإذا علم هذا فليعلم أنّ الأئمة قد نصُّوا على أنّ أصولَ الفقه لا بد أن تكون قطعية والعمل بما ليس بقطعيٍّ ولا يستند إلى قطعيٍّ تديُّن بغير سلطان، وهو كذب على الله، وتكذيب له، وهما مصدر الكفر والشرك، كما في آيات كثيرة من القرآن، وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى. فإن بقي في نفسه شيء فليوازن بين الأجر الذي يرجوه من العمل بالضعيف وبين ما يُخْشَى عليه من العمل به من البدعة بل الكفر بل الشرك،<span class="c6"> وليعلم أنّ الاحتياط واجب عليه كما في حديث "الصحيحين":</span> "الحلال بَيّن والحرام بَيّن" <span class="c2">(2)</span> وغيره، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. وليعلم أنّه إن ترك العمل خوفًا أن يكون بدعة أو كفرًا أو شركًا كتب الله له أجرَ ذلك الخوف وأجرَ ذلك العمل لو كان مشروعًا، كما ورد فيمن ترك التطوُّع لسفرٍ أو مرض أو شغل بل هذا أولى؛ لأنّ تارك التطوع لسفر ونحوه تركه لحظ نفسه، وتارك العمل خوفًا أن يكون مسخطًا لله تعالى تركه طاعة لربه عز وجل، وأنّه إن أقْدَم عليه مع احتماله أنّه بدعة أو كفر أو شرك كان عليه وزر من فَعَل ذلك، كمن أقْدَم على وطء امرأة يتردّد فيها أزوجته هي أم أمه، والله أعلم. _________ <span class="c2">(1)</span> هنا سقطت ورقة أو أكثر. <span class="c2">(2)</span> تقدم تخريجه.</p><p class="rtl left" id="p534"><span class="c2">(15/212)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p535">ولله درّ الإمام مالك بن أنس رحمه الله فإنّه كان أحْذَر الأئمة من البدع، وأدقّهم نظرًا في معرفة مسالكها وغوائلها، وعلمًا بما حُفَّت به من الشهوات، وما للناس إليها من الرغبات، والأصل الذي قال به في سَدّ الذرائع هو أعظم سدٍّ لصدِّ سيلها الجارف، والله المستعان، وهو حسبي ونعم الوكيل.</p><p class="rtl left" id="p536"><span class="c2">(15/213)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p24"><a id="t24" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t24">الرسالة التاسعة محاضرة في علم الرجال وأهميته</a></h2><p class="rtl left" id="p537"><span class="c2">(15/215)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p538">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى. إنه قد استقر في الأذهان، واستغنى عن إقامة البرهان، ما للعلم من الشرف والفضيلة، وأنه هو الوسيلة لرفع الإنسان في المعنى عما ارتفع عنه في الصورة من البهائم. وممّا لا نزاع فيه أنّ العلوم تتفاوت في مقدار ذلك الشرف؛ منها الشريف والأشرف، والمهمّ والأهمّ. ومهما يتصور لعلوم الفلسفة والطبيعيات والرياضيات والأدبيات والصناعيات وغيرها من العلوم الكونيات ــ مهما يُتَصوّر لها من الشرف والفضيلة، والمرتبة الرفيعة ــ فإنها لا تُداني في ذلك العلمَ الذي مع مشاركته لها في ترقية المدارك، وتنوير العقول، ينفرد عنها بإصلاح الأخلاق، وتحصيل السعادة الأبديَّة، وهو علم الدين. ومهما ترقّى الإنسان في الصنائع والمعارف الكونية، وتسهيل أسباب الراحة؛ فإن ذلك إن رفعه عن البهمية من جهة، فإنه ينزل به عنها من جهة أخرى، ما لم تتطهّر أخلاقُه، فيتخلَّق بالرأفة والرحمة، والإيثار والعفة والتواضع، والصدق والأمانة، والعدل والإحسان، وغيرها من الأخلاق الكريمة. كل من كان له وقوفٌ على أحوال الأمم والأفراد في هذا العصر، عَلِم أنه بحق يسمى عصر العلم، ولكنه يرى أنه مع ذلك يجب أن يسمى ــ بالنظر</p><p class="rtl left" id="p539"><span class="c2">(15/217)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p540">إلى تدهور الأخلاق ــ اسما آخر! النفوس الأرضية تربة، من شأنها أن تنبت الأخلاق الذميمة ما لم تُسْقَ بماء الإيمان الطاهر، وتشرق عليها شمسُ العلم الديني الصحيح، وتهبّ عليها رياح التذكير الحكيم. فأيّ أرضٍ أَمْحَلت من ذلك الماء، وحُجِب عنها شعاع تلك الشمس، وسُدَّتْ عنها طرق تلك الرياح؛<span class="c6"> كان نباتها كما قال الملائكة عليهم السلام:</span> <span class="c4">{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}</span> <span class="c5">[البقرة: 30]</span>.<span class="c6"> للدين ــ وهو الإسلام ــ ينبوعان عظيمان:</span> كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. السنة عبارة عما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأقوال والأفعال وغيرها مما هو تبيينٌ للقرآن، وتفصيل للأحكام، وتعليم للآداب، وغير ذلك من مصالح المعاش والمعاد. أوّل من تلقّى السنّة هم الصحابة الكرام، فحفظوها وفهموها، وعلموا جملتها وتفصيلها، وبلّغوها كما أُمِروا إلى من بعدهم. ثمّ تلقّاها التابعون،<span class="c6"> وبلّغوها إلى من يليهم وهكذا! فكان الصحابيّ يقول:</span> سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كيت وكيت،<span class="c6"> ويقول التابعي:</span> سمعت فلانًا الصحابي يقول: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> ويقول الذي يليه:</span> سمعتُ فلانًا يقول: سمعت فلانًا الصحابي يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا.</p><p class="rtl left" id="p541"><span class="c2">(15/218)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p542">كلُّ من علم أنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وأنّ شريعتَه خاتمة الشرائع، وأنّ سعادة المعاش والمعاد والحياة الأبدية في اتّباعه= يعلم أنّ النّاس أحوج إلى حفظ السنة منهم إلى الطعام والشراب. قد وقعت الروايةُ ممّن يجب قبولُ خبرِه، وممّن يجب ردُّه، وممّن يجب التوقف فيه. وهيهات أن يعرف ما هو من الحقّ الذي بلَّغه خاتمُ الأنبياء عن ربّه عز وجل، وما هو من الباطل الذي يُبرَّأ عنه الله ورسوله؛ إلاّ بمعرفة أحوال الرواة. وهكذا الوقائع التاريخية، بل حاجتها إلى معرفة أحوال رواتها أشدُّ؛ لغلبة التساهل في نَقْلها. على أنّ معرفة أحوال الرجال هي نفسها من أهمّ فروع التاريخ. وإذ كان لا بدّ من معرفة أحوال الرواة؛ فلا بدّ من بيانها؛ بأن يخبر كلُّ مَن عَرَف حالَ راوٍ بحاله ليعْلَمَه الناسُ. وقد قامت الأمّة بهذا الفرض كما ينبغي. أوّل من تكلّم في أحوال الرجال القرآن، ثمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أصحابه. والآيات كثيرة في الثناء على الصحابة إجمالًا، وذم المنافقين إجمالًا، ووردت آياتٌ في الثناء على أفراد مُعَيَّنين من الصحابة ــ كما يُعلم من كتب الفضائل ــ وآيات في التنبيه على نفاق أفراد مُعَيَّنين، وعلى جرح أفراد آخرين.<span class="c6"> وأشهر ما جاء في هذا قوله تعالى:</span> <span class="c4">{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}</span></p><p class="rtl left" id="p543"><span class="c2">(15/219)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p544"><span class="c5">[الحجرات: 6]</span>. نزلت في رجل بِعَينه، كما هو معروف في موضعه <span class="c2">(1)</span>، وهي مع ذلك قاعدة عامّة. وثبتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديثُ كثيرة في الثناء على أصحابه جملةً، وعلى أفراد منهم معينين؛ معروفة في كتب الفضائل. وأخبارٌ أُخَر في ذمّ بعض الفِرَق إجمالًا؛ كالخوارج، وفي تعيين المنافقين وذم أفراد معينين؛ كعيينة بن حصن <span class="c2">(2)</span>، والحَكَم بن أبي العاص <span class="c2">(3)</span>. وثبتت آثار كثيرة عن الصحابة في الثناء على بعض التابعين، وآثار في جرح أفراد منهم. وأمّا التابعون؛ فكلامهم في التعديل كثير، ولا يُروى عنهم من الجرح إلا القليل، وذلك لقرب العهد بالسراج المنير، عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، فلم يكن أحدٌ من المسلمين يجترئ على الكذب على الله ورسوله. وعامّة المُضَعَّفين من التابعين إنّما ضُعّفوا للمذهب؛ كالخوارج أو لسوء الحفظ، أو للجهالة. ثمّ جاء عصر أتباع التابعين فما بعده، فكَثُر الضعفاء والمغَفَّلون، _________ <span class="c2">(1)</span> نزلت في الوليد بن عقبة في قصة بعثه لأخذ الزكاة من الحارث بن أبي ضرار. أخرجه عنه أحمد <span class="c2">(18459)</span> والطبراني في "الكبير" <span class="c2">(3395)</span>.<span class="c6"> وأخرجه الطبري في "تفسيره":</span> <span class="c2">(21/ 349)</span> من حديث أم سلمة،<span class="c6"> والبيهقي في "الكبرى":</span> <span class="c2">(9/ 54)</span> من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. <span class="c2">(2)</span> صحيح البخاري طبع المصطفائي بالهند ــ ص 894. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> الإصابة ــ وفتح الباري في تفسير سورة الأحقاف. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p545"><span class="c2">(15/220)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p546">والكذّابون والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، فلم يكن مِصْرٌ من أمصار المسلمين إلَّا وفيه جماعة من الأئمة يمتحنون الرواة، ويختبرون أحوالهم وأحوال رواياتهم، ويتتبَّعون حركاتهم وسكناتهم، ويُعلنون للناس حكمهم عليهم. واستمرّ ذلك إلى القرن العاشر، فلا تجد في كتب الحديث اسمَ راوٍ إلّا وجدت في كتب الرجال تحقيقَ حاله. وهذا مصداق الوعد الإلهي؛<span class="c6"> قيل لابن المبارك:</span> هذه الأحاديث المصنوعة؟<span class="c6">! قال:</span> تعيش لها الجهابذة،<span class="c6"> وتلا قول الله سبحانه وتعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}</span> <span class="c2">(1)</span> <span class="c5">[الحجر: 9]</span>. وكان نشاط الأئمة في ذلك آيةً من الآيات؛<span class="c6"> فمن أمثلة ذلك:</span> قال العراقي في "شرح مقدمة ابن الصلاح" <span class="c2">(2)</span>: "رُوّينا عن مؤمّل <span class="c2">(3)</span> أنّه قال: حدّثني شيخ بهذا الحديث ــ يعني حديث فضائل القرآن سورة سورة ــ فقلت للشيخ: من حدّثك؟<span class="c6"> فقال:</span> حدّثني رجلٌ بالمدائن، وهو حيٌّ، فصرت إليه،<span class="c6"> فقلت:</span> من حدّثك؟<span class="c6"> قال:</span> حدثني شيخٌ بواسط، وهو حيٌّ، فصرت إليه،<span class="c6"> فقال:</span> حدّثني شيخٌ بالبصرة، فصرت إليه،<span class="c6"> فقال:</span> حدّثني شيخٌ بعبّادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتًا، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخٌ،<span class="c6"> فقال:</span> هذا الشيخ حدّثني،<span class="c6"> فقلت:</span> يا شيخ من حدّثك؟<span class="c6"> فقال:</span> لم يحدّثني أحد، ولكننا _________ <span class="c2">(1)</span> فتح المغيث للسخاوي ص 109. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وهو في "تقدمة الجرح والتعديل":</span> <span class="c2">(1/ 3 و 2/ 18)</span>. <span class="c2">(2)</span> "التقييد والإيضاح": <span class="c2">(1/ 547 ــ ت خياط)</span>. <span class="c2">(3)</span> هو ابن إسماعيل توفي سنة 206. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p547"><span class="c2">(15/221)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p548">رأينا النّاس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن!! " <span class="c2">(1)</span>. لعلّ هذا الرجل قطع نحو ثلاثة أشهر مسافرًا لتحقيق رواية هذا الحديث الواحد. وللأئمة طرق في اختبار الرواة؛<span class="c6"> منها:</span> النظر إلى حال الراوي في المحافظة على الطاعات واجتناب المعاصي، وسؤال أهل المعرفة به.<span class="c6"> قال الحسن بن صالح بن حَيّ:</span> "كنّا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه،<span class="c6"> حتّى يقال:</span> أتريدون أن تزوجوه؟! " <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يحدث أحاديث عن شيخ حيٍّ، فيسأل ذلك الشيخ عنها.<span class="c6"> مثاله:</span> قول شعبة: قال الحسن بن عمارة: "حدّثني الحكم، عن يحيى بن الجزّار،<span class="c6"> عن علي:</span> سبعةَ أحاديث، فسألتُ الحَكَم عنها،<span class="c6"> فقال:</span> ما سمعتُ منها شيئًا! " <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يحدّث عن شيخ قد مات،<span class="c6"> فيقال للرّاوي:</span> متى ولدت؟ ومتى لقيت هذا الشيخ؟ وأين لقيته؟ ثم يقابل بين ما يجيب به وبين ما حفظ من وفاة الشيخ الذي روى عنه ومحل إقامته وتواريخ تنقله.<span class="c6"> مثاله:</span> ما جاء عن عُفَير بن مَعْدان أنّ عمر بن موسى بن وجيه حدّث عن _________ <span class="c2">(1)</span> "التقييد والإيضاح" ص 112 - 113. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> "الكفاية" ص 93. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> "تهذيب التهذيب" ترجمة الحسن. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وأخرجه في "الجرح والتعديل":</span> <span class="c2">(1/ 138)</span>.</p><p class="rtl left" id="p549"><span class="c2">(15/222)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p550">خالد بن مَعْدان،<span class="c6"> قال عُفير:</span> فقلت له: في أيّ سنة لقيته؟<span class="c6"> قال:</span> في سنة ثمان وخمسين ومائة، في غزاة إرْمِينِيَّة.<span class="c6"> قلت:</span> اتق الله يا شيخ، لا تكذب! مات خالد سنة أربع وخمسين ومائة، أزيدك أنّه لم يغز إرْمِينية! ! <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يسمع من الراوي أحاديث عن مشايخ قد ماتوا، فتُعْرَض هذه الأحاديث على ما رواه الثقات عن أولئك المشايخ،<span class="c6"> فينظر:</span> هل انفرد هذا الراوي بشيء أو خالف أو زاد أو نقص؟<span class="c6"> فتجدهم يقولون في الجرح:</span> "ينفرد عن الثقات بما لا يتابع عليه"، "في حديثه مناكير" "يخطئ ويُخالف"، ونحو ذلك.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يسمع من الراوي عدّة أحاديث، فتُحْفَظ أو تُكْتَب، ثم يَسأل عنها بعد مدة، وربّما كَرَّر السؤال مرارًا لينظر أيُغيّر أو يُبدّل أو يزيد أو ينقص؟ دعا بعض الأمراء أبا هريرة، وسأله أن يحدّث، وقد خبَّأ الأمير كاتبًا حيث لا يراه أبو هريرة، فجعل أبو هريرة يحدّث، والكاتب يكتب، ثم بعد سنة دعا الأمير أبا هريرة، ودسّ رجلًا ينظر في تلك الصحيفة، وسأل أبا هريرة عن تلك الأحاديث، فجعل يُحدِّث والرجل ينظر في الصحيفة، فما زاد ولا نقص، ولا قدّم ولا أخّر <span class="c2">(2)</span>. وسأل بعضُ الخلفاء ابنَ شهاب الزُّهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب، فأملى عليه أربع مائة حديث، ثمّ إنّ الخليفة قال للزهري بعد _________ <span class="c2">(1)</span> "لسان الميزان" ترجمة عمر. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وأخرجه في "الجرح والتعديل":</span> <span class="c2">(6/ 133)</span>، و"الكفاية" <span class="c2">(ص 119)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "المستدرك" ج 3 ص 510. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير":</span> <span class="c2">(9/ 33)</span>،<span class="c6"> والحاكم:</span> <span class="c2">(3/ 510)</span> وقال: صحيح الإسناد.</p><p class="rtl left" id="p551"><span class="c2">(15/223)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p552">مدّة: إنّ ذلك الكتاب قد ضاع، فدعا الكاتب فأملاها عليه، ثمّ قابلوا الكتابَ الثاني على الكتاب الأوّل، فما غادر حرفًا <span class="c2">(1)</span>. وكانوا كثيرًا ما يبالغون في الاحتياط،<span class="c6"> حتّى قيل لشعبة:</span> لم تركت حديث فلان؟<span class="c6"> قال:</span> رأيته يركض على بِرْذَون <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وقال جرير:</span> رأيت سِماك بن حرب يبول قائمًا، فلم أكتب عنه <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> وقيل للحكم بن عُتَيبة:</span> لِمَ لَمْ تروِ عن زاذان؟<span class="c6"> قال:</span> كان كثير الكلام <span class="c2">(4)</span>. وكانوا يطعنون فيمن خالط الأمراء، أو قبل عطاياهم، أو عظَّمهم، بل ربّما بالغوا في ذلك، كما وقع لمحمد بن بشر الزَّنْبَري المصري مع سعة علمه، كان يملي الحديث على أهل بلده، فاتفق أن خرج الملك غازيًا، فخرج الزَّنْبري يشيّعه، فلمّا انصرف وجلس يوم الجمعة في مجلسه، قام إليه أصحاب الحديث فنزعوه من موضعه، وسبّوه وهمُّوا به، ومزّقوا رواياتهم عنه.<span class="c6"> ثمّ ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر" فقال:</span> "لم يكن يشبه أهل العلم" <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر ترجمة الزهري في "تهذيب التهذيب". <span class="c5">[المؤلف]</span>. وهو في "المحدّث الفاصل" <span class="c2">(ص 397)</span>. <span class="c2">(2)</span> "الكفاية" <span class="c2">(ص 112)</span>. <span class="c2">(3)</span> "الضّعَفاء": <span class="c2">(2/ 178)</span>،<span class="c6"> و"الكامل":</span> <span class="c2">(3/ 460)</span>. <span class="c2">(4)</span> هذه الآثار من "الكفاية" وغيرها. <span class="c5">[المؤلف]</span>. وانظر "شرح الألفية" للعراقي <span class="c2">(ص 146)</span>. <span class="c2">(5)</span> انظر ترجمة الزنبري في "لسان الميزان" <span class="c5">[7/ 13 - 14]</span>. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وانظر "تاريخ ابن يونس ــ المجموع":</span> <span class="c2">(1/ 436 - 437)</span>.</p><p class="rtl left" id="p553"><span class="c2">(15/224)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p554">وإنّما كانوا يتسامحون فيمن بلغ من الجلالة بحيث يُعلَم أنّه إنّما يُخالط الأمراء ليأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويكفَّهم عن الباطل ما استطاع؛ كالزُّهري، ورجاء بن حَيْوة.<span class="c6"> روى الشافعيّ قال:</span> حدّثنا عمّي،<span class="c6"> قال:</span> دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك،<span class="c6"> فقال له:</span> يا سليمان! الذي تولّى كِبْره من هو؟<span class="c6"> يعني في قول الله تعالى:</span> <span class="c4">{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}</span> <span class="c5">[النور: 24]</span>.<span class="c6"> قال:</span> عبد الله بن أُبيّ،<span class="c6"> قال:</span> كذبت؛<span class="c6"> هو فلانٌ! قال:</span> أمير المؤمنين أعلم بما يقول. فدخل الزُّهريّ،<span class="c6"> فقال:</span> يا ابن شهاب! من الّذي تولى كِبْره؟<span class="c6"> قال:</span> ابنُ أُبَيّ،<span class="c6"> قال:</span> كذبت،<span class="c6"> هو فلان! فقال الزُّهريّ لهشام:</span> أنا أكذب لا أبا لك؟<span class="c6"> ! والله لو نادى منادٍ من السماء:</span> إنّ الله أحلَّ الكذب ما كذبت! حدّثني عروة وسعيدٌ وعبيد الله وعلقمة،<span class="c6"> عن عائشة:</span> أنّ الذي تولّى كِبْره عبد الله بن أُبيّ <span class="c2">(1)</span>. وذكر تمام القصة، وفيها خضوع هشام للزُّهري واسترضاؤه له <span class="c2">(2)</span>. وقد وقعت للزُّهري قصة تشبه هذه مع الوليد بن عبد الملك،<span class="c6"> وفيها:</span> أنّ الوليد قال له: يا أبا بكر، من تولّى كِبْره، أليس فلانًا؟<span class="c6"> قال الزهري:</span> قلت: لا! فضرب الوليد بقضيبه على السرير: فمن؟ فمن؟ حتّى ردّد ذلك مرارًا،<span class="c6"> قال الزهري:</span> لكن عبد الله بن أُبيّ <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> القصة في "سير النبلاء": <span class="c2">(5/ 339)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "فتح الباري" في باب حديث الإفك في المغازي، وانظر ترجمة ابن شهاب في "تهذيب الكمال". <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر "فتح الباري". <span class="c5">[المؤلف]</span>. وهو في "فوائد ابن أخي ميمي الدقاق" <span class="c2">(ص 113 - ت نبيل جرار)</span>.</p><p class="rtl left" id="p555"><span class="c2">(15/225)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p556">وفي جواب سليمان لهشام لطيفة،<span class="c6"> حيث لم يقل:</span> "أمير المؤمنين أعلم" ويسكت،<span class="c6"> بل قال:</span> "أعلم بما يقول" أي: أعْلمُ بقول نفسه، لا أعلم بحقيقة الحال، ولكنّ المقام لم يكن لتُغني فيه مثل هذه الإشارة، فلذلك قيّض الله تعالى الزُّهريّ ووفّقه فقال ما قال.<span class="c6"> وقوله لهشام ــ وهو الملك ــ:</span> "لا أبا لك" جرأةٌ عظيمة. وكانوا من الورع وعدم المحاباة على جانب عظيم،<span class="c6"> حتى قال زيد بن أبي أُنَيسة:</span> أخي يحيى يكذب <span class="c2">(1)</span>. وسُئل جرير بن عبد الحميد عن أخيه أنس،<span class="c6"> فقال:</span> قد سمع من هشام بن عروة، ولكنّه يكذب في حديث الناس فلا يكتب عنه <span class="c2">(2)</span>. وروى عليُّ بن المديني عن أبيه،<span class="c6"> ثم قال:</span> "وفي حديث الشيخ ما فيه" <span class="c2">(3)</span>! وأشار إلى تضعيفه غير مرّة.<span class="c6"> وقال أبو داود:</span> ابني عبد الله كذّاب <span class="c2">(4)</span>. وكان الإمام أبو بكر الصِّبْغي ينهى عن السماع من أخيه محمد بن إسحاق <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> "تهذيب التهذيب" <span class="c5">[11/ 184]</span> ترجمة يحيى. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> "لسان الميزان" ترجمة أنس. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وهو في "الجرح والتعديل":</span> <span class="c2">(2/ 289)</span>. <span class="c2">(3)</span> "تهذيب التهذيب" <span class="c5">[5/ 175]</span> ترجمة عبد الله بن نجيح. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(4)</span> "لسان الميزان" ترجمة عبد الله. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وانظر "الكامل":</span> <span class="c2">(5/ 436)</span>. <span class="c2">(5)</span> انظر ترجمة محمد في "لسان الميزان". <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وهو في "الميزان":</span> <span class="c2">(4/ 398)</span> ذكره الحاكم عنه.</p><p class="rtl left" id="p557"><span class="c2">(15/226)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p558">حفظ علماء السلف لتراجم الرجال كان الرجل لا يسمى عالمًا حتى يكون عارفًا بأحوال رجال الحديث؛ ففي "تدريب الراوي" <span class="c2">(1)</span>: "قال الرافعي وغيره: إذا أُوصيَ للعلماء لم يدخل الذين يسمعون الحديث، ولا عِلْم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ...<span class="c6"> وقال الزركشي:</span> أما الفقهاء؛ فاسم المحدِّث عندهم لا يُطلق إلا على من حفظ متن الحديث، وعَلِم عدالةَ رواته وجرحها ...<span class="c6"> وقال التاج السبكي:</span> ... إنما المحدِّث مَن عَرَف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال ... ". وذَكَر عن المِزِّي أنه سُئل عمن يستحق اسم الحافظ،<span class="c6"> فقال:</span> "أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم؛ ليكون الحكم للغالب" <span class="c2">(2)</span>. فكان العالم يعرف أحوال من أدركهم؛ إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقات له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات، وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها <span class="c2">(3)</span>. فكذلك كانوا يحفظون تراجم الرواة بأسانيدها،<span class="c6"> فيقول أحدهم:</span> أخبرني فلان أنه سمع فلانًا قال: قال فلان: لا تكتبوا عن فلان فإنه كذاب، وهكذا. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 30 - 35)</span>. <span class="c2">(2)</span> المصدر نفسه <span class="c2">(1/ 37)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظر مقدمة "تدريب الراوي". <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p559"><span class="c2">(15/227)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p560">طائفة من مشاهير المكثرين من الجرح والتعديل 1 - شُعبة بن الحجَّاج. ولد سنة <span class="c2">(82)</span>، وتوفي سنة <span class="c2">(160)</span>، وهو أول من تجرَّد لذلك وشدَّد فيه.<span class="c6"> جاء عنه أنه قال:</span> سمعت من طلحة بن مُصَرِّف حديثًا واحدًا، وكنتُ كلما مررتُ به سألته عنه،<span class="c6"> فقيل له:</span> لِمَ يا أبا بسطام؟<span class="c6">! قال:</span> أردت أن أنظر إلى حفظه، فإن غيَّر فيه شيئًا تركته <span class="c2">(1)</span>. 2 - سفيان الثوري <span class="c2">(97 ــ 161)</span>. وله في ذلك نوادر؛<span class="c6"> قال في ثور بن يزيد:</span> "خذوا عن ثور، واتقوا قَرْنَيْه" <span class="c2">(2)</span>. وكان ثور قدريًّا، يميل إلى النَّصْب، فهذان قرناه. 3 - الإمام مالك بن أنس <span class="c2">(93 ــ 179)</span>. وكان لا يروي إلا عن ثقة. 4 - ابن المبارك <span class="c2">(118 ــ 181)</span>. وكان ربما جعل كلامه في الرجال شعرًا ليشتهر، فمنه قوله <span class="c2">(3)</span>: أيها الطالبُ علمًا ... ائتِ حمادَ بن زيد فاطلبنَّ العلمَ منه ... ثم قيده بقيد لا كثورٍ وكجَهْم ... وكعَمْرو بن عُبيد وفي ترجمة أبي إسحاق الفَزَاري من "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(4)</span> وغيره: أن هارون الرشيد أخذ زنديقًا فأراد قتله،<span class="c6"> فقال:</span> أين أنت من ألف حديث _________ <span class="c2">(1)</span> "الكفاية" 133. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> "تهذيب التهذيب": <span class="c2">(2/ 34)</span>. <span class="c2">(3)</span> المصدر نفسه: <span class="c2">(2/ 35)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 152)</span> وانظر "سير النبلاء": <span class="c2">(8/ 542)</span>.</p><p class="rtl left" id="p561"><span class="c2">(15/228)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p562">وضعتها؟<span class="c6"> ! فقال له:</span> أين أنت يا عدوَّ الله من أبي إسحاق الفَزاري وابن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا؟ ! 5 - يحيى بن سعيد القطان <span class="c2">(120 ــ 198)</span>. من المُشدِّدين. 6 - عبد الرحمن بن مهدي <span class="c2">(133 ــ 198)</span>. من المعتدلين. 7 - محمد بن سعد صاحب "الطبقات" <span class="c2">(168 ــ 230)</span>. 8 - يحيى بن معين <span class="c2">(158 ــ 233)</span>. وهو أكثر الأئمة كلامًا في الجرح والتعديل، وله "كتاب الضعفاء" و"كتاب الكنى". وجمع تلميذه عباس الدُّوري من كلامه "تاريخًا"، وكذلك فعل غير واحد من تلامذته. 9 - علي بن المديني <span class="c2">(161 ــ 234)</span>.<span class="c6"> ومن مؤلفاته:</span> "كتاب الضعفاء"، "العلل"، "المدلّسون"، "الأسماء والكنى"، "المسند بعلله" <span class="c2">(1)</span>. 10 - أبو خيثمة <span class="c2">(160 ــ 234)</span>. وله كلام كثير في الرجال، نقله ابنه أحمد في "تاريخه". 11 - الإمام أحمد بن حنبل <span class="c2">(164 ــ 241)</span>. وكلامه كثير، يرويه عنه ابنه عبد الله وغيره من تلامذته، وله كتاب "العلل" <span class="c2">(2)</span>. 12 - البخاري <span class="c2">(194 ــ 256)</span>.<span class="c6"> وله من التصانيف:</span> "التواريخ الثلاثة"، "الكنى المجرَّدة"، "الضعفاء". 13 - مسلم <span class="c2">(204 ــ 261)</span>. له "التاريخ"، "الطبقات"، "الأسماء والكنى"، "المفاريد والواحدان". _________ <span class="c2">(1)</span> في "فهرست ابن النديم" ص 322. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> في "فهرست ابن النديم" ص 320. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p563"><span class="c2">(15/229)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p564">14 - أحمد بن عبد الله بن صالح العِجْلي <span class="c2">(182 ــ 261)</span>. وهو أكبر من البخاري ومسلم، ولكن تأخرت وفاته، له "كتاب الثقات". 15 - أبو زُرْعة الرازي <span class="c2">(200 ــ 264)</span>. وله كلام كثير، غالبه في كتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم. 16 - أبو داود صاحب "السنن" <span class="c2">(202 ــ 275)</span>. سأله عن الرجال تلميذه أبو عُبيد الآجُرِّي، وجمع من ذلك كتابًا. 17 - أبو حاتم الرازي <span class="c2">(195 ــ 277)</span>. له كلام كثير، غالبه في كتاب "الجرح والتعديل" لابنه. 18 - صالح بن محمد جزرة <span class="c2">(205 ــ 293)</span>. له "تاريخ الري"، وغيره. 19 - النسائي <span class="c2">(215 ــ 303)</span>. له كتاب "الضعفاء"، وغيره. 20 - زكريا الساجي <span class="c2">(تقريبًا 220 ــ 307)</span>. له كتاب "العلل"، وغيره. 21 - أبو بشر الدّولابي <span class="c2">(224 ــ 310)</span>. له كتاب "الكنى" وغيره. 22 - أبوجعفر العُقَيلي <span class="c2">(؟ ــ 322)</span>. له كتاب "الضعفاء". 23 - ابن أبي حاتم <span class="c2">(240 ــ 327)</span>. له كتاب "الجرح والتعديل" وغيره. 24 - أبو سعيد بن يونس <span class="c2">(281 ــ 347)</span>. له "تاريخ مصر". 25 - ابن حبّان <span class="c2">(تقريبًا 275 ــ 354)</span>. له كتاب "الثقات"، وكتاب "الضعفاء" وغيرهما. 26 - أبو أحمد بن عدي <span class="c2">(277 ــ 365)</span>. له كتاب "الكامل في الضعفاء وغيرهم ممن تُكلِّم فيه". 27 - أبو أحمد الحاكم <span class="c2">(284 ــ 378)</span>. له كتاب "الكنى".</p><p class="rtl left" id="p565"><span class="c2">(15/230)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p566">28 - الدارقطني <span class="c2">(306 ــ 385)</span>. له كتاب "العلل" وغيره. 29 - ابن شاهين <span class="c2">(298 ــ 385)</span>. له كتاب "الثقات". 30 - أبو عبد الله الحاكم <span class="c2">(321 ــ 405)</span>. له "تاريخ نيسابور" وغيره. 31 - حمزة السَّهمي <span class="c2">(تقريبًا 340 ــ 427)</span>.<span class="c6"> قال الذهبي:</span> صنّف التصانيف، وجرّح وعدّل وصحّح وعلّل <span class="c2">(1)</span>، وله "تاريخ جرجان" <span class="c2">(2)</span>. 32 - ابن حزم الأندلسي <span class="c2">(384 ــ 456)</span>. له كلامٌ كثيرٌ في الرجال في كتابه "المحلّى" وغيره. 33 - الخطيب البغدادي <span class="c2">(392 ــ 463)</span>. له "تاريخ بغداد" وغيره. 34 - ابن ماكولا <span class="c2">(422 ــ 475 وقيل بعدها)</span>. له كتاب "الإكمال" وغيره. 35 - شجاع الذُّهلي <span class="c2">(430 ــ 507)</span>. سأله السِّلَفي عن المشايخ، وجمع من ذلك كتابًا. 36 - الشَّنْتَريني <span class="c2">(443 ــ 522)</span>. له كتابٌ في "رجال مسلم" وغيره. 37 - أبو سعد ابن السَّمعاني <span class="c2">(506 ــ 562)</span>. له كتاب "الأنساب" وغيره. 38 - ابن عساكر <span class="c2">(499 ــ 571)</span>. له "تاريخ دمشق" وغيره. 39 - ابن بَشْكُوال الأندلسي <span class="c2">(494 ــ 578)</span>. له كتاب "الصلة" وغيره. 40 - ابن الجوزي <span class="c2">(510 ــ 597)</span>. له "التاريخ المنتظم" <span class="c2">(3)</span>، وكتاب _________ <span class="c2">(1)</span> تذكرة الحفاظ - ج 3 ص 273. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> ستطبعه الدائرة إن شاء الله تعالى قريبًا. <span class="c5">[المؤلف]</span>. وقد طُبع بتحقيق المؤلف رحمه الله في مجلد واحد. <span class="c2">(3)</span> قد طبعت الدائرة جزئين منه، والباقي تحت الطبع. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p567"><span class="c2">(15/231)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p568">"الضعفاء" وغيرهما. 41 - عبد الغني المقدسي <span class="c2">(541 ــ 600)</span>. له كتاب "الكمال" وغيره. 42 - أبو الحسن ابن القطّان <span class="c2">(لعله قبل 570 ــ 628)</span>. له كتاب "الوهم والإيهام" يتضمّن كلامًا كثيرًا في الرجال. 43 - ابن الدُّبَيْثي <span class="c2">(558 ــ 637)</span>. له "تاريخ واسط"، وذيل لـ "تاريخ السمعاني لبغداد" وغيرهما. 44 - ابن النّجّار <span class="c2">(578 ــ 643)</span>. له "ذيل تاريخ بغداد" في ستة عشر مجلدًا. 45 - الزَّكي المُنْذري <span class="c2">(581 ــ 656)</span>. له "معجم" في مجلّدين، وغيره <span class="c2">(1)</span>. 46 - الدِّمْياطي <span class="c2">(613 ــ 705)</span>. له "المعجم" وغيره. وشهد له المِزّيُّ أنّه أعلم من أدركه من الحفّاظ بالرّجال. 47 - المِزِّيّ <span class="c2">(654 ــ 742)</span>. له "تهذيب الكمال"، وغيره. 48 - الذّهبيّ <span class="c2">(673 ــ 748)</span>. له "تاريخ الإسلام"، و"الميزان"، و"تذكرة الحفاظ"، و"الكاشف"، و"المغني"، و"تذهيب التهذيب"، وغيرها <span class="c2">(2)</span>. 49 - مُغُلْطاي <span class="c2">(689 ــ 761)</span>. له "إكمال تهذيب الكمال" وغيره. 50 - العراقي <span class="c2">(725 ــ 806)</span>. له معجم جماعة من رجال القرن الثامن <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> وله "التكملة في وفيات النقلة" طبع في أربعة مجلدات. <span class="c2">(2)</span> ومن أهمّها "سير أعلام النبلاء" مطبوع في خمسة وعشرين مجلدًا. <span class="c2">(3)</span> وله "ذيل ميزان الاعتدال" طبع في مجلد.</p><p class="rtl left" id="p569"><span class="c2">(15/232)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p570">51 - ابن حجر <span class="c2">(773 ــ 852)</span>. له "تهذيب التهذيب"، و"لسان الميزان"، و"تعجيل المنفعة"، و"الدرر الكامنة" وغيرها. 52 - السّخاوي <span class="c2">(830 ــ 901)</span>. له "الضوء اللامع" وغيره. قال في كتابه "فتح المغيث" <span class="c2">(1)</span> بعد أن سرد أسماء جماعة من أئمة الجرح والتعديل،<span class="c6"> وختم بذكر شيخه ابن حجر ما لفظه:</span> "وطُوِيَ البِساط بعده إلاّ لمن شاء الله، ختم الله لنا بخير". * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(4/ 360)</span>.</p><p class="rtl left" id="p571"><span class="c2">(15/233)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p572">تدوينُ العلم وحَظُّ علم الرجال منه ذكروا أنّ تدوين العلم في الكتب في العهد الإسلامي شُرِعَ فيه حوالي نصف القرن الثاني؛ فألّف ابنُ جُريج <span class="c2">(80 ــ 150)</span>، وابن أبي عَرُوبة <span class="c2">(؟ ــ 156)</span>، والربيع بن صُبَيح <span class="c2">(؟ ــ 160)</span>. ويتوهّم بعض الناس أنّه قبل ذلك لم يكن عند أحدٍ من المسلمين كتابٌ ما، يتضمّن علمًا غير كتاب الله عزّ وجلّ. وهذا خطأ؛ فقد كان عند جماعةٍ من الصحابة صحائف <span class="c2">(1)</span> في كلٍّ منها طائفة من الأحاديث النبوية،<span class="c6"> منها:</span> صحيفةٌ كانت عند أمير المؤمنين عليٍّ ــ عليه السلام. ذكرها البخاري <span class="c2">(2)</span> وغيره، وجمع ابن حجر في "فتح الباري" <span class="c2">(3)</span> قِطَعًا منها. وكان عند عَمرو بن حزم كتابٌ كتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن، فيه أحكامٌ كثيرة <span class="c2">(4)</span>. وكان عند أنس كتابٌ في أحكام الزكاة كتبه أبو بكر الصديق، قال في _________ <span class="c2">(1)</span> جمع الأستاذ أحمد الصويان كتابًا جيدًا سماه "صحائف الصحابة" طبع سنة 1410، جمع فيه نماذج منها، وتكلم على طرقها وأسانيدها ومظان وجودها. <span class="c2">(2)</span> ص 251. <span class="c5">[المؤلف]</span>. "صحيح البخاري" <span class="c2">(111 و 1870 و 3047 وغيرها)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(4/ 85)</span>. <span class="c2">(4)</span> "المستدرك" ج 1 ص 295 - 296. <span class="c5">[المؤلف]</span>. وأخرجه النسائي <span class="c2">(4855)</span> وفي "الكبرى" <span class="c2">(7031)</span> من مرسل الزهري،<span class="c6"> وأخرجه البيهقي في الكبرى:</span> <span class="c2">(4/ 91 و 92 و 94)</span> من طُرق عدة.</p><p class="rtl left" id="p573"><span class="c2">(15/234)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p574">أوّله: "هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وفي رواية عند الحاكم وغيره:</span> "كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عُمّاله حتّى قُبِض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتّى قُبِض ... " وذكر الكتاب <span class="c2">(2)</span>. وكان لسَمُرة بن جندب كتبٌ فيها ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ يروي عنها الحسن البصري <span class="c2">(3)</span>. وكان لجابر بن عبد الله صحيفة كذلك، يروي عنها الحسن <span class="c2">(4)</span> أيضًا وطلحة بن نافع <span class="c2">(5)</span>. وكان لعبد الله بن عمرو صحيفة كتبها بإذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يرويها عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه _________ <span class="c2">(1)</span> البخاري ص 195. <span class="c5">[المؤلف]</span>. أخرجه البخاري <span class="c2">(1454)</span>، وأبو داود <span class="c2">(1567)</span>، وابن ماجه <span class="c2">(1800)</span>. <span class="c2">(2)</span> "المستدرك" ج 1 ص 392. <span class="c5">[المؤلف]</span>. وأخرجه أيضًا أبو داود <span class="c2">(1568)</span> ومن طريقه البيهقي في "الكبرى": <span class="c2">(4/ 105)</span> من طريق الزهري عن سالم عن أبيه ... <span class="c2">(3)</span> "تهذيب التهذيب" ترجمة الحسن. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(4/ 198 و 246)</span>، وساق منها البزار في مسنده نحو مئة حديث. <span class="c2">(4)</span> "تهذيب التهذيب" ترجمة الحسن. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(5)</span> "تهذيب التهذيب" ترجمة طلحة. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وذكر صحيفته البخاري في "التاريخ":</span> <span class="c2">(6/ 451 و 7/ 186)</span> وفي "الجرح والتعديل": <span class="c2">(7/ 135)</span>،<span class="c6"> وفي "السير":</span> <span class="c2">(6/ 197)</span> وغيرها.</p><p class="rtl left" id="p575"><span class="c2">(15/235)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p576">عن جدّه <span class="c2">(1)</span>. وفي "المستدرك" <span class="c2">(2)</span> عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري قال: حدثت عن أبي هريرة بحديث؛ فأنكره،<span class="c6"> فقلت له:</span> إنّي قد سمعته منك! قال: إن كنت سمعته منّي فإنه مكتوبٌ عندي، فأخذ بيدي إلى بيته، فأراني كتابًا من كتبه ... فذكر القصة. استنكره الذهبي لما في "البخاري" <span class="c2">(3)</span> وغيره عن أبي هريرة قال: "ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدٌ أكثر حديثًا عنه منّي، إلاّ ما كان من عبد الله بن عَمرو؛ فإنّه كان يكتب ولا أكتب".<span class="c6"> لكن قال ابن عبد البر:</span> يمكن أنّه لم يكن يكتب في العهد النبوي، ثمّ كتب بعده <span class="c2">(4)</span>. وأمّا التابعون؛ فقلّ عالمٌ منهم لم يكن عنده كتب، ولكن كانت الأحاديث تُجمع كيفما اتّفق، بلا تأليف ولا ترتيب؛ كما في "صحيفة همّام بن منبّه اليماني عن أبي هريرة"، وهي نحو من مائة وأربعين حديثًا، تجدها في "مسند أحمد" <span class="c2">(2/ 312 ــ 319)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> "طبقات ابن سعد" ج 4 قسم 2 ص 9. <span class="c5">[المؤلف]</span>. وذكرها الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" <span class="c2">(ص 367)</span>، والخطيب في "تقييد العلم" <span class="c2">(ص 84)</span> وكان يسميها "الصحيفة الصادقة" وقد ساق الإمام أحمد في مسنده كثيرًا من أحاديثها بطريق عمرو بن شعيب، وجمع أحاديثها الإمام مسلم والضياء في كتابين مفردين. <span class="c2">(2)</span> ج 3 ص 511. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(113)</span>. <span class="c2">(4)</span> "فتح الباري" <span class="c5">[1/ 207]</span> باب كتابة العلم. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p577"><span class="c2">(15/236)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p578">وهي في "الصحيحين" وغيرهما مفرّقة <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> التدوين فأمّا التدوين بالترتيب والتأليف:</span> فقد رُويت عن زيد بن ثابت الصحابي المشهور رسالة طويلة، كتبها في أحكام المواريث حوالي سنة 40 للهجرة <span class="c2">(2)</span>. وفي "سنن البيهقي" <span class="c2">(3)</span> قِطَعٌ كثيرة منها. وذكر غير واحد أنّ الحسن بن محمد ابن الحنفية المتوفّى سنة <span class="c2">(95)</span> وضع كتابًا في بعض العقائد. ولكن في ترجمته من " تهذيب التهذيب" <span class="c2">(4)</span> ما يؤخذ منه أنّها رسالة صغيرة. وفي ترجمة الحلّاج من "تاريخ الخطيب" <span class="c2">(5)</span> أنّ للحسن البصري <span class="c2">(21 ــ 110)</span> كتابًا اسمه كتاب "الإخلاص" كان يُروى ويسمع في القرن الثالث. وفي "فهرست ابن النديم" <span class="c2">(6)</span> أنّ لمكحول الشاميّ المتوفّى <span class="c2">(سنة 112)</span> أو بعدها كتابين: "كتاب السُّنن"، و"كتاب المسائل" في الفقه. _________ <span class="c2">(1)</span> وقد طبعت مفردة بتحقيق د. رفعت فوزي في مجلد عن دار الخانجي بمصر. <span class="c2">(2)</span> "سنن البيهقي" ج 6 ص 248. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(6/ 213، 225، 226، 227، 229 وغيرها)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 320 - 321)</span>. <span class="c2">(5)</span> ج 8 ص 138. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(6)</span> ص 318. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p579"><span class="c2">(15/237)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p580">فأمّا ما ذكروه <span class="c2">(1)</span> أنّ أوّل من دوّن الحديث ابن شهاب الزُّهري في سنة مائة أو نحوها، بأمر عمر بن عبد العزيز، وبعث به عمر إلى كل أرضٍ له عليها سلطان <span class="c2">(2)</span>؛ فلا أدري أمُرتَّبًا كان ذلك الكتاب أم لا؟! فأمّا التأليف في أحوال الرجال؛ فإنّه تأخر قليلًا، وقد ذكر ابن النديم، أنّ لِلَّيث بن سعد <span class="c2">(94 ــ 175)</span> "تاريخًا"، وأنّ لابن المبارك <span class="c2">(118 ــ 181)</span> "تاريخًا" <span class="c2">(3)</span>. وقال الذهبي في ترجمة الوليد بن مسلم الدّمشقي <span class="c2">(119 ــ 195)</span>: "صنّف التصانيف والتواريخ" <span class="c2">(4)</span>. ثمّ ألّف ابن معين وابن المديني وغيرهما؛ واتّسع التأليف جدًّا. ولكن في القرن العاشر وهَلُمّ جرًّا تقاصرت الهمم، وهُجِرَ علم الرجال، فقلَّ من بقي يعتني بقراءة كتب الرجال أو نسخها أو نشرها. فأمّا التأليف، فأقلّ وأقلّ، الّلهم إلا أن يجمع أحدهم تراجم لبعض المجاذيب والدّراويش يملؤها بالخوارق، أو يجمع آخرُ تراجمَ لبعض _________ <span class="c2">(1)</span> "فتح المغيث" ص 339. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> أخرجه ابن أبي خيثمة في "تاريخه": <span class="c2">(4/ 247)</span> ومن طريقه ابن عبد البر في "الجامع": <span class="c2">(1/ 331)</span>. والذي ذكره البخاري في "صحيحه" في كتاب العلم،<span class="c6"> باب كيف يُقبض العلم قال:</span> وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ... <span class="c2">(3)</span> "الفهرست" ص 281 وص 319. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(4)</span> "تذكرة الحفاظ" ج 1 ص 275. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> وهو في "السير":</span> <span class="c2">(9/ 211)</span>.</p><p class="rtl left" id="p581"><span class="c2">(15/238)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p582">الأدباء، ينتقي من شعرهم ما يستظرفه من الغزل ونحوه، ممّا إن لم يضرّ لم ينفع، إلاّ ما شاء الله تعالى. حتّى أيقظ الله تعالى الأمّةَ لعلم الحديث وعلم الرجال، والفضل في ذلك ــ بعد الله عزّ وجل ــ للهند، وأعظمه لدائرة المعارف كما سيأتي. * * * *</p><p class="rtl left" id="p583"><span class="c2">(15/239)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p584">طريقة العلماء في وضع كتب الرِّجال أمّا ترتيب التراجم فمعروف، وأجوده طريقة "التهذيب" وفروعه؛ فإنّه على ترتيب حروف الهجاء باعتبار اسم الراوي بجميع حروفه، وكذا باعتبار اسم أبيه وجدّه فصاعدًا.<span class="c6"> مثاله:</span> إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش، وبعده إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله. وكذلك يُرتّب باعتبار النسب،<span class="c6"> مثاله:</span> إبراهيم بن ميمون الصّنعاني، إبراهيم بن ميمون الكوفي، إبراهيم بن ميمون النحّاس. وإفادة الترتيب سهولة الكشف واضحة، ولكن ثَمّ فائدة أعظم منها، وهي التنبيه على ما قد يقع من سقط، أو زيادة، أو تصحيف، أو تحريف.<span class="c6"> مثال السَّقط:</span> ما وقع في "التقريب" المطبوع بدهلي سنة <span class="c2">(1320)</span>؛ ذكر في المحمدين تراجم من اسمه محمد بن إبراهيم، ثم ذكر بعدها محمد بن كعب الأنصاري، ثم محمد بن أحمد!! وكيف يكون كعبٌ بين إبراهيم وأحمد؟<span class="c6">! والصواب كما في "تهذيب التهذيب" وغيره:</span> محمد بن أُبيّ بن كعب.<span class="c6"> ومثال الزيادة:</span> ما وقع في "الميزان" المطبوع بمصر <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> ذُكر في آخر تراجم البكرين:</span> بكر بن يونس،<span class="c6"> ثم بكر بن الأعنق! والصواب:</span> بكرٌ الأعنق _________ <span class="c2">(1)</span> ووقع في ط البجاوي على الصواب: <span class="c2">(1/ 349)</span>.</p><p class="rtl left" id="p585"><span class="c2">(15/240)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p586">كما في "لسان الميزان" <span class="c2">(1)</span>. ومن عادتهم أنّ من عُرفَ باسمه ولقبه فقط أن يذكروه آخر الأسماء الموافقة لاسمه. وفي "الميزان" <span class="c2">(2)</span> بعد بكر هذا بكر بن بشر! والصواب بُكير بن بشر؛ كما في "الّلسان" <span class="c2">(3)</span>. وأما التصحيف، فأمثلته في "الميزان" كثيرة، فمنها ذكر إبراهيم بن حميد، ثم إبراهيم بن أبي حنيفة، ثم إبراهيم بن حبَّان،<span class="c6"> والصواب:</span> ابن حيَّان كما في "اللسان" <span class="c2">(4)</span>. وذكر إبراهيم بن خيثم وبعده إبراهيم بن الخضر! وخيثم تصحيف،<span class="c6"> والصواب:</span> خُثَيم؛ كما في "اللسان" <span class="c2">(5)</span>؛ بل ليس في الأسماء خيثم، وإنّما فيها خثيم وخيثمة. وذكر أصبغ بن محمد وبعده أصبغ بن بنانة تصحيف،<span class="c6"> والصواب:</span> نباتة، كما في "اللسان" <span class="c2">(6)</span>. وذكر الحارث بن شريح وبعده الحارث بن سعيد، وشريح تصحيف، _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 358)</span>. <span class="c2">(2)</span> طبعة مصر سنة 1325 هـ، وكذا ما سيأتي من إحالات المؤلف عليه. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 360)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 270)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(1/ 273)</span>. <span class="c2">(6)</span> <span class="c2">(9/ 262)</span>.</p><p class="rtl left" id="p587"><span class="c2">(15/241)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p588">والصواب: سُريج؛ كما في "اللسان" <span class="c2">(1)</span>. والتحريف في "الميزان" كثيرٌ أيضًا؛ فمنه أنّ فيه <span class="c2">(أسامة بن يزيد بن أسلم)</span> وبعده <span class="c2">(أسامة بن يزيد الليثي)</span>، ثم <span class="c2">(أسامة بن سعد)</span>، ويزيد في الأوّلين تحريف،<span class="c6"> والصواب:</span> زيد فيهما، كما في "اللسان" <span class="c2">(2)</span> وغيره. وفيه إسماعيل بن مسلم، وبعده إسماعيل بن سلمة، وسلمة تحريف،<span class="c6"> والصواب:</span> مسلمة؛ كما في "اللسان" <span class="c2">(3)</span>. فهذه الأغلاط الواقعة في "الميزان" المطبوع بمصر يُنبّه عليها ترتيب الأسماء في التراجم كما هو ظاهر، على أنّه ربّما أخلَّ الذهبيّ في "الميزان" بالترتيب، ولكن "اللسان" يُحوّل الترجمة المخالفة للترتيب إلى موضعها، وربّما أبقاها حيث وقعت في "الميزان".<span class="c6"> وضع التراجم طريقهم في ذلك:</span> أن يذكروا أوّلًا اسم الراوي ونسبه وكنيته ولقبه، ونسبته إلى قبيلته وبلدته وحِرْفته، ونحو ذلك ممّا يميزه عن غيره؛ فإنّه كثيرًا ما يشترك الرجلان فأكثر في الاسم واسم الأب، ونحو ذلك، فيُخْشى الاشتباه. ذكر ابن أبي أُصيبعة في "عيون الأنباء" <span class="c2">(4)</span> أنّ النضر بن الحارث بن _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 514)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(9/ 255)</span> <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(9/ 161)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 19)</span>.</p><p class="rtl left" id="p589"><span class="c2">(15/242)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p590">كلدة ــ الذي كان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ هو ابن الحارث ابن كلدة الثقفي، طبيب العرب! وتبعه الآلوسي في "بلوغ الأرب" <span class="c2">(1)</span> فقال: "النضر بن الحارث الثقفي" وهذا خطأ؛ فإنّ الطبيب هو الحارث بن كلدة بن عمرو بن عِلاج <span class="c2">(2)</span> بن أبي سلمة بن عبد العزّى بن غيرة بن عوف بن قُسيّ <span class="c2">(3)</span>. وقَسيٌّ هو ثقيف <span class="c2">(4)</span>. والنّضر هو ابن الحارث بن كلدة بن علقمة <span class="c2">(5)</span> بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر؛ وهو قريش،<span class="c6"> وقيل:</span> فِهر هو قريش <span class="c2">(6)</span>. وذكر الفاضل محمد فريد وجدي في "كنز العلوم واللغة" في ترجمة أُبيّ بن كعب الصحابيّ المشهور أنّه ابن كعب الأحبار التابعيّ المشهور! وكذا ذكر في ترجمة كعب، وهذا خطأ؛ فإنّ أُبيًّا هو ابن كعب بن قيس بن عُبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النّجّار <span class="c2">(7)</span>، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج <span class="c2">(8)</span>، والخزرج وإخوتهم الأوس هم الأنصار، _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 335)</span>. <span class="c2">(2)</span> وقع في ترجمة الحارث من "الإصابة" المطبوع بمصر سنة 1318 بمطبعة السعادة: "ابن أبي علاج".<span class="c6"> وفي ترجمة ابنه الحارث بن الحارث:</span> "ابن علاج". <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> "الإصابة" ووقع فيها: "قصي" وهو تحريف. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(4)</span> "السيرة" و"القاموس". <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(5)</span> ويقال: ابن الحارث بن علقمة بن كلدة. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(6)</span> "السيرة". <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(7)</span> "تهذيب التهذيب" وغيره. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(8)</span> "السيرة" و"التاج". <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p591"><span class="c2">(15/243)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p592">وكعب الأحبار هو ابن ماتع الحميري، من آل ذي رُعين، أو من ذي الكلاع <span class="c2">(1)</span>. ووقع في بعض كتب الخطيب البغداديّ <span class="c2">(2)</span>: "قرأتُ على القاضي أبي العلاء الواسطي، عن يوسف بن إبراهيم الجُرجاني،<span class="c6"> قال:</span> ثنا أبو نعيم ابن عدي ... " فعمد بعض أفاضل العصر،<span class="c6"> فكتب بدل "أبو نعيم":</span> "أبو أحمد"! وكتب على الحاشية ما لفظه: "أبو نعيم أصل،<span class="c6"> وليس بشيء! " وحاصله أنّ الصواب:</span> أبو أحمد، لا أبو نعيم، وهذا خطأ أوقعه فيه أنه يعرف أبا أحمد عبد الله بن عديّ <span class="c2">(3)</span> الجُرجاني الحافظ مؤلّف كتاب "الكامل" توفي سنة <span class="c2">(365)</span>، ولا يعرف أبا نُعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني الإستراباذي الحافظ المتوفّى سنة <span class="c2">(323)</span>. ولكلٍّ من الحافظين ترجمةٌ في "تذكرة الحفّاظ"، و"أنساب السمعاني"، و"طبقات الشافعية"،<span class="c6"> و"معجم البلدان":</span> جُرجان. ولأبي نُعيم ترجمة في "تاريخ الخطيب". وكذا ترجم الخطيب ليوسف بن إبراهيم المذكور،<span class="c6"> فقال:</span> "قدم بغداد، وحدّث بها عن أبي نُعيم عبد الملك بن محمد بن عَديّ الجرجاني ... _________ <span class="c2">(1)</span> "تهذيب التهذيب". <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> هو كتاب "الكفاية" انظر <span class="c2">(ص 115 - 116)</span> وتعليق الشيخ المعلمي هناك يدلّ على أن هناك من توهَّم فعلّق بما يجلّي الأمر. <span class="c2">(3)</span> في "طبقات الشافعية": "عبد الله بن محمد بن عدي"، فإن صحّ فهو منسوب في "تذكرة الحفاظ" وغيرها إلى جدّه. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p593"><span class="c2">(15/244)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p594">حدّثنا عنه القاضي أبو العلاء الواسطي ... " <span class="c2">(1)</span>. " ثم يذكرون مشايخه والرواة عنه، ولذلك فوائد كثيرة.<span class="c6"> منها:</span> معرفة مقدار طلبه للعلم ونشره له.<span class="c6"> ومنها:</span> أنّه كثيرًا ما يقع في أسانيد كتب الحديث ونحوها ذكر الاسم ــ مثلًا ــ بدون ما يتميز به، كأن يقع "محمد بن الصبّاح الدُّولابي عن خالد عن خالد عن محمد عن أنس"، وطريق الكشف أن تنظر ترجمة الدّولابي تجد في شيوخه خالد بن عبد الله الواسطيّ الطحان، ثمّ تنظر في ترجمة الطحّان تجد في شيوخه خالد بن مهران الحذَّاء، ثم تنظر ترجمة الحذَّاء تجد في شيوخه محمد بن سيرين، ثم تنظر ترجمة ابن سيرين تجد في شيوخه أنس بن مالك. وإن شئت فابدأ من فوق فانظر ترجمة أنس بن مالك تجد في الرواة عنه محمد بن سيرين، وهكذا. وممّا وقع لنا في هذا أنّنا وجدنا في بعض الكتب <span class="c2">(2)</span> التي تُصحَّح وتطبع في الدائرة سندًا فيه: " ... يحيى بن روح الحرّاني،<span class="c6"> قال:</span> سألت أبا عبد الرحمن بن بكّار بن أبي ميمونة ــ حرّاني من الحفّاظ ــ كان مخلد بن يزيد يسأله ... " فذكر قصة. وقد كان بعض أفاضل العصر صحَّح ذلك الكتاب،<span class="c6"> فكتب على قوله:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> "تاريخ الخطيب" ج 14 ص 325. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> هو كتاب "الكفاية" أيضًا. انظر <span class="c2">(ص 115)</span>.</p><p class="rtl left" id="p595"><span class="c2">(15/245)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p596">"سألتُ أبا عبد الرحمن بن بكّار بن أبي ميمونة": "كذا"! كأنّه خشي أن يكون الصواب: سألت أبا عبد الرحمن بكّار بن أبي ميمونة على ما هو الغالب من صنيعهم؛ أن يذكروا اسم الرجل بعد كنيته، فأردنا أن نُحقّق ذلك، فلم نجد فيما بين أيدينا من الكتب ترجمة لبكّار بن أبي ميمونة! ولا ليحيى بن روح الحرّاني! ولا وجدنا في الكنى أبا عبد الرحمن بن بكّار! ولا أبا عبد الرحمن بكارًا! فراجعنا بعض مظانّ القصة، فإذا فيها "أبا عبد الرحمن بكار بن أبي ميمونة"، ولكن لم يُقنعنا ذلك، ثمّ انتبهنا إلى ما في القصة أنّ مخلد بن يزيد كان يسأل هذا الرجل،<span class="c6"> فقلنا:</span> عسى أن نجد له ذكرًا في ترجمة مخلد، فلمّا نظرنا فيها وجدنا في الرواة عن مخلد أحمد بن بكّار، فأسرعنا إلى ترجمته، فإذا هو ضالّتنا، وهو أبوعبد الرحمن أحمد بن بكّار ابن أبي ميمونة.<span class="c6"> ومنها:</span> دفع شبهة التكرار، فقد يُتَوهّم في المثال المذكور أنّ "عن خالد" الثانية مزيدة تكرارًا.<span class="c6"> ومنها:</span> التنبيه على السّقط،<span class="c6"> كأن يقع في المثال الماضي:</span> "عن خالد" مرّة واحدة.<span class="c6"> وعلى الزيادة كأن يقع فيه:</span> "عن خالد" ثلاث مرّات. وعلى التصحيف والتحريف كأن يقع فيه "عن خاله".<span class="c6"> وعلى التقديم والتأخير كأن يقع فيه:</span> "عن خالد الحذّاء، عن خالد الطحّان"، والصواب عكسه.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يُعرف تاريخ ولادة صاحب الترجمة، وتاريخ وفاته تقريبًا إذا</p><p class="rtl left" id="p597"><span class="c2">(15/246)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p598">لم يعرف تحقيقًا.<span class="c6"> مثاله:</span> بُكير بن عامر البَجَلي، لم يُعلَم تاريخ ولادته ولا وفاته، ولكن روى عن قيس بن أبي حازم، وروى عنه وكيع وأبو نعيم، ووفاة قيس سنة 98، ومولد وكيع سنة 128، ومولد أبي نعيم سنة 130، وهؤلاء كلُّهم كوفيّون، وقد ذكر ابن الصلاح <span class="c2">(1)</span> وغيره أنّ عادة أهل الكوفة أن لا يسمع أحدُهم الحديث إلّا بعد بلوغه عشرين سنة، فمقتضى هذا أن يكون عُمْرُ بُكير يوم مات قيس فوق العشرين، فيكون مولد بُكير سنة 78 أو قبلها، ويُعلم أنّ سماع وكيع وأبي نُعيم من بُكير بعد أن بلغا عشرين سنة، فيكون بُكير قد بقي حيًّا إلى سنة 150، فقد عاش فوق سبعين سنة. وهناك فوائد أخرى. وبذلك يُعلَم حسن صنيع المزيّ في "تهذيب الكمال" فإنّه يحاول أن يذكر في ترجمة الرّجل جميع شيوخه وجميع الرواة عنه، ولنِعْمَ ما صنع، وإن خالفه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(2)</span>. ومن لم يهتد إلى الكشف على الطريق السابق وقع في الخطأ. " ثم يذكرون في الترجمة ما يتعلّق بتعديل الرّجل أو جرحه مفصّلًا. وفائدة ذلك واضحة، وتفصيله يطول. ولكن أذكر أمرًا واحدًا، وهو أنّهم قد يذكرون في ترجمة الرجل ما يُعلم منه أنّه ثقةٌ في شيء دون آخر، كأن يكون مُدلسًا فيُحتج بما صرّح فيه بالسماع فقط، أو يكون اختلط بأخرة _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 129)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 4)</span>.</p><p class="rtl left" id="p599"><span class="c2">(15/247)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p600">فيُحتج بما حدّث به قبل الاختلاط فقط، أو يكون سيئ الحفظ، فيُحتج بما حدّث به من كتابه فقط، أو نحو ذلك، فربّما أخرج البخاري ومسلم، أو أحدُهما لبعض هؤلاء من صحيح حديثه، فيقع الوهم لبعض العلماء أنّ ذلك الرّجل ثقة مطلقًا بحجّة أنّه أخرج له صاحب "الصحيح"! " ثمّ يذكرون في آخر الترجمة تأريخ ولادة الرّاوي، وتأريخ وفاته. ولذلك فوائد كثيرة ذكرها في "فتح المغيث" <span class="c2">(ص 460)</span> <span class="c2">(1)</span>. وممّا وقع لنا ممّا يتعلّق بهذا أنّه وقع في بعض الكتب <span class="c2">(2)</span> التي تُصحّح وتُطبع في الدائرة سندٌ فيه " ... أحمد بن محمد بن أبي الموت أبوبكر المكيّ،<span class="c6"> قال:</span> قال لنا أحمد بن زيد بن هارون ... "،<span class="c6"> وقد كتب عليه بعض الأفاضل ما معناه:</span> "الصواب: أحمد عن يزيد بن هارون، وأحمد هو الإمام أحمد بن حنبل، ويزيد بن هارون هو الواسطيّ الحافظ المشهور"! وإنّما حمله على هذا أنّه لم يجد ترجمةً لأحمد بن زيد بن هارون، وهكذا نحن، فقد جهدنا أن نظفر له بترجمة في الكتب التي بين أيدينا فلم نجد! ولكنّنا مع ذلك نعلم أنّ ما كتبه ذلك الفاضل خطأ؛ لأنّ الإمام أحمد توفي سنة 241، وابن أبي الموت له ترجمة في "لسان الميزان" <span class="c2">(3)</span>،<span class="c6"> وفيها ما لفظه:</span> "وأرّخ ابن الطحّان في "ذيل الغرباء" وفاتَه في ربيع الآخر سنة 351 _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(4/ 310 - 313)</span>. <span class="c2">(2)</span> هو "الكفاية" أيضًا. انظر <span class="c2">(ص 20)</span> ووقع التعليق هناك في هذا الموضع: "كذا في الأصلين". فلعلّ التعليق كان على نسخة هذا الفاضل. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 652)</span>.</p><p class="rtl left" id="p601"><span class="c2">(15/248)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p602">بمصر، وعاش تسعين سنة"، فعلى هذا يكون مولده سنة 260،<span class="c6"> أي:</span> بعد وفاة الإمام أحمد بن حنبل بنحو عشرين سنة،<span class="c6"> فكيف يحمل قوله:</span> "قال لنا أحمد" على الإمام أحمد بن حنبل؟! هذا، ومن المؤلفات في علم الرجال ما هو خاصٌّ بالأنساب، كـ "أنساب السمعاني"، وهو حقيقٌ بأن يطبع <span class="c2">(1)</span>؛ فإنّ النسخة التي طبعت بالتصوير في أوروبا كثيرة التصحيف والتحريف مع تعليق الخط وغير ذلك. وفائدته عظيمة، ولاسيّما في أنساب الرجال الذين لا توجد تراجمهم في الكتب المطبوعة. وكثيرًا ما يُستفاد منه في غير الأنساب.<span class="c6"> ومن غريب ذلك:</span> أنّه تكرّر في "المستدرك" <span class="c2">(2)</span> و"سنن البيهقي" <span class="c2">(3)</span> ذكر الحسن بن محمد بن حليم المروزيّ، فتارة يأتي هكذا،<span class="c6"> وتارة يقع ابن حكيم! وبعد أن كدنا نيأس من تصحيحه قلنا:</span> قد يجوز أن يكون ربّما نسب إلى الجد المشتبه،<span class="c6"> فيقال:</span> الحليميّ،<span class="c6"> أو:</span> الحكيميّ، فراجعنا "الأنساب" فإذا به ذكره في "الحليمي" باللام، وذكر أنّه منسوب إلى جده "حليم". ومن الكتب ما يكون خاصًّا بالمشتبه، والمطبوع منها كـ "المؤتلف والمختلف" لعبد الغني، و"المشتبه" للذهبي، غير وافٍ بالمقصود. وقد قرّرت الدائرة طبع كتاب "الإكمال" لابن ماكولا، وهو أهمّ الكتب _________ <span class="c2">(1)</span> تولّى المؤلف تحقيق كتاب "الأنساب" فأنجز منه ستة مجلدات، واخترمته المنيّةُ قبل إتمامه، وتولّى اتمامه بعده جماعة من الباحثين فطبع في 13 مجلدًا. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 83، 84، 225 وغيرها)</span> على الوجه الأول،<span class="c6"> وعلى الثاني:</span> <span class="c2">(4/ 433)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 17، 51، 270، 187 وغيرها)</span> على الوجه الأول،<span class="c6"> وعلى الثاني:</span> <span class="c2">(1/ 368)</span>.</p><p class="rtl left" id="p603"><span class="c2">(15/249)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p604">في هذا الشأن <span class="c2">(1)</span>. ولابن حجر كتابُ "تبصير المنتبه" هذّب فيه كتاب "المشتبه" للذهبيّ، وسدّ ما فيه من الخلل، وزاد زيادات مهمّة، وفيه أشياء ليست في "الإكمال". وفي المكتبة الآصفية نسخةٌ منه جيدة، وهو حريٌّ بأن يُطبع <span class="c2">(2)</span>، وقد استفدنا منه كثيرًا. ومن غريب ذلك أنّه تكرّر في "سنن البيهقي" ذكر أبي محمد أبي الشيخ عبد الله بن محمد بن حيّان الأصبهاني، فيقع تارة "حيّان"، وتارة "حبان"! ونظرنا في "التبصير" <span class="c2">(3)</span> فوجدناه عدّد "حَبان" و"حِبان" وغيرهما ممّا يقع على هذه الصورة، إلاّ "حيّان" فإنّه تركه اعتمادًا على أنّ كلَّ ما وقع على هذه الصورة ممّا لم يذكره فهو "حيّان"، كعادته في أمثال ذلك! وهذا وإن كان كافيًا لحصول الظنّ، ولكن لم نقنع به،<span class="c6"> ثم قلنا فيه:</span> يجوز أن يكون ربّما نسب إلى جده هذا، فنظرنا في "مشتبه النسبة" من "التبصير" <span class="c2">(4)</span> فإذا هو فيه <span class="c2">(الحيّاني)</span>، ذكره في حرف الجيم مع الجُبّائي. ومن الكتب ما يختصّ بالكنى، وهو مهمٌّ لمعرفة ضبط الكنية، فإنّها تقع في الكتب مصحّفة ومحرّفة، أبو سعد وأبو سعيد، أبو الحسن وأبو الحسين، أبو عبد الله وأبو عبيد الله. _________ <span class="c2">(1)</span> وقد تولى المؤلف تحقيقه، وأنجز منه ستة مجلدات طبعت في حياته. <span class="c2">(2)</span> طبع في أربعة مجلدات بتحقيق علي محمد البجاوي. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 277)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 290)</span>.</p><p class="rtl left" id="p605"><span class="c2">(15/250)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p606">والعالم محتاج إلى جميع كتب الرجال؛ لأنّه يجد في كلٍّ منها ما لا يجد في غيره، وإن لم يكن عنده إلا بعضها فكثيرًا ما يبقى بحسرته، وكثيرًا ما يقع في الخطأ. زعم بعض علماء العصر أنّ الحديث الذي في "صحيح مسلم" <span class="c2">(1)</span> عن أبي وائل، عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام <span class="c2">(2)</span> في تسوية القبور ضعيفٌ؛ لأنّ أبا وائل هو عبد الله بن بَحِير بن ريسان القاصّ قد جرّحه العلماء. كأنّ هذا العالم نظر في فصل الكنى من "الميزان"، وليس فيه أبو وائل إلا واحد، هو عبد الله بن بَحِير، فرجع إلى ترجمته من "الميزان" ونقل كلام الأئمة فيه، ولم ينظر أنّه ليس عليه علامة مسلم! والحديث في "صحيح مسلم" كما عُلِم، وإنّما عليه علامة أبي داود والترمذي وابن ماجه، ولا نظر أنّه لم يذكر لعبد الله بن بحير رواية إلاّ عن أوساط التابعين، وأبو وائل الذي في الحديث يرويه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام! ولو ظفر هذا العالم بـ "التقريب" أو "الخلاصة" أو "تهذيب التهذيب" لوجد في فصل الكنى أبا وائل آخر،<span class="c6"> هو:</span> شقيق بن سلمة، تابعيٌّ كبير مخضرم، روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم، وأخرج له البخاري ومسلم وغيرهما. واتفق الأئمة على توثيقه، ولذلك لم يذكر في "الميزان" لأنّ "الميزان" خاصٌّ بمن تُكلِّم فيه. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(969)</span>. <span class="c2">(2)</span> هكذا في رواية،<span class="c6"> وفي أخرى:</span> "عن أبي وائل، عن أبي الهياج، عن علي". وأرى كليهما صحيحًا. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p607"><span class="c2">(15/251)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p608">وأغرب من هذا ما وقع في "مجلّة المنار" <span class="c2">(1)</span>؛ رأيت في بعض أجزائها القديمة ذكر كلام ابن حزم في ترتيب كتب الحديث،<span class="c6"> أظنه نقله من "تدريب الرّاوي" ووقع في العبارة:</span> "وكتاب ابن المنذر"،<span class="c6"> فكتب في حاشية المجلّة:</span> "ابن المنذر: إبراهيم وعلي" <span class="c2">(2)</span> كأنّه نظر فصل الأبناء من "الخلاصة"، فوجد فيه ذلك! وإبراهيم بن المنذر وعليُّ بن المنذر لم يُذكر لأحدهما كتابٌ، وإنّما "ابنُ المنذر" في عبارة ابن حزم هو الإمام محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، صاحب التصانيف، توفي سنة 318، ولم يُذكر في "الخلاصة" لأنّه لم يرو عنه أحدٌ من الأئمة الستة لتأخره، وهو مُترجَم في "تذكرة الحفاظ" و"الميزان" و"لسانه" و"طبقات الشافعية" وغيرها. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(22/ 273)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا،<span class="c6"> وقد جاء التعليق على المجلة هكذا:</span> "لا أدري هل هو إبراهيم بن المنذر المتوفى سنة 236 أو علي بن المنذر المتوفى سنة 256". فمقتضى هذا يكون صواب العبارة "إبراهيم أو علي".</p><p class="rtl left" id="p609"><span class="c2">(15/252)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p610">إحياء كتب الرجال، ولمن الفضل في ذلك؟ قد أسلفت أنّه في القرن العاشر من الهجرة وما بعده هُجر علم الرِّجال، حتّى أحياه الله عزّ وجلّ بواسطة المطابع، وأذكر الآن ما طُبع من كتبه ليُعلم لمن الفضل في ذلك.<span class="c6"> الكتب الخاصة بأسماء الصحابة:</span> 1 ــ "الإصابة" طبع بالهند، سنة 1264 هـ، ثم بمصر، سنة 1323 هـ. 2 ــ "أسد الغابة" طبع بمصر، سنة 1286 هـ. 3 ــ "تجريد أسماء الصحابة" طبع بدائرة المعارف، سنة 1315 هـ. 4 ــ "الاستيعاب" طبع بدائرة المعارف، سنة 1318 هـ، ثم بمصر، سنة 1323 هـ.<span class="c6"> وقرّرت الدائرة طبع كتابين آخرين:</span> كتاب "أسماء الصحابة" لابن منده، و"درّ السحابة" للصاغاني.<span class="c6"> الخاصة بالحفاظ:</span> 1 ــ "طبقات الحُفاظ" للسيوطي، طبع في أوربا، سنة 1250 هـ. 2 ــ "تذكرة الحفّاظ" للذهبي، طبع بدائرة المعارف، سنة 1334 هـ. 3 ــ "ذيله" طبع بدمشق، سنة 1347 هـ.<span class="c6"> توابع أسماء الرجال:</span> 1 ــ "المشتبه" للذهبي، طبع في أوربا سنة 1300 هـ. 2 ــ "الأسماء والكنى" للدولابي، طبع في دائرة المعارف، سنة 1322 هـ.</p><p class="rtl left" id="p611"><span class="c2">(15/253)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p612">3 ــ "المؤتلف والمختلف" لعبد الغني، طبع في الهند، سنة 1327 هـ. 4 ــ "أنساب السمعاني"، طبع بالتصوير <span class="c2">(1)</span> في أوربا، سنة 1330 هـ. وقرّرت دائرة المعارف طبع "الإكمال" لابن ماكولا، وهو أجلّ الكتب في بابه، ولعلّها تطبع كتاب "الأنساب" <span class="c2">(2)</span> و"التبصير" لابن حجر.<span class="c6"> أسماء الرجال:</span> 1 ــ "التقريب"، طبع بالهند مرّات أوّلها سنة 1271 هـ. 2 ــ "الخلاصة"، طبع بمصر مع "فتح الباري" على نفقة المرحوم السيد صديق حسن، سنة 1301 هـ. 3 ــ "الميزان"، طبع بالهند سنة 1301 هـ، ثم بمصر سنة 1325 هـ. 4 ــ "إسعاف المُبطّأ في رجال الموطأ"، طبع بحيدراباد دكن، سنة 1320 هـ. 5 ــ "طبقات ابن سعد"، طبع في أوربا سنة 1322 هـ. 6 و 7 و 8 ــ "الضعفاء الصغير" للبخاري، "الضعفاء" للنسائي، "المنفردات والوحدان" لمسلم، طبعت في حيدراباد سنة 1323 هـ، ثمّ طبع الأولان بالهند سنة 1325 هـ. 9 ــ "الجمع بين رجال الصحيحين" <span class="c2">(3)</span>، طبع في دائرة المعارف سنة 1323 هـ. _________ <span class="c2">(1)</span> أي: المخطوط، في مجلد ضخم. <span class="c2">(2)</span> انظر ما سلف <span class="c2">(ص 249 - 250)</span> حول كتابي الإكمال والأنساب. <span class="c2">(3)</span> لأبي الفضل بن طاهر المقدسي <span class="c2">(ت 507)</span>.</p><p class="rtl left" id="p613"><span class="c2">(15/254)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p614">10 ــ "تعجيل المنفعة"، طبع في دائرة المعارف، سنة 1324 هـ. 11 ــ "تهذيب التهذيب"، طبع في دائرة المعارف، سنة 1325 هـ. 12 ــ "التاريخ الصغير" للبخاري، طبع في الهند، سنة 1325 هـ. 13 ــ "لسان الميزان"، طبع في دائرة المعارف، سنة 1329 هـ.<span class="c6"> وقرّرت الدائرة طبع أمّهات الكتب في الفنّ:</span> "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة <span class="c2">(1)</span>. ولعلّها تطبع "التاريخ الأوسط" للبخاريّ، فإنَّ نسخته موجودة <span class="c2">(2)</span>. وقد طبعت كتب أخرى يُستفاد منها كثير من تراجم الرجال، ولكن منها مالم يوضع لذلك بخصوصه، ومنها ما هو خاص ببلد أو طائفة. وقد طبعت دائرة المعارف من هذا الضرب "مرآة الجنان" لليافعي، و"الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية"، وقررت طبع تاريخ "المنتظم" لابن الجوزي، و"طبقات الحنابلة" <span class="c2">(3)</span> لابن رجب، ولعلها تطبع "تاريخ جرجان" <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> طُبع الأوّلان عن الدائرة، وكان للمؤلف اليد الطولى في العمل عليهما، أما الثالث فلم يطبع فيها، وطبع قريبًا الموجود منه طبعتين في دار الفاروق الحديثة وفي دار غراس. <span class="c2">(2)</span> طبع في مجلد واحد في الهند، ثم حقق في رسالتين جامعيتين وطبع في 5 مجلدات عن مكتبة الرشد بالرياض. <span class="c2">(3)</span> يعني: "ذيل الطبقات"، أما الطبقات فلابن أبي يعلى الحنبلي حققه الفقي أيضًا في مجلدين وطبعت مع الذيل. <span class="c2">(4)</span> طبع "المنتظم" و"تاريخ جرجان" عن الدائرة، أما "ذيل الطبقات" فطبع بمصر بعناية الشيخ حامد الفقي سنة 1952، ثم حققه أستاذنا د. عبد الرحمن العثيمين وطبع سنة 1420 في خمسة مجلدات.</p><p class="rtl left" id="p615"><span class="c2">(15/255)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p616">وكلّ من له إلمام بالفن يعلم أنه ليس في كتب الرجال المطبوعة أجمع ولا أوسع ولا أنفع من "تهذيب التهذيب" و"لسان الميزان"، ويشاركهما "تعجيل المنفعة" في عظمها، وكلها من طبع دائرة المعارف. وليس فيما لم يطبع منها أجلّ من "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم، و"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة، وقد قررت دائرة المعارف طبع هذه الثلاثة <span class="c2">(1)</span>. ومن تتبع ما أنتجته النهضة العلمية في القرن الرابع عشر بالهند ومصر والشام وغيرها من المعارف والمؤلفات والرسائل وغيرها، علم أن للهند ــ ولا سيما حيدراباد دكن ــ الفضل الأكبر في ذلك بما نشرته من كتب الحديث، وكتب الرجال؛ فإن شأن الهند ــ وخاصة دائرة المعارف ــ في الحديث لا يقلّ عن شأنها في الرجال،<span class="c6"> وحسبك أنّ من مطبوعات دائرة المعارف:</span> "كنز العمّال" و"مسند الطيالسي" و"المستدرك" و"السنن الكبرى" للبيهقي وغيرها. وقد قررت طبع "مسند الإمام إسحاق بن راهويه"، و"مسند أبي عوانة" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> كما طبعت في علم مصطلح الحديث أهمّ المؤلفات فيه:</span> "علوم _________ <span class="c2">(1)</span> انظر ما سبق <span class="c2">(ص 255)</span>. <span class="c2">(2)</span> طبع الثاني منهما في الدائرة، مع نقص فيه، ثم طبع ما يكمله في خمسة مجلدات، ثم حقق كاملًا في عدة رسائل جامعية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية المنورة.</p><p class="rtl left" id="p617"><span class="c2">(15/256)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p618">الحديث" للحاكم، وكتاب "الكفاية" للخطيب البغدادي. وقد أخذت الدائرة بنصيبٍ من سائر العلوم؛ كاللغة والنحو والفلسفة والرياضيات والتاريخ، ولكن إذا كان في طبع مؤلفات أسلافنا في هذه العلوم ونحوها حفظ ونشر لأعمال نوابغ الإسلام؛ ففي طبع كتب الحديث والرجال فوق ذلك حفظ ونشر للإسلام نفسه. على أنّ حاجة التاريخ إلى معرفة أحوال ناقلي الوقائع التاريخية أشدّ من حاجة الحديث إلى ذلك، فإنّ الكذب والتساهل في التاريخ أكثر، بل إنّ معرفة أحوال الرجال هي من أهم أنواع التاريخ، والعلومُ الدينية والتاريخية أَوْلَى العلوم بالحفظ؛ لأنّه إذا ضاع منها شيء لم يمكن تداركه بعد ختم النبوّة. وأمّا العلوم الأخرى فليست كذلك؛ لأنّها نتيجة العقول والتجارب، فإذا ضاع منها شيء يمكن استنتاجه ثانيًا، وهكذا. ولن تزال الدائرة إن ــ شاء الله تعالى ــ مُجِدّة في سعيها، مستمرة في عملها، معتمدة على فضل الله تبارك وتعالى، وحسن توفيقه، ثمّ على عناية صاحب الجلالة السلطان ــ سلطان العلوم ــ السلطان مير عثمان علي خان بهادر ــ حفظه الله ــ، كشأنه دائمًا في العناية بالدائرة وبغيرها من معاهد العلم التي عُمِرت بها البلاد وحييت بها العباد. طوبى لدكن ما حوتـ ... ــــــهُ من معاهد للمعارف فيها رياض العلم تُتْـ ... ـحِف باللطائف كلّ طائف أثمارها متدليا ... تٌ طَوع كفّي كلّ قاطف</p><p class="rtl left" id="p619"><span class="c2">(15/257)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p620">وحياضها بالعذب تر ... وي كل مرتشفٍ وغارف فيها الجوامع والمدا ... رس والمطابع والمتاحف ومن الجوامع أمُّها الـ ... ــكبرى تحيّر كل واصف بحر به التقت العلو ... م من السوالف والخوالف وترى بها دارًا لتر ... جمة التآليف الطرائف وبها كما علمت رجا ... لُ العلم دائرة المعارف نشرت علومًا ما لها ... من معدن إلا الصحائف هذا رشاشٌ من فوا ... ضل ذي الفضائل والعوارف عثمان من عمّت موا ... هبه الموافق والمخالف يرعى المخالف من رعيّـ ... ــته كما يرعى المؤالف مغرًى بما فيه السعا ... دةُ والعُلى لا بالزخارف فليحي سلطان العلو ... م وإنّها معنا هواتف عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني</p><p class="rtl left" id="p621"><span class="c2">(15/258)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p25"><a id="t25" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t25">الرسالة العاشرة مُلَخّص طبقات المُدلِّسين</a></h2><p class="rtl left" id="p622"><span class="c2">(15/259)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p623">الحمد لله ملخَّص من <span class="c3">«طبقات المدلسين»</span> للحافظ أ) من لم يوصف بالتدليس إلا نادرًا <span class="c2">(1)</span>: 1 -<span class="c6"> أبو نعيم الأصبهاني:</span> يطلق في الإجازة <span class="c3">«أخبرنا»</span>. 2 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حازم السمرقندي،<span class="c6"> أبو يحيى الكرابيسي:</span> يدلس عن محمد بن نصر الإجازة. 3 -<span class="c6"> أحمد بن محمد بن يحيي بن حمزة الدمشقي القاضي:</span> يدلس عن أبيه بالإجازة. 4 - <span class="c2">(خ 4)</span> إسحاق بن راشد الجَزَري: يقول في الوجادة: <span class="c3">«حدثنا»</span>. 5 - <span class="c2">(ع)</span> أيوب السِّخْتياني: يدلِّس عن أنس بالعنعنة <span class="c2">(2)</span>. 6 - <span class="c5">[خ م س]</span> أيوب بن النجَّار اليمامي: صح أنه قال لم أسمع من يحيي بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا، وقد روى عنه أكثر من حديث. 7 - <span class="c2">(ع)</span> جَرير بن حازم: ممن وصفه بالتدليس يحيى الحِمَّاني في حديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. 8 - <span class="c2">(م 4)</span> الحسين بن واقد المروزي: ثقة، وصفه الدارقطني وأبو يعلى الخليلي بالتدليس. 9 - <span class="c5">[ص 108]</span> <span class="c2">(م 4)</span> حفص بن غِياث: وصفه أحمد والدارقطني. _________ <span class="c2">(1)</span> وعددهم ثلاثة وثلاثون. <span class="c2">(2)</span> فقد رأى أنسًا ولم يسمع منه، ومع ذلك حدث عنه عدة أحاديث بالعنعنة.</p><p class="rtl left" id="p624"><span class="c2">(15/261)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p625">10 - <span class="c2">(ع)</span> خالد بن مِهْران الحذَّاء: روى عن عِراك بن مالك حديثًا سمعه من خالد بن أبي الصلت عنه في استقبال القبلة في البول. 11 - <span class="c2">(ع)</span> زيد بن أسلم: روى عن ابن عمر في <span class="c3">«رد السلام بالإشارة»</span> قال ابن عيينة <span class="c2">(1)</span>: قلت لإنسان: سله أسمعه من ابن عمر؟ فسأله، فقال أما أنا فكلَّمني وكلّمته، أخرجه البيهقي <span class="c2">(2)</span>. وفي هذا الجواب إشعار بأنه لم يسمع هذا بخصوصه منه، مع أنه مكثر عنه، فيكون قد دلسه. 12 - <span class="c2">(س)</span> سلمة بن تمام الشَّقَرِي: ذكر ابن أبي حاتم ما يدل أنه كان يدلس. 13 - <span class="c2">(د س ق)</span> شِبَاك الضبِّي،<span class="c6"> صاحب إبراهيم النخعي:</span> وصفه الدارقطني والحاكم. 14 - <span class="c2">(ع)</span> طاوس: يدلس عن ابن عباس، وروى عن عائشة،<span class="c6"> وقد قال ابن معين:</span> لا أراه سمع منها، وقال أبو داود لا أعلمه سمع منها. 15 - <span class="c5">[ص 109]</span> <span class="c2">(ع)</span> أبو قِلابة الجَرْمي: وصفه الذهبي والعلائي. 16 - <span class="c2">(م 4)</span> عبد الله بن عطاء الطائفي: قضيته في التدليس مشهورة <span class="c2">(3)</span>، رواها شعبة عن أبي إسحاق السَّبيعي. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: <span class="c3">«ابن عبيد»</span> تحريف. <span class="c2">(2)</span> في <span class="c3">«السنن الكبرى»</span>: <span class="c2">(2/ 259)</span>. <span class="c2">(3)</span> أخرجها البخاري في <span class="c3">«التاريخ الكبير»</span>: <span class="c2">(5/ 165)</span>، و <span class="c3">«الأوسط»</span> رقم <span class="c2">(651)</span> وغيره.</p><p class="rtl left" id="p626"><span class="c2">(15/262)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p627">17 - <span class="c2">(ع)</span> ابن وهب: وصفه ابن سعد في <span class="c3">«الطبقات»</span> <span class="c2">(1)</span>. 18 - <span class="c2">(خ م د س ق)</span> عبد ربه بن نافع أبو شهاب الحَنّاط: أشار الخطيب في مقدمة <span class="c3">«تاريخه»</span> <span class="c2">(2)</span> إلى أنه دلس حديثًا. 19 -<span class="c6"> الدارقطني:</span> قال أبو الفضل بن طاهر: كان يقول: <span class="c3">«قُرئ على أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان»</span>، فيوهم أنه سمع منه،<span class="c6"> لكن لا يقول:</span> وأنا أسمع. 20 - <span class="c2">(ع)</span> عَمْرو بن دينار: أشار الحاكم في <span class="c3">«علوم الحديث»</span> <span class="c2">(3)</span> إلى أنه كان يدلس. 21 - <span class="c2">(ع)</span> الفضل بن دُكَين أبو نعيم: وصفه أحمد بن صالح المصري. 22 - <span class="c2">(ع)</span> مالك: كان يسوّي. 23 - <span class="c2">(ق س)</span> البخاري: في قوله: <span class="c3">«قال فلان»</span> <span class="c2">(4)</span>. 24 -<span class="c6"> محمد بن عِمران بن موسى المَرْزباني:</span> الكاتب الأخباري كان يطلق التحديث والإخبار في الإجازة. ذكر ذلك الخطيب وغيره. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 526 - ط الخانجي)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c3">«تاريخ بغداد»</span>: <span class="c2">(1/ 30)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص/355 - ط ابن حزم)</span>. <span class="c2">(4)</span> وصفه بذلك ابن منده، قال الحافظ في <span class="c3">«الطبقات»</span> <span class="c2">(ص 91)</span>: <span class="c3">«ولم يوافَق ابن منده على ذلك. والذي يظهر أنه كان يقول فيما لم يسمع «قال»</span>، وفيما سمع <span class="c3">«قال لنا»</span> لكن لا يكون على شرطه، أو موقوفًا <span class="c3">«قال لي»</span> أو <span class="c3">«قال لنا»</span>. وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه» اهـ.</p><p class="rtl left" id="p628"><span class="c2">(15/263)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p629">25 - <span class="c5">[ص 110]</span> <span class="c2">(ت ق)</span> محمد بن يزيد بن خُنَيس العابد: قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا بيَّن السماعَ في روايته. 26 -<span class="c6"> محمد بن يوسف بن مَسْدي الحافظ الأندلسي:</span> نزيل مكة في المائة السابعة، كان يدلس الإجازة، وله معجم مشهور مات بمكة سنة <span class="c2">(663)</span>. 27 - <span class="c2">(بخ (1)</span> م د س) مَخْرمة بن بُكَير: يدلس عن أبيه، انظر ترجمته. 28 - <span class="c2">(ت)</span> مسلم صاحب <span class="c3">«الصحيح»</span>: قال ابن منده: كان يقول في ما لم يسمعه من مشايخه: <span class="c3">«قال لنا فلان»</span> وهو تدليس، وردَّ ذلك شيخنا أبو الفضل بن الحسين <span class="c2">(2)</span>، وهو كما قال. 29 - <span class="c2">(ع)</span> موسى بن عقبة المدني: وصفه الدارقطني، أشار إلى ذلك الإسماعيلي. 30 - <span class="c2">(ع)</span> هشام بن عروة: في الحكاية المشهورة أنه قدم العراق ... الخ <span class="c2">(3)</span>. 31 - <span class="c2">(ع)</span> لاحق بن حُمَيد أبو مِجْلَز: أشار ابن أبي خيثمة عن ابن معين أنه كان يدلس، وجزم بذلك الدارقطني. 32 - <span class="c5">[ص 111]</span> <span class="c2">(ع)</span> يحيي بن سعيد الأنصاري: وصفه ابن المديني والدارقطني. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: <span class="c3">«خ»</span> والمثبت من المصادر. <span class="c2">(2)</span> يعني الإمام العراقي صاحب الألفية في الحديث ت <span class="c2">(806)</span>. <span class="c2">(3)</span> انظرها في <span class="c3">«تهذيب التهذيب»</span>: <span class="c2">(11/ 50)</span>.</p><p class="rtl left" id="p630"><span class="c2">(15/264)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p631">33 - <span class="c2">(ع)</span> يزيد بن هارون: قال: ما دلست إلا في حديث واحد فما بورك فيه. ب) من احتمل الأئمة تدليسه لإمامته, أو لأنه كان لا يروي إلا عن ثقة <span class="c2">(1)</span>: 34 -<span class="c6"> إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي:</span> عن مكحول وغيره، وعنه يحيي بن حمزة وجماعة.<span class="c6"> قال أبو حاتم:</span> لا بأس به , وأشار البخاري إلى أنه كان يدلس. 35 - <span class="c2">(ع)</span> إبراهيم النخعي: وصفه الحاكم <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وقال أبو حاتم:</span> لم يلق أحدًا من الصحابة، إلا عائشة رضي الله عنها، ولم يسمع منها <span class="c2">(3)</span>. 36 - <span class="c2">(ع)</span> إسماعيل بن أبي خالد: وصفه النسائي. 37 - <span class="c2">(خت (4)</span> 4) أشعث بن عبد الملك الحُمْراني: قال معاذ: سمعته يقول: كلّ شيء حدّثتكم عن الحسن سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث: حديث <span class="c3">«الذي يركع دون الصف»</span>، وحديث <span class="c3">«عدة الحائض»</span> , وحديث <span class="c3">«علي في الخلاص»</span>. 38 - <span class="c5">[ص 112]</span> <span class="c2">(م 4)</span> بشير بن المهاجر الغَنَوي: قال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(5)</span>: كان يدلس. _________ <span class="c2">(1)</span> وهم ثلاثة وثلاثون شخصًا. <span class="c2">(2)</span> في <span class="c3">«علوم الحديث»</span>: <span class="c2">(ص/349)</span>. <span class="c2">(3)</span> علق الشيخ بعد هذا: <span class="c3">«في «التقريب»</span> في ترجمة إبراهيم بن يزيد التيمي: <span class="c3">«ثقة إلا أنه يرسل ويدلس»</span>. <span class="c2">(4)</span> زيادة من المصادر. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(6/ 98)</span>.</p><p class="rtl left" id="p632"><span class="c2">(15/265)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p633">39 - <span class="c2">(م 4 (1)</span>) جُبير بن نُفير: قال الذهبي في <span class="c3">«طبقات الحفاظ»</span> <span class="c2">(2)</span>: ربما دلَّس عن كبار الصحابة. 40 - <span class="c2">(ع)</span> الحسن البصري: وصفه بتدليس الإسناد النسائيُّ وغيره. 41 -<span class="c6"> الحسن بن التميمي أبو علي المُذْهب:</span> راوي <span class="c3">«مسند أحمد»</span> عن القَطيعي. فيه نظر , انظر <span class="c3">«الميزان»</span> <span class="c2">(3)</span>. 42 - <span class="c2">(ع)</span> الحسن بن مسعود أبو علي الدمشقي ابن الوزير: محدِّث مكثر، مذكور بالحفظ، وصفه ابن عساكر بالتدليس،<span class="c6"> وقال:</span> مات سنة <span class="c2">(543)</span>. 43 - <span class="c2">(ع)</span> الحَكَم بن عُتَيبة: وصفه النسائي، وحكاه السُّلمي عن الدارقطني. 44 - <span class="c2">(ع)</span> حماد بن أسامة أبو أسامة: قال المُعَيطي <span class="c2">(4)</span>: كان كثير التدليس ثم رجع عنه.<span class="c6"> وقال ابن سعد:</span> كان كثير الحديث، ويدلّس ويبين تدليسه. 45 - <span class="c2">(م 4 (5)</span>) حماد بن أبي سليمان: ذكر الشافعي أن شعبة حدث بحديث عن حماد عن إبراهيم قال: فقلت لحماد: سمعته من إبراهيم؟<span class="c6"> قال:</span> لا، أخبرني به مغيرة بن مِقْسَم عنه. _________ <span class="c2">(1)</span> زيادة في التقريب: <span class="c3">«بخ»</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 52)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 33 - 35)</span>.<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c3">«فيه نظر، انظر الميزان»</span> من كلام المعلمي. يعني أن وصفه بالتدليس فيه نظر، وقد ناقش الذهبي دعوى الخطيب في <span class="c3">«الميزان»</span>. <span class="c2">(4)</span> الأصل: <span class="c3">«القبطي»</span>. والمثبت من <span class="c3">«الطبقات»</span> و <span class="c3">«الميزان»</span>. <span class="c2">(5)</span> زاد في التقريب رمز <span class="c2">(بخ)</span>.</p><p class="rtl left" id="p634"><span class="c2">(15/266)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p635">46 - <span class="c5">[ص 113]</span> <span class="c2">(ع)</span> خالد بن معدان: قال الذهبي: كان يرسل ويدلس. 47 - <span class="c2">(ع (1)</span>) زكريا بن أبي زائدة: قال أبو حاتم: كان يدلس عن الشعبي، وابن جريج. ووصفه الدارقطني بالتدليس. «قلت <span class="c2">(2)</span> وكذا أبو زرعة قال: كان يدلس كثيرًا عن الشعبي، ووصفه أيضًا أبو داود». 48 - <span class="c2">(ع)</span> سالم بن أبي الجعد: ذكره الذهبي في <span class="c3">«الميزان»</span> <span class="c2">(3)</span> بذلك. 49 - <span class="c2">(م 4)</span> سعيد بن عبد العزيز الدمشقي: روى عن زيادة بن أبي سَوْدَة،<span class="c6"> فقال أبو الحسن بن القطَّان:</span> لا ندري سمعه منه , أو دلَّسه عنه. 50 - <span class="c2">(ع)</span> سعيد بن أبي عَرُوبة: وصفه النسائي وغيره. 51 - <span class="c2">(ع)</span> سفيان الثوري: وصفه النسائي وغيره،<span class="c6"> وقال البخاري:</span> ما أقلّ تدليسه! 52 - <span class="c2">(ع)</span> سفيان بن عيينة: وصفه النسائي وغيره، وكان لا يدلس إلا عن ثقة، وادعى ابنُ حبان أن ذلك كان خاصًّا به. 53 - <span class="c5">[ص 114]</span> <span class="c2">(خت م 4)</span> أبو داود الطيالسي: قال يزيد بن زُرَيع: سألته عن حديثين لشعبة،<span class="c6"> فقال:</span> لم أسمعهما منه،<span class="c6"> قال:</span> ثم حدث بهما عن شعبة.<span class="c6"> قال الذهبي:</span> دلَّسهما عنه، فكان ماذا؟ _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: <span class="c3">«م»</span> والمثبت من المصادر. <span class="c2">(2)</span> من كلام المعلمي. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 299)</span>.</p><p class="rtl left" id="p636"><span class="c2">(15/267)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p637">قلت <span class="c2">(1)</span>: ويحتمل أن يكون تذكرهما، وإن كان دلسهما نُظِر، فإن ذكر صيغةً محتملة فهو تدليس الإسناد، وإن ذكر صيغةً صريحة، فهو تدليس الإجازة. 54 - <span class="c2">(ع)</span> سليمان بن طَرْخان: وصفه النسائي. 55 - <span class="c2">(ع)</span> الأعمش: وصفه الكرابيسي والنسائي والدارقطني وغيرهم. 56 - <span class="c2">(خت م 4 (2)</span>) شَريك القاضي: كان من الأثبات، ولما ولي القضاء تغير حفظه، وكان يتبرأ من التدليس، ونَسَبه عبد الحق في <span class="c3">«الأحكام»</span> إلى التدليس، وسبقه إلى وصفه به الدارقطني. 57 - <span class="c2">(4)</span> شعيب،<span class="c6"> والد عَمْرو بن شعيب:</span> فيه نظر <span class="c2">(3)</span>. 58 - <span class="c5">[ص 115]</span> <span class="c2">(ع)</span> عبد الرازق: نسبه بعضهم إلى التدليس، وقد تبرأ منه <span class="c2">(4)</span> في قصته في تعلّقه بالكعبة، ويحتمل أن يكون نفى الإكثار من التدليس، بقرينة ذكره بقيَّة. 59 - <span class="c2">(خ م د ت (5)</span> س) عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص بن هشام المخزومي: وصفه الذهبي والعلائي. _________ <span class="c2">(1)</span> هذا من كلام <span class="c2">(ابن حجر)</span>. <span class="c2">(2)</span> الأصل: <span class="c3">«ت»</span> فقط، والمثبت من المصادر. <span class="c2">(3)</span> من كلام المعلمي. <span class="c2">(4)</span> الأصل: <span class="c3">«عنه»</span>. <span class="c2">(5)</span> الأصل: <span class="c3">«ن»</span>.</p><p class="rtl left" id="p638"><span class="c2">(15/268)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p639">60 - <span class="c2">(4)</span> عَمرو بن شعيب: فيه نظر <span class="c2">(1)</span>. 61 - <span class="c2">(ع)</span> محمد بن خازم أبو معاوية: وصفه الدارقطني. 62 - <span class="c2">(ق)</span> محمد بن حمَّاد الطَّهراني: الراوي عن عبد الرزاق، أشار أبو محمد ابن حزم إلى أنه دلّس حديثًا. 63 - <span class="c2">(ع)</span> يحيى بن أبي كثير: وصفه النسائي.<span class="c6"> ويقال:</span> لم يصح له سماع من صحابي. 64 - <span class="c2">(ع)</span> يونس بن عُبيد: وصفه النسائي، وكذا السلمي عن الدارقطني. 65 - <span class="c2">(م س ق)</span> يونس بن عبد الأعلى الصَّدَفي: روى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجَنَدي: حديث أنس الذي أخرجه ابن ماجه، وأشار الذهبي إلى أن يونس سوَّاه. 66 - <span class="c5">[ص 116]</span> <span class="c2">(م 4)</span> يونس بن أبي إسحاق السبيعي: يقال: إنه روى عن الشعبي حديثًا،<span class="c6"> وهو حديثه عن الحارث عن علي رضي الله عنه حديث:</span> أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة، فأسقط الحارث. ج) من أكثر من التدليس فلم يحتجّ إلا بما صرّحوا، وقَبِلهم بعضٌ مطلقًا, وردَّهم بعضٌ مطلقًا <span class="c2">(2)</span>: 67 - <span class="c5">[د]</span> أحمد بن عبد الجبار العُطَاردي: تكلموا فيه.<span class="c6"> وقال ابن عدي:</span> لا أعلم له خبرًا منكرًا، وإنما نسبوه إلى أنه لم يسمع من كثير ممن حدَّث عنهم. _________ <span class="c2">(1)</span> قوله: <span class="c3">«فيه نظر»</span> من كلام المعلمي. <span class="c2">(2)</span> وعدتهم مئة وستة عشر نفسًا.</p><p class="rtl left" id="p640"><span class="c2">(15/269)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p641">68 - <span class="c2">(4)</span> إسماعيل بن عَيَّاش أبو عتبة العَنْسي: مختلَفٌ في توثيقه، وحديثه عن الشاميين مقبول عند الأكثر، وأشار ابن معين، ثم ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(1)</span> إلى أنه كان يدلس. <span class="c2">(في <span class="c3">«تهذيب التهذيب»</span> (2)</span> في ترجمته: وقال نصر بن محمد الأسدي عن <span class="c2">(ابن معين)</span>: إذا حدَّث إسماعيل بن عياش عن الشاميين ــ وذكر الخبر ــ فحديثه مستقيم، وإذا حدَّث عن الحجازيين والعراقيين خلَّطَ ما شئت) <span class="c2">(3)</span>. 69 - <span class="c2">(ع)</span> حبيب بن أبي ثابت: يكثر التدليس، وصفه ابن خزيمة، والدارقطني وغيرهما. 70 - <span class="c2">(خ د ت ق)</span> الحسن بن ذكوان: مختلَف في الاحتجاج به، وله في <span class="c3">«صحيح البخاري»</span> حديث واحد <span class="c2">(4)</span>، وأشار ابنُ صاعد إلى أنه كان مدلسًا. 71 - <span class="c5">[ص 117]</span> <span class="c2">(ع)</span> حُمَيد الطويل: كثير التدليس عن أنس، حتى قيل إن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتادة، ووصفه النسائي وغيره. 72 - <span class="c2">(د)</span> شعيب بن أيوب الصريفيني: وصفه ابن حبّان والدارقطني. _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في الأصل و <span class="c3">«الطبقات»</span>: <span class="c2">(ص/132)</span>، ولم أجد له ترجمة في <span class="c3">«الثقات»</span> المطبوع، وترجم له ابن حبان في <span class="c3">«المجروحين»</span>: <span class="c2">(1/ 124 - 126)</span> ولم يصفه بالتدليس. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 321 - 324)</span>. <span class="c2">(3)</span> ما بين القوسين من كلام المعلمي رحمه الله. <span class="c2">(4)</span> رقم <span class="c2">(6566)</span>.</p><p class="rtl left" id="p642"><span class="c2">(15/270)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p643">73 -<span class="c6"> شعيب بن عبد الله:</span> قال علي بن المديني ... قصة فيها ذكر فرقد ونوف. 74 - <span class="c2">(دت س)</span> صفوان بن صالح بن دينار: وثقه أبو داود وغيره، ونُسِب إلى التسوية. 75 - <span class="c2">(ع (1)</span>) طلحة بن نافع الواسطي أبو سفيان: الراوي عن جابر، معروف بالتدليس، ووصفه الدارقطني وغيره. 76 -<span class="c6"> عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني:</span> روى عن زهير عن معاوية وغيره، روى عنه حسين بن منصور وإبراهيم بن الهيثم. قال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(2)</span>: يُعتبر حديثه إذا بيَّن السماع في خبره. 77 -<span class="c6"> عبد الله بن أبي نَجِيح المكي:</span> المفسّر عن مجاهد، وكان يدلس عنه , وصفه بذلك النسائي. 78 - <span class="c5">[ص 118]</span> <span class="c2">(بخ د س)</span> عبد الجليل بن عطية القيسي أبو صالح البصري: وثقه ابن معين.<span class="c6"> وقال البخاري:</span> يهم في الشيء،<span class="c6"> وقال ابن حبان:</span> يعتبر حديثه إذا بين السماع. 79 - <span class="c2">(خت 4 (3)</span>) عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود: يدلس عن أبيه، وصرح بالسماع في حديث الضب، حديث تأخير الصلاة، محرم الحرام. 80 - <span class="c2">(ع)</span> عبد الرحمن بن محمد المحاربي: وصفه العقيلي. _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في الأصل، والتقريب والتهذيب. وفي <span class="c3">«الطبقات»</span>: <span class="c2">(ص/135)</span>: <span class="c3">«خت م 4»</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(8/ 345)</span>. <span class="c2">(3)</span> رمز له في <span class="c3">«التقريب»</span> و <span class="c3">«الطبقات»</span>: <span class="c2">(ص/137)</span>: <span class="c3">«ع»</span>.</p><p class="rtl left" id="p644"><span class="c2">(15/271)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p645">81 -<span class="c6"> عبد العزيز بن عبد الله القرشي البصري أبو وهب الجدعاني:</span> روى عن سعيد بن أبي عَروبة , وخالد الحذّاء، وبَهْز بن حكيم. روى عنه الحسن بن مدرك وغيره. قال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(1)</span>: يعتبر حديثه إذا بين السماع.<span class="c6"> وتكلم فيه ابن عدي وقال:</span> عامة ما يرويه لا يتابع عليه. 82 - <span class="c2">(م 4)</span> عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي روَّاد: صدوق ونُسِب إلى الإرجاء، وفي حفظه شيء، ونسب إلى التدليس، وممن ذكره فيهم العلائي. 83 - <span class="c5">[ص 119]</span> <span class="c2">(ع)</span> ابن جُريج: وصفه النسائي وغيره.<span class="c6"> وقال الدارقطني:</span> شر التدليس تدليس ابن جُريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح. 84 - <span class="c2">(ع)</span> عبد الملك بن عُمير القبطي الكوفي: مشهور بالتدليس، وصفه الدارقطني وابن حبان وغيرهما. 85 - <span class="c2">(م 4)</span> عبد الوهاب بن عطاء الخَفَّاف: قال البخاري: كان يدلس عن ثور الحمصي وأقوام أحاديث مناكير. 86 - <span class="c5">[ت ق]</span> عُبيدة بن الأسود بن سعيد الهَمْداني: أشار ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(2)</span> إلى أنه كان يدلس. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 394)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(8/ 437)</span>.</p><p class="rtl left" id="p646"><span class="c2">(15/272)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p647">87 - عثمان بن عمر <span class="c2">(1)</span> الحنفي: عن ابن جُريج , وعنه محمد بن حرب النسائي <span class="c2">(2)</span>. قال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(3)</span>: يُعْتَبر حديثه إذا بيَّن السماع. 88 - <span class="c2">(خت م 4)</span> عكرمة بن عمار اليمامي: وصفه أحمد والدارقطني. 89 - <span class="c2">(س ق)</span> علي بن غراب الكوفي القاضي: اختلف فيه، ووثقه ابن معين، ووصفه الدارقطني وغيره بالتدليس. 90 - <span class="c5">[ص 120]</span> عمر بن علي بن أحمد بن الليث البخاري الليثي أبو مسلم: الحافظ المشهور، كان واسع الرحلة كثير التصانيف في المتأخرين. مات سنة <span class="c2">(466)</span> وقيل: مات سنة <span class="c2">(68)</span>، وصفه يحيى بن منده.<span class="c6"> وقال شيرويه:</span> كان يحفظ ويدلس. 91 - <span class="c2">(ع)</span> عَمرو بن عبد الله السبيعي: مشهور بالتدليس، وصفه النسائي وغيره. 92 - <span class="c2">(ع)</span> قتادة: مشهور بالتدليس، وصفه النسائي وغيره. 93 - <span class="c2">(خت د ت ق)</span> مبارك بن فضالة: مشهور بالتدليس، وصفه به الدارقطني وغيره، وقد أكثر عن الحسن البصري. 94 -<span class="c6"> محمد بن البخاري:</span> روى عن وكيع، وعنه ولداه عمر وإبراهيم، _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في الأصل وبعض نسخ <span class="c3">«الطبقات»</span>،<span class="c6"> وفي النسخ الأخرى والمصادر:</span> <span class="c3">«عمران»</span>. <span class="c2">(2)</span> الأصل: <span class="c3">«الساحى»</span> بلا نقط، وفي نسخ الطبقات اختلاف، والمثبت من <span class="c3">«اللسان»</span>: <span class="c2">(5/ 403)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(8/ 453)</span>.</p><p class="rtl left" id="p648"><span class="c2">(15/273)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p649">أشار ابن حبان إلى أنه كان يدلس. 95 -<span class="c6"> محمد بن صدقة الفَدَكي:</span> من أصحاب مالك، وصفه الدارقطني وابن حبان. 96 - <span class="c2">(خ د س ت)</span> محمد بن عبد الرحمن الطُّفاوي: وصفه أحمد والدارقطني. 97 - <span class="c5">[ص 121]</span> محمد بن عبد الملك الواسطي الكبير أبو إسماعيل: روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته، وعنه وهب بن بقية، وصفه ابن حبان بالتدليس، وكذا أطلق الذهبي في <span class="c3">«تذهيب التهذيب»</span>. 98 - <span class="c2">(خت م 4)</span> محمد بن عجلان: وصفه ابن حبان. 99 - <span class="c2">(خ ن (1)</span> د س ق) محمد بن عيسى بن نجيح أبو جعفر ابن الطباع: قال صاحبه أبو داود: كان مدلسًا. وكذا وصفه الدارقطني. 100 -<span class="c6"> محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الحافظ البغدادي أبو بكر:</span> المشهور بالتدليس مع الصدق والأمانة , مات بعد الثلاثمائة.<span class="c6"> قال الإسماعيلي:</span> لا أتهمه ولكنه يدلس. وقال <span class="c5">[ابن]</span> المظفَّر: لا ينكر منه إلا التدليس.<span class="c6"> وقال الدارقطني:</span> يكتب عن بعض أصحابه، ثم يسقط بينه وبين شيخه ثلاثة. 101 - <span class="c5">[ص 122]</span> <span class="c2">(ع)</span> أبو الزبير: مشهور بالتدليس. ووهم الحاكم في _________ <span class="c2">(1)</span> كذا، وفي <span class="c3">«الطبقات»</span> و <span class="c3">«التقريب»</span> بدلاً من <span class="c3">«خ ن»</span>: <span class="c3">«خت»</span>.</p><p class="rtl left" id="p650"><span class="c2">(15/274)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p651"><span class="c3">«كتاب علوم الحديث»</span> <span class="c2">(1)</span> فقال في سنده: وفيه رجال <span class="c2">(2)</span> غير معروفين بالتدليس. وقد وصفه النسائي وغيره. 102 - <span class="c2">(ع)</span> ابن شهاب: وصفه الشافعي والدارقطني. 103 - <span class="c5">[س ق]</span> محمد بن مصفَّى <span class="c2">(3)</span>: قال أبو حاتم ابن حبان: سمعت أبا الحسن بن جَوْصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح، ومحمد بن مُصفَّى يسوِّيان الحديث كبقية بن الوليد. ذكره في آخر مقدمة <span class="c3">«الضعفاء»</span> <span class="c2">(4)</span>. 104 - <span class="c2">(ق)</span> مُحْرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري: وصفه ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(5)</span>. 105 - <span class="c2">(ع)</span> مروان بن معاوية الفزاري: كان مشهورًا بالتدليس، وكان يدلس الشيوخ أيضًا، وصفه الدارقطني بذلك. 106 -<span class="c6"> مصعب بن سعيد أبو خيثمة المِصّيصي:</span> <span class="c5">[ص 123]</span> أصله من خراسان، روى عن أبي خيثمة الجعفي وابن المبارك وغيرهما. وعنه الحسن بن سفيان وأبو حاتم الرازي وجماعة.<span class="c6"> قال ابن عدي:</span> كان يصحِّف. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 199 - ت السلوم)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا وفي <span class="c3">«الطبقات»</span>: <span class="c2">(ص 152)</span>: <span class="c3">«فقال في سندٍ هو فيه: رجاله ... »</span>. <span class="c2">(3)</span> الأصل: <span class="c3">«مصطفى»</span> وكذا في الموضع الثاني، سبق قلم. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(1/ 94)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(7/ 504)</span>.</p><p class="rtl left" id="p652"><span class="c2">(15/275)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p653">وقال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(1)</span>: كان يدلّس، وكُفّ في آخر عمره. 107 - <span class="c2">(ع)</span> المغيرة بن مِقْسَم: وصفه النسائي بالتدليس، وحكاه العجلي عن ابن <span class="c2">(2)</span> فضيل.<span class="c6"> قال أبو داود:</span> كان لا يدلس.<span class="c6"> وكأنه أراد ما حكاه العجلي:</span> أنه كان يرسل عن إبراهيم، فإذا وُقِف أخبرهم ممن سمعه. 108 - <span class="c2">(م 4)</span> مكحول: يقال: إنه لم يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل. ووصفه بذلك ابن حبان. وأطلق الذهبي أنه كان يدلس، ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان. 109 - <span class="c2">(ت ق)</span> ميمون بن موسى المرائي: وصفه النسائي والدارقطني، وكذا حكاه ابن عدي عن أحمد بن حنبل. 110 - <span class="c5">[ص 124]</span> <span class="c2">(ع)</span> هشام بن حسَّان: وصفه ابن المديني وأبو حاتم ... يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب. 111 - <span class="c2">(ع)</span> هُشَيم: مشهور بالتدليس، وصفه النسائي وغيره، وله قصة. 112 - <span class="c5">[م 4]</span> يزيد بن أبي زياد الكوفي: من أتباع التابعين، تغير في آخر عمره، وضُعّف بسبب ذلك , وصفه الدارقطني والحاكم وغيرهما بالتدليس. 113 - <a id="ref_4" class="anchor"></a><a href="#note_4" name="r_4" class="fnote">[<span>4</span>]</a> يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: مشهور بكنيته، وهو من أتباع التابعين، وثقه ابن معين وغيره، وصفه حسين الكرابيسي بالتدليس. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 175)</span>. <span class="c2">(2)</span> الأصل: <span class="c3">«أبي»</span> تحريف.</p><p class="rtl left" id="p654"><span class="c2">(15/276)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p655">114 - <span class="c5">[د س ق]</span> يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهَمْداني الدمشقي: وصفه أبو مُسْهِر بالتدليس. 115 - <span class="c5">[م قد س]</span> أبو حَرّة الرقاشي البصري: صاحب الحسن وعنه القطان، وصفه أحمد والدارقطني. 116 - <span class="c5">[ع]</span> أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: ثقة مشهور، حديثه عن أبيه في السنن وعن غير أبيه في الصحيح .. والأكثر على أنه لم يسمع من أبيه، وثبت له لقاؤه، وسماع كلامه.<span class="c6"> د) من اتفق على أنه لا يحتج إلا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل:</span> 117 - <span class="c2">(م 4 (1)</span>) بقية: له في مسلم حديث واحد <span class="c2">(2)</span>، وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين , وصفه الأئمة بذلك. 118 - <span class="c2">(م 4)</span> حجَّاج بن أرطاه: أخرج له مسلم مقرونًا بآخر، ووصفه النسائي وغيره بالتدليس عن الضعفاء .... 119 -<span class="c6"> حُميد بن الربيع الكوفي الخَزّاز ــ بمعجمات ــ اللخمي:</span> مختلَف فيه، وقد وصفه بالتدليس عن الضعفاء عثمان بن أبي شيبة ... 120 - <span class="c2">(م ق)</span> سويد بن سعيد الحَدَثاني: وصفه الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما، وتغير في آخر عمره بسبب العمى، وسماع مسلم منه قبل ذلك. _________ <span class="c2">(1)</span> زاد في <span class="c3">«الطبقات»</span>: <span class="c3">«خت»</span>. <span class="c2">(2)</span> رقم <span class="c2">(1429)</span>.</p><p class="rtl left" id="p656"><span class="c2">(15/277)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p657">121 - <span class="c2">(خت 4)</span> عبَّاد بن منصور الناجي البصري: ذكره أحمد والبخاري والنسائي والساجي وغيرهم بالتدليس عن الضعفاء. 122 - <span class="c5">[ص 126]</span> <span class="c2">(بخ (1)</span> د ت ق) عطية <span class="c5">[العوفي]</span>: ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح. 123 - <span class="c2">(ع)</span> عمر بن علي المقدَّمي: شديد الغلو في التدليس، وصفه بذلك أحمد وابن معين والدارقطني وغير واحد.<span class="c6"> وقال ابن سعد:</span> ثقة، وكان يدلس تدليسًا شديدًا،<span class="c6"> يقول:</span> ثنا, ثم يسكت،<span class="c6"> ثم يقول:</span> هشام بن عروة أو الأعمش أو غيرهما. قلت <span class="c2">(2)</span>: وهذا ينبغي أن يسمى: تدليس القطع. 124 - <span class="c2">(خت (3)</span> ق) عيسى بن موسى البخاري،<span class="c6"> لقبه غُنْجار:</span> صدوق، لكنه مشهور بالتدليس عن الثقات ما حمله عن الضعفاء والمجهولين. 125 - <span class="c2">(خت م مقرونًا 4)</span> ابن إسحاق: صدوق مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين، وعن شرّ منهم. وصَفَه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما. 126 - <span class="c2">(د س ق)</span> محمد بن عيسى بن القاسم بن سُميع: دمشقي فيه ضعف، وصفه بالتدليس ابن حبان. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: <span class="c3">«خ»</span> تحريف. <span class="c2">(2)</span> هذا من كلام الحافظ ابن حجر. <span class="c2">(3)</span> الأصل: <span class="c3">«خ ت»</span> والمثبت من المصادر.</p><p class="rtl left" id="p658"><span class="c2">(15/278)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p659">127 - <span class="c5">[ص 127]</span> <span class="c2">(ع)</span> الوليد بن مسلم الدمشقي: معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق. 128 - <span class="c2">(س)</span> يعقوب بن عطاء بن أبي رباح: في ترجمته في <span class="c3">«ثقات ابن حبان»</span> <span class="c2">(1)</span> ما يقتضي ذلك. هـ) من ضُعِّف بأمر آخر سوى التدليس؛ فحديثهم مردود ولو صرحوا بالسماع، إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرًا كابن لهيعة <span class="c2">(2)</span>: 129 - <span class="c2">(ق)</span> إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى: ضعفه الجمهور، ووصفه أحمد والدارقطني وغيرهما بالتدليس. 130 - <span class="c2">(ت ق)</span> إسماعيل بن أبي خليفة أبو إسرائيل المُلائي: ضعفوه، وأشار الترمذي إلى أنه كان يدلس. 131 -<span class="c6"> بشير بن زاذان:</span> روى عن رِشْدين بن سعد وغيره، روى عنه قاسم بن عبد الله السرَّاج. ضعفه الدارقطني، ووصفه ابن الجوزي بالتدليس عن الضعفاء. 132 - <span class="c2">(ت)</span> تَلِيد بن سليمان المُحَاربي الكوفي: مشهور بالضعف،<span class="c6"> قال أحمد والعجلي والدارقطني:</span> يدلس. 133 - <span class="c5">[د ت ق]</span> جابر <span class="c2">(3)</span> بن يزيد الجُعْفي: ضعَّفه الجمهور، ووصفه الثوري والعجلي وابن سعد بالتدليس. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(7/ 639)</span>. <span class="c2">(2)</span> وهم أربعٌ وعشرون نفسًا. <span class="c2">(3)</span> رسمها في الأصل: <span class="c3">«حسان»</span>! تحريف.</p><p class="rtl left" id="p660"><span class="c2">(15/279)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p661">134 - <span class="c2">(ت (1)</span> ق) الحسن بن عُمارة: ضعَّفه الجمهور،<span class="c6"> وقال ابن حبان:</span> كان بليته التدليس. 135 -<span class="c6"> الحسين بن عطاء بن يسار المدني:</span> عن أبيه،<span class="c6"> قال أبو حاتم:</span> منكر الحديث.<span class="c6"> وقال ابن الجارود:</span> كذاب. وقال ابن حبان في <span class="c3">«الثقات»</span> <span class="c2">(2)</span>: كان يخطئ ويدلس. وقال في <span class="c3">«الضعفاء»</span> <span class="c2">(3)</span>: لا يجوز أن يحتج به. 136 - <span class="c2">(ت ق)</span> خارجة بن مصعب الخراساني: ضعفه الجمهور،<span class="c6"> وقال ابن معين:</span> كان يدلس عن الكذابين. 137 - <span class="c2">(بخ ت ق)</span> سعيد بن المَرْزُبان أبو سعد <span class="c2">(4)</span> البقَّال: من أتباع التابعين، ضعيف مشهور بالتدليس , وصفه أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم. 138 - <span class="c2">(4 (5)</span>) صالح بن أبي الأخضر: ذكر رَوْح بن عبادة أنه سئل عن حديثه عن الزهري،<span class="c6"> فقال:</span> سمعت بعضًا , وقرأت بعضًا.<span class="c6"> وذكر رَوْح بن عبادة:</span> ووجدت بعضًا, ولست أفصل ذا من ذا. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: <span class="c3">«خت د»</span> والمثبت من المصادر. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(6/ 209)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1/ 243)</span>. <span class="c2">(4)</span> الأصل وبعض نسخ الطبقات: <span class="c3">«سعيد»</span>، والتصحيح من المصادر. <span class="c2">(5)</span> الأصل: <span class="c3">«د تم»</span> والمثبت من المصادر.</p><p class="rtl left" id="p662"><span class="c2">(15/280)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p663">139 - <span class="c2">(مد ق)</span> عبد الله بن زياد بن سمعان <span class="c2">(1)</span> المدني: ضعفه الجمهور، ووصفه ابن حبان بالتدليس. 140 - <span class="c2">(م د ت ق)</span> ابن لهيعة: قال ابن حبان: كان صالحًا، ولكنه كان يدلس عن الضعفاء. 141 -<span class="c6"> عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام:</span> روى عن هشام بن عروة .. ، روى عنه الفلاس وغيره. ضعفه البخاري والنسائي، وأشار ابن حبان إلى تدليسه. 142 - <span class="c2">(ق (2)</span>) عبد الله بن واقد أبو قتادة الحرَّاني: متفق على ضعفه. وصفه أحمد بالتدليس. 143 - <span class="c2">(بخ د ت ق)</span> عبد الرحمن بن زياد بن أَنعُم: ذكر ابن حبان في <span class="c3">«الضعفاء»</span> <span class="c2">(3)</span> <span class="c5">[ص 130]</span> أنه كان مدلسًا، وكذا وصفه الدارقطني. 144 -<span class="c6"> عبد العزيز بن عبد الله بن وهب الكلاعي:</span> ضعيف.<span class="c6"> قال ابن حبان:</span> يعتبر حديثه إذا بين السماع. 145 - <span class="c2">(ق (4)</span>) عبد الوهاب بن مجاهد بن جَبْر: قال الحاكم: كان يدلس عن شيوخ ما سمع منهم قط. وروى عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، وإنما أخذ الكتب. _________ <span class="c2">(1)</span> كتب فوقها بخط أصغر: ظ: سليمان. والصواب ما هو مثبت. <span class="c2">(2)</span> كذا في الأصل، ولم يرمز له في الطبقات بشيء وقد رمز له في <span class="c3">«التقريب»</span>: <span class="c3">«تمييز»</span>. فلعله اشتبه على المؤلف بعبد الله بن واقد الحنفي، فهو الذي أخرج له ابن ماجه. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 50)</span>. <span class="c2">(4)</span> سقط الرمز من مطبوعة <span class="c3">«الطبقات»</span>.</p><p class="rtl left" id="p664"><span class="c2">(15/281)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p665">146 - <span class="c2">(د س ق)</span> عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: قال ابن حبان: روى عن قوم ضعاف أشياء فدلسها عنهم. 147 -<span class="c6"> علي بن غالب المصري:</span> عن واهب بن عبد الله،<span class="c6"> وعنه:</span> يحيى بن أيوب. ضعفه أحمد وغيره،<span class="c6"> وقال ابن حبان:</span> كان كثير التدليس. 148 -<span class="c6"> عَمْرو بن حكّام:</span> قال الحاكم: كان يدلس عمن لم يسمع منه.<span class="c6"> قال ابن المديني:</span> سمع في شبابه عن شعبة، فلما مات أخذ كتبه. 149 -<span class="c6"> مالك بن سليمان الهروي قاضي هراة:</span> ضعفه النسائي. ووصفه ابن حبان بالتدليس. 150 - <span class="c2">(د ت س)</span> محمد بن كثير الصنعاني: قال العقيلي في ترجمة عمرو الأموي: أحد الضعفاء.<span class="c6"> روى عن الثوري عن أبي حازم عن سهل حديث:</span> <span class="c3">«ازهد في الدنيا»</span> قال: وهذا لا أصل له عن الثوري، وقد تابعه عليه محمد بن كثير الصنعاني عن الثوري، ولعله أخذه عنه ودلسه؛ لأن المشهور به خالد. 151 -<span class="c6"> الهيثم بن عدي الطائي:</span> اتهمه بالكذب البخاري. وتركه النسائي وغيره.<span class="c6"> وقال أحمد:</span> كان صاحب أخبار وتدليس. 152 - <span class="c2">(د ت ق)</span> ويحيى بن أبي حَيَّة الكلبي أبو جَناب: ضعَّفوه.<span class="c6"> وقال أبو زرعة وأبو نعيم وابن نُمير ويعقوب بن سفيان والدارقطني وغير واحد:</span> كان مدلسًا.</p><p class="rtl left" id="p666"><span class="c2">(15/282)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p667">فائدة: وقال البيهقي في <span class="c3">«المعرفة»</span> <span class="c2">(1)</span>: رُوِّينا عن شعبة قال: كنت أتفقّد فم قتادة،<span class="c6"> فإذا قال:</span> <span class="c3">«ثنا»</span> و <span class="c3">«سمعت»</span> حفظته،<span class="c6"> وإذا قال:</span> <span class="c3">«حدث فلان»</span> تركته.<span class="c6"> قال:</span> وروينا عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة.<span class="c6"> قلت:</span> فهذه قاعدة جيّدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة؛ أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع <span class="c2">(2)</span>، ولو كانت معنعنة.<span class="c6"> ونظيره:</span> الليث عن أبي الزّبير من جابر. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 86)</span>. <span class="c2">(2)</span> الأصل: <span class="c3">«السما»</span> سهو.</p><p class="rtl left" id="p668"><span class="c2">(15/283)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p26"><a id="t26" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t26">الرسالة الحادية عشرة تنزيه الإمام الشافعي عن مطاعن الكوثري</a></h2><p class="rtl left" id="p669"><span class="c2">(15/285)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p670">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد، فإني لما وقفت على كتاب <span class="c2">(تأنيب الخطيب)</span> للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، ورأيته تعدّى ما يوافقه عليه أهلُ العلم؛ من توقير الإمام أبي حنيفة وحُسْن الذبّ عنه، إلى الطعن في غيره من أئمة الفقه والحديث= جمعتُ كتابًا في ردّ الباطل من مطاعن الكوثري سميته <span class="c2">(التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)</span>. ثم اقتضبتُ منه نموذجًا سمّيته <span class="c2">(طليعة التنكيل)</span>، وقد طُبعت الطليعة بمصر. والآن بدا لي أن أفرد ما يتعلّق برَدِّ مزاعم الكوثري التي حاول بها الغضّ من الإمام الشافعي، وهذا هو. الإمام الشافعي هو <span class="c5">[محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبديزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف، القرشي المطَّلبي الشافعي أبو عبد الله]</span> <span class="c2">(1)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> ترك المصنف بعد قوله: "الشافعي هو" بياضًا، فلعل هناك أوراقًا أراد المؤلف أن يلحقها بهذا الموضع لم تكن قد تحرّرت مادتها، أو ألحقها لكنها لم تبق في موضعها وضاعت ضمن ما ضاع <span class="c2">(كما مرّ شرحه في المقدمة)</span>؛<span class="c6"> فأكملتُ اسمه وجرّ نسبه من "التنكيل":</span> <span class="c2">(رقم 189)</span> وتركتُ باقي بحث المصنف مع الكوثري في محاولة طعنه في نَسَب الإمام الشافعي،<span class="c6"> فقد أطال فيه المصنف بما لا مزيد عليه هناك:</span> <span class="c2">(1/ 688 - 700)</span>.</p><p class="rtl left" id="p671"><span class="c2">(15/287)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p672"><span class="c5">[الجواب عن مطاعن الكوثري على الإمام الشافعي في اللغة]</span> <span class="c5">[ص 1]</span> قال الأستاذ <span class="c2">(1)</span>: "وقوله في تفسير الفِهْر في قول عمر: <span class="c2">(كأنهم اليهود قد خرجوا من فِهْرهم)</span>: البيت المبني بالحجارة الكبار، مع أنه موضع عبادتهم أو اجتماعهم ودرسهم مطلقًا، سواء كان في بنيان أو صحراء".<span class="c6"> أقول:</span> عليه في هذا أمور: الأول: لم يذكر ما يثبت التفسير المذكور عن الشافعي.<span class="c6"> الثاني:</span> أن الأثر منسوب إلى عليّ كما في "نهاية ابن الأثير" <span class="c2">(2)</span> لا إلى عمر،<span class="c6"> ولفظه في "النهاية":</span> "خرجوا من فهورهم".<span class="c6"> الثالث:</span> قوله: "مطلقًا، سواء كان في بنيان <span class="c2">(3)</span> أو صحراء". لم أجدها في كتب اللغة ولا الغريب، ولا يلزم من إطلاقهم أن يكون مطلقًا في نفس الأمر. راجع "مفردات الراغب" يتبين لك كثرة الكلمات التي أطلقوها وحقّها أن تقيّد.<span class="c6"> الرابع:</span> قول الأثر نفسه: "خرجوا من فهورهم" ظاهر في التقييد. _________ <span class="c2">(1)</span> "تأنيب الخطيب" <span class="c2">(ص 49 - ط الكليات الأزهرية)</span>. وهذا سادس الكلمات التي ذكرها الكوثري في محاولته الطعن في فصاحة الشافعي،<span class="c6"> وليس في المخطوط الذي بين أيدينا الجواب عن المواضع الخمسة قبله وهي في "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 701 - 703)</span>. فلعلها سقطت من النسخة كما سقط ما يتعلّق بالنسب كما مرّ قريبًا. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3/ 482)</span>. <span class="c2">(3)</span> الأصل: "بناء" سبق قلم، وقد سبق نقل الكلمة على الصواب من نصّ الكوثري في الصفحة السابقة.</p><p class="rtl left" id="p673"><span class="c2">(15/288)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p674">الخامس: قد اختلفوا في تفسير الفهر، وفي "القاموس" <span class="c2">(1)</span>: "مدراس اليهود تجتمع إليه في عيدهم، أو هو يوم يأكلون فيه ويشربون"،<span class="c6"> فلماذا لا يجعل قول القائل:</span> "البيت المبني بالحجارة الكبار" قولًا آخر ــ إن صحّ ــ عمن يُعتدّ به كالشافعي.<span class="c6"> السادس:</span> الكلمة نبطية أو عبرانية كما في "النهاية". والغلط في تفسير الكلمة الأعجمية لا ينافي فصاحة العربي،<span class="c6"> فقد قال قائلهم:</span> "لم تدر ما نسج اليَرَنْدَج قبلها" <span class="c2">(2)</span> فزعم أن اليَرَنْدَج شيء يُنسج، وإنما هو الجلد الأسود.<span class="c6"> وقال الآخر:</span> "ولم تذق من البقول الفستقا" <span class="c2">(3)</span> فزعم أن الفستق بقلة. ولهذا نظائر معروفة، والله أعلم.<span class="c6"> قال الأستاذ:</span> "ووصف الماء بالمالح مع أن الماء لا يوصف به،<span class="c6"> وفي القرآن:</span> <span class="c4">{مِلْحٌ أُجَاجٌ}</span> <span class="c5">[الفرقان: 53،<span class="c6"> فاطر:</span> 12]</span>، <span class="c5">[ص 2]</span> وأما المالح فيوصف به نحو السمك". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 589)</span>. <span class="c2">(2)</span> صدر بيت عجزه: * ودراس أعوص دارسٍ متجدّد* لعمرو بن أحمر الباهلي. انظر "الشعر والشعراء" <span class="c2">(1/ 359)</span> و"الجمهرة" <span class="c2">(ص 1328)</span>.<span class="c6"> وفي بعض المصادر:</span> "متخدّد". <span class="c2">(3)</span> عجز بيت صدره: * برّيّة لم تأكل المرقَّقا * لأبي نُخيلة الراجز.<span class="c6"> انظر "الشعر والشعراء":</span> <span class="c2">(2/ 602)</span>، و"الجمهرة" <span class="c2">(ص 1329)</span>.</p><p class="rtl left" id="p675"><span class="c2">(15/289)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p676">أقول: المعروف عن الأصمعي ومن تبعه أن لا يقال "مالح" لا في الماء ولا في السمك ونحوه. وذكر ابن السِّيد في "الاقتضاب" <span class="c2">(ص 116)</span> ذلك،<span class="c6"> ثم نقضه بعدَّة حُجَج أثبت بها أنه يقال:</span> "سمك مالح" و"شجر مالح"،<span class="c6"> ثمّ قال:</span> "وحكى عليّ بن حمزة عن بعض اللغويين أنه يقال: ماء ملح،<span class="c6"> فإذا وصف الشيء بما فيه من الملوحة قلت:</span> سمك مالح، وبقلة مالحة،<span class="c6"> قال:</span> ولا يقال: ماء مالح؛ لأن الماء هو الملح بعينه. وهذا قول غير معروف، وهو مع ذلك مخالف للقياس؛ لأن صفة الماء بأنه مالح أقرب إلى القياس من وصف السمك؛<span class="c6"> لأنهم قالوا:</span> مَلُح الماءُ وأمْلَح، فأسندوا إليه الفعل كما يُسند إلى الفاعل،<span class="c6"> ولم يقل أحد:</span> ملح السمك،<span class="c6"> إنما قالوا:</span> ملَحْتُ السمكَ، إذا جعلتَ فيها الملح".<span class="c6"> ثم قال:</span> "وأنشد أبو زياد الأعرابي قال: أنشدني أعرابيٌّ فصيح: صَبَّحن قوًّا والحمامُ واقعُ ... وماءُ قوٍّ مالحٌ وناقع <span class="c2">(1)</span> " وفي "اللسان" <span class="c2">(2)</span> عن ابن الأعرابي: "ماء أجاج ... وهو الماء المالح".<span class="c6"> وعن الجوهري:</span> "ولا يقال: مالح،<span class="c6"> قال أبو الدُّقَيش:</span> ماء مالح ومِلْح".<span class="c6"> ثم قال:</span> "قال ابن برّي: قد جاء المالح في أشعار الفصحاء ...<span class="c6"> وقال عمر بن أبي ربيعة:</span> ولو تَفَلت في البحر والبحرُ مالح ...<span class="c6"> لأصبح ماء البحر من ريقها عذبا قال ابن برّي:</span> وجدت هذا البيت المنسوب إلى عمر بن أبي ربيعة في شعر أبي عيينة محمد <span class="c2">(3)</span> ابن أبي صُفرة .... ". _________ <span class="c2">(1)</span> البيت في "مقاييس اللغة": <span class="c2">(5/ 347)</span>،<span class="c6"> و"اللسان":</span> <span class="c2">(2/ 599)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2/ 599)</span>. <span class="c2">(3)</span> كذا في "اللسان" وصوابه: "أبي عيينة بن محمد".<span class="c6"> انظر التعليق على "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 685)</span>.</p><p class="rtl left" id="p677"><span class="c2">(15/290)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p678">أقول: والحاصل أن قولهم: "ماء مالح" ثابت عن العرب الفصحاء نصًّا، وثابت قياسًا،<span class="c6"> لكن أكثر ما يقولون:</span> "ملح"، ولما غلب على ألسنة الناس في عصر الشافعي "مالح" أتى بها الشافعيُّ في كتبه؛ لأنه كان يتحرَّى التقريب إلى فهم الناس كما يأتي عن الربيع <span class="c2">(1)</span>. <span class="c5">[ص 3]</span> قال الأستاذ: "وقوله: ثوب نسوي لفظة عامية".<span class="c6"> أقول:</span> هذا أيضًا لم يذكر ما يثبته عن الشافعي، ولم أجده في مظانه، ومع ذلك فإن كان نسبةً إلى <span class="c2">(النساء)</span> ففي "القاموس" و"شرحه" <span class="c2">(2)</span>: "قال سيبويه في النسبة إلى نساء: نِسْوي". وإن كان نسبة إلى بلد <span class="c2">(نسا)</span> فقد قال ياقوت <span class="c2">(3)</span>: "والنسبة الصحيحة إليها: نَسائي وقيل: نَسَويّ أيضًا، وكان من الواجب كسر النون". كذا قال، ونسويّ هو القياس كما لا يخفى.<span class="c6"> قال الأستاذ:</span> "وقوله: العَفْريت ــ بالفتح ــ مما لم يقله أحد".<span class="c6"> أقول:</span> ولا قاله الشافعي، ولو قاله لعددناها لغةً لبعض العرب.<span class="c6"> قال:</span> "وقوله: أشْلَيت الكلبَ، بمعنى زجرته، خطأ صوابه أن ذلك بمعنى أغريته كما قال ثعلب وغيره".<span class="c6"> أقول:</span> لم يكفِ هذا المعترض الأنْوَك <span class="c2">(4)</span> أنْ كذَب على الشافعي حتى كذَب على ثعلب وغيره أيضًا، والموجود في كتب الشافعي استعمال _________ <span class="c2">(1)</span> وانظر: "التنكيل": <span class="c2">(1/ 408)</span>. <span class="c2">(2)</span> "تاج العروس": <span class="c2">(20/ 238)</span>. <span class="c2">(3)</span> "معجم البلدان": <span class="c2">(5/ 282)</span>. <span class="c2">(4)</span> أي: الأحمق.</p><p class="rtl left" id="p679"><span class="c2">(15/291)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p680">الإشلاء بمعنى الإغراء، وثعلب إنما زعم أنه بمعنى أن تدعوه إليك،<span class="c6"> فأما الإغراء فإنما يقال:</span> آسدته". وصحح غيرُه استعمال "أشليته" بمعنى أغريته وبمعنى دعوته.<span class="c6"> أقول:</span> وقد يكون أصله بمعنى الدعاء فيشمل ما إذا دَعَوتَه إليك وكان نائمًا مثلًا، وما إذا دَعَوتَه ليحمل على الصيد، فالأول هو الدعاء والثاني يتضمّن الإغراء والثالث يتضمّن الزجر، والقرينة تبيّن المراد.<span class="c6"> والذي في كلام الشافعي الإغراء كما في قول الشاعر:</span> قَصَدْنا أبا عمرو فأشلى كلابَه ... علينا فكِدْنا بين بيتيه نؤكل <span class="c2">(1)</span> قال <span class="c2">(2)</span> الأستاذ: "وقوله في <span class="c2">(مختصر المزني)</span>: وليست الأذنان من الوجه فيغسلان.<span class="c6"> والصواب:</span> فيغسلا".<span class="c6"> أقول:</span> عليه في هذا أمور: الأول: أن النصب في مثل هذا إما ممتنع وإما مرجوح، وفي "الهمع" <span class="c2">(2/ 12)</span>: "وإن تقدمت جملة اسمية نحو: ما زيد قادم فيحدثنا، فأكثر النحويين على أنه لا يجوز النصب؛ لأن الاسمية لا تدل على المصدر. وذهب طائفة إلى جوازه،<span class="c6"> وقال أبو حيان:</span> الصحيح الجواز بشرط أن يقوم مقام الفعل ظرف أو مجرور .... ". _________ <span class="c2">(1)</span> البيت لزياد الأعجم.<span class="c6"> انظر "مقاييس اللغة":</span> <span class="c2">(3/ 210)</span>،<span class="c6"> و"الصحاح":</span> <span class="c2">(6/ 2395)</span>. <span class="c2">(2)</span> من هنا إلى قوله " ... يجزمون بها" كتبه المؤلف في ورقة مفردة لتلحق في مكانها، لكنها ضلَّت طريقها فوضعت في آخر النسخة، وجُلد المخطوط فاستقرت الورقة في المكان الخطأ!</p><p class="rtl left" id="p681"><span class="c2">(15/292)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p682">فإن قيل: بأنّ "ليس" فعل.<span class="c6"> قلتُ:</span> هي فعل جامد فلا دلالة فيها على المصدر، فأما دلالتها على النفي فهي كدلالة حرف النفي،<span class="c6"> بل قال جماعة:</span> إن النصب بعد الفاء مطلقًا ليس بواجب. وقال الرضي في "شرح الكافية" <span class="c2">(2/ 245)</span>: "وقد يبقى ما بعد فاء السببية على رفعه قليلًا،<span class="c6"> كقوله تعالى:</span> <span class="c4">{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}</span> <span class="c5">[المرسلات: 36]</span>. وقوله <span class="c2">(1)</span>: * ألم تسأل الرَّبْعَ القواء فينطق * وقوله <span class="c2">(2)</span>: * لم تَدْرِ ما جزعٌ عليك فتجزعُ * جاء جميع هذا على الأصل، ومعنى الرفع فيه كمعنى النصب لو نصب .... جاز لك أن لا تصرف في المواضع المذكورة إلى النصب اعتمادًا على ظهور المعنى ... ". ومع هذا فقد جاء إهمال "أن" مضمرة وظاهرة، وعدّ ابنُ هشام <span class="c2">(3)</span> من الأوّل قول الله عز وجل: <span class="c4">{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}</span> <span class="c5">[الزمر: 64]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> صدر بيت عجزه: * وهل تُخبرَنْك اليومَ بيداءُ سَلْمق * انظر "اللسان": <span class="c2">(1/ 300)</span>،<span class="c6"> و"خزانة الأدب":</span> <span class="c2">(8/ 527)</span>. <span class="c2">(2)</span> عجز بيت صدره: * فلقد تركتِ صغيرةً مرحومةً * من قصيدة لمويلك المزموم.<span class="c6"> انظر "الحماسة":</span> <span class="c2">(1/ 439)</span> لأبي تمام. <span class="c2">(3)</span> في "مغني اللبيب": <span class="c2">(2/ 839 و 1/ 46)</span>.</p><p class="rtl left" id="p683"><span class="c2">(15/293)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p684"><span class="c4">{وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ}</span> <span class="c5">[الروم: 24]</span>.<span class="c6"> ومن الثاني قراءة ابن محيصن:</span> <span class="c4">{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ}</span> <span class="c5">[البقرة: 233]</span>. وفي "الهمع" <span class="c2">(2/ 3)</span>: "قال الرؤاسي من الكوفيين: فصحاء العرب ينصبون بـ"أنْ" وأخواتها الفعلَ، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها". <span class="c5">[ص 4]</span> الثاني: أن المزني لم يسق عبارات الشافعي بنصها، فقد قال أول "المختصر" <span class="c2">(1)</span>: "اختصرت هذا الكتاب مِنْ عِلْم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن معنى قوله؛ لأقرّبه على من أراده". وربما صرح بنسبة بعض ما ينقله عن الشافعي إلى بعض كتب الشافعي المطبوعة في "الأم" فإذا قابلنا العبارتين وجدناهما مختلفتين.<span class="c6"> فقول المعترض:</span> "وقوله ... " يعني الشافعي جهل أو مجازفة.<span class="c6"> الثالث:</span> أن النساخ لم يزالوا من قديم الزمان يخطئون ويزيدون وينقصون؛ فنسبة عدم حذف النون إلى المزني يتوقّف على وجودها في النسخة التي بخطه <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> الرابع:</span> قول المعترض: "يغسلا" لحن عند النحويين، والصواب "تغسلا"؛ لأن الأذن أنثى، وقد قالوا في قول الشاعر <span class="c2">(3)</span>: _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 1)</span>. <span class="c2">(2)</span> زاد في التنكيل: "أو على نص ثقة سمع منه أنه قالها". <span class="c2">(3)</span> هو عامر بن جُوين الطائي.<span class="c6"> وصدره:</span> * فلا مزنة ودَقَت وَدْقها * والبيت في "الكامل" للمبرد: <span class="c2">(2/ 841)</span>، وانظر هامشه.</p><p class="rtl left" id="p685"><span class="c2">(15/294)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p686">* ولا أرضَ أبْقَلَ إبقالَها * وقول الآخر <span class="c2">(1)</span>: إن السماحة والشجاعة ضُمِّنا ... قبرًا بمرو على الطريق الواضح إنه ضرورة شعرية مع تأويل الأرض بالمكان، والسماحة والشجاعة بالجود والبأس مثلًا، <span class="c5">[ص 5]</span> ولا ضرورة في النثر،<span class="c6"> ولا يسوغ التأويل بعد النص على التأنيث في قوله:</span> "ليست" وكذلك مع التصريح بالتأنيث لا يتّجه الحمل على مذهب الكوفيين من جواز نحو: الشمسُ غَرَب.<span class="c6"> فإن زعم أنها كذلك في "مختصر المزني":</span> "فيغسلان" وأن المعترض لم يخف عليه ما ذكرنا لكنه سامَحَ في ذلك لاحتمال أن يكون التصحيف من النسّاخ.<span class="c6"> قلنا:</span> فكذلك إثبات النون على فرض أنه لحن.<span class="c6"> ثم قال الأستاذ:</span> "ولفظ الشافعي إثبات النون، وحَذْفها من تصرّف الطابع، وأمانته في العلم كأمانته ... ".<span class="c6"> أقول:</span> قوله: "ولفظ الشافعي" مجازفة كما مرّ.<span class="c6"> وقوله:</span> "وحذفها من تصرف الطابع" مجازفة من وجهين: الأول: أن الأستاذ لم يراجع الأصول القَلَمية المطبوع عنها وإلا لصرّح بذلك، وهبه راجعها فقد يكون إسقاط النون من تصرّف ناسخ المسودة ولم _________ <span class="c2">(1)</span> هو زياد الأعجم من قصيدة في رثاء المغيرة بن المهلب.<span class="c6"> انظر "الأغاني":</span> <span class="c2">(15/ 371)</span> و"الشعر والشعراء": <span class="c2">(1/ 431)</span>.</p><p class="rtl left" id="p687"><span class="c2">(15/295)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p688">يتضح ذلك عند المقابلة على الأصول، كما يقع مثل ذلك كثيرًا.<span class="c6"> الوجه الثاني:</span> أن الذي في خاتمة طبع "الأم" أن القائم بالتصحيح مصححو دار الطباعة: نصر <span class="c2">(1)</span> بن محمد العادلي، ومحمد البلبيسي، ومحمود حسن زناتي. ولعل مع هؤلاء غيرهم. ولم يذكر لصاحب العزة أحمد بك الحسيني إلا أن الطبع على نفقته. ومع هذا كله فلم يزل المصححون للكتب ــ والأستاذ منهم ــ يصلحون ما يتبيّن لهم أنه خطأ في الإعراب، حملًا على أن ذلك من النسّاخ كما عُرِف من عادتهم حتى في كتاب الله عزَّ وجلَّ. وجرت عادة المصحّحين في مصر على مثل ذلك الإصلاح بدون تنبيه في الحواشي على ما كان في الأصل أو بعض الأصول، ولو تُتُبِّعتْ <span class="c5">[ص 6]</span> الأصولُ القَلَمية التي طُبِعت عنها الكتب التي صَحّحها الأستاذ لوُجِد فيها من ذلك شيء كثير إن لم يوجد فيها ما يثبت المحذور حقًّا.<span class="c6"> وأول ما نقله في "التأنيب" عن "تاريخ الخطيب" قوله ص 15:</span> "رأى أبو حنيفة أنس بن مالك ... ". وكلمة "أبو حنيفة" ليست في التاريخ. ونقل ص 37 عبارة عن التاريخ حذف منها كلمة "بن محمد" وزاد كلمة "قال". ونقل ص 38 عن التاريخ عبارة فحذف منها كلمة "مؤمن". وليس مقصودي الاعتراض في هذه الأمثلة على الأستاذ؛ فإن هذه الأمور وأمثالها لا يسلم منها الإنسان، ولعله قد وقع لي أمثالها أو أشدّ منها! على أنه قد وقع للأستاذ ما يمسّ الأمانة مسًّا واضحًا، ومرّ أمثلة من _________ <span class="c2">(1)</span> في "التنكيل": "نصري".</p><p class="rtl left" id="p689"><span class="c2">(15/296)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p690">ذلك في "الطليعة" <span class="c2">(1)</span>، ومع ذلك كابر في "الترحيب" <span class="c2">(2)</span> مكابرةً مكشوفة، كما ترى ذلك في مواضعه من هذا الكتاب <span class="c2">(3)</span>. واغتياظ الأستاذ من السيد الحسيني لطبعه بعض كتب الشافعية يُنبئ عن هوًى مُطْبق وغلوٍّ مفرط. وقد وقفتُ على "مُنية الألمعي" للعلامة قاسم بن قُطلوبغا الحنفي ومقدمة الأستاذ عليها، وتصفّحت ما فصَّله قاسم من الأغلاط الكثيرة التي كانت في نسخة الزيلعي، ومع ذلك أصلحها أحباب الكوثري في الطبع بدون تنبيه،<span class="c6"> فاعتذر الأستاذ في المقدمة بقوله:</span> "وفي عداد تعقبات العلامة الحافظ قاسم أمور قد ينتبه إليها الفَطِن بنفسه لظهور أنها من قبيل سَبْق القلم، فيوجد بعض ما هو من هذا القبيل على الصحة في النسخة المطبوعة؛ لأن الانتباه إلى الصواب مِن فضل الله سبحانه؛ وفضل الله لا يكون وقفًا على أحد". فترى الأستاذ يناقش طابع كتاب الشافعي في حرف واحد، ويعدّ فعله خيانة، أما تصرّف أحباب الكوثري الكثير ... <span class="c2">(4)</span> في كتاب الزيلعي بدون تنبيه فيعدّه من فضل الله عليهم. ولا ريب أن الأستاذ يرى فضل الله عزَّ وجلَّ عليه أعظم من فضله على أولئك المتقدمين بدرجات كثيرة، فكم نراه يتصرّف في الكتب التي يطبعها مستندًا إلى أن ذلك من فضل الله عزَّ وجلَّ عليه! _________ <span class="c2">(1)</span> انظر <span class="c2">(ص 5 - وما بعدها)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 318 وما بعدها - مع التأنيب)</span>. <span class="c2">(3)</span> يعني "التنكيل" وذلك باعتبار هذه الرسالة كانت جزءًا من التنكيل ثم أفردها المؤلف. <span class="c2">(4)</span> كلمة غير واضحة.</p><p class="rtl left" id="p691"><span class="c2">(15/297)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p692">قال الأستاذ <span class="c2">(1)</span>: "وقوله: الواو للترتيب، والباء للتبعيض، مما لا يعرفه أحد من أئمة اللسان، بل الأولى للجمع مطلقًا، والثانية للإلصاق".<span class="c6"> أقول:</span> هذه مجازفة قبيحة،<span class="c6"> أما في الواو فمن وجهين:</span> الأول: زعم أن الشافعي قال: "الواو للترتيب" ولم يقل الشافعيُّ هذا قطّ ولا ما يؤدّي معناه. فأما إيجابه ترتيب الوضوء فهذه عبارته كما في "الأم" <span class="c2">(2)</span>: "قال الله عزَّ وجلَّ: <span class="c4">{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}</span> <span class="c5">[المائدة: 6]</span> قال: وتوضأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أمره الله عزَّ وجلَّ، وبدأ بما بدأ الله تعالى به،<span class="c6"> قال:</span> فأشبه ــ والله تعالى أعلم ــ أن يكون على المتوضئ شيئان: أن يبدأ بما بدأ الله ثم رسوله عليه الصلاة والسلام منه ... فمن بدأ بيده قبل وجهه <span class="c5">[ص 7]</span> ... كان عليه عندي أن يعيد ...<span class="c6"> وإنما قلت:</span> يعيد،<span class="c6"> كما قلتُ وقال غيري في قول الله عزَّ وجلَّ:</span> <span class="c4">{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}</span> <span class="c5">[البقرة: 158]</span>،<span class="c6"> فبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصفا وقال:</span> "نبدأ بما بدأ الله به" <span class="c2">(3)</span>. ولم أعلم خلافًا أنه لو بدأ بالمروة ألغى طوافًا حتى يكون بدؤه بالصفا.<span class="c6"> وكما قلنا في الجمار:</span> إن بدأ بالآخرة قبل الأولى أعاد حتى تكون بعدها، وإن بدأ بالطواف بالصفا والمروة قبل الطواف بالبيت أعاد، فكان الوضوء في هذا المعنى أوكد من بعضه عندي، والله أعلم". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 50)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2/ 65)</span>. <span class="c2">(3)</span> أخرجه مسلم <span class="c2">(1218)</span> بلفظ: "أبدأ بما ... ".</p><p class="rtl left" id="p693"><span class="c2">(15/298)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p694">فلم يزعم الشافعي أن الواو للترتيب ولكنه نظر إلى قاعدة التقديم والتأخير وإلى البيان الفعلي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ... <span class="c2">(1)</span> ظنية على ذلك، فقد تقرّر في علوم البلاغة أن تقديم ما لا يقتضي التركيب تقديمه يحتاج في الكلام البليغ إلى نكتة، والقرآن أبلغ الكلام، فتقديمه في آية الوضوء الوجهَ على ما عداه، واليدين على الباقي، والرأسَ على الرجلين لا بدّ له من نكتة. ويرى الشافعي أنه إذا كان المجموع عبادة واحدة فأظهر النُّكت هي أنه ينبغي الترتيب كذلك،<span class="c6"> واحتج على هذا بحديث:</span> "نبدأ بما بدأ الله به" ودلالته على ذلك ظاهرة، وعلى هذا فهذه هي النكتة الظاهرة في مثل هذا فلا يُعدَل عنها إلا بدليل.<span class="c6"> الوجه الثاني:</span> زَعْم المعترض أنه لا يعرف أحدٌ من أئمة اللسان أنَّ الواوَ للترتيب فيه مجازفة؛ فقد نُقِل القولُ بأنها للترتيب عن قُطْرب والربعي والفرّاء وثعلب وأبى عمر الزاهد <span class="c2">(2)</span> وهشام. ذكر ذلك ابنُ هشام في "المغني" <span class="c2">(3)</span> وذكر معهم الشافعي، فردّه الأمير بقوله "لا يكفي في <span class="c5">[ص 8]</span> هذه النسبة مجرّد قوله بالترتيب في الوضوء لأن له دليلًا آخر".<span class="c6"> وأقول:</span> يمتنع أن يخفى على الأئمة المذكورين ما جاء في الكلام البليغ وفي كلام الفصحاء مما يبطل أن تكون الواو للترتيب بمنزلة <span class="c2">(الفاء وثم)</span>، فيظهر أنهم إنما أرادوا أن الظاهر معها في الكلام البليغ هو الترتيب، ومرجع _________ <span class="c2">(1)</span> كلمة غير محررة في الأصل. <span class="c2">(2)</span> تحرف في "التنكيل" إلى "الزاهي". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 464 - دار الفكر)</span>.</p><p class="rtl left" id="p695"><span class="c2">(15/299)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p696">ذلك في التحقيق إلى قاعدة التقديم والتأخير كما مرّ إيضاحه، وعلى هذا فلا قائل بأنها للترتيب، ولا مُنكر من أئمة اللغة لقاعدة التقديم والتأخير. وبهذا يرتفع الخلاف البتة، والله الموفق.<span class="c6"> وأما الباء فمن وجهين أيضًا:</span> الأول: زعم أن الشافعي قال: "الباء للتبعيض" ولم يقل الشافعي هذا، وهذه عبارته في "الأم" <span class="c2">(1/ 22)</span> <span class="c2">(1)</span>: " ... كان معقولًا في الآية أن مَن مسح مِن رأسه شيئًا فقد مسح برأسه، ولم تحتمل الآية إلا هذا، وهذا أظهر معانيها، أو مسح الرأس كله، ودلّت السنةُ على أنه ليس على المرء مسح الرأس كله ... ". وهذا قد يأتي على كون الباء للإلصاق،<span class="c6"> فقد مثّل له أهلُ العربية بقولهم:</span> "أمسكت بزيد". ولا يخفى أن معناه إلصاق اليد ببعض بدنه.<span class="c6"> لكن انظر إلى ما زعَمَه بعض الحنفية:</span> أن التقدير "وامسحوا أيديكم برؤوسكم"،<span class="c6"> ففيه نظر من جهات:</span> منها أن تقدير "أيديكم" لا حجة عليه، فلماذا لا يكون المقدَّر عامًّا، فيصدق بمسح أيِّ شيء كان بالرأس، ومن ذلك طرف الإصبع، وبذلك يتحقَّق قول الشافعي.<span class="c6"> ومنها:</span> أن الباء في "مسحت ذا بكذا" باء الآلة كما لا يخفى، وهي تعطي أن الآلة غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود غيرها،<span class="c6"> وذلك كقولك:</span> مسحتُ يدي بالمنديل، <span class="c5">[ص 9]</span> فيلزم من ذلك أن يكون المقصود فيما لو كان التقدير: "وامسحوا أيديكم برؤوسكم"، هو تنشيف الأيدي؛ فعلى هذا يكون تنشيفها _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 56)</span>.</p><p class="rtl left" id="p697"><span class="c2">(15/300)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p698">بعد غسلها فرضًا. غايةُ الأمر أن النصّ على الآلة الخاصة وهي الرأس يدلّ على تعيّنها فيدل أنها مقصودة أيضًا، وهذا لا ينفعهم؛ لأن الفرض حينئذٍ يكون هو تنشيف اليد بالرأس، فلا بد من تحقق ما يحصل به تنشيف اليد بالرأس. ثم إذا أمكن تنشيفها بقدر إصبع من الرأس كفى، كما لو نشّف يده بقَدْر إصبع من المنديل، بأن يمرّ بعض اليد على ذاك القدر ثم بعض آخر وهكذا. وقد اضطرب الحنفيةُ في تطبيق مذهبهم على الآية اضطرابًا شديدًا راجع "روح المعاني" <span class="c2">(2/ 257 - 258)</span>.<span class="c6"> الوجه الثاني:</span> قول المعترض: إن القول بأن الباء قد تجيء للتبعيض لا يعرفه أحدٌ من أئمة العربية؛ مردود فقد قال ابن هشام في "المغني" <span class="c2">(1)</span>: "أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك،<span class="c6"> قيل:</span> والكوفيون". فتدبّر ما تقدّم ثمّ فكِّر في سير هؤلاء القوم في الطعن في فصاحة الشافعي تجده من جهةٍ أحثّ سير وأنصبه وأتعبه، ومن جهةٍ أخرى كالإنسان الذي يقف في مكان لا يجاوزه ولكن يرفع رجليه ويضعهما كهيئة الماشي بأقصى ما يمكنه من السرعة، فينصب نفسَه <span class="c2">(2)</span> أشدّ النصب وهو لم يقطع من الأرض مقدار أصبع واحد! وقدِّر ما يصيب هذا <span class="c2">(3)</span> الخائب من الحسرة إذا كان يتوهَّم أنه يسير ويقطع الأرض ينضو إلى مطلوبه، ثمّ لمّا بلغ به الإعياء كلّ مبلغ وخارت _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 142)</span>. <span class="c2">(2)</span> تكررت في الأصل. <span class="c2">(3)</span> هذه الكلمات الثلاث غير محررة في الأصل، وهذا ما استظهرته.</p><p class="rtl left" id="p699"><span class="c2">(15/301)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p700">قواه وسقط على الأرض سُئل عن حاله وتبيّن له أنه لم يقطع من الأرض مقدار أصبع! ! ثم انظر ألا يكون هذا أوضح حجة على فصاحة الشافعي؟ والعلماء يعرفون أن في لغة العرب اتساعًا تضيق عنه قواعد النحو أو تكاد، حتى إن في القرآن مواضع يصعب تطبيقها على تلك القواعد،<span class="c6"> كقوله تعالى:</span> <span class="c4">{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ}</span> <span class="c5">[النساء: 162]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}</span> <span class="c5">[طه: 63]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{وَقِيلِهِ يَارَبِّ}</span> <span class="c5">[الزخرف: 88]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}</span> <span class="c5">[المائدة: 69]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ}</span> <span class="c5">[البقرة: 177]</span> وغير هذا، حتى ألَّف بعض أهل العلم في مشكل إعراب القرآن خاصة. ولولا العلم اليقيني بأنه يستحيل أن يكون في القرآن لحن لَجَزم كثير من المتقيّدين بقواعد النّحاة بأن كثيرًا من تلك المواضع لحن. بل قد روي عن بعض المتقدمين أنه زعم أن الكاتب أخطأ! وأُجيب عن ذلك بما هو معروف <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> ومما يُجاب به عن ذلك:</span> أن القائل بأنه خطأ غَفَل عن تقدير معنويّ يصحّ به ذلك اللفظ، أو جَهِل لغة قبيلة من العرب غير قبيلته،<span class="c6"> ثم ظن أن القائل له:</span> "هي في المصحف كذا" إنما عنى مصحفًا خاصًّا لا المصحف الإمام، أو لم يكن قد بلغه العناية التي قِيمَ بها في المصحف الإمام. ولا مانع أن يخفى التواتر عن رجل،<span class="c6"> كما يقال:</span> إنه خفي على ابن مسعود في شأن المعوّذتين <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> انظر "جامع البيان": <span class="c2">(7/ 684 و 17/ 240)</span> للطبري. <span class="c2">(2)</span> أخرجه البخاري <span class="c2">(4977)</span>، وأحمد <span class="c2">(21181 و 21186)</span>.</p><p class="rtl left" id="p701"><span class="c2">(15/302)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p702">والمقصود هنا أن في القرآن مواضع كثيرة تشكل فصاحتها على كثير من الناس، فما الظنّ بعربيّ فصيح نُقِل عنه كلام كثير جدًّا؟! فإذا تدبّرت هذا ثم تدبّرت ما تقدّم وأنعمتَ النظر اتضح لك حالُ الشافعي في فصاحته. ثم اسمع الآن بعض الثناء عليه بالفصاحة، فمما ذكره الحافظ ابن حجر في "توالي التأسيس" <span class="c2">(1)</span> ــ ومن عادته أن لا يجزم إلا بما كان ثابتًا ــ: "قال زكريّا الساجي: حدثنا جعفر بن أحمد قال: قال أحمد بن حنبل: كلام الشافعي في اللغة حُجّة".<span class="c6"> "قال داود بن عليّ إمام أهل الظاهر في "مناقب الشافعي" له:</span> قال لي إسحاق بن راهويه: ذهبت أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة فسألته عن أشياء، فوجدته فصيحًا حسن الأدب، فلما فارقناه أعلمني جماعة من أهل الفهم بالقرآن أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي فيه فهمًا ... " <span class="c2">(2)</span>. <span class="c5">[ص 10]</span> "وقال ابن أبي حاتم عن الربيع قال: قال ابن هشام <span class="c2">(صاحب السيرة وهو من أهل العلم بالعربية)</span>: الشافعي ممن يؤخذ عنه اللغة.<span class="c6"> قال ابن أبي حاتم:</span> وحُدِّثتُ عن أبي عبيد القاسم بن سلام نحوه.<span class="c6"> وقال أيضًا:</span> سمعت الربيع يقول: كان الشافعي عربي النفس واللسان.<span class="c6"> قال:</span> وكتب إليَّ عبد الله بن أحمد قال: قال أبي: كان الشافعي من أفصح الناس.<span class="c6"> وقال الساجي:</span> سمعت _________ <span class="c2">(1)</span> كذا أثبت المؤلف اسم الكتاب كما هو في طبعته الأولى،<span class="c6"> وصواب اسمه "توالي التأنيس" بالنون كما نص عليه تلميذه السخاوي في "الجواهر والدرر":</span> <span class="c2">(2/ 682)</span>. والنص فيه <span class="c2">(ص 85 - ط. دار الكتب)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "توالي التأنيس" <span class="c2">(ص 90)</span>.</p><p class="rtl left" id="p703"><span class="c2">(15/303)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p704">جعفر بن محمد الخوارزمي يحدِّث عن أبي عثمان المازني عن الأصمعي قال: قرأتُ شِعر الشَّنْفَرى على الشافعي بمكة.<span class="c6"> وقال ابن أبي الدنيا:</span> حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي: قلنا لعمّي: على مَن قرأت شعرَ هذيل؟<span class="c6"> قال:</span> على رجل من آل المطلب يقال له: محمد بن إدريس" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> "وقال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي:</span> تصفحنا أخبار الناس فلم نجد بعد الصدر الأول من هذه الأمة أوضح شأنًا، ولا أبين بيانًا، ولا أفصح لسانًا من الشافعي، مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> "وقال الحاكم:</span> سمعت محمد بن عبد الله الفقيه: سألت أبا عمر غلام ثعلب عن حروف أُخِذَت على الشافعي،<span class="c6"> مثل قوله:</span> "ماء مالح".<span class="c6"> ومثل قول:</span> "انبغى أن يكون كذا وكذا"؟<span class="c6"> فقال لي:</span> كلام الشافعي صحيح.<span class="c6"> وقد سمعت أبا العباس ثعلبًا يقول:</span> يأخذون على الشافعي، وهو من بيت اللغة يجب أن يؤخذ عنه" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> "وقال الآبري:</span> أخبرنا أبو نعيم الإستراباذي: سمعت الربيع بن سليمان يقول مرارًا: لو رأيتَ الشافعيّ وحسن بيانه وفصاحته لعجبت منه، ولو أنه ألَّف هذه الكتب على عربيّته التي كان يتكلّم بها معنا في المناظرة لم يُقْدَر على قراءة كتبه لفصاحته وغرائب ألفاظه، غير أنه كان في تأليفه يجتهد أن يوضّح للعوام" <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> هذه الأخبار في "توالي التأنيس" <span class="c2">(ص 96 - 97)</span>. <span class="c2">(2)</span> المصدر السابق <span class="c2">(ص 101)</span>. <span class="c2">(3)</span> المصدر السابق <span class="c2">(ص 103)</span>. <span class="c2">(4)</span> المصدر السابق <span class="c2">(ص 151)</span>.</p><p class="rtl left" id="p705"><span class="c2">(15/304)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p706"><span class="c5">[ص 11]</span> فصل <span class="c5">[زَعْم الكوثري: تتلمذ الشافعي على محمد بن الحسن]</span> يحاول الأستاذ أن يثبت أن الشافعي تلميذ محمد بن الحسن، ولا أرى حاجة إلى الكلام معه في كلِّ عبارة،<span class="c6"> ولكني ألخص هذا البحث فأقول:</span> ثبت بالروايات الجيّدة أن الشافعي شرع في طلب العلم وسِنّه نحو عشر سنين، وذلك نحو سنة 160، فأخذ عن علماء مكة والمدينة، وخرج مرة أو أكثر إلى اليمن، وأقام بالبادية مدّة، وكان فيمن أخذ عنه من الفقهاء بمكة مَن كان على طريقة أهل العراق كسعيد بن سالم القدّاح. وكان الشافعيّ يبحث مع مَن يقدم مكة من علماء الآفاق. وفي "توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 58)</span> <span class="c2">(1)</span>: "قال زكريا الساجي: حدثنا الزعفراني قال: حجّ بشر المريسي <span class="c5">[الحنفي]</span> سنة إلى مكة،<span class="c6"> ثم قدِم فقال:</span> لقد رأيت بالحجاز رجلًا ما رأيت مثله سائلًا ولا مجيبًا ــ يعني الشافعي ــ.<span class="c6"> قال:</span> فقدِم الشافعيُّ علينا بعد ذلك فاجتمع إليه الناس،<span class="c6"> فجئت إلى بِشر فسألته فقال:</span> إنه قد تغيّر عما كان عليه ... ". وفيها <span class="c2">(ص 56)</span> <span class="c2">(2)</span> "وأخرج الآبري من طريق الزعفراني قال: كنا نحضر مجلس بشر المريسي فكنّا لا نقدر على مناظرته، فقدم الشافعي فأعطانا كتاب الشاهد واليمين، فدرسته في ليلتين، ثم تقدّمت إلى حَلْقة بشرٍ فناظرته فيه فقطعته،<span class="c6"> فقال:</span> ليس هذا من كيسك، هذا من كلام رجل رأيته بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 91)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 81)</span>.</p><p class="rtl left" id="p707"><span class="c2">(15/305)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p708">فواضح أن اجتماع بشر بالشافعي كان قبل ورود الشافعي بغداد لأول مرة وإلا لِمَ احتاج إلى أن يقول "بالحجاز رجلًا" أو "كلام رجل رأيته بمكة" بل كان يسميه لأنهم قد عرفوه. والمقصود أن الشافعي بقي نحو عشرين سنة في طلب العلم وكتابته والمناظرة فيه بمكة والمدينة وما <span class="c5">[ص 12]</span> حولهما، ثم تولى بعض الولايات باليمن وكان يقضي ويفتي. وفي "توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 78)</span> <span class="c2">(1)</span>: "قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إدريس ورّاق الحميدي،<span class="c6"> حدثنا الحميدي قال:</span> قال الشافعي: .... ثم وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان وموالي ثقيف .... وتظلّم عندي ناس كثير،<span class="c6"> فجمعتهم وقلت:</span> اجمعوا لي سبعة يكون مَن عدّلوه عدلًا ومَن جرّحوه مجروحًا، ففعلوا .... حتى أتيت على جميع الظلامات، فلما انتهيت جعلت أحكم وأسجّل .... حتى حُمِلت إلى العراق، وكان محمد بن الحسن جيّد المنزلة عند الخليفة، فاختلفتُ إليه،<span class="c6"> وقلت:</span> هو أولى من جهة الفقه، فلزمته، وكتبت عنه، وعرفتُ أقاويلهم، وكان إذا قام ناظرتُ أصحابَه،<span class="c6"> فقال لي:</span> بلغني أنك تُناظر فناظرني في الشاهد واليمين، فامتنعتُ، فألحّ عليّ، فتكلّمت معه، فرُفع ذلك إلى الرشيد، فأعجبه ووصلني". وقد ذكر الأستاذ طرفًا من هذه الحكاية ص 184 وثبّتها ثم حمّلها ما لا تطيقه،<span class="c6"> فمِن جملة ما قاله:</span> "وبها يعلم أيضًا أن محمد بن الحسن بعد أن درّب الشافعي على الأخذ والردّ هكذا رفع حديثه إلى الرشيد". ولا أثر للتدريب في هذه الرواية ولا غيرها، وإنما حقيقة الأمر أن الشافعي جالس محمد بن _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 127 - 128)</span>.</p><p class="rtl left" id="p709"><span class="c2">(15/306)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p710">الحسن ليأخذ عنه كتب أهل الرأي سماعًا ليعرف أقوالهم،<span class="c6"> ومغزاه في ذلك أمران:</span> الأول: مغزى كلّ عالم متديّن، وهو أن يعرف أقوالهم وما يحتجّون به، حتى إذا بان له في بعض المسائل حجةٌ لم يكن قد وقف عليها أو خللٌ في حجة كان من قبل يحتجّ بها أخذ بذلك. وهذا لا يستأنف عنه المجتهد المتديّن، فإن غالب حجج الفقه ظنّيات لا يأمن المجتهد أن يكون <span class="c5">[ص 13]</span> أخطأ في كثير مما قد قاله وأن يكون عند غيره ما ليس عنده.<span class="c6"> المغزى الثاني:</span> ما صرّح به في بعض الروايات أنه أراد أن يعرف أقاويلهم وما يحتجون به؛ ليتمكّن من الردّ عليهم فيما يراه خطأً ومناظرتهم فيه؛ فإن عِماد المناظرة أن يحتجّ على المخالف بأقواله فيبين له تناقضه. وهذا النوع لا تكاد تخلو عنه مناظرة من مناظرات الشافعي معهم، ولو لم يعرف أقاويلهم ما أمكنه ذلك. فلا نزاع أن الشافعي سمع تلك الكتب من محمد، والشافعيُّ باقٍ على مذهبه لم يقلّد محمدًا ولا تابعه متابعة التلميذ المطلق لأستاذه، بل كان محمد إذا قام ناظر الشافعيُّ أصحابَ محمد، يقرّر الشافعيُّ مذهبه؛ ليبيّن لأصحاب محمد أنه الصواب. وتأبّيه من مناظرة محمد أوّلًا من كمال عقله ووفور أدبه؛ لأنه كان هو المحتاج إلى سماع تلك الكتب من محمد، ويخاف أن يتكدّر محمدٌ فيتعسّر على الشافعي في تلك الكتب. وفي "توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 55)</span> <span class="c2">(1)</span> من طريق الربيع قال: "قال لي _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 78 - 79)</span>.</p><p class="rtl left" id="p711"><span class="c2">(15/307)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p712">الشافعي: سألت محمد بن الحسن كتابًا فدافعني به،<span class="c6"> فكتبت إليه:</span> قل لمن <span class="c2">(1)</span> لم تر عيـ ... ــنا مَن رآه مثلَه ومَن كأنّ مَن رآ ... هـ قد رأى مَن قبله العلمُ ينهى أهلَه ... أن يمنعوه أهلَه لعلّه يبذله ...<span class="c6"> لأهله لعلّه قال:</span> فحمل محمدٌ الكتابَ في كُمّه وجاءني به معتذرًا من حينه". <span class="c5">[ص 14]</span> وقول الأستاذ: "رفع حديثه إلى الرشيد" بناه على أن كلمة "رفع" في الحكاية مبنيّة للفاعل، والذي تدلّ عليه الروايات الأخرى أنها مبنيّة للمفعول وأن الرافع غير محمد.<span class="c6"> ومما بناه الأستاذ على تلك الحكاية قوله:</span> "فبهذه الرواية يعلم أن ما في "الأم" من محادثات للشافعي مع بعض الناس في مسائل ليس مناظرة للشافعي مع محمد بن الحسن بل مع بعض أصحابه، على خلاف ما توهّمه بعضهم".<span class="c6"> أقول:</span> من مكارم أخلاق الشافعي وكمال عقله وصدق إخلاصه أن غالب ما يسوقه من المناظرات لا يسمّي مَن ناظره؛ لأن المقصود إنما هو تقرير الحقّ ودفع الشبهات وتعليم طرق النظر. وتسميةُ المناظر يُتوهّم فيها حظّ النفس،<span class="c6"> كأنه يقول:</span> ناظرتُ فلانًا المشهورَ فقطعته. وفيها غضٌّ ما مِن المناظر فيما يبينه من خطائه واحتجاجه بما ليس بحجة. والواقع أن المناظرات التي في "الأم" منها ما هو مع محمد بن الحسن، ومنها ما هو مع بعض أصحابه في حياته أو بعد وفاته، وربما صرّح الشافعي _________ <span class="c2">(1)</span> كتب المؤلف بعدها علامة استفهام بين هلالين <span class="c2">(؟ )</span>، ولعله استشكل وزن البيت.</p><p class="rtl left" id="p713"><span class="c2">(15/308)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p714">باسم محمد بن الحسن لفائدة. فقد صرّح الشافعي باسم محمد بن الحسن وأن المناظرة كانت معه في مواضع من كتابه "الرد على محمد بن الحسن" كما تراه في "الأم" <span class="c2">(ج 7 ص 278 سطر 1 وص 283 سطر 24 وص 301 سطر 15)</span> <span class="c2">(1)</span>. وذلك أنّ الكتاب معنون بـ "الردّ على محمد بن الحسن" فربما رأى الشافعيّ أن الحاجة تدعو إلى التصريح بأن المناظرة معه توكيدًا للحجة؛<span class="c6"> لئلا يقول قائل:</span> إنما تردّ عليه بعد موته، فلعلّه لو كان حيًّا لعرفَ كيف يجيب. <span class="c5">[ص 15]</span> وربما بدأ الشافعيّ المناظرةَ مع غير مسمّى ثم احتاج في أثنائها فسمّى محمد بن الحسن، كما تراه في "الأم" <span class="c2">(ج 3 ص 106)</span> <span class="c2">(2)</span> ساق المناظرة مِن غير مسمّى ثم قال في آخر الصفحة: "وقلت لمحمد بن الحسن: أنت أخبرتني عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب .... " صرّح به هنا ليتصل إسنادُ ذاك الخبر بالرجال المعروفين، ثم ذكره بعد ذلك في أثناء المناظرة <span class="c2">(ص 107 سطر 16)</span> <span class="c2">(3)</span>؛ لأنه قد عُرِف سابقًا فلم يبق معنًى لإبهامه، وانظر <span class="c2">(ج 7 ص 82)</span>. وربما لم يسمّه ولكن يكني عنه بما يظهر أنه محمد بن الحسن كما في <span class="c2">(ج 1 ص 231 وج 4 ص 5 وج 7 ص 79)</span> <span class="c2">(4)</span>. وربما يكون في السياق ما يدل أنه محمد بن الحسن كما في <span class="c2">(ج 1 ص 56 _________ (1)</span> <span class="c2">(9/ 86 و 92 و 96 و 106 - 109)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 252)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(4/ 253)</span>. <span class="c2">(4)</span> هذه المواضع وما بعدها يصعب تحديد الصفحة <span class="c2">(من الطبعة الجديدة)</span>؛ لأن المؤلف لم ينقل نصًّا معينًا يمكن البحث عنه.</p><p class="rtl left" id="p715"><span class="c2">(15/309)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p716">وج 3 ص 189 وج 4 ص 17 وج 5 ص 119). هذا ومناظرة الشافعي لمحمد بن الحسن في الشاهد واليمين معروفة في تلك الرواية وغيرها، ومع ذلك ذكر الشافعي في "الأم" <span class="c2">(1)</span> المناظرةَ في هذه المسألة ولم يصرّح باسم محمد بن الحسن. فالتحقيق أن المناظرات التي في "الأم" منها ما هو مع محمد بن الحسن، ومنها ما هو مع غيره، فمنها ما يُعرف أنه مع محمد كما مرّ، ومنها ما يعرف أنه مع غيره كما في <span class="c2">(ج 3 ص 195 وص 275)</span> <span class="c2">(2)</span>، ومنها ما هو على الاحتمال. ولا يلزم من تمنّع الشافعي أوّلًا من مناظرة محمد ألا يكون ناظره بعد ذلك مرارًا، فإن محمدًا اغتبط بمناظرةِ الشافعيِّ، وعرفَ الشافعيُّ إنصافَ محمد فكثرت المباحثةُ بينهما. وفي "توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 71)</span> <span class="c2">(3)</span> من طريق "أبي حسان الحسن بن عثمان الزيادي قال: كنت في دهليز محمد بن الحسن فخرج محمد راكبًا، فنظر فرأى الشافعي قد جاء،<span class="c6"> فثنى رجله ونزل وقال لغلامه:</span> اذهب فاعتذر،<span class="c6"> فقال له الشافعي:</span> لنا وقت غير هذا <span class="c5">[ص 16]</span>،<span class="c6"> قال:</span> لا، وأخذ بيده فدخلا الدار.<span class="c6"> قال أبو حسان:</span> وما رأيت محمدًا يعظم أحدًا إعظام الشافعي". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 15 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر الحاشية رقم <span class="c2">(4)</span> ص 309. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 132)</span>.</p><p class="rtl left" id="p717"><span class="c2">(15/310)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p718">ومن تدبّر مناظرات الشافعي لمحمد وجدها مناظرة الأكفاء، وعلم منها أن الشافعي كان حينئذ مجتهدًا، وأن محمدًا كان مع مكانته من العلم والسنّ والمنزلة من الدولة وكثرة الأتْباع على غاية من الإنصاف في البحث والنظر وإن لم يرجع في كثير من ذلك أو أكثره عن قوله. وكان الشافعي على وفور أدبه وحُسْن معاشرته لمحمد وغيره لا يقصّر في إظهار حجته؛ ومن اللطائف في ذلك ما تراه في "الأم" <span class="c2">(ج 6 ص 160)</span> <span class="c2">(1)</span> ذكر الشافعيُّ مناظرته مع بعض الناس إلى أن قال: "وكانت حجته في أن لا تُقتل المرأةُ على الردّة= شيئًا رواه عن عاصم عن أبي رزين _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(7/ 417)</span>.<span class="c6"> وقال في "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 720)</span>: "ومن براعة الشافعي الفائقة ومهارته الخارقة: أنه يجمع في مناظراته بين لطف الأدب وحسن العشرة واستيفاء الحق حتى في التشنيع، ساق في كتاب "اختلاف الحديث" بابًا تراه في هامش "الأم" <span class="c2">(ج 7/ص 105 - 125)</span> في أحكام الماء وفيه ذكر القلتين وغير ذلك الأحاديث ومناظرة مع مَن لم يسمّه، لكن يتبين بالسياق أنها مع محمد بن الحسن إلى أن قال <span class="c2">(ص 115)</span>: "وقلت له: ما علمتكم اتبعتم في الماء سنةً ولا إجماعًا ولا قياسًا،<span class="c6"> ولقد قلتم فيه أقاويل لعله لو قيل لعاقل:</span> تخاطأ،<span class="c6"> فقال ما قُلْتُم لكان قد أحسن التخاطؤ"! ثم ذكر الأحاديث وسأله:</span> أثابتة هي؟ فاعترف بثبوتها فقال <span class="c2">(ص 116)</span>: "فقلت له: لقد خالفتها كلها وقلت قولًا اخترعته مخالفًا للأخبار خارجًا من القياس،<span class="c6"> قال:</span> وما هو؟<span class="c6"> قلت:</span> اذكر القَدْرَ ...<span class="c6"> قال:</span> الذي إذا حرك أدناه لم يضطرب أقصاه" فأجابه، ثم ساق الكلام إلى أن قال <span class="c2">(ص 120)</span>: "قلت ...<span class="c6"> إني لأحسبكم لو قال هذا غيركم لبلغتم به أن تقولوا:</span> القلم عنه مرفوع! فقال: لقد سمعت أبا يوسف يقول: قول الحجازيين في الماء أحسن من قولنا، وقولنا فيه خطأ"،<span class="c6"> ثم ساق إلى أن قال:</span> <span class="c2">(ص 121 - 122)</span>: "فقال: ما أحسن قولكم في الماء؟<span class="c6"> قلت:</span> أفترجع إلى الحسن؟ فما علمته رجع ... ".</p><p class="rtl left" id="p719"><span class="c2">(15/311)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p720">عن ابن عباس رضي الله عنهما في المرأة ترتدّ عن الإسلام: تُحبَس ولا تُقتل. وكلّمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث، فسألناهم عن هذا الحديث،<span class="c6"> فما علمتُ واحدًا منهم سكت عن أن قال:</span> هذا خطأ، والذي روى هذا ليس ممن يُثبت أهلُ العلم حديثَه،<span class="c6"> فقلت له:</span> قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شكّ في علمهم بحديثك، وقد روى بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نِسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لم تصرْ إليه؟<span class="c6"> قال:</span> إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس ... ". فكأنّ الشافعي كان متوقعًا البحث في ذاك المجلس في حكم المرتدّة، وعَلِم أن مناظره سيحتجّ بحديث أبي حنيفة عن عاصم، وكره الشافعيّ أن يقول هو في أبي حنيفة ما يسوء القوم، فأحضر الشافعيُّ معه مَن لا نزاع في معرفتهم بالحديث ورُواته؛ حتى إذا جاء ذاك الحديث سألهم ليكون الغضُّ <span class="c5">[ص 17]</span> من أبي حنيفة منهم، فتقوم حجةُ الشافعي، ويسلم بما يتوقّاه من سوء العشرة. وأعجب من هذا أن الشافعي حاول الجري على هذه الطريقة بعد أن فارق القومَ ومضت على ذلك مدة، فأثبت الحكايةَ في كتابه على ما مرّ لم يعرض فيها تسمية أبي حنيفة، بل حاول أن يعمِّيه حتى كأنه لا شأن له بذلك الحديث ولا بكلام أولئك الذين حضروا من أهل المعرفة بالحديث. وقد ذكر البيهقي في "السنن" <span class="c2">(8/ 203)</span> حكاية الشافعي،<span class="c6"> فقال صاحبُ "الجوهر النقي":</span> "أبو رزين صحابي، وعاصم وإن تكلّم فيه بعضهم،<span class="c6"> قال الدارقطني:</span> في حفظه شيء،<span class="c6"> وقال ابن سعد:</span> ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه.</p><p class="rtl left" id="p721"><span class="c2">(15/312)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p722">فإن ضعّفوا هذا الأثرَ لأجله فالأمر فيه قريب فقد وثّقه جماعةٌ، خرّج له في "الصحيحين" مقرونًا بغيره، وخرّج له الحاكم في "المستدرك" وابن حبان في "صحيحه". وإن ضعّف لأجل أبي حنيفة فهو وإن تكلّم فيه بعضُهم فقد وثّقه كثيرون وأخرج له ابن حبان في صحيحه ... " <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> ولا يشك عالمٌ أن قول الجماعة:</span> "الذي روى هذا ليس ممن يُثبتُ أهلُ العلمِ حديثَه" لا يصلح أن يُراد به عاصم، فإن حال عاصم عندهم أعلى من ذلك،<span class="c6"> وقد قال أحمد وأبو زُرعة:</span> "ثقة"، فأما أبو حنيفة فالكلام في روايته وخاصة لهذا الحديث معروف، ومنزلته عند ابن حبان تُعرف مما قاله في "الضعفاء" <span class="c2">(2)</span>. وقد نقل الأستاذ بعضه كما يأتي في ترجمة محمد بن حبان <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> ومع هذه المجاملة الشريفة من الشافعي وأنه قائل تلك الكلمة التي يبالغ بعض الناس فيقول:</span> تكاد تكون هي رأس مال الحنفية: "الناسُ عيال في الفقه على أبي حنيفة"، وعَرْضه أقوال أهل الرأي مع أقوال فقهاء أهل الحديث جنبًا لجنب وكانت قبله مهجورة، حتى إن ابن المبارك ذكر شيئًا <span class="c2">(4)</span> في كتبه فلم يزل به الناس حتى جاء عنه أنه قال في أواخر عمره: "لأن عشت لأخرجنّ أبا حنيفة من كتبي" <span class="c2">(5)</span>. وحتى تذاكر أهلُ العلم في مسألةٍ فقال _________ <span class="c2">(1)</span> وقد أطال المؤلف في "التنكيل": <span class="c2">(1/ 734)</span> في نقد ابن التركماني. <span class="c2">(2)</span> "الضعفاء والمجروحون": <span class="c2">(3/ 61 - 73)</span>. <span class="c2">(3)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(1/ 745)</span>، وانظر "التأنيب" <span class="c2">(ص 145)</span>. <span class="c2">(4)</span> غير محررة في الأصل ولعلها ما أثبت. <span class="c2">(5)</span> "تاريخ بغداد": <span class="c2">(13/ 443)</span>.</p><p class="rtl left" id="p723"><span class="c2">(15/313)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p724">أبو عبيد: "قال أبو حنيفة"، فأنكر عليه الأسود بن سالم أشدّ الإنكار، كما ترى في ترجمة الأسود <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> أقول:</span> إنه مع هذا كان جزاء الشافعي في ذلك كله من الأستاذ ما ترى بعضه في هذه الترجمة، حتى إنه حاول الطعن في نَسَبِه المجمع عليه؟ ! وحَسْبكمُ هذا التفاوتُ بيننا ... وكلُّ إناءٍ بالذي فيه ينضحُ <span class="c2">(2)</span> دع كثرة المؤلفين في مناقب أبي حنيفة من الشافعية! فأما الخطيب فإنما سرد أقوال الناس <span class="c5">[ص 18]</span> في الغضِّ كما ساق ما روي في المناقب، وذاك واجبه من جهة أنه مؤرّخ ومحدّث، ومع ذلك فأعرض سائر الشافعية عما نقله الخطيب، بل منهم مَن عارضه، ومنهم من ردّ عليه كما حكاه الأستاذ. ولما تعرّض للردّ عليه الملك عيسى ومأجوره ابن قُزْغلي ــ وفي ردّهما ما فيه من التهافت ــ لم يعرض لهما أحدٌ من الشافعية بل استمروا على مجاملتهم التي قد تبلغ في بعضهم أن تكون إدهانًا واضحًا! وكذلك لما أشيع ذلك الكتيب المجهولُ مؤلِّفُه "كتاب التعليم" ــ وفيه ما فيه من الطعن في الشافعي وغيره ــ مرّ به الشافعيةُ مرور الكرام، وأقصى ما كان منهم أنْ ذَكَر بعضُهم أن مؤلفه مجهول. وكأنّ الأستاذ اغترّ بتلك المجاملة والإدهان فظنّها استكانة لا حَراك بعدها؛ فجاء بما جاء به، ولم يدر أن للصبر حدًّا، وأن للحق أنصارًا، وأن وراء الأكمة رجالًا! _________ <span class="c2">(1)</span> من "التنكيل" رقم <span class="c2">(54)</span>. <span class="c2">(2)</span> البيت للحيص بيص في "ديوانه": <span class="c2">(3/ 404)</span> ضمن أبيات.</p><p class="rtl left" id="p725"><span class="c2">(15/314)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p726">وعلى كلِّ حال فلسنا نطالب الأستاذ ولا غيره بالتغاضي عن عيبٍ للشافعيِّ إن وجدوه، ولا على أن يذكروا ما فيه شُبهة ونظر، وإنما نلوم على الاختلاق ومحاولة تقوية ما لا شكّ في أنه اختلاق، والله الهادي.<span class="c6"> فصل قال الأستاذ ص 187:</span> "وكان <span class="c2">(الحسن بن زياد)</span> يأبى الخوض في القياس في مورد النص، كما فعل مع بعض المشاغبين في مسألة القهقهة في الصلاة".<span class="c6"> أقول:</span> الحكاية في ترجمة الحسن من "لسان الميزان" <span class="c2">(1)</span>. وعُذْر الأستاذ بارد،<span class="c6"> فقد كان يمكن الحسنَ أن يجيب بما عنده من النص ويقول:</span> "لا قياس مع النص". والحقّ أن الحسن أعْرَف من الأستاذ بالمناظرة؛ فرأى أنه إذا أجاب بما ذُكِر وَرَدَ عليه ما لا قِبَل له به،<span class="c6"> فعمل بقولهم:</span> إن الفرار بقراب أكْيَس <span class="c2">(2)</span>. وقد ذكر الحنفية أن أبا يوسف كان يتبرّم بمناظرة الحسن بن زياد،<span class="c6"> فقال أبو يوسف يومًا لأصحابه:</span> إذا جاء الحسن فابدأوه بالسؤال،<span class="c6"> فجاء الحسن فقال:</span> السلام عليكم، ما تقول يا أبا يوسف في كذا؟ وذَكَر مسألةً. فهذا يدلّ أن الحسن كان ضعيف الاستحضار، ولكنه كان يتحفّظ في بيته بعض المسائل ويراجع وينظر، ويستكثر من الأسئلة والمعارضات، _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 48 - 49)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر "الصحاح": <span class="c2">(1/ 200)</span>،<span class="c6"> و"تاج العروس":</span> <span class="c2">(2/ 310)</span>. و"بقراب" ضُبطت بضم القاف وكسرها.<span class="c6"> والمعنى:</span> أن نفرّ ونحن بقربٍ من السلامة أكيس من أن نتورط بثباتنا.</p><p class="rtl left" id="p727"><span class="c2">(15/315)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p728">وعلِم أبو يوسف هذا فأحبّ أن يسألوا الحسنَ عن مسألة لم يكن قد استعدّ لها فيضعف الحسن، فخاف الحسن من ذلك فبَدَرَهم. <span class="c5">[ص 19]</span> فصل قال الأستاذ ص 165: "ومن الغريب أنه إذا روى ألف راو عن ابن معين أن الشافعي ليس بثقة مثلًا، تعدّ هذه الرواية عنه كاذبة، بخلاف ما إذا كانت الرواية عنه في أبي حنيفة أو أحد أصحابه".<span class="c6"> أقول:</span> قد كان على الأستاذ أن يذكر ثلاث روايات أو روايتين على الأقل ويقابل بينها وبين الروايات في حقّ أبي حنيفة. والكلمة المذكورة "ليس بثقة" تُذْكَر عن محمد بن وضّاح الأندلسي عن ابن معين. قال ابن عبد البر في كتاب العلم <span class="c2">(1)</span> كما في "مختصره" ص 201: "ومما نقم على ابن معين وعيب به أيضًا قوله في الشافعي: إنه ليس بثقة،<span class="c6"> وقيل لأحمد بن حنبل:</span> إن يحيى بن معين يتكلّم في الشافعي،<span class="c6"> فقال أحمد:</span> من أين يعرف يحيى الشافعيَّ؟ هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف <span class="c2">(2)</span> ما يقول الشافعي ــ أو نحو هذا ــ ومن جَهِل شيئًا عاداه! قال أبو عمر: صدق أحمد بن حنبل رحمه الله أن ابن معين كان لا يعرف ما يقول الشافعي، وقد حُكي عن ابن معين أنه سئل عن مسألة من التيمّم فلم يعرفها.<span class="c6"> ولقد أحسن أكثم بن صيفي في قوله:</span> ويل لعالمِ أمرٍ مِن _________ <span class="c2">(1)</span> "جامع بيان العلم": <span class="c2">(2/ 1114 - 1115)</span>. <span class="c2">(2)</span> كتب المؤلف: "ولا يقول <span class="c2">(؟ ولا يعرف)</span> " إشارة إلى وقوع خطأ في المختصر، وهو على الصواب في الأصل كما أصلحه المؤلف.</p><p class="rtl left" id="p729"><span class="c2">(15/316)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p730">جاهله، مَن جَهِل شيئًا عاداه، ومن أحبَّ شيئًا استعبده.<span class="c6"> وعن أحمد بن زهير قال:</span> سئل يحىي بن معين وأنا حاضر عن رجل خَيَّر امرأته فاختارت نفسها،<span class="c6"> فقال:</span> سل عن هذا أهلَ العلم.<span class="c6"> وقد كان عبد الله الأمير بن عبد الرحمن بن محمد الناصر يقول:</span> إن ابن وضّاح كَذَب على ابن معين في حكايته عنه أنه سأله عن الشافعي فقال: "ليس بثقة".<span class="c6"> وزعم عبد الله أنه رأى أصل ابن وضّاح الذي كتبه بالمشرق وفيه:</span> سألت يحيى بن معين عن الشافعي؟<span class="c6"> فقال:</span> هو ثقة.<span class="c6"> قال:</span> وكان ابن وضَّاح يقول: ليس بثقة <span class="c5">[ص 20]</span> فكان عبد الله الأمير يحمل على ابن وضّاح في ذلك.<span class="c6"> وكان خالد بن سعد يقول:</span> إنما سأله ابنُ وضّاح عن إبراهيم بن محمد الشافعي، ولم يسأله عن محمد بن إدريس الشافعي الفقيه. وهذا كلُّه عندي تخرُّص وتكلُّم على الهوى، وقد صحّ عن ابن معين من طرق أنه كان يتكلم في الشافعي على ما قدّمتُ لك حتى نهاه أحمد بن حنبل،<span class="c6"> وقال له:</span> لم تر عيناك قط مثل الشافعي" <span class="c2">(1)</span>. وفي "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(2)</span>: "قال ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم": كان الأمير عبد الله بن الناصر يقول: رأيتُ أصلَ محمد بن وضّاح الذي كتبه بالمشرق وفيه: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: ثقة.<span class="c6"> وقال الحاكم:</span> تتبّعنا التواريخ وسواد الحكايات عن يحيى بن معين فلم نجد في رواية واحد منهم طعنًا على الشافعيّ، ولعل من حكى عنه غير ذلك قليل _________ <span class="c2">(1)</span> هنا ينتهي كلام ابن عبد البر. وفي <span class="c2">(ط)</span> زيادة: "ونبَّهه على موضعه من العلم" بعد قوله: "نهاه أحمد بن حنبل". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(9/ 31)</span>.</p><p class="rtl left" id="p731"><span class="c2">(15/317)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p732">المبالاة بالوضع على يحيى والله أعلم". وفي ترجمة محمد بن وضّاح من "لسان الميزان" <span class="c2">(1)</span>: "وقال ابن عبد البر: كان الأمير عبد الله ...<span class="c6"> قال عبد الله:</span> قد رأيتُ أصلَ ابن وضّاح الذي كتبه بالمشرق،<span class="c6"> وفيه:</span> سألتُ يحيى بن معين عن الشافعي؟<span class="c6"> فقال:</span> دَعْنا، لو كان الكذب حلالًا لمنعَتْه مروءتُه أن يكذب".<span class="c6"> وفي الترجمة قبل ذلك:</span> "قال ابن الفَرَضي .... وكان <span class="c2">(ابن وضّاح)</span> عالمًا بالحديث زاهدًا عابدًا، وكان أحمد بن خالد لا يقدّم أحدًا عليه، وكان يعظّمه جدًّا ويصف فضله وورعه،<span class="c6"> غير أنه كان يكثر الردّ للحديث فيقول:</span> ليس هذا "من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، وهو ثابت من كلامه، وله خطأ كثير يُحْفَظ عنه، وأشياء كان <span class="c5">[ص 21]</span> يغلط فيها، وكان لا علم عنده بالفقه ولا بالعربية".<span class="c6"> أقول:</span> فحاشا ابن وضّاح أن يُتَّهم بالكذب، فأما أن يخطئ ويغلط فمحتمل، إذ قد وُصف بذلك كما رأيت.<span class="c6"> ويُستدل على خطائه هنا بأمور:</span> الأول: ما تقدّم أنه رُئي في أصله، والأصل أولى بالصحة من الحفظ، ولاسيَّما إذا كان الراوي معروفًا بالخطأ والغلط.<span class="c6"> الثاني:</span> تفرّده بهذه الكلمة عن ابن معين مع كثرة أصحاب ابن معين الملازمين له، الذين هم أحرص على سؤال ابن معين ونَقْل كلامه من ابن وضَّاح، كابن أبي خيثمة، وعباس الدوري، وعثمان الدارمي، وإسحاق الأزرق، وأحمد بن سعيد بن أبي مريم، والغلابي وأضرابهم. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(7/ 568)</span>.</p><p class="rtl left" id="p733"><span class="c2">(15/318)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p734">فأما الحكاية التي قدَّمها ابن عبد البر وفيها: "أن يحيى بن معين يتكلَّم في الشافعي" فإن صحّت هذه الحكاية فهذه كلمة مجملة، يحتمل أن يُراد بها ما ليس بجرح، فإنّ مَن قال في رجلٍ قولًا يغضّ به منه فقد تكلّم فيه وإن لم يكن ذلك جرحًا. وقد ذكر ابن عبد البر كما في مختصر كتاب "العلم" <span class="c2">(ص 193)</span> <span class="c2">(1)</span>: أن ابن معين سُئل عن الشافعي فقال: "ما أحبّ حديثَه ولا ذِكْرَه". فهذا تكلُّم في الشافعي وليس بجرح. ولم أقف لابن معين على كلمة ظاهرة في الجرح تشهد لما رُوي عن ابن وضّاح. وقد تقدَّم عن الحاكم نفي ذلك البتة.<span class="c6"> الأمر الثالث:</span> أنه لم يأت عن غير ابن معين من الأئمة طعن في الشافعي، وقد قال ابن عبد البر <span class="c2">(ص 193)</span> <span class="c2">(2)</span> عَقِب الكلمة المارّة قريبًا: "لم يتابع يحيى بن معين أحدٌ في قوله في الشافعي". والذين أحسنوا الثناء عليه ووثّقوه كثير ممن هو أكبر من ابن معين، ومن أقرانه، وممن دونه،<span class="c6"> حتى قال أبو زُرعة الرازي:</span> "ما عند الشافعي حديث غلط فيه". <span class="c5">[ص 22]</span> وقال أبو داود: "ليس للشافعي حديث أخطأ فيه".<span class="c6"> وقال النسائي:</span> "كان الشافعي عندنا أحد العلماء، ثقةً مأمونًا". أما ثناء أحمد عليه وتبجيله فمشهور.<span class="c6"> وبالنظر إلى اشتهار الشافعي وانتشار علمه وكثرة مخالفيه وحُسَّاده= لو كان هناك ما يقتضي أن يقال فيه:</span> "ليس بثقة" أو ما يَقْرُب من ذلك لما تفرّد بها _________ <span class="c2">(1)</span> "جامع بيان العلم": <span class="c2">(2/ 1083)</span>. <span class="c2">(2)</span> المصدر السابق.</p><p class="rtl left" id="p735"><span class="c2">(15/319)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p736">ابن معين لو صحّت عنه.<span class="c6"> الأمر الرابع:</span> أنه بالنظر إلى ما ذُكِر لو كان ابن معين قال تلك الكلمة أو نحوها؛ لكَثُر تناقل الناس لها، ولم ينفرد بها رجل من أهل الأندلس.<span class="c6"> الأمر الخامس:</span> في ترجمة الشافعي من "تذكرة الحفاظ" <span class="c2">(1/ 330)</span>: "قال ابن معين: ليس به بأس". وفي ترجمته من "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(1)</span>: "قال الزعفراني عن يحيى بن معين: لو كان الكذب له مطلقًا لكانت مروءتُه تمنعه أن يكذب". فهذه الأمور تجعلنا نشكّ في صحة تلك الكلمة عن ابن معين، ولو جاءت عن ابن معين كلمة في غير الشافعي واتفق فيها نحو هذا لشكّكنا فيها أيضًا، فأما أن تعتدل الروايتان في القوّة فنصدِّق إحداهما ونكذِّب الأخرى اتباعًا للهوى، فنرجو أن لا يكون ذلك منّا، فكيف أن نكذِّب روايةَ ألفٍ ونصدّق روايةَ واحد كما زعمه الأستاذ؟<span class="c6"> ! فإن قيل:</span> دع تلك الرواية، فقد تعدّدت الروايات في غضّ ابن معين من الشافعي في الجملة، وذلك يدلّ على لينٍ ما في الشافعي.<span class="c6"> قلت:</span> أما في ظنّ ابن معين فنعم، وأما في نفس الأمر فلا.<span class="c6"> وقد تقدّم قول أحمد ردًّا على ابن معين:</span> "من أين يعرف يحيى الشافعيَّ، هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف <span class="c5">[ص 23]</span> ما يقول الشافعي" أو كما قال. وتقدَّم ما قاله ابن عبد البر عَقِب ذلك، وهذا يُشعر بأنّ ابن معين استنكر بعضَ أقوال الشافعي، وقد جاء أنه استنكر تسمية الشافعي مَنْ حارب عليًّا _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 30)</span>.</p><p class="rtl left" id="p737"><span class="c2">(15/320)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p738">عليه السلام بُغاة، وفيهم أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير، كأن يحيى عدّ ذلك تشيّعًا، فردّ عليه أحمد، وبيَّن أنَّ الشافعي لم يزد على اتباع القرآن.<span class="c6"> قال الله عزَّ وجلَّ:</span> <span class="c4">{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}</span> <span class="c5">[الحجرات: 9]</span>. هكذا أحفظ معنى هذه الحكاية ولم أهتد عند كتابة هذا إلى موضعها <span class="c2">(1)</span>. وقد يكون عَرَض ليحيى ما أورثه نُفرةً طبيعية عن الشافعي؛ فكان يبدر منه ما فيه خشونة. وقد أشار أحمد على إسحاق بن راهويه بمجالسة الشافعي،<span class="c6"> فقال إسحاق:</span> ما أصنع به؟ سِنّهُ قريب من سِنّنا، أترك ابن عُيينة والمقرئ؟ " كما في "الجرح والتعديل" <span class="c2">(3/ 2/202)</span>. وفي "الانتقاء" <span class="c2">(ص 75)</span> <span class="c2">(2)</span>: عن صالح بن أحمد بن حنبل: "لقيني يحيى بن معين فقال لي: أما يستحي أبوك مما يفعل؟<span class="c6"> فقلت:</span> وما يفعل؟<span class="c6"> قال:</span> رأيته مع الشافعي، والشافعي راكب وهو راجل، ورأيته قد أخذَ بركابه. فقلت ذلك لأبي،<span class="c6"> فقال لي:</span> قل له إذا لقيته: إن أردت أن تتفقّه فتعال فخُذ بركابه الآخر". وفي "توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 57)</span> <span class="c2">(3)</span> نحو ذلك مختصرًا،<span class="c6"> ثم قال:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> ذكر معنى هذه الحكاية شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": <span class="c2">(4/ 438)</span>، فلعل المؤلف قرأها فيه. ولم أجدها في مصدر آخر. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 126)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 86)</span>.</p><p class="rtl left" id="p739"><span class="c2">(15/321)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p740">"وأخرج ابن عدي من وجه آخر: أن الشافعيَّ لما قدم بغداد لزمه أحمد مع بغلته، فأخلى الحلقة التي كان يجتمع فيها مع يحيى بن معين وأقرانه، فذكر نحوه". فكان ابن معين يرى العلمَ كلَّ العلم هو <span class="c5">[ص 24]</span> جمع الأحاديث وتتبّعها، ثم النظر فيما يصحّ وما لا يصح، والبحث عن الخطأ والعلل وأحوال الرجال، ونحو ذلك مما يتعلق بالرواية. وكان يجتمع هو وأحمد وأقرانهما لذلك، وكان سنّ الشافعي قريبًا من سنهم، وليس بالمكثر من الحديث، بل كلّ من أحمد ويحيى أكثر منه حديثًا وأعلم بالرواة منه. فلم ير ابن معين لانقطاع أحمد إلى الشافعي ولزومه له معنى. فأما الفقه فلم يكن يحيى يبالي به؛ فإنه كان في نفسه يأخذ بما يتّضح له من السنة، ويقلّد في الباقي، ولا يبحث مع أحدٍ ولا يناظر، ولا يهمه اختلاف الناس شيئًا. وكان أحمد على خلاف ذلك، فإنه كان يتفقّه ويرى وجوب الاجتهاد، ويسوؤه ردّ بعض الناس للسنة. وكان هو وكثير من أهل الحديث ينكرون على أهل الرأي ولا يستطيعون مناظرتهم، فكان أهل الرأي يسخرون من أهل الحديث ويستضعفونهم ويرمونهم بالجهل والغباوة ويستطيلون عليهم. وفي كتاب ابن أبي حاتم <span class="c2">(3/ 2/203)</span> و"توالي التأسيس" <span class="c2">(ص 56)</span> <span class="c2">(1)</span> عن أحمد: "كانت أقضيتنا ــ أصحاب الحديث ــ في أيدي أصحاب أبي حنيفة ما تُنْزَع حتى رأينا الشافعي ... ". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 83 - 84)</span>.</p><p class="rtl left" id="p741"><span class="c2">(15/322)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p742">وكان الشافعي قد تمكّن من العلم بالكتاب والسنة، وعرف طرق الاجتهاد، وعرف كلامَ أهل الرأي وأقوالَهم، مع ما أوتيه من العقل والفهم وقوّة العارضة، والتمكُّن من مناظرة أهل الرأي والاستعلاء عليهم؛ فوجد به أحمد ضالّته المنشودة، ولم يكن لابن معينٍ شأن في ذلك، فاختلف نظرُ الشيخين ــ أحمد وابن معين ــ فكان ابن معين يرى أن أحمد يضيّع أوقاته فيما لا يعني ويترك <span class="c5">[ص 25]</span> ما هو العلم حقًّا ــ في رأي ابن معين ــ وهو ما كانوا يجتمعون عليه من قبل من علوم الرواية، فلذلك كان ابن معين يلوم أحمد فيبالغ كما مرّ وأحمد لا يُصغي إليه. ولما كان السبب في هذا هو الشافعي، تولّدت في نفس ابن معين شِبْه نُفرةٍ عن الشافعي. وقد يكون انضمّ إلى ذلك أن الشافعي كان يشعر في نفسه بفضله على أهل الحديث لما تقدّم، ويرى أن يحيى لا شأن له بالفقه، فلم يختلف الشافعيُّ إلى يحيى، ولا اعتنى بتبجيله واسترضائه، وقد كان يحيى تعوّد من المشايخ الذين يَرِدون بغداد مراعاة جانبه، والإبلاغ في ملاطفته <span class="c2">(1)</span>، فكان ذنب الشافعي إلى ابن معين أنه سلبه صاحبَه ورفيقَه وأنيسَه وصديقَه الذي كان لا يكاد يفارقه حَضَرًا وسفرًا منذ شرعا في طلب الحديث <span class="c5">[ص 26]</span>؛ وبذلك فوّت عليه ما كان يجده في الاجتماع والمذاكرة من فائدة ولذَّة، وأنه مع ذلك لم يهَبْه ولم يعرف له حقًّا كما اعتاده من سائر المشايخ الذين هم أكبر من الشافعي سنًّا وأقدم سماعًا، وفيهم مَن هو أكثر حديثًا. _________ <span class="c2">(1)</span> ذكر المؤلف أمثلة من ذلك من "تهذيب التهذيب"، ثم ضرب عليها.<span class="c6"> انظر "التهذيب":</span> <span class="c2">(11/ 280 - 288)</span> في ترجمة يحيى بن معين، و <span class="c2">(10/ 334)</span> في ترجمة موسى بن إسماعيل.</p><p class="rtl left" id="p743"><span class="c2">(15/323)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p744">أضف إلى ذلك ما كان أحمد يستقبل به عتاب ابن معين كقوله: "إن أردتَ الفقهَ فتعال فالزم ذَنب هذه البغلة". وغير ذلك من الكلمات التي مِن شأنها أن تزيد في حَنَقِه <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> فإن قيل:</span> فإذا كان هناك نُفرة كما وصفتَ، فماذا عليكم من أن تصح تلك الكلمة عن ابن معين، فتجيبوا عنها بنحو ما أُجيب عن كلام النسائي في أحمد بن صالح، بل قد يكون الجواب عن هذه أظهر؛ لأنه قد رُوي عن ابن معين نفسه ما يخالفها،<span class="c6"> بل يمكنكم أن تقولوا:</span> تلك الكلمة جرح غير مفسَّر فلا يُعتَدّ بها في مقابل توثيق الجمهور.<span class="c6"> قلت:</span> الأمرُ كما وصفتَ، ولكن الباعث على الشكّ في صحّتها أن هناك أمورًا تخدش في ذلك كما تقدّم، وأن القول بصحتها يقتضي التشنيع على ابن معين عند أهل العلم لمخالفته الجمهور بلا حجة ولا شبهة، حتى حَمَل ذلك ابن عبد البر المالكي على أن يقول ما تقدّم في حق ابن معين <span class="c2">(2)</span>. وإذا كان الغضّ من ابن معين بغير حق واضح فدَفْعه عنه أوجب علينا من دفع مثله عن الشافعي؛ لأن الطعن في ابن معين أضرّ على السُّنَّة وأرْوَج للبدعة؛ فإنه يفتح لأهل البدع البابَ إلى ردِّ كثير من الأحاديث والآثار الصحيحة، وتقوية كثير من الموضوعات والواهيات والضعاف؛<span class="c6"> يقول أحدهم في الراوي:</span> إنما وثَّقه أو إنما صرّح بجرحه ابنُ معين، وقد طعنتم فيه. _________ <span class="c2">(1)</span> زاد في "التنكيل": <span class="c2">(1/ 725)</span>: "وقد كان الشافعيّ حَسَن الظنّ بإبراهيم بن أبي يحيى يكثر الرواية عنه، وابن معين والجمهور يكذّبون ابنَ أبي يحيى". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 32 - 33)</span>.</p><p class="rtl left" id="p745"><span class="c2">(15/324)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p746"><span class="c5">[ص 27]</span> فصلٌ قال الأستاذ ص 135 ــ بعد أن ذكر ما رُوي عن الشافعي أنه قال: أبو حنيفة يضع أوَّل المسألة خطأ ثم يقيس الكتابَ كلَّه عليها ــ: "ولأبي حنيفة بعض أبواب في الفقه من هذا القبيل، ففي <span class="c2">(كتاب الوقف)</span> أخذ بقول شريح القاضي وجعله أصلًا، ففرَّع عليه المسائل، فأصبحت فروع هذا الباب غير مقبولة حتى ردَّها صاحباه، وهكذا فَعَل في <span class="c2">(كتاب المزارعة)</span>، حيث أخذ بقول إبراهيم النخعي، فجعله أصلًا ففرّع عليه الفروع. ولكن ما هو من هذا القبيل من مسائل <span class="c2">(؟)</span> <span class="c2">(1)</span> أبي حنيفة ربما لا يبلغ في العدّ عدد أصابع اليد الواحدة، في حين أنّ ما عند ذلك العائب من هذا القبيل بحيث يَحارُ منه كبار الفقهاء من أهل مذهبه، فتجدهم مضطربين فيما يختارون في المذهب بين قديم المسائل وجديدها،<span class="c6"> وبين الأجوبة الشَّفْعية المروية عن الإمام التي يقال فيها:</span> <span class="c2">(فيها قولان)</span>، فيَشْكُون من عدم مشي الفروع على الأصول، وعدم الاطراد في التأصيل والتفريع، مما ليس هذا موضع شرحه وله محلّ آخر".<span class="c6"> أقول:</span> الكتاب من كتب الفقه، مثل <span class="c2">(كتاب الوقف)</span>، قد يتفرّع عنه آلاف المسائل كما لا يخفى. ولا أعلم للشافعي كتابًا واحدًا يكون من ذاك القبيل الذي يوجد لأبي حنيفة. فأما المسائل فالكتب في فقه أبي حنيفة التي ليست من ذاك القبيل لا يُحْصَى ما فيها من المسائل المضطَرب فيها. هذه مسألة من أول مسائل الطهارة، وهي تحديد الماء الكثير الذي <span class="c5">[ص 28]</span> لا ينجس بوقوع نجاسة فيه لم تُغيّره،<span class="c6"> نَقَل الحنفيةُ عن أئمتهم:</span> أنه ما _________ <span class="c2">(1)</span> علامة الاستفهام من المؤلف، ولعلها إشارة منه إلى إيهام الكوثري أن المنتقَد على أبي حنيفة مجرّد مسائل وليس أبوابًا كما هو الواقع.</p><p class="rtl left" id="p747"><span class="c2">(15/325)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p748">إذا وُضِعت النجاسةُ في أحد طرفيه لم تخلص إلى الآخر، وأنَّ المرجع في ذلك إلى ظنِّ المبتلى، ولا يخفى أن المبتلى المسكين يضطرب نظره؛ لأنه يشعر بالفرق بين ما إذا كانت النجاسة قليلة وما إذا كانت كثيرة، وبين ما إذا <span class="c2">(1)</span> كانت مما يذوب أو ينتشر كالدّهن، وما إذا لم تكن كذلك. وهكذا يرى أن الحال يختلف باختلاف عمق الماء، ثم يرى أنَّ الماء لو كان بحيث يظنّ أن النجاسة إذا وقعت في أحد طرفيه لم تخلص إلى الطرف الآخر، هل له أن يتوضأ من موقعها أو مما قرب منه؟ إلى غير ذلك. ونقلوا عن أئمتهم أيضًا أن الكثير ما إذا حُرِّك أحدُ جانبيه لم يتحرّك الآخر. واضطربوا في تعيين الحركة؛ أحَرَكة المتوضّئ أم حركة المغتسِل؟ مع أن كلًّا منهما غير منضبطة.<span class="c6"> ثم عادوا فقالوا:</span> إن الاضطراب إنما هو ضابط للخلوص، فلم يخلّصوا المبتلَى المسكين من ملاحظة الخلوص بما مرّ فيه. ثم عادوا فأطبقوا أو أكثرهم على التحديد بعشرٍ في عشر، وذكروا أنّ محمدًا كان يقول به ثم رجع عنه، ولكنه أيسر لهم من القولين الأوّلين.<span class="c6"> ثم عادوا فقالوا:</span> إنما ذلك ضابط للخلوص، فنكسوا المبتلَى على رأسه؛ لأنه يرى أنَّ هذا الضابط ليس من الشارع حتى يسوغ أن يُقْصَر النظر عليه ولا يُلتفت إلى المعنى، بل ولا من الإمام ولا أحد أصحابه. وقولُ أحدِ أصحابه به ثم رجوعه عنه يزيده وهنًا؛ لأنه لولا أنه بان له فساده لما رجع عنه. ومع ذلك اضطربوا في تقدير العمق،<span class="c6"> فقيل:</span> أن يكون <span class="c5">[ص 29]</span> الماء بحيث لا ينحسر بالاغتراف، وهذا لا يخلو عن تردّد.<span class="c6"> وقيل:</span> أربع أصابع _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "إذ".</p><p class="rtl left" id="p749"><span class="c2">(15/326)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p750">مفتوحة.<span class="c6"> وقيل:</span> ما بلغ الكعب،<span class="c6"> وقيل:</span> شبر،<span class="c6"> وقيل:</span> ذراع،<span class="c6"> وقيل:</span> ذراعان. إلى غير ذلك. راجع كتبهم المطوّلة. ومَن طالع كتب الحنفية وكتب الشافعية عَرَف أن المسائل المضطربة عند الحنفية أكثر جدًّا منها عند الشافعية. فأما قديم المسائل وجديدها فهي معروفة عند الشافعية، والمذهب هو الجديد باتفاقٍ منهم، وإنما هناك بضع عشرة مسألة عُرف للشافعي فيها قول قديم وقول جديد، ثم جاء في الجديد ما أوجب ترجيح القديم، وذلك كامتداد وقت المغرب إلى دخول وقت العشاء، كان الشافعي يقول به قديمًا؛ لأنه قول جمهور أهل العلم، ثم وقف عنه في الجديد لحديث صلاة جبريل، فقال بعدم الامتداد إلّا أن يصحّ الحديثُ الآخر، وهو حديث الشّفَق، فصحّ الحديثُ عند أصحابه فقالوا به.<span class="c6"> وأما المسائل التي يقول الشافعي:</span> "فيها قولان" ولا يرجّح، فقد ذكروا أنّ ذلك اتفق في ستّ عشرة مسألة، فهذه يؤخذ الترجيح فيها مِن عَرْضها على أصول الشافعي، وما من إمام إلا وتوجد مسائل لا تحصى لم ينصّ عليها؛ لأن الفروع أكثر من أن يُحاط بها. وتركه الترجيح فيها لا يزيد عن تركه ذكرها رأسًا، ثم يستنبط أصحابه الحكمَ فيها من أصوله، فهكذا يستنبطون الترجيح.<span class="c6"> فإن قيل:</span> لكن تركه الترجيح فيها مع ذكره لها يدلّ على عجزه.<span class="c6"> قلت:</span> أما العجز عند نصّه عليها فلا بأس به؛ إذ ليس من شَرْط المجتهد أن لا تعرض له مسألة إلّا عَرَف الحكمَ فيها فورًا، فرُبّ مسألة تُعَنِّي المجتهدَ أيّامًا أو أشهرًا أو أكثر، ورُبّ مسألة لا تزال مشكلة عنده. هذا عمر بن</p><p class="rtl left" id="p751"><span class="c2">(15/327)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p752">الخطاب أشكلت عليه مسائل حتى <span class="c5">[ص 30]</span> أوصى بأنه لا يقول فيها شيئًا. وأما العجز المطلق فهذا غير لازم، فلو أن الشافعيَّ صبَر نفسَه وداوم النظر في تلك المسائل لكان الظاهر أن يتبيَّن الراجح فيها، ولكن لم يكن هناك ما يدعوه إلى ذلك؛ إما لأن تلك المسائل لم يتفق وقوعُها حينئذٍ فليزم الشافعي أن يعمل أو يفتي أو يقضي فيها، وإمّا لغير ذلك. ودلالة عدم ترجيحه فيها على ديانته وورعه لا تخفى.<span class="c6"> وقد جاء عن حفص بن غِياث أنه قال:</span> "كنت أجلس إلى أبي حنيفة فأسمعه يُسأل عن مسألة في اليوم الواحد فيفتي فيها بخمسة أقاويل، فلما رأيتُ ذلك تركته وأقبلتُ على الحديث" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وأجاب عنه الأستاذ ص 119 بقوله:</span> "يوجد بين الأئمة من يُروى عنه عدة أجوبة في مسألة واحدة؛ كالروايات الستّ عن مالك في المسح على الخفّين، وكالأجوبة المشفّعة في "الأم" للشافعي ... وأما مذهب أبي حنيفة فلا تجد في مسائل ظاهر الرواية إلا قولًا واحدًا منه في كل مسألة. وأما كتب النوادر فحكم مسائلها في جنب مسائل ظاهر الرواية كحكم القراءات الشاذّة ... على أن قيمة روايات النوادر تقدّر بأحوال رواتها". كذا قال! وعليه في هذا ما لا يخفى. أما الروايات الستّ عن مالك فليست كلها في درجة واحدة، فالراجح منها واحدة، وباقيها كروايات النوادر عند الحنفية. وأما الأجوبة المشفّعة فقد مرّ الكلامُ فيها. وأما الروايات عن أحمد ففيها راجح ومرجوح، فالراجح بمنزلة ظاهر الرواية عند الحنفية، وليس في ذلك ما يدلّ على أن مالكًا أو الشافعي أو أحمد كان يقول _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه الخطيب في "تاريخه": <span class="c2">(13/ 425)</span>.</p><p class="rtl left" id="p753"><span class="c2">(15/328)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p754">في اليوم الواحد في المسألة الواحدة خمسة أقاويل؛ يجزم بهذا ثم يجزم بهذا وهكذا ولا ما يقرب من ذلك، بل لا أراه اتفق لواحد منهما مثل ذلك في قولين فكيف خمسة؟ والاضطراب في اليوم الواحد يشعر بما لا يشعر به أن يقول العالم قولًا ثم يرجع عنه بعد سنة ــ مثلًا ــ فتدبّر. <span class="c5">[ص 31]</span> وقول الأستاذ: "إنه لا يوجد في كتب ظاهر الرواية إلا قول واحد لأبي حنيفة في كل مسألة" مجازفة! وهذه كتبهم موجودة بأيدي الناس.<span class="c6"> وعلى فرض صحة ذلك فإنما وجهه:</span> أنّ مؤلفي تلك الكتب نقلوا آخر أقواله أو أقواها عندهم؛ ولهذا رجّحت كتبهم لا لضعف الكتب الأخرى مطلقًا.<span class="c6"> فأما قوله:</span> "إن الشافعية يَشْكُون من عدم مشي الفروع على الأصول"، فلا أدري مَن هو الذي شكا ذلك من الشافعية؟ ولا شكّ أنّ في الفروع ما يصعب على بعض المتفقّهة تطبيقه على الأصول، ولكن عامة هذا في الفروع التي لم ينص عليها الإمام، والإمامُ غير مسؤول عن ذلك. فأما الفروع التي نصّ عليها فلا يكاد يوجد فيها ذلك إلا أن يكون قليلًا. لكن طالع كتب الحنفية وتأمل العجب العُجاب من ذلك، بل طالع مناظرات الشافعي مع أئمتهم ليتبين لك كثرة تناقضهم. هذا مع أن أصول الفقه عند الشافعية حرّة غالبًا؛ ولهذا لا تكاد تجد في كتبهم الأصولية محاولة تطبيق الفروع عليها، فأما أصول الفقه عند الحنفية فمبنية على الفروع، فكم من فرع شاذٍّ حاولوا أن يخترعوا أصلًا يردونه إليه؛ ولهذا يكثر التناقض في أصولهم نفسها بينا تراهم يردُّون كثيرًا من الأحاديث</p><p class="rtl left" id="p755"><span class="c2">(15/329)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p756">الصحيحة المشهورة لمخالفتها القياس ــ زعموا ــ إذا بهم يدَّعون أن الحديث الضعيف مقدّم عند أبي حنيفة على القياس، إلى غير ذلك مما يطول. هذا كلام استجراني إليه الأستاذ وأنا كاره، والذي لا أشكّ فيه أن في كلِّ مذهب من المذاهب فروعًا غير مرضيّة بل وأصولًا ضعيفة، وأنّ فرض الله عزَّ وجلَّ على العالم أن يتفقّد ذلك تفقّدَ محترِسٍ من هواه مؤثرٍ لعبادة الله، والله المستعان والمسؤول منه الهداية والتوفيق <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> فصل ذكر الأستاذ ص 137 قول ابن أبي حاتم عن ابن عبد الحكم:</span> "قال لي محمد بن إدريس الشافعي: نظرتُ في كتبٍ لأصحاب أبي حنيفة فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة، فعددتُ فيها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنة".<span class="c6"> قال ابن أبي حاتم:</span> "لأن الأصل كان خطأً فصارت الفروع ماضية على الخطأ".<span class="c6"> قال الأستاذ:</span> " ....<span class="c6"> بل أفرضُ أن متن الرواية مما أسرّ به الشافعي إلى محمد بن عبد الحكم على خلاف ما تواتر عن الشافعي أنه قال:</span> الناس كلهم عيال في الفقه على أبي حنيفة، وأنه حَمَل من محمد بن الحسن حِمْل جمل من علمه، وأنه أمنّ الناس عليه في الفقه ... وعلى فرض أن أحد أصحاب أبي حنيفة أخطأ في غالب مسائل كُتيّب، فماذا على أبي حنيفة من ذلك؟ والشافعيُّ نفسُه رجع عما حواه <span class="c2">(كتاب الحجة)</span> كله المعروف بالقديم، وأمر بغسله والإعراض عنه ... ولولا أن الشافعي رأى قديمه كلَّه مخالفًا للكتاب والسنة لما رجع هذا _________ <span class="c2">(1)</span> كتب في أسفل الصفحة بقلم الرصاص: "يلخص هنا ما يأتي ص 106". ولقد لخصه المؤلف في ظهر ص 31.</p><p class="rtl left" id="p757"><span class="c2">(15/330)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p758">الرجوع ولا شدّد هذا التشدّد ... وذلك العالم المفروض خطاؤه لم يعترف بعدُ بالخطأ اعترافَ الشافعيّ بخطئه في القديم ... وها هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ...<span class="c6"> ألَّف كتابًا سماه:</span> "ما خالف فيه الشافعي كتاب الله وسنة رسوله ...<span class="c6"> " فهل نصدّقه فيما يقول بالنظر إلى مبالغة ابن خزيمة في الثناء عليه حيث يقول:</span> "ليس تحت قبّة السماء أحد أعلم باختلاف الصحابة والتابعين واتفاقهم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم".<span class="c6"> ولو كان أصل الحكاية:</span> نظرتُ في كتابٍ لأبي حنيفة لاستقام المعنى، على تقدير التغاضي .... ".<span class="c6"> أقول:</span> أما فرض <span class="c2">(1)</span> أن تلك الحكاية مما أسرّ به الشافعيُّ إلى ابن عبد الحكم؛ فلا معنى للإسرار، فلم يكن الشافعي يخاف من الحنفية وقد هاجمهم وصادمهم في مقرّ ملكهم بغداد في حياة محمد بن الحسن وبعده، حتى كادت قُواهم تضمحلّ، لولا أنهم لجأوا إلى قوة الدولة كما هو معروف في التاريخ، ومرّت الإشارة إلى طَرَف منه في ترجمة محمد بن سعد العوفي <span class="c2">(2)</span>، فبقوّة الدولة ثم بتعصّب الدول التي جاءت بعد ذلك، وبتعصّب الأعاجم، وباختلاق المناقب الغالية، كما مرّ بعضُ أمثلته في ترجمة محمد بن سعيد البورقي <span class="c2">(3)</span> انتشر مذهب أبي حنيفة. فالملوك والأمراء يرون مذهب أبي حنيفة أقرب إلى أهوائهم لتحليل بعض المسكر وغيره، ولاسيَّما مع ما فيه من الحِيَل التي كان يتقرّب بها القُضاة إلى الأمراء، حتى _________ <span class="c2">(1)</span> هنا أشار المؤلف بعلامة <span class="c2">(=)</span> إلى أن تكملة الكلام في <span class="c2">(ص 108)</span>، وما أحال إليه الشيخ كان قد ضرب عليه هناك، لكنه وضع أمامه علامة <span class="c2">(=)</span> إشارة إلى نقله في هذا الموضع. <span class="c2">(2)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(1/ 755 - 759)</span> وليس فيها ما أشار إليه المؤلف. <span class="c2">(3)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(2/ 759 - 763)</span>.</p><p class="rtl left" id="p759"><span class="c2">(15/331)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p760">قيل في أبي جعفر الطحاوي ما قيل، كما ذكره ابن النديم في "الفهرست" <span class="c2">(1)</span> وغيره. ثم الأعاجم من ملوك وأمراء وغيرهم يميلون إلى أبي حنيفة؛ للموافقة في الجنسية، كما أن من أسباب غلوّ الفارسيين في الحسين بن علي وابنه عليّ عليهم السلام <span class="c5">[ص 109]</span> ما قيل: إن أمّ علي بن الحسين هي ابنة كسرى ملك الفرس، والأستاذ نفسه يشهدُ عليه مَن هو مِن أخصِّ أصحابه وهو الحسام القدسي بشدّة التعصّب لقومه الشراكسة! <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وقول الأستاذ:</span> "على خلاف ما تواتر عن الشافعي ... " مجازفة لعلّ الأستاذ لا يستطيع إثبات صحة تلك الكلمات عن الشافعي فضلًا عن تواترها، ولاسيّما مع تكلُّم الأستاذ في الربيع، ومع ذلك فلا منافاة بين تلك الكلمات وبين ما رواه ابن عبد الحكم. وقد أشار ابن أبي حاتم ثم الخطيب إلى أن مراد الشافعي بتلك الكتب بعضَ ما أشار إليه في الرواية الثانية واعترف به الأستاذ؛ ك <span class="c2">(كتاب الوقف)</span> و <span class="c2">(كتاب المزارعة)</span> وغيرهما. وما زعمه الأستاذ في الكتاب القديم للشافعي علَّق عليه في الحاشية ما <span class="c2">(3)</span> فيه: " ...<span class="c6"> قال البيهقي:</span> رأيت في كتاب زكريا بن يحيى الساجي بإسناده عن البويطي قال: سمعت الشافعيّ رضي الله عنه يقول: لا أجعل في حلٍّ من روى عني كتابي البغدادي. وهو قديمه،<span class="c6"> ويروي الراعي الأندلسي في "الانتصار":</span> أمر الشافعيُّ بغسل قديمِه كلِّه". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 260)</span>. <span class="c2">(2)</span> وانظر "التنكيل": <span class="c2">(1/ 790)</span>. <span class="c2">(3)</span> كذا في الأصل.</p><p class="rtl left" id="p761"><span class="c2">(15/332)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p762">وهذا لا يكفي في إثبات ذلك؛ إذ لم يبيّن فيه سند الساجي وسند الراعي. وعلى فرض صحة ذلك فلا يَفْهم منه عاقلٌ أن الشافعيَّ رجع عن قديمه كله؛ لأن في القديم مسائل مقطوعًا بها، ومسائل مجمعًا عليها، ومسائل ناظر الشافعيُّ الحنفيّةَ فيها، ثم حكى في الجديد مناظرته لهم، فغايةُ الأمر أنه رجع عن عددٍ من المسائل كانت مفرَّقةً في الأبواب، وألَّف في مصر كتبَه وهذّبها؛ فصارت حاويةً لما كان في <span class="c2">(كتاب الحجة)</span>، مع تهذيب وتنقيح، وخالية عن تلك الفروع التي رجع عنها الشافعي، فإذا رأى أنه بعد ذلك لم يبق لكتابه القديم حاجة للاستغناء عنه بالكتب الجديدة المهذَّبة المنقَّحة، فليس في ذلك ما يعادل ما أنكره الشافعي على أبي حنيفة ولا يقاربه.<span class="c6"> فقول الأستاذ:</span> "ولولا أن الشافعي رأى قديمَه <span class="c5">[ص 110]</span> كلَّه مخالفًا للكتاب والسنة لما رجع هذا الرجوع" مِن أقبح المجازفات التي تقدح في عقل صاحبها فضلًا عن علمه وتديّنه،<span class="c6"> والأستاذ مع ذلك يكثر من قوله:</span> "نسأل الله السلامة. نسأل الله العافية" ونحو ذلك! فأما ما ادّعاه الشافعي من مخالفة نحو ثلثي تلك الكتب للكتاب والسنة، فقد اعترف بذلك أصحاب أبي حنيفة، ومنهم الأستاذ كما تقدَّم في ذِكر <span class="c2">(كتاب الوقف)</span> و <span class="c2">(كتاب المزارعة)</span> وغيرهما. وأما تأليف ابن عبد الحكم كتابًا فيما خالف فيه الشافعيُّ الكتابَ والسنة، فليس لنا ولا للأستاذ تصويب ابن عبد الحكم ولا تخطئته حتى نعرف ما هي المسائل التي ذكرها، فإن اكتفينا بالإجمال كان الظاهر أنه أصاب في بعضها وأخطأ في بعضها، وليس الشافعي بمعصوم عن الخطأ،</p><p class="rtl left" id="p763"><span class="c2">(15/333)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p764">ولا ابن عبد الحكم بمحجوب عن الصواب؛ فإن قَصَرْنا النظرَ على حالِ الرجلين إجمالًا فالشافعي أولى بالصواب. والعلم بالاتفاق والاختلاف في أقاويل الصحابة والتابعين لا يستلزم العلم بمعاني النصوص ودقائق الفقه. وابن عبد الحكم وإن ترك مذهب الشافعي لعدم ظَفَرِه برئاسة أصحابه فقد كان يُعْظِم الثناءَ عليه،<span class="c6"> ومن ذلك قوله:</span> "وإن كان أحدٌ من أهل العلم حجة فالشافعي حجة في كل شيء". كما في ترجمة الشافعي من "تهذيب التهذيب" <span class="c2">(1)</span>. وذكر ابن خزيمة أنه لا يعرف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنةً لم يودعها الشافعي كتابه كما في "تعجيل المنفعة" <span class="c2">(ص 5)</span> <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 30)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 239 - ط البشائر)</span>. <span class="c2">(3)</span> هنا انتهى النقل من <span class="c2">(ص 108 ــ 110)</span> الذي أحال عليه الشيخ في ظهر ص 31.</p><p class="rtl left" id="p765"><span class="c2">(15/334)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p766"><span class="c5">[ص 32]</span> فصل <span class="c5">[النظر في مطاعن الكوثري على الإمام الشافعي في حواشي "الانتقاء"]</span> جرت عادة الأستاذ فيما يوكَلُ إليه من تصحيح الكتب التي يُراد طبعها أن يعلّق عليها آراءه بل مقاصده، فيأتي بدواهي! والواجب على ملتزمي الطبع أن لا يمكّنوه من ذلك بعد أن علموا غُلوَّه، فإنَّ فَرْض المصحّح إنما هو تصحيح الألفاظ، فإن كان ولابدّ من تعرّضه للمعاني فليقتصر على ما لا اختلاف فيه بين أهل العلم، لا أن يسعى في تأييد مذهبه وانتقاص غيره. فإن كان لملتزم الطبع هوًى في ذلك فعلى الأقل يقتصر على ما لا يشكّ في تحقيقه. وقد حَرَصت في كتابتي هذا النقد على أن لا أراجع الكتب التي علّق عليها الأستاذ خوفًا من التطويل، وإن كنت أعلم أنني لو راجعتها لظفرتُ بعِدّة مناقضات للأستاذ، لكن دعت الحاجة إلى مراجعة "الانتقاء" لابن عبد البر، فرأيتُ الأستاذ قد علَّق عليه على عادته، فأحببتُ أن أشير إلى تعاليق الأستاذ عليه وبيان حالها.<span class="c6"> فمن ذلك:</span> أن ابن عبد البر بدأ بمناقب مالك ثم الشافعي ثم ذكر أبا حنيفة، فذكر الأستاذ <span class="c2">(ص 9)</span> <span class="c2">(1)</span> أن ابن عبد البر اقتصر على هؤلاء كما _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 34)</span> من الطبعة التي حققها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، ومما يؤسف له أنه قد أبقى جميع تعليقات الكوثري ورمز لها بـ <span class="c2">(ز)</span>، وعلّل إبقاءها بقوله في المقدمة <span class="c2">(ص 22)</span>: "استمرارًا لطيّب عَرفها وزاكي نفعها"! مع أنه يعلم أن ناشرها الأول الحسام القدسي أوقف الكوثري عن التعليق ص 88 من الكتاب معللًا ذلك بأنه "اطلع على دِخلة في علمه وعمله" ولم يشر لذلك أبو غدة! وكان المأمول أن يُبقي المفيدَ من التعليقات ــ إن كان ــ، ويطوي البساط على باقيها.</p><p class="rtl left" id="p767"><span class="c2">(15/335)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p768">اقتصر عليهم أبو داود في أثرٍ روي عنه <span class="c2">(1)</span>. ومقصود الأستاذ هنا إخراج أحمد من الفقهاء! فهذه إحدى عقاربه! ولم يكن له في ذكر ذلك حاجة. وقد ذكرتُ في ترجمة أحمد <span class="c2">(2)</span> ما فيه كفاية. ثم ثنّى الأستاذ بزعم أن ابن عبد البر إنما اختار ذاك الترتيب؛ لأنه يفضّل البلدان كذلك، فيفضّل المدينة على مكة، ومكة على الكوفة، ولولا ذلك لقدّم التابعي ــ يعني أبا حنيفة ــ.<span class="c6"> ثم قال الأستاذ:</span> "ومراتبهم <span class="c5">[ص 33]</span> في الفقه الإسلامي مما يستغني عنه التنويه" يزعم أن أبا حنيفة أعلاهم مرتبةً.<span class="c6"> وأقول:</span> لا يخفى أن ابن عبد البر إن كان رأى أنّ المدينة أفضل من مكة فإنما ذاك من جهة العلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معظم أيام التشريع بالمدينة وبها قُبِض. وكان عامة علماء الصحابة بالمدينة، فكان أهلها أعلم من أهل مكة. ثم لا يخفى أن ابن عبد البر مالكيّ، فمالكٌ عنده أعلاهم مرتبةً في العلم، وقد أكّد ذلك في "الانتقاء" بأنه لم يذكر في ترجمة مالك والشافعي شيئًا عِيبا به، إلا أن يعرض له عارض فيدفعه، وقال <span class="c2">(ص 15)</span> <span class="c2">(3)</span>: "رواية هؤلاء الأئمة الجِلّة عن مالك وهو حيّ دليل على جلالة قدره، ورفيع مكانه، في علمه ودينه وحفظه وإتقانه". _________ <span class="c2">(1)</span> الأثر هو: "رحم الله مالكًا كان إمامًا، رحم الله الشافعي كان إمامًا، رحم الله أبا حنيفة كان إمامًا" أخرجه ابن عبد البر في "الانتقاء" <span class="c2">(ص 67)</span>. <span class="c2">(2)</span> من "التنكيل" رقم <span class="c2">(32)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 44 - 45 ط المحققة)</span>.</p><p class="rtl left" id="p769"><span class="c2">(15/336)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p770">وقال في مقدمة ترجمة الشافعي: "ونقتصر ... على ما يكفي ويدلّ ويشهد بتقدّمه في علم الحلال والحرام، وإمامته عند جمهور أهل الإسلام" <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وقال في مقدمة ترجمة أبي حنيفة:</span> "وأذكر ... بعضَ ما حضرني ذِكره من أخبار أبي حنيفة وفضائله، وذِكْر بعض من أثنى عليه وحَمِده، ونبدأ بما <span class="c2">(2)</span> طُعِن فيه عليه، لردِّه بما أصَّله لنفسه في الفقه، وردّ بذلك أخبار الآحاد الثقات ... وكان مع ذلك أيضًا لا يرى الطاعات وأعمال البر من الإيمان ... وقد أثنى عليه قوم كثير لفهمه ويقظته وحُسن قياسه وورعه ومجانبته السلاطين، فنذكر في هذا الكتاب عيونًا من المعنيين جميعًا ... " <span class="c2">(3)</span>. وذَكَر المطاعن من ص 147 إلى ص 152 <span class="c2">(4)</span>. وبذلك علمت منازلهم عند ابن عبد البر. فلو سكت الأستاذ لكان خيرًا له. وقال ابن عبد البر <span class="c2">(ص 12)</span> <span class="c2">(5)</span>: "روى عنه ــ يعني مالكًا ــ من الأئمة سوى هؤلاء <span class="c5">[ص 34]</span> أبو حنيفة". فعلّق الأستاذ على ذلك تعليقًا طويلًا؛ بيَّن أولًا أنه لم يثبت رواية أبي حنيفة عن مالك،<span class="c6"> ثم قال:</span> "نعم ثبت نظر مالك في كتب أبي حنيفة وانتفاعه بها ... " وأطال في ذلك وذَكَر روايات فيها نظر، ودَفَع روايات تذكُر انتفاعَ أبي حنيفة بعلم مالك، وبعضها قويّ فلا أطيل بمناقشته. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 115)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا في الطبعة القديمة،<span class="c6"> وفي المحققة:</span> "ونُبَذًا مما" وهو الصواب. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 184)</span>.<span class="c6"> ووقع فيها بدل "وردّ بذلك أخبار الآحاد":</span> "وردّ بذلك كثيرًا من ... ". <span class="c2">(4)</span> في المحققة <span class="c2">(ص 271 - 298)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 41)</span>.</p><p class="rtl left" id="p771"><span class="c2">(15/337)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p772">وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 24)</span> <span class="c2">(1)</span> محاورة الشافعي ومحمد بن الحسن فعلّق عليها الأستاذ ما يعلم ما فيه مما قدّمته في ترجمة الخطيب <span class="c2">(2)</span>. وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 27 ــ 28)</span> <span class="c2">(3)</span> قولَ ابن وهب: "لولا أني أدركت مالكًا والليث بن سعد لضللت".<span class="c6"> فعلّق عليها الأستاذ بنقل رواية أخرى فيها:</span> "يعني لاختلاف الأحاديث" ثم قال: "كما يقع لكثير من الرواة البعيدين عن الفقه غير المميزين ما قارن العمل به عما سواه".<span class="c6"> ومقصوده بهذا:</span> الإشارة إلى أن الأحاديث الصحيحة التي ردّها أبو حنيفة أو لم يطلع عليها مِن هذا القبيل الذي لا يُعْتَدّ به. وقد ذكرنا في الفقهيّات طرفًا <span class="c2">(4)</span> من الكلام معه في بعض تلك الأحاديث. وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 29)</span> <span class="c2">(5)</span> ما جاء عن عبد الرحمن بن مهدي أنه سُئل: مَن أعلم، مالك أو أبو حنيفة؟<span class="c6"> فقال:</span> مالك أعلم من أستاذ أبي حنيفة ...<span class="c6"> " فعلّق عليها الأستاذ:</span> "هذا على حسب معياره وتقديره، وهو الذي استعصى عليه وجه الجواب لما اعترضوا عليه حين صلى بعد أن احتجم من غير إحداث وضوء ... وإن كان لا ينكر فضل هذا الديلمي في الرواية والكلام في الحديث ورجاله، ولكن لكل علم رجال وميزان". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 56)</span>. <span class="c2">(2)</span> من "التنكيل" رقم <span class="c2">(26)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 60 - 61)</span>. <span class="c2">(4)</span> كانت العبارة: "وقد تقدم في الباب الثالث طرف". فأصلحها إلى ما هو مثبت ونسي أن يضرب على "الثالث" وأن يصلح "طرف" لتكون مفعولًا. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 63)</span>.</p><p class="rtl left" id="p773"><span class="c2">(15/338)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p774">والحكاية التي ذكرها هي في "الانتقاء" نفسه <span class="c2">(ص 72)</span> <span class="c2">(1)</span> وليس فيها أنه استعصى عليه الجواب وإنما فيه أنهم "عابوه وأنكروا عليه، وكان سبب كتابه إلى الشافعي بذلك <span class="c5">[ص 35]</span> فوجّه <span class="c2">(إليه الشافعي)</span> بالرّسالة". فيظهر أن ابن مهدي أجابهم ولكن لما رأى أنه قد يَرِد عليه من المسائل ما يحتاج إلى مناظرة أهل الرأي فيه ــ وكان الشافعي قد اشتهر بتفوّقه عليهم ــ أحبَّ ابنُ مهدي أن يستفيد ببعض ما يكتبه الشافعي. ومن البعيد أن يكتب ابنُ مهدي إلى الشافعي يسأله عن تلك المسألة، فيكتب إليه الشافعيُّ برسالته في أصول العلم.<span class="c6"> وقول الأستاذ:</span> "هذا الديلمي" مِن بالغِ أدبه! وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 34 ــ 35)</span> <span class="c2">(2)</span> من طريق "عبد الله بن أحمد قال: نا أبي قال: نا سُريج بن النعمان،<span class="c6"> قال:</span> نا عبد الله بن نافع،<span class="c6"> قال:</span> كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل،<span class="c6"> ويقول:</span> القرآن كلام الله،<span class="c6"> ويقول:</span> مَن قال: "القرآن مخلوق" يوجع ضربًا ويُحْبَس حتى يتوب.<span class="c6"> وكان مالك يقول:</span> الله في السماء وعِلْمه في كلّ مكان لا يخلو منه شيء".<span class="c6"> فعلَّق عليه الأستاذ:</span> "ابن نافع وسُريج في حفظهما وضبطهما على ما تعرف، ولم يروِ أحدٌ من أصحاب مالك عنه مثل هذا، بل المتواتر عنه عدم الخوض ...<span class="c6"> ويأتي عنه أيضًا بسنده ما ذكر هنا بدون زيادة ــ وكان مالك يقول:</span> الله في السماء إلخ، فآثار الافتعال ظاهرة على هذه الزيادة، على أنّ هذه الرواية مما شذّ به عبد الله بن أحمد عن أبيه، وقول أبيه في ابن نافع الصائغ معروف، وكم فيما يُنْسَب إلى عبد الله ما يضرب به عرض الحائط، ويَرُوج على من لا ينظر إلى ما يدخل في روايات المكثرين عن آبائهم". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 122 - 123)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 71)</span>.</p><p class="rtl left" id="p775"><span class="c2">(15/339)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p776">أقول: أما عبد الله بن نافع فقال أبو طالب عن أحمد: "لم يكن صاحب حديث، كان ضعيفًا فيه".<span class="c6"> وقال أبو داود عن أحمد:</span> "كان عبد الله بن نافع أعلم الناس برأي مالك وحديثه، وكان يحفظ حديثَ مالك كلَّه <span class="c5">[ص 36]</span> ثم دخله بأَخَرةٍ شكّ".<span class="c6"> قال أبو داود:</span> "وكان عبد الله عالمًا بمالك، وكان صاحب فقه، وكان ربّما أدلّ على مالك".<span class="c6"> قال:</span> "وسمعت أحمد بن صالح يقول: كان أعلم الناس بمالك وحديثه".<span class="c6"> وقال ابنُ معين ــ لما سُئل:</span> مَن الثّبْت في مالك؟<span class="c6"> ــ فذكرهم ثم قال:</span> وعبد الله بن نافع ثبت فيه". وذكر البخاري وأبو حاتم وابن حبان لِينَ حفظه وصحَّة كتابه. ويتلخّص من كلامهم أنه ثقة ثبت في روايته عن مالك، فأما روايته عن غيره فما كان من كتابه فصحيح، وما كان من حفظه ففيه لِيْن.<span class="c6"> فأما قول أحمد:</span> "ثم دخله بأخرةٍ شكّ". فالظاهر أن هذا لا يضره هنا، فإن عبد الله توفي سنة 204، وسُريج كبير يروي عن فُلَيح بن سليمان المتوفى سنة 168، مع أنّ الشكّ لا ينافي الضبط، فإنه يبيّن فيما يشكّ فيه أنه شكّ، ولم يشكّ ابن نافع في هذه الرواية.<span class="c6"> وأما سُريج فقال ابن معين والعجلي وأبو داود وابن سعد:</span> "ثقة"،<span class="c6"> زاد أبو داود:</span> "حدثنا عنه أحمد بن حنبل، غَلِط في أحاديث". والمُكْثِر إذا غلط في أحاديث فحكمه أن يحتجّ به فيما لم يتبيَّن غلطه فيه.<span class="c6"> وقال الحاكم عن الدارقطني:</span> "ثقة مأمون". وأما عبد الله بن أحمد فقد مرّت ترجمته <span class="c2">(1)</span>، وهو ثقة فاضل وإن رَغِم الجهميةُ. _________ <span class="c2">(1)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(1/ 284 - 285)</span>.</p><p class="rtl left" id="p777"><span class="c2">(15/340)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p778">وأما أنه لم يرو أحدٌ من أصحاب مالك عنه مثل هذا، فلم أتتبّع ذلك، ولا أثق بمجازفة الأستاذ! وهب أن الأمر كذلك فلا ضير، فإن عبد الله بن نافع كان أعلمهم بمالك وألْزَمهم له ومِن أثبَتهم فيه. وأما أن المتواتر عنه عدم الخوض، فذاك فيما يَدِقّ، فأما أن الله في السماء وعلمه في كلّ مكان، أي أنه يعلم كلّ شيء، فهذا صريح الفطرة والعقل، صريح في القرآن والسنن الصحاح.<span class="c6"> وأما قول:</span> "ويأتي عنه أيضًا بسنده ما ذُكر هنا بدون زيادة ... ".<span class="c6"> فالذي جاء بعد ذلك هو:</span> "جعفر بن محمد الصائغ يقول: سمعت <span class="c5">[ص 37]</span> سُريج بن النعمان يقول: سمعتُ عبد الله بن نافع الصائغ يقول: كان مالك بن أنس يقول: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" <span class="c2">(1)</span>. وهذه رواية مختصرة؛ لأن الرواية الأولى جمعت عِدّة أقوال كما رأيت، فاقتصر الرواي في هذه على بعض تلك الأقوال؛ لأن الحال كان يقتضيه وحده. ومثل هذا كثير من صنيعهم، وقد قدمتُ بعض الكلام في ذلك في ترجمة الخطيب <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> أما قول الأستاذ:</span> "فآثار الافتعال ظاهرة على هذه الزيادة". فمِن أماني الأستاذ! وعلق الأستاذ <span class="c2">(ص 59)</span> <span class="c2">(3)</span> كلامًا في مسألة القضاء بالشاهد واليمين وقد بسطتها في الفقهيات <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> "الانتقاء" <span class="c2">(ص 73)</span>. <span class="c2">(2)</span> في "التنكيل" رقم <span class="c2">(26)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 107)</span>. <span class="c2">(4)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(2/ 239 وما بعدها)</span>.</p><p class="rtl left" id="p779"><span class="c2">(15/341)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p780">ثم علّق الأستاذ على ترجمة الشافعي فبدأ <span class="c2">(ص 66)</span> <span class="c2">(1)</span> بما يتعلّق بنسب الشافعي، وقد مرّ <span class="c2">(2)</span>. وعلّق على <span class="c2">(ص 67)</span> <span class="c2">(3)</span> عند ذِكْر أن الشافعي قَدِم بغداد سنة 195 ثم سنة 198 فقال: "وقَدِم العراق قبلها في عهد طلبه للعلم حين حُمِل مع بعض العلوية من اليمن سنة 184، وإذ ذاك تلقى الفقه عن محمد ... ". وقد تقدّم <span class="c2">(4)</span> الكلامُ فيه في هذا، وأثبتنا أن الشافعي في قَدْمته الأولى كان مجتهدًا، وأشرنا إلى بعض مناظراته مع محمد في "الأم" <span class="c2">(5)</span>. وفي ذلك ما يكفي لكشف تَعْمِية الأستاذ. وعلّق على <span class="c2">(ص 69 وص 74)</span> <span class="c2">(6)</span> ما له فيه غرض لا حاجة بنا إلى التشاغُل به. وعلَّق على <span class="c2">(ص 76 ــ 77)</span> <span class="c2">(7)</span> عند ذِكْر ثناء أحمد على الشافعي: "وأما ما يرويه أبو الحسين بن أبي يعلى في "طبقاته" في ترجمة أبي بكر المرّوذي أنه قال: قلت لأحمد: أترى أن يكتب الرجلُ كتبَ الشافعي؟<span class="c6"> قال:</span> لا.<span class="c6"> قلت:</span> أترى أن _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 116)</span>. <span class="c2">(2)</span> مبحث نسب الشافعي سقط من أول النسخة كما سبق الإشارة إليه،<span class="c6"> وانظر المبحث في "التنكيل":</span> <span class="c2">(1/ 688 - 701)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 117)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 21 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 24 - 26)</span>. <span class="c2">(6)</span> <span class="c2">(ص 119 - 125)</span>. <span class="c2">(7)</span> <span class="c2">(ص 129)</span>.</p><p class="rtl left" id="p781"><span class="c2">(15/342)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p782">يكتب "الرسالة"؟<span class="c6"> قال:</span> لا تسألني عن شيء مُحْدَث،<span class="c6"> قلت:</span> كتَبْتَها؟<span class="c6"> قال:</span> معاذ الله لا نكتب كلامَ <span class="c5">[ص 38]</span> مالك ولا سفيان ولا الشافعي ولا إسحاق بن راهويه ولا أبي عبيد. وما يروونه عنه أيضًا أنه سُئل عن "موطأ مالك" و"جامع سفيان" أيهما أحبّ إليك؟<span class="c6"> قال:</span> لا هذا ولا ذاك.<span class="c6"> وما يرويه أبو موسى المديني في "النُّصح الجلي" بطريق الحسين بن عبد الله عن الأثرم عن أحمد أنه قال:</span> كنت أجالسه ــ يعني الشافعي ــ هنا كثيرًا، فلما قدم مصر تغيّر وجاء بالتأويل والرأي. ونحوها= فأخبار تالفة اختلقها الحشويةُ على لسانه لصرف وجوه الأمة عن أئمة الفقه، كما فعلوا مثل ذلك مع أبي حنيفة ... ".<span class="c6"> أقول:</span> الذي يسمّيهم الأستاذ "حشوية" ويريد بهم الحنابلة؛ فيهم ثقات أفاضل وفيهم غير ذلك، فإذا كان رجال هذه الحكايات مِن ثقاتهم فإننا نقبلها على الرأس والعين،<span class="c6"> ونقول:</span> قد ثبت عن أحمد أنه كان يكره كتابة كلامه وكلام غيره، ويرى للعالم أن يكتب السننَ والآثارَ، وينظر في كلام العلماء يستعينُ به على الفهم، فقد لا يكون أحمد كتب شيئًا من كتب الشافعي وإن كان قد سمعَ بعضَها وطالعَ بعضها، وكذلك كُتُب غيره. وقد يكون أحمد يفرّق بين الناس، فلم يَرَ للمرّوذي أن يكتب كتب الشافعي ورخَّصَ لغيره. وأما قوله في "الموطأ" و"جامع سفيان" فإنما أراد به ما فيهما من المسائل. فأما الأحاديث والآثار فقد كتبها أحمدُ نفسُه وأثبتها في "مسنده" و"زهده".<span class="c6"> وأما الرواية الثالثة وفيها:</span> "فلما قَدِم مصر تغيّر وجاء بالتأويل والرأي". فالحسين بن عبد الله إن كان هو ورّاق داود فقد ضعّفه الدارقطني ورُمي</p><p class="rtl left" id="p783"><span class="c2">(15/343)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p784">بسرقة الحديث، وإن كان غيره فمجهول كما ذكره ابن حجر في "لسان الميزان" <span class="c2">(ج 2 رقم 1317)</span> <span class="c2">(1)</span>. وهب أنّ الحكاية صحّت فقد كان أحمد يكره الكلام في المسائل التي لم تقع، فلا يمتنع أن يكره توسّع الشافعي فيها في كتبه المصرية، ولعله لم يعجبه رجوع الشافعي عن بعض مسائله البغدادية. وليس في ذلك ما ينافي استمراره على ولاء الشافعي والثناء عليه كما ثبت من وجوه كثيرة، وإنما مقصوده بهذا القول ــ إن كان قاله ــ التحذير من تقليد الشافعي <span class="c5">[ص 39]</span> والإعراض عن الكتاب والسنة، والشافعيُّ نفسُه على هذا، وإنما ألّف تلك الكتب لينتفع الناسُ بها في تعلّم طريق النظر. وهذا المزني يقول في أول "مختصره" <span class="c2">(2)</span>: "اختصرتُ هذا الكتاب من عِلْم محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، ومن معنى قوله؛ لأقرِّبه على من أراده مع إعْلامِيه نَهْيَه عن تقليده غيره؛ لينظر فيه لدينه ويحتاط فيه لنفسه".<span class="c6"> وللأستاذ في هذا التعليق أغراض:</span> الأول: الطمع في التخلّص مما رواه ثقات الحنابلة في الكلام في أبي حنيفة وأصحابه.<span class="c6"> الثاني:</span> الطمع في التخلّص مما رووه في العقائد.<span class="c6"> الثالث:</span> أن يفتن بين الشافعية والحنابلة.<span class="c6"> الرابع:</span> أن يحكي شيئًا يرى فيه غضًّا من الشافعي. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 175 - 176)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 1)</span>.</p><p class="rtl left" id="p785"><span class="c2">(15/344)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p786">فلينظر الأستاذ كيف خاب أملُه وبان فَشَلُه! وذكر ابنُ عبد البر <span class="c2">(ص 78)</span> <span class="c2">(1)</span> ذمَّ الشافعي النظرَ في الكلام،<span class="c6"> فعلّق عليه الأستاذ:</span> "يعني نظر مثل مخاطبه في مثل كلام حفص الفَرْد، بقرينة السباق والسياق، جمعًا بين الأقوال المرويّة عن الشافعي. ولم يزل السلف ينهون العوام عن الخوض في الكلام لاسيّما في كلام أهل البدعة، ولكلّ علمٍ رجال".<span class="c6"> أقول:</span> هذا من تحريف الكَلِم عن مواضعه، والشافعيُّ وغيره من الأئمة ينهون عن النظر في الكلام مطلقًا، وليس من الكلام إظهار ما تعرفه الفِطَر السليمة والعقول المستقيمة، وجاءت به نصوصُ الكتاب والسنة وآثار السلف، بدون تعمّق في اللازم، ولازم اللازم، وهلمَّ جرًّا. والأستاذ يحاول أن يجعلَ أئمة السنة سلفًا وخَلَفًا عامَّةً جُهّالًا في العقائد، ويجعلَ الجَعْدَ بن درهم <span class="c5">[ص 40]</span>، والجهمَ بن صفوان في أكثر أقواله، وأبا حنيفة فيما يقال, وأتباعه دُعاة المحنة في عهد المأمون، وأتباعَهم كابن الثلجي والأشعري ــ قبل أن يرجع ــ والماتريدي وأتباعَهم هم فرسان الكلام، وهم العلماء بالله، حتى أراه يجعلهم أعلم بذلك من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد كاد الأستاذ يصرِّح بهذا في بعض تعاليقه، وقد توغّل بعض أئمته إلى أبعد من هذا مما يلزمهم، وهو معروف في محلّه.<span class="c6"> وقد قال موسى بن سيار الأسواري في أوائل القرن الثاني:</span> "إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أعرابًا جُفاةً فجئنا نحن _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 131 - 132)</span>.</p><p class="rtl left" id="p787"><span class="c2">(15/345)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p788">أبناء فارس فلخّصنا هذا الدين" كما في "لسان الميزان": <span class="c2">(6/ 136)</span> <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> وكأني بالأستاذ يقف على هذه المقالة فيقول في نفسه:</span> "صدق"! وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 79)</span> <span class="c2">(2)</span> عن الشافعي: ما في أهل الأهواء أشْهَد بالزور من الرافضة.<span class="c6"> فقال الأستاذ:</span> "وهم الخطّابية الذين يستجيزون الكذب على المخالف، وعَدَت عدواها بعض الحمقى من الرواة". يشير إلى ما افتراه ابن السبكي على الحنابلة <span class="c2">(3)</span>. وذكر ابن عبد البر <span class="c2">(ص 81)</span> <span class="c2">(4)</span> عن الشافعي قوله: "الإيمان قول وعمل وعقد، ويزيد وينقص". وفي السند عبيد الله بن عمر البغدادي،<span class="c6"> فعلّق عليه الأستاذ:</span> " ... يرمى بالرواية عمن لم يلحق ... ليس في موضع التعويل فيما ينفرد به". وقد اعتمد الأستاذ ما رواه عبيد الله هذا في أن محمد بن الحسن هو الذي خلّص الشافعي من القتل لمّا حُمل إلى بغداد! وذكر ابن عبد البر في <span class="c2">(ص 80 ــ 81)</span> <span class="c2">(5)</span> بعضَ ما يُروى عن الشافعي مما يدلّ على تصديقه بالقدر والرؤية،<span class="c6"> ثم قال:</span> "هذا هو الصحيح عنه <span class="c5">[ص 41]</span> وقد روى عنه بعضُ أهلِ الكلام خلافَ ذلك ولا يصح عنه". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 232)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 133)</span>. <span class="c2">(3)</span> كتب المؤلف بعده: "وقد تقدم الكلام فيه في الباب الثاني" ثم ضرب عليه.<span class="c6"> وكلام ابن السبكي في "طبقات الشافعية":</span> <span class="c2">(2/ 119 و 4/ 34)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 134)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(ص 135)</span>.</p><p class="rtl left" id="p789"><span class="c2">(15/346)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p790">فقال الأستاذ: "لعله يريد القاضي عبد الجبار الهَمَذاني،<span class="c6"> حيث قال في "طبقات المعتزلة":</span> إن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني أخذ المذهب عن عَمرو بن عبيد. ولا نزاع في كون إبراهيم معتزليًّا. ومسلم بن خالد الزنجي أخذ المذهب عن غيلان بن مسلم الدمشقي، وكان الشافعي تلميذًا لإبراهيم بن أبي يحيى ولمسلم بن خالد،<span class="c6"> فاجتمع للشافعي رجلان من أهل الحق من القائلين بالعدل والتوحيد:</span> إبراهيم ومسلم. ا? . إلى آخر ما ينقله الرازي عنه. وصِلَته بحفص الفرد وبِشر بن غياث وإبراهيم بن عُليّة صِلَةُ ردٍّ عليهم. وأما أخْذ أبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى الشافعي عنه ببغداد، وكونه أول من خَلَفه هناك، فلا عَتْب به عليه، فكم من تلميذ حاد عن طريقة أستاذه. وما يُروى عن المزني في القرآن فغير ثابت عنه ... وأما التمسّك بأنه لم يُمتحَن غير البويطي مِن أصحابه في القرآن فأوهن <span class="c2">(1)</span> من بيت العنكبوت، فإن موافقتهم إنما كانت <span class="c2">(2)</span> في اللفظ ولا تثريب في ذلك عليهم".<span class="c6"> أقول:</span> ظاهر هذا الكلام لا بأس به، ولكن قد عوّدنا الأستاذ أنه إنما يحوم حول أغراضه،<span class="c6"> فلا لوم علينا إذا قلنا:</span> قد يكون للأستاذ في هذا الكلام أغراض: منها: أن يرى الناسُ أنه كما نُسِبت المذاهبُ المستشنعةُ إلى أبي حنيفة فقد نُسبت إلى الشافعي.<span class="c6"> ومنها:</span> أن يخيّل للقارئ بجمع هذه الأمور صحّة نِسبة البدعة إلى الشافعي. _________ <span class="c2">(1)</span> الأصل: "فأوهى" والمثبت من كتاب الكوثري. <span class="c2">(2)</span> في تعليق الكوثري: "ما كانت إلا".</p><p class="rtl left" id="p791"><span class="c2">(15/347)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p792">ومنها: أن يباعد الشافعيَّ وأصحابَه عن فضيلة القول بخلق القرآن؛<span class="c6"> فإنها في زَعْم الأستاذ فضيلة! ! ثم أقول:</span> أما إبراهيم بن أبي يحيى فَقَدريّ، وإنما أخذ الشافعيُّ عنه أحاديث وآثارًا. ولم يزل أهل العلم يروون عن <span class="c5">[ص 42]</span> القدريّة. وقد ثبتت براءةُ الشافعي من القدر بعدَّة كلمات منقولة عنه، ولم يُنقل عنه خلافها. وقد جالسه أحمد بن حنبل وغيره فلم يروا من اعتقاده إلا ما يسرّهم. وأما مسلم بن خالد فلم يثبت عنه القول بالقَدَر. وأما بِشر المريسي فضالّ مُضلّ، واتفق للشافعي الاجتماع به، فكان يذاكره في الفقه ويعذله في الكلام وينصحه في تركه، فلم يقبل، فهجره الشافعي. وأما ابن عُليّة فكان الشافعي مهاجرًا له. وأما حفص الفَرْد فتعرّض للشافعي مرة أو مرتين فكفّره الشافعي. وقد اجتمع الشافعي ببعض من يغلو في الرأي ويردّ السنن، فناظرهم عدة مناظرات، كما تراه في "الرسالة" و"الأم" و"اختلاف الحديث" فكَسَر الله تعالى به شوكَتَهم، ولم يتعلّق به شيء من أوضارهم. وأما أبو عبد الرحمن البغدادي فأخذ عن الشافعي الفقه، ثم مال إلى الدنيا في أيام المأمون فوافق الجهمية، والشافعيُّ بريٌّ من بدعته. وأما المحنة بخلق القرآن فقد صَبَر لها خليفةُ الشافعي، وهو أبو يعقوب البُوَيطي حتى مات في قيوده. فإن كان دُعاة المحنة اكتفوا به لكونه رئيس الجماعة فلم يعرضوا لغيره من أصحاب الشافعي فذاك، وإن كانوا عَرَضوا</p><p class="rtl left" id="p793"><span class="c2">(15/348)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p794">لهم، فاتقوا بإظهار القول كما اتقى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره فعذرهم ظاهر. وعلّق الأستاذ <span class="c2">(ص 85 ــ 87)</span> <span class="c2">(1)</span> في مسألة القضاء بشاهد ويمين، وقد بسطناها في الفقهيَّات <span class="c2">(2)</span>، وذكر الأستاذ أشياء قد أجاب عنها الشافعي بما لا مزيد عليه. وعلق الأستاذ على <span class="c2">(ص 88)</span> <span class="c2">(3)</span> كلامًا في ابن جهضم الذي روى ابن عبد البر من طريقه رؤيا فيها بشارة للشافعي،<span class="c6"> وههنا استيقظ الحسام القدسي القائم بطبع الكتاب لعقارب الأستاذ فأوقفه عن التعليق ــ أحوجَ ما كان إليه وأحْرَصَ ما كان عليه ــ كما نبّه على ذلك في المقدمة إذ قال:</span> "كان الشيخ محمد زاهد الكوثري يصحّح الكتاب ويعلّق <span class="c5">[ص 43]</span> عليه، ثم أوقفتُ ذلك في الصفحة 88 لما اطلعتُ عليه مِن دِخْلَة في علمه وعمله ... ". فلقد أحسن القُدسيّ إلى العلم وأهله وإلى نفسه ومكتبته وإليّ خاصةً؛ إذ كفاني مُؤْنة الردّ على تخرّصات الأستاذ. وههنا أخْتِم ترجمةَ الإمام الشافعي، فأما فضائله ومناقبه فمعروفة. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 141)</span>. <span class="c2">(2)</span> من "التنكيل": <span class="c2">(2/ 239 وما بعدها)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 142)</span>.</p><p class="rtl left" id="p795"><span class="c2">(15/349)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p27"><a id="t27" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t27">الرسالة الثانية عشرة شرح حديث: "آية المنافق ثلاث ... "</a></h2><p class="rtl left" id="p796"><span class="c2">(15/351)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p797">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اعلم ــ وفقني الله وإيّاك ــ أنّ <span class="c2">(إذا)</span> قد تفيد التكرار في نحو قولك: ما لي أرى زيدًا إذا دَخَل عمروٌ قام، وعلامتها أن تحلّ محلها <span class="c2">(كلّما)</span> وذلك خاصٌّ بما إذا تجرَّدت عن الاستقبال وصارت للاستمرار، فتدبّر أيُّها الذوَّاق.<span class="c6"> إذا تقرّر ذلك فقوله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ:</span> "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخْلَفَ، وإذا اؤتمن خان" رواه البخاريُّ <span class="c2">(1)</span>، وكذا مسلمٌ <span class="c2">(2)</span> بزيادة بعد ثلاث: "وإنْ صامَ وصلى وزعم أنَّه مسلم". ورَوَيا أيضًا <span class="c2">(3)</span>: "أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا،<span class="c6"> ومَن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كان فيه خَصلة من نفاقٍ حتى يدعَها:</span> إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" هـ. فـ <span class="c2">(إذا)</span> فيهما من هذا الباب ــ أعني ــ: أنّ المراد مَنْ غلبت عليه هذه الخصالُ أضدادَها فهو منافق؛ لأنه يبعد أن يُحمل الحديث على ظاهره مِنْ عموم هذه الخصال الأربع وانتفاء أضدادها قطعًا، فلم يبقَ إلا أن نحمله على أقرب شيءٍ إلى المحضيّة، وذلك الغلبة. فنحن نعتقد أنّ هذه الخصال لا تغلب إلا على منافق خالصِ النفاق الشرعي الذي هو خلاف الإيمان. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(33)</span> من حديث أبي هريرة. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(59/ 109)</span> من حديثه أيضًا. <span class="c2">(3)</span> البخاري <span class="c2">(34)</span>، ومسلم <span class="c2">(58)</span> من حديث عبد الله بن عمرو.</p><p class="rtl left" id="p798"><span class="c2">(15/353)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p799">ومعنى الحديثين واحدٌ،<span class="c6"> فإنّ قوله في الأول:</span> "وإذا وعد أخلفَ" يشمل قوله في الثاني: "وإذا عاهد غدر" فما في الأول مطلقٌ، وما في الثاني مقيَّدٌ.<span class="c6"> وقد يقال:</span> يُحمل المطلق على المقيّد ــ كما هو مقرّر في الأصول ــ فعليه لا يكون إخلاف الوعد آيةً للنفاق إلا إذا غدر بعهدٍ،<span class="c6"> وهذا هو الموافق لمذهب الشافعيّة:</span> أنّ الوفاء بالوعد لا يجب.<span class="c6"> فأمّا قوله تعالى في الثناء على إسماعيل ــ عليه السلام ــ:</span> <span class="c4">{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}</span> <span class="c5">[مريم: 54]</span> فإنه لا يفيد إلا أنّ ذلك من الخصال المحمودة، وهي تشمل الواجب والمندوب فلا يدلُّ على الوجوب.<span class="c6"> ويدلُّ على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:</span> "وإذا وعد الرجل أخاه ومِن نيّته أن يفي فلم يفِ ولم يجئْ للميعاد فلا إثم عليه" رواه أبو داود والترمذي عن زيد بن أرقم <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> ثم قوله فيهما:</span> "وإذا حدّث كذب" يشمل قوله في الثاني: "وإذا خاصم فجر" فهو من عطف المقيّد على المطلق، وذلك يفيدُ مزيد الاهتمام بشأنه.<span class="c6"> وبهذا تقرَّر أن معنى الحديثين واحدٌ فلا حاجة لما قاله بعضُهم:</span> "إنّ الشيء قد يكون له علاماتٌ كثيرة" فإنّه يفيد التغاير، والتوفيق بين الحديثين أولى عند العارفين مع أنّه واضحٌ. وقد استفدنا بذلك مسألة نفيسة،<span class="c6"> ولمّا غفلوا عن نيّة التكرار وقعوا في إشكالٍ حتى قال أكثرُهم:</span> إنّ ذلك خاصٌّ _________ <span class="c2">(1)</span> أبو داود <span class="c2">(4995)</span>، والترمذي <span class="c2">(2633)</span> وقال: "هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي، علي بن عبد الأعلى ثقة، ولا يُعرف أبو النعمان ولا أبو وقاص وهما مجهولان".</p><p class="rtl left" id="p800"><span class="c2">(15/354)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p801">بمنافقي زمانه ــ عليه الصلاة والسلام ــ، وهذه دعوى لا دليل عليها. فأمّا ما رواهُ مقاتل عن الحسن أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لمّا قال ذلك شغل قلوبَ أصحابه أن يسألوه؛ فأمروا فاطمة ابنته أن تسأله، وذكروا لها شغل قلوبهم، فأخبرت فاطمة النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم،<span class="c6"> فأمر سلمانَ فنادى:</span> الصلاة جامعة،<span class="c6"> فصعد المنبر ثم قال:</span> "أيُّها الناس إني كنتُ قلتُ لكم: ثلاث من كنَّ فيه فهو منافقٌ، ولم أعنكم به إنّما عنيتُ المنافقين،<span class="c6"> أمّا قولي:</span> إذا حدث كذب فإنهم أتوني فقالوا لي: إيمانُنا كإيمانك،<span class="c6"> وتصديق قلوبنا كتصديق قلبك فأنزل الله تعالى:</span> <span class="c4">{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ... }</span> إلى <span class="c4">{ .. لَكَاذِبُونَ}</span> وأمّا قولي: "وإذا اؤتمن خان" فإنّ الصلاة والدين كلُّه أمانة فإنهم <span class="c4">{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ ... }</span> الآية <span class="c5">[النساء: 142]</span>،<span class="c6"> وفيهم قال الله تعالى:</span> {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ <span class="c2">(4)</span> الَّذِينَ هُمْ} إلخ <span class="c5">[الماعون: 4 - 5]</span>،<span class="c6"> وأمّا قولي:</span> "وإذا وعد أخلف" فإنّ ثعلبة بن حاطبٍ أتاني وقال: إنّي مولَعٌ بالساعة ولي غُنيمات فادعُ الله أن يبارك لي فيهنَّ، فعليَّ عهدُ الله لأتصدقنَّ وأكوننّ من الصالحين، فدعوتُ الله فَنَمَت وزادت حتى ضاقت عليها الفجاج فسألته الصدقة فبخل بها؛<span class="c6"> فأنزل فيه:</span> <span class="c4">{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ... }</span> الآية <span class="c5">[التوبة: 75]</span> " فسُرّي عن الصحابة وتصدّقوا بمالٍ عظيم". كذا نقلتُ هذا الحديث من "تحفة الزمن في تاريخ سادات اليمن" <span class="c2">(1)</span> _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 70)</span>.<span class="c6"> والحديث أخرجه بطوله الثعلبي في "الكشف والبيان":</span> <span class="c2">(5/ 73 - 75)</span>،<span class="c6"> وذكر الطبري طرفًا منه:</span> <span class="c2">(11/ 585)</span>.</p><p class="rtl left" id="p802"><span class="c2">(15/355)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p803">للحسين بن عبدالرحمن الأهدل، فإن صحَّ فليس فيه إلا أنَّه لم يَعْنِ مخاطبيه، وذلك حقٌّ؛ فإنّهم رضي الله عنهم لم تغلب عليهم تلك الخصال، فأمّا المنافقون فإنها غالبةٌ عليهم،<span class="c6"> كما يدلُّ عليه قوله تعالى:</span> <span class="c4">{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ... }</span> فإنّ <span class="c2">(إذا)</span> فيها مفيدةٌ للتكرار،<span class="c6"> وكذلك قوله:</span> "فإنّ الصلاة والدين كلّه أمانة ... إلخ". و <span class="c2">(إذا)</span> في قوله: <span class="c4">{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}</span> مفيدةٌ للتكرار. وأمّا قصةُ ثعلبة فإنّه لم يتكرر منه الغدر بالعهد، لكنّه لما كان لله ورسوله وأصرّ عليه غُلِّظ عليه. وهذا الحديث ــ إن صحَّ ــ فليس بيانًا لاختصاص الحديث السابق بمنافقي زمانه ــ عليه أفضل الصلاة والسلام ــ وإنّما هو بيانٌ لمصداقه من القرآن، فإنه تعالى خصَّ بالمنافقين بتكرر أنّهم إذا جاؤوه كذبوا فصارت علامةً لهم، وخصَّهم بالوصف بتكرّر خيانة الأمانة، ومنها الصلاة فصارت علامةً لهم، وحكم على ثعلبة <span class="c2">(1)</span> بالنفاق لغدره بالعهد المغلّظ وإصراره عليه فصارت علامةً. وقصّة ثعلبة تعضد ما قلناه مِن أنّ إخلافَ الوعد لا يكون آية النفاق حتى تكون غدرًا بالعهد، وإذا علمتَ أن الصلاة والدين كلّه أمانة سَهُل عليك الأمرُ،<span class="c6"> وحقًّا هي أمانة يدلُّ عليها هذا الحديث وغيره كقوله تعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}</span> <span class="c5">[الأحزاب: 72]</span> إلى غير ذلك من الآيات مع _________ <span class="c2">(1)</span> لا تثبت قصة ثعلبة من وجه يصح، وانظر كتاب "ثعلبة من حاطب الصحابي المفترى عليه" لعداب الحمش.</p><p class="rtl left" id="p804"><span class="c2">(15/356)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p805">قوله صلّى الله عليه وآله وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له" <span class="c2">(1)</span>. رواه البيهقي في "شعب الإيمان" <span class="c2">(2)</span> عن أنس قال: قلّما خطَبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ قال. بل ظاهر هذا الحديث أنّ كلاًّ من الخيانة والغدر بالعهد كفرٌ على حِدَته.<span class="c6"> وأمّا قول من قال:</span> "المقصود بالنفاق النفاق اللغوي وهو مخالفة الباطن للظاهر" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> فيقال له:</span> كلامُ الشارع محمولٌ على اصطلاحه، ولا يحمل على خلافه إلا بدليلٍ ولا حاجة إليه.<span class="c6"> فخلاصة البحث:</span> أنّ من غلب عليه الكذب في الحديث، والغدرُ بالعهد، والخيانةُ بالأمانة مهما كانت= فهو منافقٌ خالصٌ.<span class="c6"> لا يقال:</span> إنّ الحديثين مُطْلِقان للأمانة وحديث مقاتل عن الحسن ــ إن صحّ ــ مقيِّدٌ لها بالدِّين فيُحْمَل المطلق على المقيّد؛<span class="c6"> لأننا نقول:</span> إنّما يُحْمَل المطلق على المقيَّد إذا كان ذكرُ المقيّد تأصيلاً، كذكر الغدر بالعهد في الحديث الثاني، وأمّا إذا ذُكِر تمثيلاً كحديث مقاتل فلا؛ لأنّه إنّما استدل على أنّ خيانة الأمانة _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه أحمد <span class="c2">(12383)</span>، وأبو يعلى <span class="c2">(2863)</span>، وابن حبان <span class="c2">(194)</span>، والبيهقي <span class="c2">(6/ 288)</span> وغيرهم من حديث أنسٍ رضي الله عنه. وسنده حسن. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4045)</span> وليس فيه هذا اللفظ،<span class="c6"> وهو في "سننه الكبرى":</span> <span class="c2">(6/ 288)</span>، وفي "مسند أحمد". <span class="c2">(3)</span> انظر "إكمال المعلم": <span class="c2">(1/ 222)</span> للقاضي عياض.</p><p class="rtl left" id="p806"><span class="c2">(15/357)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p807">من آيات النفاق بأنّ الله تعالى خصَّ المنافقين بتضييع الصلاة ونحوها، وهي من الأمانة، فتدبّر. على أنّه ما مِن واحدة من الثلاث إلا وقد ورد أنّها كفرٌ؛ فأمّا الخيانة والغدر بالعهد فقد مرّ حديث البيهقي،<span class="c6"> وأمّا الكذب فقوله تعالى:</span> <span class="c4">{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}</span> <span class="c5">[النحل: 105]</span> <span class="c2">(1)</span>، مع الحديث <span class="c5">[الذي]</span> <span class="c2">(2)</span> رواه مالكٌ والبيهقي في "شعب الإيمان": "أيكون المؤمن كذابًا" <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> والحديث الآخر وفيه:</span> "أيكذب المؤمن؟<span class="c6"> " قال:</span> "لا، <span class="c4">{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ... }</span> الآية" <span class="c2">(4)</span> وهو في "منتخب كنز العمال" وله طرقٌ.<span class="c6"> وحديث أحمد والبيهقي:</span> "يطبع المؤمن على الخلال _________ <span class="c2">(1)</span> وعنه صلّى الله عليه وآله وسلم في حديث رواه أبوداود <span class="c5">[3599]</span> قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح فلما انصرف قام قائمًا فقال: "عدلت شهادة الزور بالإشراك ثلاث مرات ثم قرأ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ <span class="c2">(30)</span> حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} <span class="c5">[الحج: 30 - 31]</span>. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(2)</span> زيادة ليستقيم السياق. <span class="c2">(3)</span> مالك في "الموطأ" <span class="c2">(2832)</span>، والبيهقي في "الشعب" <span class="c2">(4472)</span> من حديث صفوان بن سليم مرسلًا. <span class="c2">(4)</span> أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" <span class="c2">(474)</span> و"مكارم الأخلاق" <span class="c2">(140)</span>،<span class="c6"> والطبري في "تهذيب الآثار":</span> <span class="c2">(مسند علي ــ 224)</span> وغيرهم من طريق يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد عن أبي الدرداء.<span class="c6"> قال الذهبي في "الميزان":</span> عبد الله بن جراد مجهول لا يصح خبره؛ لأنه من رواية يعلى بن الأشدق الكذَّاب.</p><p class="rtl left" id="p808"><span class="c2">(15/358)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p809">كلها إلا الخيانة والكذب" <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> "يُطْبَع المؤمن" يدلّك على ما قلناه من شرط التكرار، ومثله قوله في حديث متفق عليه <span class="c2">(2)</span>: "وما يزال الرجل يكذبُ ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذابًا" <span class="c2">(3)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> أحمد <span class="c2">(22170)</span>، وابن أبي عاصم في "السنة" <span class="c2">(101)</span> من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبي عاصم <span class="c2">(102)</span>، والبيهقي في "الشعب" <span class="c2">(4471)</span> وغيرهم من حديث ابن عمر. وله شواهد أخرى، وكلها لا تخلو من ضعف. انظر "السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(3215)</span>. <span class="c2">(2)</span> البخاري <span class="c2">(6094)</span>، ومسلم <span class="c2">(2607)</span> واللفظ له من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .. <span class="c2">(3)</span> وأمّا قولهم في إخوة يوسف إنّ أباهم ائتمنهم على يوسف فخانوه ووعدوه بحفظه وأخلفوا وحدّثوه بأنّ الذئب أكله فكذبوا.<span class="c6"> فنقول:</span> أمّا الخيانة فوقعت، وكذا الكذب ولكن ذلك لم يتكرر منهم فضلاً عن أن يغلب عليهم، وأمّا إخلاف الوعد فقد قررنا أنه لا يكون آيةً للنفاق إلا أن يكون غدرًا بالعهد وقد رأيت حين أخذ عليهم أبوهم الموثق كيف حافظوا عليه فارتفع الإشكال، ولله الحمدُ.<span class="c6"> ثم إنَّ قصتهم هذه ممّا يُشكل على مذهب القائل:</span> إنّ الأنبياء معصومون عن الصغائر والكبائر قبل النبوة وبعدها: فأولاً: يُنظر هل هم أنبياء أم لا؟<span class="c6"> نقول:</span> إنّهم أنبياء لقوله تعالى: <span class="c4">{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}</span> <span class="c5">[البقرة: 136]</span>،<span class="c6"> وقوله جل شأنه:</span> <span class="c4">{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ}</span> <span class="c5">[النساء: 163]</span> إلى غير ذلك.<span class="c6"> ثم واقعتهم مع يوسف كانت قبل النبوة لقوله فيها:</span> {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ <span class="c2">(89)</span>}. وعلى هذا فيبقى الإشكال على قول إنّ الأنبياء معصومون قبل النبوة وبعدها. وأمّا المعصية التي ارتكبوها فالظاهر أنّها كبيرة،<span class="c6"> ولا يتخرّج هذا إلا على قول من قال:</span> إنّهم قبل النبوة غير معصومين، وهذا قول خطرٌ، فالأولى التوقّف حتى يبيّن الله تعالى الحقَّ في ذلك. والله وليُّ التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل. <span class="c5">[المؤلف]</span>.<span class="c6"> تنبيه:</span> من قوله: "ثم إنّ قصتهم ... " إلخ، وُجد بآخر الرسالة والظاهر أنها متعلقة بما تقدم في الحاشية من مسألة إخوة يوسف وما جرى لهم.</p><p class="rtl left" id="p810"><span class="c2">(15/359)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p811">ثم اعلم أن نقائض هذه الخصال من شعب الإيمان كما تدلّ على ذلك آيات القرآن،<span class="c6"> كقوله تعالى في وصف المؤمنين:</span> <span class="c4">{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}</span> <span class="c5">[المؤمنون: 8]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}</span> <span class="c5">[المؤمنون: 3]</span> وقوله ــ جلّ شأنه ــ في صفة عباده: <span class="c4">{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}</span> <span class="c5">[الفرقان: 72]</span>،<span class="c6"> وقوله:</span> <span class="c4">{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}</span> <span class="c5">[التوبة: 119]</span> إلى غير ذلك. وهذا آخر ما استرسل به القلم في هذا البحث، وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وجنَّبنا ما لا يحبه ويرضاه. وفقنا الله للإيمان، وجنّبنا مداحض الخذلان، وحَفِظَنا من الخسران، وأعاذنا من الشيطان، وكتب لنا النجاة من النيران، والخلود في الجنان في الرَّوح والريحان، والفضل والرضوان. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيّد ولد عدنان، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان. والحمد لله رب العالمين. والله وليُّ التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.</p><p class="rtl left" id="p812"><span class="c2">(15/360)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p28"><a id="t28" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t28">الرسالة الثالثة عشرة التعليق على "الأربعين في التصوف" للسلمي</a></h2><p class="rtl left" id="p813"><span class="c2">(15/361)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p814">الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله. اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد، فإنه عَرَض عليَّ مجلسُ <span class="c2">(دائرة المعارف العثمانية)</span> كتاب <span class="c2">(الأربعين في التصوّف)</span> لأبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السُّلَمي النيسابوري، وهو كتاب يشتمل على أربعين حديثًا تتعلق بالتصوّف، فقرَّر المجلس طَبْعه في مطبعة الدائرة، وأن يُرتّب ويُطبع معه تعليق يتضمّن النظرَ في حال تلك الأحاديث صحةً أو ضعفًا، فأُمِرتُ بترتيب ذاك التعليق، فحاولت أن أقوم بما تيسّر لي من ذلك،<span class="c6"> وأقدِّم قبل ذلك التنبيهَ على أمور:</span> الأول: رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثٌ لفظه: "مَن حفظ على أمتي أربعين حديثًا من السنة كنت له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة" <span class="c2">(1)</span>. قال النووي <span class="c2">(2)</span>: "اتفق الحفّاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه". فعمل جماعةٌ بما فهموه من هذا الحديث، فجمع كل منهم أربعين حديثًا في مؤلَّف. _________ <span class="c2">(1)</span> هذا الحديث له طرق كثيرة وألفاظ متعددة، خرّجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" <span class="c2">(161 - 184)</span> من طريق ثلاثة عشر صحابيًّا، وضعَّفه من جميع طرقه، واتفقت كلمة الحفاظ على تضعيفه. وانظر "المقاصد الحسنة" <span class="c2">(ص 411)</span>،<span class="c6"> و"البدر المنير":</span> <span class="c2">(7/ 278)</span>. <span class="c2">(2)</span> في خطبة "الأربعين" <span class="c2">(ص 5)</span>.</p><p class="rtl left" id="p815"><span class="c2">(15/363)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p816">وقد ذكر صاحب "كشف الظنون" <span class="c2">(1)</span> طائفة كثيرة من الأربعينات،<span class="c6"> وذكر عن النووي أنّ أول مَن عَلِمه عَمِل ذلك:</span> عبد الله بن المبارك المتوفى سنة 188، ثم تعدّى الأمر إلى غير الحديث، فألّف فخر الدين الرازي المتوفى سنة <span class="c5">[606]</span> <span class="c2">(2)</span> مؤلّفًا في علم الكلام يشتمل على أربعين مسألة، وسمَّاه "كتاب الأربعين في أصول الدين". وقد طُبع في دائرة المعارف سنة <span class="c5">[1353]</span> <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> الأمر الثاني:</span> الأحاديث المرويّة على ثلاثة أقسام: الأول: ما حقّه أن يُحكم بثبوته.<span class="c6"> الثاني:</span> ما حقّه أن يُحكم ببطلانه.<span class="c6"> الثالث:</span> ما هو على الاحتمال، لا يترجّح فيه جانب الثبوت ولا جانب البطلان. وكان المتثبّتون من أئمة الحديث يحتاطون في الرواية، فيروون ما تبيّن لهم أنه من القسم الأول، ولا يروون ما تبيَّن أنه من القسم الثاني إلا إذا احتاجوا إلى بيان بطلانه أو جرح راويه، أو تعليل حديثٍ آخر به، أو نحو ذلك، فحينئذٍ يروونه ويبيّنون بطلانه. وأما القسم الثالث، فإن كان فيه حُكم أو سُنَّة لم تثبت بغيره لم يرووه إلا مع بيان أنه لا يصلح للحجة وحده، وإن كان على خلاف ذلك تسهَّلوا في _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 52 - 61)</span>. <span class="c2">(2)</span> ترك المؤلف سنة وفاته بياضًا. <span class="c2">(3)</span> ترك المؤلف سنة الطبع بياضًا.</p><p class="rtl left" id="p817"><span class="c2">(15/364)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p818">روايته، وذلك كأنْ يكون فيه حُكْم أو سُنَّة ثابتة بغيره، أو يكون فيه ترغيب في عمل ثابت، كالصلوات الخمس وقيام الليل وصيام رمضان، أو تنفير عما ثبتت حُرمته، كالزنا والربا وشرب الخمر. وقد عقد الخطيب البغداديّ لهذا المطلب بابًا في "الكفاية" ص 133. وكان الأئمة كما يحتاطون في أنفسهم يبينون لمن دونهم من الرواة الذين لا يتمكّنون من التمييز،<span class="c6"> فيقولون:</span> لا ترووا عن فلان،<span class="c6"> أو:</span> لا ترووا عن فلان إلا ما كان في الرقائق،<span class="c6"> ويقولون للراوي:</span> لا تروِ هذا الحديث.<span class="c6"> ثم كثُر التساهل من جهتين:</span> الأولى: قول بعض المتأخرين: إنه يجوز العمل بالحديث الضعيف،<span class="c6"> وزاد غيره فقال:</span> بل يُستحبّ، وقد كشف غلط هؤلاء أبو إسحاق الشاطبي في "الاعتصام" ج 1 ص 303 - 308.<span class="c6"> الجهة الثانية:</span> تساهل الحُفَّاظ في رواية كل ما سمعوه بلا بيان، وإن كان من القسم الثاني فضلًا عن الثالث. وكانوا يعتذرون بأنهم لم يلتزموا الصحة، وقد بيَّنوا الأسانيد، فمَن أحبّ معرفة صحة الحديث أو بطلانه أو ضعْفه فعليه أن ينظر في إسناده ويسأل العلماء. وأُلفت على هذه الطريقة كثير من المؤلفات، ثم جاء قوم فحذفوا الأسانيد واقتصروا على جمع الأحاديث منسوبةً إلى الكتب المسندة فيها، ثم جاء آخرون فأخذوا كثيرًا من تلك الأحاديث فضمّنوها مؤلفاتهم غير مسندة ولا منسوبة. <span class="c5">[ص 2]</span> والسُّلمي أورد في "الأربعين" الأحاديث بأسانيدها، وفيها من الأقسام الثلاثة كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.</p><p class="rtl left" id="p819"><span class="c2">(15/365)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p820">الأمر الثالث: لا يلزم من ضعف السند ضعف الحديث لاحتمال أن يكون ثابتًا بإسنادٍ آخر، وقد لا يكون ثابتًا ولكن معناه ثابت بدليل آخر من الكتاب أو السنة أو الإجماع. وكذلك لا يلزم من ثقة رجال الإسناد وثبوت أنَّ كلًّا منهم قد لقي شيخَه أن يكون الحديث صحيحًا، لاحتمال أن يكون هناك خطأ أو غلط لو فتَّش عنه العارفُ الماهرُ لوَجَده.<span class="c6"> فلهذا كان الواجب على مَن يتكلّم في الأحاديث ولم يبلغ درجة التحقيق أو لم يعمل بِحَسَبها أن يحتاط فيقول في التضعيف:</span> "لا يصح بهذا السند"، "في سنده فلان وهو ضعيف" أو نحو ذلك.<span class="c6"> ويقول في التصحيح:</span> "رجاله ثقات" أو "رجاله رجال الصحيح" أو نحو ذلك، فإذا كان بعض الأئمة قد ضعَّف الحديث أو صحّحه أحال عليه.<span class="c6"> الأمر الرابع:</span> الإنسان مُولَعٌ بالحرص على التفوّق بأن يُظهر أن عنده ما ليس عند غيره،<span class="c6"> فرواة الحديث يحرصون على شيئين:</span> الأول: علوّ الإسناد، بأن يكون الحديث عند الرجل بوسائط أقل مما عند نُظرائه، كأن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة، وبين نُظرائه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر من ذلك.<span class="c6"> الثاني:</span> الغرابة، كأن يكون عنده أحاديث لا توجد عند غيره، أو تكون عنده وعندهم من وجوه مشهورة، وهي عنده من أوجهٍ أخرى ليست عندهم. وكثيرًا ما جرّ الحرص على العلوّ والغرابة إلى تقديم الصحيح على الأصح، والضعيف على الصحيح، والغلط على الصواب، والباطل على</p><p class="rtl left" id="p821"><span class="c2">(15/366)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p822">الثابت، بل جرَّ بعضَ من لا خير فيه إلى الكذب، وأوقع بعضَ أهلَ الصدق في أن اتُّهم بالكذب، ومنهم السلميّ؛ فإن أكثر مطالبه التي ترجم بها في "الأربعين" استدلّ عليها بأحاديث واهية ــ كما ستراه ــ وقد كان يمكنه أن يستدلّ بما هو أثبت منها، كما سأنبّه على بعضه، ولكن الحرص على العلوّ والغرابة أوقعه في اختيار تلك الواهيات.<span class="c6"> الأمر الخامس:</span> إذا كان الحديث صحيحًا فلابدّ أن يكون مرويًّا في القرون الأولى كما هو واضح، لكن كانت الأحاديث أولًا منتشرة، فقد يكون الحديث مرويًّا معروفًا عند أهل الشام ولم يبلغ أهلَ اليمن مثلًا، وقِس على ذلك، فلم يزل أهل الحديث يرحلون ويجمعون، حتى كان في أوائل القرن الثالث أئمة لا يكاد يوجد حديث صحيح لا يعرفونه، كالإمام أحمد ويحيى بن معين ثم البخاري وأبو حاتم وأبو زُرعة، وحينئذٍ أُلّفت الكتب من مسانيد ومصنفات. فإذا وُجِد في كتب المتأخرين حديث لا يوجد في كتب المتقدمين فتلك علامة ظاهرة على وهنه، فإما أن يكون كذبًا خطأً أو عمدًا، وإما أن يكون مما تركه المتقدمون عمدًا لعلمهم ببطلانه.<span class="c6"> الأمر السادس:</span> الأحاديث التي لا توجد إلا في التواريخ وكتب الرجال عامتها ضعيفة جدًّا؛ لأن أهل التواريخ إنما يذكرونها غالبًا للطعن على الراوي الذي تفرَّد بها؛ ولهذا الأمر والذي قَبْله قال السيوطي في مقدمة "جمع الجوامع" <span class="c2">(1)</span> كما نقله علي المتقّي في مقدمة "كنز العمال" <span class="c2">(2)</span>: أن ما نَسبَه إلى كتاب "الضعفاء" للعُقيلي، أو "الكامل" لابن عدي، أو "تاريخ _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 44 ــ ط الأزهر)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 10)</span>.</p><p class="rtl left" id="p823"><span class="c2">(15/367)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p824">بغداد" للخطيب، أو "تاريخ دمشق" لابن عساكر، أو "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي، أو "تاريخ نيسابور" للحاكم، أو "تاريخ ابن الجارود" أو إلى "مسند الفردوس" للديلمي= "فهو ضعيف، فيُستغنَى بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه".<span class="c6"> الأمر السابع:</span> المؤلفون في استدلالهم بالأحاديث على قسمين: الأول: مَن يكون اعتقاده مبنيًّا على دليل يريد أن يبيّنه، فيذكر المسألة ثم يذكر الدليل الذي لأجله اعتقد ما اعتقد.<span class="c6"> الثاني:</span> مَن يكون اعتقاده مبنيًّا <span class="c5">[3]</span> على أمر آخر، ويريد أن يستدلّ عليه بالحديث، وذلك كالمقلّد يعتقد المسألة تقليدًا ثم يحاول الاستدلال بالحديث. فالأول بمنزلة القاضي العادل، والثاني بمنزلة المدعي أو المحامي عنه؛ ولهذا يغلب في القسم الأول صحة الدليل وصحة دلالته، ويكثر في الثاني خلاف ذلك. والسلميّ من القسم الثاني كما سيتبيّن لك، والله المستعان. وأَشْرعُ في الكلام على الأحاديث بحسب ترتيبها.</p><p class="rtl left" id="p825"><span class="c2">(15/368)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p826">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صلى الله على سيدنا محمد وسلم. أخبرني شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر رحمه الله،<span class="c6"> عن أبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد قراءة قال:</span> أنبأنا أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم ابن النشو إجازة، أنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن رواج، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي، أنا أبو الطيب طاهر بن المسدد الجنزي، أنا أبو الحسن علي بن عبد الرحمن النيسابوري، أنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي رحمه الله قال <span class="c2">(1)</span>. <span class="c5">[1]</span> باب الدليل على أن الصوفية هم رُفقاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> أخبرنا محمد بن محمد بن سعيد الأنماطي ثنا الحسن بن علي بن يحيى بن سلام ثنا محمد بن علي الترمذي ثنا سعيد بن حاتم البلخي ثنا سهل بن أسلم عن خلاد بن محمد عن أبي حمزة السكري عن يزيد النحوي عن عكرمة:</span> عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا على أصحاب الصُّفّة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم،<span class="c6"> فقال:</span> "أبشروا يا أصحاب الصُّفة من بقي من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيًا بما فيه فإنه من رُفقائي يوم القيامة".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> رجال السند بين المؤلف وبين أبي حمزة السُّكّري لم أعرفهم إلا محمد بن عليّ الترمذي، وهو الحكيم الترمذي المشهور، ترجمته في _________ <span class="c2">(1)</span> بعدها في <span class="c2">(ط)</span>: " <span class="c5">[اتصل]</span> هكذا بين معكوفين، ولم يتضح لي المراد منها.</p><p class="rtl left" id="p827"><span class="c2">(15/369)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p828">"لسان الميزان" ج 5 ص 308 <span class="c2">(1)</span>، والحديث في "كنز العمال" ج <span class="c5">[16577]</span> <span class="c2">(2)</span> نَسبَه إلى "تاريخ بغداد" <span class="c2">(3)</span> فقط. وقد تقدّم في الأمر السادس من المقدمة <span class="c2">(4)</span> قول السيوطي: إن ما ينسبه إلى "تاريخ بغداد" أو إلى "نوادر الأصول" للحكيم الترمذي فهو ضعيف <span class="c2">(5)</span>. * * * * <span class="c5">[2]</span> باب من صفة الفقراء أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن متويه البلخي ثنا فهدي بن جَسْنَسْفَنَّة ثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني ثنا الوازع بن نافع عن أبي سلمة: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حوضي ما بين عدن إلى عَمّان؛ شرابه أبيض من اللبن وأحلى من العسل، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وأول مَن يَرِدُه صعاليك المهاجرين"،<span class="c6"> قلنا:</span> ومَن هم يا رسول الله؟<span class="c6"> قال:</span> "الدُّنْس الثياب، الشُّعْث الرؤوس، الذين لا تُفْتَح لهم أبواب السُّدَد، ولا يزوَّجون المنعّمات، الذين يُعطُون ما عليهم ولا يُعطَون ما لهم،<span class="c6"> وليأتينَّ أقوام فيقولون:</span> أنا فلان بن فلان ولأقولن: إنكم بدّلتم بعدي". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(7/ 386 - 389 - ط المحققة)</span>. <span class="c2">(2)</span> ترك المؤلف بقية الإحالة غفلًا فأكلمته برقم الحديث فيه. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(13/ 276)</span> أخرجه من طريق السلمي. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(ص 367)</span>. <span class="c2">(5)</span> والحديث أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس". وذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(1589)</span> وقال: ضعيف جدًّا مظلم ...</p><p class="rtl left" id="p829"><span class="c2">(15/370)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p830">قال المعلمي: في سنده الوازع بن نافع، ضعيف جدًّا.<span class="c6"> قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو داود:</span> "ليس بثقة". والكلام فيه كثير، راجع ترجمته في "لسان الميزان" ج 6 ص 213 <span class="c2">(1)</span>. لكن قد جاء الحديث مع اختلاف غير كثير من غير طريقه. راجع "مسند أحمد" ج 5 ص 275 <span class="c2">(2)</span>، و"المستدرك" ج 4 ص 184 <span class="c2">(3)</span>. * * * * <span class="c5">[3]</span> باب استعمال الخُلُق ولو مع الكفار أخبرنا زاهر بن أحمد الفقيه ثنا علي بن محمد بن الفرج الأهوازي ثنا سليمان بن الربيع الخزاز ثنا كادح بن رحمة عن أبي أمية بن يعلى عن سعيد بن أبي سعيد: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أوحى الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم عليه السلام: إنك خليلي، حَسِّن خُلقك ولو مع الكفار تدخل _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(8/ 367)</span>. <span class="c2">(2)</span> رقم <span class="c2">(6162)</span> من حديث عبد الله بن عمر. <span class="c2">(3)</span> راويه عن أبي سلمة ــ وهو الوازع ــ مُجمع على ضعفه، فقد روى أحاديث موضوعة. لكن أخرج هذا الحديث الترمذي <span class="c2">(2444)</span>، وأخرجه ابن ماجه <span class="c2">(4303)</span> وأحمد <span class="c2">(22367)</span>، والطيالسي في "مسنده" <span class="c2">(1088)</span> ومن طريقه البيهقي في "الشعب" <span class="c2">(10003)</span>،<span class="c6"> والحاكم في "المستدرك":</span> <span class="c2">(4/ 184)</span> وغيرهم من طرقٍ عن محمد بن مهاجر عن العباس بن سالم عن أبي سلام ممطور الحبشي.<span class="c6"> قال الترمذي:</span> غريب من هذا الوجه، ونحوه قال الطبراني في "الأوسط"، وحسَّن إسناده البزار،<span class="c6"> وقال الحاكم:</span> "صحيح الإسناد".</p><p class="rtl left" id="p831"><span class="c2">(15/371)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p832">مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حَسُن خلقه، أظِلُّه تحت عرشي وأُسكنه حظيرة قدسي، وأُدْنيه من جواري".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده ثلاثة في نَسَق ضعفاء جدًّا.<span class="c6"> الأول:</span> أبو أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي.<span class="c6"> قال فيه ابن معين:</span> "متروك الحديث"،<span class="c6"> وقال البخاري:</span> "سكتوا عنه". وراجع "لسان الميزان" ج 1 ص 445 <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> الثاني:</span> سليمان بن <span class="c2">(2)</span> الربيع النهدي.<span class="c6"> تركه الدارقطني وقال:</span> "ضعيف". راجع "لسان الميزان" ج 3 ص 91 <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> الثالث:</span> كادح بن رحمة.<span class="c6"> قال فيه ابن عدي:</span> "أحاديثه غير محفوظة ولا يُتابع في أسانيده ولا في متونه".<span class="c6"> وقال الحاكم وأبو نعيم:</span> "روى عن مِسْعر والثوري أحاديث موضوعة". راجع "لسان الميزان" ج 4 ص 480 <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 186)</span>. <span class="c2">(2)</span> وقع في الأصل: "بن أبي" سبق قلم. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(4/ 152)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(6/ 407)</span>. <span class="c2">(5)</span> ذكر السخاوي في تخريجه <span class="c2">(3)</span> أن كادحًا ضعيف جدًّا لكن لم ينفرد به، فقد رواه الطبراني في "الأوسط" وعنه أبو نعيم في "الأربعين".<span class="c6"> قال الطبراني:</span> لا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد.<span class="c6"> قال:</span> ومداره على إسماعيل بن يعلى بن أُمية، وهو ضعيف عندهم.</p><p class="rtl left" id="p833"><span class="c2">(15/372)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p834"><a id="note_4" class="anchor"></a><a href="#ref_4" name="n_4" class="fnote_ref">[<span>4</span>]</a> باب فيمن تخلّى من جميع ماله ثقةً بالله عز وجل أخبرنا أبو الحسن محمد <span class="c5">[بن محمد بن الحسن]</span> بن الحارث الكارزي أنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم الفضل بن دُكين ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر يقول: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا كان عندي،<span class="c6"> فقلت:</span> اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماذا أبقيتَ لأهلك؟<span class="c6"> " قلت:</span> مثله.<span class="c6"> وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال:</span> "يا أبا بكر، ماذا أبقيتَ لأهلك؟<span class="c6"> " قال:</span> اللهَ ورسولَه،<span class="c6"> قلت:</span> لا أسابقك إلى شيء أبدًا.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "سنن أبي داود" ج 4 ص 235 <span class="c2">(1)</span> في كتاب الردة <span class="c2">(2)</span>، و"سنن الترمذي" ج 2 ص 292 <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> وقال:</span> "حديث حسن صحيح"،<span class="c6"> و"المستدرك" ج 1 ص 414 وقال:</span> "صحيح على شرط مسلم" وأقرّه الذهبي <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(5)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1678)</span>.<span class="c6"> كتب المؤلف فوقها بقلم الرصاص:</span> "الهند سنة 1371" يقصد تاريخ طبعة السنن التي يعزو إليها. <span class="c2">(2)</span> "في كتاب الردة" ملحقة بقلم الرصاص بخط المؤلف. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3675)</span>.<span class="c6"> كتب المؤلف فوقها بقلم الرصاص:</span> "مصر سنة 1393" يشير إلى سنة طبع نسخته من الترمذي. <span class="c2">(4)</span> قال السخاوي: مسلم لم يخرج لهشام بن سعد أصلًا، إنما أخرج له متابعة. لكن قال البزّار <span class="c2">(1/ 394)</span>: وهشام لم أر أحدًا يتوقّف في حديثه لعلّة توجب التوقّف.<span class="c6"> وكتب المؤلف بعده بقلم الرصاص:</span> "قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا". <span class="c2">(5)</span> وأخرج الحديث الدارمي في "مسنده" <span class="c2">(1701)</span>، وابن أبي عاصم <span class="c2">(1240)</span>، والضياء في "المختارة"، وغيرهم.</p><p class="rtl left" id="p835"><span class="c2">(15/373)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p836"><span class="c5">[5]</span> باب في جواز الكرامات للأولياء أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا أحمد بن عبد الوارث بن جرير العسال بمصر أنا الحارث بن مسكين أنا ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع: عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه بعث جيشًا فأمَّر عليهم رجلًا يدعى سارية،<span class="c6"> فبينما عمر يخطب فجعل يصيح:</span> يا ساريةَ الجبل، يا ساريةَ الجبل. فقَدِم رسولٌ من الجيش،<span class="c6"> فقال:</span> يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا،<span class="c6"> فإذا صائح يصيح:</span> يا سارية الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله تعالى،<span class="c6"> فقلنا لعمر:</span> كنت تصيح بذلك.<span class="c6"> قال ابن عجلان:</span> وحدثني إياس بن معاوية بن قرة أنا عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا أيوب بن محمد الوزان ثنا خطاب بن سلمة الموصلي ثنا عمر <span class="c2">(1)</span> بن أبي الأزهر عن مالك بن أنس عن نافع: عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه خطب يومًا بالمدينة فقال: يا سارية الجبل من استرعى الذئب فقد ظلمه،<span class="c6"> فقيل:</span> يذكر السارية والسارية بالعراق فقال الناس لعلي رضي الله عنه: ما سمعت <span class="c5">[عمر]</span> <span class="c2">(2)</span> يقول: يا سارية وهو يخطب على المنبر؟<span class="c6"> فقال:</span> ويحكم دعوا عمر فإنه ما دخل في شيء إلا خرج منه،<span class="c6"> فلم يلبث إلا يسيرًا حتى قدم سارية فقال:</span> سمعت صوتَ عمرَ فصعدت الجبلَ. _________ <span class="c2">(1)</span> في المصادر: "عمرو". وعمرو بن الأزهر ممن رُمي بالوضع. <span class="c2">(2)</span> في المطبوعة "عمن" والتصحيح من هامشها.</p><p class="rtl left" id="p837"><span class="c2">(15/374)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p838">قال المعلمي: القصة بالسند الأول أخرجها البيهقي في "الدلائل" <span class="c2">(1)</span> وجماعة، ذكر ذلك ابن حجر في ترجمة سارية من "الإصابة" <span class="c2">(2)</span> وقال: "وهذا إسناد حسن". وفي السند يحيى بن أيوب الغافقي صدوق يخطئ لا يحتجّ بما ينفرد به. راجع ترجمته في "الميزان" ج 3 ص 282 <span class="c2">(3)</span>، و"تهذيب التهذيب" ج 11 ص 186. ورويت القصة من وجوه أخرى ضعيفة كما في "الإصابة". وأما السند الثاني <span class="c2">(4)</span> ففيه خطاب بن سلمة وشيخه لم أعرفهما <span class="c2">(5)</span>. * * * * <span class="c5">[6]</span> باب استعمال مكارم الأخلاق والحث على الإنفاق كراهية الادخار والوقوف عند الشبهات أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن محمد بن رجاء ثنا أبو الطيب الزراد المنبجي،<span class="c6"> ثنا هلال بن العلاء ثنا عمر بن حفص ثنا حوشب ومطر عن الحسن:</span> عن عمران بن حصين قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> بطرف عمامتي من ورائي ثم قال:</span> يا عمران، إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار، فكُلْ وأطعم ولا تصره صرًّا _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(6/ 370)</span> من طريق السلمي. وذكر الحافظ معه اللالكائي في "شرح السنة" والديرعاقولي في "فوائده" وابن الأعرابي في "كرامات الأولياء". <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3/ 6)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(4/ 362)</span>. <span class="c2">(4)</span> أخرجه اللالكائي في "كرامات الأولياء" <span class="c2">(67)</span>، والخطيب في "الرواة عن مالك". <span class="c2">(5)</span> وللقصة شواهد أخرى. انظر "المقاصد الحسنة" <span class="c2">(ص 474)</span>.</p><p class="rtl left" id="p839"><span class="c2">(15/375)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p840">فيعسر عليك الطلب، واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشبهات، والعقل الكامل عند نزول الشهوات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "كنز العمال" ج 3 ص 313، نسَبه إلى "تاريخ ابن عساكر" <span class="c2">(1)</span> فقط، وقد تقدم في الأمر السادس من المقدمة <span class="c2">(2)</span> قول السيوطي: إن ما كان كذلك فهو ضعيف. وفي السند عمر بن حفص لم أعرفه، وفي الضعفاء بهذا الاسم جماعة، والله أعلم <span class="c2">(3)</span>. * * * * <span class="c5">[7]</span> باب في صفة المؤمنين وصفة العلماء أخبرنا أحمد بن محمد القحطي التاجر ثنا محمد بن أحمد بن ثوبان ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا أبو الصلت الهروي ثنا يوسف بن عطية عن قتادة عن الحسن: _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(52/ 138)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 7)</span>. <span class="c2">(3)</span> والحديث أخرجه البيهقي في "الزهد"، وأبو نعيم في "الأربعين".<span class="c6"> قال البيهقي:</span> تفرّد به عمر بن حفص.<span class="c6"> وقال السخاوي في "تخريجه":</span> "لكن العلاء والد هلال قال فيه أبو حاتم: "منكر الحديث،<span class="c6"> ضعيف" وقال ابن حبان:</span> "لا يجوز الاحتجاج به، وكذا ضعَّفوا شيخه عمر بن حفص. وأما رواية الحسن عن عمران فجزم ابن معين وابن المديني وأبو حاتم وآخرون بأنه لم يسمع منه وهو المعتمد".</p><p class="rtl left" id="p841"><span class="c2">(15/376)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p842">عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلِّي ولكن ما وَقَر في القلب وصدَّقه العمل،<span class="c6"> والعلم علمان:</span> علم باللسان وعلم بالقلب، فعلم القلب النافع وعلم اللسان حجة الله على ابن آدم.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده ضعيفان: الأول: أبو الصلت الهروي، واسمه عبد السلام بن صالح، أثنى عليه ابن معين ووهّنه الأكثرون.<span class="c6"> قال النسائي:</span> "ليس بثقة"،<span class="c6"> وقال أبو حاتم:</span> "لم يكن بصدوق وهو ضعيف" وضرب أبو زرعة على حديثه وقال: لا أحدِّث عنه ولا أرضاه. راجع "الميزان" ج 2 ص 139 <span class="c2">(1)</span>، و"تهذيب التهذيب" ج 6 ص 319، وفيه ج 7 ص 388 عدة مناكير الحَمْلُ فيها على أبي الصلت. وراجع كتاب ابن أبي حاتم ج 3 قسم 1 ص 48 رقم 357.<span class="c6"> والثاني:</span> يوسف بن عطية بن ثابت الصفّار. قال فيه ابن معين وأبو داود "ليس بشيء" وقال <span class="c5">[ص 4]</span> البخاري: "منكر الحديث" وقال أبو حاتم وأبو زرعة والعجلي والدارقطني: "ضعيف الحديث". وراجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 11 ص 418.<span class="c6"> والحديث قطعتان:</span> الأولى: إلى قوله: "وصدّقه العمل" ذكرها السيوطي مفردة في "الجامع الصغير" <span class="c2">(2)</span> ونَسَبها إلى "تاريخ ابن النجّار" و"مسند الفردوس"، وقد مرّ في _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3/ 330)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(5/ 355 ــ مع شرحه "فيض القدير")</span>.</p><p class="rtl left" id="p843"><span class="c2">(15/377)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p844">الأمر السادس من المقدمة <span class="c2">(1)</span> ما يعلم منه أن مثل ذلك ضعيف.<span class="c6"> القطعة الثانية:</span> قوله: "العلم علمان ... " إلخ نسبها في "الجامع الصغير" <span class="c2">(2)</span> إلى ابن أبي شيبة والحكيم الترمذي، وأنها عندهما عن الحسن البصري مرسلًا، ونسبَها أيضًا إلى "تاريخ بغداد"، وأنها فيه من حديث جابر.<span class="c6"> وفي شرح الجامع الصغير ج 2 ص 439:</span> "قال المنذري: حديث صحيح" يعني القطعة الثانية، والله أعلم. ثم رأيت القطعة الثانية في "تاريخ بغداد" ج 3 ص 346 من طريق يحيى بن يمان عن هشام عن الحسن عن جابر. والحديث في مصنّف ابن أبي شيبة رواه عن ابن نُمير عن هشام عن الحسن مرسلًا، وهذا أصحّ، يحيى بن يمان تغيّر حفظه وكثر خطاؤه، كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب" ج 11 ص 306، وعبد الله بن نُمير أثبت منه بكثير، انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 6 ص 57 <span class="c2">(3)</span>. * * * * <span class="c5">[8]</span> باب في الاكتفاء من الدنيا بأقلّ القليل وكراهية مخالطة الأغنياء أخبرنا إبراهيم بن أحمد بن محمد البزاري أنا الحسن بن سفيان ثنا مخلد بن محمد ثنا سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان الأنصاري عن عروة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أردْتِ اللحوق بي فليكْفِك من الدنيا بقدر زاد الراكب، وإياك ومخالطة الأغنياء". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 367)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 512 ــ مع شرحه)</span>. <span class="c2">(3)</span> وانظر تخريج السخاوي <span class="c2">(7)</span>.</p><p class="rtl left" id="p845"><span class="c2">(15/378)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p846">قال المعلمي: في سنده صالح بن حسّان قال فيه الإمام أحمد وابن معين: "ليس بشيء"،<span class="c6"> وقال البخاري وأبو حاتم:</span> "منكر الحديث". راجع "تهذيب التهذيب" ج 4 ص 384. والحديث ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" <span class="c2">(1)</span> وأعلّه بصالح بن حسان. راجع "اللآلئ المصنوعة" ج 2 ص 173 <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ج 4 ص 312 من وجهٍ آخر عن سعيد بن محمد الورّاق عن صالح بن حسّان وقال:</span> "صحيح الإسناد" تعقّبه الذهبي فقال: "قلت: الورّاق عدم" يعني أنه شديد الضَّعْف.<span class="c6"> أقول:</span> وصالح بن حسّان مثله أو أضعف. أخرجه الترمذي في آخر كتاب اللباس <span class="c2">(3)</span> وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث صالح بن حسّان،<span class="c6"> سمعت محمدًا يقول:</span> صالح بن حسّان منكر الحديث، وصالح بن <span class="c5">[أبي]</span> حسّان الذي روى عنه ابنُ أبي ذئب ثقة ... إلخ. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1618)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2/ 323)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(1780)</span>.</p><p class="rtl left" id="p847"><span class="c2">(15/379)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p848"><span class="c5">[9]</span> باب في القناعة أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الربيع بن سليمان ثنا أسد بن موسى ثنا أبو بكر الداهري ثنا ثور <span class="c2">(1)</span> بن يزيد عن خالد بن مهاجر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ابنَ آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابنَ آدم لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، إذا أصبحتَ معافًى في جسمك، آمنا في سِرْبك، عندك قوت يومك؛ فعلى الدنيا العفاء".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده أبو بكر الداهري، واسمه عبد الله بن حكيم،<span class="c6"> قال فيه الإمام أحمد وابن المديني:</span> "ليس بشيء"،<span class="c6"> وقال ابن معين والنسائي:</span> "ليس بثقة". وراجع ترجمته في "لسان الميزان" ج 3 ص 277 <span class="c2">(2)</span>، والحديث في "كنز العمال" <span class="c5">[7081]</span> <span class="c2">(3)</span> منسوبًا إلى "كامل ابن عديّ" <span class="c2">(4)</span> وغيره <span class="c2">(5)</span>. * * * * <span class="c5">[10]</span> باب في طلب المدعين بصحة دعواهم أخبرنا علي بن الفضل بن محمد بن عقيل ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ط)</span>: "سرير" والتصحيح من هامشها كما في نسخة من الأربعين. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4/ 464)</span>. <span class="c2">(3)</span> تركه المؤلف بياضًا، فأضفنا الرقم. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(4/ 140)</span>. <span class="c2">(5)</span> والحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط" <span class="c2">(8875)</span> والبيهقي في "الشعب" <span class="c2">(9876)</span> ولكنه عند الطبراني من حديث عمر، فإن كان كذلك فهو منقطع، وللحديث شواهد.</p><p class="rtl left" id="p849"><span class="c2">(15/380)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p850">الحضرمي ثنا محمد بن العلاء ثنا زيد ثنا ابن لهيعة ثنا خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن أبي الجهم: عن الحارث بن مالك رضي الله عنه أنه مرّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> فقال له:</span> "كيف أصبحت يا حارثة"، فقال أصبحت مؤمنًا حقًّا،<span class="c6"> فقال:</span> "انظر ما تقول إن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟<span class="c6"> " قال:</span> عَزفَتْ نفسي عن الدنيا كأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون،<span class="c6"> فقال:</span> "يا حارثة عرفت فالزم" قالها ثلاثًا.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده ابن لهيعة واسمه عبد الله مشهور بالضعف، راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 5 ص 373. وللحديث طُرق أخرى <span class="c2">(1)</span>. راجع "الإصابة" <span class="c2">(2)</span> ترجمة الحارث بن مالك بن قيس،<span class="c6"> وفيها عن ابن صاعد:</span> "هذا الحديث لا يثبت موصولًا". * * * * <span class="c5">[11]</span> باب المجاهدة في استواء السر مع الظاهر أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد بن أحمد الرازي ثنا علي بن سعيد العسكري ثنا عباد بن الوليد ثنا أبو شيبان كثير بن شيبان ثنا الربيع بن بدر عن راشد بن محمد قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة من يرى الناس فيه خيرًا ولا خير فيه". _________ <span class="c2">(1)</span> فقد رُوي من حديث أنس بن مالك، ومن مرسل زيد السلمي وزبيد اليامي. راجع تخريج السخاوي <span class="c2">(10)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(1/ 596)</span>.</p><p class="rtl left" id="p851"><span class="c2">(15/381)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p852">قال المعلمي: الحديث في "الجامع الصغير" مع شرحه ج 1 ص 203 ونَسَبه إلى هذا الكتاب "الأربعين للسلمي" وإلى "مسند الفردوس".<span class="c6"> قال الشارح:</span> "وهو حديث ضعيف. وصاحب الفرودس متأخر فلعلّه إنما أخذه من هذا الكتاب، فيكون مما انفرد به المؤلف.<span class="c6"> وفي سند المؤلف:</span> الربيع بن بدر، ضعيف جدًّا، راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 3 ص 239. * * * * <span class="c5">[12]</span> باب المواظبة على الذكر والشكر والصبر أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر ثنا آدم بن موسى الولاهنجي ثنا محمود بن غيلان ثنا المؤمل ثنا حماد بن سلمة عن طلق بن حبيب: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أربع من أعطيهن فقد أُعْطي خيرَ الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، ونفسًا على البلاء صابرًا، وثقةً بما تكفّل الله".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "الجامع الصغير" مع الشرح ج 1 ص 178 بلفظ: " ... والآخرة لسان ذاكر وقلب شاكر، وبَدَن على البلاء صابر، وزوجة لا تبغيه خونًا في نفسها". ونَسَبه إلى الطبراني في "الكبير" <span class="c2">(1)</span> والبيهقي في "الشعب" <span class="c2">(2)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(11275)</span>،<span class="c6"> وأخرجه أيضًا أبو نعيم في "الحلية":</span> <span class="c2">(3/ 65)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(4115)</span>.</p><p class="rtl left" id="p853"><span class="c2">(15/382)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p854">وفي الشرح: "قال العلقمي: بجانبه علامة الحُسْن" <span class="c2">(1)</span>. وفي سنده المؤمّل بن إسماعيل، وثّقه ابنُ معين وضعَّفه الأكثرون لكثرة غلطه. راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 1 ص 380. * * * * <a id="note_13" class="anchor"></a><a href="#ref_13" name="n_13" class="fnote_ref">[<span>13</span>]</a> باب في سبيل المنقطعين إلى الله تعالى أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي الحسن بن منصور ثنا إسحاق ابن أبي حسان الأنماطي ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ثنا إبراهيم بن الأشعث ثنا فضيل بن عياض عن هشام عن الحسن: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنة <span class="c2">(2)</span> ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكلَه الله عز وجل إليها".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "كنز العمال" ج 2 ص 24 بلفظ: "من توكّل على الله كفاه مؤنته ... " إلخ، ونَسَبه إلى الديلمي والشاشي وابن جرير <span class="c2">(3)</span>.<span class="c6"> وفي سند المؤلف:</span> إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل غَمَزه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات" <span class="c2">(4)</span> وقال: "يغرب وينفرد فيخطئ ويخالف". _________ <span class="c2">(1)</span> وحسَّنه السخاوي في "تخريجه" <span class="c2">(12)</span>. وفي الباب أيضًا عن ثوبان وحذيفة. <span class="c2">(2)</span> كذا في <span class="c2">(ط)</span> وأشار في هامشها إلى نسخة بـ"مؤونته". <span class="c2">(3)</span> ليس في "مسند الشاشي" المطبوع، وليس في "تفسير الطبري" ولا "تهذيب الآثار" المطبوع. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(8/ 66)</span>.</p><p class="rtl left" id="p855"><span class="c2">(15/383)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p856">راجع ترجمته في "لسان الميزان" ج 1 ص 36 <span class="c2">(1)</span>. * * * * <span class="c5">[14]</span> باب في تركهم الدنيا وإعراضهم عنها أخبرنا علي بن عبد الحميد الغضائري ثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على حصير قد أثر في جنبه،<span class="c6"> فقال:</span> يا رسول الله، لو اتخذت فراشًا ألين من هذا.<span class="c6"> فقال:</span> "ما لي وللدنيا أو ما للدنيا ولي، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب سار في يوم صائف، حتى أتى شجرة، فاستظلّ في ظلها ساعة، ثم راح وتركها".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مسند أحمد" ج 1 ص 301 <span class="c2">(2)</span>،<span class="c6"> و"المستدرك" ج 4 ص 304 وقال:</span> "صحيح على شرط البخاري" وأقرَّه الذهبيّ، وأصله في "الصحيحين" <span class="c2">(3)</span> من رواية ابن عباس عن عمر <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(1/ 245)</span>. والحديث أخرجه الطبراني في "الصغير" <span class="c2">(321)</span> و"الأوسط" <span class="c2">(3359)</span>، والبيهقي في "الشُّعَب" <span class="c2">(1044)</span>. ومع ضعف إبراهيم فإن سماع الحسن من عمران قد تقدم ما فيه في الحديث السادس. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2744)</span>. <span class="c2">(3)</span> البخاري <span class="c2">(2468)</span>، ومسلم <span class="c2">(1479)</span> في الحديث الطويل في قصة تطليق النبي - صلى الله عليه وسلم - لنسائه. <span class="c2">(4)</span> والحديث أخرجه أيضًا ابن حبان <span class="c2">(6352)</span>، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند الترمذي <span class="c2">(2377)</span>، والحاكم <span class="c2">(4/ 310)</span> قال الترمذي: "حسن صحيح".</p><p class="rtl left" id="p857"><span class="c2">(15/384)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p858"><span class="c5">[15]</span> باب في حب الفقراء والفقر وسؤال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه أخبرنا الحسين بن علي التميمي ثنا أبو قريش محمد بن جمعة ثنا أبو سعيد الأشج،<span class="c6"> ثنا أبو خالد الأحمر عن يزيد بن سنان عن ابن المبارك عن عطاء بن أبي رباح:</span> عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أَحِبَّ المساكين؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> يقول:</span> "اللهم أحيني مسكينًا وأمِتْني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "المستدرك" ج 4 ص 322،<span class="c6"> قال الحاكم:</span> "صحيح الإسناد" وأقرَّه الذهبي <span class="c2">(1)</span>. * * * * <span class="c5">[16]</span> باب في ترك ما لا يعنيهم من الأمور أخبرنا أبو الحسين العطار الحافظ ببغداد ثنا محمد بن محمد بن سليمان ثنا زياد بن بارويه القصري ثنا يحيى بن المتوكل البصري ثنا يحيى بن أبي أنيسة عن الزهري عن علي بن الحسين عن <span class="c5">[الحارث بن هشام]</span>: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده يحيى بن أبي أُنَيْسَة، وهو ضعيف جدًّا. راجع ترجمته في _________ <span class="c2">(1)</span> والحديث أخرجه ابن ماجه <span class="c2">(4126)</span>، والطبراني في "الدعاء" <span class="c2">(1425)</span> وله شواهد من حديث أنس وعبادة بن الصامت.</p><p class="rtl left" id="p859"><span class="c2">(15/385)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p860">"تهذيب التهذيب" ج 11 ص 183 <span class="c2">(1)</span>. والحديث في "سنن الترمذي" ج 2 ص 52 <span class="c2">(2)</span> من طريق أخرى عن الزهري عن علي بن الحسين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهو مرسل ولا ذِكر فيه للحارث بن هشام. والترمذي <span class="c2">(3)</span> من طريق أخرى عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ...<span class="c6"> قال:</span> "لا نعرفه إلا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا إلا من هذا الوجه" <span class="c2">(4)</span>. * * * * <span class="c5">[17]</span> باب في كتمانهم المصائب أخبرنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء ثنا محمد بن صالح ثنا عبد الله بن عبد العزيز حدثني أبي عن نافع: عن ابن عمر رضي الله عنهما،<span class="c6"> قال:</span> قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من كنوز البر كتمان المصائب". _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه من طريق السلمي أبو الفضل بن طاهر في "صفة التصوّف" وذكر له طرقًا أخرى إلى علي بن أبي طالب. كما ذكر السخاوي. وليس في المطبوعة <span class="c2">(ص 154 - 155)</span> هذا الطريق. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2318)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2317)</span>. وأخرجه ابن ماجه <span class="c2">(3976)</span>، وابن حبان <span class="c2">(229)</span>. <span class="c2">(4)</span> من قوله: "والترمذي من طريق ... " إلى هنا مكتوب بقلم الرصاص بخط المؤلف ومكان النقاط كلمة لم تتبين لي. والحديث رُوي عن جماعة من الصحابة نحو العشرة، انظر "تخريج السخاوي" <span class="c2">(16)</span> و"جامع العلوم والحكم": <span class="c2">(1/ 287)</span>، وكل طرقه ضعيفة ولم يصح إلا من حديث عليّ مرسلًا كما قال البخاري.</p><p class="rtl left" id="p861"><span class="c2">(15/386)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p862">قال المعلمي: في سنده رجلان فيهما نظر.<span class="c6"> الأول:</span> محمد بن صالح، وهو الأشجّ الهَمَذاني، ذكره ابنُ حبّان في "الثقات" <span class="c2">(1)</span> وقال: "يُخطئ". وترجمته في "لسان الميزان" ج 5 ص 203 <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> الثاني:</span> عبد الله بن عبد العزيز وهو ــ فيما أرى ــ ابن أبي روّاد،<span class="c6"> قال فيه ابنُ الجُنيد:</span> "لا يساوي شيئًا، حدّث بأحاديث كذب" راجع "لسان الميزان" <span class="c2">(3)</span> ج 3 ص 310 <span class="c2">(4)</span>. * * * * <span class="c5">[18]</span> باب في أحوال الاستقامة أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبلة ثنا إبراهيم بن علي ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه: عن عروة رضي الله عنه قال: قال سفيان بن عبد الله الثقفي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل أحدًا بعدك،<span class="c6"> قال:</span> "قل: آمنتُ بالله ثم استقم". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(9/ 148)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(7/ 202)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 310)</span>. <span class="c2">(4)</span> والحديث أخرجه البيهقي في "الشعب" <span class="c2">(9574)</span>، والروياني في "مسنده" <span class="c2">(1472)</span>،<span class="c6"> وأبو نعيم في "الحلية":</span> <span class="c2">(8/ 197)</span> وغيرهم. وهو حديث ضعيف بل باطل قاله أبو زرعة في "العلل" <span class="c2">(2518)</span>. وروي الحديث من طريق جماعة من الصحابة. وانظر تخريج السخاوي <span class="c2">(17)</span>، و"السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(693)</span>.</p><p class="rtl left" id="p863"><span class="c2">(15/387)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p864">قال المعلمي: في السند مقال وظاهره أنه مرسل. لكن الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" <span class="c2">(1)</span> ــ كتاب الإيمان ــ باب جامع وصف الإسلام، من وجهٍ آخر متصلًا. * * * * <span class="c5">[19]</span> باب في لبس البِذْلة من الثياب أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان وأبو بكر محمد بن عبد الله بن قريش وجماعة قالوا: أنا الحسن بن سفيان ثنا ابن أبي الحواري ثنا أبو الفقير عبد العزيز بن عمير من أهل خراسان نزيل دمشق ثنا زيد ابن أبي الزرقاء ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم: عن عمر رضي الله عنه قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مصعب بن عُمير مقبلًا، عليه إهاب كَبْش قد تنطَّق به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انظروا إلى هذا الذي نوَّر <span class="c2">(2)</span> الله قلبَه، رأيته بين أبوين يَغْذُوانه بأطيب الطعام والشراب ولقد رأيت عليه حلة اشتراها أو شريت بمائتي درهم، فدعاه حبُّ الله وحب رسوله إلى ما ترون".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> روى المؤلف هذا الحديث من طريق الحسن بن سفيان، ثنا ابن أبي الحواري، ثنا أبو الفقير بن عمير <span class="c2">(3)</span> ... ، وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(38)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ط)</span>: "نزل". والتصحيح من هامشها كما في نسخة من الأربعين. <span class="c2">(3)</span> كذا في طبعة الأربعين وهو تحريف صوابه: "ثنا إبراهيم الحوارني، ثنا أبو الفقير عبد العزيز بن عمير"، كما هو عند أبي نعيم، وقد أخرجه من طريق السلمي البيهقيُّ في "الشعب" <span class="c2">(5779)</span> بهذا الإسناد على الصواب.</p><p class="rtl left" id="p865"><span class="c2">(15/388)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p866">ج 1 ص 108 من طريق الحسن بن سفيان، ثنا إبراهيم الحوراني، ثنا عبد العزيز بن عمير. وابن أبي الحواري معروف واسمه أحمد بن عبد الله بن ميمون، يروي عن عبد العزيز بن عمير كما في ترجمة عبد العزيز من كتاب ابن أبي حاتم، وصفة الصفوة ج 4 ص 208. وإبراهيم الحَوْراني معروف أيضًا، وهو إبراهيم بن أيوب، له ترجمة في كتاب ابن أبي حاتم <span class="c2">(1)</span>، و"تهذيب تاريخ دمشق" ج 2 ص 99 <span class="c2">(2)</span>، وذكره ابن السمعاني في "الأنساب" <span class="c2">(3)</span> 180 ب، وذكره ابنُ ماكولا في "الإكمال" <span class="c2">(4)</span>، وله ترجمة في "لسان الميزان" ج 1 ص 36 <span class="c2">(5)</span>. وفي النسخة تخليط آخر الترجمة قوله في السطر الذي قبل الأخير "بمصر" وبعد ذلك كلمة لا محلّ لها، والسطر الأخير ابتداء ترجمة رجلٍ آخر. فأما ابن أبي الحواري فموثّق، وأما إبراهيم بن أيوب الحوراني ففيه كلام، كما تراه في "لسان الميزان". وأما عبد العزيز بن عمير فعابدٌ لم يذكروا حاله في الرواية. والحديث منقطع؛ لأن يزيد بن الأصم لم يثبت إدراكه لعمر بل ذكر _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 88)</span>. <span class="c2">(2)</span> انظر أصله "تاريخ دمشق": <span class="c2">(6/ 358)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(4/ 303)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(3/ 25)</span>. <span class="c2">(5)</span> <span class="c2">(1/ 246)</span>. ولا تخليط في الطبعة المحققة.</p><p class="rtl left" id="p867"><span class="c2">(15/389)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p868">الواقدي كما في "تهذيب التهذيب" ج 11 ص 314 أن يزيد مات سنة 103 وعمره 73 سنة، فيكون مولده بعد وفاة عمر بمدّة. * * * * <span class="c5">[20]</span> باب الدليل على أن لله في الأرض أولياء وبُدَلاء حدثنا محمد بن جعفر بن مطر ثنا أحمد بن عيسى بن هارون ثنا عمرو <span class="c2">(1)</span> بن يحيى ثنا العلاء بن زيدل: عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قال:</span> "بُدلاء أمتي أربعون رجلًا: اثنان وعشرون بالشام، وثمانية عشر بالعراق، كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر، إذا جاء الأمر قُبِضوا".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده العلاء بن زيدل نسبوه إلى وضع الحديث. راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 8 ص 182 <span class="c2">(2)</span>. لكن جاءت في معناه روايات أخرى، راجع "اللآلئ المصنوعة" ج 2 ص 178 <span class="c2">(3)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> كذا وهو تصحيف وصوابه "عُمر". <span class="c2">(2)</span> والحديث أخرجه ابن عدي: <span class="c2">(5/ 220 - 221)</span>، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" <span class="c2">(1640)</span> وغيرهم.<span class="c6"> قال ابن حبان عن العلاء:</span> روى عن أنسٍ نسخةً موضوعة لا يحلّ ذكره إلا تعجُّبًا.<span class="c6"> "المجروحين":</span> <span class="c2">(2/ 180)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(2/ 330)</span>.</p><p class="rtl left" id="p869"><span class="c2">(15/390)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p870"><span class="c5">[21]</span> باب في السخاء بالطعام ووضع المائدة دائمًا أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا الحسن بن سفيان ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا أبو نعيم ثنا مندل عن عبد الله بن يسار مولى عائشة بنت طلحة: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> <span class="c5">[ص 6]</span> لم أجد هذا الحديث في غير هذا الكتاب <span class="c2">(1)</span>، وفي سنده رجلان فيهما نظر.<span class="c6"> الأول:</span> مِنْدَل، وهو مندل بن علي العنزي فيه ضعف، راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 10 ص 298.<span class="c6"> الثاني:</span> عبد الله بن يسار مولى عائشة بنت طلحة، ولم أعرفه <span class="c2">(2)</span>، ولعل البلاء منه، فإن الحديث أراه منكرًا، الله أعلم. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه من طريق السلمي البيهقيُّ في "الشعب" <span class="c2">(9179)</span>، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" <span class="c2">(4729)</span> ومن طريقه أبو نُعيم في "الأربعين" <span class="c2">(29)</span>.<span class="c6"> قال السخاوي:</span> ومداره على مندل، والأكثرون على ضعفه.<span class="c6"> وضعَّفه الهيثمي في "المجمع":</span> <span class="c2">(5/ 24)</span> به. وانظر "السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(5272)</span>. <span class="c2">(2)</span> ذكره البخاري في "الكبير": <span class="c2">(5/ 110)</span>،<span class="c6"> وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل":</span> <span class="c2">(5/ 76)</span> ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا،<span class="c6"> وذكره ابن حبان في "الثقات":</span> <span class="c2">(7/ 17)</span> فلم يزد عليهما. والذي أبعد نظر المؤلف عن الوقوف عليه أنهم ذكروه في رسم "عبد الله بن سَيَّار"،<span class="c6"> قال ابن حبَّان:</span> "وقيل: يسار،<span class="c6"> وقيل:</span> سنان".</p><p class="rtl left" id="p871"><span class="c2">(15/391)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p872"><span class="c5">[22]</span> باب الدليل على أن اليد العليا هي المتعفِّفة عن السؤال أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق الحافظ ثنا صالح بن محمد بن يونس ثنا الحسين بن عبد الرحمن الخراساني ثنا محمد بن يوسف ثنا موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اليدُ العليا المتعفِّفة واليدُ السُّفلى السائلة".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "الصحيحين" <span class="c2">(1)</span> وغيرهما من طرق أخرى عن ابن عمر،<span class="c6"> والمحفوظ فيه:</span> "اليد العليا هي المنفقة" وجزم جماعة بأنّ مَن قال: "المتعفِّفة" فقد صحَّف. راجع "فتح الباري" <span class="c2">(2)</span> ــ كتاب الزكاة ــ باب لا صدقة إلا عن ظَهْر غِنى. * * * * <span class="c5">[23]</span> باب فيمن عبد الله سرًّا فكافأه على ذلك أخبرنا محمد بن جعفر بن مطر ثنا حميد بن علي القيسي المعروف بزَوْج غَنَج ثنا هُدْبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن ثابت: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم القيامة بعث الله قومًا عليهم ثياب خضر بأجنحة خضر، فيسقطون على حيطان الجنة، فتشرف عليهم خَزَنَة الجنة،<span class="c6"> فيقولون لهم:</span> من أنتم؟ أما شهدتم الحساب وما شهدتم الوقوف بين يدي الله؟<span class="c6"> فقالوا:</span> لا، نحن قوم عَبَدْنا الله سرًّا فأحبّ أن يدخلنا الجنة سرًّا". _________ <span class="c2">(1)</span> البخاري <span class="c2">(1429)</span>، ومسلم <span class="c2">(1033)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3/ 297)</span> وتخريج السخاوي <span class="c2">(22)</span>.</p><p class="rtl left" id="p873"><span class="c2">(15/392)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p874">قال المعلمي: في سنده حُمَيد بن علي القيسي،<span class="c6"> قال الحاكم:</span> "كذّاب خبيث" <span class="c2">(1)</span>، وذكر ابن حبّان <span class="c2">(2)</span> أنه أتاه فحدّث بأحاديث هذا أحدها،<span class="c6"> قال ابن حبان:</span> "فقمنا وتركناه، وعلمنا أنه <span class="c5">[إن لم]</span> يتعمّد، فإنه لا يدري ما يقول" راجع "لسان الميزان" ج 2 ص 365 <span class="c2">(3)</span>. * * * * <span class="c5">[24]</span> باب في القناعة والوَرَع والشفقة على المسلمين وحُسْن المجاورة وقلة الضحك أخبرنا محمد بن زيد بن محمد ثنا أحمد بن العباس بن حزم ثنا محمد بن إسماعيل ثنا المحاربي عن أبي رجاء الخراساني عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا هريرة كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قَنِعًا تكن أشكر الناس، وأحِبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا، وأقِلّ الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُميت القلب". _________ <span class="c2">(1)</span> "المدخل إلى الصحيح": <span class="c2">(1/ 140)</span>. <span class="c2">(2)</span> في "المجروحين" <span class="c2">(1/ 263 - 264)</span> وعبارته: "فقمنا وتركناه، وعلمت أنه لا يخلو أمره من أحد شيئين إما أن يكون هو الذي يتعمَّد قلب هذه الأحاديث، أو قُلِبت له فحدّث بها، فلا يجوز الاحتجاج به بعد روايته مثل هذه الأشياء عن هؤلاء الثقات ... ". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 300)</span>.<span class="c6"> وكان في الأصل:</span> "أنه لا يتعمد" والتصحيح من "الميزان" و"اللسان".</p><p class="rtl left" id="p875"><span class="c2">(15/393)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p876">قال المعلمي: الحديث في "سنن ابن ماجه" ج 2 ص 277 <span class="c2">(1)</span> من طريق أخرى عن أبي رجاء عن بُرْد بن سنان،<span class="c6"> قال السندي في حواشيه:</span> "قال في الزوائد: هذا إسناد حسن، وأبو رجاء اسمه محرز بن عبد الله الجزري" هكذا قال، ومحرز هو أبو رجاء الجزري. ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 10 ص 56 - 57. وفي سند المؤلف "عن أبي رجاء الخراساني" وهو رجل آخر اسمه عبد الله بن واقد، ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 6 ص 64. وأخرج الترمذي في "سننه" ج 2 ص 50 <span class="c2">(2)</span> نحوه من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة ثم قال: "غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئًا ... وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قولَه،<span class="c6"> لم يذكر فيه:</span> عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم". وأخرج الطبراني في "المعجم الصغير" ص 219 من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه، وفي هذه الطرق كلها مقال، والله أعلم <span class="c2">(3)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(4217)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2305)</span>. <span class="c2">(3)</span> وأخرجه هناد في "الزهد" <span class="c2">(1031)</span>، والبخاري في "الأدب المفرد" <span class="c2">(252)</span>، وأبو يعلى <span class="c2">(5865)</span>، والبيهقي في "الشعب" <span class="c2">(5366)</span> وغيرهم.</p><p class="rtl left" id="p877"><span class="c2">(15/394)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p878"><a id="note_25" class="anchor"></a><a href="#ref_25" name="n_25" class="fnote_ref">[<span>25</span>]</a> باب في اختيار الفقر على الغنى أخبرنا سليمان بن محمد بن ناجية المديني ثنا أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي ثنا أبو خالد الفراء ثنا عبد الله بن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زَحَر عن علي بن يزيد عن القاسم: عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عرض عليَّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبًا،<span class="c6"> فقلت:</span> لا يا رب، ولكن أشبعُ يومًا وأجوعُ يومًا، فإذا جعت تضرّعتُ إليك، وإذا شبعتُ حمدتك وذكرتك".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مسند أحمد" ج 5 ص 254 <span class="c2">(1)</span>، و"سنن الترمذي" ج 2 ص 56 <span class="c2">(2)</span>. والسند واهٍ؛ يحيى بن أيوب هو الغافقي تقدم ذكره في الكلام على الحديث الخامس،<span class="c6"> وعبيد الله بن زَحَر ضعَّفه الجمهور حتى قال ابن حبان:</span> "يروي الموضوعات عن الأثبات، فإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زَحَر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الله لم يكن متن ذاك الخبر إلا مما عملته أيديهم". وعليّ بن يزيد هو ابن أبي هلال الألهاني، اتفقوا على ضعفه، والقاسم هو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي مُختَلف فيه. راجع تراجمهم في "تهذيب التهذيب" ج 7 ص 13 وص 396 وج 8 ص 322 <span class="c2">(3)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(22188)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(2347)</span> وقال: "حديث حسن" وذكر ضَعْف علي بن يزيد. <span class="c2">(3)</span> والحديث أخرجه من طريق السلمي البيهقي في "الشعب" <span class="c2">(1394)</span>.</p><p class="rtl left" id="p879"><span class="c2">(15/395)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p880"><span class="c5">[26]</span> باب في الابتداء بتعهُّد الفقراء دون الأهل والعيال أخبرنا محمد بن نصر بن أشكيب الزعفراني البخاري ثنا حامد بن سهل ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبيه: عن علي رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قال لفاطمة:</span> "لا أعطيكم وأَدَعُ أهلَ الصُّفة تطوى بطونُهم من الجوع". أخبرنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني أنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني ثنا حامد بن يحيى ثنا سفيان بمثله.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مسند أحمد" ج 1 ص 79 <span class="c2">(1)</span> عن سفيان وهو ابن عُيينة عن عطاء بن السائب. وأخرجه أحمد أيضًا ج 1 ص 106 <span class="c2">(2)</span> مطوّلًا عن عفّان عن حمّاد عن عطاء بن السائب. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" ج 8 ص 15 - 16 <span class="c2">(3)</span> قال: "أخبرنا عفان بن مسلم ثنا حماد بن سلمة أخبرنا عطاء بن السائب ... " فذكره مطوّلًا. وعطاء بن السائب ثقة إلا أنه تغيَّر بأَخَرة. ويظهر من ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 7 ص 205 - 206 أن سماع ابن عُيينة منه جيد. والله أعلم <span class="c2">(4)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(596)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(838)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(10/ 25 - 26)</span>. <span class="c2">(4)</span> وأخرجه من طريق السلمي البيهقيُّ في "الشعب" <span class="c2">(3205)</span>. وأخرجه أيضًا الحميدي <span class="c2">(48)</span>، والعدني في مسنديهما.<span class="c6"> قال السخاوي:</span> سنده صحيح.</p><p class="rtl left" id="p881"><span class="c2">(15/396)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p882"><span class="c5">[27]</span> باب إباحة الكلام على لسان التفريد أخبرنا محمد بن الحسن بن إسماعيل السراج ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي مُطيَّن ثنا علي بن منذر ثنا ابن فضيل ثنا أبي عن نافع: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> أتى أبو بكر فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال:</span> إن كان محمد إلهكم الذي تعبدون فإن إلهكم قد مات، وإن كان إلهكم الذي في السماوات فإن إلهكم حي لا يموت،<span class="c6"> ثم تلا:</span> <span class="c4">{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}</span> <span class="c5">[آل عمران: 144]</span>.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" <span class="c2">(1)</span> مطوّلًا، رواه عن ابن فضيل بسنده، وهو صحيح، والقصة مشهورة من حديث ابن عباس كما في "صحيح البخاري" <span class="c2">(2)</span> وغيره. والمعنى متقارب. * * * * <span class="c5">[28]</span> باب في خدمة المشايخ بأنفسهم الوافدَ عليهم والغريبَ أخبرنا أبو العباس الأصم ثنا هلال بن العلاء الرقّي؛<span class="c6"> وأخبرنا عبد الله بن محمد بن علي بن زياد ثنا محمد بن حمدون ثنا هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا طلحة بن زيد ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة:</span> عن أبي قتادة قال: قدم وفد النجاشي على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام بخدمتهم، فقال له _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(38176)</span>، وأخرجه من طريق ابن فضيل البزار <span class="c2">(103)</span> وقال: ولا نعلم رواه عن نافع عن ابن عمر إلا فُضيل بن غزوان.<span class="c6"> قال السخاوي:</span> وهو صحيح. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3667)</span> ومواضع أخرى هذا أتمها. وأخرجه ابن حبان <span class="c2">(6620)</span> والحاكم <span class="c2">(2/ 295)</span>.</p><p class="rtl left" id="p883"><span class="c2">(15/397)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p884">أصحابه: نحن نكفيك ذلك،<span class="c6"> قال:</span> "إنهم كانوا لأصحابي مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم". وأخبرنا أحمد بن علي المقرئ ثنا هلال بنحوه.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده طلحة بن زيد وهو القرشي أبو مسكين،<span class="c6"> قال فيه الإمام أحمد وعلي بن المديني:</span> "يضع الحديث". راجع "تهذيب التهذيب" ج 5 ص 15 - 16 <span class="c2">(1)</span>. * * * * <span class="c5">[29]</span> باب في اتخاذ المُرَقَّعة ولبسها أخبرنا علي بن بندار بن الحسين الصوفي ثنا محمد بن علي بن سعيد المركب ثنا محمد بن عبد الله المخرمي ثنا محمد بن حفص ثنا ورقاء عن أبي إسحاق عن يحيى: عن أم الحصين قالت: كنتُ في بيت عائشة رضي الله عنها وهي ترقع قميصًا لها بألوان من رقاع، بعضها بياض وبعضها سواد وبعضها غير ذلك، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> فقال:</span> "ما هذا يا عائشة؟<span class="c6"> " قالت:</span> قميص لي أرقعها،<span class="c6"> فقال:</span> "أحسنت لا تضعي ثوبًا حتى ترقعيه فإنه لا جديد لمن لا خَلَق له".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> لم أجده في كتاب آخر <span class="c2">(2)</span>، وفي سنده جماعة لم أعرفهم، وأبو إسحاق _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه أبو نعيم في "الأربعين" <span class="c2">(26)</span> والبيهقي في "شعب الإيمان" <span class="c2">(8704)</span>.<span class="c6"> قال أبو نعيم:</span> غريب تفرَّد به ابن العلاء.<span class="c6"> وهلال بن العلاء قال النسائي:</span> رأيت له أحاديث مناكير،<span class="c6"> وقال ابن حبان:</span> لا يجوز الاحتجاج بخبره. <span class="c2">(2)</span> أخرجه أبو نعيم في "الأربعين" <span class="c2">(40)</span> من حديث محمد بن علي المركب بسند المؤلف ولفظه.<span class="c6"> قال السخاوي:</span> ورجاله ثقات.</p><p class="rtl left" id="p885"><span class="c2">(15/398)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p886">هو عَمْرو بن عبد الله الهَمْداني السبيعي، مدلس ولم يذكر السماع. ولفظ البخاري في "الأدب المفرد" <span class="c2">(1)</span>: <span class="c5">[حدثنا حَرَمي بن حفص، حدثنا]</span> عبد الواحد قال: حدثنا سعيد بن بشر بن عبيد قال: حدثني أبي قال: دخلتُ على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقالت: أمسك حتى أخيّط نقبتي،<span class="c6"> فأمسكتُ فقلت:</span> يا أمّ المؤمنين لو خرجت فأخبرتهم لعدّوه منكِ بخلًا،<span class="c6"> قالت:</span> أبصِر شأنك، إنه لا جديد لمن لا يلبس الخَلَق. <span class="c2">(باب 218 الرفق في المعيشة ص 68)</span> <span class="c2">(2)</span>. * * * * <span class="c5">[30]</span> باب في أَخْذ الرَّكْوة في الأسفار أخبرنا يوسف بن يعقوب بن إبراهيم الأبهري ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أسد القاضي ثنا أسد بن محمد ثنا أبو جابر ثنا سعيد بن يزيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه: عن جده قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - البَراز <span class="c2">(3)</span> فأخذت الرَّكْوة فخرجت في أثره ــ وذكر الحديث.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> لم أجده أيضًا، وفي سنده جماعة لم أعرفهم <span class="c2">(4)</span>. _________ <span class="c2">(1)</span> رقم <span class="c2">(471)</span>. وما بين المعكوفين مستدرك منه. ط. الخانجي. <span class="c2">(2)</span> من قوله: "ولفظ البخاري ... " ملحق بقلم الرصاص بخط المؤلف. <span class="c2">(3)</span> كذا في <span class="c2">(ط)</span> وفي تخريج السخاوي: "إلى البراز". <span class="c2">(4)</span> ومثله قال السخاوي في تخريجه <span class="c2">(30)</span>.</p><p class="rtl left" id="p887"><span class="c2">(15/399)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p888"><span class="c5">[31]</span> باب السنة في الاجتماع على الطعام وكراهية الأكل فُرادَى أخبرنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني أنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا أحمد بن عبد العزيز الواسطي ثنا الوليد بن مسلم ثنا وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه: عن جده: أن رجلًا قال: يا رسول الله،<span class="c6"> إنَّا نأكل فلا نشبع! فقال:</span> "لعلكم تفترقون على طعامكم، اجتمعوا عليه واذكروا اسم الله عز وجل يبارك لكم فيه".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مسند أحمد" ج 3 ص 501 <span class="c2">(1)</span>، و"سنن أبي داود" ج 3 ص 172 <span class="c2">(2)</span>، وفي سنده وحشيّ بن حرب عن أبيه وفيهما مقال. راجع "تهذيب التهذيب" ج 11 ص 111. * * * * <span class="c5">[32]</span> باب إباحة الكلام في باطن العلم وحقيقته أخبرنا حامد بن عبد الله الهروي ثنا نصر بن محمد بن الحارث البوزجاني ثنا عبد السلام بن صالح ثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قال:</span> "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا العلماء بالله عز وجل، فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغِرَّة بالله تعالى". _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(16078)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3764)</span>، وأخرجه ابن ماجه <span class="c2">(3286)</span>، وابن حبان <span class="c2">(5224)</span>، والحاكم <span class="c2">(2/ 103)</span> وغيرهم. وله شواهد من حديث جماعة من الصحابة. راجع حاشية "المسند". و"السلسلة الصحيحة" <span class="c2">(664)</span>.</p><p class="rtl left" id="p889"><span class="c2">(15/400)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p890">قال المعلمي: الحديث في "منتخب كنز العمال" ج 5 ص 51 ونسبه إلى الديلمي <span class="c2">(1)</span> فقط، وهو متأخّر عن المؤلف، وقد تقدم في الأمر السادس <span class="c2">(2)</span> ما يُعلم منه أنه ضعيف. وفي سنده نصر بن محمد البوزجاني عن عبد السلام بن صالح، فنصر لم أعرفه، وعبد السلام تقدّم بيان حاله في الكلام على الحديث السابع <span class="c2">(3)</span>. يرويه عن سفيان بن عُيينة عن ابن جُريج عن عطاء عن أبي هريرة، وكلٌّ من هؤلاء الأربعة كان مشهورًا بالإمامة والجلالة وكثرة الحديث والأصحاب، وأهلُ الحديث بغاية الحرص على حفظ حديث هؤلاء ونَقْله، فمن الممتنع أن يكون مثل هذا الحديث عند أولئك الأربعة ولا يُروى إلا بهذا الإسناد. وعبد السلام وإن كان ضعيفًا لا أحسبه إلّا بريئًا من عُهْدةَ هذا الحديث؛ إذ لو كان حدَّث به لاشتهر عنه وعُدّ في مناكيره، فلا أحسب البلاءَ إلا ممن دونه، والله المستعان <span class="c2">(4)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> في "مسنده" <span class="c2">(799)</span>. وأخرجه الخطيب في "تلخيص المتشابه" <span class="c2">(953)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(ص 7)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(ص 377)</span>. <span class="c2">(4)</span> وقال السخاوي: "سنده ضعيف". وانظر "السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(870 و 5116)</span>.</p><p class="rtl left" id="p891"><span class="c2">(15/401)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p892"><span class="c5">[33]</span> باب ترك التكلف للضيف وإحضاره ما حضره أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن سعيد بن عمران ثنا أحمد بن عبد الله بن زياد الإيادي ثنا موسى بن محمد السكري ثنا بقية بن الوليد ثنا إسماعيل بن يحيى التيمي عن مسعر عن عَمرو بن مرة عن أبي البختري قال: نزلنا على سلمان الفارسي بالمدائن فقَرَّب إلينا خبزًا وسمكًا وقال: كلوا، نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن التكلُّف ولولا ذلك لتكلفتُ لكم.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده إسماعيل بن يحيى التيمي، رموه بوضع الحديث. راجع "لسان الميزان" ج 1 ص 441 <span class="c2">(1)</span>. لكن قد رُوي الحديث عن سلمان من أوجهٍ أُخر. راجع "مسند أحمد" ج 5 ص 441 <span class="c2">(2)</span>، و"المستدرك" ج 4 ص 123. * * * * <span class="c5">[34]</span> باب في ترك التنعُّم أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا سعيد بن عبد العزيز ثنا ابن مصفى ثنا بقية ثنا السري بن يَنعُم عن مُريح بن مسروق الهوزني: عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> لما بعثه إلى اليمن قال:</span> "إياك والتنعُّم، فان عباد الله ليسوا بالمتنعّمين".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> الحديث في "مسند أحمد" ج 5 ص 243 <span class="c2">(3)</span> من وجهٍ آخر عن بقيّة، _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2/ 181)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(23732)</span>. وقد أخرج البخاري <span class="c2">(7293)</span> عن عمر: "نُهينا عن التكلُّف". <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(22105)</span>. وفي "الزهد" <span class="c2">(ص 6)</span>.</p><p class="rtl left" id="p893"><span class="c2">(15/402)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p894">وسنده صالح. * * * * <span class="c5">[35]</span> باب في ما جاء في تصحيح الفراسة أخبرنا أحمد بن علي الرازي ثنا محمد بن أحمد بن السكن ثنا موسى بن داود ثنا محمد بن كثير الكوفي ثنا عمرو بن قيس عن عطية: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده محمد بن كثير الكوفي، ضعيف جدًّا. راجع "تهذيب التهذيب" ج 9 ص 418، وتابعه مصعب بن سلام في "تاريخ البخاري" ج 4 قسم 1 ص 354، و"سنن الترمذي" ج 3 ص 191 <span class="c2">(1)</span>، ومصعب كثير الغلط تنقلب عليه الأحاديث. راجع ترجمته في "تهذيب التهذيب" ج 10 ص 161.<span class="c6"> وقد قال الترمذي:</span> "هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه". وللحديث شاهدان ضعيفان في تفسير ابن جرير ج 14 ص 19 <span class="c2">(2)</span>. والله أعلم. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(3127)</span>، وأخرجه الطبراني في "الأوسط" <span class="c2">(7843)</span>،<span class="c6"> والعقيلي في "الضعفاء":</span> <span class="c2">(4/ 129)</span>،<span class="c6"> وأبو نعيم في "الحلية":</span> <span class="c2">(10/ 281)</span> وغيرهم، من طرق عن محمد بن كثير الكوفي وقد ذكر المؤلف ضعفه، وله شواهد عديدة لكنها ضعيفة، انظر "السلسلة الضعيفة" <span class="c2">(1821)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(14/ 96 - 97 - دار هجر)</span>.</p><p class="rtl left" id="p895"><span class="c2">(15/403)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p896"><span class="c5">[36]</span> باب استجلاب محبة الله تعالى بالمداومة على خدمته أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي ثنا عثمان بن سعيد الدارمي ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب أنا ابن زَحَر عن علي بن يزيد عن القاسم: عن أبي أمامة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قال:</span> "قال الله تبارك وتعالى: ما زال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه <span class="c5">[فإذا أحببته]</span> فأكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> سنده ساقط كما تقدّم في الكلام على الحديث الخامس والعشرين <span class="c2">(1)</span>، لكن له عدة شواهد <span class="c2">(2)</span>، أصحّها ظاهرًا في "صحيح البخاري ــ كتاب الرقاق ــ باب التواضع". قال البخاري <span class="c2">(3)</span>: "حدثني محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مَخْلَد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة ... ". وذكر الذهبي في "تذكرة الحفاظ" ج 3 ص 268 - 269 <span class="c2">(4)</span> ثلاثةً غير البخاري رووه عن ابن كرامة ثم قال: "فهؤلاء الأربعة من الثقات رووه عن _________ <span class="c2">(1)</span> وأخرجه الطبراني في "الكبير" <span class="c2">(7739)</span>، والبيهقي في "الزهد" <span class="c2">(710)</span> من طريق السلمي. <span class="c2">(2)</span> عن عدد من الصحابة، منهم ميمونة، وأبو هريرة، وابن عباس، انظر "تخريج الأربعين" <span class="c2">(36)</span> للسخاوي. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(6502)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(3/ 1085)</span>.</p><p class="rtl left" id="p897"><span class="c2">(15/404)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p898">محمد <span class="c5">[بن عثمان بن كرامة]</span> وهو مما انفرد به، وليس هو في "مسند أحمد" على كبره.<span class="c6"> وذَكرَ ترجمة خالد بن مخلد في "الميزان" ج 1 ص 300 وفيها:</span> "قال أحمد: له مناكير،<span class="c6"> وقال يحيى وغيرُه:</span> لا بأس به،<span class="c6"> وقال أبو حاتم:</span> يُكتَب حديثه ولا يُحتج به،<span class="c6"> وقال ابنُ سعد:</span> منكر الحديث ... ، وذكره ابن عدي <span class="c2">(1)</span> ثم ساق له أحاديث استنكرها ... "، ثم ذكر له أحاديث غلط فيها يقلب أسانيدها،<span class="c6"> ثم قال:</span> "ومما انفرد به: ما رواه البخاري في "صحيحه" ...<span class="c6"> " فذكر الحديث المذكور ثم قال:</span> "فهذا غريب جدًّا لولا هيبة الجامع الصحيح لعدَدْته في منكرات خالد ... ". وترجمة خالد في "تهذيب التهذيب" ج 3 ص 116 -<span class="c6"> 118 وفيها:</span> "وقال ابن عدي بعد أن ساق له أحاديث: لم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته، ولعلها توهّم منه أو حملًا على حِفْظه". قال ابن حجر في "فتح الباري" ج 11 ص 270 <span class="c2">(2)</span>: "لكن للحديث طُرق أخرى يدلّ مجموعها أن له أصلًا ... " فذكرها ونصّ على ضعفها،<span class="c6"> قال:</span> "وفيها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد، وسنده ضعيف". * * * * <span class="c5">[37]</span> باب كراهية جمع المال لئلا يرغب العبد في الدنيا أخبرنا أبو عمرو بن مطر ثنا أبو خليفة ثنا الرمادي ثنا ابن عيينة عن الأعمش عن _________ <span class="c2">(1)</span> في "الكامل": <span class="c2">(3/ 34)</span>. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(11/ 341)</span>.</p><p class="rtl left" id="p899"><span class="c2">(15/405)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p900">شِمر بن عطية عن المغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه: عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> <span class="c5">[ص 8]</span> الحديث أخرجه الترمذيّ ج 2 ص 53 <span class="c2">(1)</span>،<span class="c6"> وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ج 4 ص 332 وقال:</span> "صحيح الإسناد" وأقرَّه الذهبي. وهذا مبنيٌّ على التوسُّع، فإنه لا يثبت عن المغيرة بن سعد بن الأخرم إلا هذا الحديث، ولا يُعرف أبوه إلا بهذه الرواية،<span class="c6"> وقد قيل:</span> إن لسعدٍ صحبة، وردّ ذلك البخاري كما في ترجمة سعد من "الإصابة" <span class="c2">(2)</span>. وأئمةُ الحديث مختلفون في توثيق من لم يَرْوِ عنه إلا واحد، ومَنْ لم يَرْو إلا حديثًا واحدًا، فمنهم مَن لا يوثقه ولا يُصحِّح الحديث، ومنهم من يوثّقه ويصحح الحديث إذا وُجِد له متابع صحيح، ومنهم مَن يكتفي بأن يكون له شاهد صحيح، ومنهم من يكتفي بأن لا يكون الحديث منكرًا. واشتهر هذا الأخير عن ابن حبّان؛ ولذلك ذكر المغيرةَ وأباه في "الثقات" <span class="c2">(3)</span>، ولم يُنقَل توثيق سعدٍ عن غيره. فأما المغيرة فذكره العجلي في "ثقاته" <span class="c2">(4)</span> أيضًا. وقد تتبَّعتُ توثيق العجليّ فوجدته قريبًا من ابن حبان، والله أعلم. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(2328)</span> وحسَّنه الترمذي. وأخرجه أحمد <span class="c2">(3579)</span>، وابن حبان <span class="c2">(710)</span>، والطيالسي <span class="c2">(377)</span> وغيرهم. <span class="c2">(2)</span> <span class="c2">(3/ 46)</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3/ 150 و 7/ 463)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 292)</span> وقال: "ثقة كوفي".</p><p class="rtl left" id="p901"><span class="c2">(15/406)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p902"><span class="c5">[38]</span> باب في صفة العقلاء أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي ثنا علي بن سعيد العسكري ثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي ثنا داود بن المحبّر ثنا عباد بن كثير عن عبد الله بن دينار: عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العاقلُ الذي عَقَل عن الله أمره".<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده داود بن المحبّر، أثنى عليه ابن معين في نفسه ووهَّنه الجمهور، ويُروى عنه "كتاب العقل"،<span class="c6"> قال الدارقطني:</span> "كتاب العقل وضعه أربعة: أولهم: ميسرة بن عبد ربه <span class="c5">[أحد الدجالين]</span> ثم سرقه منه داود بن المحبّر فركّبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة ... ".<span class="c6"> وقال ابن عدي:</span> "عن داود كتاب قد صنفه في فضل العقل وفيه أخبار كلها أو عامتها غير محفوظات ... ".<span class="c6"> وقال الحاكم:</span> "حدَّث ببغداد عن جماعة من الثقات بأحاديث موضوعة، حدّثونا عن الحارث بن أبي أسامة عنه بكتاب العقل، وأكثر ما أودع ذلك الكتاب من الحديث الموضوع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". راجع "تهذيب التهذيب" ج 3 ص 199 - 201.<span class="c6"> أقول:</span> والظاهر أن هذا الحديث من ذاك الكتاب <span class="c2">(1)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث" <span class="c2">(812)</span> عن داود، وأخرجه الديلمي في "مسنده". وأخرجه البيهقي في "الشعب" <span class="c2">(4359)</span> من قول أنس بن مالك موقوفًا.</p><p class="rtl left" id="p903"><span class="c2">(15/407)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p904"><span class="c5">[39]</span> باب في إباحة السماع أخبرنا محمد بن محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن عبد الله بن يوسف الهروي بدمشق ثنا سعيد بن محمد بن زُريق الرسْعَني ثنا عبد العزيز الأوَيسي ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروة عن أبيه: عن عائشة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أيام التشريق وعندي جاريتان لعبد الله بن سلام تضربان بدفّين لهما وتغنيان، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> قلت:</span> أمسكا، فتنحّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سرير في البيت، فاضطجع وسجَّى بثوبه،<span class="c6"> فقلت:</span> ليحلنّ اليومَ الغناء أو ليحرّمنّ قالت: فأشرتُ إليهما أن خُذا،<span class="c6"> قالت:</span> فأخذتا فوالله ما نسيت <span class="c2">(1)</span> ذلك أن دخل أبو بكر وكان رجلًا مطارًا يعني حديدًا وهو يقول: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> رأسه وقال:</span> يا أبا بكر لكل قوم عيد، وهذا أيام عيدنا <span class="c2">(2)</span>.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في سنده محمد بن إسحاق، وهو مدلِّس ولم يصرّح بالسماع. والقصة ثابتةٌ في "الصحيحين" <span class="c2">(3)</span> من أوجهٍ أُخر بسياق فيه مخالفة لما هنا، فراجعها مع الكلام عليها في "فتح الباري" ج 2 ص 300 - 304 <span class="c2">(4)</span> وذلك في أوائل <span class="c2">(كتاب العيدين)</span>. * * * * _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في <span class="c2">(ط)</span>،<span class="c6"> وفي هامشها:</span> "لعله: ما نشبت". <span class="c2">(2)</span> قال السخاوي: "أخرجه بطوله أبو علي بن خزيمة في الجزء الثالث من "حديثه"". <span class="c2">(3)</span> البخاري <span class="c2">(987 و 3529)</span>، ومسلم <span class="c2">(892)</span>. <span class="c2">(4)</span> <span class="c2">(2/ 440 - 441)</span>.</p><p class="rtl left" id="p905"><span class="c2">(15/408)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p906"><span class="c5">[40]</span> باب في إباحة الرقص أخبرنا أبو العباس أحمد بن سعيد المعداني الفقيه بمرو ثنا محمد بن سعيد المروزي ثنا الترقفي ثنا عبد الله بن عمرو الوراق ثنا الحسن بن علي بن منصور ثنا غياث البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي: أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقّة مكة فسمع الأخضر الجُدّي يتغنّى في دار العاص بن وائل: تضوّع مسكًا بطن نَعمان أن مَشَت ... به زينبٌ في نِسوةٍ عَطِراتِ فلما رأتْ ركْبَ النميريِّ أعرضَتْ ...<span class="c6"> وكنّ مِنَ? نْ يلقينَه حَذِرات قال:</span> فضرب برجله الأرض زمانًا وقال: هذا ما يلذ سماعه، وكان يرون أن الشعر لسعيد <span class="c2">(1)</span>.<span class="c6"> قال المعلمي:</span> في السند مَن لم أعرفه.<span class="c6"> والقصة في "الأغاني" ج 6 ص 38 قال:</span> "أخبرني محمد بن خلف وكيع، قال حدثني عبد الله بن أبي سعد،<span class="c6"> قال:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> أخرجها أبو الفضل بن طاهر في "صفوة التصوّف" <span class="c2">(ص 333)</span> من طريق السلمي. قال السخاوي في "تخريجه" <span class="c2">(40)</span>: "وقد ذكر ابن طاهر في هذا الباب حديث هشام بن عروة، عن أبيه،<span class="c6"> عن عائشة:</span> بينما الحبشة يَزْفنون بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. وهو حديث صحيح. وعجبتُ للمؤلف <span class="c5">[السلمي]</span> رحمه الله كيف اقتصر على هذه الحكاية المنقطعة، ولم يذكر هذا الحديث.<span class="c6"> وقد ترجم البيهقي في الشهادات من "سننه":</span> "من رخَّص في الرقص إذا لم يكن فيه تكسُّر وتخنُّث". وأورد فيه حديث هانئ بن هانئ، عن علي،<span class="c6"> قال:</span> "أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وجعفر وزيد ...<span class="c6"> " ثم قال عقبه:</span> هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدًّا، وفي هذا ــ إن صحَّ ــ دلالة على جواز الحَجْل، وهو أن يرفع رِجْلًا ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز، والله أعلم.</p><p class="rtl left" id="p907"><span class="c2">(15/409)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p908">حدثني الحسن بن علي بن منصور،<span class="c6"> قال:</span> أخبرني أبو عتاب، عن إبراهيم بن محمد بن العباس المطّلبي ... ".<span class="c6"> وكذلك هي في "أمالي القالي" ج 2 ص 24 قال:</span> "حدثني أبي وعبد الله <span class="c2">(؟ )</span> بن خلف،<span class="c6"> قالا:</span> حدثنا ابن أبي سعيد <span class="c2">(؟ )</span> قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن <span class="c2">(؟ )</span> الشافعي،<span class="c6"> قال:</span> سمع سعيد بن المسيّب ... ". وفي الأسانيد ما نراه من الاختلاف، والراوي عن ابن المسيّب هو إبراهيم بن محمد بن العباس المطّلبي الشافعي، وله ترجمة في "تهذيب التهذيب" ج 1 ص 154 وأرّخ وفاته سنة 237 أو بعدها بسنة. ويُعْلَم من الترجمة أنه لم يدرك ابن المسيب ولم يَرْوِ عمن أدركَ ابنَ المسيّب، وابن المسيب توفي سنة 93 وقيل بعدها وقيل قبلها و <span class="c2">(1)</span>. فالقصة معضلَة،<span class="c6"> وليس في رواية "الأغاني" قوله:</span> "الأرض زمانًا" وإنما فيها "فضرب رجله وقال". وليس في "الأمالي" الضرب بالرِّجل أصلًا. ويظهر من تدبُّر القصة أن ابن المسيب لم يطرب للغناء وإنما أعجبه الشعر لما فيه من وصف المرأة بالحياء والخفر والتقوى والتستُّر. راجع الأبيات في "الأغاني".<span class="c6"> وما وقع في "الأربعين":</span> "وكان يرون أن الشعر لسعيد" إيهام أوْقَعَ فيه الاختصار، وإنما البيتان من قطعة لمحمد بن عبد الله ــ أو عبيد الله ــ بن نُمير الثقفي النصري،<span class="c6"> ولكن في القصة أن ابن المسيب بعد أن قال كلمته أنشد ثلاثةَ أبيات ليست من قطعة النُّميري أولها:</span> _________ <span class="c2">(1)</span> كذا في الأصل.</p><p class="rtl left" id="p909"><span class="c2">(15/410)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p910">وليست كأخرى أوسعت جيب درعها ...<span class="c6"> وأبْدَتْ بنانَ الكفّ للجمرات ذكرها في "الأغاني" ثم قال:</span> "قال: فكانوا يرون أن هذا الشعر <span class="c5">[يعني هذه الثلاثة الأبيات]</span> لسعيد بن المسيّب، ونحوه في "الأمالي". * * * * وقد تم بحمد الله عزَّ وجلَّ الكلام على "الأربعين"، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلّم. 27 رجب سنة 1369 عبد الرحمن بن يحيى اليماني المصحح بدائرة المعارف العثمانية</p><p class="rtl left" id="p911"><span class="c2">(15/411)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p912">المراجع <span class="c2">(1)</span> الكتب المُحال عليها في التعليق - الإصابة، لابن حجر - طبع مصر سنة 1320 هـ. - الاعتصام، للشاطبي - طبع مصر سنة 1331 هـ. - الأغاني - طبع مصر سنة 1323 هـ. - إكمال ابن ماكولا - نسخة خطية للمكتبة الآصفية بحيدراباد دكن. - أمالي القالي - طبع مصر سنة 1344 هـ. - الأنساب، لابن السمعاني- المطبوع بالزنكوغراف بأوربا سنة 1912 م. - تاريخ البخاري الكبير - طبع دائرة المعارف سنة 1360 هـ. - تاريخ بغداد، للخطيب - طبع مصر سنة 1349 هـ. - تفسير ابن جرير - طبع مصر سنة 1321 هـ. - تهذيب تاريخ ابن عساكر - طبع الشام سنة 1329 هـ. - تهذيب التهذيب - طبع دائرة المعارف سنة 1325 هـ. - الجامع الصغير، للسيوطي - مع شرح العزيزي طبع مصر سنة 1324 هـ. - الحلية، لأبي نعيم - طبع مصر سنة 1351 هـ. - سنن الترمذي - طبع مصر سنة 1292 هـ. - سنن أبي داود - طبع الهند سنة 1271 هـ. - سنن ابن ماجه - مع حواشي السندي طبع مصر سنة 1313 هـ. - صحيح البخاري - مع فتح الباري طبع مصر سنة 1319 هـ. _________ <span class="c2">(1)</span> من صُنع المؤلف.</p><p class="rtl left" id="p913"><span class="c2">(15/413)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p914">- صحيح مسلم - مع شرح الأبي والسنوسي طبع مصر سنة 1327 هـ. - صفة الصفوة، لابن الجوزي - طبع دائرة المعارف سنة 1359 هـ. - طبقات ابن سعد - طبع أوربا سنة 1322 هـ. - فتح الباري - طبع مصر سنة 1319 هـ. - كتاب ابن أبي حاتم - نسخة مأخوذة بالتصوير عن النسخة المحفوظة بخزانة كوبريلي في إستانبول. - كتاب ابن أبي حاتم - المجلد الثالث طبع دائرة المعارف سنة 1360 هـ. - الكفاية، للخطيب - طبع دائرة المعارف سنة 1357 هـ. - كنزل العمال - طبع دائرة المعارف سنة 1312 هـ. - اللآلي المصنوعة، للسيوطي - طبع مصر سنة 1317 هـ. - لسان الميزان - طبع دائرة المعارف سنة 1329 هـ. - المستدرك - طبع دائرة المعارف سنة 1334 هـ. - مسند الإمام أحمد - طبع مصر سنة 1313 هـ. - مصنف ابن أبي شيبة - نسخة قلمية ملك دائرة المعارف. - المعجم الصغير، للطبراني - طبع الهند سنة 1311 هـ. - منتخب كنز العمال - بهامش مسند أحمد طبع مصر سنة 1313 هـ. - الميزان، للذهبي - طبع مصر سنة 1325 هـ.</p><p class="rtl left" id="p915"><span class="c2">(15/414)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><h2 class="rtl start" id="p29"><a id="t29" class="anchor">&nbsp;</a><a href="#t29">الرسالة الرابعة عشرة صفة الارتباط بين العلماء في القديم</a></h2><p class="rtl left" id="p916"><span class="c2">(15/415)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p917">بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله الذي أرانا بأعيننا ما كنا نتمنّى أن نراه من مظاهر الارتباط والتعاون العلمي بين العلماء، فأصبح علماء الهند يستقبلون وفدًا كريمًا من خيرة إخوانهم علماء مصر، تكلّفوا المشاقَّ والمتاعب حُبًّا في تعرّف أحوال إخوانهم في الهند، وتوثيق عُرى التواصل معهم، تمهيدًا للتعاون معهم فيما يرفع شأن الإسلام والعلم. كان العلماء في العصور الأولى متواصلين على بُعْد الأقطار وصعوبة الأسفار، فلا تكاد تطّلع على ترجمة رجل منهم إلا وجدت فيها ذِكْرَ ارتحاله في أوان الطلب إلى الأقطار النائية للقاء العلماء والأخذ عنهم، وسياحته بعد التحصيل، وكلما دخل بلدةً سأل عمن بها من العلماء، واجتمع بهم، واستفاد منهم وأفادهم، وبقي يواصلهم طول عمره بالمكاتبة والمراسلة، وكانت المكاتبات لا تنقطع بين علماء الأقطار لتبادل الأفكار في المسائل العلمية. وفي الجزء الأول من "إعلام الموقعين" <span class="c2">(ص 28 وما بعدها)</span> ذَكَر رسالةً من الليث بن سعد إلى مالك تشتمل على عدة مسائل، وفيها ما يدل أنّ المكاتبة بينهما في المسائل العلمية كانت متواصلة. وهكذا كانت المكاتبة بين الشافعي وأحمد بن حنبل. في "توالي التأسيس" <span class="c2">(1)</span> لابن حجر العسقلاني: "قال أبو ثور: كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا، فوضع له _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(ص 78)</span>. وسبق أن اسمه الصحيح "توالي التأنيس".</p><p class="rtl left" id="p918"><span class="c2">(15/417)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p919">كتاب الرسالة". وفيه <span class="c2">(1)</span>: "عن عبدوس العطار: سمعت علي ابن المديني يقول للشافعي: اكتب كتاب خبر الواحد إلى عبدالرحمن بن مهدي، فإنه يُسَرّ بذلك". وأمثلة هذا كثيرة. وكثير من المؤلفات العلمية كان سببها المكاتبة بين العلماء، وكثير من الفتاوى المطولة صادر عن ذلك كما يعلم بمراجعتها كـ "فتاوى السبكي الكبير" وغيره. كما أنّ كثيرًا من التواريخ استفاد مؤلفوها كثيرًا مما فيها أو أكثره بمكاتبة العلماء، كـ "تاريخ ابن خلكان" و"إنباء الغمر" و"الدرر الكامنة" لابن حجر العسقلاني، و"الضوء اللامع" للسخاوي، وغير ذلك مما تقدم أو تأخر. وقد كان هذا العمل ــ أعني المكاتبة بين العلماء في المسائل العلمية ــ جاريًا في اليمن إلى مدّة غير بعيدة، وقد رأيتُ في المخطوطات اليمنية كثيرًا من ذلك. فأصبح العلماء في هذا العصر متقاطعين، لا صِلَة بين علماء هذا القُطْر وعلماء القطر الآخر، بل ولا بين علماء القطر الواحد! بل ولا علماء البلد الواحد!! فقد كان علماء البلد الواحد في العصور السابقة لا يكاد يمرّ عليهم يوم إلا وهم يجتمعون فيه ويتذاكرون. _________ <span class="c2">(1)</span> الموضع نفسه.</p><p class="rtl left" id="p920"><span class="c2">(15/418)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p921">أمّا الآن فقد تمر على العالم شهور، بل سنون، لا يجتمع بعالم آخر قد يكون معدودًا من جيرانه! وإذا جمعتهما الجماعة أو الجمعة أو العيد فقد يرجعان عن المصلى ولم يلتقيا! وإذا التقيا تجنَّب كلٌّ منهما فتح باب المذاكرة، إمّا رغبة عن العلم، وإمّا استحقارًا لصاحبه، وإمّا أَنَفَة أن يظن الناس أنّ صاحبه أعلم منه، وإمّا خوفًا من أن تجرّ المذاكرةُ إلى المنازعة أو غير ذلك! ! وهكذا يحج كل سنة جماعةٌ من العلماء، ويرجع كل منهم ولم يجتمع بأحد من علماء الحرمين، أو العلماء الذين حجوا في ذلك العام. وقد كان العلماء في العصور السابقة على خلاف هذه الحال،<span class="c6"> فكان من أعظم ما يهتمّ به العالم إذا حجّ:</span> الاجتماع بالعلماء والاستفادة منهم وإفادتهم. ولقد كان بعض العلماء يحجّ وأعظم البواعث له على الحج الاجتماع بالعلماء،<span class="c6"> مع أنّ هذه العبادات أعني الجماعة والجمعة والعيد والحج مِن أعظم الحِكَم في شَرْعِها:</span> الاجتماع والتعارف، وتبادل الفوائد العلمية وغيرها. وهكذا قد يتفق لأحد علماء هذا العصر سفر إلى بلد من البلدان فيَرِدُه، ويمكث فيه مدّةً لا يسأل عمن به من العلماء، ولا يجتمع بهم، وإذا اجتمع بهم تجنَّب المذاكرة العلمية، فلا يكاد يفيد ولا يستفيد، وإذا كان يصنع هذا مع جيرانه من العلماء، فكيف يُرْجَى منه خلافُه مع علماء البلدان البعيدة عنه؟ ! وكم من عالم تُشْكِل عليه مسألة، أو يخشى أن يكون مخطئًا فيها، فلا</p><p class="rtl left" id="p922"><span class="c2">(15/419)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p923">يدعوه التوفيق إلى الاجتماع بغيره من العلماء والبحث معهم فيها، أو إلى مكاتبتهم في ذلك. هذا مع تيسر طرق المواصلات في هذه الأعصار، فأصبحت المسافة التي كانت لا تُقْطَع إلا في أشهر أو سنين، مع المشاق والمخاوف والعوائق والقواطع تُقْطَع الآن في أيام، مع الأمن والراحة، وكذلك حال المكاتبات. ولقد كان العالم يبيع ضنائنه لكي يتزوَّد لسفر بعيد ليجتمع بعالم آخر، وكثيرًا ما كانت تعرض لهم المشاق الشديدة في البر والبحر، ويُعرّضون أنفسهم للمهالك، كلُّ ذلك رغبةً في العلم. حتى لقد كان بعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ يسافر من المدينة إلى مصر ليجتمع بصحابي آخر هنالك ليستثبته في حديث واحد سمعاه معًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -!! ففي "مسند الإمام أحمد" <span class="c2">(ج 4، ص 62)</span> و <span class="c2">(ج 5، ص 375)</span> <span class="c2">(1)</span> من طريق عبدالملك بن عُمير عن مُنيب <span class="c2">(2)</span> عن عمه قال: بلغ رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يحدث ... فرحل إليه وهو بمصر، فسأله عن الحديث،<span class="c6"> فقال:</span> نعم سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> يقول:</span> "من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة".<span class="c6"> قال:</span> وأنا سمعته من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(16596 و 23185)</span>. <span class="c2">(2)</span> وقع في النسخة المطبوعة في الموضع الأول: "مسيب"،<span class="c6"> وفي الثاني:</span> "هييب"،<span class="c6"> وفي "تعجيل المنفعة" المطبوع بمطبعتنا ــ دائرة المعارف ــ:</span> "منيب" ذكره بعد منصور. <span class="c5">[المؤلف]</span>.</p><p class="rtl left" id="p924"><span class="c2">(15/420)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p925">وفي "المسند" أيضًا <span class="c2">(جلد 4، ص 153)</span> <span class="c2">(1)</span> عن ابن جريج قال: سمعت أبا سعيد <span class="c2">(2)</span> يحدث عن عطاء قال: رحل أبو أيوب إلى عقبة بن عامر ... فأتى عقبة،<span class="c6"> قال:</span> حدِّثْنا ما سمعتَ من النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق أحدٌ سمعه.<span class="c6"> قال:</span> سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -<span class="c6"> يقول:</span> "مَنْ سَتَر على مؤمن في الدنيا ستره الله يوم القيامة". فأتى راحلته فركب ورجع. وعقبةُ بن عامر كان بمصر. لمّا بلغتُ إلى هنا انتبهت لاتفاق عجيب، وهو أنّ الآثار التي استشهدت بها تدور على مصر، فالليث بن سعد مصري، والشافعي استوطن مصر، والأثران اللذان نقلتهما عن "المسند" كانت الرحلة فيهما إلى مصر، و"المسند" طبع مصر، وكتابا "تهذيب التهذيب" و"تعجيل المنفعة" كلاهما من تأليف الحافظ ابن حجر المصري! ! وفي "سنن أبي داود" <span class="c2">(3)</span> وغيرها عن كثير بن قيس قال: كنت جالسًا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق،<span class="c6"> فجاءه رجل فقال:</span> يا أبا الدرداء، إنّي جئتك من مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لحديث بلغني أنّك تحدّثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما جئت لحاجة ــ يعني غير ذلك ــ. هكذا كان القوم، فأصبح أحدنا يتثاقل عن بضع خطوات يمشيها إلى عالم، أو يضنّ ببضعة أَفْلُس يبتاع بها طوابع للبريد ليكتب بها إلى عالم. _________ <span class="c2">(1)</span> <span class="c2">(17391)</span>. <span class="c2">(2)</span> كذا في "المسند" المطبوع،<span class="c6"> وفي "تهذيب التهذيب" المطبوع بمطبعتنا ــ دائرة المعارف ــ:</span> <span class="c2">(أبو سعد الأعمى)</span>،<span class="c6"> وفي "تعجيل المنفعة":</span> <span class="c2">(أبو سعد،<span class="c6"> ويقال:</span> أبو سعيد)</span>. <span class="c5">[المؤلف]</span>. <span class="c2">(3)</span> <span class="c2">(3641)</span>.</p><p class="rtl left" id="p926"><span class="c2">(15/421)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p927">وكم من عالم أخطأ في مسألة فلم يهتم إخوانه من العلماء بأن يزوروه ويذاكروه فيها، أو يكاتبوه في شأنها، بل غاية ما يصنع أحدهم أن ينشر اعتراضه في مجلة أو رسالة يُشنِّع على ذلك العالم ويُجَهّله، أو يبدّعه ويكفّره، فتكون النتيجة عكس المطلوب. وكم من مسائل يُفْتَى فيها بمصر بشيء، وبالشام بخلافه، وفي الهند بخلاف ذلك، ولو كانت المواصلات جارية بين العلماء لما وقع هذا الخبط الشديد الذي يوسع خَرْقَ الافتراق ويؤول إلى النزاع والشقاق. وعلماء الدين أحوج الناس إلى التواصل والتعاون خصوصًا في العصر الذي تفشّى فيه وباء الإلحاد، وقلَّت الرغبة في العلوم الدينية، بل كادت تعم النُّفْرة عنها، واستغنى كلّ أحد برأيه. فعلماء الدين مفتقرون إلى التعاون لإيجاد طرقٍ تقرِّب المسافة بينهم وبين المتعلّمين العلومَ الحديثة، وتُجْلى فيها المسائل الدينية في معارض تتفق وطريقَ التفكير العصري، فيُسْتطاع بذلك إيقاف الوباء عن زيادة الانتشار ومعالجة المرضى، بل والدعاية المثمرة إن شاء الله. فأمّا الدواء المعروف الآن، وهو التكفير والتضليل، فإنه لا يزيد الداء إلا إعضالًا،<span class="c6"> ومثله مثل رجل ظهر ببعض أصابعه برص فقطعه! فظهر البرص بأخرى فقطعها!! فقيل له:</span> حنانيك قبل أن تقطع جميع أعضائك! وهذا موضوع واسع، أكتفي بالإلماع إليه. وأهم من ذلك حال الجوامع والمدارس والدوائر العلمية، فإن احتياجها إلى التواصل والتعاون أشد؛ لأنّ النقص في بعضها يضر الأمة جمعاء، خصوصًا في هذا العصر الذي</p><p class="rtl left" id="p928"><span class="c2">(15/422)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p929">اضطربت فيه نُظُم التعليم، واحتاج الناس إلى التغيير فيها والتبديل بحسب ما تقتضيه المصلحة. فمن الواجب أن تكون المدارس الإسلامية والمعاهد العلمية في العالم كله على صلة بالأزهر المعمور وتَوَاصلٍ بينها لتوحيد نظام التعليم على حسب ما تقتضيه الدواعي العصرية، فمن المؤسف أن نرى بعض المدارس لا تزال تشغل طلبتها بعلم الكلام والطبيعة على ما كان مألوفًا منذ ألف سنة، وتشغلهم في النحو والصرف بالكتب التي ألفت قبل مئات من السنين، فربما مكث الطالب سنين في المدرسة ثم خرج منها كيوم ولدته أمه! ولو وُثِّقت الروابط بين الجوامع والمدارس لاستفاد بعضها من بعض، وانتفع جميعها بما يهتدي إليه بعضها، فتكون يدًا واحدة على ترقية العلم ونشره، واختيار الطرق الصحيحة القريبة الفائدة. وحال المطابع وخزائن الكتب على هذا القياس، فكم من مطبعة تظفر بنسخة ناقصة من كتاب تريد طبعه، وقد يكون ذلك الكتاب في بعض المكاتب في قُطر آخر، أو في ملك أحد العلماء، ولكن عدم التواصل يحول بين المطبعة وبين العلم بذلك، فإما أن تطبعه ناقصًا، فيكون في ذلك مضرّة عظيمة؛ لأنّ المطابع الأخرى تُعرض عن طبعه مرة أخرى، مخافة الخسارة المالية، وإمّا أن تهمل طبعه، وقد يؤدي ذلك إلى تلفه، وعلى الأقلّ إلى تأخير الفائدة المرجوّة من نشره. إنّنا بهذه المناسبة نعلن شكرنا للحكومة المصرية الجليلة والخزانة الخديوية، فإنّنا بالمواصلة معها استطعنا أن نستفيد ونفيد العلم وأهله فوائد عظيمة،<span class="c6"> فمن ذلك:</span></p><p class="rtl left" id="p930"><span class="c2">(15/423)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p931">ــ أنّها أفضلت علينا بإرسال نسخة من "السنن الكبرى" للبيهقي أخذَتْها من النسخة المحفوظة فيها بالتصوير الشمسي. ــ وكذلك بنسخة من "التاريخ الكبير" للبخاري. ــ ونسخة من "الأربعين في أصول الدين" للفخر الرازي. ــ وتكفلت لنا بطبع "علوم الحديث" للحاكم، و"إعراب ثلاثين سورة" لابن خالويه، وغير ذلك. ولا نزال نستفيد منها، وسوف تبقى مواصلتنا معها مستمرة إن شاء الله. وكذلك حاولنا أن نستفيد من الأزهر المعمور، وبعض أكابر العلماء بمصر، فكاتبناهم لاقتباس رأيهم في الكتب التي ينبغي طبعها، فتفضلوا علينا بآرائهم في ذلك كما أثبتناه في "برنامج الجمعية". بل وكاتبنا في ذلك أكثر مشاهير علماء العالم، ووردت الأجوبة من بعضهم كما أثبت في البرنامج. وبالجملة فجمعيتنا هذه مَدِينة للحكومة المصرية وعلماء مصر أعظم الدَّين، ولن يزال اتصالنا بهم مستمرًّا ــ إن شاء الله تعالى ــ، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيهم عنّا وعن العلم وأهله أفضل الجزاء. هذا مثالٌ مِن أمثلة التواصل العلمي بين الدوائر العلمية وما ينطوي عليه من الفوائد العظيمة. والحاجة داعية إلى توسيع نطاق التواصل، ولاسيما بتبادل بعض الوفود من قُطْر إلى قُطْر، ومن بلد إلى بلد، ومن مدرسة إلى مدرسة.</p><p class="rtl left" id="p932"><span class="c2">(15/424)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl right" id="p933">وقد أخذت مصر بفضيلة السبق إلى هذا الأمر ببَعْثها هذا الوفد المحترم، وعسى أن تكون قدوة صالحة لغيرها من الأقطار، وسوف يكون لهذا التزاور ثمرةٌ عظيمة إن شاء الله تعالى. وإنّي وإخواني الأفاضل رفقاء الدائرة نشكر لأعضاء الوفد الأجلة تفضلهم علينا، وعنايتهم بنا، وستبقى أشخاصُهم الكريمة ماثلةً في قلوبنا وكلماتهم التشجيعية رنانة على أسماعنا، ولن تزال الروح التي نفخوها فينا بلطفهم وحنانهم باعثةً لنا على دوام الجد في العمل بنفوس لا تعرف الكسل ولا الملل ــ إن شاء الله تعالى ــ. وحبذا لو كان من الممكن طول إقامة الوفد هاهنا مدة طويلة، ليتكرر اجتماع العلماء بهم، وشفاء الصدور بالاستفادة والمذاكرة، فإنّ قلوب علماء هذه العاصمة وفضلائها حرّى متعطشة إلى الارتشاف من علم علماء الوفد، والتشفي بمذاكرتهم. ولكن إذا كان طول إقامة الوفد متعذرًا، فإنّنا نعلل أنفسنا بعودة أخرى ــ والعود أحمد ــ وبالمواصلة بالمكاتبة التي ستبقى ــ إن شاء الله تعالى ــ مستمرة. ونرجو من حضرات الأساتذة الأجلة أعضاء الوفد أن يفسحوا لنا جانبًا من صدورهم، ويربطونا بصلة من عنايتهم، فإنّه لا غنى بنا عن ألطافهم بالإرشاد والإمداد العلمي والدعوات المقبولة إن شاء الله. نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعًا لدوام الاجتهاد في خدمة العلم والدين، وأن ينجح مقاصد الوفد، ويثمر أعماله.</p><p class="rtl left" id="p934"><span class="c2">(15/425)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div><p class="rtl justify" id="p935">وفي الختام نُحمِّل الوفد تحيتنا إلى رجال الأزهر المعمور، وسائر إخواننا المصريين، فليحيى الأزهر! ولتحيى مصر!</p><p class="rtl left" id="p936"><span class="c2">(15/426)</span></p><div class="rtl center"><b class="rtl center"><span class="ltr center"><hr class="ltr center"></span></b></div></div></div>

1

مجموع الرسائل الحديثية

3.16 MB DOC
2

مجموع الرسائل الحديثية

8.2 MB PDF

التصنيفات