×
أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي: قال المصنف - حفظه الله -: «فلقد بات مفهوم الولاية الحقيقي غائبا عن الكثيرين كما ورد في الكتاب والسنة وبحسب ما فهمه السلف الصالح، وصار المتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الولي: ذاك الشيخ الذي يتمتم بأحزابه وأوراده، قد تدلت السبحة حول عنقه، وامتدت يداه إلى الناس يقبلونها وهم يكادون يقتتلون على التمسح به. ومن هنا فقد عمدت في هذا الكتاب إلى وضع دراسة مقارنة بين مفهوم الولاية الصحيح مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة. وبين مفهومها عند الصوفية كما عرضتها لنا المئات من بطون كتب التصوف».

 أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي

تأليف

 عبد الرحمن دمشقية

قام بصف الكتاب ونشره

أبو عمر الدوسري

www.frqan.com

 المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:

فلقد بات مفهوم الولاية الحقيقي غائبا عن الكثيرين كما ورد في الكتاب والسنة وبحسب ما فهمه السلف الصالح، وصار المتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الولي: ذاك الشيخ الذي يتمتم بأحزابه وأوراده، قد تدلت السبحة حول عنقه، وامتدت يداه إلى الناس يقبلونها وهم يكادون يقتتلون على التمسح به.

 وآخرون يرون مجذوباً متسكعاً على قارعة الطريق حافي القدمين، متسخ الثياب فيشيع بينهم أنه ولي يعتقدون أن لمثل هذا سر مع الله، وربما رأوا كاهناً أو عرافاً يخبر الناس بما يغيب عنهم من ماض وحاضر ومستقبل فيظنون فيه الولاية لله مع علمهم بأنه لا يأتي الصلوات ولا يحضر الجماعات، ويظنون فيهم صنوف العجائب والكرامات وقد غاب عنهم حقيقة الكرامة ومتى يعطاها الإنسان ولماذا، وقد غفلوا عن حقيقة مهمة ألا وهي استغلال بعض الدجالين وأدعياء الكرامة لهذا الجهل بين الناس، وساعدتهم الجن والشياطين على ذلك ففعلوا بالناس ما كانوا يفعلونه في السابق بأصنام المشركين حين كانوا يتكلمون من خلالها فيظن الناس أن الكلام صادر من أصنامهم ليزداد اعتقادهم وإيمانهم بألوهية أصنامهم. حتى صار من الناس اليوم من يعتقد أن من أولياء الله من يطوي الله لهم الأرض والزمن([1]) حتى إن منهم من يصلي الصلوات الخمس في اليوم الواحد في خمس بقاع مختلفة من العالم. وأن بعد المسافات لا يحول دون اطلاعه على أحوال تلاميذه ورعايته لهم ولو من بعيد. وأن أولياء الله يتفاوتون في المراتب.

فمنهم الوتد ومنهم النجب ومنهم القطب ومنهم الغوث.

وهكذا قامت في أذهان الجهال من الناس مملكة هرمية وهمية من الأقطاب والأبدال والأوتاد، بهم تقوم الأرض والسماء وبهم تقضي الحوائج هم أولياء الله.

وصار كل من ينكر هذا الانحراف في أفهامهم أو يحاول تقويمه اتهموه بأنه عدو للأولياء وأنه يجحد قوله تعالى:

) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ([يونس 62].

أما أن يكون المصلون الذين نراهم كل يوم في المساجد أما التاجر السابق إلى الصدقات وإيتاء الفقراء أما المجاهد الذي يرابط في سبيل الله فهؤلاء لا تعنيهم الولاية ولا علاقة لهم بهذه الآية!.

ومن هنا فقد عمدت في هذا الكتاب إلى وضع دراسة مقارنة بين مفهوم الولاية الصحيح مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة. وبين مفهومها عند الصوفية كما عرضتها لنا المئات من بطون كتب التصوف.

وهذا هو الإصدار الرابع من سلسلة دراسات عن التصوف بعد كتاب ((النقشبندية)) وكتاب ((أبو حامد الغزالي والتصوف)) وكتاب ((الرفاعية)) وقريبا كتاب ((القادرية)) و ((الشاذلية)) بإذن الله.

 وإني لأرجو أن أكون قد أعطيت صورة واضحة عن حقيقة هذه الطرق من خلال الرجوع إلى كتبهم وأقوال مشايخهم القدامى والمحدثين.

وأتمنى من أي ناصح أو من لديه مراجع أو معلومات عن هذه الطرق أن يكتب إلي على هذا العنوان:

ص. ب 55195 الرياض 11534

والحمد لله رب العالمين.


 الولاية والولي

قال الفيروز آبادي ((الولي)) القرب والدنو والمطر بعد المطر، وليت الأرض بالضم. والولي الاسم منه المحب والصديق والنصير، وتولاه أي اتخذه وليا([2]) وفي الصحاح للرازي: ((الولي ضد العدو. والموالاة ضد المعاداة والولاية بالكسر([3])وفي مقاييس اللغة: الولي: القرب، والولي: المطر يجيء بعد الوسمي([4])  قال الراغب الأصفهاني في غريب القرآن ((الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة ومن حيث الدين ومن حيث الصداقة والنصر والاعتقاد.

 والولاية: تولي الأمر. والولي والمولى يستعملان في ذلك كل واحد منهما يقال في معنى الفاعل أي الموالي، وفي معنى المفعول أي الموالى، يقال للمؤمن هو ولي الله عز وجل ولم يرد مولاه. انتهى([5]) وذكر الشوكاني في فتح القدير أن الولي ((هو القريب))([6]) فهذا من حيث اللغة. أما من حيث الاصطلاح فانه من الضرورة بمكان الرجوع إلى المعنى الحقيقي للفظ ((الولي)) لا سيما وأن الاختلاف في الولاية ناشىء عن الاختلاف في فهم معنى الكلمة ودلالتها. والتعريفات فيها كثيرة، ونبدأ بابن تيمية رحمه الله الذي يذهب إلى أن ((الولاية ضد العداوة. وأصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد)). ((وقد قيل أن الولي سمي وليا من موالاته للطاعات، أي متابعته لها)) لكن هذا التفسير لم يترجح عنده فقال ((والأول أولى))([7]) ولعل وجه ترجيح التعريف الثاني أنه أكثر موافقة للقرآن من حيث استعماله لكلمة ولي ولأن التعريف الأول يشعر بضرورة تتابع الطاعات والإكثار منها كشرط لنيل مرتبة الولاية، وهذا قد يشق على الكثرة من المسلمين، ناهيك عن أن التعريف الثاني أصح وأقرب لغويا.

وقد يعرف بعضهم الولي بتعريف قد يشق على الغالبية من المسلمين كتعريفه للولي بأنه ((العارف بالله))([8])وبصفاته حسب الإمكان، والمواظب على الطاعة، المجتنب للمعاصي، المعرض عن الانهماك في اللذات والشهوات المباحة، وسمي وليا لأنه يتولى عبادة الله على الدوام([9]) وقد جاء أعرابي إلى النبي يطلب منه أن يبين له ما يجب عليه من أمور الدين، فذكر له ما يجب عليه ذلك من شهادة لا اله إلا الله والصلاة والصيام والزكاة والحج، فأجابه بعد ذلك قائلا ((هل علي غيرها؟ قال: لا، ألا أن تطوع. فأدبر وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفلح أن صدق، أو دخل الجنة أن صدق)) ([10]).

ولا يدخل الجنة إلا أولياء الله. فدل على أن صفة الولاية ينالها المواظب والمقتصد سواء. قال تعالى ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( ([11]) فآخر الآية يبين الصفتين في الولي اللتين هما ركيزتان فيه، قال ابن جرير عند ذكر الآية ((والصواب من القول في ذلك أن يقال (الولي) أعني ولي الله هو من كان بالصفة التي وصفه الله بها، وهو الذي آمن واتقى كما قال الله ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ(([12]) فالولاية هي الإيمان والتقوى، ويجب على كل من دخل في دين الله أن يتحلى بهاتين الصفتين، فالتحلي بهما يكون فرضا لا حظا كما يذهب إلى ذلك الحكيم الترمذي([13]) الذي يعتبر الولاية حظا كالنبوة هذا وقد عرف الشوكاني أولياء الله بأنهم ((خلص المؤمنين كأنهم قربوا من الله سبحانه بطاعته واجتناب معصيته)).([14]) أما ابن حجر فذهب إلى أن المراد بولي الله ((العالم بالله المواظب على طاعته، المخلص في عبادته([15]) ولم ير ابن حجر حيث وجد أنه لا أنسب من الاكتفاء بهاتين الكلمتين كمقيد للولاية وهما ((التقوى والإيمان)) فهما واضحان لا يحتاج معهما إلى مزيد من التفصيل، فلربما كان في التفصيل زيادة اشتراط عما أراد الله بهما، وأعني بذلك اشتراط المواظبة على الطاعات. أما اجتناب المعاصي فلا يخرج الواقعون في المعاصي أحيانا من ولاية الله وإنما لا يزالون يتصفون بالتقوى ما داموا يجتنبون المعاصي ويكرهونها ويسارعون إلى التوبة منها والإقلاع عنها ليكونوا بعدها أكثر حرصا على اجتنابها. فصفات الأولياء كما ورد في القرآن هما ((التقوى والإيمان)) وأن أولياء الله ((الذين آمنوا وكانوا يتقون)) سواء سمي أحدهم صوفيا أو فقيرا أو فقيها أو عالما أو تاجرا أو جنديا أو صانعا أو أميرا أو حاكما أو غير ذلك([16])، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ميزهم بعلامة وهي أنهم ((إذا رؤا ذكر الله ([17]).

وأشرف حديث ورد في صفة الأولياء ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: من عادى لي وليا آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وان سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته))([18]).

معاني الولاية والولي في القرآن

وقد ورد لفظ (ولي) ومشتقاته 90 مرة، منها 54 في جانب أولياء الله([19]) و 36 مرة في جانب أعداء الله ممن تولوا الشيطان والذين ظلموا ..الخ. والكل داخل في حزب الشيطان. وللولاية عدة معاني منها.

المعنى الأول: الولاية العظمى: وهي ولاية الله ) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ( ([20]).

 وقال ) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ( ([21]).

وكل ما ورد من حصر الولاية في الله تعالى، فالمراد به تولي أمور العباد فيما لا يصل إليه كسبهم وشرع الدين لهم.

 المعنى الثاني لولاية النبي للمؤمنين كما قال ) النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ( ([22]) وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)) وفي رواية ((ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ([23]) وفي مقابل ذلك تبرؤه ممن زعم  أنه من أوليائه لو كان مشركا، يقول ((أن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) ([24]).

المعنى الثالث: تحريم اتخاذ الكافرين أولياء ولو كانوا أباء أو أخوانا أو عشيرة. قال تعالى ) لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ( ([25])وقال ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ( ([26]).

وذكر لعن بعض بني إسرائيل على ألسنة أنبيائهم ومن أسباب ذلك) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ( ([27]).

 المعنى الرابع: ولاية الظالمين للظالمين. قال تعالى ) وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ( ([28]).

المعنى الخامس: ولاية الشياطين والطاغوت للكافرين كما قال تعالى) إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( ([29]).

وقال ) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ ( ([30]).


 الفرق بين ولاية الخالق وولاية المخلوق

وولاية الله هي الولاية العظمى كما قال) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ( ([31]) ثم نفى ولايته للكافرين الذين تولوا الطاغوت ) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ(وذكر أن تولي الطاغوت ولاية زائفة ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ( ([32])وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجيبوا أبا سفيان يوم أحد ((الله مولنا ولا مولى لكم)). فولاية الله: نصرتهم وإذهاب الخوف عنهم وتبديد الحزن من نفوسهم([33]) ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ( ([34])وولي الشيء هو الذي يحفظه ويقوم بنصرته ويمنع منه الضرر([35]) قال تعالى ) إِنَّ وَلِيِّـيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ( ([36]) ) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ( ([37]).


 ولاية الشيطان

ففي أوقات الشدة والجهاد يجد أولياء الله منه التأييد والنصرة، ومن قتل منهم فرزقه عند ربه خير من الدنيا وما فيها.

أما ولاية الشيطان فهي ولاية كاذبة لا تأييد فيها ولا نصرة وإنما خذلان ونكوص لا سيما عند ظهور الحق:) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ([38]).

 ) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ((2)

أما ولاية المخلوق لله فهي ولاية حاجة واستنصار. فتولي المؤمن لله بطاعته والخضوع لشرعه ودينه ولا يتحقق الخروج من الظلمات إلى النور إلا بهذا الدين.


أقسام الأولياء

يتضح من الآيات ومن حديث الولي أن الولي على أقسام: سابقين، مقربين، وأصحاب يمين مقتصدين.

 قال تعالى: ) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ 22 عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ 23 تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ 24 يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ 25 خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ 26 وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ 27 عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ( وقال: ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ 8 وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ 9 وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ 10 أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ 11 فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ 12 ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ 13 وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ ( ([39])وقال: ) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ 88 فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ 89 وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ 90 فسلام لك من أصحاب اليمين ( ([40]).

ويقسم حديث الولي الأولياء إلى مؤدٍ للفرائض وإلى سباق للتقرب إلى الله بالنوافل والطاعات وأسباب التقرب فهم على درجتين:

*درجة المقتصدين أصحاب اليمين الذين يؤدون الواجبات ويتركون المحرمات.

*ودرجة السابقين المقربين الذين يؤدون الفرائض والنوافل ويتركون المحارم ([41]) فأصحاب الدرجة الأولى يشربون من الكأس ) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ (ولم يقل بكأس فإنها ممزوجة لهم مزجا وذلك من جنس ما اختلط من أعمالهم في الدنيا. وأما أهل الدرجة الثانية فيشربون ((به)) كما قال: ) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ( فكان الشراب لهم خالصا كاملا وذلك من جنس ما قدموه، بخلاف الأبرار أصحاب اليمين. كما قال ابن عباس ((يمزج لأصحاب اليمين مزجا، ويشرب بها المقربون صرفا)) ([42]).

فالأبرار أصحاب اليمين هم المقربون إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات، "و أما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض. فصارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله. فكانت أعمالهم كلها عبادات لله فشربوا صرفا كما عملوا له صرفا، والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم فلا يعاقبون عليه ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفا بل مزج من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا"([43]).

قسم آخر

ونجد في سورة فاطر قسما ثالثا ممن يدخلون الجنة مع القسمين الأولين المقتصدين والسابقين، وهذه الفئة الثالثة هي فئة )الظالمين أنفسهم(قال تعالى ) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير(فتنادى أهل الأقسام الثلاثة قائلين) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ 34 الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ( ([44]). وهذا بفضل الله الكبير بما خص به هذه الأمة من أسباب دخول الجنة حتى للظالمين أنفسهم- أعني من شاء منهم- كشفاعة نبينا والشهداء وغيرهم ثم شفاعة أرحم الراحمين. وهذا كما قال ابن تيمية- مما تواترت به السنن، وهو خروج أهل الكبائر من النار أو دخول بعضهم الجنة من غير عذاب لا على سبيل القطع- كما يذهب إلى ذلك المرجئة- وإنما على سبيل الرجاء وبمقتضى الإطلاق الوارد في قوله تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ (([45] فقال: ) مَا دُونَ ذَلِكَ (ولم يحدده بالصغائر كما ذهب المعتزلة والخوارج أو بالتوبة مما دون الشرك كما قرروه إذ بالتوبة يغفر الله الشرك وما دونه، وما دون الشرك أعم من أن يحدد بالصغائر. والله عز وجل لم يقل ويغفر الصغائر لمن يشاء. وقد يلي الشرك أسوأ الأعمال فتدخل تحت قوله تعالى: ) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ( ([46])كما قال صلى الله عليه وسلم ((عدلت شهادة الزور إشراكا بالله)) ([47]) وقد جعلها من أكبر الكبائر حيث قال ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور)) ([48]) ومع دنوها من الشرك فإن أحدا من أهل العلم لم يذهب إلى أن شاهد الزور مخلد في النار وأن حكمه حكم عباد النيران والأوثان والطواغيت.

التفاضل في ولاية الله

لا يستوي في الإيمان من يسبحون الله بالغدو والآصال ومن لا يذكرون الله إلا قليلا. وبين من أنفق كل ماله في تجهيز جيوش المسلمين وبين من لم ينفق شيئا ) لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ( ([49]).

 فالتفاضل يبعث على التسابق من العمل لنيل مزيد الثواب من الله ولو كان الإيمان شيئا واحدا في النسبة لاطمأن البليد ولم يتحرك لطلب المزيد فإنه بتقدير استواء الإيمان والولاية لم يعد هناك ما يبعث النفوس على الاجتهاد ويحركها إلى فعل الخيرات وهذا من مثبطات العزائم.

قال تعالى: ) تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ( ([50]) فإذا كانت المفاضلة جائزة بين الرسل فهي بين الأولياء أجوز.

قال تعالى: ) انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ( ((والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) ([51]) فلم يقتض زيادة الخير في المؤمن الأول انعدامه في الثاني وإنما نقصانه ((وفي كل خير)) وأولياء الله الذين شاهدوا التنزيل ولازموا النبي صلى الله عليه وسلم وهاجروا وجاهدوا معه بالمال والنفس أعظم ثوابا وإيمانا ممن جاؤا بعدهم. وأعظم في ولاية الله ممن تولى الله بعدهم.

وكما أن الإيمان يزيد وينقص ) لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ( ) فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا (وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة)) ([52]) ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان))([53]) فالولاية نظير ذلك، والناس متفاوتون فيها، بحسب الإيمان والعمل الصالح. فهي تزيد وتنقص كزيادة الإيمان ونقصانه وبزيادة الإيمان ونقصانه. وإنما يذهب إلى عدم زيادة الولاية والإيمان أو نقصانهما من يجعلهما شيئا واحدا إذا وجد كان موجودا بكامله، وإذا فقد فقد بكامله. وهذا أصل فاسد تفرعت عنه البدع في الإيمان، فذهب المعتزلة والخوارج والمرجئة إلى أنه مجموع ما أمر الله به فمتى ذهب بعضه لم يبق منه شيء ([54])والحق أن الناس متفاضلون في الإيمان وفي الولاية، بحسب تفاوتهم في العمل الصالح.


الأولياء العلماء أفضل من مجرد العباد

نوع أخر من الأولياء لهم الأفضلية على من سواهم حيث أضاف ابن تيمية طبقة أخرى من الأولياء قد لا تتميز بكثرة نوافل لكنها تتقرب إلى الله بكثرة التعلم والتعليم ودعوة الخلق إلى الهدى واقتفاء الأثر والنهي عن المحدثات. فإنه بعد أن ذكر طبقة السابقين المتقربين إلى الله بالنوافل، صرح بأن من كان داعيا غيره إلى الله هاديا للخلق ((كان أفضل من غيره من أولياء الله كما قال تعالى: ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ( ([55]).قال ابن عباس: ((للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة)). وقال ((العلماء ورثة الأنبياء. لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر))([56]) قال ابن تيمية: ((فمن كان جاهلا بما أمر الله به وما نهاه عنه لم يكن من أولياء الله، وإن كان فيه زهادة وعبادة لم يأمر الله بهما ورسوله، كالزهد والعبادة التي كانت في الخوارج والرهبان.)) ويضرب لذلك مثلا بارعا فيقول: ((كما أن من كان عالما بأمر الله ونهيه ولم يكن عاملا بذلك لم يكن من أولياء الله بل قد يكون فاسقا فاجرا.)). ((ويقال: ما اتخذ الله وليا جاهلا، أي جاهلا بما أمره به ونهاه عنه)) ([57]).

 ثم يوضح بعد ذلك أن من جمع بين العلم بما أمر الله به ونهى عنه وعمل بذلك فهو ولي الله حقا وأن ((من لم يقرأ القرآن كله، لم يحسن أن يفتي الناس ويقضي بينهم)) ([58]). وهذه العبارة الأخيرة دالة على بعد نظره، فقد يفهم من العبارة السابقة نفي الولاية عن عوام الناس الذين يعلمون الدين بشكل أجمالي فجاءت العبارة الثانية مفصلة لما قد يلتبس.


 من أفضل الأولياء؟

أفضلهم أنبياؤهم، وأفضل أنبيائهم رسلهم، أفضل رسلهم صاحب الحوض والشفيع المشفع، سيد الأولين والآخرين محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو أفضل أولي العزم منهم.

ومن قال: أن الأولياء أفضل من جميع الخلق، فقوله أظهر عند جميع أهل الملل من أن يشك في كذبه، بل هو معلوم بالضرورة أنه باطل، فإن الرسل أفضل الأنبياء وأولوا العزم أفضل الرسل... ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد آدم على الإطلاق. وليس يحتاج هذا إلى أن يثبت بحديث ولا أثر، فقد رتب الله سبحانه وتعالى خلقه فقال: ) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ ( ([59]) فرتبهم على أربع طبقات ([60]) ولعله تعقيب منه على ما قاله الحكيم الترمذي وغيره من ((ارتفاع درجة بعض الأولياء فوق الأنبياء)) ([61]).

قال ابن تيمية مبيناً مراتب الأنبياء والرسل ((ومن كان رسولا فقد اجتمعت فيه ثلاثة أصناف، الرسالة، والنبوة، والولاية. ومن كان نبيا فقد اجتمع فيه الصفتان، ومن كان وليا فقط لم يكن فيه إلا صفة واحدة.

ثم يفرق بين النبوة والرسالة من جهة وبين الولاية، بأن الرسول أو النبي يجب أتباعهم ولا يجب أتباع الولي، وأن من يسب النبي يستوجب الكفر، بينما لا يكفر من سب وليا من الأولياء ([62]).

وأما غير الأنبياء فأفضلهم أعظمهم معرفة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم  وأتباعا له، ولا أجدر بهاتين الصفتين من الشيخين أبى بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنهما أكمل معرفة بما جاء به وأعظم أتباعا له فهما أفضل أولياء الله في هذه الأمة التي هي أفضل الأمم فكانا الأفضل من الأمم جميعا.

 ويليهما الثمانية المبشرون بالجنة وباقي الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وهم داخلون في قوله تعالى: ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ( ([63])ولئن كان العلماء هم ورثة الأنبياء فإن أول الوارثين أبو بكر ثم عمر لكونهما الأرسخ في العلم ممن سواهما. فالعلماء الراسخون- من صحابة وغيرهم- مرتبتهم في الولاية تلي مرتبة الأنبياء.

غير أن الغزالي جعل الرتبة الأولى للأنبياء، والثانية للأولياء، والثالثة للعلماء الراسخين في العلم!! ([64]) كذلك جعل القشيري الصوفية صفوة الأولياء وأفضلهم وأن الله تعالى فضلهم على كافة عباده بعد رسله وأنبيائه !!! ([65]).

أما التفاضل بعد ذلك في الولاية فيكون بحسب الإيمان والتقوى، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فمن كان أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله ([66]) فالناس متفاضلون في ولاية الله عز وجل بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى، كذلك يتفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق كما قال تعالى: ) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ( ([67]).


 اجتماع الولاية والعداواة

الحق والباطل يتصارعان في الإسلام وليس خارج المجتمع المسلم فقط كما قد يظن بعض المسلمين. فالشيطان يحشد للمسلم من جنده ما لا يفعل لغيره بغية إخراجه من الحق الذي هو عليه. أو إبعاده عنه قدر الإمكان. ولذلك تجد في المسلمين من يجتمع فيه إسلام وشرك من رياء ونحوه أو يجتمع فيه  إيمان ونفاق، أو إسلام وفسق. وبحسب انقياده للشيطان ومكابدته له تزداد نسبة ذلك أو تنقص. فمن الناس من يكون فيه إيمان وشعبة من النفاق، لأن الإيمان شعب كما هو مقرر في معتقد أهل السنة والجماعة. وقد تذهب شعبة من شعب الإيمان وتحل مكانها شعبة من شعب النفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان، وإذا عاهد غدر)) ([68]).

وقد يجتمع في المرء إسلام وجاهلية، وتكون في مقابل إسلامه جزءا يسيرا كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: ((أنك امرؤ فيك جاهلية)) ([69]) وقوله: ((أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة)) ([70]).

وقد يجتمع في المرء إيمان وعمل صالح من وجه وفسق من وجه آخر، فلا يقتضي وجود الثاني ذهاب الأول، كما في قصة شارب الخمر الذي كان يؤتى به دائما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحد من شرب الخمر، وفي مرة أتي به وأقيم عليه الحد فقال رجل من القوم ((اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه، فوالله ما علمت إنه يحب الله ورسوله))([71]) وفي رواية: ((فقال القوم: أخزاك الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان؛ ولكن قولوا، اللهم ارحمه اللهم تب عليه)) ([72]) وفي رواية: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم)) ([73]) ((فوصفه بأنه أخ لهم مع شربه للخمر، وأثبت له محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم  وكان من حبه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدخل طرفة المدينة إلا اشترى منها شيئا ولو بالدين ليهديه إلى النبي صلى الله عليه وسلم))([74]) والله لا يحب الخمر ولا شاربها لكن إن اجتمع في العبد صلاح وفسق فيحب الله فيه الصلاح ويبغض الفسق منه. ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))([75]) فوصفه بأنه ((مسلم)) وأن فيه فسقا وكفرا ليس على معنى كفر الردة. فإن الردة مخرجة عن الإسلام. وإنما الكفر الوارد هنا كناية عن إنكار المقاتل حق أخيه المسلم عليه من حرمة ماله ودمه أو أن تكون كفرا غير مخرج من الملة كما أثر عن ابن عباس ((كفر دون كفر)) ([76])وعليه فقد يجتمع بالمسلم إسلام وكفر ليس كفر الردة. وقد يجتمع فيه إسلام ونفاق ليس نفاق محادة الله ورسوله. وقد يجتمع إسلام وشرك: ليس الشرك، الأكبر المخرج من أصل التوحيد.

وبهذا يثبت اجتماع ولاية في المسلم من وجه وعداوة من وجه أخر. وذلك بخلاف المعتزلة والخوارج والمرجئة الذين تواطأت عقيدتهم على اعتبار أن الإيمان شيء واحد وألزمهم ذلك اعتبار نظيره في الولاية ([77]). وحتى في الثواب والعقاب فإنه عندهم شيء واحد. فإما نار لا خروج منها وإما جنة، وذلك باستثناء طوائف المرجئة.

قال ابن تيمية رحمه الله: ((وأما الظالم لنفسه فهو من أهل الإيمان، فمعه ولاية بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ولاية الشيطان بقدر فجوره، إذ الشخص الواحد يجتمع فيه الحسنات والسيئات حتى يمكن أن يثاب ويعاقب، وهذا قول جميع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل السنة، بخلاف الخوارج والمعتزلة القائلين بأنه لا يخرج من النار من دخلها من أهل القبلة([78]) كما أن التقوى لا تنتفي بوقوع سيئة من السيئات إلا أن تكون شركا أكبرا، فإن مفهوم أهل السنة والجماعة لقوله تعالى: ) الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ( ليس من شرط أولياء الله المتقين أن لا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورا لهم ولا ترك الصغائر مطلقا ولا ترك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه التوبة، فقد قال تعالى: ) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (([79]) فوصفهم بالتقوى ثم قال: ) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (([80]) فوصف أعمالهم بأن فيها سيء وأسوأ وأثبت لهم التقوى. وهذا من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة وهو أنهم لا يخرجون عن التقوى من أتى ذنبا صغيرا لم يصر عليه ولا بإتيان ذنب كبير إذا تاب منه))([81]).


 الشهادة لمعين بالولاية:

وأما الشهادة للشخص معين بالولاية ففيها ثلاثة أقوال كما بين ذلك ابن تيمية رحمه الله:

*الأول: قيل لا يشهد بذلك لغير النبي، وهو قول أبي حنيفة والأوزاعي وعلي في المديني وغيرهم.

*الثاني: وقيل يشهد به لمن جاء به نص أن كان خبرا صحيح كمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فقط، وهذا قول كثير من أصحابنا وغيرهم.

*الثالث: وقيل يشهد به لمن استفاض عند الأمة أنه رجل صالح كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وغيرهما، وكان أبو ثور يشهد لأحمد بن حنبل بالجنة قال: وفي الحديث الذي في المسند: ((يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار. قالوا: بماذا يا رسول الله؟ قال بالثناء الحسن والثناء السيء))([82]). وفي الصحيحين: ((أن النبي مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال وجبت، وجبت، ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا فقال: وجبت، وجبت فقيل يا رسول الله ما قولك  وجبت وجبت؟ قال: هذه الجنازة أثنيتم عليها الخير فقلت وجبت لها الجنة، وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت وجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض )) ([83]) ثم قال: والتحقيق أن هذا قد يعلم بأسباب، وقد يعلم على الظن، ولا يجوز للرجل أن يقول بما لا يعلم)).

ولهذا لما قالت أم العلاء الأنصارية ((لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكناهم فصار لنا عثمان بن مظعون في السكني فمرض فمرضناه ثم توفي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فقلت رحمة الله عليك أبا السائب. فشهادتي أن قد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله قد أكرمه؟ قالت: لا والله لا أدري، فقال النبي: أما هو فقد أتاه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري- وأنا رسول الله- ما يفعل بي ولا بكم، قالت: فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا))([84]) انتهى كلام ابن تيمية([85]) وإن من الناس من يظهر منه صلاح وورع وكانت حاله بينه وبين الله على العكس من ذلك. فإذا خلا بمحارم الله انتهكها كما في حديث ثوبان عن النبي أنه قال: ((لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة. بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها))([86]). ولما أثنى رجل. على أخر عند رسول الله انتهره قائلا ((ويحك قطعت عنق صاحبك)) ثم قال: إن كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا ولا أزكي على الله أحدا، حسيبه الله إن كان يرى أنه كذلك))([87]).

 وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عمن كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه أنه ((يؤتى به يوم القيامة ويدور كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا أتيه وأنهى عن المنكر وآتيه))([88]).

وكذلك رأى الصحابة رجلا من المسلمين يقاتل المشركين بقوة حتى أعمل فيهم القتل فأعجبوا لشجاعته وأثنوا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا من أهل النار)) فتعجب الصحابة حتى قالوا: أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ فتبعه رجل من الصحابة فوجده قد جرح فاستعجل الموت ووضع نصاب سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فجاء الرجل إلى النبي وقال: أشهد أنك رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ فأخبره بخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار، ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة))([89]).

وكذلك قتل رجل في خيبر فقيل: ((هنيئا له الجنة)) فقال رسول الله: ((كلا والذي نفسي بيده. إن الشملة التي أخذها من المغانم- لم تصبها المقاسم- لتشتعل عليه نارا))([90]).

فها قد خفيت حقيقة هؤلاء الرجال على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم أعظم أولياء الله؛ بل هم أعظم ولاية عند الله من أولياء اليوم والغد. فلماذا لم ينكشف لهم ما يزعم أدعياء  الولاية اليوم مكاشفته، أم أن الله فضل أولياء اليوم على سلفنا الصالح وكشف لهم ما أخفاء عن أولئك!

ولقد نهانا الله تعالى عن أن يزكي الواحد منا نفسه مع كون الواحد منا أعلم بنفسه من غيره فقال ) فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (([91]). فكيف نستطيع أن نحكم على غيرنا بولايته وتقواه، و بصدق ظاهره وباطنه سره وعلانيته مع الله!.

 هل يعلم الولي ولايته

 ذكر الكلاباذي النزاع بين بعض أهل العلم في هذه المسألة فمنهم من جوز أن يعلم الولي ولايته وأن هذه المعرفة في ذاتها كرامة من الكرامات. واختار الكلاباذي هذا الرأي، ثم ذكر امتناع آخرين عن ذلك محتجين بأن معرفة الولي ولايته تزيل عنه خوف العاقبة،  أن زوال خوف العاقبة يوجب الأمن))([92]) ولعل الصواب ما ذهب إليه الكلاباذي فأنه يجوز أن يعلم الولي ولايته فتكون بذلك كرامة له وهذا لا يتعارض مع خوف العاقبة بالنسبة إلى من يرى جواز تغير عاقبة الولي كما سيأتي مفصلا. وإنما يتعارض مع ما ورد عن بعض المتصوفة من اشتراط حسن الخاتمة للولي.

ثم إن من الولاية ما لا يجوز الشك فيه مطلقا وذلك كعلم المسلم أنه يتولى الله ورسوله وأنه من حزبه. وأما أن كان على معنى كونه محبوبا عند الله مرضيا عنه موافيا له بالإيمان والتقوى عند الموت، فهذا ليس لأحد الحكم به.

ويذهب ابن تيمية إلى أن من الأولياء من لا يعرف الناس حقيقة ولايته ويكون عندهم من عامة الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم ((رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب ولو أقسم على الله لأبره))([93]) فليس ذلك محصورا في رثاثة الحال، ولا قذارة الثياب، بل الولاية في كل مؤمن تقي كما قال تعالى:([94]) ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (([95]) بمعنى أنه لا يشترط له أن يكون ذو حزقة يتصنع الولاية إذ الخرقة لا تجلب الولاية وليست ميزانا لها وإنما ميزان الولاية: الإيمان والتقوى.


ما يشترط وما لا يشترط

أما شروط الولي فهي الإيمان بأركانه الستة وهي: الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين والقدر خيره وشره.

الشرط الثاني من شروط الولاية: إتباع الكتاب والسنة وهو الطريق السوي والصراط المستقيم. لا طريق غيره كما يدعي بعض أهل البدع ((الطرق كثيرة))([96]) أو كما قال أخر ((الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق)) ثم جاء الشعراني ليقرر بأن ((كل ما ابتدع على طريق القربة إلى الله فهو من الشريعة والسنة الظاهرة))([97]).

ولا يكون الولي وليا لله تعالى إلا أن يكون موافقا في جميع أحواله للكتاب والسنة ظاهرا وباطنا، بمعنى أن لا يرى جواز الزيادة في الدين والتبديل فيه وأن المعرض عنهما لا يسمى وليا وإنما يوصف بما وصفه به رسول الله: ((وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها [وفي رواية] لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))([98]) وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))([99]) فيصح تسميته ((هالكا)) أو ((ضالا)) أما أن يبتدع في دين الله ويسمى وليا فلا وإن بلغ بعبادته ما بلغ.

فلو ذكر الرجل الله سبحانه وتعالى دائما ليلا ونهارا مع غاية الزهد، وعبده مجتهدا في عبادته ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله- وهو القرآن- كان من أولياء الشيطان))([100]).

فأساس الولاية الحقة هو السير على منهج القرآن والسنة، والتمسك بهما.

وما يزعمه بعض المبتدعة من أن جبريل نزل بعلم الشريعة، فلما تقرر نزل بعلم الحقيقة وهو علم الباطن،([101]) فإن هذا دعوة إلى غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بالتمسك بكتاب الله وسنته ولن نزال على الهدى ما تمسكنا بهما. وما سواهما فهو ضلالة ) وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ (([102])  فالطرق الكثيرة التي ذكروها هي السبل التي نهى الله عنها في الآية. قال ابن تيمية ((ومن  ادعى محبة الله وولايته وهو لم يتبعه فليس من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله وأولياء الشيطان، قال تعالى: ) قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (([103]). قال الحسن البصري: ((ادعى قوم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية محنة لهم))([104]) وقد قالت اليهود والنصارى: ) نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ( فرد الله عليهم: ) قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ (([105]) وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله لسكناهم مكة، ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به على غيرهم.. قال تعالى: )وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه، أن أولياؤه إلا المتقون( ([106]) فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون. وثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا من غير سر ((أن آل فلان ليسوا لي بأولياء- يعني طائفة من أقاربه- إنما وليي الله وصالح المؤمنين))([107]) وهذا موافق لقوله تعالى:([108]) ) فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (([109]) وقال ابن القيم رحمه الله: ((كل من كذب رسول الله وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده ومكن الجهل من نفسه والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر في صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه ((فهو ولي الشيطان))([110])  ولذلك تجد في أهل البدع من يتعاونون مع أعداء الإسلام، فكم من مستعمر أدخلوه، وكم من عدو للإسلام مكنوه.

ولا ننسى البطائحية الرفاعية وموقفهم من التتار، والتيجانية وموقفهم من الاستعمار الفرنسي. وشرط الإتباع الذي أخلوا به أدى إلى الإخلال بالشرط الثاني: شرط الموالاة والمعاداة في الله. قال الشوكاني رحمه الله: ((والولي لا يكون وليا لله حتى يبغض أعداء الله ويعاديهم، وينكر عليهم)). ثم أوضح طبيعة المعاناة التي يلقاها أهل الإتباع والأثر من البدعة وأهلها فقال: ((وقد تبلغ عداوات أهل البدع لغيرهم من أهل الأتباع فوق عداوتهم اليهود والنصارى)).. فالعداوة بين المتبع و المبتدع أمرها أوضح من الشمس، فإن المتبع يعادي المبتدع لبدعته، والمبتدع يعادي المتبع لا تباعه([111]) والمقصود أن المبتدع وإلى ببدعته أعداء الله وعادى بها أولياء الله، وهذا عمى بصيرته، فالتمسك بالبدعة يعمي البصيرة، ويزين الضلالة حتى يعرض صاحبها عن كل وسائل القرب وأسبابه،- كما بينها الحكيم- محاولا الإقبال على الله بما لم يشرعه. و تجتمع المحبتان: محبة الله ورسوله ومحبة الابتداع في الدين.


أداء الفرائض:

وأداء الفرائض من شروط الولاية، فتارك الصلاة لا يسمى وليا بعد أن وصفه النبي صلى الله عليه وسلم  بالكفر، وهذه المسألة متفرعة عن شرط الإتباع، فالصلاة أحد أركان الدين ولاحظ في الدين لمن لا يصلي فهو كافر على أصح أقوال أهل العلم سواء تركها جحودا أو غير ذلك، فلا تتحقق الولاية بتارك صلاة الفريضة وإن قام الدهر كله وصامه من النوافل. على أن ترك الفرائض لا يؤدي إلى سلب الولاية من أصلها إلا الصلاة التي ((كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من العمل تركه كفر إلا هي))([112])  فإن المحافظة على الجمع والجماعات من علامات الولاية، لا كما يظن الصوفية الذين يرون الشيخ يتخلف عن الجمع والجماعات ويظنون فيه ولاية الله كالشيخ محمد العدل الذي بقي سنة كاملة لا يحضر جمعة ولا جماعة، والشيخ الشربيني الذي كان لا يحضر الصلوات أبدا. ولما طلب منه جماعة من الفقهاء أن يذهب معهم لصلاة الجمعة اعتذر وقال: ((ما لي عادة بذلك)) فلما أنكروا عليه قال: ((نذهب اليوم لأجلكم)) والشيخ، شريف المجذوب الذي كان يفطر في نهار رمضان([113]) فهؤلاء ليسوا أولياء؛ بل مجانين، والمجنون لا يصح منه إيمان ولا عبادة فضلا عن أن يكون وليا تسطر له كرامات كاذبة وينسب إلى مقام الواصلين والصغير المميز أفضل حالا من هذا. فإن إمامته تصح كما صح الخبر عن الصحابة. بخلاف المجنون فأنهم اتفقوا على عدم اعتبار أقواله وأفعاله وعدم تعلق الثواب أو العقاب بشيء منها لكن الصوفية يخالفون ذلك فيرفعون المجذوب والمجنون والبهلول إلى مقامات العرفان، وقد امتلأت تراجمهم وطبقاتهم بكرامات المجانين أمثال: بهلول المجنون وأبي علي المعتوه وابن القصاب المجنون والشبلي الذي دخل المارستان مرتين وعمر المجذوب وإبراهيم العريان([114]).


 الولي وحسن الخاتمة

هل يشترط للولاية حسن الخاتمة؟

ذهب الكلاباذي في التعرف إلى أن زوال خوف العاقبة ليس بممتنع بل هو جائز فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم  أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وهذا يوجب الأمن من التغيير وزوال خوف التبديل لا محالة.

قال: ((والروايات التي جاءت في خوف المبشرين([115])لم يكن خوفا من التغيير والتبديل لأن خوف التغيير والتبديل مع شهادة النبي صلى الله عليه وسلم يوجب شكا في إخبار النبي، وهذا كفر))([116]).


مناقشة كلام الكلاباذي

وما ذهب إليه الكلاباذي في حق العشرة المبشرين بالجنة لا فحق لا جدال فيه، وإنما الاعتراض على استدلاله بهم من أجل التوصل إلى أمن عاقبة الولي وضمان حسن خاتمته، وقد قاس الولاية على من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخاتمة والمآل، وهو قياس مع الفارق، إذ فرق بين من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم وبين من لم يشهد له فإنه لم يرتض شهادة أم العلاء. في عثمان بن مظعون أن الله سيكرمه، فعزمت على عدم تزكية أحد يعده أبداء فإذا كان القياس بين عثمان والعشرة المبشرين بالجنة منتفيا فما بالك بمن دونه؟ وهل أخذ أحد من الصحابة بهذا القياس على نفسه أو إخوانه من الصحابة؟ ومثل هذا القياس الذي استعمله الكلاباذي يلغي التخصيص والشهادة النبوية التي شهدها للعشرة ولغيرهم من الصحابة.

ونمضمي مع الكلاباذي فنسأل: بأي شيء نعرف حسن عاقبة الولي وبشراه بالجنة؟  يجيب عن ذلك قائلا: بأن الأولياء إنما يعرفون بما يحدث الله فيهم من اللطائف التي يخص بها أولياءه، وبما يورد على أسرارهم من الأحوال التي هي أعلام ولايتهم([117]) وبمقارنة ذلك مع حال واحد من الصحابة- غير المبشرين بالجنة- نجد التعارض فإن أحدا من الصحابة لم يركن إلى مخاطباته ووارداته وكشوفات الغيب، وإنما كان في خوف مستمر من التغير وسؤ العاقبة بمن فيهم المبشرين بالجنة.

فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ((ليتني إذ مت لم أبعث))([118]).

 وكان عمر يبكي قبيل موته ويقول: ((ويلي وويل أمي أن يغفر لي))([119])

 وكان عبد الله بن رواحة يقرأ قوله تعالى: ((وإن منكم إلا واردها)) ويبكي بكاء شديدا فتسأله امرأته عن سبب بكائه فيقول ((إني أنبئت أني وارد ولم أنبأ أني صادر))([120]) فلم ينبأ أنه صادر عنها بكشف ولا مخاطبة.

وحتى عند النزع الأخير لم يكن الإمام أحمد بن حنبل يأمن على نفسه من الفتنة وسؤ الخاتمة، يروي ذلك ابنه عبدالله فيقول: ((حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة  وهو في النزع الأشد فكان يغرق حتى نظن أن قد مضى ثم يفيق ويقول: ((لا بعد لا. بعد (يشير بيده) ففعل هذا مرة وثانية فلما كان في الثالثة قلت له: ((يا أبت ايش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ فقال لي: يا بني ما تدري فقلت: لا. فقال إبليس لعنه الله قام بحذائي عاضا على أنامله يقول فتني يا أحمد. وأنا أقول لا. بعد حتى أموت))([121]). ونظائر ذلك مستفيضة من السلف الصالح، فلم يعرف عن أحد منهم ركونه إلى كشف أو مخاطبة بإعطاء الأمان الأبدي على الوجه الذي أدعاه الصوفية أمثال الشعراني الذي زعم أن مما من الله به عليه على حد قوله ((علمي بسعادتي وشقاوتي وذلك بتخلقي بالصفات التي نهاني الحق عنها وهذه من أكبر نعم الله علي لأنها بشرى من الله لعبده))([122]).

 وعلى افتراض جواز كشف بذلك فليس مما يجب التصديق العام به، فان كثيرا مما يظن به أنه حصل له هذا الكشف يكون ظنا في ذلك ظنا لا يغني من الحق شيئا. وأهل المكاشفات والمخاطبات يصيبون تارة ويخطئون أخرى ولهذا وجب عليهم جميعهم أن يعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله. ولو كان يأتيه من الله ما لا يحتاج إلى عرضه على الكتاب لكان مستغنيا عن الرسول في بعض دينه))([123]).

أما عن مسألة الشهادة لمن شاع له لسان صدق وولاية في الأمة وبحسن العاقبة فهل يشهد له؟ يمكن ذلك بشرط لا يكون قطعا وجزما بخلاف من ثبتت ولايته بالنص فإن أهل السنة يشهدون له بذلك قطعا. وأشترط شرطا آخر للشهادة وهو أن يكون قد شاع له لسان صدق في الأمة بحيث اتفقت على الثناء عليه([124]).


 الولي والعصمة عند أهل السنة

 ولا يشترط للولي العصمة فإنه من بني آدم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون))([125])

 وإنما يعتقد أهل البدع العصمة في مشايخهم وأئمتهم كما كان اعتقدها اليهود والنصارى في أحبارهم ورهبانهم حتى اتخذوهم أربابا من دون الله. وأهل البدع وإن لم يصرحوا بها بلسان مقالهم فإنها واضحة بلسان حالهم. فالأولياء مهما بلغوا من صلاح الحال ومن التقرب إلى الله. فأنهم بشر ليسوا معصومين وإنما مستعصمين بكتاب الله وسنة رسوله. والكل يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

فالمشهور عند أهل السنة من أصول الاعتقاد: أنه لا أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من الذنوب والخطايا([126]) كما أنه: ((ليس من شروط ولي الله أن يكون معصوما لا يغلط ولا يخطئ؛ بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين))([127]).

عصمة ولي الأمر عند الرازي

وقد أغرب الرازي فقرر العصمة لأولي الأمر بناء على قوله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ  (([128]) ثم قال: ((أن الله تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك والخطأ، والخطأ لكونه خطأ: منهي عنه، فهذا يقضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الواحد بالاعتبار الواحد وأنه محال.. فثبت قطعا أن ولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون معصوما))([129])أ.هـ

ولا شك أن السلف الصالح لم يفهموا من الآية ما فهمه الرازي رحمه الله، فإنه لما تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني، قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني))... إلى أن قال: ((أطيعوني ما أطعت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم))([130]) قال ابن تيمية مجيبا عن هذه الآية: ((وقد قال تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً  ( قال: ((فلم يقل [وأطيعوا أولي الأمر] ليبين أن طاعتهم فيما كان للرسول صلى الله عليه وسلم أيضا، إذ اندراج طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في طاعة الله أمر معلوم. فلم يكن تكرير لفظ الطاعة فيه مؤذنا بالفرق، بخلاف ما لو قيل [أطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر] منكم، فإنه قد يوهم طاعة كل منهما على حياله)). أضاف: ((فمن أوجب طاعة أحد غير رسول الله في كل ما يا أمر به، وأوجب تصديقه في كل ما يأمر به ويخبر به، وأثبت عصمته أو حفظه([131]) في كل ما يأمر به ويخبر من الدين، فقد جعل فيه المكافئ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمضاهاة له في خصائص الرسالة([132]) ثم استشهد بقصة الذي جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أميرا على سرية فغضب منهم وأمرهم أن يجمعوا حطبا ويلقوا بأنفسهم فيها، فكادوا أن يفعلوا فقال بعضهم لبعض: إنما تبعنا رسول الله فرارا من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضب الأمير، فأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف))([133]) واستدل بقوله: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))([134]) وكذلك قوله: (( على المرء المسلم الطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))([135]).


بماذا يعتصم الولي

وأعظم ما يعتصم به المرء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الزهري: ((كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال مالك: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق))([136]).

فما معنى العصمة الواردة في القرآن:

وقد أشكل على البعض لفظ العصمة في الوارد في القرآن فظنوا أن المراد منه العصمة التي بمعنى الكمال المطلق والتنزيه الكلي عن اقتراف الذنوب والخطايا، وذلك كما في قوله تعالى: )وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (([137]) غير أن معنى العصمة في هذه الآية ليس من مجرد الخطأ وإنما المقصود أن يعصمه الله من أذى الناس في تبليغ ما أنزل إليه، فإن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم حفظ للشريعة. قال ابن تيمية: ((ولفظ العصمة في القرآن جاء في قوله: (والله يعصمك من الناس) أي من أذاهم، فمعنى هذا اللفظ في القرآن: هو الذي يحفظه الله عن الكذب خطأ وعمدا.. وقد يكون معصوما على لغة القرآن، بمعنى أن الله عصمه من الشياطين: شياطين الإنس والجن، أن يغيروا ما بعث به أو يمنعوه عن تبليغه، فلا يكتم ولا يكذب كما قال تعال:ى )عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (([138]) )لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ( فهو يسلك الوحي من بين يدي الرسول ومن خلفه، وهذا في معنى عصمته من الناس، فهو المؤيد المعصوم بما يحفظه الله من الإنس والجن حتى يبلغ رسالات ربه كما أمر))([139]).


الولي إذا أرتد

وقد وقع النزاع بين طوائف هذه الأمة في مسألة الولي الذي ارتد:

*فالولي إذا قام به الإيمان والتقوى زمنا ثم ارتد هل كان زمن إيمانه مؤمنا ووليا حقا أم كان باطلا بمنزلة من كان صائما وأفطر قبل الغروب؟

*وهل كان الله يحبه ويرضى عنه زمن ولايته وإيمانه ثم أبغضه وسخط عليه حين ارتد أم كان ساخطا عليه زمن ولايته وإيمانه لعلمه بأنه سيكون مرتدا؟

يصف ابن تيمية من قام به الإيمان والتقوى ومات على ذلك بـ ((الولي المطلق)). قال: ((ولا نزاع في هذا النوع)).

ثم إن أكثر أصحاب أبي حنيفة لا يشترطون سلامة العقبة في ذلك فقد تقوم به الولاية زمنا ثم تتغير عاقبته فيكون وليا حقيقة ثم يرتد.

أما أكثر أهل السنة والحديث من أصحاب أحمد وأصحاب مالك والشافعي وكذلك المتكلمين كالأشعري والشيعة فإنهم يشترطون سلامة العاقبة، وإلا لم يكن وليا حقيقة زمن ولايته.

أجاب قائلا: ((والتحقيق هو الجمع بين القولين، فإن علم الله القديم الأزلي وما يتبعه من محبته ورضاه وبغضه وسخطه وولايته وعداوته لا يتغير. فمن علم الله منه أنه يوافي حين موته بالإيمان والتقوى فقد تعلق به محبة الله وولايته ورضاه عنه أزلا وأبدا. وكذلك من علم الله منه أنه يوافي حين موته بالكفر فقد تعلق به بغض الله وعداوته وسخطه أزلا وأبدا، لكن مع ذلك فإن الله يبغض ما قام بالأول من كفر وفسوق قبل موته وقد يقال: أنه يبغضه ويمقته على ذلك كما ينهاه عن ذلك وهو سبحانه وتعالى يأمر بما يفعله الثاني من الإيمان والتقوى، ويحب ما يأمر به ويرضاه. وقد يقال: أنه يواليه حينئذ على ذلك([140]).

أضاف: ((والدليل على ذلك: اتفاق الأمة على أن من كان مؤمنا ثم ارتد فانه لا يحكم بأن إيمانه الأول كان فاسدا بمنزلة من أفسد الصلاة والصيام والحج قبل الإكمال. وإنما يقال كما قال تعالى: )وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ (([141]) )لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (([142]) )وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (([143]).

قال: ((ولو كان فاسدا في نفسه لوجب الحكم بفساد أنكحته المتقدمة وتحريم ذبائحه، وبطلان إرثه المتقدم، وبطلان عباداته جميعها فلو حج عن غيره كان حجه باطلا. ولو صلى مدة بقوم ثم ارتد كان عليهم أن يعيدوا صلاتهم خلفه. ولو شهد- أو حكم- ثم ارتد لوجب أن تفسد شهادته وحكمه.

 كذلك أيضا الكافر إذا تاب من كفره: لو كان محبوبا لله وليا له في حال كفره لوجب أن يقضي بعدم أحكام ذلك الكفر. ثم انتهى إلى أن ((هذا كله خلاف ما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع))([144]).


شرح حديث الولي

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما أفترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))([145]).

تواضع الولي

وقد أدرج البخاري هذا الحديث في باب التواضع، وهذا من بعد نظره وفقهه غير أن بعض العلماء لم يدركوا سبب إفراده في باب التواضع حيث أشكل الأمر عليهم كما أفاد ذلك الحافظ ابن حجر حتى قال الداودي: ((ليس هذا الحديث من التواضع في شيء)) وقال بعضهم: المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه.

قال الحافظ: ((والجواب عن البخاري من أوجه: أحدهما أن التقرب إلى الله بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع))([146]).

وقد ورد عن بعض السلف كلمة في تواضع الولي قال فيها ((فأولياء الله قد خالطهم أمر عظيم، فهم لا يرضون أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكي أحدهم خاف مما يقال فيقول: أنا أعلم بنفسي من غيري، وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، وأغفر لي ما لا يعلمون))([147]).

*((من عادى لي وليا فقد آذنته بالمحاربة)) قال ابن تيمية: ((فجعل معاداة عبده معاداة له، فعين عدوه عدو عبده، وعين معاداة وليه عين معاداته ليسا هما شيئين متميزين. ولكن ليس الله هو عين عبده ولا جهة عداوة عبده عين جهة عداوة نفسه، وإنما اتفقا في النوع))([148]).

قال الحافظ ابن حجر: ((وقد استشكل وقوع المحاربة وهي مفاعلة من الجانبين مع أن المخلوق في أسر الخالق! والجواب: أنه من المخاطبة بما يفهم فإن الحرب تنشأ عن العداوة، والعداوة تنشأ عن المخالفة.. فكأن المعنى: تعرض لإهلاكي إياه، قال الفاكهاني: في هذا تهديد لأن من حاربه الله أهلكه. قال الحافظ: ((وإذا ثبت هذا من جانب المعاداة ثبت في جانب الموالاة، فمن والى أولياء الله أكرمه الله))([149]).

الفرائض أحب إلى الله من النوافل

*((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضته عليه)) قال الحافظ: ((وفي رواية ابن أمامة: ((ابن آدم إنك لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك..)). قال ابن هبيرة: ((النافلة لا تقدم على الفريضة لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة، فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة، ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب))([150]) وهذا رد على من جعل النافلة أفضل من الفريضة وأقرب وسيلة إلى الله منها. وقصر الولاية على المتقربين إلى الله بكثرة الأذكار والأوراد والنوافل.


مذهب الحكيم الترمذي في التقرب ([151]

 بيد أن الحكيم الترمذي لم يهنأ بالا لذلك فإن هذا لا يتماشى مع مبدئه القاضي بتقرب الولي بالمجاهدات حتى ترتفع درجة ولايته فوق الأنبياء)) كما زعم.

فذهب إلى أن (الفرائض من الصلاة والصوم والزكاة إنما فرضها الله ليحط بها عن العبد الخطايا وليطهره بها... فإن العبد قد يلهو عن العبودة [أي العبادة] ويطيع الهوى ويركب  الخطايا والذنوب، فهذه سيئات قد قبحته وشانته، فإذا صلح فالقيام تذلل وتسليم، والركوع خشوع، والسجود خضوع، والجلوس رغبة وضرع، فهذه حسنات تذهب السيئات، وتظهر الزين وتستر الشين)). ((وأما الزكاة فقال تعالى: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (([152]) وأما الحج فإن الله أمر بالوقوف ثم قال في أخره )فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ (([153]) أي يرجعون مغفورين قد حطت عنهم الآثام)). قال: ((فهذه الفرائض فرضها عليهم لتكون دواء للداء الذي اكتسبوه فإذا أقامها فقد تطهر فيصلح للقربة))([154]).

مناقشة قوله

ومعنى ذلك أن الفرض ليس وسيلة للتقرب إلى الله وإنما هو دافع للإثم والتخلص من أثار الذنوب، مع أن الحديث القدسي بأنه ما تقرب العبد إلى الله بشيء أحب إلى الله من أداء ما افترضه عليه!

وقد أخطأ الاستدلال بالآية )فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ( لأن الآية تتحدث عن التأخر وهو سنة زائدة عن يومي المبيت الواجبين بمنى. ولا يعقل أن يقال في الفرض فمن أتى به فلا إثم عليه ومن تركه فلا إثم عليه.

ثم قوله تعالى: ((ما تقرب عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) واضح في أن أداء الفريضة هو من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله. وهذا من يسر الإسلام فما الداعي إلى تعسير الأمر وقصر الولاية على النوافل والأذكار مع أن النوافل شرعت لجبر ما نقص من الفرائض كما في حديث ((أن أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة الصلاة. فإذا كانت ناقصة قال الله للملائكة: ((أنظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته))([155]) فتكون النافلة تابعة للفريضة غير مقدمة عليها ولا أعظم منها.

وباب الولاية مفتوح لعامة الناس وليس للخواص كما امتلأت به كتب التصوف وليس فقط للأئمة كما امتلأت به كتب الشيعة ويؤيد ذلك حديث الرجل الذي أقسم للنبي صلى الله عليه وسلم ألا يزيد على الأركان الخمس شيئا ولا ينقص منها ((أفلح أن صدق)) وفي رواية ((دخل الجنة أن صدق))([156]) فهل يدخل الجنة غير الأولياء؟

ولقد أخذت الاستهانة بالفرائض طوراً آخر عند صوفية آخرين، فقالوا بإسقاط الله التكاليف الشرعية عن أوليائه المقربين وجواز تركهم الفرائض لأنهم صاروا من الواصلين. مثال ذلك ما قاله الكمشخانلي الصوفي: ((يبلغ الولي مبلغا يقال له أصحبناك السلامة وأسقطنا عنك الملامة فافعل ما شئت))([157]).

* فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به قال ابن تيمية: ((ليس معناه أنه يكون نفس الحدقة والشحمة والعصب والقدم، وإنما يبقى المقصود بهذه الأعضاء والقوى وهو بمنزلتها في ذلك، فإن العبد بحسب أعضائه وقواه يكون إدراكه وحركته، فإذا كان إدراكه وحركته بالحق ليس بمعنى خلق الإدراك والحركة فإن هذا قدر مشترك فيمن يحبه وفيمن لا يحبه))([158]).

 أما الحافظ ابن حجر رحمه الله فقد أجاب عن هذه الجملة بما يلي:

- أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا إلى ما يرضيني. الخ.

- أنه ورد على سبيل التمثيل والمعنى: كنت سمعه  وبصره في ايثارة أمري

- أجعل له مقاصد كأنه ينالها بسمعه وبصره.

- كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله.

- أنه حذف مضاف والتقدير: كنت حافظ سمعه.

- أن يكون معنى سمعه مسموعة لأن المصدر قد جاء  بمعنى المفعول ([159]).

 ولم يرجح الشوكاني شيئا مما ذكره الحافظ غير أنه قال: ((الذي يظهر لي في معنى هذا الحديث القدسي، أنه إمداد الرب سبحانه لهذه الأعضاء بنوره الذي تلوح به طرائق الهداية وتنقشع عنه سحب الغواية. وقد نطق القرآن العظيم بأن الله هو نور السموات والأرض.

ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه قال: ((رأيت نورا أنى أراه))([160])  وثبت أنه سبحانه محتجب بالأنوار، وثبت في الصحيحين وغيرهما من دعائه: ((اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي بصري نورا، وفي سمعي نورا))([161]) وأي مانع من أن يمد الله سبحانه عبده من نوره فيصير صافيا من كدورات الحيوانية الإنسانية لاحقا بالعلم العلوي سامعا بنور الله، مبصرا بنور الله، باطشا بنور الله، ماشيا بنور الله، وما في هذا من منع أو من أمر لا يجوز على الرب سبحانه وتعالى وقد سأله رسوله صلى الله عليه وسلم  وطلبه من ربه.

ووصف الله عباده بقوله: )نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ (([162]) وليس في هذا ما يخالف موارد الشريعة.. وقد جعل الله سبحانه الخروج من ظلمات المعاصي إلى أنوار الطاعات خروجا من الظلمات إلى النور)).

((فمعنى الحديث: كنت سمعه بنوري الذي أقذف فيه، فيسمع سماعا لا كما يسمعه أمثاله من بني أدم، وكذلك بقية الجوارح)).

وأنظر في هذا الدعاء الذي طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون نور الله في سمعه وبصره وقلبه وعصبه ولحمه ودمه وشعره وبشره ولسانه ونفسه، بل سأل ربه أن يمده بنوره خلفه وأمامه، فلولا أن لنور الله سبحانه قوة لجميع الأعضاء ما طلبه سيد ولد آدم وخير الخليقة))([163]).

مسألة التردد:

أما التردد فقد أورد الحافظ فيه كلاما كثيرا لأهل العلم أضعفها ما حمله الخطابي على معنى ((الترديد)) وهو التكرار وحاصل هذا المحمل ((أخراج التردد عن معناه اللغوي إلى معنى لا يلاقيه ولا يلابسه بوجه من الوجوه)) قاله الشوكاني([164]) وقال ابن تيمية رحمه الله ((فبين سبحانه أنه يتردد، لأن التردد تعارض أرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال تعالى ((وأنا أكره مساءته)) وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت([165]) فسمي ذلك ترددا ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك))([166]).

 وبعد استعراض الشوكاني لأقوال العلماء خلص إلى أن التردد ((كناية عن محبة الله لعبده المؤمن أن يأتي بسبب من الأسباب الموجبة لخلوصه من المرض الذي وقع فيه حتى يطول به عمره من دعاء أو صلة رحم أو صدقة، فإن فعل مد له في عمره بما يشاء وتقضيه حكمه، وإن لم يفعل حتى جاء أجله وحضره الموت: مات بأجله الذي قد قضى عليه إذا لم يتسبب بسبب يترتب عليه الفسحة له في عمره مع أنه وإن فعل ما يوجب التأخير والخلوص من الأجل الأول: فهو لابد من الموت بعد انقضاء تلك المدة التي وهبها الله سبحانه له)) فكان هذا التردد معناه: انتظار ما يأتي به العبد مما يقتضي تأخير الأجل أولا يأتي فيموت بالأجل الأول.([167])

الفناء الصوفي ووحدة الوجود

 وقد وجد بعض الصوفية في هذا الحديث ((كنت سمعه الذي يسمع به)) بغيتهم ووافق عندهم ما استقوه من ينابيع النيرفانا الهندية ونظرية الفيض والإشراق الأفلاطونية. والتي مفادها أن العبد لا يزال يذكر الله حتى يفنى عن نفسه وهو ما يسمونه بمقام الفناء والمحو.. حتى يشهد بأن الذاكر والمذكور صارا شيئاً واحدا، وأن الله هو الذاكر لنفسه الموحد لنفسه، المحب لنفسه([168]).

وقد تصدى ابن تيمية لهؤلاء في غالب فتاويه، ورد مزاعمهم بأن هذا الحديث يثبت سائلا ومسئولا لقوله ((ولئن سألني لأعطينه)) كما أثبت ثلاثة: أثبت نفسه ووليه ومعادي وليه([169]) فالسائل غير المعطي ويستحيل أن يكون الولي ومعادي الولي شخصا واحدا، أو أن يكون المدافع عن الولي ومحارب الولي شيئا واحدا.

ولهذا كان حاصل الولاية عندهم ((تحقيق الفناء في الذات.. فأولها التمكن من الفناء ونهايتها تحقيق البقاء ([170]).


 ولاية حتى الفناء

وذكر الجرجاني تعريف الولاية عند بعض الصوفية: ((أنها قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه([171]). وذكر القشيري أقوالاًا لبعض مشايخ الصوفية تتضمن إشارات وتصريحات إلى مقام الفناء بالله عندهم. منها:

قال الجنيد: التصوف هو أن يميتك الحق عنك ويحييك به)). والمحبة توجب انتفاء المباينة، فإن المحب أبدا مع محبوبه.

وقال السري: لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد منهما للآخر: يا أنا.

وقال أبو علي الجوزجاني: ((الولي هو الفاني في حاله، الباقي في مشاهدة الحق سبحانه، تولى الله سياسته فتوالت عليه أنوار التوالي)).

وقال الجنيد عن المحبة: دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب ([172]).

وعن أبي سعيد الخراز قوله: ((إذا أراد الله تعالى أن يوالي عبدا من عبيده فتح عليه باب ذكره فإذا استلذ الذكر فتح عليه باب القرب))([173])  ثم رفعه إلى مجالس الأنس به، ثم أجلسه كرسي التوحيد ([174]) ثم رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية، وكشف له عن الجلال والعظمة، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو (ى)([175])  وينقل الكلاباذي عن الشبلي قوله: ((أنا أقول وأنا أسمع، فهل في الدارين غيري؟([176]) وذكر الغزالي أن توحيد العوام: ((لا إله إلا هو، وتوحيد الخواص: لا هو إلا هو)).

قال: فلا هو إلا هو، عبارة عما إليه الإشارة، وكيفما كان فلا إشارة إلا إليه، بل كلما أشرت فهو بالحقيقة الإشارة إليه)) قال: ((وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: صرت سمعه الذي يسمع به...)) إلى أن قا:ل (وإذا كان هو سمعه وبصره ولسانه فهو السامع والباصر والناطق إذن لا غير)). ((وإليه الإشارة بقوله تعالى لموسى عليه السلام: مرضت فلم تعدني...)) ((وختم بقوله: ((فربما نظر الناظر إليه أن ذلك له تأويل كقوله: أنا الحق، وسبحاني([177]) وقد آلت هذه الفكرة المقتبسة من رواسب الأديان الهندية القديمة إلى القول بفناء الأنية في عين الألوهية، ثم نفوا المباينة بين الاثنين. ومن المتفق عليه أن أحسن الناس عبادة هي عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعبد الله بمثل هذا الفناء.


 الولاية عند الصوفية

تعريف الولي والولاية:

تعتمد غالب كتب المتصوفة في تعريف الولي على الرسالة القشيرية والتي جاء فيها تعريف الولي على معنيين:

* أحدهما: فعيل بمعنى مفعول، وهو من يتولى الله سبحانه أمره. قال تعالى: ) وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ( فلا يكله إلى نفسه لحظة، بل يتولى الحق سبحانه رعايته.

* والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل، وهو الذي يتولى عبادة الله تعالى وطاعته، فعبادته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان.. فلا يخلق له الخذلان الذي هو القدرة على العصيان)).

قال ((وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليا... فمن شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوماً؟))([178]).

وفي هذين التعريفين ما يفيد اشتراط العصمة للولي.

ففي التعريف الأول: ((لا يتركه الله لنفسه لحظة واحدة)).

وفي الثاني: تتوالى عبادته فلا تنقطع ولا يتخللها عصيان.

ومن هنا يمكن ملاحظة نقطة الاختلاف والتباين بين مفهوم أهل السنة في الولي وبين فهم المتصوفة له.

فأهل السنة لا يرون أحدا معصوما غير النبي لا ولي ولا غيره. في حين أن الصوفية يجعلون العصمة شرطا للولي. ومنهم من ينفي الولاية تماما عمن وقع في زلة أو خطيئة، وأبرزهم في ذلك القشيري نفسه([179]).

الولاية أساس التصوف:

لقد قام التصوف على أساس الولاية والولي حتى قال الهويجري وهو أحد أئمة المتصوفة: ((فاعلم أن أساس التصوف والمعرفة قائم على الولاية))([180]).

وأول من طبق اصطلاح الولاية على أصول التصوف هو الحكيم الترمذي، إذ أن مذهبه كله قائم على الولاية، وأثاره التي خلفها تشهد بذلك منها كتاب ((ختم الأولياء)) ((وسيرة الأولياء)((وعمل الأولياء)).

وقد جعل الحكيم الولاية حظاً يختصه الله ويصطفيه لمن يشاء لولايته، كما اصطفى من شاء لنبوته. قال: ((الولي من كتب الله له الولاية وجعل له حظا، فبحظه من الله تعالى بقدر أن يتولاه كما أن النبوة لمن كتب له النبوة وجعل له حظا.

فبحظه من الله تعالى قامت له النبوة... فالمغبوط من تقرب درجته من درجة الأنبياء علوا وارتفاعا.

ثم قال بعد ذلك كلمته التي كانت إحدى بلاياه حين أخرجه أهل بلده من ترمذ. واستغلال الزنادقة لها فقال: ((وقد يكون من الأولياء من أرفع درجة)).

واستدل على مذهبه بقصة لا أصل لها وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطلب من رجل اسمه هلال أن يدعو له ويسأل الله له المغفرة، فكان هلال يكرر سؤاله إلى الله أن يغفر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الترمذي أن النبي أخبر أن هذا الرجل أحد السبعة الذين كانت تقوم بهم الأرض))([181]).

وقد تطورت هذه النظرية عند الترمذي حتى أدت إلى تفضيل الولي على النبي وإحداث رتبة للولي تسمى (خاتم الأولياء) استفادها منه ملاحدة التصوف وفلاسفته أمثال ابن عربي وبن سبعين وغيرهما([182]).

الولاية عند الغزالي والقشيري

وقد قسم الغزالي مراتب الولاية إلى أربع، قائلا ((بل الرتبة العليا للأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء الراسخين في العلم ثم للصالحين))([183]).

فقدم الأولياء- وهم العارفون- على الراسخين الذين أثنى الله عليه ) شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ ( وقوله ) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ (([184]).

ثم قسم الروح إلى بهيمية وأمرية. فالبهيمة تختص بالبهائم وبمن هو في مثل حالها من الأنس، والأمرية يختص بها الأنبياء والأولياء، مستدلا على الروح الأمرية بقوله تعالى ) قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (.

كذلك جعل القشيري طائفة المتصوفة صفوة أولياء الله، فضلهم على كافة عباده بعد رسله وأنبيائه([185]).

أما العلم وطلبه فلم يكن مرغوبا لدى الداعين إلى التصوف، حتى ذموه وجعلوه عائقا عن سلوك طريق القوم. فقد سئل الدقي عن سؤ أدب الفقراء مع الله فقال:انحطاطهم من الحقيقة إلى العلم([186]).

وروى الغزالي عن الجنيد أنه قال: ((أحب للمريد ألا يشغل قلبه بثلاث و إلا تغيرت حاله: التكسب، طلب الحديث، التزوج))([187]) وروى عن أبي سليمان الداراني قوله: ((إذا طلب الرجل الحديث، أو تزوج، أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا))([188]) ونص ابن عجيبة في فتوحاته الإلهية أن قول الغزالي والقشيري متفق على قبوله عند الصوفية))([189]).


الولاية عند السهرودي

ويطلع علينا السهرودي واشراقيته الفلسفية برأي لم ((يسبقه إليه أحد من المتصوفة حيث فرق بين طينة الأولياء والأنبياء من جهة وبين الطينة التي خلق الله منها سائر الخلق من جهة أخرى.

قال: ((لما بعث الله جبريل وميكائيل ليقبضا قبضة من الأرض فأبت، حتى بعث الله عزرائيل فقبض قبضته من الأرض، وكان إبليس قد وطئ الأرض بقدميه، فصار بعض الأرض بين قدميه وبعض الأرض بين موضع أقدامه.

فخلقت النفس مما مس قدم إبليس فصارت مأوى الشر. وبعضها الآخر لم يصل إليه قدم إبليس.

فمن تلك التربة أصل الأنبياء والأولياء ([190]).

ثم وصف الأولياء بأنهم: ((أجساد أرضية بقلوب سماوية وأشباح فرشية بأرواح عرشية، لأرواحهم حول العرش تطوف))([191]).

وهناك سهروردي آخر غير عمر بن محمد- صاحب عوارف المعارف- جعل أحباب الله أقل رتبة من أوليائه إذ قال: ((أن الله تعالى ادخر البلاء لأوليائه كما ادخر الشهادة لأحبابه([192]).

 كما أن ابن عجيبة جعل الصالحين في مرتبة أدنى من الأولياء، فالصالحون هم الذين ((صلحت أعمالهم الظاهرة واستقامت أحوالهم الباطنة. أما الأولياء فهم أهل العلم بالله))([193]).


 مقامات الأولياء عند الصوفية

وللأولياء- نيابة مقام الأنبياء- أربعة مقامات:

الأول: مقام خلافة النبوة.

الثاني: مقام خلافة الرسالة.

الثالث: مقام خلافة أولي العزم.

الرابع: مقام خلافة أولي الاصطفاء: أي اصطفاء الأقطاب([194]) وكلها كما ترى متعلقة بإرث النبوة وخلافتها.

ثم وضعوا في هذه المقامات تقسيمات أكثر تفصيلا وهذه التقسيمات مبنية على أحاديث لا صحة لها أورد بعضها أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء منها:

لله عز وجل ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم عليه السلام.

ولله في الخلق أربعون قلوبهم على قلب موسى صلى الله عليه وسلم.

ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل صلى الله عليه وسلم.

ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل صلى الله عليه وسلم.

  ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام.

فإذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة.

وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة.

وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة.

وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين.

وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة.

وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة.

فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء)) انتهى([195]). ثم رتبوا للأولياء ألقابا وجعلوا لصاحب كل مرتبة وظيفة كونية في الأرض. وجعلوا لهم في القدرة والتصرف ما لا يجوز أن يتصف به إلا الله وحده.

*فالنقباء ثلاثمائة: وهم الذين نقبوا الكون وخرجوا إلى فضاء شهود المكون ومسكنهم المغرب.

*والنجباء سبعون: وهم السابقون إلى الله تعالى وسموا بذلك لنجابتهم ومسكنهم مصر.

*والأبدال أربعون: ((الأبدال)) ومسكنهم الشام.

*والرجبيون اثنا عشر: ومقامهم موسمي فلا يكون لهم مقام إلا في شهر رجب ثم يفقدون ذلك الحال وهم النقباء([196]).

*والأخيار سبعة: وهم السياحون في الأرض.

*والأوتاد أربعة: موزعون على أربع زوايا من الكون  ليكونوا ركنا له.

*والحواريون اثنان: وكان منهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير.

*والقطب أو الغوث: ويكون واحدا وهو القائم بحق الكون والمكون.


مزايا هذا القطب ومؤهلاته

وللقطب الخلافة الباطنة وروحانية الكون الذي عليه مداره.

*المزية الأولى: له أن يكون متخلقا بأخلاق الرحمة.

*المزية الثانية: أن يمد بمدد العصمة.. ويقال لها: الحفظ.

* المزية الثالثة: أن يكون خليفة الله في أرضه، أميناً على عباده بالخلافة النبوية، قد بايعته الأرواح وانقادت إليه الأشباح.

*المزية الرابعة: أن يكون نائباً عن الله في تصريف الأحكام.

* المزية الخامسة: أن يمد بمدد حملة العرش من القوت والقرب، فهو حامل عرش الأكوان كما أن الملائكة حاملة عرش الرحمن.

*المزية السادسة: أن يكشف له عن حقيقة الذات فيكون عارفا بالله معرفة العيان.

*المزية السابعة: أن يكشف له عن إحاطة الصفات الكائنات.

*المزية الثامنة: أن يكرم بالحكم والفصل بين الوجودين: أي بين الوجود الأول قبل التجلي وهو المعبر عنه بالأزل القديم، وبين الثاني الذي وقع به التجلي والفصل بينهما ([197]) [إشارة منه إلى وحدة الوجود].

وهكذا انطمست الولاية بمفهومها القرآني. وحلت محلها مفاهيم باطلة جعلت للأولياء مراتب تصل إلى حد الألوهية كالغوث والقطب الذي يحوز عليه لقب الغوث حينما يصير مستغاثاً به ([198]).

ويرد ابن تيمية هذه المراتب بأنها لم ترد في كتاب ولم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما تستند إلى أحاديث موضوعة مكذوبة ([199]).

وأبعدها عن الوضع حديث ((الأبدال في أمتي أربعون)) وهو منقطع الإسناد، فأبعدها عن الوضع لم يقرب إلى درجة الصحيح.

وكذلك يرد هذه التقسيمات أن الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في مقتبل الدعوة كانوا قلة لم يزيدوا على السبع وكان فيهم أبو بكر وفي فترة أخرى صاروا أقل من أربعين وفي فترة أخرى أقل من ثلاثمائة فأين كان القطب والأبدال والثلاثمائة قبل محمد حين كان عامة الناس كفرة.

وأين كانوا زمن إبراهيم عليه السلام حينما كان مؤمنا وحده وزوجته كما جاء في صحيح البخاري أنه قال لها: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك ([200]).

فهذه المراتب إنما هي من جنس أقوال الشيعة في ((بابهم)). وهي مأخوذة عن الإسماعيلية في مراتب أئمتهم كالسابق والتالي والناطق والأساس والجسد([201]) والاختلاف ليس إلا في التسمية.

وهكذا أصبح العالم تسيره مملكة هرمية تبدأ من القطب مرورا بالأنجاب والأبدال والأوتاد يتصرفون في الأكوان: مملكة هرمية وهمية لا تنفع ولا تضر.

كيف تنال مرتبة الولاية عند الصوفية

وهناك عدة طرق لنيل مرتبة الولاية عند الصوفية أهمها:

*الخلوات والجوع وترك الأهل والولد والخروج إلى البوادي.

*نيل الولاية عن طريق الشيخ المرشد. وقد قرروا أن ((من لا شيخ له فشيخه الشيطان))([202]).

الخلوة

أما الخلوة فتقتضي عندهم ترك الأهل والمال والولد فإنهم شواغل وحجر عثرة أمام طريق الولاية فروى أبو طالب المكي أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((لأن يربي أحدكم جرو كلب خير من أن يربي ولدا)). وحديث: ((إذا كان بعد المائتين أبيحت العزوبة لأمتي))([203]). وروى أبو نعيم عن رياح القيسي أنه قال: ((لا يبلغ الرجل منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام ويأوي إلى منازل الكلاب))([204]). وقال أبو عبد الله الرملي: ((ليكن خدنك الخلوة، وطعامك الجوع.. فإما أن تموت وإما أن تصل إلى الله ([205]).

ويحكي الجنيد أنه ما أخذ التصوف عن ((القيل والقال)) ولكن عن الجوع وترك الدنيا))([206]) ويؤكد أبو يزيد البسطامي أنه ((ما نال المعرفة إلا ببطن جائع وبدن عار))([207]).

ويثني الداراني على رهبان النصارى لإيثارهم الخروج والمشقة وقطع البراري فيقول: ((ما قووا على ما هم فيه من المفاوز والبراري إلا بشيء يجدونه في قلوبهم))([208]) لذا كانت له بهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الرهبانية المبتدعة.

خدمة الشيخ طريق الولاية

وطريق الولاية مسدود إلا على يد الشيخ الموصل المرشد، والسبيل إلى نيلها يمر عبر خدمة الشيخ وقضاء حوائجه، يؤكد ابن عجيبة ذلك فيقول بأن ((الشيخ الغزالي والشيخ عبد الله الوازني وغيرهما من الأولياء ما نالوا مرتبة الولاية وكمال الصلاح إلا بخدمة مشايخهم))([209]).

ويحذر هو والصيادي من التجرؤ على سلوك طريق الولاية من غير شيخ فيقول رواية عن غيره ((لو كان الرجل يوحي إليه ولم يكن له شيخ لا يجيء بشيء))([210]). ويحرم على المريد تغيير الشيخ والتتلمذ على يد شيخ آخر لأنه ((كما أن الله لا يغفر أن يشرك به فكذلك الأشياخ لا يسامحون المريد في شركته معهم غيرهم)) وكما أنه لم يكن للعالم إلهان.. فكذلك لا يكون للمريد شيخان))([211]) قاله الشعراني، والنظر إلى وجه الشيخ عندهم عبادة وخير للمريد من عبادة خمسين سنة ([212]).

*ومن أهم الآداب مع الشيخ ((أن تتخيله دائما وكأنه أمامك وخاصة عند الذكر وهذا من أهم المقامات ويسمونه بـ ((مقام الرابطة)) أي الرابطة بين المريد والشيخ. ومن لم يتخيل صورة شيخه فلا تتم له الرابطة ولا يحصل له مطلوبه))([213]).

*ومن الآداب ((تقبيل يد الشيخ ثم رجله، ثم... فهو من أحسن التعظيم))([214]).

*ومنها ألا ينكر عليه ما ظهر منه من صنعة عيب، فلربما يظهر من الشيخ ما لا يعلمه المريد ويكون مراد الشيخ بذلك امتحانه، كما وقع لبعضهم أنه دخل على شيخه فرأى عنده امرأة جميلة يلاعبها ويعانقها ويجامعها، فخرج منكرا على شيخه فأخذ منه الشيخ جميع ما استفاده منه، ومع ذلك فالمرأة لك تكن سوى امرأة الشيخ وزوجته جعلها الشيخ امتحانا للمريد))! ([215]).

وكان مما من الله به على الشعراني على حد قوله ((كسر قفص طبعي([216]) حتى صرت لا أستحي من تعليم النساء الأجانب آداب الجماع))([217]).

 شروط الولاية عند الصوفية

الكرامة عندهم من  شروط الولاية

على أن بعض المتصوفة يرى اشتراط حصول كرامة للولي ويتمثل هذا الرأي عند الشعراني القائل ((إن من شرط صحة بداية المريد في دخوله الطريق أن يمشي على الماء والهواء وتطوى له الأرض ومن لم يقع له ذلك فليس له في مقام الإرادة قدم))([218]) . وبعضهم يرى أن ظهور الكرامة دلالة على الولاية والصدق لأن الكاذب لا تظهر عليه الكرامة ([219]).

وذكر اللقاني على شرح جوهرة التوحيد أن ((من لم تظهر كرامته بعد موته كما كانت في حياته فليس بصادق))([220]).

ومن هذا المبدأ تغلغل كثير من الدجالين بين جهال الأتباع وادعوا الولاية والصدق وأظهروا لهم من المخاريق والحيل ما توهموا أنه كرامة، فقد علمهم القشيري أن ظهور الكرامة يستحيل على الكاذب.

وهذا حق ولكن ههنا أحد احتمالين:

* الأول أن يكون وليا صادقا لكن لبس عليه الشيطان وأوهمه ما يشبه الكرامة.

* الثاني أن يكون كاذبا يدعي الكرامات ويأتيها أمام أعين الناس لكنه يفعل ذلك بمساعدة شيطان يستعمله طعما ليوقع به الناس في الشرك.

وهذا الثاني يستدل به من كلام كثير من المتصوفة فقد روى أبو نعيم في الحلية أن أبا يزيد البسطامي كان يقول ((لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة([221]).

والقشيري نفسه يروي عن البسطامي أن رجلا قال له ((فلان يمشي في ليلة إلى مكة فقال: الشيطان يمشي في ساعة من المشرق إلى المغرب في لعنة الله))([222]).

يقول ابن تيمية: ((يجوز أن يشتبه على الولي بعض أمور الدين، ويجوز أن يظن في بعض الخوارق أنها كرامات وتكون من الشيطان لبسها عليه لنقص درجته ولا يعرف أنها من الشيطان وإن لم يخرج بذلك على ولاية الله تعالى))([223]).

لكن المتصوفة لم يلتفتوا إلى هذا الاحتمال الذي ذكره الشيخ وهو احتمال أن تكون الكرامة خدعة من الشيطان ولم يتنبهوا إلى أن الكشف قد يكون خدعة شيطانية أيضا، وإنما سلموا بكون ذلك كرامة مع أنهم رووا عن شيوخهم رؤية ومقابلة رجال عجيبي الخلقة وأخذهم الحكمة عنهم واعترف بعضهم أنهم من الجن ومع ذلك مضوا تحت هذه المكيدة.

مثال ذلك ما حكاه أنه رأى فجأة رجلاً فقال: أبا القاسم متى تصير النفس داءها دواؤها؟ فقال الجنيد: إذا خالفت هواها ثم قال له الجنيد: من أنت؟ فقال: أنا فلان الجني جئتك من المغرب، ثم ودع الجنيد بحكمة صوفية قائلا: لا تكن عبد الله حقا وأنت لشيء سواه مسترقا، ثم غاب عنه([224]).

ولهذا كان السلف يعلمون هذه الخديعة الشيطانية ويحذرون منها.

ففي صحيح مسلم أن ابن مسعود قال ((إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم: سمعت رجلا أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث))([225]).

ويذكر ابن تيمية نماذج لما تفعله الشياطين ببعض الجهال من الصالحين فيقول: ((والذين تحملهم الجن وتطير بهم من مكان إلى مكان أكثرهم لا يدري كيف حمل، بل يحمل الرجل إلى عرفات ويرجع وما يدري كيف حملته الشياطين.. أو يوقعونه بذنب ويغرونه بأن هذا من كرامات الصالحين، وليس هو مما يكرم الله به وليه بل هو مما أضلت به الشياطين وأوهمته أن ما فعله قربة وطاعة([226]) وكثير من أهل العبادة والزهد من يأتيه في اليقظة من يقول أنه رسول الله، ويظن ذلك حقا... وكذلك يأتي كثيرا من الناس في مواضع ويزعم أمامهم أنه الخضر، فيعتقد أنه الخضر وإنما كان جني من الجن.

ولهذا لم يجترئ الشيطان على أن يقول لأحد من الصحابة أنه الخضر ولا قال أحد من الصحابة أني رأيت الخضر، وإنما وقع هذا بعد الصحابة وكلما تأخر الأمر كثر حتى أنه يأتي اليهود والنصارى ويقول أنه الخضر، ولليهود كنيسة معروفة بكنيسة الخضر، وكثير من كنائس النصارى يقصد هذا الخضر([227]).

ولذلك يزعم بعض المتصوفة أنهم تلقوا مبادئ طريقتهم عن الخضر الذي أخبر شيخهم بكيفية الذكر كالنقشبندية الذين يزعمون أن الخضر علمهم كيفية الذكر الخفي وهو الانغماس في الماء وذكر الله فيها([228]) وقد كان المعلم في الحقيقة شيطاناً.


الكرامات والخوارق الشيطانية

تعريف الكرامة لغة

قال في القاموس المحيط([229]).

والكرم: ضد اللؤم.

وأكرمه كرمه: عظمه ونزهه، والكريم: الصفوح

ورجل مكرام: مكرم للناس.

وأكرمه يكرمه: ويقال في التعجب: ما أكرمه لي قاله في مختار الصحاح([230]) أضاف ((وهو شاذ لا يطرد في الرباعي، قال الأخفش: وقرأ بعضهم ) وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ(.([231]) بفتح الراء أي من إكرام، وهو مصدر كالمخرج والمدخل انتهى.

بالجملة فالكرامة ضد الإهانة. بدليل الآية السابقة.

تعريف الكرامة اصطلاحا

يعرفها كثير من العلماء وأهل الأصول وغيرهم من المتكلمين كالأشاعرة وغيرهم- بـ ((الأمر الخارق للعادة، ويظهر على يد عبد صالح غير مدع للنبوة غير مقرون بالتحدي([232]). ويفرقون بينها وبين المعجزة بفارق عدم التحدي في كرامة الولي، بخلاف معجزة الرسول المقرونة بالتحدي للدلالة على صدقه.

هذا ما درج عليه الأكثرون. غير أن هذا التعريف لا يخلو من نقد في بعض ثناياه([233]) إذ أنه يفضي إلى نتائج خاطئة. وهذا النقد يتناول ما يلي:

* أن وضع الكرامة والمعجزة بمستوى واحد خطأ، إذ لا بد أن يكون هناك فرق بينهما.

* أن كرامة الولي تكون للتحدي أيضاً، لاسيما إذا تحدى بها الولي الكفار لإثبات دين الإسلام وصدق ما جاء به خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

* أن كثيراً من المعجزات قد حصلت للأنبياء ولنبينا صلى الله عليه وسلم ولم تكن مقرونة بالتحدي كالإخبار عن علامات الساعة وما سيكون في أمته من بعده. وخروج الماء من بين أصابعه وتسليم الحجر عليه وتكليم الجذع في يده.

* أن التوفيق لإتباع السنة واجتناب البدعة والمداومة على العبادة مع الإخلاص فيها هو من أعظم الكرامات. ولهذا روي عن الشاذلي أنه قال: ((ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة، فمن أعطيها وجعل يشتاق إلى غيرها فهو مغتر كذاب))([234]) وعن الشافعي وغيره أنهم قالوا: ((لو نظرتم إلى رجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للسنة وحفظه للحدود وأداءه للشريعة)). فهذا هو القانون الذي يميز به الكرامة وبين الخديعة الشيطانية.

موقف الفلاسفة من الخوارق

ويذهب الفلاسفة إلى أن خوارق العادات التي للأنبياء والأولياء عبارة عن قوة نفسية يتصرف بها النبي أو الولي في هيولي العالم كما أن العائن([235]) له قوة نفسانية يؤثر بها في المعين. (أي المصاب).

فالفلاسفة لا يعرفون صراع الجن للإنس وأن الجني يتكلم على لسان الإنسي وأن بينه وبين السحر ارتباطا. ولم يعرفوا الملائكة ولا الجن، فظنوا أن هذه الخوارق من قوى النفس. ثم قالوا بأن الفرق بين النبي والساحر أن نفس النبي زكية تأمر بالخير، وأن نفس الساحر خبيثة تأمر بالشر([236]).

ابن تيمية يبين أنواع الخوارق

وللرد عليهم قسم ابن تيمية أنواع الخوارق إلى ثلاثة أنواع:

منها ما هو من جنس الغناء عن الحاجات البشرية كالاستغناء عن الأكل والشرب مدة.

ومنها ما هو من جنس العلم الخارج عن قوى البشر كالإخبار عن الغيوب.

ومنها ما هو من جنس المقدورات الخارجية عن قدرة البشر كالزلازل ونحوها.

فهذا كله خارج عن قوى النفس.

ثم طالب الفلاسفة بالدليل على كون هذه الآثار من قوى النفس، وذكر بأن من هذه الآثار أموراً كثيرة يعترفون بأنه يمتنع كونها من آثار النفوس كالخوارق الخارجة عن قوى النفس، مثل إحياء الموتى من الآدميين والبهائم، فإن قوى النفس عندهم لا تفعل شيئا كهذا، وكذلك الطوفان الذي أغرق أهل الأرض. وإرسال الريح العقيم سبع ليال وثمانية أيام حسوما. وأما سبب انقلاب العصا حية، وخروج الناقة من الأرض فهم معترفون أيضا بأنه غير ممكن ولا يمكنهم إحالة سببه على قوى النفس ([237]) وكما نرى فإن هذه النظرية تنم عن قصور فهم بالطبيعات والبديهيات وجهل بالدين، وتؤدي التكذيب بمعجزات الأنبياء، مثلما أدت إلى تكذيب الوحي الحقيقي، واعتباره خيالات نفسية.

موقف المعتزلة من الكرامة

وقد أنكر المعتزلة كرامات الأولياء جملة وتفصيلا، وفي مقدمتهم القاضي عبد الجبار وكذلك الجبائي، وذلك انسجاماً مع عقليتيهما الاعتزالية فقال الأول منهما ((فلا كرامة لولي أو صحابي([238]) وذلك كرد فعل مفرط في مقابل إفراط الصوفية في ادعاء الكرامات.

ويذكر لنا أحد المعتزلة المحدثين أن سلفه من المعتزلة ((بلغت بهم عقلانيتهم حداً أنكروا معها بعض المعجزات التي حدثت لنبينا صلى الله عليه وسلم و منها معجزة انشقاق القمر الأمر الذي أثار الجدل والخلاف بين النظام والقاضي حيث شك النظام([239]) في إمكانية وقوعها من خلال الواقع التجريبي الذي يؤكد الظواهر وارتباطها الزمني كحدث عام، مؤكدا أنه لو أنشق القمر كما قيل لعلم بذلك عموم الناس غربا وشرقا لمشاهدتهم له([240]).

ورد القاضي عليه بأنه يمكن القول بأن الغيوم قد حجبت الناس عن رؤية الانشقاق([241]). ومع هذا فقد جعل إنكار المعتزلة للكرامات يتسم بقدر كبير من الموضوعية والعقلانية في تخليص الفكر الإسلامي من ميثولوجيا السلف الصوفي، كما أنها تعزز النبوة بما تمثله من التعاليم الشرعية وما تقوم عليه من تأسيس إعجازي ينفرد بذاته لا يقبل المشاركة معه([242]).

وفي قوله نظر، فإن إنكار الكرامات لا يعزز النبوة بل يطعن بما جاءت به من عند الله كقصة مريم التي حكى القرآن أنه كانت تأتيها فاكهة الشتاء في فصل الصيف، وغيره مما وقع للصحابة.

وقد كان بالإمكان معالجة إفراط المتصوفة بطريقة لا تؤدي إلى التفريط من جانب آخر.

لقد ظن المعتزلة أن لا خارق للعادة إلا لنبي، لكونه الآية على صدقه، فالتزموا إنكار الخوارق التي تقع للصالحين وأنكروا أن يكون للسحر تأثير خارج عن العادة مثل أن يموت ويمرض بلا مباشرة شيء، وأنكروا الكهانة وأن تكون الجن تخبر ببعض المغيبات([243]). ثم اضطروا إلى إنكار وتكذيب ما يأتي به الدجال من المخاريق قائلين: ما معه إلا التمويه كما قالوا في السحر والكهانة([244]).


 موقف الأشاعرة من الكرامة ومفهوم خرق العادة عندهم

ثم جاء الأشاعرة بعد المعتزلة فوافقوا أهل السنة في أصل ثبوت الكرامة لكن لم يفرقوا بينها وبين المعجزة من جهة، وبينها وبين السحر من جهة أخرى، جاعلين الكل خرق عادة، فقيل لهم: فميزوا بين هذا وبين المعجزات فقالوا لا فرق([245]) ثم حاولوا بعد ذلك التفريق بفروق ضعيفة لا يحصل بها التفريق مثل قولهم:

* الفرق بين المعجزات والكرامات أن الأنبياء مأمورون بإظهارها والولي يجب عليه سترها([246]) قال أبو علي الروزباري ((كما فرض الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات: فرض على الأولياء كتمان الكرامات([247]).

* ولهم تفريق آخر وهو أن ((معجزات الأنبياء واجبة لأنهم مبعوثون إلى الخلق فالناس في حاجة إلى معرفة صدقهم ولا يعرف صدقهم إلا بالمعجزة([248]).

* وقال القاضيان أبو بكر وأبو يعلى ومعظم المتكلمين أن معجزة النبي يتحدى بها فلا يكون له معارض مشترطين لذلك بشرطين:

* أحدهما: أن تكون معجزة النبي مقترنة بدعوى النبوة فإن ادعاها كاذب لم تكن له معجزة. تفريقاً بينها وبين ا لكرامات.

* وثانيهما: أن لا يقوى أحد على معارضتها. تفريقاً بينها وبين السحر.


مناقشة هذه التعريفات

* فالتعريف الأول وهو ستر الولي للكرامة غير لازم بالضرورة، بل يتعارض مع أحوال كثير من الصحابة والتابعين وغيرهم ممن حصلت لهم كرامات أظهروها مثل ما وقع لخالد بن الوليد حين شرب السم أمام الناس، ومثل مناداة عمر لسارية وهو يخطب أمام الناس، وكذلك دخول أبي مسلم الخولاني النار علانية أمام الناس فصيرها الله له برداً وسلاماً. ومشي العلاء بن الحضرمي على الماء أمام الناس، وكذلك الغلام الذي أتى الراهب وترك الساحر([249]).

* أما التعريف الثاني وهو أن معجزات الأنبياء واجبة لتصديقهم، وأن صدقهم لا يعرف إلا بها: جاعلين من وجوب المعجزة فرقاً بينها وبين الكرامة التي ليست واجبة فيقال: إن هذا لا يلزم اشتراطه أيضاً، فكم من نبي لم تظهر على يديه معجزة. مثل لوط ونوح وغيرهما. وإنما حصلت المعجزة الإلهية بإهلاك قومهما من غير أن يمهلوا حتى يروها ليصدقوا، بل كان هلاكهم بها.

ثم إن كثيرين آمنوا بنبينا صلى الله عليه وسلم من غير حاجة إلى معجزة لتصديقه، فقد آمن به النجاشي ولم يكن رآه بعد، وكذلك هرقل بعد السؤال عن صفاته وسيرته، وكان بعضهم يأتيه ويقول: ألله أرسلك؟ فيقول له: نعم، فيؤمن به ويرجع إلى قومه فيسلمون جميعهم وهم لم يروا معجزة.

* أما التعريف الثالث وهو أن النبوة مقرونة بالتحدي وأن الكرامة غير مقرونة بالتحدي، فمن المعجزات النبوية ما لم يكن مقرونا بالتحدي كإخباره بالمغيبات ((لا تقوم الساعة حتى.. ويأتي على الناس زمان...)) وإخباره عن البقرة التي ستتكلم، وقد حصل ذلك بعد موته وعلامات الساعة وكذلك تسبيح الحصى في يده وتكثير الطعام وانتقال الشجرة وحنين الجذع بين يديه.

* ثم إن نزول القرآن في أول الأمر (وهو أعظم المعجزات وأدومها) لم يكن مقرونا بالتحدي فإن أول آيات ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ( فلما قالوا إنه افتراه تحداهم([250])، وقال ) فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (  )فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ (.

* ومن الكرامات التي وقعت للصحابة والتابعين ما كان للتحدي كشرب خالد بن الوليد للسم إذ لم يضره ذلك، وكانت سببا في دخول كثيرين في الدين.

فثبت أن دعوى التفريق بضابط التحدي ممتنع فلا يحصل به تفريق ولا يوافق قرائن أحوال نبينا والصحابة وغيرهم.

 ولذلك عدل الشهرستاني عن هذه الطريقة وانتقدها في كتاب ((الملل)) معتبرا أن الله يظهر المعجزة على يد أنبيائه سواء تحدوا أم لم يتحدوا، وأن التحدي لا معنى له([251]) ثم جوز أن يخلق الله الآيات على يد الكذابين المدعين للنبوة وهذا ما جوزه ابن تيمية أيضا ذاهبا إلى أنه ((يمكن أن يخلق الله على يد الكاذب ما يدل على صدقه وليس بدليل، مثل خوارق السحرة والكهان كما كان يجري لمسيلمة والعنسي وغيرهما، لكنها ليست دليلا على النبوة لوجودها معتادة لغير الأنبياء، وليست خارقة لعادة غير الأنبياء؛ بل هي معتادة للسحرة والكهان)).

 فالتفريط ممن ظنها دليلا لا سيما وأنها دليل على كذب صاحبها فإن الشياطين لا تقترن إلا بكاذب([252]) كما قال تعالى: ) هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ 221 تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (([253]).

وعند الأشاعرة أن الساحر أو الكاهن إذا أتى الخوارق يدعي بها النبوة فإن الله يمنعه منها، أما إذا لم يدع النبوة فخوارقه مثل معجزات النبي، اللهم إلا ما منع منه دليل سمعي كامتناع أن يقلب الساحر العصا حية حقيقة([254]). ثم قالوا ((لو أدعى الساحر والكاهن النبوة لكان الله ينسيه الكهانة والسحر و لكان له من يعارضه لأن السحر والكهانة معجزة عندهم([255]).

  وهذا الكلام لا رصيد له في الواقع، بل الواقع يخالفه، فلماذا لم يمنع الأسود العنسي وبابا الرومي ومسيلمة ومكحول الحلبي والحارث الدمشقي من مخاريقهم التي لبسوا بها على الجهال؟([256]).

وكيف يمضي الدجال غدا بمخاريقه التي تجعل الناس يلتفون حوله ويتبعونه؟ .

ثم هب أن واحدا ادعى النبوة وأتى بالمخاريق، هل نؤمن بنبوته؟.

ذكر ابن تيمية أنه ((لو ادعى رجل النبوة وأتى بالخوارق فإنه يصير نبيا عندهم. لكن هذا الكذب لا يمكن أن يحصل، بل يمكنه ادعاء الألوهية ولكنه لا يقدر على ادعاء النبوة مع الإتيان بالخوارق([257]).

* فالقسم الثاني من التعريف الثالث وهو ((الخلو عن المعارضة)) وزعمهم أن جميع خوارق السحرة والكهان يجوز أن تكون معجزة لنبي لكن إذا كانت المعجزة له لم يمكن معارضتها ([258]) وإذا دعاها كاذب قيض الله له من يعارضه.

وهذا معارض بادعاء مسيلمة والعنسي وغيرهما فإنه لم يكن من معارض لهم ثم متى يتم تقييض المعارض؟ فقد يطول ظهور المعارض كما كان الأمر لمسيلمة والعنسي، وكما سيكون للدجال، فهل نعتبر من آمنوا بهم واتبعوهم قبل ظهور المعارض معذورين في هذا الإتباع؟

إن هذا اعتقادهم هذا مفض إلى مخاطر جسيمة لا سيما إذا ابتلاهم الله بظهور الدجال الذي يدعي النبوة أولا ثم الألوهية ثانيا مع أنها ستكون مقرونة حينئذ بالخوارق وتخلو من المعارضة ولو إلى فترة مؤقتة قد يموت خلالها من اتبعه قبل مجيء المعارضة.

أمر آخر وهو أن صاحب المعجزة الكاذب قد يأتي بخوارق لا يقدر من حوله على معارضتها. ربما كانت معتادة وغير خارقة في مكان آخر أو زمان آخر، وهذا عندهم لا يعتبر معارضة.

((فأن المعتبر عندهم خرق عادة من أرسل إليهم، وعلى هذا فإذا أرسل لرسول، إلى بني إسرائيل ففعل ما لم يقدروا عليه كان آية، وإن كان ذلك مما يقدر عليه العرب ويقدر عليه السحرة والكهان، وصرحوا بأن السحر الذي قال الله فيه ) وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ(([259]) أنه يجوز أن يكون من معجزات الأنبياء إذا لم يعارض))([260]).

ولهذا كان في كلامهم تعطيل للنبوة وإزراء بمعجزاتها، فإن في ذلك التسوية الكاملة بينها وبين ما يأتيه الساحر والكاهن، اللهم إلا اشتراط شرطين لا وزن لهما.

وهذا ما دعا ابن تيمية إلى القول بأن ((ما يأتي به السحرة والكهان يمتنع أن يكون آية لنبي بل هو آية على الكفر فكيف يكون أية للنبوة وهو مقدور للشياطين؟

ثم عقب ابن تيمية على أقوالهم هذه فقال ((وفي هذه الأقوال من الفساد عقلا وشرعا ومن المناقضة لدين الإسلام وللحق ما يطول وصفه، ولا ريب أن قول من أنكر وجود هذه الخوارق أقل فسادا من هذا، ولهذا يشنع عليهم ابن حزم بالشناعات العظيمة([261]).

ولهذا يقضي أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات والسحر فلا يجدون.

قال ابن تيمية: ((ولهذا كان منتهى كلامهم في هذا الباب إلى التعطيل، وهذا ما جعل الغزالي وغيره يعدلون عن طريقة الأشاعرة في الاستدلال بالمعجزات على أصولهم، لأنها لا تدل على نبوة نبي))([262]).

* قال: ((وآيات الأنبياء لا يقدر عليها جن ولا إنس ([263]) فهي خارجة عن قدرة الجن والإنس ولله الحمد والمنة.

* ومقدورات الجن هي من جنس مقدورات الإنس لكن يختلف في المواضع، فإن الإنسي يقدر على أن يضرب غيره حتى يمرض أو يموت، بل يقدر أن يكلمه بكلام يمرض به أو يموت، فما يقدر عليه الساحر من سحر بعض الناس حتى يمرض أو يموت هو من مقدور الجن، وهو جنس مقدور الإنس ([264]).

* وما يأتي به السحرة والكهان من العجائب فذلك جنس معتاد لغير الأنبياء وأتباعهم.. فهو خارق لغير أهله))([265]).

ومن ثم يقرر ابن تيمية أنه ((ما من ساحر أو كاهن أو متنبي أتى بخوارق إلا كان مقدورا على الإتيان بمثلها في مكان أو زمان آخر من العالم، فهذا ليس بخارق للعادة وإنما الخارق الحقيقي هو الذي قال الله فيه ) قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (([266]).([267]). قلت ولذلك فإن الذين يكذبون رسلهم ينسبونهم إلى السحر والكهانة فإن تعلمه معتاد فهو مهارة وحذلقة واستعانة بالجن وكذلك الكهانة ومن يختارها يحصل عليها بخلاف النبوة فإنها اختيار الله واصطفاؤه ومعجزاتها خارقة للسحر والكهانة، ولو كان السحر خارقا حقيقة لما نسبوهم إليه فالساحر لا يخرق عادة ساحر مثله، بل الثاني خبير بسحر الأول فضلا عن أن يخرق بعادته معجزات الأنبياء.

قد يقول قائل: فهل معنى ذلك أن نقرر أنه لا يجوز استعماله هذا المصطلح ((خوارق العادة)) إلا على الأنبياء وأتباعهم؟

يجيب ابن تيمية على هذا السؤال بقوله (((فالذين سموا هذه الآيات خوارق للعادات وعجائب ومعجزات:إذا جعلوا ذلك شرطا فيها وصفة لازمة لها بحيث لا تكون الآيات إلا كذلك فهذا صحيح.

وأما إذا جعلوا ذلك حدا لها وضابطا: فلا بد أن يقيدوا كلامهم مثل أن يقولوا ((خوارق العادات التي تختص بالأنبياء)) ويقولوا: ((خوارق عادات الناس كلهم غير الأنبياء))، فان آياتهم لابد أن تخرق عادة كل أمة من الأمم))([268]).

 ثم يخلص إلى أن هذا اللفظ محدث ولم يستعمل في كتاب ولا في السنة ((ولهذا لم يكن في كلام الله ورسوله وسلف الأمة وأئمتها وصف آيات الأنبياء بمجرد كونها خارقة للعادة، ولا يجوز أن يجعل مجرد خرق العادة هو الدليل، فإن هذا لا ضابط له وهو مشترك بين الأنبياء وغيرهم([269]).([270]).


قاعدة

ما كان معجزة لنبي

جاز أن يكون كرامة لولي

تتردد هذه العبارة، من غير تدبر ولا تفحص لمعناها الموحي بتساوي المعجزة والكرامة. وإن المرء ليتساءل: أتعني هذه القاعدة جواز:

* أن ينفلق البحر على يد الولي كما حصل لموسى ؟

* أو يخلق الولي من الطين طيراً كما حصل لعيسى ؟

* أو ينشق للولي القمر كما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

فإن كرامة الولي مهما عظمت لا يجوز مساواتها بمعجزة النبي، ولا يجوز أن يقال أنه يمكن للولي أن يحصل له مثل ما حصل للنبي. يقول ابن تيمية: ((ومعجزات الأنبياء فوق [كرامات الأولياء] فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن، وانقلاب العصا حية، وخروج الدابة من صخرة وكذلك خلق الطير من الطين لم يكن مثله للأولياء. فإن للأنبياء آيات صغارا وكبارا كما قال تعالى ) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (([271]). فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة.

 وقال عن نبيه محمد ) لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكبرى( فالآيات الكبرى مختصة بالأنبياء، وأما الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين مثل تكثير الطعام فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين، لكن لم يوجد كما وجد للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أطعم الجيش في شيء يسير، فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم لكن لا يماثلون في قدره.

فهم مختصون:

* إما بجنس الآيات، فلا يكون لمثلهم كالإتيان بالقرآن، وانشقاق القمر، وقلب العصا حية.

* وإما بقدرها وكيفيتها كنار الخليل، فإن أبا مسلم الخولاني وغيره صارت النار عليهم بردا وسلاما، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم في عظمتها كما وصفوها فهو مشارك للخليل

في جنس الآية كما هو مشارك في جنس الإيمان محبة الله وتوحيده ([272]). ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى بخلاف من تحمله الجن من  مكان إلى مكان لا ليريه الله من آياته الكبرى، ولا يعرج به إلى السماء الدنيا ([273]).

* فكرامات الصالحين هي من آيات الأنبياء.. ولكن ليست من آياتهم الكبرى))([274]).

* فالأولياء دون الأنبياء والمرسلين، فلا تبلغ كرامات أحد قط إلى مثل معجزات المرسلين، كما أنهم لا يبلغون في الفضيلة والثواب إلى درجاتهم، ولكن قد يشاركونهم في بعضها كما قد يشاركونهم في بعض أعمالهم([275]).

وفي الختام يؤكد ابن تيمية:

أن الله فضل الأنبياء على غيرهم، وفضل بعض النبيين على بعض، فلا بد أن يمتاز الفاضل بما لا يقدر المفضول على مثله إذ لو أتى بمثل ما أتى لكان مثله لا دونه))([276]).


 أصح التعاريف للكرامة

وبعد هذه الجولة نضع التعريف البديل، وأنسب ما في ذلك تعريف ابن تيمية عن آيات الأولياء:

* ((بأنها من جملة آيات الأنبياء لأنها مسلتزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم))([277]). إذ بهذا التعريف يتم اجتناب ما وقع فيه الأشاعرة وغيرهم كالقاضي وغيره.

* أولا: رفع المعجزة فوق خوارق الجميع.

* ثانيا: التفريق بين المعجزات وبين الكرامات وأن الثانية تبع للأولى ودليل من أدلة صحة النبوة.

* ثالثا: رفع الكرامة عن أن تكون من جنس مخاريق السحرة والكهان.

* رابعا: معرفة السبب الذي من أجله تحصل الكرامة أن لله فيها حكمة وليست لمجرد نزوات الشيخ وتبعا لمشيئته وإرادته([278]) ولهذا يرتب ابن تيمية هذه الأجناس الثلاثة إلى ثلاث مراتب:

* آيات الأنبياء.

* كرامات الصالحين.

* خوارق الكفار والفجار والسحرة والكهان([279]). وذلك احترازاً منه عن تسمية الجميع خوارق عادة. فان ما أتى به النبي أعظم عند المسلم مما أتى به الولي.


لماذا كانت الكرامة

سؤال مهم يجب أن نتعرف على جوابه بصدق وتجرد؛ لأن الخطأ في فهم الولي وفهم الكرامة أديا إلى انحراف عظيم، وفتحا بابا لخدع وحيل الشياطين التي صارت تظهر لرجال التصوف بمظهر رجال الغيب والخضر وغير ذلك، وأخذت عندهم قبولا وسروا ظنوها كرامات وكشوفات، ولم تكن في الحقيقة سوى مخادعات. ثم لم يعد هناك ضابط للكرامة، ومعرفة بسببها. وغاب عنهم أن الكرامة ما كانت إلا لنصرة الدين وإقامة السنة وتأييد ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فهي كما- يصفها ابن تيمية- ((من دلائل النبوة ومن جملة آياتهم فإنها مستلزمة لنبوتهم ولصدق الخبر بنبوتهم))([280]) فلا يمكن من لا يصدق النبي  أن يعارضهم. مثال ذلك:

* ما حدث للأسود العنسي الذي قال لأبي مسلم الخولاني:  أتشهد أني رسول الله؟ فقال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال: نعم. فألقاه النار فصارت عليه بردا وسلاما. ([281]).

* ومثل المؤمن الذي يقتله الدجال ثم يحييه فيقوم فيقول:  أنت الأعور الكذاب الذي أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيريد الدجال أن يقتله فلا يقدر على ذلك.

 قال ابن تيمية ((فهذا الرجل يقوم بعد أن يقتله الدجال  ويقول للدجال: أنت الأعور الكذاب، فيعجزه عن قتله ثانيا- مع تكذيب الرجل له بعد أن قتله، وشهادته للرسول محمد بالرسالة- هو من خوارق العادات التي لا توجد إلا لمن شهد للأنبياء بالرسالة، وهذا الرجل من خيار أهل الأرض من المسلمين. فهذا الخارق الذي جرى فيه هو من خصائص من شهد لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنبوة، فهو من أعلام النبوة ودلائلها)).

((ومعلوم أن إحياء الله له لم يكن معجزة للدجال ولا ليبين بها صدقه، لكن أحياه ليكذب الدجال وليبين أن محمدا رسول الله، وأن الدجال كذاب، وأنه هو الأعور الكذاب الذي أنذر به النبي ([282]).

* ولا ننسى قصة خالد بن الوليد حين شرب السم ولم يضره.

* وقصة عمر حين نادى سارية. فهذه كرامات حصلت لتأييد الدين وإعلاء كلمته، فلا تحدث حسبما يهواه الولي الذي يروي الصوفية أنه يشتهي اليوم طعاما فتتنزل عليه رجال الغيب بما يشتهي، أو ينام فيرى النبي يعطيه الرغيف فيفيق ويجد نفسه ممسكا به، إلى غير ذلك من حكاياتهم([283]) التي ضحك علينا بسببها أعداء هذا الدين.

 وإنما للكرامة غاية سامية شريفة ولحدوثها سبب مهم يحصل به تأييد وتأكيد لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.

أما هذه الحكايات فتجدها خالية عن أي سبب بل منها ما يناقض الدين ويطعن في النبوة بل والألوهية.

ثم صار منها ما يحكي خروج الميت يخرج من قبره ليقضي الحوائج ويتصرف في الكون ويربي المريدين وهو في قبره، فهل هذه كرامات من عند الله؟!!


 غلوا المتصوف في الكرامات

وقد غلا المتصرفة في شأن الكرامات وأدت إلى انحرافات عديدة:

* فمنها ما خالف صريح الكتاب والسنة.

* ومنها ما كان تشبها بالنبي وأحواله ومعجزاته.

* ومنها ما كان فيه منازعة لمقام الألوهية.

* ومنها ما يحث على العكوف عند القبور ودعاء الأموات والاستغاثة بهم والتحدث بخصائص وقدرات أصحاب القبور.


 نماذج من كراماتهم

* مثاله ما نقله الغزالي عن التستري ((أن لله عبادا لو سألوه إلا يقيم القيامة لما أقامها، وكذلك ما نقلوه عن ذي النون أن من عباد الله من لو سأله زوال الدنيا لأزالها له))([284]).

- وذكروا أن شخصا دخل على الرفاعي وعلى جبهته مكتوب سطر الشقاوة فمحاه الشيخ ببركته ([285]).

- وكان يقول ((كل شيخ لا يغير صفات تلميذه ويكتب الشقي سعيدا فما هو عندنا برجل ))([286]).

- وقال أحمد الرفاعي ((أعلم أني لما دعيت إلى هذا الأمر حملت إلى قبلة هذا البلد وشق صدري ملك من الملائكة المقربين فأخرج منه شيئا مظلما وغسله بماء الحيوات من الرياء وسؤ الخلق وكل ما كان للشيطان فيه نصيب، كل ذلك وأنا أنظر بعيني كما فعل برسول الله ([287]).

- وزعم الشعراني أن مما من الله به عليه ((نوم عيني دون قلبي بحكم الإرث لرسول الله([288]).

- ويروي أصحاب طبقات الصوفية أن علي بن محمد الدينوري أوتي حرف [كن] لكنه قال ((تركت قولي للشيء كن فيكون تأدبا مع الله))([289]).

- ولذلك كانت أول الكرامات عند الصوفية ((إحياء الموتى))([290]). وهذا الاعتقاد مبني عندهم على ما قاله الشعراني أن الله يقول ((يا بني أدم أطيعوني أطعكم، واختاروني أختركم، وأحبوني أحبكم، وراقبوني أراقبكم، وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون))([291]).  فهل حقا يعطي الله الكلمة- التي خلق بها الخلق- إلى مخلوق ليخلق بها؟ وما حكم من يتفوه بمثل هذا الكفر؟.

يجيب ابن تيمية على ذلك فيقول ((ومن قال إن أحدا من أولياء الله يقول للشيء كن فيكون فأنه يستتاب، فأن تاب و إلا قتل، فأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى))([292]).

- وقد يستعملون لفظا آخر أكثر انتشارا بينهم وهو ((التصرف في الكون)) فالشيخ سويد السنجاري يعتبر واحدا ممن ملكهم الله تعالى التصرف في العالم ([293]).

- والشيخ حياة بن قيس الحراني متصرف حين كان حيا ومتصرف بعد موته ([294]).

- ونسب إلى الشيخ الرفاعي قوله بأنه ((لا يزال الولي يرتقي وترتفع منزلته حتى يكلفه الله مهمة ما بين السموات والأرض، ثم لا يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن يصير صفة من صفات الحق تعالى فيطلعه على غيبه حتى: لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة ألا بنظره))([295]).

* وأما الثاني: فقد حثوا الناس على الاستغاثة بالأولياء ومشايخ الصوفية.- فالشيخ غياث ((يستغيث به تجار اليمن في شدائد البحر ومضايق البر))([296]).

*والشيخ أحمد بن علوان ((يستغيث به أهل المراكب إذا مسهم الضر في البحر))([297]).

- ويذيع القشيري نداء معروف الكرخي ((إذا كانت لك حاجة إلى ، الله فأقسم عليه بي))  ثم يذكر القشيري أن قبر معروف الكرخي يستشفى به، وأنه أي لترياق المجرب))([298])   وروى قصة مفادها أن أحد المتصوفة جاء إلى أبي يعقوب السوسي يخبره أنه سيموت غدا ظهرا وأوصاه بدفنه، فلما وضعه في اللحد فتح عينيه فقال أبو يعقوب ((أحياة بعد الموت؟ فقال: أنا حي وكل محب لله حي))([299]) .

- ((فالعارفون لا يموتون وإنما ينقلون من دار إلى دار!! ([300]).

- وقال أخر ((أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلى قبري وليطلب حاجته أقضها له ([301]).

- وزاد أخر ((وادعوني فأني أحضركم أينما كنتم))([302]) وزعم بعضهم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ((أن أردت أن يفتح الله عليك فخذ من قبر الضرير شيئا وابتلعه على الريق ففعل))([303]).

- وجاء شارح جوهرة التوحيد ليبرر هذا الانحراف فذهب إلي لزوم أثبات كرامات الأولياء في الحياة وبعد الممات وذكر أن جمهور أهل السنة ([304])ذهبوا إلى ذلك. ثم قال ((ولذا قيل: من لم تظهر كراهته بعد موته كما كانت في حياته فليس بصادق، قال الشعراني ((ذكر لي بعض المشايخ ([305])أن الله تعالى يوكل بقبر الولي ملكا يقضي الحوائج، وتارة يخرج الولي من قبره ويقضيها بنفسه))([306]) انتهى

- وذكر الشعراني أن غالب الأولياء لهم السراح والإطلاق في قبورهم وأنهم يذهبون ويجيئون متى شاؤا ثم حكى عن نفسه أنه ذهب إلى قبر ابن الفارض فلم يجده ([307]) في قبره ثم جاء ابن الفارض بعد أن لك وقال له ((أعذرني فأني كنت في حاجة))([308]).

وهكذا صار القبر مسجدا يأوي إليه ذوو الحاجات، وصار الولي قبلة الدعاء حيا كان أو ميتا، ومحط الآمال. وهذه عودة إلى الزلة الأولى التي وقع قوم نوح حين اتخذوا قبور صالحي قوم نوح (ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر)([309]) مسجدا. وهذا تحقيق قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد الأوثان))([310]).


الاستغاثة بالمخلوق

والاستغناء عن الخالق

وتجد في مقابل ذلك عندهم استغناء عن الله وإعراضا عنه، حتى قال بعضهم ((حقيقة المحبة أن ينسي العبد حظه من الله عز وجل، وينسى حوائجه إليه))([311]).

- وسئل المظفر القرميني عن علامة الفقير فقال ((أن لا يكون له إلى الله حاجة))([312]).

- وأما مقام الرضا عند أبي سليمان الداراني فهو ((أزا لا تسأل الله الجنة ولا تستعيذ به من النار))([313]).

- وقيل للشبلي ((ألا تعلم أنه رحمن؟ فقال بلى ولكن منذ علمته ما سألته أن يرحمني))([314]).

- وقرأ أحدهم قوله تعالى ) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( فقال ((اللهم لا تجعلني منهم))([315]). وذلك لأن فيها كلمة [شغلا]، وهم لا يريدون أن ينشغلوا عن الله بشيء!!


 كرامات مسروقة

إن تنافس أصحاب الطرق على المريد جعلهم يروون من عجائب الكرامات ما يغرونه به ليختار طريقتهم، ومن أجل ذلك عمدوا إلى اقتباس الكرامات عن بعض كتب المتصوفة المتقدمين. أو من كتب أصحاب الطرق الأخرى ونسبتها إلى شيوخ طريقتهم لإثبات ولايتهم وكرامتهم، وأن طريقتهم أولى بالإتباع من أصحاب الطرق الأخرى. ولأضرب مثلا على ذلك بسرد أربع كرامات.

* الكرامة الأولى

عن أبي سعيد الخراز قال ((دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ( فاستغفرت الله في سري فناداني وقال ) الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([316]).

- فهذه القصة ذكرها القشيري ونقلها الغزالي عنه. ثم جاء الكلاباذي فنسبها إلى أبي العباس بن المهتدي ((كنت في البادية فرأيت رجلا يمشي حافي القدم حاسر الرأس ليس معه ركوة))([317])  فقلت في نفسي: كيف يصلي هذا الرجل؟ فالتفت إلي وقال ) اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ( قال: فسقطت مغشيا علي فلما أفقت استغفرت الله.. فالتفت إلي ثم قرأ) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ (([318]).

- ثم يأتي النبهاني ويستعمل سياق القشيري نفسه، وينسبها إلى إبراهيم الخراساني ([319]).


*الكرامة الثانية

قال أبو عبد الله بن الجلاء ((دخلت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي شيء من الفاقة، فتقدمت إلى القبر وسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم على ضجيعيه أبي بكر وعمر ثم قلت: يا رسول الله بي فاقة وأنا ضيفك الليلة. ثم تنحيت ونمت بين القبر والمنبر فإذا أنا بالنبي عليه السلام جاءني ودفع إلي رغيفا فأكلت نصفه فانتبهت فإذا في يدي نصف الرغيف))([320]).

 ويستعمل النبهاني السياق نفسه لرجل أخر هو أبو عبد الله بن الجلاء([321]) ويأخذ السياق نفسه وينسبه إلى رجل أخر هو: أبي الخير التيناتي))([322]).

* الكرامة الثالثة

دعا رجل أبا عثمان الحيري إلى ضيافة فلما وافى باب داره قال ((يا أستاذ ليس الآن وقت دخولك وقد ندمت (على الدعوة) فانصرف أبو عثمان ثم دعاه الثانية فجاء، ثم أمره الداعي بالانصراف فانصرف، ثم دعاه الثالثة فرجع وهكذا حتى الرابعة وأبو عثمان ينصرف ويحضر، إلى أن قال له: يا أستاذ أردت اختبارك، وأخذ يعتذر ويمدحه فقال أبو عثمان: لا تمدحني على خلق تجد مثله مع الكلاب، الكلب إذا دعي حضر وإذا زجر أنزجر))([323]) والقصة مأخوذة بحذافيرها ومنسوبة إلى الشيخ أحمد الرفاعي ولكن في أخرها اختلاف في اللفظ وهو ((فقال السيد أحمد: يا ولدي أتستكثر علي خصلة من خصائل الكلب؟))([324]).

* الكرامة الرابعة

وكان لأحد المشايخ تلاميذ فكان يخص واحدا منهم بالإقبال عليه، فاعترضوا على ذلك، فقال: أبين لكم، فدفع إلى كل واحد تلامذته طائرا، وقال له: اذبحه بحيث لا يراك أحد. فمضوا ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طائره. أما هذا الطالب فقد جاء بالطائر حيا فقال: هلا ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه بحيث لا يراه أحد ولم أجد موضعا لا يراه فيه أحد فقال الشيخ: لهذا أخصه باقبالي))([325]).

فجاء أحد الرفاعيين المتأخرين ((محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي)) ليقتبسَ هذه المنقبة ويجعلها للشيخ أحمد الرفاعي حين كان حديث السن، وزاد في أخرها (فقال الشيخ يا أحمد: لأي شيء جئت بلا ذبح؟ فقال: يا سيدي شرطتم علي خلو المكان وكل موضع ذهبت إليه رأيته مشغولا بالله تعالى وهو حاضر ناظر، وما رأيت مكانا خاليا قط، فلذلك ما ذبحتها))([326]).

فهذه النماذج توضح مدى الكذب الحاصل في روايات الكرامات العجيبة المسطورة في كتب التصوف، ولذا فإن المنكر لهذه الكرامات لا يكون منكراً لكرامات الأولياء، لا سيما إذا كان مقراً بأن من منهج أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة، فإن إنكار الكرامة ضلالة وانحراف عن الحق، وإنما يكون منكراً للخرافة التي لا سند لها، بل غالبها مسروق مقتبس على النحو الذي رأيت.


كشف الولي ووحيه عند الصوفية

قال الشعراني (ومما يتميز به الصوفية عن الفقهاء: الكشف الصحيح عن الأمور المستقبلية وغير ذلك فيعرفون ما في بطون الأمهات أذكر هو أم أنثى أم خنثى ويعرفون ما يخطر ببال الناس وما يفعلونه في قعور بيوتهم))([327]).

وذكر من شروط الولي الصادق ((أن يكون عنده علم يكشف به الحقائق ينظر أحوال مريده في اللوح المحفوظ يعلم ما جاز وما وجب وما استحال، يلاحظ مريده من حين كان في عالم الذر قبل وروده وهبوطه إلى أصلاب الآباء وبطون الأمهات))([328]).

مخاطبة الله

ويؤكد بأن ((الولي المتصل بالله تعالى يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه))([329]).

وقال الغزالي ((واطوِ الطرق، فإنك بالواد المقدس طوى، واستمع بسير قلبك لما يوحى، فلعلك تجد على النار هدى، ولعلك من سًرادقات العرش تُنادى بما نودي به موسى إني أنا ربك))([330]).

ومثله السهروردي المقتول الذي بلغ به غلوه أن قال ((لا أموت حتى يقال لي: )قم فأنذر(([331]).

ويذكر الكشمخانلي أن طبقة من الأولياء هي طبقة (الرحمانيين) الإلهيين ((وهم ثلاثة أيضا عند الوحي والحوادث يجلسون عرايا على حجر مليح يسمعون الوحي ويفهمون المراد منه([332]).

وصرح عماد الدين الأموي بأن السالكين إذا قطعوا مفاوز الطريق أشرفوا على رؤية الملكوت الأعظم مثل اللوح المحفوظ والقلم واليمين الكاتبة وملائكة الله، وهي تطوف حول العرش ثم يتخطون ذلك إلى معرفة الخالق، للكل فتغشاهم الأنوار وتتجلى لقلوبهم الحقائق المحتجبة ويشاهدون مالا يشاهده غيرهم من تصريف الرب))([333]).

يشمون رائحة المعاصي

* ولهم إطلاع حتى على المعاصي. فالشيخ أحمد النجاتي ((أطلعه الله على معاصي العباد فكل من لقي من العصاة بصق عليه))([334]).

قال الشعراني ((ومما منّ الله تبارك وتعالى به علي: شمي لروائح المعاصي إذا وقعت في معصية من معاصي أهل الطريق، فأشم نتان كل معصية على حسب تناولها في القبح من كبائر وصغائر ومكروهات، وأشم رائحة ((خلاف الأولى))([335])؟ وذكر أن شيخه على الخواص كان إذا نظر في الميضأة التي يتوضأ منها الناس يعرف جميع الذنوب التي غفرت وخرت في الماء من غسالتها، ويعرف أهل تلك الذنوب على التعيين ويميز بين غسالة كل ذنب عن آخر من كبائر وصغائر ومكروهات وخلاف الأولى))([336]).

قال أحد مريدي الشيخ أبي بكر بن عيسى ((ومما وقع لي أني كنت أرى شيخي يطلع على ما يصدر مني حال غيبتي، فإذا اشتغلت بطاعة قابلني يوجه مسرور وإذا اشتغلت بلعب قابلني بضد ذلك))([337]).

وعن أبي سعيد الخراز قال ((دخلت المسجد الحرام فرأيت فقيرا عليه خرقتان فقلت في نفسي هذا وأشباهه كل على الناس، فناداني وقال: )والله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه( فاستغفرت الله في سري فناداني وقال )وهو الذي يقبل التوبة عن عباد(([338]).

أما فينقل عن الداراني أنه كان يصف أبا عدى الأنطاكي والسري السقطي وبشر بن الحارث أنهم ((جواسيس القلوب))([339]). ويقول كلاما عجيباً وفيه ((أن الله يفتح للعارف وهو على فراشه مالا يفتح لغيره وهو قائم يصلي))([340]).

وروى يوسف النبهاني أن الشيخ القناوي كان إذا شاوره إنسان في شيء يقول (أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام. فيمهله ساعة ثم يقول: افعل أو لا تفعل على حسب ما يملي عليه جبريل))([341]).

* فهذا الغيب والوحي الذي يدعيه هؤلاء، كالإطلاع على المستور والمكنون ومعرفة الأحداث المستقبلية هو من الكهانة التي اشتهر بها أحبار اليهود والنصارى.

لذا كان هؤلاء كهان أمة محمد فإنهم يزعمون أنهم يكاشفون مريديهم بما في صدورهم، ويطلعون على حملة العرش وما في اللوح المحفوظ. وكثير من مريديهم يقلعون عن المعاصي ويتوبون مخافة أن يطلع مشايخهم على حالهم.


الغزالي وموقفه من الكشف

وقد كان الغزالي أبرز من تكلم عن الكشف عند الصوفية كما هو واضح في كتابه الإحياء فإنه جعل الكشف هو الفرقان بين الحق والباطل وهو الميزان في قبول أو رد ما وقع فيه الاختلاف بين الأمة. وقد دعا إلى فض الاختلاف بالاحتكام إلى الكشف فما وافقه الكشف فهو الصحيح الذي نأخذ به، وما خالفه فهو باطل مردود))([342]).

والكشف يبتدئ ببداية سلوك طريق التصوف ((ومن أول الطريقة تبتدئ المكاشفات والمشاهدات حتى أنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد))([343]).

فأهل التصوف لهم ((ميل إلى الألهية دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون))([344]).

أضاف الغزالي ((بل قد تتمثل للأنبياء والأولياء صورة جميلة محاكية لجوهر الملائكة وينتهي إليهم الوحي والإلهام فيتلقون من أمر الغيب ما يتلقاه غيرهم في النوم وذلك لشدة صفاء باطنهم))([345]). ولم لا فإن ((لقلب الولي باباً مفتوحاً إلى عالم الملكوت وهو اللوح المحفوظ))([346]).

ويأتي الشعراني ويصرح بأن طريق القوم ((ذوق لا نقل)) وأن كل من كان علمه مستفاداً من النقل فليس بعالم))([347]).

فالكشف صار عند الغزالي والصوفية مصدرا من مصادر تلقي الدين وتعلم العقيدة كما قال البيجوري عندما ذكر طرق تعلم المقيدة ((ويقوم مقام ذلك ما لو عرف المقائد بالكشف))([348]) أي تعلم أصول العقيدة وتخريج الأحاديث بالكشف. فقد يصح الحديث الضعيف بالكشف وربما العكس أيضا. فيجتمع الولي الصوفي برسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله عن حديث صحيح في البخاري: هل قلت هذا الحديث يا رسول الله؟ فيقول: لا لم أقله. وربما سأله عن الحديث الموضوع هل قلته يا رسول الله؟ فيقول: نعم قلته.

ولهذا ذكر البيجوري أنه صح عند أهل الكشف حديث إحياء الله لوالدي النبي صلى الله عليه وسلم فآمنا ثم أماتهما ([349]).

ويبكي أبو يزيد أسفا على أهل الحديث وطلبة العلم لأنهم ((مساكين، أخذوا علمهم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت))([350]). جاعلا ما نزل به جبريل من عند الله كالجنة الهامدة، وما تلقاه أهل الكشف عن الشياطين روحا تبث فيها الحركة والحياة، وانتهى أمرهم إلى أن صاروا ينفرون من العلم وطلب الحديث ويذمون الفقه والفقهاء، وكأن من أراد الله به شرا [في نظرهم] يفقهه في الدين.

وهذا التماس للهدى من غير الطريق التي أمرنا الله أن نعتصم بها وأمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن نعض عليها بالنواجذ. وحري بمن التمس الهدى من غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يضله الله. ثم ما فائدة جهود علماء الحديث إن كان تخريج الحديث يتم مباشرة من الله بدلا من متابعة الرواة وأسانيد الرجال!.


 تعقيب ابن تيمية على القائلين بالكشف

وقد رد ابن تيمية على قول أبي يزيد قائلا:

((فيقال له: بأمر من تأمر؟ فأن قال: بأمر الله، قيل له: بأمر الله الذي بعث به رسوله وأنزل به القرآن أم يأمر وقع في قلبك؟

فإن  قال بالأول ظهر كذبه..

وإن قال: بأمر وقع في قلبي لم يكذب. ولكن يقال له: من أين لك أن هذا رحماني، ولما لا يكون الشيطان هو الذي أمرك بهذا؟))([351]).

وله رد أخر يقول فيه أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق، ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين وإما من اليهود والنصارى))([352]).

* ثم يعقب ابن تيمية على قول الغزالي قائلا بأن ((هذا الكلام مضمونه أنه لا يستفاد من خبر الرسول شيء من الأمور العلمية بل أنما يدرك ذلك كل إنسان بما حصل له من المشاهدة والنور والمكاشفة))([353]) ويجعل مصدر أقوال الغزالي في المكاشفة من المتفلسفة والقرامطة الباطنية الذين يجعلون النبوة مكتسبة بعد استعداد الإنسان لها بالرياضة والتصفية فيفيض عليه حينذاك ما فاض على الأنبياء من قبله))([354]).

* قال ((ومعلوم أن أفضل أولياء الله بعد الرسل أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما عبر الرؤيا ((أصبت بعضا وأخطأت بعضا))([355]).

* وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بأنه ملهم هذه الأمة كما في الحديث ((إن يكن من بعدي محدثون([356]) فعمر منهم([357]) ومع هذا فقد كان كثير الاستشارة للصحابة بل كانت تخفى عليه بعض الأحكام))([358])  ولم يكن يستدل بين على كشوفاته في الدين شيئا، بل كان يقول ((إن الناس أنما كانوا يؤخذون بالوحي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم))([359]) فلم يكن يأخذ الناس بما استتر من أعمالهم ومعاصيهم كما يدعي الشعراني وغيره من الصوفية. غير أن لفظ المحدثين له عند الترمذي الحكيم مفهوم آخر. فالمحدثون (أي الملهمون) لهم منازل. فمنهم من أعطي ثلث النبوة، ومنهم من أعطي نصفها، ومنهم من له الزيادة))([360]).


 عصمة الولي عند الصوفية

يعرف القشيري الولي بأنه ((من توالت طاعته من غير تخلل معصية)) وأن الله ((يتولى حفظه فلا يخلق له الجذلان الذي هو القدرة على العصيان))([361]):

فهاهنا صفتان للولي:

* الأولى توالي الطاعات من غير أن تتخللها معصية.

* الثانية أن يحفظه الله بحيث لا يقدر على العصيان.

قال ((وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليا...)) لأن

((من شرط الولي أن يكون محفوظا كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما)).

ومن هنا ترى أن التفريق بين حفظ الولي وبين عصمة النبي ليس إلا حذلقة وحذرا من التصريح بعصمة الولي مع الحرص على إثبات عصمته في نفس الوقت. وهو تفريق لا يحصل به أي فرق. فما معنى ((توالي الطاعات من غير تخلل معصية)) و ((حراسة الله للولي على التوالي)) إلا أن تكون صفات الولي المحفوظ هي نفسها شروط النبي صلى الله عليه وسلم.

قال في مختار الصحاح ((والعصمة أيضا بمعنى الحفظ))([362]) كذلك عزف البيجوري أشارح جوهرة التوحيد، العصمة لغة بأنها: مطلق الحفظ واصطلاحا حفظ الله للمكلف من الذنب مما استحالة وقوعه([363]). وقد توقع القشيري أن يسأل السؤال التالي:

((فإن قيل: فهل يكون الولي معصوما؟ قيل: أما وجوبا كما يقال في الأنبياء فلا. وأما أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب إن حصلت هناك آفات أو زلات فلا يمتنع ذلك في وصفهم. فهاهو هنا يجوز أن يكون الولي معصوما بخلاف النبي الذي تجب عصمته. ويجعل ذلك جائزا على الأولياء، واجبا على الأنبياء([364]). وهذا شبيه بمحاولة الأشاعرة االتفريق بين كرامات الأولياء وبين معجزات الأنبياء، بأن الأولى جائزة  والثانية واجبة. المهم أنه صرح بعصمة الولي. ثم إن هذا الجواز يتعارض مع ما ذهب إليه القشيري في لطائف الإشارات من أن الولي ((لا يكون وليا إلا إذا كان موفقا في جميع ما يلزمه من الطاعات، معصوما بكل وجه عن جميع الزلات )) ([365]

وها هو يعود ليستخدم في رسالته مصطلح (العصمة)) للولي قائلا ((واعلم أن من أجل الكرامات التي تكون للأولياء: دوام التوفيق للطاعات، والعصمة عن المعاصي والمخالفات )) ([366]) .

وقد استبعد الكلاباذي أي سبيل من الشيطان لإغواء الولي ([367])  وبقي أبو العلا عفيفي يؤكد بحزم في كتابه التصوف الثورة الروحية على أن الولاية رهن بقاء الطاعة وأن المعصية إذا خطرت ببال الولي سقطت عنه الولاية )) ([368]) .

* وبالنظر إلى مناقب كبار مشايخهم وحسب ترجماتهم نجد أنهم يرون عصمتهم من الزلات كشرط لبلوغ مقامات الولاية.

فالسهروردي يحكي عن أبي بكر الزقاق أنه قال ((لا يكون المريد مريدا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال شيئا عشرين سنة ([369]) وقال ابن عجيبة ((خطأ الشيخ أحسن من صواب المريد)) ([370]) . فهل صواب المريد يعدل الزلة)).

وسأل رجل الجنيد ((هل يعلم العبد أن الله يقبله؟

فقال الجنيد: لا يعلم.

فقال الرجل: بلى يعلم.

فقال الجنيد: فمن أين يعلم؟

قال: إذا رأيت الله عز وجل قد عصمني من كل معصية ووفقني لكل طاعة علمت أن الله تبارك وتعالى قد قبلني )) ([371]) .

الحكيم الترمذي وعثرة التدبير

ومع الترمذي وآرائه التي يذكر فيها أن الله تعالى ي((يمسك وليه ويحفظه، فإذا عثر فان تلك العثرة مدبرة من الله ليرفعه بها إلى منزلة أعلى من التي كان عليها. وقد سمى تلك العثرة ب ((عثرة التدبير)) ثم قال ((يكون للأولياء عثراث يجدد الله تعالى لهم بها الكرامات ويبرز لهم ما كان مغيبا عنهم من حبه إياهم وعطفه عليهم)) ([372]) .

لا تعترض على المعصوم فتنطرد

ثم إن السلوك العملي التطبيقي عند الصوفية يؤكد أن للشيخ الصوفي العصمة المطلقة. فالعلاقة بين الشيخ والمريد مشروطة بشروط كثيرة تذل النفس وتجعل من العزة الإيمانية. فإن من أهم هذه الشروط: عدم الاعتراض على، الشيخ ولو كان بالقلب، فلا أمر بالمعروف، ولا نهي عن منكر. بدليل قصة موسى مع الخضر وهي. دليل ضدهم. فإن موسى ما ترك نهي عن المنكر، حتى تبين له أن الله هو الذي أراد ذلك وليس الخضر. لقول الخضر) وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي( .

قالوا (ومن آداب المريد مع شيخه عدم الإعتراض عليه في كل ما يفعله ولو كان ظاهره حراما، وأن يكون بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله ([373]) )).

قال القشيري ((فمن صحب شيخا من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه نقض عهد الصحبة)) ([374]) .


 حفظ الولي وعصمة النبي عند ابن تيمية

وقد تعرض ابن تيمية لهذه المسألة بالنقد، وتعقب القائلين بعصمة الولي فقال ((وليس في المؤمنين إلا من له ذنب من ترك مأمور أو فعل محظور كما قال صلى الله عليه وسلم   ((كل بني أدام خطاء)) ([375]) . وذكر أن أصل العصمة مأخوذ من غلاة النصارى اليهود وغلاة ومنافقي هاتين الملتين الذي) اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( ([376]) . قال عدي بن حاتم لما سمع هذه الآية وكان قد تنصر في الجاهلية قبل إسلامه ((يا رسول الله: ما عبدوهم. فقال له صلى الله عليه وسلم ((أما إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم )) ([377]) .

ولهذا كان ابن تيمية ينكر ((عصمة)) الولي ويتبعها بلفظ ((الحفظ )) وذلك لأن الحفظ والعصمة لهما نفس المعنى. قال:

 ((وأجمع جميع سلف الأمة الدين من جميع الطوائف أنه ليس بعد رسول الله أحد معصوم ولا محفوظ من الذنوب ولا من الخطايا))... ((واتفقوا على أنه ما من الناس أحد من قوله ويترك إلا رسول الله )) ([378]) .

وذكر اختلاف الأمة في قول الصحابي: هل هو حجة؟.

وأن منهم من استثنى قول أبو بكر إذا خالفه عمر. ومنهم من رأى قوليهما حجة دون الباقي من الصحابة مشيرا إلى أنهم اختلفوا في قول الصحابي أبي بكر وعمر وأن منهم من نفى قول أحد من الصحابة لعموم رد الحكم عند التنازع إلى الله ورسوله فالمنع فيمن سواهم أحرى وأولى بل هو متفق. وخلص إلى أنهم اتفقوا: على أنه ليس من شروط ولي الله أن لا يكون له ذنب أصلا، بل أولياء الله تعالى هم الذين قال الله فيهم ) أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 62 الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ( ([379]) ، ولا يخرجون عن التقوى بإتيان ذنب صغير لم يصروا عليه، ولا بإتيان ذنب كبير أو صغير إذا تابوا منه)) ([380]) .

الحفظ الحقيقي

ثم ذكر ابن تيمية قاعدة جليلة قال فيها (كحفظ الولي[ إنما يكون] بمتابعة الكتاب والسنة ولا ريب أن السنة كما كان الزهري يذكر عمن مضى من سلف المؤمنين إذ قالوا ((كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة، وقال مالك ((السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق )) ([381]) .

دعوى العصمة بين الرافضة والمعتزلة.

وقد عزا ابن تيمية أصل دعوى العصمة إلى الرافضة وأن أول من تكلم بها وابتدعها في هذه الأمة: عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم وابتدع القول بأن علياً إمامٌ منصوصٌ على إمامته، ثم ابتدع القول بأنه معصوم أعظم مما يعتقده المؤمنون في عصمة الأنبياء([382]).

وقد تصدى ابن تيمية لابن المطهر- صاحب منهاج الكرامة- ورد دعواه بعصمة الأئمة وأنهم معصومون في ذلك كالأنبياء، ثم ذكر بأنهم تفردوا بهذه المقولة بين الزيدية وغيرهم إلا من كان شراً منهم كالإسماعيلية القائلين بعصمة بني عبيد([383]) وكذلك الكيسانية الذين ادعوا عصمة الأئمة الاثني  عشر حتى عن الخطأ في الاجتهاد([384]).

* وهناك فرقة أخرى من الإمامية ذكر ابن تيمية أنهم جوزوا على النبي معصية الله وأن نبينا قد عصى في أخذ الفداء يوم بدر، ولم يجوزوها على الأئمة متعللين بأن الرسول إذا عصى فإن الوحي يأتيه من قبل الله، أما الأئمة فلا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم وهم معصومون، فلا يجوز أن يسهوا ولا يغلطوا، وإن جاز على الرسول ذلك([385]) ثم وجدت البغدادي قد ذكرهم وهم الهشامية: أصحاب هشام بن الحكم وأوضح مقولتهم كما ذكرها ابن تيمية كما أوضح أن الإمامية على تكفيرهم لأجازتهم المعصية على الأنبياء([386]).

أما المعتزلة فقد زعموا أن الأنبياء معصومون مما يتاب منه، وكذّبوا أن يكون أحداً مهم تاب من ذنب. معتسفين النصوص التي تثبت توبة الأنبياء بشتى التأويلات الباطلة.

قال ابن تيمية ((وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها ومن اتبعهم على ما أخبر الله به في كتابه، وما ثبت عن رسوله من توبة الأنبياء عليهم السلام من الذنوب التي تابوا منها، وهذه التوبة رفع الله بها درجاتهم فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وعصمتهم هي أن يقروا على الذنوب والخطأ([387]) ونوه إلى أن النبي معصوم فيما يبلغه عن ربه([388]) وذكر توبة بعض الأنبياء:

* ) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ (([389]) .

* ) رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (.

* ) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (([390]).

* ) وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (([391]).

* ) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (([392]).

وذكر حجة القائلين بعصمة الأنبياء كالروافض والمعتزلة وهي: أن الإقتداء بالنبي في أفعاله مشروعة، ولولا ذلك ما جاز الإقتداء به.

ثم أجاب عنها بقوله: أنهم لا يقرون على الخطأ إذا أخطأوا، بل لا بد من التوبة والبيان، وأن الإقتداء إنما يكون بما استقر عليه الأمر)). فأما المنسوخ، والمنهي عنه والمتوب منه فلا قدوة فيه بالاتفاق))([393]).

قال: وفي الصحيحين عن عائشة قالت ((كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. يتأول القرآن))([394]).

وفي الصحيح أيضا عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وأخره، وعلانيته وسره، وقليلة وكثيرة))([395]) وقوله ((والله إني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))([396]) وكان الصحابة يعدون له في المجلس الواحد يقول ((رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور)) مئة مرة([397]).

تفضيل الولي على النبي

وقد ابتدأ الأمر بمساواة الأولياء بالأنبياء. فالسهروردي مثلا يجعل طينة الأنبياء والأولياء واحدة تختلف عن الطينة التي جبل منها باقي البشر.([398]) ثم أخذ يتطور حتى بلغ بالصوفية تقديس الولي، ثم أعطوه من الصفات ما يشبه النبوة كقول بعضهم ((الشيخ في قومه كالنبي في أمته))([399])  وحتى زعم بعضهم كالترمذي الحكيم أن للأولياء منازل:

فمنهم من أعطي ثلث النبوة.

ومنهم من أعطي نصفها.

ومنهم من له الزيادة([400]).

وصرّح بأن من الأولياء من هو أرفع درجة من الأنبياء([401]).

وقدر النبهاني مبدأ ختم الولاية قائلا ((ومنهم الختم وهو واحد لا في كل زمان بل هو واحد في العالم يختم الله به الولاية المحمدية))([402]).

* وقد بين الشهرستاني مذهب هذه الطائفة فقال ((ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بذلك نساء غيرهم (( ([403]) .

* أما أبو الحسن الأشعري فيقول(( وقد زعم بعض الصوفية أن العبادة تبلغ بهم حتى يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين)) ([404])  وإن يرويه1لمصوفية عن أئمتهم يصدق ما قاله الشهرستاني والأشعري. كقول أبي يزيد البسطامي ((خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله )) ([405])  وقول إبراهيم الدسوقي ((أنا موسى عليه السلام في مناجاته، أنا علي رضي الله عنه في حملاته، أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي ألبس منهم من شئت أنا في السماء شاهدت ربي وعلى الكرسي خاطبته، أنا بيدي أبواب النار غلقتها وبيدي جنة الفردوس فتحتها، من زارني أسكنته جنة الفردوس))([406]) .

موقف ابن عربي من الولي

وقد اقتبس ابن عربي فكرة ((خاتم الأولياء)) من الحكيم الترمذي الذي صنف كتاب ((ختم الولاية)) والذي تعرض بسببه إلى النفي من بلده ترمذ وشهد عليه أهلها بالكفر إذ كان يقول بأن للأولياء خاتما كما أن للأنبياء خاتما. فلجأ إلى أهل بلخ لموافقتهم له في المذهب ([407]) . فتلقاها ابن عربي وبنى عليها تقسيم الولاية إلى ثلاث مراتب:

 *الأولى مرتبة الأنبياء.

 *والثانية مرتبة الأولياء الخاصة.

 والثالثة مرتبة الأولياء العامة.

ويخص الأنبياء بالولاية الخاصة ليس تفضيلا لهم على غيرهم، وإنما هو تفضيل مؤقت حتى تنتهي نبوتهم، فإذا انتهت ألحقهم بأصحاب المرتبة الثالثة وهي الولاية العامة ([408]) .

وقسم الوحي إلى:

ا) وحي خارجي وهو وحي النبوة التشريعية الخاصة.

2) ووخلي: وما يدركه  القلب من الانفتاح المباشر

على عالم الملكوت ([409])  أخذه عن الغزالي الذي صرح بأن ((علوم الأولياء تأتي من داخل القلب من الباب المنفتح إلى عالم الملكوت))([410]) .

شخصية ابن عربي

وقد تفاقم الانحراف في المفهوم الصوفي من ادعاء الكشف والعصمة والتصرف في الأكوان والتفسيرات الأشارية الباطنية وفكرة ختم الولي وتفضيله على النبي ورسائل أخوان الصفا. كل هذا شكل اللبنة التي بني عليها ابن عربي فكرته. لقد استعمل هذه المواد وجمع معها مواد أخرى من الفلسفة الإلحادية والتشيع ومزج الجميع في تركيبة عجيبة.

وجاءت فكرة ختم الولاية كنتيجة لهذا الانحراف وأثر من أثار القول بالوحي والالهام والعلم اللدني والكشف، لكن ابن عربي زاد على ذلك فجمع بين التصوف والتشيع الغالي والقرامطة الباطنية والفلسفة الإلحادية والوثنية والصابئية ومقالات أهل الحلول والإلحاد. واليك طرفا مما يصرح به فيقول ([411]) :

فوقتا يكون العبد ربا بلا شك.

ووقتا يكون العبد عبدا بلا أفك

ويقول:([412]) .

فأنت عبد وأنت رب

لمن له فيه أنت عبد.

وأنت رب وأنت عبد

لمن له في الخطاب عهد.

ويقول: ([413]) .

فيحمدني وأحمده

ويعبدني وأعبده.

ففي حال أقر به

وفي الأعيان أجحده.

ويذكر ابن تيمية أن أول ما وجده في الفتوحات المكية لابن عربي- التي هي أكبر كتبه- ما يلي:

الرب حق والعبد حق

ياليت شعري من المكلف

أن قلت عبد فذاك رب

أو قلت رب أنى يكلف

قال ابن تيمية ((ورأيته يخطه))([414]) وهو يعتقد بوحدة الأديان وأن جميع أهل الديانات مصيبون وكل مصيب مأجور([415]) ناهي عن التقيد بدين مخصوص، معتقدا بإيمان فرعون([416])  ونجاته، قياسا على إيمان بلقيس([417]) وبأن الله أرسل موسى ليكون قرة عين لفرعون وقرة عين بالإيمان الذي أعطاه إياه عند الغرق فأمن بالذي أمنت به بنوا إسرائيل فنجاه الله ببدنه من العذاب، وكذلك في الآخرة([418]).

وروي عن أحد كبار مشايخ وفقهاء مصر الأفاضل الشيخ تاج الدين الأنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول ((رأيت ابن عربي شيخا مخضوب اللحية وهو شيخ نجس يكفر بكل كتاب أنزله الله وكل نبي أرسله الله([419]) وهذا موقف متميز بالنسبة إلى الكثرة من الصوفية الذين أثنوا على ابن عربي ودافعوا عنه دفاع المستميت، ووصفوه بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر([420]) وترضوا عنه كلما ذكروه([421]) فذهب إلى تفضيل الولي على النبي لأنه يأخذ مباشرة عن المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي إلى الرسول.


ابن عربي وفكرة ختم الولاية

* قال ((وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، ولا يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه إلا من مشكاة خاتم الأولياء.

* قال ((فأن الرسالة وللنبوة- أعني نبوة التشريع ورسالته- تنقطعان، أما الولاية فإنها لا تنقطع أبدا))([422]).

التعقيب على ذلك

وهذا القول فيه مغالطة كبيرة وخلط للحقائق.

- فهناك فرق بين من تجتمع فيه الولاية وحدها، وبين من يجمع الله له بين الولاية والنبوة.

- ثم إن النبوة أشرف من غيرها. ولهذا لم تكن إلا لأفراد قلائل.

- وما يبطل زعمه من أساسه أن يقال: فأن كانت ((ختم الولاية)) لا تنقطع فلماذا أقطعت وختمت بخاتم الأولياء؟.

موقف ابن تيمية من هذه الفكرة

وقد أوضح ابن تيمية خطأ القائلين بهذه الفكرة، مع أنه لم ينكر أن يكون هناك خاتم للأولياء فإن خاتم الأولياء هو في الحقيقة أخر مؤمن تقي يموت من الناس، لكنه ليس خير الأولياء، وإنما خيرهم وأفضلهم أبو بكر ثم عمر اللذان ما طلعت الشمس وما غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما([423]) وأن هذه الفكرة مبنية على أصل ملا حدة الفلاسفة، فأن المعدن الذي يأخذ منه النبي عندهم هو العقل الفعال. وإن القوة العقلية التي يسمونها القوة القدسية تتخيل الصور في منامها وتسمع أصواتا، فما يراه النبي ويسمعه يكون في نفسه لا في الخارج([424]).

- وهذا الزعم أكذبه الله عند أول وحي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء وذلك حين ضمه جبريل عليه السلام عدة مرات حتى بلغ ذلك منه الجهد، وهذا الضم يؤكد أن هذا الوحي كان يقظة وليس تختلا. وأن ما رآه وسمعه صلى الله عليه وسلم خارج عما يسمونه بـ ((لنفس التخيلية)).

ولا يكتفي ابن عربي بما قاله وإنما يضرب لذلك مثلا ينبئ عن عمق ضلالته فقال: ((ولما مثل النبي النبوة بالحائط من اللبن وقد كمل سوى مرضع لبنة فكان النبي صلى الله عليه وسلم تلك اللبنة، غير أنه لا يراها كما قال لبنة واحدة.

وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله، ويرى في الحائط موضع لبنتين، واللبن من ذهب وفضة.. فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط.. فأنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول))([425]).

ويذكر سببين آخرين لتفضيل الولي على النبي:

* أحدهما: أن الولاية هي الفلك المحيط العام ولهذا لم تنقطع، ولها الأنباء العام، وأما نبوة التشريع والرسالة فمنقطعة.. وأن الله لطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها.

* وثانيهما: أن الله لم يتسم بنبي ولا رسول، وإنما تسمى بالولي. واتصف بهذا الاسم فقال ) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ (وقال ) وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (([426]).

* قال ابن تيمية ((وهذا القول شر من أقوال الكافرين بالرسول لا المؤمنين به))([427]) ومع أنه من أقبح الكفر وأخبثه فهو من أفسد الأشياء في العقل، كما يقال لمن قال ((فخر عليهم السقف من تحتهم))لا عقل ولا قرآن ([428]).

- فأن المتأخر يستفيد من المتقدم دون العكس.

- والأنبياء أفضل من غيرهم.

فخالفوا الحس والعقل مع كفرهم بالشرع))([429]).

قال ((وهذا جهل منهم، فأن الولي عليه أن يتبع النبي، ويعرض كل ماله من محادثة والهام على ما جاء به النبي، فأن وافقه وألا رده))([430]).

- ثم خاتم الأولياء الذين يدعونهم ضلالهم فيه من وجوه حيث ظنوا أن للأولياء خاتما وأن يكون أفضلهم، قياسا على خاتم الأنبياء، ولم يعلموا أن أفضل الأولياء من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهم السالفون من الأولياء لا الآخرون، إذ التفاضل بين الأولياء إنما يكون على قدر أتباعهم للأنبياء واستفادتهم منهم علما وعملا))([431]).

ومن ثم ذكر ابن تيمية خاصيتين من خواص النبوة يعرف بهما الفرق بين مرتبة النبوة وبين مرتبة الولاية المجردة وهي:

- أن الرجل كلما عظمت ولايته كان تعظيمه للنبوة أعظم ومن هنا وجب الإيمان بالنبوة كعنصر أساسي للدخول في الولاية والإيمان.

ولا يتم الإيمان إلا بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأن من لا يؤمن بذلك يكون مرتدا بخلاف الولي فأنه لا يجب الإيمان به ولا يكون منكر ولايته كافرا- وأن من سب نبيا من الأنبياء قتل وكان كافرا مرتدا، بخلاف الولي الذي ليس بنبي فلا يجب القتل لمجرد سبه ولا يكون مرتدا عن الإسلام من لم يؤمن به))([432]).

ويرجع ابن تيمية مصادر أراء ابن عربي إلى عدة كتب منها: الأحياء والمضنون به، ومشكاة الأنوار، وكلها للغزالي. وكتاب ختم النبوة للترمذي وكتاب خلع النعلين لابن قسي، ورسائل أخوان الصفا فهي الكتب التي كانت الممهد الحقيقي لهذه الفكرة ([433]).


ابن عربي خاتم الأولياء

ولم يترك ابن عربي منصب ((ختم الولاية)) شاغرا. وإنما بادر إلى ترشيح نفسه له قائلا ((فإني أنا الختم لا ولي بعدي ولا حامل لعهدي، بفقدي تذهب الدول، وتلتحق الأخريات بالأول))([434]).

* وقد أثبت له يوسف النبهاني رتبة ((ختم الولاية)) ورثاه في قصيدة قال فيها([435]):

كان ختما للأولياء تبيعا

بهداه لخاتم المرسلين.

سيد الخلق صفوة الحق من

كل البرايا ورحمة العالمين.

وقال الكشمخانلي ((والشيخ الأكبر ختم به الولاية الخصوصية)) ([436]) وزعم الشعراني أن ابن عربي من جملة السعداء الذين هم على يمين أدم في الجنة!([437]).

خاتم أخر للولاية

بيد أن الدكتور حسن الشرقاوي طلع علينا بختم أخر كان معاصرا للرسول صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. يقول ((فكما أن الرسول خاتم الأنبياء فأن عليا- كرم الله وجهه- خاتم الأولياء))([438]).

خاتم أخر

وهكذا- يروج سوق يم ((ختم الولاية)) فيتسابق إليه بعض المتصوفة ليقلدوا هذا المنصب من يحبون من الشيوخ. وكان من بين المتسابقين طائفة الرفاعية الذين كتبوا في مصنفاتهم أن الشيخ صهيب الدمشقي قال بأن الله ((قد ختم بالشيخ أحمد الرفاعي الولاية كما ختم النبوة بمحمد))([439]).

* وقالوا ((إن مثل أحمد الرفاعي في الأولياء كمثل محمد صلى الله عليه وسلم في الأنبياء))([440]) (وإذا ذكر الأنبياء فحدثوا عنهم، وإذا ذكر محمد فاسكتوا. وكذلك إذا ذكر الأولياء فحدثوا عنهم، وإذا ذكر السيد أحمد الرفاعي فاسكتوا))([441]).

خاتم آخر

يضيفه الشعراني في طبقاته وهو ((السيد محمد وفا))([442]).

خاتم آخر

كذلك منح التيجانيون شيخهم أحمد التجاني منصب ((خاتم الولاية)) فقالوا ((إن الله ختم بمقامه مقامات الأولياء))([443]).

 وهكذا أدعى المتصوفة استحقاق كثير من مشايخهم لهذه الرتبة الوهمية، من غير أن يتنبهوا إلى أن المفترض أن يعتليها ختم واحد فقط، وأن ابن عربي الذي نظر لـ ((ختم الولاية)) وتحدث عنها قد أثبتها بادئ ذي بدء لنفسه.


 الصلة بين التصوف والتشيع

الصلة بين التصوف والتشيع حقيقة تحدث عنها كثير من النقاد مثل ابن خلدون وغيره ممن عقدوا مقارنات بين اعتقادات وطقوس الفريقين.

* فالقول بالقطب والبدل والنجب والوتد والغوث وغيره من مراتب الولي لا يختلف عن القول بالناطق والتالي والأساس وغيره من مراتب الأئمة عند الشيعة إلا بالاسم.

* والقول بعصمة الولي عند الصوفي مشابه للقول بعصمة الإمام عند الشيعة([444]).

* والكم الهائل من المزارات وأضرحة الأولياء عند المتصوفة يشبه مزارات وأضرحة الأئمة عند الشيعة.

* والغلو في إطراء الولي وتعظيمه واختلاق عجائب الكرامات له مشابه للغلو عند الشيعة في الإمام وتعظيمه.

* وطلب المدد من الولي والتحدث معه وهو في قبره عند الصوفية يشبه طلب المدد من الأئمة عند الشيعة وتلقي العلم عنهم وهم في قبورهم.

* والقول بالعلم الباطن والأسرار الإلهية أصله من عند الشيعة الذين يتحدثون عن العلم الباطن الذي آتاه الله الأمة.


رأي ابن خلدون

قال ابن خلدون في مقدمته ((ثم حدث في المتأخرين من الصوفية: الكلام في الكشف وظهر من كثير منهم القول بالحلول والوحدة (وحدة الوجود) فشاركوا فيه الإمامية والرافضة لقولهم بألوهية الأئمة وحلول الإله فيهم. وظهر منهم القول بالقطب والإبدال وكأنه يحاكي مذهب الرافضة في الإمام والنقباء. وأشربوا أقوال الشيعة، وتوغلوا في الديانة بمذاهبهم حتى جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أن عليا ألبسها الحسن البصري وأخذ عليه العهد بالتزام الطريقة، واتصل ذلك عنهم بالجنيد من شيوخهم. ولا يعلم هذا عن علي من وجيما صحيحو لم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم الله وجهه، بل الصحابة كلهم أسوة في طريق الهدى. وفي تخصيص هذا بعلي دونهم رائحة من التشيع قوية يفهم منها ومن غيرها دخولهم في التشيع وانخراطهم في سلكه.

وأكثر من تكلم من هؤلاء المتصوفة المتأخرين في شأن الفاطمي: ابن عربي الحاتمي في كتابه ((عنقاء مغرب))... تكلم فيه عن ((خاتم الأولياء)) وكنى عنه بلبنة الفضة... وجعلوا صاحب الكمال فيها خاتم الأولياء أي حائز الرتبة التي هي خاتمة الولاية كما كان خاتم الأنبياء حائزا للمرتبة التي هي ((خاتمة النبوة))([445]).

أول من أخذ عنه التصوف

يذكر كامل الشيبي أن أول من تسمى بالصوفية ثلاثة:

ا- جابر بن حيان الذي كان تلميذا لجعفر الصادق، والشيعة يؤكدون تلمذته له([446]) وأنه باب من أبوابهم.

2- أبو هاشم الكوفي وكان أول من بني خانقاه للصوفية وأنه كان يلبس لباسا خاصا بالرهبان، وكان يقول بالحلول والاتحاد، والشيعة يعظمونه ويصفونه ب ((مخترع الصوفية))

3- عبدك الصوفي كان أخر شيوخ فرقة نصف شيعية ونصف صوفية تأسست بالكوفة وكان على رأس فرقة من الزنادقة الذين زعموا أن الدني كلها حرام لا يجوز الأخذ منها إلا القوت([447]).

4- معروف الكرخي وكان خادما لموسى الكاظم، وأول من فتح الكلام على الولاية في بغداد، ذكروا أنه مات عند ازدحام الشيعة على باب علي بن موسى([448]) وقد تحدث الصوفية أن معروفا أخذ الطريقة عن على بن موسى وأخذها الجنيد عن معروف ثم تناقلها الصوفية.

الخرقة وسندها

وأصل تداول الخرقة الصوفية ((يرتفع إلى الجنيد الذي أخذها من خاله السري السقطي وهو لبسها من معروف الكرخي وهو لبسها من الشيخ داود الطاني وهو لبسها من الشيخ حبيب العجمي وهو لبسها من الشيخ حسن البصري وهو لبسها من زوج البتول وابن عم الرسول مولانا وسيدنا على بن أبي طالب وهو لبسها من النبي المعظم([449]).

* وهذا سند لا يخفى كذبه فإن الحسن البصري لم يدرك عليا، فأنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر، وكان الحسن صغيرا بالبصرة، في حين كان عليا بالكوفة آنذاك والحسن أنما أخذ عمن أخذوا عن علي كالأحنف بن قيس وقيس بن عباد. ويعترف أحد المتصوفة (الصيادي) بأن كثيرا من كبار الحفاظ - كابن حجر العسقلاني والسخاوي والذهبي ومغلطاي والحافظ العراقي والعلائي- أنكروا نسبة الخرقة واتصال سندها، وأنه لم يرد فيها خبر صحيح ولا ضعيف، وأنكروا سماع الحسن البصري من الإمام علي([450]).

العلم الباطن

* ولقد كثر الكذب على علي رضي الله عنه وأهل بيته الكرام، فزعم الترمذي الحكيم أن عليا كان يبرز على عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلم التوحيد([451]) وأن سلمان تلقى علم الباطن عن علي، وأن عليا أخذه عن رسول الله([452]) وزعموا أن العلم الباطن أخص العلوم.

* قال ابن عجيبة ((أخذنا الطريق وعلم التحقيق عن... عن أول الأقطاب سيدنا الحسن سبط رسول الله عن والده أمير المؤمنين سيدنا علي كرم الله وجهه الذي هو باب مدينة العلم، عن نخبة الوجود سيد المرسلين وخاتم النبيين سيدنا ومولانا محمد رسول الله عن سيدنا جبريل عن الرب الجليل([453]).

* مع أن عليا رضي الله عنه أنكر أن يختصه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من العلم دون سواه وأكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص آل بيته بعلم يكتمه على الناس قائلا ((ما خصتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعمم به الناس كافة إلا ما في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفة مكتوب فيها ((لعن الله من ذبح لغير الله)) قال: وما أسر إلي شيئا كتمه الناس([454]).

* ثم إن كتم العلم ليس فيه في الإسلام فضيلة، بل هو خيانة كما قال صلى الله عليه وسلم ((من كتم علما نجم يوم القيامة بلجام من نار)). وقال تعالى ) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (. ومع ادعائهم اختصاص علي على غيره بعلم الباطن فأنهم ينسبونه إلى غيره كقولهم أن أبا هريرة أعطي جرابين من العلم عن رسول الله، صرح بأحدهما وكتم الآخر. وإنما كتم أحاديث الفتن والملاحم التي أخبره   صلى الله عليه وسلم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

* قال ابن تيمية ((وهذا الحديث صحيح لكن الجراب الآخر لم يكن فيه شيء من علم الدين ومعرفة الله وتوحيده الذي يختص به أولياؤه، ولم يكن أبو هريرة من أكابر الصحابة الذين يخصمون بمثل ذلك لو كان هذا مما يخص به، بل كان في ذلك الجراب أحاديث الفتن التي تكون بين المسلمين، ومن الملاحم التي تكون بينهم وبين الكفار.

* ولهذا لما كان مقتل عثمان وفتنة ابن الزبير قال عمر: لو أخبركم أبو هريرة أنكم تقتلون خليفتكم وتهدمون البيت لقلتم كذب أبو هريرة. فكان أبو هريرة يمتنع من التحديث بأحاديث الفتن قبل وقوعها لأن ذلك مما لا يحتمله رؤوس الناس وعوا مهم))([455]).

* بل روي عن أبي هريرة قوله ((لو قلت لكم أنكم ستحرقون بيت ربكم وتقتلون ابن نبيكم لقلتم لا أكذب من أبي هريرة. وقد كان قتل الحسين عليه السلام بعد موت أبي هريرة وإنما كان يخاف قطع حلقومه من بني أمية.

* ومع جهود الغزالي في رد الباطنية وتصنيف الردود عليهم فإن كتبه لا تخلو من أثارهم مثلما ذكره أن عليا قال ((أدخلت لساني في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم، مع كل باب ألف باب. ولو وضعت لي وساد ((وجلست عليها لحكمت أهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم))([456]).

مصادر العلم الباطن

وهذا العلم الباطن هو في الحقيقة إرث شيعي باطني. تحدث عنه الغزالي حين قسم العلوم إلى ظاهر وباطن وإلى لب وقشر.

* فالظاهر: هو علم الشريعة وهو بمثابة القشرة.

* وأما علم الباطن: فهو علم المكاشفة وهو غاية العلوم وأشرفها.([457]) ويصفه ((العلم المكتوم))([458]) وذكر بأنه ((ما من آية من آيات القرآن إلا ولها ظهر وبطن ولبطنه بطن إلى سبعة أبطن))([459]) و((أن لكل شيء ظاهرا وباطنا)) و((إن من العلم كهيئة المكنون)) وغير ذلك. وهذا العلم ((سر من أسرار الله))([460]).

* ويحكي الكلاباذي أن جبريل سأل الله عن علم الباطن فقال الله له ((هو سر من سري أجعله في قلب عبدي لا يقف عليه أحد من خلقي))([461]) ثم صار الصوفية يفتون فيه أهل التصوف كما يفتي غيرهم في العلم الظاهر، يروي النبهاني أن الشيخ محمد بن أبي الحسن البكري درس وأفتى في علمي الظاهر والباطن.([462]) ويدعو الجنيد ربه أن يجعله من الأمناء على سره))([463]).

* وقد حرم الشاذلي من روية رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة طويلة ثم رآه فسأله عن سبب طول غيابه فقال ((أنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا))([464]).

نماذج من العلم الباطن

وقد صار للعلم الباطن قيمته وأستقلاليته عن العلم الشرعي الظاهر، فصار تفسيرهم للقرآن يعرف بالتفسير الأشاري وأبرز تفسيرين في ذلك الطائف (الأشارات للقشيري) و (تفسير ابن عربي) الذي فسر أية ) عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (قائلا ((النبأ العظيم هو أمير المؤمنين علي عليه السلام))([465]).

* وقال في أية ) عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ( أي من أشاء من أهل العناية.. ففي هذا العذاب رحمة لا يبلغ كهنها ولا يقدرها من رحمة لذة الوصول.. ولعمري إن هذا العذاب أعز من الكبريت الأحمر))([466]).

وفسر هو وجماعة من الصوفية العذاب بالعذوبة قال ((يسمى عذابا من عذوبة طعمه)) فقال لهم ابن تيمية ((أذاقكم الله هذه العذوبة)).

* وجاء فقيه إلى أحد كبار مشيخة الصوفية وهو الشيخ على بن عثمان الرفاعي فقال له ((فسر لي قوله تعالى ) إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ( فقال له الشيخ: تريد تفسيرنا أو تفسيركم؟ فقال الفقيه: وهل هناك فرق بين تفسيرنا وتفسيركم؟ قال: نعم، قال: ما تفسيركم؟ قال: الملك هو الله عز وجل. والقرية قلبك))([467]).

* وقال الجنيد ((لا أحب الآفلين)) لا أحب من يغيب عن عياني وقلبي))([468]).

وهكذا يتفق التأويل الباطني في التصوف مع منهج الباطنيين والقرامطة من مسخ للآيات وليها عن تأويلها الصحيح.


كتاب الجفر الشيعي

والجفر عبارة عن كتاب طلاسم وشعوذة تعظمه الشيمة وتقدسه وتزعم أنه وعاء فيه علم النبيين والوصيين وعلماء أمة بني إسرائيل، وفيه علم ما كان وما يكون مفصلا إلى يوم القيامة([469]).

* يحكي ابن خلدون أن أصل الجفر كان عند هارون العجلي رأس الزيدية يرويه عن جعفر الصادق رضي الله عنه وأنه منسوب إليه من غير أن يتصل سنده به أو تصح روايته. وأن يعقوب بن إسحاق الكندي رضعه للرشيد والمأمون وكان منجما لهما([470]) ومن الصوفية من يؤمن بهذا الكتاب ويعظمه.

* كالطريقة الرفاعية التي يصرح كبار أصحابها بأنهم يؤمنون بكتاب الجفر. فالمهدي الرواس من الرفاعية يصرح بأن الجفر علم صانه الله تعالى بآل البيت النبوي وخص به الأئمة ووراث الأئمة من الأغواث والأقطاب والأنجاب، وفيه أسرار عظيمة مما يتعلق بكل وارث منهم وهو عبارة عما يحدثه فيهم كخلافة أمير المؤمنين علي عليه السلام وولده الحسن السبط الهمام، وشبله المقدام الحسين وما سيجري في عهد المهدي سلام الله عليه ورضوانه، وهو سر خاص بهم لا يتعلق بغيرهم([471]) وأن الله أختص أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرين بكتاب الجفر وخص به الأئمة ووارثيهم والأئمة الأغواث والانجاب والأعاظم من الأقطاب.. فذلك سر خاص بهم لا يتعلق بغيرهم.

* وأما ما فيه من الأسرار الجوامع فهي من خصائص الوارث في كل عهد))([472]) ولقد كان للرواس نصيب من هذا الجفر، فقد زعم أنه لما اجتمع بقبر الشيخ أحمد الصياد الرفاعي قال له هذا الأخير ((أنت منبع يجري منه نهر كنهر النيل، قلت: دلني سلام الله عليك على هذا النهر الذي مثلته بالنيل. فذكر أن الصياد تكوم عليه باعطائه بعض كلمات من ((الجفر)) العلوي الفاطمي وحل له أسرارها([473]).

وذكر أنه حصل على تسعمائة سر من أسرار الجفر الفاطمي من الخليل إبراهيم عليه السلام حين ظهر عليه أمام قبر من قبور الأئمة. وأعطاه خرقة عليها بعض الطلاسم والرموز السحرية.

قال الرواس ((وقد صرح أولياء الله من آل فاطمة عليها السلام أن من حمل هذا السطر على هذه الصورة الشريفة عوفي مريضه وأفاق مصروعه. وهو المانع من كل ملم ودافع لكل مهم([474]).


التقية الباطنية

وقد تعرض المتصوفة للقتل والنفي بسبب معتقداتهم كالحلاج المصلوب والسروردي المقتول: قتله صلاح الدين والحكيم الترمذي الذي نفوه بعد أن شهدوا عليه بالكفر، فكان هذا العلم الباطن نوعا من التقية الشيعية يظهرونه تارة ويخفونه تارة أخرى. وذكر الشعراني شعرا منسوبا للحسين بن علي وفيه:

يا رب جوهر علم لو بحت به

لقيل أنت ممن يعب الوثنا

ولا ستحل رجال مسلمون دمي

يرون أقبح ما يأتونه حسنا ([475])

ويقول الجنيد للشبلي ((نحن حبرنا هذا العلم تحبيرا ثم خبأناه في السراديب، فجئت أنت فأظهرته على رؤوس الملأ!))([476]).


الصوفية وموقفهم من مهدي الشيعة

هما لا ريب فيه أن الإيمان بالمهدي على أنه الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي دخل في السرداب وينتظر إلى اليوم خروجه منه هو تشيع واضح لا يجادل فيه إلا مغالط. أما المهدي الذي وردت به السنة الصحيحة فإنه ليس حيا منذ مئات السنين كما هو عند الشيعة وأسمه هو محمد بن عبد الله وليس بن الحسن العسكري.

* لكن المهدي عند الشعراني وطوائف من الصوفية لا يزال حيا منذ مئات السنين. فقد زعم الشعراني أن شيخه حسن العراقي أجتمع بالمهدي وأقام المهدي عنده أسبوعا وسأله عن عمره فأجابه بأن عمره ستمائة سنة وأنه ولد سنة مائتين وقليل، قال الشعراني ((فسألت الكمل من مشايخنا فأجابوا بذلك سواء بسواء))([477]) وكان بعض طوائف الرفاعية يتردد على قبر الإمام موسى الكاظم ويجتمع بالمهدي هناك([478]).

والمهدي يعتبر عند الشيعة الإمام الثاني عشر. لكن الصوفية زادوا واحدا وهو الشيخ أحمد الرفاعي فصار مجموع الأئمة ثلاثة عشر. ودليلهم أضغاث أحلام رأوا فيها النبي وقال لهم ((ولدي أحمد ثالث عشر أئمة الهدي من أهل بيتي))([479]).


مبدأ الغلو والتقديس

وقد أتفق الصوفية والشيعة على منهج الغدو وساروا عليه معا، فبينما نرى الارتفاع بالأئمة عند الشيعة إلى حد التأليه وأنهم: أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ([480]). ونجد المتصوفة يذهبون إلى أن الشيخ أحمد الرفاعي ((كان أمانا لأهل الأرض وظلا ظليلا على سائر الخلق))([481]). وأن الأجنة في البطون وكل من في السموات والأرض شهدوا بمقام ولايته ([482]).

وقد زعم الخميني أن لأئمته مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي، ونقل الشعراني عن أحد المتصوفة مثل قوله ((عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون، فأن الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل))([483]).


مملكة الألقاب الموهومة

لقد كون الصوفية خلال تطور عقيدتهم نظاما ومراتب مقدسة تبدأ بالقطب والأماميين والإبدال والأوتاد، فالبكتاشية تدين بالأئمة الأثني عشرية وسائر تفاصيل المعتقد الشيعي فهم والشيعة متفقون على عصمة الأئمة والأولياء.

والرفاعية يصومون عن أكل اللحوم ويعتزلون الناس ابتداء من عاشوراء وحتى مضي أسبوع. وفكرة الألقاب هذه شبهها ابن تيمية بما عند الإسماعيلية والقرامطة([484]).

قال أحمد أمين ((إن الصوفية اتصلت بالتشيع اتصالا وثيقا وأخذت فيما أخذت عنه فكرة المهدي وصاغتها صياغة جديدة وسمته قطبا وكونت مملكة الأرواح على نمط مملكة الأشباح وعلى رأس هذه المملكة: القطب وهو الذي يدبر الأمر في كل عصر وهو عماد السماء ولولاه لوقعت على الأرض. ويلي القطب النجباء وهم اثني عشر نقيبا))([485]).

موقفهم من أئمة الآل

وقد دخل في كتب الصوفية من مرويات الشيعة التي وضعوها ما يفيد تقديم علي في الخلافة على الشيخين. فنجد مثلا أبا نعيم الأصفهاني يروي لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((ما سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا من بعدي وليوالي ولته))([486]).

ويتفاخر الشعراني بدخول الأئمة الإثني عشر مصر خصيصا لزيارته لأنهم لا يعلمون في مصر أحدا يحبهم مثل محبته))([487]).


الرفاعية وموقفهم من أهل البيت

الرفاعية يعتقدون بإمامة الإثني عشر على النحو الذي تقول به الشيعة ويجعلون شيخهم الرفاعي الإمام الثالث عشر بعدهم. يقول الصيادي ((ولم يأت في أهل البيت الطاهريين بعد سادة الأئمة الإثني عشر سلام الله عليهم ولي لله تعالى أعظم منزلة وأكمل عرفانا من الشيخ أحمد الرفاعي))([488]) ورووا عن الشيخ عبد الجليل الهاشمي الرفاعي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم  وقال له ((ولدي أحمد ثالث عشر الأئمة أئمة الهدى من أهل بيتي. قال: فكنت لا أقول بإمامة الإثني عشر أئمة الهدى، فبعد هذه الرؤيا تأدبت وقلتُ بإمامتهم قولا صالحا لا يهدم منارة الإجماع))([489]) وإدراج الرفاعي ضمن الأئمة الإثني عشر فيه إقرار بأحقيتهم في الإمامة على النحو الذي رتبته الشيعة.

الرفاعية ينتظرون مهدي الشيعة

* وقد استشهد الصيادي بهذا المنام وذكر أن صاحب المنام لم يكن يقول بإمامة الأئمة الإثني عشر احترازا من موافقة الشيعة لكنه وافقهم بعد هذه الرؤيا. وتحدث في كتابه عن أسماء الأئمة الإثني عشر وأخذها يعددها:

1.      علي بن أبي طالب الإمام الأسد الغالب

2.      الحسن الإمام الجليل.

3.      الحسين صاحب كربلاء

4.      زين العابدين علي السجاد

5.      محمد الباقر

6.      جعفر الصادق

7.      موسى الكاظم

8.      علي بن موسى الرضا

9.      محمد الجواد (أبو جعفر)

10.علي الهادي (أبو الحسن)

11.الحسن العسكري (أبو محمد)

12.محمد المهدي المنتظر الحجة([490]).

وقد زعم المهدي الرواس الرفاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((تمسك بولدي أحمد الرفاعي فإنه لا يجيء مثله إلى يوم القيامة إلا سميك (يعني من يوافق اسمه اسمك) المهدي بن العسكري([491]).

وزعم أيضا أنه أتى قبة موسى الكاظم بمدينة (طوس) فبرز له الإمام المهدي الحجة المنتظر فكلمه هناك([492]).

* أما كتاب ((بوارق الحقائق)) للمهدي الرواس الرفاعي فإنه من أكثر كتب الرفاعية الداعية إلى التشيع حيث سطرّ فيه تنقلاته الكثيرة بين قبور أئمة أهل البيت وذكر أنهم كانوا يخرجون ما قبورهم واحدا واحدا أمامه. بل خرج له الأنبياء وأعطوه علوم الجفر وغيرها.

- ولقد وصف قبر الشيخ أحمد الصياد بأنه ((زيتونة لا شرقية ولا غربية، بتولية فاطمية سبطة محمدية عابدية باقرية جعفرية كاظمية مرتضوية أحمدية([493]).

* ويدعو الصيادي الله أن يعطف عليه قلب الأئمة لينال منهم حاجته، ويدفع بهم كربه([494])  قائلا ((ونسأله تعالى أن يُعَطِفَ علينا قلب ((صاحب الزمان)) وحاشيته الكرام الأعيان، جعلناهم وسيلتنا إلى الله، أخذناهم درعا لرد كل بلاء ودفع كل قضاء قبلناهم باباً لنيل كل خير([495]).

* وفي موضع أخر يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر صاحب الزمان وآله أن يساعدوه في قضاء حوائج دينه ودنياه([496]).

* وقد جعل الصوفية مقابر أهل البيت قبلتهم في الدعاء ووسيلتهم فقال الصيادي الرفاعي ((أن السلف الصالح رضي الله عنهم صح عندهم التوسل بأهل بيت رسول الله وأولياء الله واتخذوا زيارة مقابرهم- والتوجه إليهم والتوسل إلى الله بجاههم- ذريعة لقضاء حوائجهم([497]).

محبة أهل البيت تمحو الذنوب

ومن أوجه التشابه بين الرفاعية والشيعة اعتقاد كلا الفريقين براءة محب أهل البيت من النار:

* فيدعي الصيادي أن النبي صلى الله عليه وسلم ((معرفة آل محمد براءة من النار وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب. ومن مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على حب آل محمد بشرّه ملك الموت بالجنة ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزارا لملائكة الرحمة([498]) وأنه قال ((الزموا مودتنا أهل البيت، فإن من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا)) أضاف قائلا: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة:

* المكرم لذريتي

* القاضي لهم حوائجهم

* الساعي لهم في أمورهم

* المحب لهم بقلبه ولسانه([499]).

وهذا يتفق مع ما يقوله الشيعة الذين يزعمون أن الله تعالى قال ((لا أدخل النار من عرف أبا طالب وإن عصاني ولا أدخل الجنة من أنكره ولو أطاعني))([500]) - ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((من رزقه الله حب الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة فلا يشكّنّ أحد أنه في الجنة([501]).

* ونحن أهل السنة لا ننكر أن حب أهل البيت إيمان وهو جزء لا يتجزأ من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لكننا لا نحبهم على نحو محبة الشيعة لهم. فإنه لا يصير المرء عند الشيعة محباً لأهل البيت حقيقة حتى يستغيث بهم ويتمرغ على تراب قبورهم ويغلو في محبتهم. ونحن عند النصارى- سنة وشيعه- لا نزال مبغضين لعيسى في نظرهم، ولا نكون محبين له حتى نتخذه إلها ونستغيث به.

وكذلك نحن نحب أهل البيت من غير أن نعتقد بأنهم حبهم يمحو الذنوب، على النحو الذي تقول به النصارى في عيسى عليه السلام. حيث يعوّل كلا الفريقين على المحبة ويطعنون في العمل ويصرفون الناس عنه. وهذه عقيدة تزيد العاصي طغياناً وتحدث عند الطائع إحباطاً وكسلا في طلب العمل. فلئن كان الحب كافياً للفوز في الجنة ومحو الذنوب فما الفائدة من العمل؟.




([1]) كتبت في ذلك عدة كتب مثل ((القول الجلي بتطور الوالي)) أي بتطوره في أشكال عديدة وظهوره بمكانين بوقت واحد وكتاب ((المعتلي في تعدد صور الولي )) ينسب كلاهما للسيوطي بالظاهرية.

([2]) القاموس المحيط: 4/404 ط البابي الحلبي- مصر وانظر لسان العرب لابن منظور 4920.

([3]) مختار الصحاح 736ط دار الكتاب العربي بيروت.

([4]) معجم مقاييس اللغة 6/ 141 لابن فارس ط الكتب العلمية ايران.

([5]) غريب القرآن: 533 ط دار المعرفة- بيروت.

([6]) فتح القدير 2/457 دار المعرفة- بيروت.

([7]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 6 ط المكتب الإسلامي- بيروت وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 1/50ط دار الكتب العلمية- بيروت. 

([8]) أن معرفة الله فطرية لا يتحقق بموجبها عرفان ولا منزلة: قال تعالى )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى شهدنا( (الأعراف 172) وقال )وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم( (النمل 14) فالمعرفة بمجردها يستوي فيها المؤمن والجاحد.

([9]) تبسيط العقائد الإسلامية 151.

([10]) أخرجه البخاري في العلم: باب القراءة والعرض على المحدث 1/22 ومسلم في الإيمان 12 والترمذي في الزكاة 614 والنسائي في الصوم 4/121- 124 وأبو داود في الصلاة 486.

([11]) يونس 62.

([12]) تفسير ابن جرير الطبري المجلد السابع 11/92.

([13]) نوادر الأصول 157.

([14]) فتح القدير 2/457.

([15]) فتح الباري 11/342 ط المكتبة السلفية.

([16]) رسالة الصوفية والفقراء 28 للإمام ابن تيمية ط المدني. جدة.

([17]) رواه الطبراني 2/ 422 عن أبن عباس مرسلا، وابن كثير من رواية البزار مرفوعا، ورواه السيوطي في تفسيره الدر المنثور 3/309، وذكره البغوي في تفسيره 2/359 من غير سند، وأبن الجوزي في ذاد المسير 4/43 [وفيه تخريج الحديث] وأبن كثير 2/ 422، مجموع تفسير أبن مسعود 2/335 جمع محمد احمد العيسوي.

([18]) أخرجه البخاري في الرقاق 7/190 باب التواضع، وقد تعرض البعض لهذا الحديث بالطعن ومنهم رشيد رضا محتجا بتفرد البخاري بروايته دون مسلم وأصحاب السنن ودون مسند أحمد أيضا، قال ((وهو معدود من غرائب جامعة، وقد طعن الأئمة في بعض رجال سنده، وخرجه بعض الذين يروون الضعاف والمناكير كابن الدنيا والطبراني بأسانيد في كل منها مقال)). أنظر حاشية رسالة الصوفية والفقراء 28. وتفرد البخاري برواية ما صح فلا يضر ذلك في الحديث ولا يطعن به، وأما أن أحمد لم يروه في مسنده فالحق أنه رواه [أنظر المسند 6/256] وذكر الحافظ في الفتح ثمانية شواهد وطرق لتقوية الحديث أقواها طريق عائشة وطريقان لأنس [فتح الباري 11/341- 342] وسلسلة الأحاديث الصحيحة [183- 191] وقد أطال الخير في مناقشته. 

([19]) من رسالة الشيخ محمد جميل غازي (الأولياء) ضمن مجموعة رسائل بعنوان من مفردات القرآن 89- 102 ط المدني مصر مع بغض التصرف.

([20]) البقرة 257.

([21]) الكهف 44.

([22]) الأحزاب 6.

([23]) أخرجه البخاري في التفسير 226 تفسير سورة الأحزاب، ومسلم في الفرائض رقم (1619) والبيهقي في السنن 10: 302.

([24]) أخرجه البخاري في الأدب 737 باب تبل الرحم ببلالها، ومسلم رقم (215) وأحمد في المسند 4:203.

([25]) آل عمران 28.

([26]) التوبة 123.

([27]) المائدة: 78-81.

([28]) الجاثية 19.

([29]) الأعراف 27.

([30]) البقرة 257.

([31]) البقرة 257.

([32]) محمد 11.

([33]) أضواء البيان للشنقيطي 1:289.

([34]) يونس 62.

([35]) فتح القدير 2:278.

([36]) الأعراف 196.

([37]) الأنعام 14.

([38]) إبراهيم 22.

(2) الأنفال 48.

([39]) الواقعة 8-14.

([40]) الواقعة 88- 91.

([41]) مختصر الفتاوى 558.

([42]) تفسير أبن جرير 2/ 30/ 6 والبغوي 4: 46 6: 32 وتفسير أبن مسعود 2: 69.

([43]) الفرقان 26 والفتاوى 3:416.

([44]) فاطر 32-35.

([45]) النساء 48.

([46]) الزمر 35.

([47]) رواه الترمذي رقم (2300) وأبو داود (3599) وأبن ماجه (2372) بأسانيد لم تصح وأنظر التلخيص الحبير لأن حجر 4: 19، لكن الرواية الأخرى في الصحيحين تشهد له، غير أنها تخالفه من حيث المعنى فليس فيها تصريح عدل الشرك بشهادة الزور ومساواته بها، وانظر السنن للبيهقي 10: 12 وقد حكم الألباني عليه بالضعف في صحيح الجامع الصغير (6402).   

([48]) أخرجه البخاري في الأدب (707) ومسلم في الأيمان رقم (87) والبيهقي في السنن 10: 12.

([49]) الحديد 10.

([50]) البقرة 253.

([51]) مسلم (2664) والبيهقي 10: 8.

([52]) مسلم (35) والبخاري في الأيمان 31.

([53]) أخرجه الترمذي (2601) وأسناده صحيح أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني رقم (2450).

([54]) مجموع الفتاوى 7: 223 و3: 355 ، 18: 270-271 والإيمان الأوسط 132 ومقالات الإسلاميين 133 و270-266 وفي الفقه الأكبر صريحة ((فصل: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص)) والفقه الأكبر 70. 

([55]) المجادلة 11.

([56]) رواه الترمذي (2682) وابن ماجة 1: 47 قال في مجمع الزوائد ((رواه البزار ورجاله موثوقون 1: 126 وقال الحافظ ابن حجر ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد  (أنظر البخاري كتاب العلم 1: 25 باب العلم قبل القول والعمل.

([57]) العبارة مأثورة عن الرفاعي أراد بها الرد على بعض المتصوفة المستخفين بالعلم، كان يقول: عظموا شأن الفقهاء والعلماء...  ما أتخذ الله وليا جاهلا، الولي لا يكون جاهلاً في دينه (البرهان المؤيد 57-53 تحقيق صلاح عزام).

([58]) أنظر مختصر الفتاوى المصرية 559-558.

([59]) النساء 69.

([60]) مختصر الفتاوى المصرية 560- 559، وأنظر شرح العقيدة الأصفهانية 122، الصفدية 1: 262.

([61]) أنظر نوادر الأصول 157.

([62]) شرح عقيدة الأصفهانية 122- 121. مختصر الفتاوى المصرية 560.

([63]) الفرقان 71.

([64]) أحياء علوم الدين 1: 53.

([65]) الرسالة القشيرية2.

([66]) التوبة 37.

([67]) مجموع الفتاوى 11: 175.

([68]) أخرجه البخاري في الإيمان 141 باب علامات المنافق، ومسلم رقم (58) في الإيمان وأبو داود (4688) في السنة، والنسائي في الإيمان 8: 116 ، واحمد في مسنده 2: 189.

([69]) أخرجه البخاري في الإيمان 131 باب المعاصي من أمر الجاهلية وفي الدب 857 باب ما ينهى من السباب واللعن ومسلم في الإيمان رقم (1661) باب أطعام المملوك مما يأكل وأحمد في المسند 5: 161.

([70]) أخرجه مسلم رقم (934) في الجنائز: باب التشديد في النياحة وأحمد في المسند 5: 342 -344 والحاكم 1: 383 وقال: ((صحيح على شرط الشيخين)).

([71]) أخرجه البخاري في الحدود 8: 13 باب ما يكره من لعن شارب خمر وأبو داود رقم (4477) والبيهقي 8: 312.

([72]) رواه أحمد 2: 300.

([73]) فتح الباري 11: 67.

([74]) نفس المصدر 11: 77.

([75]) أخرجه البخاري في الفتن باب قول النبي ((لا ترجعوا بعدي كفارا)) وفي الأدب ما ينهى من السباب واللعن ومسلم رقم (64) في الإيمان والنسائي 7: 122 ورواه البيهقي 8: 20 وأحمد 1: 385.

([76]) تفسير الدر المنثور 2: 286، تفسير الطبري المجلد الرابع 6: 165- 166، والبغوي 2: 41- 40.

([77]) أنظر مقالات الإسلاميين 266- 265.

([78]) مختصر الفتاوى 590.

([79]) الزمر 44-33.

([80]) أنظر مجموعة الرسائل والمسائل 1: 54 ودقائق التفسير 3: 222- 221.

([81]) أنظر جامع الرسل 1: 268 تحقيق د. محمد رشاد سالم.

([82]) رواه أبن ماجة رقم (4221) وهو عند أحمد في المسند بلفظ ((توشكون أن تعرفوا)) وبلفظ ((يا أيها الناس توشكون)) 3: 6466-416. وقد علق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على الحديث عند أبن ماجة قائلا ((قال في الزوائد إسناده صحيح. وهذا الحديث بهذا اللفظ لم أجده في الزوائد وخاصة في فصل الثناء الحسن (أنظر 53).

([83]) أخرجه البخاري في الكبائر 2: 100 باب الثناء على الميت ومسلمخ في الجنائز (949) باب فيمن يثني عليه والطيالسي رقم (2388) والبيهقي 10: 109 والحاكم 1: 377 وأنظر مسند أحمد 2: 261، 466،3: 186، 211، 245.

([84]) أخرجه البخاري في الجنائز 2: 70 باب الدخول على الميت وأحمد 6: 436 والبيهقي 3: 406، 764 والحاكم 1: 379 وقال ((على شرطهما)).

([85]) كتاب النبوات 10-8ط. دار الكتب العلمية.

([86]) أخرجه أبن ماجة في الزهد رقم (4245) وأنظر في صحيح الجامع 35.

([87]) أخرجه البخاري في الأدب 877 باب ما يكره من التمادح، ومسلم في الزهد (3000) والبغوي في شرح السنة 3: 1491 وأبو داود (4805) والبيهقي 10: 242 وأحمد 5: 41 وفيه أن الرجل قال: ما من  أحد بعد رسول الله أفضل من فلان)).

([88]) أخرجه البخاري في بدء الخلق 4: 90 باب صفة النار وأنها مخلوقة وفي الفتن 8: 79 باب الفتن التي تموج كموج البحر، ومسلم في الزهد (2989) والبيهقي 10: 95 وأحمد 5: 205، 207 و 209.

([89]) أخرجه البخاري في المغازي: 5: 76 باب غزوة خيبر ومسلم في الإيمان (111، 112).

([90])أخرجه البخاري في الإيمان 7: 235 باب هل يدخل في الإيمان والنذور الأرض والغنم، ومسلم في الإيمان (183).

([91]) النجم 33.

([92]) التعريف 74.

([93]) مسلم (2622).

([94]) يونس 62.

([95]) مختصر الفتاوى المصرية 602.

([96]) نعت البدايات وتوصيف النهايات 87 لمحمد بن فاضل ما مين ط دار الفكر بيروت.

([97]) الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية 1: 123 على هامش طبقاته ط. المكتبة الشعبية.

([98]) رواه أحمد 4: 126 وابن ماجة رقم (4) ورقم (35) والترمذي (2676) وصححه الألباني (الأحاديث الصحيحة 937و 688).

([99]) رواه أبو داود (4607) والترمذي (2678) وقال ((هذا حديث صحيح والدرامي 1: 45- 44 وأبن ماخة (43) وأحمد 4: 126 والحاكم 1: 95 قال الذهبي ((على شرطهما ولا أعرف له علة)) ورواه أبن حبان 1661 والآجري 46 وأبن أبي عاصم في السنة 1: 17- 19 وأبن عبد البر في جامع بيان العلم 2: 181- 182.

([100]) مجموع فتاوى أبن تيمية 11: 173.

([101]) أيقاظ الهمم لا بن عجيبة 5ط. دار المعرفة- بيروت.

([102]) الأنعام 153.

([103]) آل عمران 31.

([104]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 9-8.

([105]) المائدة 18.

([106]) الأنفال 34.

([107])أخرجه البخاري في الأدب باب يبل الرحم ببلالها، ومسلم في الإيمان (215)، وأحمد في المسند 4: 203.

([108]) التحريم 4.

([109]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 10-9.

([110]) هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى 31ط. المكتبة القيمة. السودان.

([111]) قطر الولي 273-275 تحقيق إبراهيم إبراهيم هلال ط دار إحياء التراث العربي.

([112]) رواه الترمذي عن عبد الله بن شقيق بسند صحيح.

([113]) طبقات الشعراني 2: 126 و136 و144و150.

([114]) كتاب المختار من كلام الأخيار لمحمد علوي 8: 197 وطبقات الشعراني.

([115]) وذكر خوف أبي بكر وعمر وغيرهما.

([116]) التعرف لمذهب أهل التصوف 76- 78، هذا وقد ذهب القشيري إلى جواز أن يكون الولي مأمون العاقبة وأن لا تتغير عاقبته، لكنه نقل قول من أنكر اشتراط حسن الموافاة عند موت الولي واختار جواز تغير عاقبته وجواز الثاني (أنظر الرسالة القشيرية 160 وقد أنكر أبن تيمية اشتراط حسن الموافاة للولي وأنه لايكون وليا ألا من وافاه الله حين الموت بالأيمان والتقوى قائلا: إن العلم بذلك أصعب عليه وعلى غيره)) (انظر دقائق التفسير 3: 221 ومجموعة الرسائل والمسائل 1:52) وأغرب الحكيم الترمذي فزعم أن الأولياء آمنوا فأمنوا كما أن الأنبياء أمنوا فأمنوا (ختم الأولياء 380، 272.

([117]) التعرف 78.

([118]) كتاب الزاهد للإمام وكيع الجراح رقم (162)

([119]) أنظر الحلية 521، وكتاب الزهد للآمام أحمد 147.

([120]) الزهد للإمام أحمد 9: 24.

([121]) الحلية 9: 183.

([122]) (لطائف المنن 620).

([123]) مجموعة الرسائل 1: 53.

([124]) دقائق التفسير 3: 221 مجموعة الرسائل والمسائل 1: 52.

([125]) رواه الترمذي (2501) والدارمي 2: 303 وأحمد 3: 198 بسند حسن.

([126]) جامع الرسائل 1: 266 ومختصر الفتاوى المصرية 100.

([127]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 48-49.

([128]) النساء 59.

([129]) التفسير الكبير للرازي 10: 144.

([130]) البداية والنهاية 5: 248.

([131]) الحفظ عند الصوفية هو العصمة لكنه مختلف عنها لفظا فقط.

([132]) جامع الرسائل 1: 273.

([133]) أخرجه البخاري في المغازي باب سرية عبد الله بن حذافة، وفي الأحكام باب السمع والطاعة ومسلم (1840) وأبو داود (2625) والنسائي في البيعة 7: 159 والطيالسي (1568 وأحمد 1: 82.

([134]) رواه أحمد 5: 66 والطيالسي رقم (109و850) وإسناده ضعيف غير أن له شواهد كما عند الحاكم 3: 443، وصححه ووافقه الذهبي وشواهد أخرى تحسنه (سلسلة الصحيحة رقم 181).

([135]) أخرجه البخاري في الأحكام باب السمع والطاعة ومسلم في الأمارة (1839) والترمذي (1707) وأبو داود (2626) والنسائي 7: 16 وأبن ماجة (2864).

([136]) الصفدية 1: 259 .

([137]) المائدة 67.

([138]) الجن 26.

([139]) النبوات 221- 222.

([140]) دقائق التفسير 3: 220- 221.

([141]) المائدة 5.

([142]) الزمر 65.

([143]) الأنعام 58.

([144]) نفس المصدر السابق 2213.

([145]) سبق تخريجه. وقد شرح الشيخ محمد بن علي الشوكاني هذا الحديث في مجلد أسماه: قطر الولي على حديث الولي.

([146]) فتح الباري 11: 347 وانظر  قطر الولي 534 للشوكاني.

([147]) عن خطبة منسوبة لعلي رضي الله عنه. أنظر الأولياء والكرامات 31 لأبي السمح محمد عبد الظاهر الفقيه رحمه الله.

([148]) مجموع الفتاوى 2: 391.

([149]) الفتح 11: 342- 343.

([150]) الفتح 11: 343.

([151]) وهو غير الترمذي المحدث صاحب السنن. وقد أخرجه أهل ترمذ منها وشهدوا عليه بالكفر بسبب كتابة ((ختم الولي)) الذي يفضل فيه الولي على النبي. وأخذ عنه أبن عربي هذه الفكرة. أنظر سير أعلام النبلاء. سير أعلام النبلاء 13: 441.

([152]) التوبة 103.

([153]) البقرة 203.

([154]) نوادر الأصول 207.

([155]) رواه الترمذي (413) والنسائي 1: 232 والحاكم 1: 263 وأبو داود (864) وأحمد 5: 72 (صحيح الجامع 2571).

([156]) تقدم تخريجه.

([157]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 58.

([158]) مجموع الفتاوى 3912.

([159]) الفتح 34411.

([160]) أخرجه مسلم في الإيمان (178) والترمذي (3278) في التفسير.

([161]) أخرجه البخاري في العلم 1: 37 ومسلم (763) والموطأ 1: 121 وأبو داود (58).

([162]) التحريم 28.

([163]) قطر الولي 433- 434.

([164]) قطر الولي 490 وأنظر الفتح 11: 34- 344.

([165]) ولأن الله يعلم ما ينتظره بعد موته مما هو خير له من دنياه.

([166]) مجموع الفتاوى 10: 58- 59 و5: 511 و 11: 75- 76 و17: 133- 134 وقد نقل الألباني خلاصة قول أبن تيمية في هذه المسألة (سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 191- 193.

([167]) قطر الولي 515.

([168]) أنظر ما قاله الحافظ في الفتح 11: 344.

([169]) أنظر الفتاوى 12: 34.

([170]) معراج التشوق 35 لأبن عجيبة.

([171]) التعريفات 227.

([172]) الرسالة القشيرية 124، 148، 146، 118، 145.

([173]) وهذا يؤيد ما ذكرته سابقا من أن أبواب القرب لا تفتح عند الصوفية إلا بالأذكار والنوافل لا بإقامة  الشعائر المفروضة.

([174]) كرسي أهل وحدة الوجود.

([175]) الرسالة القشيرية 118- 119 وقد زيد في الطبعة التي بيدي حرف (ى) كما ترى في النص ثم رجعت إلى نسخة أخرى بتحقيق الشيخ عبد الحليم محمود فوجدتها (بلا هو) كما كنت أتوقع فالظن أن إضافة هذا الحرف للتمويه وحتى لا يقال إن الخزاز حلولي.

([176]) التعريف لمذهب أهل التصوف 145.

([177]) مشكاة الأنوار 23.

([178]) الرسالة القشيرية 117 وانظر 160 وانظر جامع الأولياء وأنواعهم وأوصافهم للكشمخانلي 287.

([179]) انظر لطائف الإشارات 274.

([180]) الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية 72.

([181]) نوادر الأصول 157- 158ط. دار صادر- بيروت.

([182]) أنظر فصل ختم الولاية عند أبن عربي وغيره.

([183]) أحياء علوم الدين 1/53 و1/39 وأنظر الأربعين في أصول الدين 195.

([184]) آل عمران 7و18

([185]) الرسالة القشيرية 2.

([186]) الرسالة القشيرية 126.

([187]) الإحياء 4: 239.

([188]) إحياء علوم الدين 1: 61، 4: 24، 2: 237، 4: 229.

([189]) الفتوحات الإلهية 271.

([190]) عوارف المعارف 47 ملحق بالجزء الخامس من كتاب الإحياء ط. المعرفة بيروت.

([191]) عوارف المعارف 42.

([192]) آداب المريدين 125 لعبد القاهر السهرودي ط الوطن العربي. القاهرة.

([193]) معراج التشوف إلى حقيقة التصوف 65.

([194]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 5-6 للشيخ أحمد ضياء الكمشخانلي ط الخانجي- مصر.

([195]) حلية الأولياء 91.

([196]) جامع كرامات الأولياء 1: 40و 49.

([197]) عن كتاب معراج التشوف لابن عجيبة 65-68.

([198]) أنظر التعريفات للجرجاني 142.

([199]) مجموع الفتاوى 11: 433.

([200]) البخاري مناقب الأنبياء 4: 112 باب قوله تعالى ) وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (.

([201]) مجموعة الرسائل والمسائل 1: 60- 61 ومجموع الفتاوى 11: 435- 439.

([202]) الفجر المنير 68 قلادة الجواهر 177.

([203]) قوت القلوب 239ط دار صادر بيروت اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2: 178 للسيوطي والموضوعات لابن الجوزي 2: 279 والعلل المتناهية 2: 148 له أيضا.

([204]) حلية الأولياء 6: 194.

([205]) الرسالة القشيرية 51.

([206]) الحلية لأبي نعيم 10: 278.

([207]) الرسالة القشيرية 142.

([208]) حلية الأولياء 9: 271.

([209]) معراج التشوف إلى حقائق التصوف 13.

([210]) الفتوحات الإلهية 87 سلاسل القوم للصيادي 3ط السعادة- مصر.

([211]) لطائف المنن 334-335.

([212]) لطائف المنن 225.

([213]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 77 تنوير القلوب 494و 519 في معاملة علام الغيوب.

([214]) الفتوحات الإلهية 218.

([215]) قلادة الجواهر 278.

([216]) أي زوال الحياء منه.

([217]) لطائف المنن 521.

([218]) لطائف المنن 578.

([219]) الرسالة القشيرية 158- 159.

([220]) جوهرة التوحيد 153 ط. دار الكتب العلمية بيروت.

([221]) حلية الأولياء 10: 40.

([222]) الرسالة القشيرية 164.

([223]) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 48- 49.

([224]) الحلية لأبي نعيم10: 274- 275.

([225]) أخرجه مسلم رقم 7 باب النهي عن الرواية عن الضعفاء.

([226]) النبوات 259.

([227]) النبوات 273- 274

([228]) المواهب السرمدية77، والأنوار القدسية 111- 112.

([229]) القاموس المحيط 4: 17- 172.

([230]) مختار الصحاح 568.

([231]) الحج 18.

([232]) الفقه الأكبر 74، المواقف في علم الكلام للايجي 370 ط، علام الكتب، لوامع الأنوار البهية 2: 392 ط مكتبة أسامة، الإرشاد للجويني 302 ط الخانجي، التعريفات 161 للجرجاني.

([233]) وأفضل كتاب يتضمن نقداً علمياً لهذا التعريف هو كتاب النبوات لابن تيمية.

([234]) نور التحقيق من أعمال الطريق 133، طبقات الشعراني 2: 7.

([235]) أي صاحب العين الحاسدة.

([236]) أنظر الصفدية 1: 7 و143 والنبوات 210.

([237]) الصفدية 1: 181- 186.

([238]) المغني التنبؤات والمعجزات 15: 414 وانظر 16: 152- 414.

([239]) هو القاضي عبد الجبار من كبار المعتزلة.

([240]) العقل والحرية 350-351 د. عبد الستار الراوي ط . المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت .

([241]) نفس المصدر والصفحة.

([242]) نفس المصدر 349.

([243]) أنظر النبوات 102 ط. الكتب العلمية –بيروت.

([244]) أنظر النبوات 216.

([245]) النبوات 102.

([246]) الرسالة القشيرية 158- 159 قاله أبو بكر بن فورك.

([247]) الرسالة القشيرية 159 جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 277.

([248]) الرسالة القشيرية 159.

([249]) انظر النبوات 4.

([250]) انظر النبوات 196.

([251]) الملل والنحل للشهرستاني 3: 25.

([252]) النبوات 244.

([253]) الشعراء 222.

([254]) النبوات 194- 195.

([255]) النبوات 197.

([256]) راجع النبوات 106.

([257]) النبوات 104.

([258]) النبوات 195.

([259]) البقرة.

([260]) النبوات 197.

([261]) النبوات 197- 198.

([262]) النبوات 198.

([263]) النبوات 198.

([264]) النبوات 258.

([265]) النبوات 107.

([266]) الأسراء 88.

([267]) النبوات 216.

([268]) النبوات 213.

([269]) النبوات 14.

([270]) لقد ذكر أبن تيمية في خاتمة كتابه (النبوات) عشرة أدلة في التفريق بين المعجزة وبين الكرامة وبينها وبين السحر فليرجع إليها (النبوات 279- 286).

([271]) النازعات 20.

([272]) النبوات 198- 199.

([273]) هذه المسألة دقيقة جدا وتظهر فقه هذا الرجل فإن كتب الصوفية- وهم أشاعرة أو ما تريديه في الاعتقاد- مليئة بقصص شبيهة بمعجزات الأنبياء بل قد تزيد مثل عروج مشايخهم إلى السماء وأن الشيخ بهاء الدين نقشبند له كل يوم عروج إلى ما فوق عرش الرحمن وكذلك عثمان  السالم أبادي يعرج كل يوم إلى السماء ويغير ما في اللوح المحفوظ بلا معارضة (قلادة الجواهر 193و 199) وأن الشمس قد توقفت لهم، وأن الملائكة شقت قلب الرفاعي وأخرجت منه شيئا مظلما مثلما فعلوا للنبي صلى الله عليه وسلم (قلادة الجواهر 141) وأنه أمسك عظام طير ثم نفخ فيها وقال كوني حية بإذن الله (قلادة الجواهر 73 وإرشاد المسلمين 124 وأنظر جامع كرامات الأولياء 2: 151 وغير هذا كثير لا يحصى. كما ستراه في الفصل القادم.

([274]) النبوات 282.

([275]) النبوات 4.

([276]) النبوات 218.

([277]) النبوات 205.

([278]) سيأتي بحث هذه المسألة بالتفصيل في الفصل القادم.

([279]) أنظر النبوات 4.

([280]) النبوات 205.

([281]) أنظر البداية والنهاية 6: 267- 269.

([282]) النبوات 215.

([283]) سنوردها فيها بعد.

([284]) أحياء علوم الدين 4: 356 وقد أنكر الشعراني أن يرد في كلام الغزالي شيء كهذا، أنظر لطائف المنن 199- 200 وأنظر حلية الأولياء لأبي نعيم 9: 394.

([285]) قلادة الجواهر 103 طبقات الصوفية لابن الملقن 98.

([286]) قلادة الجواهر  94.

([287]) قلادة الجواهر 141 الفجر المنير 8.

([288]) لطائف المنن 221.

([289]) جامع كرامات الأولياء 2: 158.

([290]) الكواكب الدرية 11.

([291]) طبقات الشعراني 1: 142.

([292]) مختصر الفتاوى المصرية 589.

([293]) طبقات الشعراني 1: 152.

([294]) طبقات الشعراني 1: 153 جامع كرامات الأولياء 1: 410- 411.

([295]) الفجر المنير 20 طبقات الشعراني 1: 143 قلادة الجواهر 147- 148.

([296]) جامع كرامات الأولياء 2: 33.

([297]) جامع كرامات الأولياء 1: 318.

([298]) الرسالة القشيرية 9 قلادة الجواهر  437.

([299]) الرسالة القشيرية 171.

([300]) قال ذلك الجنيد.

([301]) لطائف المنن 198.

([302]) طبقات الشعراني 2: 96و 105 وجامع كرامات الأولياء 2: 115.

([303]) جامع كرامات الأولياء 2: 117.

([304]) يعني أهل سنته.

([305]) دليله ((قال المشايخ. لأنه لا دليل على هذا الشرك من الله ورسوله))

([306]) شرح جوهرة التوحيد 153 للشيخ إبراهيم الباجوري ط دار الكتب العلمية ط بيروت 1983.

([307]) قوله ((لم أجده)) ذكر الشعراني أن مما أنعم الله به عليه معرفته ومكاشفته للولي هل هو في القبر أم أنه خرج لحاجة (أنظر  لطائف المنن 232).

([308]) لطائف المنن 232.

([309]) مع أنه صاحب المقولة المشهورة وقد قيل ((كم من ضريح يزار وصاحبه في النار)) لطائف المنن 109.

([310]) أخرجه البخاري في الأمارة (1920) وأبو داود (32) وخرجه الألباني في مشكاة المصابيح (5406)

([311]) الرسالة القشيرية 145.

([312]) الرسالة القشيرية  125.

([313]) الرسالة القشيرية 90.

([314]) الرسالة القشيرية 100.

([315]) الأنوار القدسسية 1: 32.

([316]) أحياء علوم الدين 3: 25 الرسالة القشيرية 108.

([317]) الركوة ضرورية عند خروج الصوفية للسياحة إلى الله. ولا يأخذون شيئا غيرها لا طعام ولا مال.

([318]) التعرف لمذهب أهل التصوف 151.

([319]) جامع كرامات الأولياء 1: 235.

([320]) التعرف 154 والرسالة القشيرية 178.

([321]) جامع كرامات الأولياء 1: 292.

([322]) جامع كرامات الأولياء 1: 271.

([323]) الرسالة القشيرية 111 الأحياء 2: 71و 4: 358.

([324]) المعارف المحمدية 74 قلادة الجواهر 54.

([325]) الرسالة القشيرية 88.

([326]) قلادة الجواهر 41.

([327]) جامع كرامات الأولياء 2: 325.

([328]) لطائف المنن463.

([329]) طبقات الشعراني 1: 181.

([330]) إحياء علوم الدين 4: 251.

([331]) درء تعارض العقل والنقل 1: 318 وعوارف المعارف 5: 56 ملحق بالإحياء.

([332]) جامع أصول في الأولياء وأنواعهم 133.

([333]) حياة القلوب في كيفية الوصول إلى المحبوب 2: 275 على هامش قوت القلوب ط صادر.

([334]) جامع كرامات الأولياء 1: 327.

([335]) لطائف المنن 689.

([336]) لطائف المنن 50.

([337]) جامع كربات الأولياء 1: 267.

([338]) أحياء علوم الدين 3: 25 الرسالة القشيرية 108.

([339]) الرسالة القشيرية 18.

([340]) الرسالة القشيرية 142.

([341]) جامع كرامات الأولياء 2: 68 طبقات الصوفية للشعراني 1: 157.

([342]) إحياء علوم الدين 1: 104.

([343]) المنقذ من الضلال 50.

([344]) الإحياء 3: 19.

([345]) فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة 130 (ضمن مجموعة القصور العوالي).

([346]) الإحياء 3: 20.

([347]) الأنوار القدسية 1: 82.

([348]) شرح جوهرة التوحيد للبيجوري 22.

([349]) شرح جوهرة التوحيد 43.

([350]) تلبيس إبليس 321.

([351]) الفرقان بين الحق والباطل 1: 162- 164 (ضمن مجموعة الرسائل الكبرى).

([352]) الفرقان بين الحق والباطل 561.

([353]) درء تعارض العقل والنقل 5: 348 تحقيق د محمد رشاد سالم.

([354]) درء تعارض العقل والنقل 5: 357 وشرح العقيدة الأصفهانية 135 وأنظر كتابي الغزالي والتصوف 163- 197 ففيه تفصيل الكشف عند الغزالي.

([355]) رواه مسلم (2269) وأبو داود (4632) والترمذي (2294).

([356]) أي مفهمون.

([357]) أخرجه البخاري رقم (3689) ومسلم (2398).

([358]) أنظر الصفدية 1: 253 ومجموعة الرسائل والمسائل 2: 70 والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان 52- 53.

([359]) قال الحافظ أبن حجر ((أخرجه البخاري)) التلخيص الحبير 4: 192.

([360]) ختم الولاية 347.

([361]) الرسالة القشيرية 160- 117.

([362]) مختار الصحاح 437.

([363]) جوهرة التوحيد 1334.

([364]) وإلى هذا ذهب صاحب معراج التشوف65- 66.

([365]) لطائف الإشارات 274.

([366]) الرسالة القشيرية 160.

([367]) التعرف لمذهب أهل التصوف 74- 75.

([368]) التصوف الثورة الروحية 301- 302)).

([369]) عوارف المعارف 89 ملحق بكتاب إحياء علوم الدين.

([370]) الفتوحات الألهية 171.

([371]) حلية الأولياء 10: 274.

([372]) نوادر الأصول 206.

([373]) تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب 479و 529.

([374]) الرسالة القشيرية 150.

([375]) رواه الترمذي (2501) والدارمي 2: 303 وأحمد في مسنده 3: 198، والحاكم 4: 244 وصححه الذهبي وقال(( صحيح على لين)).

([376]) التوبة 31.

([377]) رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب( 23912) وابن عبد البر2: 109 والبيهقي في سننه 10: 116. وحسنه الألباني ( غاية المرام 20).

([378]) جامع الرسائل 1: 258- 260.

([379]) يونس 62.

([380]) جامع الرسائل 1: 266- 268 وانظر مختصر الفتاوى المصرية 100.

([381]) الصفدية 1: 259.

([382]) انظر جامع الرسائل 1: 260-262.

([383]) منهاج السنة 2: 359 -360.

([384]) جامع الرسائل 1: 264.

([385]) أنظر منهاج السنة 2: 308- 309.

([386]) الفرق بين الفرق للبغدادي 50 ط دار الآفاق- بيروت.

([387]) جامع الرسائل 1: 269- 270.

([388]) مختصر الفتاوى المصرية 100.

([389]) هود 47.

([390]) الشعراء 82.

([391]) محمد 19.

([392]) الأنبياء 87.

([393]) جامع الرسائل 1: 278 ومنهاج السنة 2: 317 ومختصر الفتاوى المصرية 100 و104 و105.

([394]) أخرجه البخاري 6: 93 ومسلم (484).

([395]) أخرجه مسلم (483).

([396]) أخرجه البخاري (6307).

([397]) رواه أبو داود (1516) وابن ماجه (3814) بسند صحيح.

([398]) عوارف المعارف 5: 57 ملحق بالأحياء.

([399]) الفتوحات الإلهية 173.

([400]) ختم الولاية 347.

([401]) نوادر الأصول 157ط دار صادر بيروت.

([402]) جامع كرامات الأولياء 1: 41.

([403]) الملل والنحل 5:  226ط دار الفكر بيروت .

([404]) مقالات الإسلاميين 439.

([405]) طبقات الشعراني 2: 16.

([406]) طبقات الشعراني 1: 181.

([407])انظر لسان الميزان لابن حجر 5: 30 طبقات السبكي 2: 20وطبقات السلمي217والاعلام للزر كلي6: 272وانظر درء تعارض العقل والنقل والصفدية1: 248له أيضا وكلا هما بتحقيق د محمد رشاد سالم .

([408]) انظر الفصوص1: 136.

([409]) أنظر فصوص الحكم 1: 133ونقل الشعراني موافقة الشيخ محمد أبي المواهب الشاذلي على هذا التقسيم وتنبئاه كما في طبقات الشعراني 2: 68والانوار القدسية على هامشها2: 121).

([410]) أنظرالاحياء 3: 21-23.

([411]) فصوص الحكم 1: 90.

([412])نفس المصدر1: 92.

([413])نفس المصدر1: 83.

([414]) مجموع فتاوى ابن تيمية 2: 242.

([415]) انظر الفصوص 1: 32- 35 هذه هي الصوفية 93 لعبد الرحمن الوكيل.

([416]) للصوفية كتب عديدة في إثبات إيمان فرعون مثل كتاب إيمان فرعون للدواني وكتاب التأييد والعون للقائلين بإيمان فرعون وليس هذا اعتقاد كل الصوفية وإنما يحمل التصوف وزر كل انحراف نشأ عنه وتطور بعده.

([417]) الفصوص 1: 157.

([418]) انظر الفصوص1: 201 و211.

([419]) مجموع الفتاوى 2: 246 مجموع الرسائل 4: 85.

([420]) أنظر الذخائر المحمدية 140 لمحمد علوي المالكي وقشية التصوف لعبد الحليم محمود 296 ومقدمة لكتاب المنقذ من الضلال 20 له أيضا ولطائف المنن للشعراني 487.

([421]) الفتوحات الألهية لابن عجيبة 13 وجامع الكرامات 1: 118.

([422]) فصوص الحكم 1: 62.

([423]) مجموع الرسائل والمسائل 2: 64.

([424]) الصفدية 1: 249.

([425]) فصوص الحكم 1: 63.

([426]) نفس المصدر 1: 134- 135.

([427]) درء تعارض العقل والنقل 5: 340.

([428]) أي يقال لمن قرأ الآية ((فخر عليهم القف من تحتهم)) بدلا من أن يقرأها ) فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ ( فهو مخطئ عقلا حيث ظن أن هبوط السقف من أسفل، ومخطئ في قراءة الآية.

([429]) جامع الرسائل 1: 205 ودرء تعارض العقل والنقل 45.

([430]) جامع الرسائل 1: 206.

([431]) نفس المصدر وأنظر الصفدية 1: 252.

([432]) الصفدية 1: 261- 262 وشرح العقيدة الأصفهانية 121- 122.

([433]) درء التعارض 5: 353 والصفدية 1: 238و 230 و 247.

([434]) عنقاء مغرب 15.

([435]) جامع الكرامات الأولياء 1: 125.

([436]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 132 وقد رووا بعض الأقاصيص المكذوبة لتخويف المنكرين على أبن عربي فزعموا أن رجلا هم بإحراق قبره فخسف الله به الأرض وغاب فيها تسعة أذرع)) طبقات الشعراني 1: 188 جامع كرامات الأولياء 1: 120 وأن آخرا رأى يوم القيامة وقد نصبت أوان في غاية الكبر وأغلي فيها ماء يتطاير منه الشرر وجيء بالمنكرين على أبن عربي وأبن الفارض وألقوا فيها فصلت جلودهم حتى تهرى اللحم (جامع كرامات الأولياء 1: 218).

([437]) لطائف المنن 620.

([438]) ألفاظ الصوفية ومعانيها 147 ط دار المعرفة الجامعية- الأسكندرية.

([439]) التاريخ الأوحد 108 المعارف المحمدية 90 قلادة الجواهر 432و 46.

([440]) (48) تنوير الأبصار 12 التاريخ الأوحد 109 الكنز المطلسم 65.

([441]) قلادة الجواهر 30- 31 التاريخ الأوحد 108.

([442]) طبقات الشعراني 1:21.

([443]) رماح حزب الرحيم على حزب الرجيم 1452 على هامش جواهر المعاني، بغية المستفيد بشرح منية المريد 107.

([444]) عصمة الأمام عند الشيعة من أهم مقومات الإمامة لأن وارث النبي وارث لخصائصه ومزايا. فالإمام ((كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن من سنن الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا، كما يجب أن يكون من السهو والخطاء والنسيان)) (عقائد الأمامية 104 محمد رضا مظفر ط. دار الزهراء).

([445]) مقدمة أبن خلدون 323 و324.

([446]) الأعلام للزركلي 2: 103 والصلة بين التصوف والتشيع 266.

([447]) الصلة بين التصوف والتشيع 271.

([448]) الصلة بين التصوف والتشيع 356- 357.

([449]) قلادة الجواهر 274.

([450]) تطبيق حكم الطريقة العلية 278- 279 للصيادي الرفاعي.

([451]) نوادر الأصول 205.

([452]) ترياق المحبين 7 للواسطي.

([453]) الفتوحات الألهية 266 وهذا السند ((ظلمات بعضها فوق بعض))

([454]) مسلم (1978).

([455]) مجموعة الرسائل 2: 64.

([456]) الرسالة اللدنية 117.

([457]) أنظر الأحياء 1: 19- 21.

([458]) ميزان العمل 111.

([459]) الرسالة اللدنية 107.

([460]) جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 258.

([461]) التعرف لمذهب أهل التصوف.

([462]) جامع كرامات الأولياء 10: 180.

([463]) حلية الأولياء 10: 180.

([464]) طبقات الشعراني 2: 75.

([465]) تفسير أبن عربي 2: 755.

([466]) تفسير أبن عربي 1: 453- 454.

([467]) قلادة الجواهر 325- 326.

([468]) حلية الأولياء 10: 265.

([469]) الكافي في الأصول 1/ 239 كتاب الحجة باب ذكر الصحيفة والجفر والجماعة وأنظر بصائر الدرجات 3/ 180 للصفاري.

([470]) مقدمة أبن خلدون 334و 338.

([471]) بوارق الحقائق 284.

([472]) بوارق الحقائق 184- 285.

([473]) بوارق الحقائق 78- 79.

([474]) بوارق الحقائق 177- 179 وهذا الكتاب أشبه ما يكون بكتاب رؤيا يوحنا اللاهوتي عند النصارى فيه من العجائب والأساطير ومشاهدة الشياطين ما يجعله شبها به.

([475]) لطائف المنن 488.

([476]) التعرف للكلابذي 172.

([477]) طبقات الشعراني 2: 139 الأنوار القدسية 1: 4 على هامش الطبقات. لطائف المنن 489-490.

([478]) بوارق الحقائق 141- 142.

([479]) أرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين 45 للفاروثي.

([480]) نشأة الفكر الفلسفي 2: 279.

([481]) قلادة الجواهر 35- 36.

([482]) قلادة الجواهر 36.

([483]) طبقات الشعراني 1: 173.

([484]) أنظر مجموعة الرسائل والمسائل 1:60.

([485]) صخى الإسلام 245.

([486]) حلية الأولياء 1: 86.

([487]) لطائف المنن532.

([488]) المعارف المحمدية 2 و73 الطريقة الرفاعية 127 بوارق الحقائق 196 والقواعد المرعية في أصول الطريقة الرفاعية 7و38 ط محمد أفتدي مصطفى، ترياق المحبين 12 والكنز المطلسم 26 تنوير الأبصار 36 إرشاد المسلمين 97.

([489]) إرشاد المسلمين 45.

([490]) بوارق الحقائق 141 وانظر النجوع الزواهر 113 لأحد الرفاعيين والمعاصرين.

([491]) بوارق الحقائق 212.

([492]) بوارق الحقائق 318.

([493]) بوارق الحقائق 56- 57.

([494]) معناه أنه صار يدعو الله ليقربه إلى أئمته ومشايخه زلفى.

([495]) القواعد المرعية 19 وكتاب روضة الناظرين 95، 136.

([496]) قلادة الجواهر 392- 393

([497]) قلادة الجواهر 439.

([498]) ضوء الشمس 1/251 و255.

([499]) ضوء الشمس 1/262- 263.

([500]) البرهان في تفسير القرآن للبحراني الشيعي 23 والخصال للقمي 2/583.

([501]) تفسير نور الثقلين 2/ 504 للحويزي.