مهلاً أيها الشاب
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> شؤون الشباب
المصادر
الوصف المفصل
مهلاً أيها الشاب
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لمن هذه الكلمات؟
إلى كل شاب يريد أن يتعرف على طريق الاستقامة.
إلى كل شاب مل السير في سبل الهلاك وطرق الغواية.
إلى كل شاب تدعوه نفسه المطمئنة إلى الطاعة، وتزين له نفسه الأمارة بالسوء الذنوب والمعاصي.
إلى كل شاب أسره الهوى، وتمكن من قياده الشيطان.
كلمات صادقة ودليل محبة، ولغة تواصل، وباقة ورد أنثرها بين يديك أخي الشاب راجيًا الله تعالى أن تمس حروفها شغاف قلبك، وأن تهز سطورها أركان فؤادك فمنه سبحانه العون وعليه التكلان.
من أنت؟!
أخي الشاب: هل تعرف من أنت؟ هل تعرف تاريخك؟ هل تعرف أجداد؟ هل تعرف مجدك وبطولاتك؟
أنت من سلالة الأماجد الأخيار من الصحابة الأبرار، أنت حفيُد علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، وخالد بن الوليد وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، ومصعب بن عمير وغيرهم من شباب الصحابة الأطهار.
أنت من غيرت وجه التاريخ ونشرت التوحيد في ربوع الكون.
أنت من لقنت طواغيت الدنيا درسًا منذ أربعة عشر قرنًا لا يزالون يذكرونه إلى اليوم!!
أنت من أقمت البناء ورفعت اللواء، وكنت للدين الفداء.
أهدي الشباب تحية الإكبار هم كنزنا الغالي وذخر الدار ما كان أصحاب النبي محمد إلا شبابًا شامخ الأفكار من يجعل الإيمان رائده يفز بكرامة الدنيا وعقبى الدار .
من أي الفريقين أنت؟
أخي الشاب: ليس الفوز ما نراه في الملاعب من تقدم فريق على فريق يهدف أو هدفين، إنما الفوز لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة، قال تعالى: }فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{ [آل عمران: 185].
وكما نشاهد في الدنيا فريقين يتباريان ويلعبان، ففي الآخرة أيضًا فريقان ولكنهما لا يتباريان ولا يلعبان قال تعالى: }فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ{ [الشورى: 7].
فريق في الجنة: في النعيم المقيم.. حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال تعالى: }فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [السجدة: 17].
وقال تعالى: }يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ{ [الزخرف: 68-73].
وقال النبي e: «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة سنة ما يقطعها»([1]). الله أكبر ! شجرة واحدة لا يقطعها راكب الجواد السريع في مائة سنة!!
وقال النبي e: «إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا»([2]). فهل بعد هذا النعيم من نعيم وهل هناك فوز يشبه هذا الفوز؟
حياة أبدية.. وصحة دائمة, وشباب لا يتغير.. ونعيم لا يزول.
وفريق في السعير.. في نار جهنم والعياذ بالله.. طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم، قال تعالى: }إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ{ [الزخرف: 74-77].
وقال تعالى: }وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ{ [المؤمنون: 103-108].
وقال النبي e مبينًا صفة جهنم وعظمها: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها»([3]) . أي أنها تحتاج إلى 4900.000.000 مَلك لجرها أربعة مليارات وتسع مائة مليون ملك فاللهم سلم. اللهم سلم.. الهم ارحم ضعفنا وذلنا وحاجتنا في هذا اليوم العظيم.
فيا أخي الشاب: ممن تود أن تكون؟ سؤال قد يبدو بسيطًا لأول وهلة، والإجابة عليه أبسط منه ولكن ماذا أعددت لتكون من أهل الجنة؟ ماذا أعددت لسؤال الملكين في قبرك، ماذا أعددت للمرور على الصراط؟ ماذا أعددت للنجاة من النار؟
شباب وشباب
انظر إلى نفسك، أخي الشاب، وتفقد أعمالك ثم احكم على نفسك بعد ذلك من أي الفريقين أنت؟
هل أنت: من الشباب المستقيم المؤمن، الذي يؤمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين إيمانًا حقيقيًا يحمله على فعل الطاعات وترك المنكرات؟
هل أنت من الشباب الذي يعبد الله وحده لا شريك له مخلصًا له الدين؟
هل أنت من الشباب الذي يتبع نبي الهدى محمدًا e في قوله وعمله؟
هل أنت من الشباب الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت الحرام على الوجه الأكمل؟
هل أنت من الشباب الذي يدين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
هل أنت من الشباب الذي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؟
هل أنت من الشباب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقول الصدق ويقبل الحق؟
هل أنت من الشباب الذين يتمتعون بالأخلاق الحسنة والنفوس الكريمة والقلوب الطيبة؟
فهذا القسم من الشباب مفخرة للأمة، ورمز حياتها وسعادتها، وسر نهضتها وقوتها، وهو الذي نرجو الله من فضله أن يصلح به ما فسد من أحوال المسلمين، وأن ينير به الطريق للسالكين، ويحيى به ما اندثر من سنن المرسلين، فإن كنت أخي الشاب من هذا القسم، فهذا والله ما نرجوه لك، وأبشر بالسعادة والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
أما القسم الثاني من الشباب، فهو شباب منحرف عقيدة وسلوكًا قد قتله الغرور، وسيطرت عليه الشهوات.
شباب عنيد لا يلين للحق ولا يقلع عن الباطل.
شباب لا يبالي بما أضع من حقوق الله ولا من حقوق الآدميين.
شباب فوضوي فاقد الاتزان في تفكيره وسلوكه وجميع تصرفاته.
شباب لا يعرف للمسجد طريقًا ولا للصيام والزكاة والحج سبيلا إلا ما كان على سبيل العادة والتقليد.
شباب لا يقبل النصح، ولا ينقاد للحق، ولا يرى إلا رأيه.
شباب سيء الأخلاق رديء الطباع، زُين له سوء عمله فرآه حسنًا فهو من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
أخي الشاب: إذا كنت من هذا القسم من الشباب أو كان فيك بعض من صفاهم، فأنت والله على خطر عظيم، ويُخشى عليك إذا مت على ذلك أن تكون من أصحاب الجحيم.
أسباب انحراف الشباب
ذكر الشيخ ابن عثيمين من أسباب انحراف الشباب ما يلي:
1- الفراغ: وهو داء قتال للفكر والعقل والطاقات الجسيمة وعلاجه أن يسعى الشاب في تحصيل عمل يناسبه من قراءة أو تجارة أو كتابة أو غيرها مما يحول بينه وبين هذا الفراغ.
2- الجفاء والبعد بين الشباب وكبار السن، وعلاج هذه المشكلة يتم بإزالة هذا الجفوة، وذلك بأن يعتقد الجميع أن المجتمع بشبابه وكباره كالجسد الواحد إذا فسد منه عضو أدى ذلك إلى فساد الكل.
3- الاتصال بقوم منحرفين ومصاحبتهم: وعلاج ذلك أن يختار الشاب لصحبته من كان ذا دين وخير وصلاح وعقل.
4- قراءة بعض الكتب الهدامة التي تشكك الشاب في دينه وعقيدته، وعلاج ذلك بالامتناع عن قراءة مثل هذه الكتب، وقراءة الكتب الأخرى التي تدعو إلى الإيمان والعمل الصالح.
5- ظن بعض الشباب أن الإسلام تقييد للحريات وكبت للطاقات، وأنه دين يدعو إلى الرجعية والجمود ويحول بين المجتمع وبين التقدم. وهذا نتيجة الجهل بالإسلام، وعلاج ذلك بأن يتعلم الشاب حقيقة الإسلام ويعرف محاسنه ومزاياه وأنه دين يدعو إلى التفكير والنظر، وميدان فسيح لاستثمار جميع الطاقات الفكرية والعقلية والجسمية.
سبيل النجاة
يقول كثير من الشباب: ماذا أفعل إذا كنت من الشباب المنحرف وأريد أن أصبح من الشباب المؤمن التقي؟ كيف أبدأ؟
أريد أن أضع قدمي على الطريق الصحيح!!
وللإجابة على هذه التساؤلات يجب أن تعرف أخي الشاب أن السبيل واضح لا خفاء فيه، وأن طريق الاستقامة بين لكل ذي عينين، فهو نور يتلألأ وسط ظلام حالك، وسفينة نجاة تشق طريقها وسط الأمواج العاتية والبحار الهائجة، وسنة متبعة بين ركام من البدع والضلالات.
بداية الطريق التوبة
قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [النور: 31].
وقال تعالى: }وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{ [الزمر: 54] .
وقال النبي e: «إن الله جعل للتوبة بابًا من قبل المغرب عرضه أربعون سنة لا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها»([4]) .
وهذا والله طريق سهل ميسور لا تعب فيه ولا نصب، ومع ذلك فهو موصل إلى النعيم الأبدي الدائم الذي لا يزال ولا ينقطع، قال الإمام ابن القيم موضحًا سهولة هذا الطريق ويسره على كل أحد: «هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام، بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها، وذلك أنك في وقت بين وقتين، وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل».
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار وذلك شيء لا تعب عليك فيه، ولا نصب ولا معاناة عمل شاق، وإنما هو عمل قلب. وتمتع فيما يُستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك.
فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تبع، ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعدها بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم.
أرأيت أخي الشاب تيسير الله تعالى على عباده وعدم تكليفهم ما لا يطيقون، ومع ذلك فالأمر يحتاج إلى نية صادقة وعزيمة قوية، وشغل للأوقات بما ينفع في الدار الآخرة..
لماذا خلقت؟
أخي الشاب: إن معرفة الإجابة على هذا السؤال لمن أهم ما يعين المسلم على سلوك طريق الاستقامة والعودة إلى الله تعالى، فالله سبحانه لم يخلقنا عبثًا بلا غاية ولا هدف، إنما خلقنا لأجل غاية وأعظم هدف، وهو عبادته سبحانه وحده لا شريك له قال تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ [الذاريات: 56] والعبادة في الإسلام لا تقتصر على بعض الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والحج فقط، كما يظنها كثير من الناس، إنها تشمل حياة المسلم بأسرها؛ بل إنها تتعدى ما بعد الحياة قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162، 163].
فصلاتك أخي الشاب عبادة، وصيامك عبادة، وصدقتك وعطاؤك عبادة وحجك وعمرتك عبادة، وطاعتك لوالديك عبادة، وغض بصرك عبادة وكف أذاك عبادة، وطلبك للعلم عبادة، وتحصين نفسك بالزواج عبادة، وطعامك وشرابك، وسعيك على الرزق الحلال، ونومك؛ يمكن أن يكون عبادة، وهذا ما يتميز به ديننا الإسلامي عن غيره من الشرائع.
وإذا تبين أخي الشاب أنك ما خُلقت إلا للعبادة.
فهل يليق بك بعد ذلك أن يجدك الله حيث نهاك ويفقدك حيث أمرك؟!!
فهل يليق أن تكون المساجد خالية منك بينما الملاعب عامرة بك؟
فهل يليق أن تترك النظر في كتاب الله وسنة رسوله e بينما تضيع الساعات في النظر إلى شاشات التلفاز، غارقًا مع الأفلام والمسلسلات.
فهل يليق أن تترك سماع القرآن وتعكف على سماع الغناء والألحان؟
فهل يليق أن تترك سنة السواك وتستبدل بها السيجارة التي هي سواك الشيطان.
فهل يليق: أن تترك مجالس العلم والإيمان وتزاحم المنحرفين في مجالس الغيبة والنميمة والكذب والبهتان؟
التسويف وطول الأمل
أيها الشاب: إنك الآن في مقتبل عمرك، وفي سن الشباب والقوة والفراغ، وقد اغتر كثير من الشباب بهذه السن فقالوا: دعونا نمتع أنفسنا في شبابنا وسوف نتدارك ذلك إذا تقدمت بنا السن، وهذا المنطق يحتوي على كثير من المغالطات.
أولا: طول الأمل من أعظم الآفات التي وقفت حجر عثرة في سبيل توبة كثير من الشباب وإنابتهم، وإلا فمن أين لك أخي الشاب، أنك ستعيش حتى تتقدم بك السن؟
تؤمل في الدنيا قليلا ولا تدري | ||
إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر | ||
فكم من صحيح مات من غير علة | ||
وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر | ||
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا | ||
وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري | ||
قال ابن الجوزي : يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدًا ولا يغترر بالشباب ولا بالصحة، فإن أقل من يموت من الأشياخ، وأكثر من يموت من الشباب، وقد أنشدوا:
يُعمر واحد فيغر قومًا | ||
وينسى من يموت من الشباب!! | ||
ثانيًا: إذا مد الله عمرك أخي الشاب وتعديت سن الشباب فمن يضمن لك أن تُوفق للتوبة؟ أما يمكن أن تزداد منها بعدًا كلما تقدمت بك السن؟ أما يمكن أن تحيط بك المعاصي والسيئات فتحول بينك وبين أي تفكير في التوبة والندم والإقلاع؟ أما يمكن أن يستمر بك التسويف حتى يدركك الموت وأنت على معاصيك.
ثالثًا: ومن ضمن لك أنك ستكون متمتعًا بقواك قادرًا على عبادة ربك، وقد تعداك قطار الشباب وسن القوة والطاقة؟ فمعظم كبار السن لا يطيقون العبادة، ولا يصبرون على الطاعة إلا من رحم الله عز وجل، فقد رقت عظامهم، وضعفت أبصارهم وثقلت أسماعهم وأصبحوا لا يقدرون على الفرائض إلا بشق الأنفس، فهل تريد أن تصرف زمان القوة والشباب في طاعة الهوى والشيطان، وتجعل ساعات الضعف والوهن والعجز لربك الرحمن؟!
رابعًا: المتعة الحقيقية ليست في معاصي الله عز وجل، بل هي في طاعته واتباع أوامره واجتناب نواهيه.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها | ||
من الحرام ويبقى الإثم والعار | ||
يبقى عواقب سوء في مغبتها | ||
لا خير في لذة من بعدها النار | ||
وقال أبو سليمان الداراني: من صفى صفي له، ومن كَدَّر كُدَّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله.
خامسًا: أنت مسئول عن شبابك فيما أبليته فقد قال النبي e: «لا تزول قدمًا عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أ نفقه؟ وماذا عمل فيما علم»([5]) .
ولذلك كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، «شاب نشأ في عبادة الله» فهل أعددت أخي الشاب، الإجابة على هذا السؤال؟
سادسًا: هَبْ أنك وُفقت للتوبة والإنابة في آخر عمرك، أليس قد فاتك منازل المقربين ودرجات الصديقين؟ فخسيس الهمة يتابع هواه ويتوكل على مجرد العفو والمغفرة.
قال بعض السلف: هب أن المسيء عُفي عنه، أليس قد فاته ثواب المحسنين؟!
على قدر أهل العزم تأتي العزائم | ||
وتأتي على قدر الكرام المكارم | ||
رحلة لا بد منها
أخي الشاب: هل تذكرت هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومشتت البنين والبنات؟
هل تذكرت شدة ما تلقاه حينما ينزع مَلَك الموت روحك من جسدك؟
هل تذكرت يومًا تكون فيه من أهل القبور؟
هل تذكرت مفارقة الأهل والجيران والأموال والأصحاب والأوطان؟
هل تذكرت ضيق القبور وظلمتها؟
وهل تذكرت وحشتها وكربتها؟
وهل تذكرت عذاب القبر وألوانه؟
وهل تذكرت حياته وعقاربه وديدانه؟
وهل تذكرت الشجاع الأقرع وعظم شأنه؟
وهل تذكرت ضرب الفاجر بمرزبة من حديد مع الإهانة؟
وهل تذكرت سؤال الملكين منكر ونكير؟
وهل تذكرت أوتوفق للصواب من الجواب أم يقال لك لا دريت ولا تليت؟
أخي الشاب: أعد للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا وللصواب إخلاصًا لا رياء! إنها رحلة لا بد منها مهما طال العمر، وتتابعت الأيام والسنون.
فمن الذي يستطيع دفع الموت عن نفسه؟ ومن الذي يقدر على رد ملك الموت وتأجيل ساعته؟
فلماذا تتكبر أيها الإنسان وسوف تأكلك الديدان؟
ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى؟
}كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ{ [آل عمران: 185] }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ{ [الرحمن: 26، 27] }كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{ [القصص: 88].
قبل الندم
أيها الشاب!
ألا يعتبر المقيم منكم بمن رحل؟ ألا يندم من يعلم عواقب الكسل؟ آه لغافل جد الموت هزل !! ولعاقل كلما صعد العمر نزل!!
أعد على فكر أسلاف الأمم | ||
وقفْ على ما في القبور من رمم | ||
ونادهم أين القوي منكم الـ | ||
قاهر أم أين الضعيف المهتضم | ||
تفاضلت أوصالهم فوق الثرى | ||
ثم ساوت تحته كل قدم | ||
قبر البخيل والكريم واحد | ||
ما نفع البخلُ ولا ضر الكرم | ||
أيها الشباب! بادروا آجالكم.. وحاذروا آمالكم.. أما لكم عبرة فيمن مضى أما لكم؟ ما هذا الغرور الذي قد أمالكم؟ ستتركون على رغم آمالكم.. ما لكم؟!
بينا الفتى مرح الخطا فرح بما | ||
يسعى له إذا قيل قد مرض الفتى | ||
إذ قيل بات بليلة ما نامها | ||
إذ قيل أصبح مثخنًا ما يُرتجى | ||
إذ قيل أصبح شاخصًا وموجها | ||
ومعللا إذ قيل أصبح قد قضى!! | ||
قال الحسن: يومان وليلتان لم تسمع الخلائق بمثلهن قط؛ ليلة تبيت مع أهل القبور ولم تبت ليلة قبلها، وليلة صبيحتها يوم القيامة. ويوم يأتيك البشير من الله تعالى إما بالجنة أو النار، ويوم تعطى كتابك إما بيمينك وإما بشمالك.
طريق السعادة
أخي الشاب:
كل إنسان يطلب السعادة ويسعى إلى تحقيقها ويحاول تذليل الصعاب التي تحول بينه وبينها، ولكن كثيرًا من الناس يخطئ في تصوره للسعادة.
فمن الناس من يظن أن السعادة في المال الوفير، وفي القصور المنيفة، وفي السيارات الفارهة.
ومنهم من يظن أن السعادة في تحقيق الشهرة بشتى الطرق والوسائل.
ومن الناس من يظن أن السعادة في تحصيل المراتب العالية، والشهادات الرفيعة، والمناصب المرموقة.
ومنهم من يظن أن السعادة في السفر و التجوال، والتغرب عن الأوطان في رؤية كل فريد وطلب كل جديد.
ومنهم من يظن أن السعادة في تحصيل الشهوات، ونيل الملذات، وإعطاء النفس ما تريد من المتع دون النظر إلى ما أحله الله من ذلك وما حرمه.
وهؤلاء جميعًا لم يعرفوا للسعادة حقها، ولم يقدروا لها قدرها، لأنهم نظروا إلى صورة السعادة وتركوا حقيقتها وانشغلوا بما يفنى وأهملوا ما يبقى.
ولست أرى السعادة جمع مال | ||
ولكن التقي هو السعيد | ||
فالسعادة الحقيقية هي التي يشعر بها العبد المؤمن التقي النقي الطائع لله ولرسوله e قال تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل: 97].
ومهما تمتع الإنسان بالمال والقصور والنساء والسيارات والمناصب والشهادات وغيرها، فإنه لن يشعر بالسعادة طالما أنه بعيد عن سبب السعادة وهو طاعة الله ورسوله e قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ [طه: 124].
ويوم القيامة ينسى هؤلاء ما كانوا يتمتعون به في الدنيا من الشهوات الفانية والملذات البائدة وينسى المؤمنون الصادقون كذلك ما كانوا يعانون في الدنيا من بؤس وقسوة.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله e: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ما رأيت خيرًا قط، ولا مر بي نعيم قط!! ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم! هل رأي بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقولك لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط!!» ([6]) .
ولذلك أخي الشاب بين الله تعالى أهل السعادة وأهل الشقاوة في كتابه فقال عز وجل: }فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ{ [هود: 105-108].
فها قد تبين لك أخي الشاب طريق السعادة والفلاح، وما عليك إلا أن تسلكه، وتترك ما سواه من طرق وفجاج قال تعالى: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [الأنعام: 153].
علاج الوساوس والشكوك
توجه شاب إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بالسؤال التالي:
أعيش الآن حالة من البؤس والشقاء، حيث تنتابني شكوك في وجود الله وصحة القرآن والرسول e وأجد قسوة رهيبة في قلبي، وحجابًا وغشاوة عن الحق، وأخشى من غضب الله علي فيما ارتكبت فيا شيخي وحبيبي: أنت الأمل الوحيد بعد الله سبحانه في هذه الدنيا، وسوف لا أشكو حالي إلى أحد بعدك مهما بلغ، هل لي حل وعلاج لما أعانيه مما ذكرت؟ وسوف استعين بالله سبحانه وتعالى وأنفذ أمرك إن شاء الله وأرجو أن تدعو لي في ظلام الليل أن يدركني ربي برحمته ويردني إليه ردًا جميلاً.
فأجاب سماحته: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فقد قرأت رسالتك وكدرني كثيرًا ما أصابك من الشك والوساوس، وأسأل الله عز و جل أن يمنحك الهداية والرجوع إلى الحق وأن يعمّ قلبك بالإيمان الصحيح، وأن يمن عليك بالتوبة النصوح، ويعيذك من نزغات الشيطان إنه جواد كريم.
وقد وقع لبعض الصحابة مثل ما وقع لك من الشك، في بعض ما يتعلق بالله سبحانه، فأوصاهم النبي e أن يقول من أحس بشيء من ذلك: «آمنت بالله ورسله» وأن يستعيذ بالله وينتهي. فأنا أوصيك بما أوصى به النبي e أصحابه وأن تقول هذه الكلمات عند خطرة أي شك (آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وأوصيك بالثبات على ذلك وتكراره عند كل خاطر سيء كما أوصيك بعدم اليأس من رحمة الله وعدم القنوط، وعليك بالإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه والضراعة إلى الله بصدق ورغبة ورهبة أن يهديك للحق، وأن يكشف عنك هذه الوساوس.
وأكثر من ذلك في السجود وفي آخر الليل وبين الأذان والإقامة وأحسن ظنك بالله فهو القائل سبحانه فيما رواه عنه نبيه محمد e: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني» وفي اللفظ الآخر: «إذا ذكرني» وعليك بصحبة الأخيار، واحذر صحبة الأشرار، وفقنا الله وإياك لما يرضيه وسلك بنا وبك صراطه المستقيم.
وسئل سماحته أيضًا:
يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر؟
فأجاب: قد ثبت عن رسول الله e في الصحيحين وغيرهما أنه قال: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم».
وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه e عما يخطر لهم من هذه الوساوس المشار إليها في السؤال فأجابهم e بقوله: «ذاك صريح الإيمان» وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يُقال هذا: خلق الله الخلق؛ فمن خلق الله، فمن وجد من ذلك شيئًا فليقل: آمنت بالله ورسله» وفي رواية أخرى: «فليستعذ بالله ولينته»([7]) .
أسباب محبة الله
أخي الشاب!
هل تريد أن يحبك الله عز وجل؟
هل تعلم أن الله تعالى إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: «إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض»([8]) .
ولمحبة الله: أخي الشاب أسباب ذكر منها الإمام ابن القيم رحمه الله عشرة أسباب هي:
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه.
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
3- دوام ذكره على كل حال، باللسان والقلب والعمل والحال.
4- إيثار محابّه على محابّ النفس وغلبات الهوى.
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها.
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة.
7- انكسار القلب بكليته من يدي الله تعالى.
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي، في الثلث الأخير من الليل لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بين يديه.
9- مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب من ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلوب وبين الله عز وجل ([9]) .
حكم لبس الشورت للشاب
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: ما حكم ممارسة الرياضة بالسراويل القصيرة، وما حكم مشاهدة من يعمل ذلك؟
فأجاب: ممارسة الرياضة جائزة إن لم تُلْه عن شيء واجب، فإن ألهت عن شيء واجب فإنها تكون حرامًا ، وإن كانت ديدن الإنسان بحيث تكون غالب وقته، فإنها مضيعة للوقت، وأقل أحوالها في هذه الحال الكراهة.
أما إذا كان الممارس للرياضة ليس عليه إ لا سروال قصير يبدو منه فخذه أو أكثره فإنه لا يجوز، فإن الصحيح أنه يجب على الشباب ستر أفخاذهم وأنه لا يجوز مشاهدة اللاعبين وهم بهذه الحالة من الكشف عن أفخاذهم ([10]) .
أخي الشاب!
أما آن الرجوع إلى الصفوح | ||
عن الزلات والفعل القبيح | ||
تُبادرُه بقبح الفعل سرًا | ||
ولا تخشاه بالقول الصَّريح | ||
هداك إلى صراط مستقيم | ||
وأنت ضَلَلْتَ عن هذا الصحيح | ||
لك الحمد!!
أخي الشاب: إن نعم الله عليك كثيرة، وآلاءه جسيمة لا يحصيها محص، ولا يعدها عاد فكل حركة نعمة، وكل سكنة نعمة، وكل نَفَس نعمة، وكل طرفة عين نعمة }وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا{ [إبراهيم: 34].
فماذا فعلت أخي الشاب، لحفظ هذه النعم الظاهرة والباطنة؟
وهل شكرت الله عليها بلسانك وجنانك؟
وهل ظهر أثر ذلك على جوارحك وأفعالك؟
نعمة الإسلام
أين أنت – أخي الشاب- من شكر نعمة الهداية للإسلام؟
أليس فضلاً من الله عليك أن جعلك من خير أمة أخرجت للناس؟
أليس فضلاً من الله عليك أن جعلك من آمة النبي الخاتم والرسول الرائد؟
أليس فضلاً من الله عليك أن جعلك من أمة الدين الصحيح والدعوة العالمية؟ }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [آل عمران: 85].
ماذا لو خلقك الله يهوديًا أو نصرانيًا أو مجوسيًا أو حتى ملحدًا تقول لا إله والحياة مادة؟ فسبحان من اصطفاك واجتباك وهداك وجعلك من المسلمين.
نعمة القرآن
وأين أنت أخي الشاب من شكر نعمة القرآن؟ ذلك الكتاب الذي أنزله الله تعالى لهداية البشرية وقيادتها إلى طريق الهدى والفلاح.
أليس من فضل الله عليك أخي الشاب، أن يسر عليك تلاوة كتابه وتدبر آياته؟
إن ملايين المسلمين اليوم لا يستطيعون تلاوة كتاب الله عز وجل لأنهم ليسوا من أهل اللسان العربي المبين الذي أنزل الله به القرآن، فتنقطع قلوبهم حسرة على ذلك وشوقًا إلى تلاوة هذا الكتاب العظيم.
لكنك أخي الشاب تستطيع تلاوة القرآن في أي وقت بكل يسر وسهولة، فتجد في تلاوته المتعة الحقيقية، والراحة النفسية، والطمأنينة والهدى، وعظيم الأجر الذي رتبه الله تعالى على تلاوة كتابه }ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{ [الجمعة: 4].
نعمة الاستقامة على السنة
وأين أنت أخي الشاب من شكر نعمة الاستقامة على منهج أهل السنة والجماعة والسير على طريقة السلف الصالح وعقيدتهم علمًا وعملاً.
فهناك الملايين ممن ينتسبون إلى الإسلام، ولكنهم ضلوا عن هذا المنهج وزاغوا عن تلك العقيدة، فدخلوا تحت قوله e: «تفترق أمتي على إحدى وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة»([11]) . وهي الجماعة أو ما كان عليه النبي e وأصحابه.
نعمة العقل
وأين أنت أخي الشاب من شكر نعمة العقل؟ تلك النعمة التي ميزك الله بها عن سائر مخلوقاته، فكيف لو سلبك الله إياها فصرت مجنونًا يسخر منه الصبيان ويطرده الناس من مجالسهم؟!
نعمة الجوارح
وأين أنت أخي الشاب من شكر نعمة العينين والأذنين واللسان والأنف واليدين والرجلين؟ ماذا لو سلبك الله شيئًا منها، فأصبحت أعمى لا تبصر، أو أصم لا تسمع، أو أخرس لا تتكلم، أو مقطع اليدين والرجلين؟
وهناك نعم أخرى داخل جسمك كالقلب والكبد، والرئتين والكليتين والأمعاء وغيرها فلو تعطل شيء من هذه الأجهزة لأصبحت عُرضة للخطر والهلاك. قال تعالى: }وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ{ [الذاريات: 21].
نعمة المال
وهناك نعمة المال من طعام وشراب ولباس ومركب ومسكن بل إن الهواء الذي تتنفسه كل لحظة من نعم الله التي ينبغي علي شكرها، فتأمل حالك عند زوال شيء من هذه النعم فإن ذلك يدعوك إلى شكر المنعم سبحانه
شربة ماء تساوي ملك هارون الرشيد!!
دخل ابن السماك يومًا على هارون الرشيد، فطلب هارون الرشيد ماء، فجيء له بماء مبرد فقال له ابن السماك: يا أمير المؤمنين! بكم كنت مشتريًا هذه الشربة لو مُنعتها؟
قال: بنصف ملكي!! فقال له ابن السماك: اشرب هنيئًا، فلما شرب قال له: يا أمير المؤمنين! أرأيت لو مُنعت خروجها من بدنك كم كنت تدفع لإخراجها؟
قال: أدفع نصف ملكي الآخر!! فقال له ابن السماك: إن ملكًا قيمة نصفه شربة ماء، وقيمة نصفه الآخر بَولة لخليق أن لا يُتنافس فيه، فبكى هارون.
الصلاة الصلاة!
أخي الشاب! شأن الصلاة في الإسلام عظيم، فهي أم العبادات، وأفضل الطاعات بعد الشهادتين، وقد جاء الأمر بحفظها وإقامتها في آيات كثيرة منها قوله تعالى: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى{ [البقرة: 238] وقال تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ *{ [البقرة: 43].
ومما يدل على عظم شأن الصلاة أن النبي e أوصى بها وهو في فراش الموت قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان عامة وصية رسول الله e حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه «الصلاة وما ملكت أيمانكم»([12]) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان آخر كلام النبي e: «الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم»([13]) .
فأين أنت أخي الشاب من هذه الفريضة العظيمة؟
أين محافظتك على أوقاتها؟
أين خشوعك فيها؟
أين أداؤك لها مع المسلمين في الجماعة؟
أين تأثيرها عليك في أخلاقك ومعاملاتك؟
واعلم أخي الشاب أن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فعن عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله e: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله»([14]) .
والصلاة في المسجد جماعة من سنن الهدى كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم e سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيه لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم»([15]) .
منكرات يجب الحذر منها
أخي الشاب: وأنت قد عقدت العزم على التوبة، وكتبت بدموعك سطور الندم والأوبة يجب أن تكون ذا همة عالية، وعزيمة صادقة، بحيث تتخلص من كل ما يقف في طريق استقامتك، ويحول بينك وبين السعادة الدائمة التي غايتها رضي الله تعالى، والفوز بالجنة والنجاة من النار ولذلك يجب عليك ما يلي:
1- احذر من تضييع الصلوات أو تأخيرها عن أوقاتها فمن كان مضيعًا لصلاته كان لما سواها أشد تضييعًا.
2- احذر من تضييع شهر رمضان، وجعل ساعات نهاره للنوم وليلة للسهر واللعب إلى الفجر.
3- بادر بأداء فريضة الحج ولا تتأخر عن أدائها ما دمت مستطيعًا.
4- احذر من رفقاء السوء وبطانة الشر فالمرء على دين خليله.
5- إياك وسماع الغناء فإنه من أعظم المعوقات عن الاستقامة ومحبة الغناء علامة على ضعف الإيمان.
6- العاقل لا يشرب الدخان ولا المسكرات ولا المخدرات فاجتنب هذه الخبائث يرحمك الله.
7- السهر لغير حاجة يُضعف البدن، ويفوت على الإنسان صلاة الفجر، فكن على حذر.
8- إياك ولعب الورق وعقد المراهنات فإن ذلك من الميسر.
9- إياك ومصاحبة الأحداث، فمن صاحبهم فقد عرض نفسه للتهمة.
10- احذر من تضييع الأوقات أمام شاشات التلفاز أو القنوات الفضائية واعلم بأن من تمتع في الدنيا بما حرم الله عليه، حَرَمه الله من التمتع بما أحله لعباده المؤمنين في الجنة.
11- السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة دليل انحراف، وطريق محفوفة بالمكاره والأخطار فاحذر منه.
12- إياك والتشبه بغير المسلمين في عاداتهم وأعيادهم وملابسهم ولغاتهم قال e: «من تشبه بقوم فهو منهم»([16]) .
13- إياك والمعاكسات الهاتفية، فإنها دليل على ضعف الشخصية ومرض القلب وفساد الطوية.
14- شر بقاع الأرض الأسواق فاحذر من التواجد فيها لغير حاجة.
15- حافظ على النعم، وما حُفظت النعم بمثل شكرها، والسيارة من نعم الله عليك، فلا تهلكها بالتفحيط والتطعيس والسرعة الجنونية.
16- العادة السرية دليل انهزام أمام سلطان الهوى والشهوة، قال سبحانه: }وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ{ [النور: 33]، وقال النبي e: «يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»([17]) .
17- إياك وعقوق الوالدين، فإن رضا الله في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما.
18- إياك وقطيعة الرحم، فإنه لا يدخل الجنة قاطع.
19- إياك والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار.
20- إياك والحسد فإنه سوء أدب مع الله واعتراض على ما قسم.
سبحان الله
لله في الآفاق آيات لعل | ||
أقلها هو ما إليه هداكا؟ | ||
ولعل ما في النفس من آياته | ||
عجب عجاب لو ترى عيناكا؟ | ||
والكون مشحون بأسرار إذا | ||
حاولت تفسيرًا لها أعياكا | ||
قل للطبيب تخطفته يد الردى | ||
يا شاف الأمراض من أرداكا | ||
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما | ||
عجزت فنون الطب من عافاكا | ||
قل للصحيح يموت لا من علة | ||
من بالمنايا يا صحيح دهاكا | ||
قل للبصيرة وكان يحذر حفرة | ||
فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟ | ||
بل سائل الأعمى خطا بين الزحام | ||
بلا اصطدام من يقود خطاكا؟ | ||
قل للجنين يعيش معزولا بلا | ||
راع ومرعى: ما الذي يرعاكا؟ | ||
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا | ||
ولدي الولادة: ما الذي أبكاكا؟ | ||
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه | ||
فاسأله من ذا بالسموم حشاكا؟ | ||
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو | ||
تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟ | ||
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت | ||
شهدًا وقل للشهد من حلاكا؟ | ||
بل سائل اللبن المصفى كان بين | ||
دم وفرث ما الذي صفاكا؟ | ||
وإذا رأي الحي يخرج من حنا | ||
يا ميت فاسأله: من أحياكا؟ | ||
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى | ||
عن عيون الناس من أخفاكا؟ | ||
قل للنبات يجف بعد تعهد | ||
ورعاية: من بالجفاف رماكا؟ | ||
وإذا رأيت النبت في الصحراء ير | ||
بو وحده فاسأله: من أرباكا؟ | ||
وإذا رأيت البدر يسري ناشرًا | ||
أنواره فاسأله: من أسراكا؟ | ||
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي | ||
أبعد كل شيء: ما الذي أدناكا؟ | ||
قل للمرير من الثمار: من الذي | ||
بالمر من دون الثمار غذاكا؟ | ||
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى | ||
فاسأله: من يا نخل شق نواكا؟ | ||
وإذا رأيت النار شب لهيبها | ||
فاسأل لهيب النار من أوراكا؟ | ||
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحًا | ||
قمم السحاب فسله: من أرساكا؟ | ||
وإذا ترى صخرًا تفجر بالمياه | ||
فسله: من بالماء شق صفاكا؟ | ||
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال | ||
جرى فسله: من الذي أجراكا | ||
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج | ||
طغى فسله: من الذي أطغاكا؟ | ||
وإذا رأيت الليل يغشى داجيًا | ||
فاسأله: من يا ليل حاك دجاكا؟ | ||
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحيًا | ||
فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟ | ||
هذي عجائب طالما أخذت بها | ||
عيناك وانفتحت بها أذناكا؟ | ||
يا أيها الماء المهين من الذي سواكا؟ | ||
ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا؟ | ||
ومن الذي عصي ويغفر دائمًا؟ | ||
ومن الذي تنسى ولا ينساكا؟ | ||
يا أيها الإنسان مهلًا ما الذي | ||
بالله جل جلاله أغراكا؟ | ||
يا مدار ا لأبصار والأبصار لا | ||
تدري له ولكنهه إدراكا | ||
أتراك عين والعيون لها مدى | ||
ما جاوزته ولا مدى لمداكا؟ | ||
إن لم تكن عيني تراك فإنني | ||
في كل شيء أستبين علاكا | ||
يا منبت الأزهار عاطرة الشذا | ||
هذا الشذا الفواح نفح شذاكا | ||
يا مجرى الأنهار ما جريانها | ||
إلا انفعالة قطرة لنداكا | ||
فأقبل دعائي واستجب لرجاوتي | ||
ما خاب يومًا من دعا ورجاكا | ||
وفي الختام: أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد والثبات على طريق الاستقامة.
واسأله تعالى أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يتوب علينا و أن يجعلنا هداة مهديين وأن يسلك بنا طريق التوبة، ونسأله تعالى أن يتقبل منا أعمالنا، وأن يكفر عنا سيئاتنا، ويرفع درجاتنا، ويجزل لنا المثوبة، ويجعلنا جميعًا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كما نسأله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
([1]) متفق عليه.
([2]) مسلم.
([3]) مسلم.
([4]) الترمذي وقال: حسن صحيح.
([5]) الترمذي وحسنه الألباني.
([6]) رواه مسلم.
([7]) رواه مسلم في صحيحه.
([8]) رواه مسلم.
([9]) مدارج السالكين.
([10]) فتاوى الرحلات.
([11]) أهل السنن وصححه الألباني.
([12]) رواه ابن ماجة وصححه الألباني.
([13]) أبو داود وابن ماجة وصححه الألباني.
([14]) رواه الطبراني في الأوسط.
([15]) رواه مسلم.
([16]) أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
([17]) متفق عليه.