×
هذا الكتاب يبين بعض دوافع وأسباب استقدام الخادمة، وبعض آثار الخادمة على البيت، وبعض السلبيات اجتماعية وسلوكية، وصحية وغيرها، ورأي بعض العلماء حول عمل الخادمة في البيوت.

 سيدة البيت الجديدة [ الخادمة ما لها وما عليها ]

صالح بن عبد الله العثيم


بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبعد:

يلاحظ المتابع وجود الخادمات في البيوت الخليجية بصورة مفتوحة تدعو إلى دراسة هذه الظاهرة وتقييم أبعادها والحاجة الفعلية لها مقرونة بالمكسب والخسارة؛ حيث يستخلص من الدراسات التي قامت بمسح شامل أو تلك التي اقتصرت على عينات وشرائح محددة، بأنه يوجد في منطقة الخليج أكثر من نصف مليون خادمة تقوم على خدمة ثلث المجتمع الذي يقدر بعشرين مليون نسمة، وهي نسبةٌ كبيرةٌ إذا ما قيست بعدد السكان، وخاصة عند الافتراض بأن متوسط أفراد العائلة الخليجية سبعة، فإنه والحالة هذه يصبح لكل عائلة من أصل ثلاث عائلات خادمة.

وفي هذه الحال نعي أهمية تأثير الخادمة على حياة الأجيال القادمة النابع من دورها ومشاركتها في أوجه الحياة الأسرية؛ وهذا التأثير والتأثر سنلحظه في اللغة، والسلوك، وتأهيل الأولاد للحياة، وغير ذلك من المواقف التي يعبر عنها تسليم قيادة البيت لخادمة والاستعانة بها في أمور حساسة ومهمة؛ ويعكس استئثارها بسلطة واسعة ومطلقة بالبيت، ويجعل منها القيم على شؤون العائلة، وفي مثل هذه الأحوال يستدعى قرع أجراس التنبيه والخطر؛ تفاديًا للجوانب السلبية التي لا يمكن حصرها واستقصاؤها لاحقًا.

والخوف من اتساع دائرة الخلل وشموله كل جوانب الأسرة أملى ودعم الكتابة حول سيدة البيت الجديدة تحت عنوان «الخادمة ما لها وما عليها»؛ رغبة في سبر وتشخيص ظروف ودوافع تشغيل الخادمة، وحدود مساحتها في العمل، والانعكاسات الاجتماعية، والصحية، والنفسية، على الأسرة والخادمة، وما تفقده الأسرة من تأهيل فتيات المستقبل لجانب مهم من الحياة الزوجية وما تجلبه الخادمة من متاعب وخلل في جوانب مهمة.

إلى جانب استعراض أوجه حياة الخادمة التي تعيشها في وسط أسرتها الجديدة، والألم، والمعانات التي تتجرَّعها بسبب فقد الأهل، والوطن، والعيش في بيئة اجتماعية بعيدة عن مناخ مجتمعها، أو مع عائلة لا ترعى الله فيها، وغير ذلك من الموضوعات المهمة التي وضعت تفاصيلها في بابين:

أحدهما: لتحليل ضروريات ومبررات وجود خادمة في البيت وإفرازاته، والبحث في دوافعه، وأسبابه وخلفياته وطبيعة التعامل وأنواعه.

والباب الآخر: تناول الخير، والشر الذي ينعكس على الخادمة بدءًا من التفكير بالقدوم، والأحلام المفتوحة، ثم مقابلة الواقع والحياة في ظل مجتمع جديد، ثم المتاعب التي تحاصرها والفوائد التي تجنيها.

وأخيرًا ختمت الباب داعيًا، وساعيًا، للبحث عن بدائل وحلول تغني عن الخادمة، أو تقلل من وجودها، وباحثًا في مدى إمكانية تطبيق ذلك.

وأسأل الله – جل جلاله – أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، ودافعًا للبحث عن بدائل جديدة تغني كلاً من الطرفين عن الآخر، كما أتطلع أن تكون المعالجة موضوعية، وتلتزم بعدالة الطرح، ومنهجية التحليل، والحمد لله أولاً وأخرًا.


 الباب الأول: دوافع وأسباب استقدام الخادمة

يوجد عدد من الأسباب، والدوافع الخاصة، والعامة التي أسهمت في جلب الخادمات إلى منطقة الخليج، والتي صعب حصرها والإحاطة بها تحديدًا تحت أسباب بعينها، ولكن المتابع الفاحص لحركة التنمية الشاملة التي شهدتها منطقة الخليج قبل أكثر من عقدين يضع يده على عدد من العوامل والدواعي التي أسهمت بطريقة واضحة، وجلية في البحث عن خادمة أجنبية تعمل في البيت، وهذه الظروف والبواعث أسهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة،وربما هيَّأت الأرضية ووفرت الأسباب للقناعة بالبحث عن من يتولى مساعدة ربة البيت على الوفاء بمسؤولياتها في بيتها.

من هذه العوامل والأسباب العامة والخاصة ما يلي:

صاحب التنمية الشاملة زيادة الدخول المالية لشريحة واسعة من المجتمع، مما أملى وفرض استبدال منازل جديدة واسعة بالمنازل القديمة يصعب السيطرة عليها من حيث النظافة والصيانة والمتابعة بجانب زيادة توفير الاحتياجات والأغراض الشخصية من الملابس، والستائر، والسجاد، وغيرها فأصبحت الزوجة بمفردها غير قادرة على الوفاء بكل المسؤوليات المتوخاة منها فاضطرت الأسرة للبحث عن خادمة استجابة لمعطيات التنمية، وتلبيةً لمنجزاتها المُلحة، وصار وجود خادمة بالبيت أمرًا لازمًا يعبر عن خير وشر التنمية الشاملة.

التنمية الشاملة في منطقة الخليج والتي شملت عموم شؤون الحياة دفعت شريحة كبيرة من الزوجات إلى مواصلة تعليمهن أو العمل خارج البيت وصعوبة الجمع بين أعباء الوظيفة والدراسة وبين متطلبات البيت، والأسرة، حيث يجد المتابع أنَّ معظم أفراد الأسرة إنْ لم يكن جميعهم أصبحوا خارج أسوار البيت تبعًا لظروف التنمية ومتطلباتها؛ فالأولاد مثلاً في المدارس صباحًا ويساعدون آباءهم مساءً في أعمالهم الخاصة في عدد من المشروعات التجارية والزراعية والتي لازمت الطفرة والتنمية، وأصبحت من أهم إيجابياتها، فالزوج الذي يفترض فيه تولي جزء من مسؤوليات البيت وشؤونه وخاصةً متابعة مذاكرة الأولاد وواجباتهم المدرسية سعى لتعزيز دخله بأعمال أخرى مثل العمل في الزراعة، والتجارة، والبناء، وغيرها فأصبح معظم وقت الأب خارج المنزل يلهث خلف استثمار الظروف الراهنة لتعزيز دخله، وتحسين ظروفه المعيشية، واستثمار المواسم الحالية.

والزوجة هي الأخرى دفعتها الظروف الجديدة لمواصلة تعليمها، أو اللحاق مؤخرًا بالتعليم، ثم الالتحاق بالعمل فهذا بدون شك أسهم كثيرًا في تعزيز الدخل صاحبه فراغٌ في المسؤولية وأعمال منزلية كثيرة تحتاج إلى من يتولها ويعنى بها.

دخول الفرد الجيدة التي اقترنت بالتنمية لدي شريحة واسعة من المجتمع دعمت البحث عن تحسين جوانب الحياة المتنوعة وتجهيز البيوت بكماليات تنسجم مع زيادة الدخل وتغير الحياة فتم شراء سلع منزلية جديدة وتجهيزات كثيرة ترتب عليها مسؤولية خدمية إضافية، احتاجت إلى من يتولاها؛ لأنه من العسير على الزوجة بمفردها الوفاء بمتطلبات البيوت الواسعة المجهزة بهذه الكماليات.

رعاية الأطفال والقيام بشؤون البيت أثناء غياب الزوجة خارج البيت للعمل أو الدراسة يملي وجود من يعتني بالأطفال، ويقوم على شؤون المنزل من النظافة والتغسيل وربما المساعدة في إعداد الطعام.

رعاية كبار السن والمصابين بأمراض الشيخوخة المزمنة أو الأمراض الدائمة كالفشل الكلوي، أو السرطان، أو غيرها بجانب مسؤوليات الأسرة العادية التي تستهلك الوقت على حساب الاهتمام بتلك الفئة يدعم التفكير بجلب من يساعد ربة البيت؛ حتى تتفرغ لمسؤوليتها الأساسية، أو تساعدها في بعض جوانب من عملها.

رعاية الأطفال المعاقين عمومًا سواء كانوا من فئة شديدي الإعاقة أو الفئات التي تحتاج إلى تأهيل مهني وتقديم العون والمساعدة في توفير الرعاية المنزلية والتدريب على التأهيل للرعاية الاجتماعية وخاصة فئة الأطفال المصابين بأمراض تتعلق بالمخ والأعصاب، ممن لا يميزون أو يضعف تمييزهم لمن حولهم، ويحتاجون إلى راعية لصيقة ودائمة ومتواصلة؛ لكونه يخشى عليهم الإضرار بأنفسهم أو يخشى منهم أن يتعدوا على من حولهم.

الحاجة للخادمة في البيت خلال ظروف مؤقتة مثل تولي شؤون البيت عند ولادة الأم أو مرضها، حيث يتعطل أو يختل الوفاء بالمتطلبات المنزلية العادية من متابعة الأطفال الصغار، والعناية بهم، وإعداد الطعام، ونظافة الملابس والمنزل.

ولا ننسى طبيعة حجم الأسرة الكبيرة في منطقة الخليج الذي يغذيه وينميه حب الأطفال، وكثرة النسل، وغالبًا ما تكون الفترة الزمنية بين كل طفل وآخر قصيرة جدًا مما يضاعف من حجم المسؤولية والرعاية؛ لوجود أطفال صغار يحتاجون غالبًا إلى متابعة لصيقة ورعاية خاصة ودقيقة، مثل هذا وغيره يدفع رب الأسرة تحت وطأة الظروف الطارئة للبحث عن خادمة مؤقتة تقوم بهذه الشؤون، أو تتولى بعضها، وربما يستمرأ الحل في معظم الأحوال، ويصبح وجود الخادمة أمرًا لا مناص منه حتى مع زوال الدوافع والمسببات وهكذا.

أسهمت أسباب كثيرة في استقدام الخادمات؛ تلبيةً وتجاوبًا مع كثير من الظروف والدواعي التي يصعب الإحاطة بها وتناولها مثل: اتساع حجم الأسرة، غياب الزوجة عن البيت لأي سبب من الأسباب، وجود مشاكل اجتماعية، كثرة المناسبات، وجود أعراف اجتماعية تستدعي فتح أبواب الضيافة لاستقبال الضيوف أو لغرض المصالحة بين المتخاصمين كرؤساء القوم ومشايخهم، وكذلك وجود نمو حضاري يصاحبه تطلعات خاصة يغري بعض الناس بإبعاد الزوجة عن الأعمال المنزلية؛ بغية المحافظة على راحتها وبشرتها وعدم إجهادها، وتخصيص العمل المنزلي لمن يتولاه طالما أن الظروف مواتيةٌ ومساعدة؛ وهذا طبعًا يتمشى مع رغبة الزوجة الساعية دومًا على المحافظة على جمالها ونعومة بشرتها وتفرغها لزوجها بصورة خاصة.

ويضاف إلى ذلك اتساع حجم وحاجة أفراد الأسرة وزيادة تطلعاتهم ومطالبهم على ضوء المداخل المالية الجديدة والتطور الذي صاحبها.

وهذا بدون شك يجعل المرأة تستمرىء الجلوس، وتقلل من الحركة، وتعتقد بأنها وصلت إلى درجة عالية من السعادة تحت شعارات التمتع بالنعيم، وهي لا تدري بأنها تقتل نفسها بدون سكين؛ لأن الركون وعدم الحركة يساهم في ضعف وظائف الجسم بدرجة كبيرة، ويقلل من جهدها وفاعليتها وقدرتها على مكافحة الأمراض.

فإذا جلست المرأة الآن طواعية باختيارها فلن تفلح مستقبلاً بالنهوض لممارسة حياتها الاعتيادية إنْ لم تتدارك نفسها، وتستثمر النَّعم الكبيرة التي أنعم الله بها عليها من القدرة على العمل والحركة التي تنمي المدارك، وتزيد من قوة مناعة الجسم ولياقته، وقدرته على مكافحة الأمراض، ثم قوة الجسم والأعضاء الخارجية، وتكيفها مع الأعمال المنزلية المطلوبة إلى جانب إحساس المرأة بالسعادة الكبيرة التي تغمرها بعد وفائها وإنجازها لكل ما هو مطلوب منها.

توجد الخادمة في البيت تحت غطاء من المبررات الوهمية أو الأمراض الاجتماعية المنتشرة والتي قد يدفع إليها التقليد الأعمى والمحاكاة للغير أو حب المباهاة أو غير ذلك من الأمراض الاجتماعية.

وقفــة:

وقفة مع عناء القيام بالمهام والواجبات المنزلية الكثيرة الذي صاحبت التنمية الشاملة، وما تركه من تغيير على تقاليد الحياة وأعرافها، فضغوط المسؤوليات المتنوعة وكثافة العمل والجهد المطلوب أسهم في إذابة جليد من التقاليد الماضية، دعت إليها ساعات العمل الإضافية التي تنسجم مع زيادة في مساحة الجهد اللازم بذله للوفاء بالمطلوب؛ فأصبح البحث عن من يتولى القيام بمثل هذا الجهد الإضافي ضرورة مُلحة ضاغطة أملت زحف متطلبات التنمية على الخلفيات الثقافية وأصبحت الأسرة أمام تلك الظروف والضغوط تغض الطرف عن سلبيات وجود خادمة غريبة في البيت، وتتقبل فرضية الظروف الراهنة باعتباره أمرًا طبيعيًا من ضروريات الحياة.

مع العلم أنَّه في السابق كانت البيوت القادرة أو متوسطة الحال تستعين بخادمات محليات على جلب الماء للبيت من موارده، أو إحضار البرسيم للمواشي داخل البيت، أو تساعد أهل البيت على طحن الدقيق، أو تساعدهم على الوفاء بالمسؤوليات المنزلية بصورة مفتوحة.

وبمعنى آخر فإن الخادمة في تلك الفترة موجودة في المواطنات المحتاجات للعمل في بيوت تملك إمكانيات جيدة أفضل من غيرها.

وعمومًا فإن بحث الأسرة عن خادمة في مثل الأحوال التي تم الإشارة إليها سابقًا قد يكون لها ما يبرره؛ لكونها أمام ظروف ضاغطة ومُلحة، أو أنَّها تستسلم، وتستجيب للمظاهر والتقاليد التي تنشأ من تقليد الأقارب والجيران لبعضهم، فبعض النساء أصبحت تتباهى أمام مثيلاتها بأن لديها خادمة وبأنها ليست أقل من غيرها حيث إن وجود خادمة بالبيت يرمز أحيانًا في مفهوم بعض الناس العاديين إلى وجود عائلة قادرة ولها مكانة من نوع آخر ...؛ ولهذا نجدها تأخذ خادمتها في المناسبات، وتذهب معها إلى السوق؛ لتحمل لها أغراضها ولسان حلها يقول فخرًا وزهوًا لست أقل من غيري.

ومن هنا فإن كل هذه الدواعي مجتمعة أو متفرقة دفعت بالتفكير في وجود من يساعد ربة البيت على الوفاء بمسؤولياتها فكان الحل الوحيد يكمن في جلب خادمة للعمل في البيت تقوم بمساعدة ربة البيت على النظافة ورعاية المحتاجين للرعاية، وإذا كانت درجة الحاجة لخادمة متفاوتة الأهمية؛ فإنه أصبح من الأمور المسلم بها في ظل تلك الظروف وعدم التفريق بين مستوى الدافع ودرجة الحاجة فأقدمت كثير من الأسر على جلب الخادمات؛ لكي تساعد ربة البيت؛ لعدم وجود من يقوم بالجهد الإضافي، ويساعد الزوجة على الوفاء بمسؤولياتها الكبيرة أمام اتساع دائرة محيط عملها...

ويبقى أنْ نميز بين الحاجة الفعلية وبين البحث عن مبررات وهمية أو استخدام الخادمة للإضرار بمستقبل أفراد الأسرة الصحي والنفسي والاجتماعي.

آثار الخادمة على البيت:

للخادمة أثار إيجابية وآثار سلبية على البيت، والآثار الإيجابية معروفة فلسنا بصدد الحديث عنها؛ لكونها محصورة في المساهمة في تحمل مسؤوليات الخدمات المنزلية من الغسيل، والكي، والتنظيف، وغيرها وتخفيف أعباء البيت على المختصين به، كذلك رعاية المسنين، والمعاقين، والمرضى، والأطفال، ومَنْ في حكمهم، والمساعدة على تفرغ الفتيات لمواصلة التعليم والوفاء بمتطلباته والمساعدة في الظروف الطارئة.

فإذا كنا على بصيرة بإيجابيات الخادمة، فهل لنا أن نبحث في سلبياتها على الجوانب الاجتماعية والصحية والنفسية والآثار التي تطول جميع أعضاء البيت.

فإذا كان وجود فوائد للخادمة من الأمور المُسلم بها والمحصورة سلفًا، فإن وجود خادمة بالبيت يعني التأثير سلبًا على بعض ما نسعى إلى بنائه في بيوتنا من الإعداد وتأهيل فلذات أكبادنا للمستقبل؛ بسبب الاعتماد الغير مدروس على الخادمة، وهاجس القلق من تعاظم السلبيات المستقبلية مجتمعة يولد الحافز القوي للبحث عن بدائل مناسبة تعالج الفراغ والاستغناء عنها في ظل توافر الحاجة إليها.

نعم إنَّ وجود خادمة في البيت يعتبر مهمًا جدًا في ظل ظروف معينة ولكن وجودها بصورة مطلقة أو فتح العمل أمامها يهدد جانبًا مهمًا من العلاقات الاجتماعية الأسرية؛ لكونه يهمش دور الأم والزوجة ويخل بمصداقية العواطف والدفء الأسري والجوانب الصحية والنفسية؛ فإذا كانت الخادمة تساهم في سد النقص والخلل وتوفير الراحة؛ فإنها تؤثر أحيانًا في البنية النفسية والفكرية عند النشء.

ومن أجل أن نتدارك ذلك ونقيم درجة حاجاتنا الفعلية والبحث عن بدائل أكثر فائدة وأقل ضررًا لا بد أن نضع أيدينا على السلبيات الكثيرة التي نصحو عليها مع وجود خادمة بالبيت، والتي تتضح صورها حسب التالي:

سلبيات اجتماعية وسلوكية:

السلبيات الاجتماعية والسلوكية التي تنقلها معها الخادمة كثيرة، ويتأثر بها على السواء الصغار والكبار، ولكن الأطفال أكثر من يتأثر بها بحكم قربهم من الخادمة، ولأنهم يقلدونها بدون إمعان أو تفكير أو رقيب، وتؤثر هذه السلبيات بصورة شاملة على معظم أفراد البيت حسب ما يلي:

الخادمة تنقل عاداتها وأعرافها الاجتماعية الغريبة عن مجتمعنا إلى من حولها، وخاصة الأطفال الذين تلتصق بهم بحكم قربها منهم بصورة مباشرة، ترضعهم شيئًا من مبادئها وسلوكياتها، ناهيك أن وجود الخادمة بالبيت يساعد على الاتكال وإهمال تدريب الفتيات على مسؤوليات المستقبل من الواجبات المنزلية من طهي الطعام، وتنظيم البيت، والكي، والغسيل، وسواه، ثم أن الوقت الفائض ربما تستثمره الزوجة أو أولادها وخاصة البنات بمحدثات هاتفية أو مشاهدة التلفاز لساعات طويلة ومفرطة، قد تنعكس آثارها على الحياة الزوجية بصورة شاملة، وتخلف تبعات يصعب معالجتها، لا سيما وأن الزوجة أول قدوة وآخر قدوة لفلذات الأكباد.

يؤثر سلبًا وجود خادمة في البيت على مستوى العلاقة بين الأم والأولاد حتى تكاد تموت، أو تذوب العلاقات الودية بين الأم وأولادها، وربما تصاب بالفتور؛ نتيجة ضعف عاطفة الأم وحنانها وإرساليات المودة والروابط الأسرية بين أفراد البيت؛ بسبب غياب الأم الموجودة، وضعف اهتمامها بأولادها واتكالها في هذه المسؤولية على أخرى؛ لا سيما وأن الأطفال يحتاجون أن ينهلوا من قربها الدفء والحنان، ناهيك عن بعض المشاكل الفردية التي تنجم عن التصاق الخادمة بالأطفال والتعلق بها والتأثر بكلامها وعملها وتعاملها.

للخادمة دورٌ نشط وكبير في نقل المعلومات من البيوت ونشر بعض الأخبار الصحيحة والمختلفة أو المفهومة بطريقة خاطئة، ويكون النقل وتغذية الأخبار والأسرار بواسطة خادمة من جنسها، أو يتم مع ربة البيت بصورة مباشرة أو مع زائرين، ومثل هذه النوعية من الأخبار تسيء إلى الاستقرار الاجتماعي الهادئ، وتنعكس خلفياتها السلبية على العلاقات الاجتماعية والودية التي تربط بين البيت الواحد والجيران والأقارب، وتؤثر سلبًا على المتعة والهدوء التي تنعم بها العائلة.

تغير الخادمة المستمر بخادمة أخرى تحمل طباعًا مختلفة وتحتاج إلى فترة طويلة للتدريب، فكل سنتين أو أكثر قليلاً تأتي خادمة أخرى لتضفي تعبًا للأسرة، فما أنْ تتدرب الأولى وتحسن العمل والتعامل، وتتكيف مع الأسرة، وتذوب الفوارق والمفاهيم الخاطئة، ويقبل كلا الطرفين على الآخر، إلا وتأخذ الخادمة بربط أمتعتها للسفر، فتصاب الأسرة بمرارة المتاعب المستقبلية خاصة وأنها أهلت خادمة للعمل، فما أن بدأت تقطف ثمار تعبها إلا واقترب موعد سفرها؛ ناهيك عن ما تحمله كل واحدة من مفاهيم وشخصيات وجوانب صحية واجتماعية مختلفة تنعكس على الأسرة.

الخادمة عضو من أعضاء الأسرة عليها واجبات ولها حقوق، ورب البيت مسؤول عن المحافظة عليها ولكن الاختراق إليها وارد بحكم أنها امرأة ضعيفة، وتمتلك غريزة، ولها مشاكل نفسية ناجمة عن شعورها بالغربة ونقص الدفء العائلي، وتحملها تبعات الخلل التراكمي بالمنزل، فهي الركن الضعيف الذي يرمي عليه كل خلل فيه فلن تجد ما يساعدها على تفريغ شحنات همومها وإفرازات متاعبها وردود فعلها المخنوقة إلا أن تطرق منافذ قد تسيء إلى مخدوميها أكثر من نفسها، فقد تتهم أحد أعضاء البيت مثلاً بأنه تجنى عليها، أو ضربها، أو راودها عن نفسها، أو أنه عمل معها فعلاً مشينًا.

وإذا كان ذلك ممكنًا وواردًا فإنه بنفس الوقت نادر الوقع لكنه قوي التصديق؛ فمن يكذب امرأة بمثل هذه الدواعي فكيف بمن يعيش مثل ظروفها؟

سلبيات صحية:

وجود امرأة غريبة في البيت تحمل معها عادات وتقاليد وأجواء مغايرة وخلفيات بيئة مختلفة تنعم على البيت بجوانبها الإيجابية، وتغزوهم بأرضيتها السلبية المتعلقة بكل أوجه الحياة، وخاصة الصحية منها بصورة مباشرة مثل كونها تحمل بوادر أو أرضيات لبعض الأمراض المعدية، أو لبذورها لا سيما وأنها تختلط مع أفراد الأسرة، وتعتبر أحد أعضاء المنزل الواحد، وتستخدم كل المنافع فيه، وتتنفس مع أفراده في جو محدود واحد، وتختلط معهم، وتحتك بهم في مساحات صغيرة.

فقد تكون مصابة بداء خطر، وقد يكون من الأمراض المعدية فالفحوص المستخدمة عادة لغرض الاستقدام ليست في أغلب الأحوال دقيقة، أو ربما يكون المرض أثناء تلك الفحوص مختفيًا أو ينشأ لاحقًا تبعًا لبيئتها تكون أرضيات المرض وبواعثه موجودة.

وقد يترتب على وجود الخادمة بعض العلل الصحية بصورة غير مباشرة فقيام الخادمة بشؤون البيت بدلاً من أعضائه يدفع أفراد البيت إلى الاعتماد عليها والركون إلى التكاسل والخمول، فتصاب الزوجة نتيجة قلة الحركة بأعراض الشيخوخة في وقت مبكر وزيادة الوزن والترهُّل وداء العصر مثل السكري، والضغط، وغيره من الأمراض المنتشرة.

فإذا قل جهد الزوجة وقلت نتيجة لذلك حركتها ترتب عليها قلة كفاءة الأجهزة الداخلية المعنية بحماية الجسم ووقايته من الأمراض، وربما أصيب جهاز المناعة بترهل وخمول مثل جسمها.

فمن نعم الله على البشر قاطبة أن الحركة والنشاط اليومي يمنح القوة، والحيوية، والنشاط، والحصة النفسية، والفائدة الخدمية، ويزيد في ضغط الدم، ونشاط القلب، وقوة كافة الأجهزة الداخلية والخارجية.

سلبيات نفسية:

وجود المرأة في فراغ طويل، نتيجة قيام الخادمة بجل عملها يدفعها إلى الانزواء والوحدة ثم التدقيق في معظم الأمور العادية التي يضاعف بدون شك من اجترار المسائل والمشاكل الصغيرة، فتبني من خلال المراجعة المستمرة لأمر ما قصورًا من الألم والغضب واللوم؛ إلى جانب أن المساحة الفائضة تصرف في قضاء الوقت بدرجة مفرطة أمام شاشة التلفاز أو مع سماعة التلفون، وما يصاحب ذلك من الشعور بعدم القدرة على مجاراة الغير مما يقودها إلى كثرة الهموم والإحساس بالضيم، وشعورها بأنها تعيسة فلا تنعم بمتعة الجلوس؛ لأنها في معظم أوقاتها جالسة، وتفقد الحياة بهجتها وجمالها ومتعتها.

وبسبب المساحة الكبيرة من الفراغ تجتر ربة البيت همومها ومشاكلها، ويضيع كثير من وقتها في اتصالات وهواجس كثيرة، تنعكس آثارها على الحياة الزوجية حيث تبدأ الطلبات والشعور بابتعاد الرجل عن البيت والوحدة، ثم تبدأ المحاسبة والتدقيق والطلبات الزائدة وطلب الخروج هنا وهناك، مما يفرز مشاكل قد تنتهي بتعاظم المشاكل، وربما وصلت للطلاق؛ ولا شك بأن جزءًا لا يستهان به من المشاكل الأسرية نابع من الاعتماد على خادمه في البيت بصورة كلية.

فسعادة ربة البيت تستمدها من شعورها بالوفاء بدورها في الحياة، وتأديتها رسائلها رسالة الأمومة، والزوجة، والأخت الكبيرة، وملكة عرش الأسرة، وتحقيق الإنتاج المناسب والرضا عن الذات بإنجاز الواجبات.

ولكن مع وجود خادمة تنشأ المشاكل النفسية التي تنمو وتكبر مع هاجس الأوهام والشعور بالنقص ومتاعب الجسم المثقل بهمومه ومشاكله الوهمية، وربما أصيبت الزوجة بداء الوهم بالأمراض الصحية التي قد تحس بها فعلاً أو أنها لون من التدقيق بالذات، وتلمُّس المتاعب أو صور من جذب الانتباه إليها، وكسب من حولها وربما طرحتها الأمراض كنتيجة حتمية لقلة حركتها.

سلبيات أخرى:

تتحدث وسائل الإعلام المتعددة بين كل فترة وأخرى عن قصص ومواقف سلبية تقوم بها الخادمات، كما يتناول الناس مثل تلك الحكايات بصور متعددة، ولكن هذه القصص على قلتها تشكل هاجسًا مقلقًا عند أفراد بعض الأسر، وتصبح الأسرة في حالات طوارئ عند كل موقف أوشك ومن تلك المواقف السلبية المتوقعة:

وضع الخادمة أشياء مضرة في الطعام لعموم العائلة مثل كلوركس، أو صابون، وشيئًا من المخلفات الشخصية، ودم الدورة – أكرمكم الله – ويكون للأطفال نصيبهم الأوفر عند الرغبة بالإضرار بهم، وخاصة عند توتر الجو بين الخادمة وأحد أفراد الأسرة فإن أيسر الثغرات عند الخادمة هو الطفل الذي بين يديها، فقد تنتقم منه بحيث تضع له ما يضره في الحليب أو تنظفه بالماء المغلي، وربما تفننت من صور الضرر ما لا يخطر على بال.

مواجهة أحد أفراد البيت بآلات حادة أو الهروب من البيت تحت أي مبرر صحيح أو مختلق.

انتقال الأمراض المعدية مثل مرض الإيدز، أو السُل الرؤوي، أو التهاب الكبد الفيروسي، والأمراض الجلدية والتناسلية الكثيرة، وغيرها من الأمراض.

دور بعض الخادمات بالمساهمة على انتشار السحر، والشعوذة، والمفاهيم الخاطئة على الدين، ونشر العادات السيئة بالمجتمع.

قيام الخادمة بالسرقة، أو المساعدة عليها، أو إتلاف الأثاث والأجهزة بقصد.

ومن السلبيات: التمارض والإدعاء أنها مريضة، أو تقمصها وتصنعها بأنها عصبية أو تعاني من أمراض نفسية، وربما تؤدي تلك الأدوار بصور مقنعة حتى تزعج الأسرة، وتفرض عليهم طلباتها، وتدعوهم لتحقيق غاياتها.

الخلوة مع الخادمة ومخاطرها المتعددة، لا سيما إذا أخذ بالاعتبار بأن الفرد من الجنسين لديه ميول فطرية نحو الآخر تؤججها الشهوة والمتعة المتوقعة.

للخادمات مواقف كثيرة وغريبة يصعب ذكرها والإحاطة بها ومنها ما يصعب التحدث عنه، فمن المواقف المتعلقة حول رغبتها بمخاطبة شخص من بني جلدتها، فإنها تدعي مثلاً بأنه زوجها، أو قريبها مثل عمها أو أخيها، وربما تحضر مستندات مزيفة، وإذا لم تستطع مقابلته أو مكالمته؛ فإنها ربما تلجأ إلى وضع خطاب له في إحدى زوايا المنزل في الخارج أو أسفل صندوق الزبالة بالشارع أو غير ذلك.

يقول شخص: كنت أقوم بعمل ساعي البريد لخادمتي التي كثيرًا ما كانت تراسل صديقها على أنه أخوها في مدينة أخرى في بلدي، ولم أعرف ذلك إلا بعد فترة زمنية، وبعد أن كاد الفأس أن يقع على الرأس كما يقولون، حيث أطمئن الجميع إلى سذاجتي – ويا غافل لك الله – ثم حضر أخوها المدعى أثناء إجازة العيد لزيارة أخته والجلوس معها بمفردهم في غرفة جانبية وهي غرفة الملحق وجلسا معا على إنفراد.

عند هذا الحد طلب مني أحد أفراد العائلة أن أتأكد من بطاقة إقامته وهل يحمل نفس الاسم وعندما طلبت فحص الإقامة الخاصة به تغير وجهه قبل أن أكتشف بأنه يحمل اسمًا مغايرًا لاسم الخادمة، واتضح لنا بأن هناك خطة حبكت، وأعدت بعناية، ولا أريد أن أطيل فقد تم معالجة الموضوع بطريقة مناسبة تناسب الموقف، وتدعوه أن لا يكرر هذا الموقف مرة أخرى وقد التزمنا بعد هذا الموقف على مبدأ الوقاية في المستقبل خير من المعالجة؛ تفاديًا وتجنبًا لمثل هذه الأمور، وأغلقنا باب مراسلة الأقارب داخل البلد أو رؤيتهم؛ تجنبًا لمثل هذا الموقف، ولا ندري هل يمكن أن ترسل رسالة إلى بلدها وهناك تحول إلى شخص ما في نفس بلد الإقامة، هذا ممكن وموجود ولكنه قليل، ولا يجب أن نقفل الجوانب الإنسانية؛ خوفًا من هذا التصور، فالأمر لا يستدعي كل هذه الحيطة المُضرة؛ لأننا مطالبون بالأخذ بجانب الوسط.

وقفة وتحليل:

من الأمور المُسلم بها أن الخادمة تنقل الخير والشر للبيت معًا، ومن الصعب حصر سلبياتها وإيجابياتها، ولكن من المعلوم أنها أفضل من تعرف البيت وأسراره، وتعرف تحركات الأسرة ومن الممكن أن تسرق من البيت، أو تساهم وتساعد على سرقته، وذلك بتوفير المعلومات اللازمة.

إلى جانب أنَّ عدم إعدادها وأهليتها لخدمة الأطفال يؤثر سلبًا على تغذيتهم، ورعايتهم، والعناية بهم، فربما تسيء إليهم عند تنظيفهم وإرضاعهم والعناية بهم من حيث تدري أو لا تدري.

ويلاحظ أن استخدام بعض الأسر لخادمة أو لأكثر في المنزل له آثاره على جميع الجوانب التي سبق الحديث عنها كما أنه يؤثر من الناحية المادية التي يمكن استثمارها في بناء الأجيال، وتعزيز قدراتهم، أو تقديمه في أعمال الخير، ولا ننسى أن وجود الخدم يساعد على نشر المفاهيم الخاطئة والأخلاقيات المنحرفة، لا سيما إذا كان يوجد خدم من الرجال، ومثل هذا وغيره يوفر المناخ أمام فتح احتمالات أخرى غير متوقعة تدعو إلى فرض ضوابط تنظيمية واحترازية يجب مراعاتها.

فربة البيت يجب أن تضغط على أعصابها، وتكون هادئةً؛ حتى لا ينعكس سوء تعاملها على فلذات أكبادها، فتتربص بهم الخادمة؛ لتنتقم منهم بأي طريقة، والرجل على الرغم أنه في بيته وبين أهله فإنه يشعر كأنه غريب فلا يستطيع أن يزاول طبيعته مع أهله بتلقائية وراحة، وسيضطر إلى ضبط كلامه ولباسه وتعامله؛ ناهيك عن أن وجود الخادمات مصدر تعب وقلق منهن وعليهم، وهاجس توتر ومدعاة لقيام علاقات غير مشروعة، واحتمالات من المتاعب غير متوقعة.

ولكي نحسن الحماية والوقاية معًا لجميع الأطراف المعنية يفضل ترتيب منام الخادمة بحيث يكون آمنًا وبعيدًا عن الشكوك والملابسات بعيدًا عن الشارع العام وغرف الأولاد الذكور وحرية التحرك بدون رقيب وحسيب.

لأن الشهوة بجانب الغريزة القوية عند الطرفين مع الخلوة ووساوس الشيطان وتغريره وإيماءاته يشعل النار بسرعة، ويملي أخذ الحيطة والاحتراز؛ تجنبًا لوقع ما يفترض تجنبه، ومن الممكن تخصيص موقع معزول للخادمة عن محيط الرجال، لا يمكن تجاوزه من الطرفين بأي حال من الأحوال، وفرض ضوابط دقيقة وحازمة لغرض الوقاية، خاصة وأن الأطراف الذي يسعون إلى تحقيق مآربهم يستغلون خروج الزوجة للعمل أو للزيارات أو للسوق ثم يصبح الجو خاليًا والظروف مواتية والخلوة بوجود الشيطان توفر ما لم يخطر على بال.

لذلك ينصح المختصون بتوفير الجوانب الوقائية الفاعلة في جميع الأحوال وعند الخروج من البيت يتم وضع الخادمة عند الجارة أو القريبة التي تمتلك الحاسة السادسة والقادرة على حمايتها أو يفترض بربة البيت اصطحابها معها؛ حتى لا يتيح وجودها في البيت بمفردها التفرد بها.

موقف ليس في الحسبان:

ترصد كاميرا الوقائع والتجارب صورًا من مشاكل الخادمة غير المتوقعة، والتي لم تكن في الحسبان مثل ما يلي:

اتساع دائرة عمل الخادمة وسيطرتها على البيت، فالملاحظ يجد أن دائرة عمل الخادمة عند بداية عملها يكون محصورًا غالبًا على أعمال النظافة والغسيل، ثم يتسع تدريجيًا، ويكتسح مسؤولية ربة البيت، حتى تستولى الخادمة على جميع شؤون البيت وربما تستولى بجانب ذلك على أشياء أخرى في صدور المحيطين بها، وفي مثل هذه الحال يتطور دورها من عاملة إلى ربة بيت فاعلة ومهمة تحتل مكان ربة البيت الأصلية، وتصبح الآمر الناهي ثم تنال من الأهمية بحجم دورها وموقعها.

تحدث أحد الحاضرين لمناسبة زواج مشاركًا في نقاش يدور حول ما للخادمات وما عليهن ... فقال لقد استدعت الظروف استقدام خادمة، ولم أكن أرغب في إحضارها؛ لما أسمعه من قصص ومتاعب وخسارة متنوعة بجانب ما سوف أدفعه من تكلفة إضافية تُؤثر على ميزانية البيت، ولكن تحت وطأت الظروف الطارئة والعهود المتكررة من قبل زوجتي أن يقتصر علمها على جوانب بعيدة عن غرف النوم والمطبخ ورعاية الأولاد واستقبال الضيوف وغيرها استسلمت، وقررت أنْ أجرب متانة العهود، وأقيم عن قرب وجود خادمة في بيتي؛ لعلي أنجح فيما أخفق فيه الكثيرون.

يقول الجار متابعًا لحديثه: بالفعل تم الالتزام أولاً بتخصيص أعمال محدودة للخادمة وحصرها في دائرة معينة حسب اختصاصها، والهدف من وجودها، وسعدت بوجود خطوط حمراء يحظر عليها تجاوزها، فلا يجوز لها بحال من الأحوال أن تعمل فيها؛ ولكن مع مرور الأيام أخذت تتآكل العهود وتتلون الخطوط الحمراء، وتغير إلى بيضاء ناصعة حسب دواعي الأحوال، اليوم مشغولون عندنا مناسبة، اليوم أنا مريضة، اليوم الخطوط الحمراء لم يعد لها قيمة، بل نسيناها أمام تنازل الزوجة عن معظم مسؤولياتها للخادمة وسعادتها بوجود من يحل مكانها، ويقوم بإدارة دفة البيت نيابة عنها، وأمام هذا الانقلاب اللامحدود لم تفلح نصائحي، ولم تجد اعتراضاتي المتتابعة وخاصة بعد أن اكتشفت أن الخادمة تقوم بنظافة غرفة النوم، مما دفعني أن أقول لزوجتي ساخرًا: لم يبق للخادمة إلا أن تمنحينها غرفة نومي؛ لتكون زوجة بديلة عنك.

قصة:

ذكر لي زميل عمل قصة سمعها من جاره بالرياض يقول فيها: لقد استقدمت خادمة للعمل في البيت، وذات يوم كانت عند أخي مناسبة زواج فذهب أولادي جميعًا مع ابني إلى منزل عمهم وبعد الذهاب بربع ساعة تذكرت زوجتي بأنها نسيت أخذ ذهبها معها، فعادت للبيت؛ لكي تأخذه وعندما دخلت غرفة النوم وجدتني مع الخادمة على السرير في وضع ملفت للنظر، فانصرفت مسرعةً وطلبت من أولادها الدخول للبيت على عجل مولولة ومستغيثة بمن حولها قائلة: تعالوا شاهدوا أباكم، كيف يعمل مع الخادمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كيف ترضى لنفسك هذا الإثم؟ وأنت رجل مسلم كيف تقبل هذه المهانة مع خادمة في ظل غياب زوجتك؟

يقول الزوج تسمَّرت في مكاني، وبحثت بين أولادي من يدافع عني، ولكني وجدت لسان حالهم إن لم يكن مقالهم يؤنبني، ولهم الحق فأنا رجل مسلم وأخاف الله، وبنفس الوقت فأنا قدوة لأولادي، ولكن الحقيقة لم تكتمل فصولها بعد، فعند اكتمال وصول أولادي من السيارة رجوتها خفض صوتها وعتباها الذي زادت وتيرته وخاصة أنها وجدتني مكوم في فراشي كالقرفصاء مما أوحى لها منظري أن الخوف دحرجني فأصبحت كورة متجمعة، ولكني لم أستطع تحمل نظرة الأولاد وحزنهم علي في مشهد أليم كهذا ... كيف يرون والدهم مقترفًا ذنبًا كبيرًا يصعب اغتفاره؛ ولكني لم أتحمل ألم الانتظار الطويل أمام نظرات أولادي القاسية التي كادت أن تسطو على قلبي، فتوقف حركته، فاندفعت إليهم بقوة وشجاعة، وأخذت أفحصهم جيدًا حتى توقف نظري عند زوجتي، فقلت لها: كفي عن هذه الإهانة التي لا تليق بي ولا أقبلها على نفسي، ثم نهرتها بشدة، وقلت لها: اخفضي صوتك إنها ليست خادمة بل هي زوجتي مثلها مثلك، وسيكون لها ليلة خاصة بها منذ الآن ثم أسرعت، وفتحت الخزانة الصغيرة بالمجلس، وأحضرت عقد الزواج، وقلت لابنها اقرأ عليها ما في هذا العقد.

تردد أبي في ظل هذا الجو المشحون ولكنه تحت إلحاحي الشديد قرأ العقد كاملاً، ولم يكد ينتهي حتى أكملت نهايته صوت زوجتي التي سقطت على الأرض، وأخذت تنتحب وتبكي، وتقول: ليتني ظللت جاهلة؛ حتى تقوم على الأقل بخدمتي بدلاً أن تشاركني في زوجي.

بعد نهاية حديثه قلت له هل يجوز أن يضع زوجته الجديدة خادمة لزوجته الأولى؟ قال: ربما يجوز ذلك إذا كان برضاها وقبولها ومباركتها، فقد اشترط عليها ذلك قبل الزواج، وأخبرها بأنها ستعيش مع أولاده كخادمة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وسيكون زواجها منها سرًا أمام أولاده ولكنه كان مطلعًا عمه وأحد أصدقائه بذلك؛ خوفًا من الموت، وحتى لا تضيع حقوقها عند وفاته.

علمًا بأن المعلومات المرصودة بإقامتها تدل على أنها زوجة وليست خادمة.

وقفة وتحليل لنفوذ الخادمة:

وحصولها على وسام سيدة البيت الجديدة:

اللافت لنظر كل متابع لحيز نفوذ الخادمة وسيطرتها على شؤون البيت يجد أنها تستحوذ على مساحة كبيرة من المسؤوليات والأعمال بصورة تدريجية، بدأ منذ قدومها وحتى رحيلها مما يخول لها التحكم بزمام الأمور في البيت وامتلاك ورقة الضغط القوية بيدها والتلويح بها عند الحاجة؛ لتحقيق مطالبها أو غض الطرف عن متاعبها.

لنتابع سويًا بدايات عمل الخادمة، وكيف استولت برغبتها أو بتخلي غيرها من مسؤوليته، فكثير من الخادمات تجد أنها عند وصولها تكون ضعيفة وشبه مهمشة ومحصورة في دائرة ضيقة؛ لأن ربة البيت ما زالت تتذكر أنها آلت على نفسها وأخذت عهدًا بأن تضعها في دائرة صغيرة وتحصر عملها بنظافة البيت وغسل الملابس، وربما غسيل الأواني، وتضع أمامها خطوطًا حمراء يجب التوقف دونها وعدم تجاوزها كدخول المطبخ وغرف النوم، واستخدام الهاتف، والعناية المباشرة بالأطفال، ونظافة ملابس الكبار وخاصة الزوج وغيرها.

وبالفعل يقتصر عمل الخادمة في البيت على أعمال معينة، ولكن مع مرور الوقت تصاب الزوجة بداء النسيان وتستمرئ الراحة لا سيما وأنها تجد حولها من يقوم بمسؤوليتها، ثم يأخذ عمل الخادمة يكتسح مساحة ربة البيت حتى تصبح ربة البيت دمية مجمدة خالية من الأحاسيس، تتجاذبها الهموم، وتتبوأ الخادمة في موقع سيدتها، وتصبح الآمرة الناهية، ولا يبقى سوى أن تحل مكان الزوجة في غرفتها، وقد يعتقد البعض أن هذا القول لون من المبالغة، ولكنه الواقع.

دعونا نقيم حدودًا ومساحة لكل خادمة تصل لمخدوميها ثم نقيس حدود عملها بعد سنة أو أكثر لنجد أنها دخلت المطبخ وأصبحت تطبخ الطعام، وترد على المكالمات، وتقوم بدور المربية، وتقدم الوجبات للأولاد وللزوج بل تقوم بنظافة غرف النوم أحيانًا، وربما تقدم الوجبات للضيوف حتى إن كثيرًا من الأمور التنظيمية تتولى تدبيرها والاهتمام بها، ويضطر الجميع للاستعانة بسيدة البيت الجديدة.

وأمام هذا التحول السريع في مواقعها ومكانتها تصبح هي الكل في الكل كما يقولون، ولذلك يكاد يصبح البيت عند سفرها مهجورًا، ويعم الحداد على بعدها بحكم مكانتها ودورها الكبير.

وطالما أن الحديث يعكس صورًا من الواقع السيئ في حياة كثير من الأسر فهل نلوم الخادمة عند سفرها في ظل الفراغ الذي تتركه؟ أو نلوم الزوجة التي تراخت عن مسؤوليتها ونسبت خطوطها الحمراء؟ أم نحاسب الزوج الذي حنى رقبته كثيرًا، وسلم قيادة البتي ومن فيه لمن يملك زمام الأمور ويستحوذ على اهتمامهم ويلبي كثيرًا من احتياجاتهم؟ حتى حلت بجدارة مكان الأم الرؤوم، والزوجة الحنون، أو هوت بالأسرة في مستنقعات عميقة ولم تفق الأسرة إلا على أخبار يصعب سماعها والتسليم بها جملة وتفصيلاً سواء كانت مختلفة أو صحيحة.

طبيعة التعامل مع الخادمات:

يتفهم المتخصص والمدقق دواعي كثرة الخادمات العاملات في البيوت الخليجية مقارنة ببلدان أخرى مجاورة، فلا تكاد ترى منزل معلمة أو موظفة إلا وفي بيتها خادمة ومع ذلك، فإن معظم الناس – ولله الحمد – في هذه الدول يراقبون الله في هؤلاء النساء، ويحسنون التعامل معهن، ويتصورون لو كان أعز الناس من أهلهم في مواقعهن.

ولكني ينبغي أن نمعن النظر ونسبر الخلل؛ لنعرف بأن الأحكام الحسنة والسيئة لا تصدر بصورة مطلقة، فمما تجدر الإشارة إليه أن تعامل فئات المجتمع مع الخادمات متفاوت ومختلف حسب طبيعة وقناعة المتعاملين معهن، ومستوى نظرتهم للخادمة، أو مستوى تربيتهم وارتباطهم بدينهم.

فإذا كان من الأمور المسلم بها وجود أسر كثيرة تتعامل مع الخادمة على أنها واحدة من البيت تحافظ عليها، وتحس بوجودها وعواطفها، وتصبر على متاعبها؛ لكونها إنسانًا يحمل مشاعر وأحاسيس تصيب وتخطئ.

لهذا فإن معظم الأسر تغفر للخادمة زلاتها وتقصيرها، وتتلمس لها الأعذار؛ لكونها تشعر بآلامها وبعدها عن أهلها ووطنها، وما يتركه عليها ذلك من متاعب نفسية قد تسيء إلى ما بين يديها، فتكسر أو تنسى أو تهمل أشياء بدون قصد منها؛ فهذا النوع المتسامي من التعامل يخضع لنوعية الأسرة ودرجة التزامها الحقيقي بالقيم الإسلامية.

ومن نافلة القول فإن معظم الناس لا يحتاجون إلى توصية لزيادة الاهتمام بالخادمة وتقدير ظروفها؛ لكونهم يشعرون بأنها عضو نافع من أعضاء الأسرة، فيتعاطفون معها، ويغمرونها بالود، والمساعدة، والهدايا أحيانًا من الملابس، وغيرها، ويعولون أن هذه المعاملة الحسنة ستترك بصمة مضيئة في قلبها من حب المسلمين ثم حب الإسلام لا سيما وأنه حقها الذي شرعه ديننا الإسلامي لها.

وبهذا الخصوص سمعت بأن شخصًا عنده خادمة عملت خمس عشر سنة بأمانة وإخلاص ثم أصيبت بتعب أعاقها عن تأدية عملها في خدمة كفيلها مما دفعه إلى استقدام خادمة أخرى ولكنه أبقى الأولى؛ وفاء لحسن خلقها، وطيب تعاملها، واعترافًا بدورها، واستمر على تسليمها راتبها الشهري وخدمتها، وكأنها فرد من عائلته، وأضفى عليها وسامًا بلقب جميل أخذت كل العائلة تدعوها به وهي العمة ولم يقف عند هذا الحد بل أنه أوصى في وصيته بعد وفاته بحسن التعامل معها وعدم إنهاء عملها وتسفيرها إلى بلدها بدون رغبتها والمطلع على وصايا الأهل في السابق يلاحظ حجم الوفاء الذي يجنيه المعتق، ويحصل عليه من معتوقه في حياته ومماته حيث يقوم العم بإكرام معتوقه، ومساعدته على مواصلة الحياة بنفسه، كما يوصي له بشيء مناسب من المال بعد وفاته وحسن التعامل والوفاء معه وتظل العلاقة الوثيقة والأخلاق الكريمة تتواصل بين الطرفين، فالخادم المعتق يظل يعترف لعمه بالعمومية، ويتفانى في خدمته عند الحاجة، ومثل هذه المسالك الحميدة والأفعال الطيبة والعطرة يندر وجودها في هذه العهود المتأخرة الذي أصيب بعض أهلها بالإفلاس الأخلاقي، وأصبحت الأمور توزن بمكاسبها المادية، وسيطرت فيه الماديات على حياة كثير من الناس، وأصبحت هي المحرك الوحيد لتوجهاتهم دون منازع.

وفي الجانب الآخر يوجد بعض أفراد الأسر الذين يتعاملون مع الخادمات بأساليب قاسية وسيئة وربما تتأخر في دفع استحقاقاتها المالية أو تسيء إلى صحبتها وتعاملها بخشونة وجفاء وهذا يعود إلى طبيعة الأسرة ومعدنها ونظرتها الدونية للخادمة، وربما هذا نابع من طبيعتها، فكل إناء بما فيه ينضح ...

تعامل المخدومة مع الخادمة:

كيف تتعامل المخدومة مع خادمتها، وعلى أي أساس يكون تعامل المخدوم مع خادمه، إذا ما وضعنا في الاعتبار جانبين مهمين، وهما أنَّ كل طرف منهما له حقوق وعليه واجبات، ولكن هل يحسن كلاهما التعامل مع ماله وما عليه؟ أم ستتأثر حسب الاعتبارات التربوية والبيئية والثقافية، فالمرأة الناضجة مكتملة العقل والدين سوف تتعامل مع خادمتها بخلق قويم، في حين أن المرأة فارغة العواطف والمشاعر عديمة الإحساس والمبادئ تدير ظهرها لكل منطق سليم وخلق قويم، وتتعامل مع مخدومتها بأساليب بليدة، تنبئ عن الفقر الخلقي والنظرة القاصرة المتسوحاة من الماديات فقط، حيث تحب أن تثبت لذاتها ولمن حولها قيمتها ومكانتها بإذلالها لتلك الخادمة الضعيفة.

وعلى الرغم من أن العينة السيئة بهذا المفهوم نادرة جدًا إلا أن الدواعي تستلزم ذكره عند الوقوف على أنواع المخدومات حسب ما يلي:

مخدومة تلتزم عند تعاملها مع خادمتها بالمنهج الرباني، ولا تحيد عنه بأي شكل من الأشكال، ومخدومة تضع الخادمة في مقدمة اهتماماتها؛ لكونها ضعيفة وغريبة، فتحس بأنها أمانة بين يديها، وتخاف الله فيها وتدعوها بأحب الأسماء إليها يا بنتي يا أختي يا عزيزتي، ومخدومة تتعامل حسب أصلها ومنبتها ومعدنها، ومخدومة تجمع عند تعاملها بين تقواها وورعها الديني وبين طبيعتها الأصيلة ونبتتها النظيفة واتباع منهج الإسلام من القيم الإنسانية الرفيعة، وتتخيل نفسها دائمًا في مكان خادمتها عندما تتبدل الأحوال، وتصبح كل واحدة في مكان الأخرى. ألا يدفع مثل هذا إلى حسن التعامل مع الخادمة ومراقبة الله في السر والعلن؟ ثم أليس لهذه النعمة الكبيرة حقها من الشكر والدعاء؟ أن تكون المنزلة في الآخرة أفضل من الدنيا.

مخدومة سيئة؛ لكونها غير ناضجة وغير واعية، تتعامل مع من حولها في غياب للعقل والحس كأنها بلهاء مغرورة متباهية، ومخدومة تنفس عن ذاتها من خلال خادمتها؛ لكونها الركن الأضعف، ومخدومة تستمتع من خلال أوامرها الصارمة العاتية الزاجرة المؤنبة، ومخدومة تبدأ بالهدير حول خادمتها، فتنهرها بأساليب قذرة، وتكيل لها أصناف النعوت القاسية، وخاصة عندما يكون حولها زوارٌ؛ لتشعرهم أنها قوية ولها هيبة تتباهى أمام زوارها معتقدة أنها ستكون في محل إعجابهم، ولا تدري المسكينة أن جلهم – إن لم يكن كلهم – سيرحم تفكيرها وسذاجتها؛ لكونها لم تصن الأمانة، وتحافظ عليها، وهي بهذه المستوى من التعامل تقدم نفسها للآخرين بكونها شخصية نتنة وعفنة.

ولا بد أن ندرك أن أنواع المخدومات الذين يتمتعن بخصال عظيمة كثيرات، ويصعب الإحاطة بتلك الأنواع لا سيما وأن ما ينطبق على الجميع قد ينطبق على واحدة من حيث الالتزام بالصفات العالية والأخلاق الرفيعة والتعامل العادل.

ولا ننسى أن المخدومة قد يتغير أسلوب تعاملها مع خادمتها، وقتيا فينحرف قليلاً ولكنها كثيرًا ما تتدارك، فتندم، وتتأسف لخادمتها.

وكل نوع مما ذكرنا عليه أن يختار النوع الذي يحب أن يتعامل معه، فإذا اخترت واحدة فكوني هي في تعاملك مع من أحوجهم الله إليك، حتى لا يحوجك الزمان إلى الآخرين إلى مخدومة ذليلة فتذلك.

ولا شك أن كثيرًا من المخدومات يتمنين أن يكون رصيدهن في الآخرة كبيرًا ولا ترضى أي منهن أن تأخذ خادمتها من حسناتها، أو أحدٌ غيرها، ويظل لسان حال الجميع مناديًا ومتمنيًا أن يكون رصيدهم في الآخرة عند رب العالمين كبيرًا وأن يكون لهم أكثر مما عليهم.

من الكتاب والسنة حول التعامل:

من القرآن الكريم:

قال الله تعالى: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾  [الزخرف: 32].

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].

وفي الحديث الشريف:

قال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خلقًا فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فخرجت أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك فقال: «يا أنيس أذهبت حيث أمرتك» قال: قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله قال أنس: «لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته لم فعلت كذا وكذا أو لشيء تركته هلا فعلت كذا وكذا»([1]).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه، ثم جاءه به، وقد ولي حره ودخانه، فليقعده معه، فيأكل فإن كان الطعام مشفوهًا قليلاً فليضع في يديه أكلةً أو أكلتين»، قال داود: يعني لقمة أو لقمتين ([2]).

عن معاوية بن سويد قال: لطمت مولى لنا فقال له أبي: اقتص ثم قال: كنا معشر بني مقرن سبعة ليس لنا خادم إلا واحدة فلطمها أحدنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «أعتقوها» فقيل له ليس لهم خادم غيرها قال: «لتخدمنهم، فإذا استغنوا عنها فليعتقوها»([3]).

وقفة وتحليل:

قال لي رجل كبير السن من عقيل ممن تغربوا في طلب الرزق في العراق والشام ومصر: تمنيت أني دفنت قبل أن أرى أفواجًا من النساء يقدمن إلى بلدي في طلب الرزق؛ لقد كنت أرفع هامتي وصوتي بين الناس متفاخرًا بجولاتي وصولاتي في طلب الرزق مغتربًا عن بلدي، ولم أدر بأن النساء سيسلكن يومًا نفس الطريق، ليقفن بذات الموقف، ويقمن بنفس الدور، ويعشن نفس الظروف.

فالمرأة التي تسافر وحدها وتخاطر بحياتها الصحية والنفسية قد تتعرض لمتاعب كثيرة لم تكن في حسابها مثل طبيعة التعامل ونوعية الخدمة والعادات وطبيعة البشر الذين ستعمل على خدمتهم وغيرها ممن يصعب على من أوتي صبر أيوب أحيانًا أن يعمل على خدمة بعضهم؛ لكون فئة من الناس بعيدة فعلاً عن القيم الأخلاقية والجوانب الإنسانية، وتنظر لهذه الخادمة بمنظار الدونية، ويتعاملون معها على هذا الأساس.

علمًا بأن الخادمة التي قطعت تلك المسافات، وتحملت تلك الأحمال الثقال التي ينوء بحملها كثير من الرجال أفضل بكثير من بعضنا إن لم يكن من معظمنا؛ ناهيك أن بعض الخادمات في بعض الأحيان في مستوى أخلاقي عالي كما تكون مؤهلة علمًا وثقافة أكثر ممن تعمل على خدمتهم، ويكفيها فخرًا بأنها قطعت هذه المسافات، وضحت بعواطفها وراحتها من أجل كسب لقمة الحلال، وربما تعرضت لمضايقات ومتاعب كثيرة ولكنها صبرت من أجل أن تحقق ما جاءت من أجله في مواجهة كل الرياح المعاكسة.

ومثل هذا يجعلنا نفكر بحجم التكلفة التي تدفعه الخادمة في سبيل لقمة العيش الهنيئة لنحسن من تعاملنا معها، ونفترض أننا تعرضنا لمثل ظروفها، واضطرتنا الحياة أن ندفع بأمهاتنا وزوجاتنا وبناتنا للعمل في بلاد بعيدة وبيوت مجهولة.

ويجدر بنا ألا نستبعد ما تحمله متغيرات الحياة أو نتصور أننا في منأى من كدرها أو نتصور بأننا لن نقبل بالتسليم وإرسال فلذات الأكباد إلى بلاد غريبة، أسأل الله ألا يمتحن ضعفنا، وألا يجعلنا في ظرف نقتنع ونؤمن بما كنا نرفض تحت وطأة الظروف الصعبة ومخالب الحياة، ووطأة الحاجة التي يستسلم الإنسان لها، ويؤمن بأفكاره، ويتنازل عن قيم واعتبارات لم يكن يصدق أنه سيؤمن، ويقبلها يومًا ما، ولكنه يعلل نفسه أن استسلامه لمثل هذا العمل أفضل من تنازلات أخلاقية أو أمور تمس الشرف والكرامة.

ومع الثناء العطر على كفاح الخادمة يبقى السؤال حول جواز سفرها وعملها بدون محرم سؤالاً يحتاج إلى إجابة شرعية دقيقة.

رأي العلماء حول عمل الخادمة في البيوت:

في الزمن الماضي عملت الأمة في موقع الخادمة وفي صميم مهنتها قبل الإسلام وبعده، وسعى الإسلام إلى تحرير الرق والترغيب فيه وإعلان فضل الإعتاق والأجر والثواب لمن يقدم على هذا العمل، ثم بالكفارات المتنوعة التي يأتي في مقدمتها إعتاق رقبة.

ونظم الإسلام عمل الجارية داخل البيت كيف تعمل، وكيف تتحرك، ومتى تستأذن؛ ولعل الخادمة تشترك من حيث طبيعة المهنة في هذا الإطار الذي يصون العاملة من حيث الجوانب الخدمية والدينية.

وبالنسبة لجواز عمل الخادمة في البيوت فعلماء الجزيرة العربية الذين قرأت لهم قالوا بأنه لا يجوز عمل الخادمة في البيوت إلا للحاجة مع وجود محرم، واستدلوا بالحديث الوارد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يخلو رجل بامرأة، ولا تسافر إلا ومعها محرمٌ»، فقام رجل فقال يا رسول الله، امرأتي خرجت في حج، واكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: «ارجع فحج مع امرأتك»([4]).

مع مراعاة الضوابط الإسلامية من حيث الحفاظ عليها وصيانة حقوقها والتعامل معها.

وبعض العلماء أورد شروطًا محددة لجواز عمل الخادمة في البيت منها وجود محرم، وألا يخشى صاحب الشأن الفتنة على نفسه، أو على أولاده، أو أحد المقيمين معه في البيت مع إلزامها بالحجاب الشرعي وعدم الخلوة بها وعدم السماح لها بخدمة الرجال والتكشف لهم والاستدلال بحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ابن عمر وجاء فيه «لا يخلو أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما»([5]).

وذهب إلى هذه الفتوى عدد من العلماء على رأسهم فضيلة الشيخين الجليلين ابن باز وابن عثيمين – عليهما رحمة الله – وهو الرأي الذي تطمئن إليه النفس حيث يؤكد على وجود محرم مع الخادمة في ظل الالتزام بالتحجب وعدم الاحتكاك المباشر مع الرجال أو في خدمتهم، مع وضع مكان آمن خاص بجلوسها ونومها مشمول بمواصفات وقائية متميزة، توفر المناخ الآمن لها وعليها.

حتى لو أجاز أحد المجتهدين عمل الخادمة في البيت بدون محرم فربما أجاز ذلك للضرورة إذا أمنت المخاطر والفتنة والضرر على الخادمة، مع التأكيد على الضوابط الخاصة بوجود مكان آمن لنومها، وجلوسها، وعدم الاختلاط بالرجال، والالتزام بالحجاب، ومن الممكن أن المقصود بالترخيص الوقت الجزئي الذي مهما طال لا يشمل المبيت.

ولا يمكن مقارنة الخادمة بالأمة المملوكة إلا إذا كانت المقارنة في طبيعة العمل وحدوده فلا بأس، أما إذا كانت المقارنة لغرض تشريع وإجازة عمل الخادمة في البيت بدون محرم فإنه لا يمكن القياس على ذلك؛ لاختلاف علاقة ورابطة كل منهما برب البيت؛ فالخادمة أجيرة في حين أن الأمة مملوكة؛ وبينهما فرق كبير، خاصة فيما يتعلق بجواز نكاح الأمة وجواز أن تكون زوجة لسيدها وغيرها من الأحكام التي يطول شرحها – والله أعلم -.

المكاتب الخاصة باستقدام الخادمات:

في ظل الظروف الجديدة التي أفرزت حياة مترفة ومناخًا يساهم في استقدام الخادمات للعمل في البيوت مما استدعى معه وجود من يقوم بالمساعدة على جلب الخادمات من بلادهن حسب المواصفات المطلوبة.

وعلى هذا الأساس تم افتتاح عدد من المكاتب الخاصة التي تتولى هذه المهمة حسب الضوابط والاتفاقيات التالية:

المدة التي يتعهد خلالها المكتب بإحضار الخادمة:

يلتزم المكتب عادة بمدة محددة لإحضار الخادمة من بلدها، ولكن هذه المدة قد تطول عن المدة المتفق عليها؛ لأنها تخضع لإجراءات نظامية جديدة أو وقتية أو دائمة.

كما أن المدة تخضع أيضًا لجدية المكتب المتفق معه على إحضار الخادمة ومصداقيته، وكثيرًا ما تحدد الكاتب مددًا قصيرة ولكنها لا تلتزم بها لحجج كثيرة مثل وجود أزمات اقتصادية أو سياسية أو ظروف بيئية ومناخية في بلد المستقدم منه أو اختلاق مشاكل وهمية وربما التبرير أنها جاءت، ولكنها ليست حسب المواصفات فتم إعادتها أو أن المكتب هناك أخطأ في الاختيار فطلب منه البحث عن بديل، وهكذا دواليك أعذار محبوكة ومرتبة أكل عليها الدهر وشرب، ولا يعني هذا عدم وجود مكاتب جدية وصادقة ولكن المعول عليه بعض التجارب القاسية التي يمر بها المحتاجون للخادمات والتي تتكرر حاجتهم لها كل عامين في أحسن الأحوال.

الضَّمان لصالح الخادمة والكفيل:

يلتزم المكتب في بلد الخادمة بضمانات معينة شفهية للخادمة غير مدرجة في العقد أحيانًا، ولكن مثل هذه الامتيازات تتبخر ويتضح أنه لا أصل لها مثل العمل في مدينة بذاتها أو تأدية الحج والعمرة.

وبنفس الوقت تلتزم المكاتب في بلد الكفيل بكون الخادمة وفق المواصفات وبصلاحها للعمل، ولكن تذوب أحيانًا هذه الالتزامات والضمانات بمجرد استلام الخادمة من المكتب وتصبح كأن لم تكن حتى إن بعض المكاتب تتنصل من الضمان بصفة قطعية بحجج تدفع صاحب الشأن إلا التسليم والقبول بالواقع مهما كان مرًا.

الشروط والمواصفات:

المواصفات تركز على الشكل من اللون، والطول، والعمر، وصاحبة المؤهل، والمجيدة للغة الإنجليزية، والتي تحمل مهنة الخياطة، أو تلك التي تملك القدرة على صناعة الشعر وتجميله وصفه وتقليمه (كوافيرة)، أو القادرة على ممارسة الطباخة الماهرة أو القادرة على إعداد الطعام بطريقة جيدة أو غير المتزوجة أو التي ليس لها أولاد وكذلك تحديد البلد والراتب وبعض الشروط الصالحة للأطراف الثلاثة.

المكاتب في بلد الكفيل وبلد الخادمة:

المكاتب القائمة حاليًا في معظم دول الخليج تعتمد بشكل أساسي على مكاتب أخرى في بلد الخادمة، ومثل تلك المكاتب لها وضعية خاصة ولها نظرة قاصرة أحيانًا للمستقبل والتضحية بجزء يسير من المال في سبيل الالتزام بالشروط المتفق عليها، وكثيرًا ما يشكل هذا المال جاذبية يسيل لها اللعاب لعدد من المكاتب في تلك الدول أهم من الالتزام بالشروط والمواصفات المطلوبة.

وضعف الالتزام بالاتفاقيات والشروط المندرج تحت تلك السياسة نابع من قلة الوعي التجاري الذي يرتكز على الاستمرارية، وخلق ثقة دائمة تجذب الزبائن؛ فإذا كان التاجر يدفع من رصيده مالاً لتحسين سمعته وللدعاية لتجارته فالأولى أن تستغني المكاتب عن جزء من التركيز على الناحية المالية فقط لتحقيق التزاماتها؛ لأنه هو المكسب الدائم الذي يحفظ للمؤسسة استمرار وجودها وقوتها.

ومن الاعتبارات المهمة ضمان تكلفة المواطن في حالة رفض الخادمة العمل لديه، وعدم وجود إمكانية لعملها في مكان آخر؛ بسبب رفضها القطعي للعمل بحيث يقوم المكتب في بلدها مع المكتب في بلد المستقدم متضامنين بدفع هذه التكلفة.

تتضمن الشروط الموضوعة في مكاتب بلد الخادمة بعض الشروط التي يصعب الوفاء بها أحيانًا، وهي المتعلقة مثلاً بالحج وذلك بسبب إشكالية وجود محرم؛ التزامًا بالفتوى حول ذلك، أما البعض من المعنيين فإنه يرسلها مع مجموعة مماثلة في رفقة مأمونة لتأدية الحج والعمرة أو يصطحبها معه ومع أهله إذا سنحت له الظروف، وزار تلك الديار الشريفة.

يقوم عدد من المكاتب المتخصصة بإحضار خادمات للعمل فترات محدودة مع المحتاجين، وتعتبر في رأي كثير من الناس تجربة تستحق المتابعة متى ما اعتني بها بطريقة أفضل، ووضعت لها الأنظمة والضوابط التي تهتم بحقوق كافة الأطراف: المكتب، الخادمة، الأسرة، مع الأخذ في الاعتبار تنظيم ما للخادمة، وما عليها، وصيانة حقوقها، والمحافظة عليها ضمن ضوابط شرعية مناسبة وآمنة.

الشروط التي يجب توافرها في الخادمة:

يلاحظ المتابع لعمل المكاتب المتخصصة التي تتولى وتتخصص في استقدام الخادمات تباين رغبات الناس في تحديد مواصفات بعينها وتفضيلها على غيرها لاعتبارات خاصة ويدخل في الشروط المطلوبة والمحددة عدد من المواصفات والشروط حسب ما يلي:

المظهر العام:

البعض من الناس يهتم بالجانب الشكلي والمظهري أكثر من غيره عند تحديد مواصفات الخادمة التي يسعى لإحضارها وتطغى عادة مثل تلك المواصفات المظهرية على المواصفات والمؤهلات الأخلاقية والعملية، أو تكون على حسابها، فيطلب الراغب في استخدام خادمة من المكتب أن تكون بيضاء أو سمراء أو نحيفة جدًا، وهذا تبعًا لحجم التفاهم المتبادل مع الزوجة حول مظهر الخادمة الذي يجب أن يكون مناسبًا وجذابًا أو يكون على النقيض من ذلك بحيث يكون أقل من العادي؛ حتى لا يدفع شكلها المغري إلى خلق متاعب كثيرة يفضل الزوجان الابتعاد عن آثارها وتبعاتها.

علمًا بأن معظم البيوت غالبًا ما تلبس الخادمة التي تعيش معهم لباسهم الموشح بالقيم والعادات والأعراف التي يعيشونها، ويلبسونها؛ ومن أبرزها الثياب المحتشمة التي تمثلهم عند وجودها معهم، فلو قدر لها أن أطلت من البيوت أو ظهر جزء من جسمها في السيارة فمن يعرف بأنها خادمة البيت التي لها مفاهيمها الخاصة.

مع التركيز على عدم السماح لها بكثرة الخروج أو استخدام الهاتف بطريقة غير جيدة، وربما بصفة نهائية؛ لأن مثل هذه المسالك السيئة سينعكس على البيت، وسوف يترجم انفتاحها وتبرجها على أنه مؤشر على جو البيت مما يدفع مثل هذا التصور المعنيين بها إلى الاهتمام والعناية بها كثيرًا ناهيك على أنها أمانة مربوطة بأعناقهم، ويفترض فيهم المحافظة عليها، ورعايتها كالزوجة، والأخت، والبنت.

المؤهل والمستوى الثقافي:

يعتبر المستوى الثقافي والمؤهل مطلبًا مقدسًا لدى بعض البيوت المثقفة وخاصة تلك البيوت المفتوحة أو التي يكثر احتكاكها ومخالطتها لغيرها أو التي تبحث عن فائدة من خادمة قادرة على مساعدة الأطفال أو بعض أفراد البيت على استخدام اللغة الإنجليزية، وكثيرًا من أمثال تلك البيوت تشترط أن تجيد الخادمة اللغة الإنجليزية؛ حتى يسهل التخاطب معها، وربما استثمار ذلك في تدريب الأولاد على المحادثة وتحسين إمكانياتهم في المحادثة.

الديانة:

تفضل كثير من البيوت وجود خادمة في البيت مسلمة؛ حتى تطمئن على خلفياتها الدينية؛ لأن قلق كثير من الأسر نابع من الآثار التي تتركها الخادمة غير المسلمة وذلك بسب بوجود تجارب سلبية كثيرة خاصةً وأن وجود خادمة غير مسلمة من الطبيعي أن يؤثر على الأغصان الطرية، فيحركها باتجاهات غير سوية لا تظهر آثارها وتلمس نتائجها إلا بعد حين من خلال تأثر الأطفال بمعتقداتها ومفاهيمها الدينية المغلوطة سواء كان ذلك نابعًا من سعيها أو خارج سعيها؛ لأن تصرفها الطبيعي في المنزل المبني على أرضيتها الدينية يعلق بأذهان الأولاد فربما قلدوها أو بقيت في أذهانهم نبتة تعوق قبول الخير بالسهولة المرجوة.

ولهذا يبذل الكثير جهودًا كبيرة للتأكيد على وجود خادمة مسلمة بالبيت عند تحديد المواصفات المطلوبة؛ حتى يكون الحصاد الإيجابي أكبر بكثير من الآثار السلبية.

وينبغي ألا نغفل عن أنَّ بعض الخادمات المسلمات أحيانًا لا يخلين من العلل، وخاصة فيما يخص الفهم السلبي لبعض الجوانب الدينية والتمسك بتصورات ومعتقدات خاطئة، وربما تكون غير متمسكة بالإسلام بطريقة جيدة أو أن تمسكها مبني على إبراز الشعار الديني فقط بحكم الوراثة أو لغاية الاستفادة منه كجواز عبور للحياة الرغيد في مجال السفر والعلم.

عمر الخادمة:

تتجاذب مميزات وعيوب عمر الخادمة ميول الناس؛ لأن الكثير منهم يعول على وجود خادمة نشيطة وخالية الذهن والفكر وغير مرتبطة بأطفال تنشغل بهم، وتقلق عليهم، أو يأكلها الحنين إليهم، فتصاب بدائه، كما أن وجود خادمة صغيرة بالبيت أيضًا له مساوئه ومتاعبه؛ لأن الخادمة الصغيرة قليلة التجربة والخبرة تكثر أخطاؤها بإراداتها أو خارج إرادتها.

وكذلك الحال بالنسبة للخادمة كبيرة السن فإنها بطيئة في إنجاز عملها وأكثر من غيرها عرضة للأمراض مما يجعلها مخدومة أحيانًا من قبل العائلة التي تقيم معهم.

ومن هنا فإن أغلب الناس – بعد عدة تجارب – أخذوا يفضلون الخادمة متوسطة العمر؛ لعلهم يحصدون إيجابيتها فقط، فينعمون بالنشاط، والحيوية، والقدرة على التكيف السريع، ويبتعدون عن سلبياتها التي سبق ذكرها، وإن كان البعض منهم يغض الطرف لعيوب الصغيرة أو الكبيرة عند اختيارها لاعتبارات كثيرة يصعب شرحها.

تحديد الجنسية:

بحكم تجارب الناس الطويلة في التعامل مع الخادمات أصبح لبعض الجنسيات تميز أكثر من غيرهن بالصبر وإنجاز العمل بسرعة والتنظيم وقلة المشاكل مما دفع الكثير بحكم هذه الخبرة لاختيار تلك الجنسيات، وتفضيلها على غيرها عند الاختيار.

علمًا بأن بعض الناس يصر على اختيار جنسيات بعينها لاعتبارات أخرى تتعلق بالديانة أو انخفاض الراتب ولا ننسى أيضًا بأن معظم البيوت يسعى إلى اختيار الخادمة التي تقترب عاداتها ومناخ حياتها من البيئة الاجتماعية التي ستعمل فيها متنازلين عن بعض المواصفات الأخرى؛ طمعًا في سهولة الاندماج وقلة المتاعب.

اللغة:

مع بدايات التنمية كان التركيز على جانب الخادمات من الدول العربية لاعتبارات كثيرة من أهمها الديانة، وسهولة التخاطب، ولكن مثل هذه الأبواب أوشكت على إغلاقها نهائيًا إن لم تكن أغلقت فعلاً من قبل الناس لصعوبة وجود خادمة مناسبة في تلك الدول، ترغب بالابتعاد عن أسرتها ثم أن فارق الراتب المدفوع بالنسبة للخادمة القادمة لا يغري بالاغتراب؛ لوجود فرص وظيفية للخادمات في بلادهن أكثر جاذبية واستقرارًا حيث يجدن رواتب مجزية تجعلهن لا يفكرن مطلقًا بالسفر، لا سيما إذا أخذ بالاعتبار أن العادات الموجودة في تلك البلاد ما زالت تؤثر على تغريب المرأة بمفردها بجانب أن طبيعة المهنة غير محببة عند الكثيرات؛ لأن المجتمع ينظر أحيانًا إلى العاملة في البيوت نظرة دونية أو غير جيدة، ولذلك فإن بعض العاملات في مجال الخدمة في البيوت يبذلن جهودًا كبيرة في إخفاء عملهن في مثل هذه المهنة وخاصة عن المحيطين بهن.

ولا ننسى أن الحافز الجيد للبحث عن خادمة عربية هو بذاته الحافز عن البحث عن غيرها؛ لأن اللغة المشتركة بين الخادمة والمخدوم تشكل عملة تحمل وجهين، وتفرز أحيانًا متاعب مشتركة للأسرة وللخادمة معًا يطول شرحها وخاصة أنه يصعب تناول شؤون الأسرة الخاصة بطريقة واضحة طالما يوجد شخص غريب يخشى أن ينقل ما يسمع للآخرين.

مستوى الراتب:

يغلب على الخادمات اللاتي يحصلن على رواتب منخفضة انتماؤهن لدول تعيش في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة تسيء إلى درجة التحضر وإلى وجود فرص وظيفية وهذا يسهم إلى حد ما في انخفاض رواتب الخادمات، ويساعد في درجة تكيف الخادمة وتعايشها في ظروفها الجديدة، ولا أحد يشك في أن تدني مستوى راتب الخادمة يغري الراغبين في التعاقد معهن في ظل المنافسة مع الخادمات اللاتي يطلبن رواتب عالية.

وغالبًا فإن مستوى تحضر الدولة له دخل أساسي في انخفاض أو ارتفاع مستوى الراتب، وله علاقة مباشرة في قوة وضعف إلمام الخادمة بمهام عملها، وبنفس المستوى على استيعابها وإدراكها لواجباتها وللحياة الأسرية على المستوى المتحضر المناسب.

ويلجأ أغلب الناس لاختيار الخادمة من بعض البلاد لأسباب أخرى، ليس فقط لصعوبة قدرتهم على دفع رواتب مرتفعة؛ بل لاعتبارات دينية وأخلاقية مع العلم بأنه يوجد خادمات من تلك البلاد الأقل فرصًا وظيفية أفضل بكثير من الخادمات في بلاد أكثر تحضرًا وتوجد شواهد كثيرة يطول بنا المقام لسرد شيء منها.

* * * *

 الباب الثاني: أنواع الخادمات

يصعب حصر أنواع الخادمات وتفصيل خصالهن وطباعهن؛ ولكن المتابع يجد البون الشاسع بين تعاملهن وردود فعلهن ... فمنهن – كما يقال – من تذر على الجرح فيبرأ، ومنهم من تطيل أمد الجرح، وتفتح أعماقه، ومنهن كالتالي:

الخادمة النشيطة العملية، والخادمة الكسولة الخاملة، وكل واحدة منهن تأخذ أسلوبها ومنهج عملها وتعاملها وفق طبيعتها ودوافعها، فالنشيطة العاقلة تؤدي عملها على الوجه المطلوب بدون متاعب في حين أن الكسولة الخاملة تحتاج إلى متابع جلد وصبور يتحمل بلادتها ويقف معها عند أدق التفاصيل وأقلها أهمية وقد تكون فعلاً هذه طبيعتها، أو تتصنع طبيعة رديئة من باب الكيد أو لتحقيق مآرب أخرى.

الخادمة المنظمة والخادمة المهملة وبين كليهما فرق واسع وشاسع؛ فالأولى تملك قدرة متميزة على التنظيم الملائم والترتيب المناسب بحيث تضع كل غرض في موقعه الملائم بطريقة جيدة، في حين أن الأخرى تسيء ترتيب الأغراض أكثر مما تصلحها سواء كان ذلك بمحض إرادتها أو من باب المكايدة والنكاية؛ وفي هذه الحالة فإنها تحتاج إلى شخص آخر حولها يلازمها ويعطيها التعليمات المستمرة والمكررة أو يعيد العمل بعدها.

الخادمة المريحة الراضية، والمزعجة الشاكية؛ فالمريحة تشعرك بأنها تقوم على الخدمة بقناعة ذاتية وبرضاء فطري يدفعها في ذلك حافز إنساني وحب الخير للآخرين، فهي محبة للأسرة التي تقيم معهم، وتنقل لمن حولها الراحة والاطمئنان، بينما الخادمة الشاكية الباكية تبحث لها ما تعلق عليه هديرها، وهي دومًا مزعجة، وكلما وضع في فمها ما تريد بحثت لها عن مطالب ومتاعب ومداخل أخرى؛ لتثبت للجميع أنها علة ومصدر تعب وقلق.

الخادمة الهادئة الحنون الرؤوم والمزعجة الخالية من المشاعر والعواطف، ويفصل بينهما مسافات كبيرة جدًا؛ فالحنون تملك العاطفة الغزيرة الفياضة التي تحوط بها كل من حولها صغارًا وكبارًا وتتودد إليهم بحنان وحب وعاطفة مشحونة بكل خير. في حين أن فاقدة العواطف تتعامل مع من حولها بغلظة وجفاء، وتصبح معزولة ومكروهة في البيت تعيش مع نفسها وتجتر متاعبها، فتتألم وتتراكم متاعبها، وتنعكس متاعبها ومرارتها على من حولها بسوء سلوكها.

الخادمة الهادئة الرزنية والخادمة العصبية المتقلبة الفوضوية فالهادئة الرزينة يطمئن المرء للعيش في قربها وصحبتها، ويأمن على نفسه وأطفاله معها، في حين أنه يقلق للعيش مع الأخرى، ويتردد كثيرًا حول وضع الأطفال معها بمفردهم؛ بسبب تقلب مزاجها ومشاعرها وهيجانها وغضبها واندفاعها، فلا أحد يدري متى تهدأ ومتى تهب عواصفها العاتية، وتدخل في فريق من لا يتنبأ بما يفعل.

فهذا النوع من الخادمات يشكل خطورة على أفراد البيت فالخادمة من هذا النوع لا تستطيع التعبير وتوصيل ما يجول في نفسها إلا من خلال عنفها وقسوتها، وربما تهدد أفراد البيت نتيجة خلاف بسيط، ويخشى بشكل خاص من هذه النوعية على الأطفال في غيبة أهلهم، وربما يكون الخوف والخطر أمرًا مفاجئًا نتيجة ظروف طارئة بسبب الاحتقان المتراكم الذي تفرزه شؤون الحياة اليومية، وربما فرضته مستجدات في أسرتها أو مع مخدوميها.

الخادمة المتزنة المتمسكة بالقيم والأخلاق والدين والخادمة الضائعة اللعوب التي تسعى لوضع شباكها حول من تريد، وربما تجعل البيت في جحيم لا يطاق؛ خوفًا منها وعليها وخاصة أنها تتحين الفرص لاستخدام الهاتف، أو متابعة الزائرين، أو من في الشارع، ومخاطبة من تريد في أوقات يصعب متابعتها فيه.

الخادمة قليلة المشاكل التي تملك العقل المعيشي والخادمة التي تشتري المشاكل، فقليلة المشاكل تصبر على ما تلاقيه، وتبحث عن كل ما يرضي ويسعد من حولها بتفانيها وإخلاصها ومحبتها التلقائية الصافية، كما تتصف بسرعة التأقلم والتفاهم والاندماج والرغبة في التكيف وفق أي جو أسري، فيألفها الجميع، ويحسون كأنها أحد أفراد البيت؛ بينما تقبع الأخرى على يد من تشتري المشاكل والمتاعب، كلما أقفل نافذة من متاعبها فتحت لهم أبوابًا، تتفنن في البحث عن متاعب، وتوحي للكل بأنها عدوة متربصة وتحسن الكر والفر.

خادمة قليلة الكلام أو الكلام في حدود الحاجة، وخادمة ثرثارة كثيرة الكلام ونقله، تحسن تغييره وتغليفه لخلق مشاكل داخل البيت وخارجه، ومن الخادمات الصادقة الأمينة، ومنهن الكاذبة والمراوغة، ومنهن من تحسن المكيدة وحبك الرواية لتحقيق مآربها؛ ولعل القريب الفاحص لظروف الواحدة منهم يستوعب جوهر المشكلة، ويقف على أبعادها ودوافعها.

فالخادمة السيئة يلاحظ كثرة تبرمها وضجرها بدون سبب مقنع، ويحس المتعامل معها كأنها تحمل من حولها المعاناة التي تعيشها، والظروف التي قادتها للعمل بعيدًا عن الأهل والأحباب، فتلمس من صوتها ومن أفعالها ما يشعرك بأنك المصدر الأساسي لتعاستها، وربما تسمع منها ما لا يسرك، وهذا النوع من الخادمات قد يكون متطبع بهذا السلوك أو أن طبيعة المهنة الجديدة وعدم التكيف معها بجانب الظروف والحنين للأهل وما تفرزه من انعكاسات من حيث عدم القدرة على التكيف، أو عدم الاستطاعة لقبول البيئة الجديدة، أو أن الحنين للحياة والمجتمع الأول يساهم بحقن الأعصاب، ويدفع في التعامل السلبي كترجمة فورية وتنفيس للتخلص من المعاناة المركبة النفسية والمفاهيم الخاطئة لبيئة العمل الجديدة.

والخادمات لهن أنواع كثيرة، منهن من تجمع بين الحسن والقبيح، ومنهن ما يغلب عليها الحسن أو القبيح، فتوصف به، وبين اليمنى واليسرى. تظهر الخادمة العادية التي لها من المواقف الإيجابية ما ينسي أحيانًا تصرفاتها السلبية، وربما نامت وهي تملك درع الأخلاق، ونهضت صباحًا وهي في محكمة كفيلها لمواقفها الهزيلة.

وقفة وتحليل:

إذا كنا نحسن رصد محاسن وعيوب الخادمات برؤية مبنية على فحص سليم وأمين، أو اجتهاد قد يكون أحيانًا غير موفق؛ فعلينا ألا ننسى أنه يوجد في المقابل ربات بيوت لهن من المحاسن والمواقف الجميلة والخصال العظيمة الكثير كما يوجد النقيض مما يكتسبن من العيوب ما يتوازن ويقارن أحيانًا مع تلك الخادمات السلبيات، وخاصة أن بعضًا من ربات البيوت قاسيات وظالمات، وبعضهن يمزجن عددًا من الأساليب الجيدة والسيئة معًا.

ومما تجدر الإشارة إليه انحراف تعامل الزوجة مع خادمتها، فقد يزيد الكيل في التعامل السلبي وخاصة عندما تتصرف ربة البيت مع خادمتها بغلظة وجفاء، وربما أسهم زوجها معها، أو أنه ترك لها الحرية في الإمعان في الظلم والجور، وسار مع زوجته طواعية أو مكرهًا أو جاهلاً بما يجري؛ وكم هي أمنية أن تراجع كل امرأة ظالمة نفسها، وترجع إلى رشدها، أو تتصور مكانتها ومهانتها عندما يضعها الله مكان خادمتها أو ترى في مكان خادمتها أحدًا ممن تعز من أهلها سواء كانت أمها أو بنتها؛ لتدرك بشاعة معاملتها، إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك.

أليس من الأولى أن نحمد الله على نعمه، ونتقي الله في الخادمات، ونتعامل معهن بكل أمانة، ومودة، وأخلاق نابعة من ديننا الحنيف، ونعطيهن الراحة المناسبة التي نحتاجها لو كنا نعمل نفس العمل، ونخاطبهن بالكلمات الطيبة التي نتمنى أن نسمعها حتى نحسن العمل، وتزود بالطاقة الإيجابية التي تنسينا مرارة البعد وتكبد المشاق.

ومن المؤسف أن بعض ربات البيوت تتعامل مع خادمتها بألفاظ قاسية نابية وآمرة ناهية بغلظة وشدة وجفاء فاقدة للعلاقة الحميمة، وتسعى أن تتصيد أخطاءها، وكأنها عدوة متربصة بها؛ أليس من الأولى أن تزرع فيها التعامل الجميل الذي تنشده منها؛ فمن زرع حصد، ويبقى تعاملها الأخلاقي رصيدًا لها في الآخرة وترجمة حية على شكر الله على نعمه التي جعلها مخدومة وليست خادمة تعيشن في موقعها ومن يدري فقد تتبدل الأحوال يومًا، ويصبح كل واحد في مكان الآخر، فتسدد الخادمة لربة البيت من رصيدها السيء، وتدفع لها مديونيتها.

أختاه:

احمدي الله على نعمه عليك، بأن جعل هذه الخادمة تعمل تحت يديك بدلاً من أن تعملي تحت يدها فصوني هذه النعمة واشكري الله، واعدلي وارحمي «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» هل ترين أن تعاملي بنفس الأسلوب لو كنت مكانها أو أن تجدي نفس التعامل من عزيز لديك كالولد، والزوج، والأخ، وكم يتمنى المرء ألا يقاد أو ينقاد لتقليد سوء سلوك الخادمة والرد عليها بنفس الأسلوب ونصبح بذلك القدوة السيئة عندما نجاري الخدامة في طريقتها، وكلماتها القاسية، وردود أفعالها السيئة.

أراد زوج أن يصلح من تعامل زوجته مع الخادمة، ولكنه لم يفلح؛ لأنها كانت تضع أمامه كثيرًا من العراقيل بأنها سيئة ولا تفهم إلا هذه الكلمات القاسية؛ فقرر الزوج أن يعطي زوجته درسًا علميًّا؛ حتى تستوعب سوء تعاملها؛ فقرر أن يعاملها بنفس الطريقة فقالت له يومًا: بأنه تغير عليها، فقال لها: لم أتغير، ولكن طباعك تحتاج إلى أسلوب يناسبه ثم تبرمت مرة أخرى، ففتح النقاش معها حول تعامله السابق معها وتعامله الأخير وأيهما أفضل وأجدى في القبول والتفاعل والتجاوب، فقررت بدون تردد بأن الأسلوب الأول أفضل فقال لها: إذا كنت ترغبين ذلك الأسلوب وتدركين أنه أفصل من سواه لماذا لا تزرعينه في من حولك حتى تحصدينه، وتحصدين القدوة والأجر الوفير.

أنواع أحاديث الخادمات:

تتمحور أحاديث الخادمات حسب الظروف والدواعي والبواعث المحيطة بها، وتحلق غالبًا حول الموضوعات التالية:

تجتر الخادمة مع رفيقتها أو مع نفسها المشاكل التي تقابلها مع مخدوميها وهمومها في بلدها، فهي عادة تشيد بمن حولها وتذكر مناقبهم وأعمالهم الطيبة أو عيبوهم ومثالبهم السيئة، كما تحن إلى أيامها وتذكر البعيد، والعزيز، وتناجي الجميع وتعيش في أجواء بلدها في ظل الدفء الأسري لحظات سعيدة تمنحها طاقة إضافية، وتجدد نشاطها وحيويتها لمتابعة مسؤولياتها.

تتطرق الخادمة غالبًا في أحاديثها إلى أخبارها الخاصة وأخبار العائلة التي تقيم معهم ومجريات الأحداث الدائرة مفصلة صغيرة وكبيرة مهما كانت دقيقة ومتواضعة فالحكايات والمواقف التي تدور حولها تعني لها الكثير؛ لأنها لا ترى من الأمور ما يشغلها أكثر، فهي تتحدث عن تصرفات الكبار والصغار على حد سواء وتتكلم عن المناسبات والزيارات والمواقف والعلاقات التي تدور، ويعيشها الجميع.

يدور حديث الخادمة أحيانًا حول خططها المستقبلية، وكيف ستنفق المال الذي جمعته من عملها؛ فالخادمة تقتل هواجس الملل والسأم والألم بتشاغلها بأحلامها المستقبلية وبمشاريعها المقبلة؛ لتجعل منه طاقة ووقودًا يشعل حماسها، ويعينها في صبرها وتحملها، ويدفعها إلى الأمام لإكمال مشوارها، فتتحدث مع رفيقاتها، أو مع أحد أفراد البيت عن هواجسها في توظيف ما تدخره من مال في مشاريع شخصية أو استثمار أو سداد دين أو إكمال مشوار زواج أو بناء منزل أو مشروع ما.

تنصب بعض أحاديث الخادمات عن التنفيس عما تعانيه أو تقابله من مواقف حسب وجهة نظرها، وتسعى مع من حولها على معالجة مصادر المضايقات والتعب وطلب المساعدة في إيجاد الحلول المناسبة في الدفاع عن نفسها دون تطور الأمور وحرمانها من عملها.

بعض الخادمات وهن قلة يتحدثن عن مغامراتهن العاطفية وخاصة بواسطة الهاتف، أو من محيطها وخاصة من العاملة حولها، ولعله لون من شغل نفسها بما يقتل إحباطها النفسي ومعالجة للفراغ النفسي والعاطفي بما تعتقد أنه أسرع علاج لمتاعبها، أو لكي تثبت أنها من بنات حواء الجميلات المرغوبات ممن لهن مريدون ولعلها والحالة هذه يندرج عليها ما يقال: يكاد المريب أن يقول خذوني، فربما أنها محرومة من الجمال اللافت أو الإغراء، وخشيت فتور الاهتمام بها فأرادت أن تجذب الانتباه إليها، وتجمل ما لا يتجمل إلا بالعمل الطيب والأخلاق الفاضلة.

الحديث الشامل المتنوع الجميل الذي يحمل النكهة والسعادة ويطوف حول الذات والعائلة والزوج والأولاد والحياة الماضية التي يداعبها الشوق والحنين إليها، وتجد من ذكرياتها سندًا في خلوتها ومناجيًا في وحشتها ومعينًا في كربتها فتقوم بالحديث حول تلك الأيام والذكريات العزيزة أو اجترارها حتى تنسى آلمها ومعاناتها وآلام البعد والحرمان والحنين للأهل والأوطان.

وتتصور وهي تقف على عتبة البعد والحرمان أن الحياة الماضية كانت كلها وردية، ولا تملك التقييم الصحيح حتى تعود وتكشف أن لها في وطنها آلامًا ومعاناة من نوع آخر، فتدرك أنها كانت ترى الوجه الجميل في حياتها السابقة مثل الميت أو المسافر البعيد الذي يستحضر خيره، وينسى شره وخاصة أنها تستعذب ما تجهله في مواجهة ما تعيشه.

وقفــة:

لا يستطيع أحد أن يغلق فم الخادمة عن الحديث والتنفيس على الدوام؛  لأن هذا يصب في سوء سلوكها وحدة أعصابها ثم هل ما نريده لها نستطيع أن نقوم به...؟ ولذلك فمن الأفضل أن يصبح حديثها مفتوحًا تتنفس كما تشاء، وتطرد من خلاله أنفاسها الغث الكريهة التي متى ما حبستها فإنها تمزق أحشاءها؛ ولكن إذا جاز لنا أن نساعدها على القول والبوح عن مكونات النفس من مرارة وعتب، فإلى جانب هذا يلزمنا توعيتها وإرشادها إلى محاسن القول وقبحه؛ حتى تسير على الطريق الصحيح، ونحن في ذلك قدوة حسنة لها؛ لأن منعها من الحديث بصورة مطلقة، تجنبًا لاحتمالات الخطأ غير مقبول كما لا يمكن بنفس الوقت تشديد الرقابة على أحاديثها؛ لكونه تدخل في خصوصيتها، ولكن المناسب أن نحتضنها، ونشركها في سهرات الأسرة وتجمعاتها، ونشعرها بكرامتها، وبأنها عضو نافع ومفيد للأسرة، وهذه الطريقة تعطي نتائج أفضل.

فالمتابع لهذا المثل هذا التصور يجد أن كثيرًا من الخادمات امتزجت مع الأسر التي تعيش وسطها، وأصبحت الواحدة لا تقبل لوم عائلتها، بل إنها تقف مدافعة في نحر من يتطاول عليهم ممن تملك مقارعته.

المحافظة على الخادمة وحقوقها:

إذا جاز للخادمة أن تقاد إلى الخطأ أو تنقاد إليه بمحض إرادتها رغم تدني مثل تلك النسب إذا ما قيست في المجموعة الكلية فإنها تذوب، ولا تكاد ترى، ولكن تطلب إلقاء الضوء عليها، حتى مع وجود هذه النسبة المتدنية التي لا ترقى أن تكون ظاهرة تشكل قلقًا أو خطرًا أو مشكلة واسعة ولكن تطلب وضعها في الاعتبار عند معالجة مشاكل الخادمات؛ لتفادي المداخل المساعدة والعلل المساندة، ولترجمة الوقائع بطريقة صحيحة، والابتعاد عن الخلل قبل وقوعه مع العلم أن معظم البيوت والأسر – ولله الحمد – تحافظ على الخادمة بدرجة كبيرة، وتسعى أن تلبسها ثوبها وعاداتها، وتقودها للخير، وتدرك أنَّ الاختراق لشرف الخادمة عار كبير لا يمكن اغتفاره؛ لكونه يخل بشرف البيت، ويتطاول على الحماية والحصانة التي التزمت بها العائلة، وينال من صيانة الأمانة والمحافظة على الأجير والمستجير التي كفلتها العائلة لها؛ انطلاقًا من الأسس الدينية والأخلاقية التي تتحلى بها.

فالتغاضي أو الإهمال أو اختراق خصوصيات الخادمة يجعل رب البيت وأفراد أسرته يحكمون على أنفسهم بأنهم فرطوا في الأمانة التي التزموا بالمحافظة عليها أمام بعضهم وأمام مجتمعهم، ثم قبل ذلك أمام الله في الموقف العظيم، وبأنهم في ركاب من لا يخاف الله، ولا يخشاه، ولا يؤتمن على وديعة أو أمانة.

ومع كل هذه الاعتبارات لا يستبعد وقوع انفلات في ظل عدم وجود محرم ووجود الشيطان وخلل في ضوابط الوقاية، من حيث تنظيم مكان نوم الخادمة واتصالها ومباشرتها للخدمة، وربما تحرشت بمن حولها، أو دفعت نفسها في طريق من يبحثون عبر إغرائها وإغوائها واستجابتها ورسائل عدم ممانعتها؛ ويصعب القبول بصورة مطلقة بأن الظلم أحيانًا يأتيها من حاميها ومجيرها والمسؤول عنها، وربما جاء انتهاك الضوابط وسبل الحماية والوقاية مع وجود مراهقين أو رب بيت لا يرعى حق الأمانة، فاستغل وجوده معها، ولكنه لا محالة سيندم عاجلاً عندما يجد أن ما فعله مع الخادمة موجود في واحد من ذريته أو من يكفله ردًا على تجاوزاته إن لم يخش الله، ويخفه ويتقه، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا.

الحوافز والدوافع للعمل:

لو سألت كل خادمة عن دوافع قرارها بالسفر مئات الأميال للعمل في ظروف بيئية واجتماعية جديدة عليها، مضحية بحرمان الأهل والبلد لفترة طويلة، متكبدة المتاعب والمشاق لعرف التباين الكبير بين كل منهن، ولأدرك المتابع بأن القاسم المشترك الذي يوحد الدافع هو الحاجة للمال، وكل واحدة من تلك الخادمات يقودها ويدفعها حلم كبير وأمنية تحب تحقيقها على النحو التالي:

الرغبة في تحسين مستوى الأسرة وتلبية حاجاتها ومتطلباتها أو تأمين وسيلة للعمل أو مشروع صغير تساعد من خلاله على تحسين دخل الأسرة وتلبية حاجاتها المستقبلية أو معالجة مشكلة أو سد دين ثقيل سيقود صاحبه إلى السجن إن لم يسدد، أو مشاكل صحية، أو ضغوط اجتماعية مبعثها عدم وجود سكن أو مشاكل زوجية أو أسرية مفتوحة.

تحقيق بعض الأحلام وذلك بتوظيف الفائض من المصروفات الشخصية لشراء أو بناء سكن جديد، أو توفير أساس لعمل مستقبلي أو ادخار المبلغ للمستقبل وحاجة الأولاد وتعليمهم أو شراء أرض لعمل مشروع تجاري أو زراعي عليها أو استثمار في مشاركة مع آخرين أو توظيفه في سلة العوائد السنوية بحيث تأخذ عليه نسبة سنوية؛ لتنفق منه على متطلبات الحياة، وحبذا لو كان ذلك منسجمًا مع الشريعة الإسلامية؛ حتى لا يتحول العائد إلى ربا.

الخادمة تسعى لرفع مكانتها بين أهلها، ومن حولها، وتخلق حوافز ومميزات للراغبين في الارتباط بها؛ لكونها تملك مغريات مادية تمتاز بها على بعض قريناتها، يسيل له لعاب من يفتقر لهذه الميزة أمام من يريد أن يحوم، ويحلق حولها، ويبحث له عن زوجة قادرة ماديًا على المنافسة خاصة وأن الفتيات في بعض البلدان الأسيوية تقوم بدفع المهر أو تساعد على بناء بيت الزوجية وتكاليفه، وحسب التجربة والمنطق فإن من تكون إمكانياتها أكبر تغري في الزواج أكثر، وتتقدم على غيرها، ويصبح طلب يدها قبل غيرها أولى وأضمن.

أمام الخادمة أهداف كثيرة تفكر في تنفيذها جميعًا ولكن حجم المال الذي تجمعه لا يفي، فتبقى مترددة في الأولويات وإذا كانت تجتر تلك الأمور وتتشاغل بها في محيط العمل فإنها تؤجل البت فيما تريد فعله وتنفيذه حتى تعود إلى بلادها، وتدرس الجدوى الفعلية من كل قرار يدور في ذهنها، أو تنصح بتنفيذه، وعلى الرغم من تواضع المبلغ الموجود معها فهو يعني لها الشيء الكثير؛ لأنه يفتح أمامها أبوابًا كانت في السابق مغلقة، ويحقق لها شيئًا مما تريد.

مكاسب الخادمات من العمل في الغربة:

لا شك بأن تحقيق المكسب من السفر هو الباعث الأساسي لتحميل تبعات الغربة والعمل في أجواء غريبة وبعيدة عن أجواء الخادمة الاجتماعي؛ فمن هذه المكاسب:

تصحيح العقيدة:

من الفوائد المهمة والأساسية التي تجنيها الخادمات؛ تصحيح العقيدة وإزالة المفاهيم الخاطئة حول الدين، والعبادات، والابتعاد عن البدع، وسوء الفهم لتطبيق بعض العبادات أو المعتقدات المختلة، وفهم الإسلام بصورة صحيحة وواضحة بعد النهل من أهله والقرب من مصادره ومنابعه، فعند قياس مفاهيم الخادمة عند قدومها وعند ذهابها يتضح عليها تطور كبير من حيث التحسن الكبير في مفاهيمها الدينية والاستفادة التي جنتها بفضل وجودها في مجتمع محافظ وملتزم جديًا بشرع الله وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم.

وينبغي أن نستغل وجود الخدم والخادمات وجميع العمالة من حيث تصحيح عقائدهم ومفاهيمهم الدينية ونسعى لنشر الإسلام عبر تعاملنا الجيد، وإحساسنا، وتوفير كتب ملائمة بلغاتهم، خاصة وأنه يوجد جهات متخصصة لمساعدة الأجانب وطبع الكتب الإسلامية بلغاتهم مثل توعية الجليات المنتشرة بمدن المملكة العربية السعودية ومحافظاتها.

أداء فريضة الحج:

أتاح وجود الخادمات بمنطقة الخليج لعدد كبير منهن أداء فريضة الحج والعمرة، وهو مكسب كبير خاصة وأنه يصعب القيام بفريضة الحج أو العمرة أثناء وجودهن في بلادهن بحكم البعد والتكلفة المالية الكبيرة والحصول على موافقة مع العلم بأن الكثير من الخادمات تحمل هذه الرغبة في تحقيق هذه الغاية السامية عند دخولها ميدان العمل في بلاد أو مدن قريبة من الديار المقدسة.

تحسن الأوضاع المالية:

من أهم الثمرات التي تجنيها الخادمة من العمل في بيئة اجتماعية بعيدة توفر المال اللازم لتحقيق أهدافها أو الوفاء ببعضها مثل بناء بيت، أو سداد دين، أو بناء مشروع صغير يدر على الأسرة دخلاً مناسبًا أو يسهم بوضعه في استثمار له في عائد مناسب يصرف منه على الأسرة.

تأهيل الخادمة للأعمال المنزلية:

استفادت معظم الخادمات من خلال التدرب على الأعمال المنزلية والقدرة العالية على إعداد الطعام والحلويات والتنظيف والكي وغيرها وكذلك التدريب على أجهزة كهربائية جديدة عليها مثل الخلاطات والمنظفات وغيرها؛ إلا أنه يلاحظ أن كثيرًا من الخادمات عند بداية عملهن لا يحسن العمل على هذه الأجهزة، ولا يفقهن شيئًا عن إعداد الوجبات لا سيما الوجبات الخليجية والعمل المنزلي؛ فما ينتهي عقد الخادمة وعملها إلا وقد منحت نفسها دورة تدريبية ميدانية مكثفة للأعمال المنزلية بدرجة عالية ووسام رفيع، وتحسنت مفاهيمها العقلية، وبنت جسمًا قويًا، وأصبحت قادرة على العمل في مواقع كثيرة ولسان حال كل أسرة كانت تعمل لديهم يقول: ليتها بقيت عندنا أفضل لنا من خادمة جديدة تحتاج إلى وقت طويل لتدريبها والتكيف معها.

الخير المنقول:

عودة الخادمة لبلدها بعد تحسن مستوى أرضيتها الإسلامية حاملة الخير قبل المال، الخير الذي يضيء لها طريق المستقبل فقد حصنت نفسها بكثير من القيم الجميلة والخصال الحميدة بعد أن فهمت الدين بطريقة صحيحة وأمينة، وتدربت على الوفاء بالفرائض والواجبات والتعامل بطريقة سوية يؤهلها بدون شك أن تصبح رسول خير لمن حولها من أقاربها وجيرانها وخاصة القريبين منه؛ لأنها بدون شك ستنقل هذه الجوانب والمسالك الجيدة عبر أسلوبها في حياتها بعد العودة وعن طريق تعاملها مع الآخرين، وستجد بعضًا من أفراد أسرتها قلدها في أفعالها وتصرفاتها، وتقمص شيئًا من سلوكها.

نعم، إن وجود الخادمة في ظل أسرة متمسكة، وتحمل أخلاقيات رفيعة وقيمًا عالية وتحسن التعالم معها يساعد الخادمة على الالتزام بتلك القيم ونقلها معها بمجرد عودتها إلى مجتمعها، فسوف تسعى إلى نقلها وبثها في مجتمعها فكثير من الرسائل الإيمانية والأخلاقية سوف ينعكس بدون شك على مجتمعها الأسري.

وعلى الطرف الآخر يجب ألا ينسى بأنها قد تحمل معها مفاهيم خاطئة عن الدين وأهله خاصة إذا ما عاشت في ظل ظروف سيئة ووسط أسرة لا تخشى الله في تعاملها معها.

متاعب الخادمة:

للخادمة متاعب كثيرة يمكن حصر أبعادها في نوعين:

أحد المتاعب نابع من ذاتها وظروفها وطبيعتها الشخصية والآخر ينبعث لها من العائلة التي تقيم معها، وتعمل وسطها، فكل شخص ينتقل إلى بلد جديد سيقابل بدون شك حياة جديدة يصعب مبدئيًا تكيفه معها؛ لا سيما إذا لم يضع في خلده أجواءها ومتاعبها، وسوف يحتاج إلى وقت طويل حتى يمكنه الاندماج فيها والسير في ركابها، ناهيك إذا لم يستعد لمهنته، ويستوعب مسؤوليته التي قدم من أجلها.

وإذا كان غير واع لعمله وغير مدرك لأبعاد مسؤوليته فستكون المشكلة أكبر فكيف إذا كان المعنى بذلك خادمة ستعيش وسط أسرة وكل فرد فيها يعتبر نفسه رئيسًا لها، فمثل هذا التصور بكل أبعاده وتفاصيله قل أن يقترن أو يجول في ذاكرة الخادمة قبل قدومها خاصة إذا لم يسبق أن عملت في هذا المجال مما يشكل عبئًا ثقيلاً عليها، ويضاعف من تقبلها لطبيعة هذه المهنة والقدرة على مواجهة خلفياتها وخاصة خلال معايشتها الأولى على الأقل، والمتاعب التي يمكن أن تعترض طريقها كثيرة من أبرزها:

المتاعب الصحية:

لا شك أن تغير البيئة والمناخ الاجتماعي والبيئي والطعام ومواعيد الوجبات وغيرها يترك آثارًا صحية غير مدركة بسهولة، ولكن تبقى عوارضها قائمة؛ نتيجة الإسهال أو حب الاستفراغ أو كراهية الأكل وغير ذلك، ولكن مع مرور الوقت تكتسب الخادمة صداقة وصحبة الظروف الغذائية والبيئية الجديدة، وعندها تضمحل المتاعب بصورة تدرجية.

كما توجد عند الخادمة أرضية لقبول واستجابة سريعة لبعض أمراض البيئة الجديدة لضعف أجهزة المناعة المختصة في مقاومتها، أو لسهولة الاختراق، أو لضعف أجهزة الحصانة؛ لكونها غير مهيئة لمقاومتها.

الخادمة تعمل بدون راحة كافية:

الخادمة تعمل في بعض البيوت بدون راحة كافية لعدم تحديد ساعات عمل معينة، ومن هنا يصعب معرفة نصيب الخادمة من الراحة إذا علمنا بأنها تعمل بدون انقطاع كالنحلة تعطي من رحيقها صحة وراحة لمن حولها في نفس الوقت الذي تقتل فيها نفسها؛ لإرضاء الجميع وكسب محبتهم.

نعم، من الملاحظ أنه يستمر عمل الخادمة في بعض البيوت ويظل قائمًا منذ طلوع الفجر وحتى ينام آخر شخص في البيت، وهي تواصل عملها وخدمتها بالخدمة وفي ظل هذا الوقت الطويل مطالبة أن تبتسم مهما تعبت، أو مرضت، وعليها أن تؤدي عملها بدون تبرم أو توقف مهما كانت المعاملة وكثافة العمل، وفي كل مناسبة وظرف.

وهذا لا يعني التعميم، بل إن معظم البيوت تنظم وقت الخادمة، وتعطيها فرصًا للراحة مناسبة، وتقوم بتوزيع العمل في البيت على كل الموجودين كل منهم له جزء من المهام، والخادمة لها نصيبها الأوفر.

عدم أخذ الحقوق المالية:

رغم كفاح الخادمة الطويل والتحمل المضني فقد تواجه الخادمة موقفًا مؤلمًا نابعًا من تهرب كفيلها من إعطائها حقوقها في نفس الوقت مما يجعلها تعيش في لحظات قاسية ورحلة عذاب صعبة، وخاصة عند إحساسها بأنها تعمل وتكد بدون مقابل؛ على الرغم أن كافة الأنظمة المعمول بها والموجودة في البلد الذي تقيم فيه سوف تنصفها، وستجد في النهاية أنها لن تفقد شيئًا من حقوقها وأنها سوف تحصل عليها دونما عناء، ولكن كيف لها أن تعرف مثل هذه الأمور، قبل أن تصل إلى هذه النتيجة مما يجعلها تعيش في ألم وحزن ربما يطول مع رحلة الغربة.

متاعب الخادمة الاجتماعية:

وتتضح المتاعب الاجتماعية في جانبين أكثر من غيرهما المعاملة السيئة للخادمة والنظرة الدونية لها أو حسب تصورها، وكذلك عندما تصبح الزوجة العدو اللدود للخادمة؛ نتيجة شكوك ظنية أو منطقية، ويمكن تفصيل ذلك حسب ما يلي:

المعاملة السيئة:

ربما يكون نصيب الخادمة في العمل لدى أسرة عديمة الأخلاق قليلة المروءة، فتستغل حاجة الخادمة وضعفها بكثير من القسوة والتسلط والبعد عن الرحمة، وتسمعها كثيرًا من الكلمات القاسية، وتحملها فوق طاقتها، وتتعرض الخادمة في هذه العائلة إلى كثير من المضايقات العابرة والمخططة فكيف لا؟ وهي الشخص الضعيف في البيت المغلوب على أمره مما سيحملها كثيرًا من التجني عند فقد الأشياء أو العبث بها أو إتلافها، ومن الممكن أن تجد مضايقات من نوع آخر.

وإذا كانت هذه حال القلة من الناس، فمن يرضى لبنته أو عزيزته أن تكون في مكانها صيدًا سهلاً للظلم والتجني ... ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، فمن شكر هذه النعمة أن يحمد الإنسان ربه الذي جعل هذه المخلوقة عاملة عنده، وليس بشخصه عاملاً عندها.

الزوجة عدوة الخادمة أحيانًا:

الزوجة هي الشخص اللصيق بالخادمة، وهي – كما يقولون – جنتها أو نارها، وتصبح الزوجة عدوة للخادمة متى ما وجدت اهتمامًا غير مبرر من زوجها بها، فإنها تفسره وتترجمه بطريقتها دون البحث عن السبب الأساسي وكثيرًا ما يكون الباعث في طبيعة التعامل الجيد هو الرغبة في التعامل العادل والمنصف؛ وهذا يقود كثيرًا إلى مضايقة الخادمة والتجني عليها؛ فكيف الحال إذا كانت تتمتع بشكل جذاب أو تعتقد الزوجة أنها كذلك، فإن الغيرة ستغلي بقلبها، وسيطول الخادمة لهيبها. يضاعف من ذلك إذا كانت الزوجة تملك شكوكًا موثقة حول تهاون زوجها في كسر الحواجز الوقائية، فإن ذلك سيضاعف من مضايقة الخادمة حتى ترحل عن البيت بأي طريقة ممكنة إلى جانب إذا وجدت أنها غير مناسبة أو أنها تريد أفضل منها.

متاعب متصلة بحياة الخادمة:

أما المتاعب المتصلة بطبيعة حياة الخادمة من حيث شوقها وحنينها للبلد، والأهل، والأولاد، والزوج وما يتركه من إصابتها بداء الحنين للوطن، وهو مرض خطير إذا استسلمت لأحزانها فقد تصبح فريسة لمرض نفسي يصعب زواله مثل شرود الذهن أو الوهم وغيرها.

طبيعة حياة الخادمة الماضية في بيئتها وحياتها الاجتماعية الأولى يجعلها تتصرف تلقائيًا وكأنها في مجتمعها الأول بحيث أنها ترخي حجبها أو تشاهد الناس والحياة من حولها بصورة ملفته أو أنها تسعى إلى الرؤية المتكررة للشارع؛ لكي تستكشف عالمها الجديد مما يعطي انطباعًا ومفهومًا حسب معايير المجتمع الجديد الذي تعيش به بأنها غير سوية.

المتاعب النفسية:

المتاعب النفسية النابعة عن التراكمات والخلفيات ومقابلة مجتمع جديد، وبيئة جديدة، ومخدومين لهم أعراف وعادات وثقافة جديدة وعمل جديد ربما لا تحسن أداءه لا سيما إذا وضع في الاعتبار أنها قد رسمت لحياتها المقبلة في العمل صورًا وردية فوجدت أنها أصبحت سوداء كالحياة أمامها.

فمثل هذه المحصلات والضغوط يتحول تلقائيًا إلى معانات نفسية، يرجع سببها البعد عن الأهل والوطن والحنين لتلك الحياة، وفقد نسمات العواطف والمشاعر العائلية، ثم الحياة الجديدة التي يصعب التأقلم عليها، فالخادمة تعي بأنها بين أمرين يصعب التضحية بأحدهما لحساب الآخر؛ إما القبول بهذه الفرصة التي تعني لها الكثير، وتحل لها معظم الإشكاليات في الحياة، ولكنها تتطلب ضريبة باهظة وقاسية مثل مواجهة الواقع المرير بكل تبعاته وخلفياته، أو التفريط بهذه الفرصة الذهبية وما تحققه من حلول، وهذا يضعها بين أمرين أحلاهما مر.

والحيرة بين الرغبتين والإمعان في تلك النظرة والواقع قد يقود الخادمة إلى الخطأ برغبتها كتنفيس لمعاناتها ومتاعبها أو خارج رغبتها؛ لكونها تحس بأنها ضعيفة وغريبة وذليلة، وعمومًا فإن الخادمة ستقع في الخطأ لاعتبارات كثيرة منها:

إفرازات المشاكل اليومية المتراكمة، ومرض الغربة مثل البعد عن الأهل، واختلاف البيئة، والعادات، والأعراف، والوطن ... فالبعد عن المجتمع يسهل ضعف الرؤية لقيود المجتمع، ويسهل الانحراف، وكما يشاع بلد لا تعرف فيه اعمل فيه كما يحلو لك ... إلى جانب الظروف النفسية المتطرفة نتيجة حرمان وافتقاد الأهل، والولد، ومشقة العمل واجترار الخادمة مشاكلها اليومية بمفردها يدفعها أحيانًا للتنفيس بطريقة خاطئة، فهي تعتقد في لحظة ضعف أن انشغالها وإشباعها لغريزتها يقضي على همومها وآلامها، أو التخطيط لمضايقة الأسرة أو النيل منها.

ومن المسلم به أن صاحب المشكلة مهما أوتي من حكمة يصعب عليه مراجعة مشكلته، وتقييمها بصورة متزنة؛ لكون أجهزة التقييم والتحكم مختلة لديه؛ لكونها جزءًا متصلاً بصاحب المشكلة، ويصيبها ما يصيبه من توتر وخلل.

البعد عن الأهل والمجتمع يساعد على الانحراف والاستجابة للحاجة لضعف الوازع الديني أو الرقابة الذاتية أو أن استجابتها لدوافعها داخل أو خارج البيت جاء لعوامل أخرى، وبسبب ضغوط نفسية أملتها الظروف الجديدة التي تعيشها من حيث صعوبة التكيف وسط مجتمع جديد يختلف كثيرًا بمفاهيمه الاجتماعية مما يقودها إلى الانعزال والانفراد بنفسها مع صعوبة إزالة الاحتقان، فليس من أحد حولها تفضي إليه بهمومها ومشاكلها، فقد تلجأ إلى البحث عن الذات خلف سراب اللذة أو الانتقام أو النسيان.

قد تقاد الخادمة إلى الخطأ بدون خيار منها، لا سيما ونحن نعرف بأنها الركن الضعيف في البيت الذي يعرف أحيانًا شره وينسى خيره، فكل أعضاء البيت يطالبها بعمل خدمات متنوعة بدون مقدمات ودية جميلة تشعرها بقيمتها كما ينالها من اللوم والعتبى الكثير بدون تحفظ، ويتحرك البعض حولها دون اعتبار لوجودها، فكأنها جزء من متاع البيت أو جماد عديم الإحساس عديم المشاعر، فمثل هذه الانعكاسات والمتاعب المتراكمة والاحتقان التراكمي والمخارج القليلة تغذي الغريزة الشريرة، وترسلها بدون تدقيق وتورع؛ لتبحث لها عن انتشار فقد تغري بنفسها ممن حولها من أهل البيت أو من العمالة فتصبح بذلك صيدًا سهلاً لفئة نشيطة تبحث عن الركن الضعيف في مثل هذه البيوت، لا سيما إذا وجدت تقبل وقبول منها، وتبادل الأحاسيس وتحت ضغوط ظروفها النفسية المتراكمة تسمح لغرائزها المكنونة بالتنفيس دون مراعاة للاعتبارات الدينية والاجتماعية والجزائية، وكأنها أحمال ثقيلة تريد أن تخففها عبر حلول سريعة غير مدروسة في لحظات ضعف ونسيان وحساب للعواقب.

الخادمة في ظل ظروفها النفسية وأمام عدد من الاعتبارات والأهداف المختلفة تقوم بالادعاء على مخدومها أو أحد أفراد العائلة بأنه قام بمراودتها عن نفسها أو أنه نال من شرفها؛ لغاية التنكيل بمخدومها؛ لكونه حاسبها أو نتيجة تفريغ شحنة قوية تراكمت في نفسها، فلم تجد لها مخرجًا سوى القول بهذه الفرية وربما السعي لمكسب مادي أو تيسير الموافقة على سفرها أو لغرض آخر، فهي تدرك أنها تملك القدرة على العزف على وتر حساس يحرص الجميع على تجنبه ودفع الغالي والرخيص دونه.

تراكم الهموم والمشاكل والحنين للأهل والأولاد، قد يدعو إلى أفكار متطرفة كالبحث عن حلول وهمية مثل الهروب من البيت أو العبث بالهاتف أو الإساءة إلى أحد أفراد البيت وخاصة الزوجة أو أحد الأولاد.

وقفة لتحليل متاعب الخادمة:

الخادمة عند وصولها ومعرفتها بمسؤوليتها والأسرة التي سوف تعيش في وسطها وتتعامل معها تبدأ في سبر حياتها الجديدة، وتتكشف لها أمور كثيرة لم تأخذها في الحسبان، فهي لم تفكر مطلقًا في متطلبات العمل الجديد، وتسبر تكاليفه ومسؤولياته بقدر ما كان يراودها سد الحاجة والفاقة وتكملة مسار الحياة واستثمار جزء من العمر في توفير بعض متطلبات الحياة دون الإمعان والتدقيق واحتساب التكلفة المدفوعة والضريبة المحسوبة.

ولهذا تصطدم الخادمة الوافدة عند استلامها العمل بمتاعب كثيرة، لم تدخل في حساباتها أثناء اتخاذ قرار الموافقة على العمل في بيئة وظروف مختلفة كليًا؛ لأن التركيز على بريق المادة ومغريات الحلول السريعة لم يسمح بتصور التكلفة المدفوعة التي سوف تقابلها عند استلام العمل، ثم أنها لم تحسن الموازنة في غمرة رنين المغريات وتقيم بعقلانية منصفة بين الفائدة المرجوة والخسارة المدفوعة في ميزان المكسب والخسارة، خاصة وأنه ينبغي ألا ننسى بوجود أسر لا تحسن التعامل مع الخادمة بطريقة أخلاقية ومهذبة مع الأخذ بالاعتبار عامل البعد وصعوبة التعامل والفهم لمجريات الحياة حولها يساعدها على تفاقم حجم المشكلة، فكل طرف يحمل الأمر أكثر مما يستحق، وينظر إليها بمنظار قاصر عقيم وزاوية ضيقة؛ لأنه يفسره بمفاهيمه بمنأى عن التصور الصحيح المصاحب للتصرف أو ردة الفعل عليه.

فالخادمة طالما أنها ستعيش في بيئة جديدة وظروف أسرية غريبة وعادات وتقاليد مختلفة ومناقضة لحياتها السابقة بكل المقاييس فقد تستيقظ لتجد أنها أيضًا وضعت نفسها في مهنة لم تستعد لها مسبقًا، وتؤهل نفسها لها جسميًا ونفسيًا، وتعد القناعة والاستعداد الداخلي لها مما يترك ويملي حوافز ودوافع كثيرة، قد تجد أن أسهل وسيلة للتخلص من معاناتها هذه خلق متاعب كثيرة لها ومضيقات لمن حولها، وربما اتهامهم بأنهم تعرضوا لها، وتجنوا عليها، وربما تكون على حق بحكم ضعفها وإغرائها وسهولة التعرض لها؛ لعدم وجودها في مأمن وحمى شرعي لغياب المحرم وخاصة إذا جاء الخلل من منافذ الأمان مما يصعب أخذه بالحسبان، وعند هذا التصور يمكن القول:

إذا كان رب البيت بالدف ضاربا

فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

ولكن ينبغي ألا نندفع ونقبل بهذا التصور بصورة نهائية؛ لأن الخادمة كثيرًا ما تختلق مثل هذه الأمور لغاية في نفسها كما سبق الإشارة إليه.

نعم، إنه من الأمور المسلم بها فإن ظروف الخادمة العامة والاحتقان المصحوب بالتعامل وضعف التنفيس يساعد على توتر الأعصاب، وعدم القدرة على التحكم في الأعصاب وضبط المشاعر، والتحكم في ضبط حركة الجسم بصورة معقولة مما يجعل الخادمة تسيء إلى من حولها بدون اختيار منها أو تتصرف بطريقة غير متزنة، أو تتلف بعض الأغراض والأواني، ثم يسود الفهم عند الأسرة بأنها تقصد الإساءة، وهذا يضع جميع أعمالها وتصرفاتها في المجهر والحكم القطعي مما يضاعف من حجم المشكلة إلى جانب أن سوء فهم الخادمة لردة فعل المخدومين وإدراجها بقصد الإساءة لها؛ لكونهم لا يفسرون تقصيرها والخلل النابع منها بنفس موازينها، فهذه التراكمات وسوء الفهم المشترك يضاعف من ردة الأفعال، ويخلق جوًا مقلقًا من التوتر وتخيل ردود فعل قاسية وغير متوقعة.

قصة:

من سلبيات الخادمات الظاهرة:

عندما تعيش الخادمة مع أسرة غير منظمة تنمو كثير من المفاهيم السيئة، وتطفح على السطح، وتتصدرها السرقة؛ ذلك الباب الذي تغلقه قيم الخادمة، وتفتحه همومها وشعورها بالنقص وهضم الحقوق، وتملك كل خادمة كغيرها الإمكانيات المناسبة للتخطيط وصنع المفاتيح الجيدة للمكر والخديعة؛ لنيل ما تريد، ولا يجوز التعميم في هذه السلبيات؛ لأن معظم الخادمات يمتلكن قيمًا جيدة حتى أن البعض منهن كان الدافع للعمل والغربة لديه تأدية فريضة الحج والعمرة.

فإذا كان بعض الخادمات يسيل لعابها أمام ضغوط الحاجة وتصورها بأنها تقيم على شاطئ بحر من المال المهدر، ويعزز اعتقادها طبيعة إهمال الناس لحاجاتهم، فالمال السايب – كما يقال – يعلم السرقة، ويعمق هذا المفهوم ويساعد عليه في نفوس الخادمات وجود عدد من النساء يلبسن من الذهب ما يفوق وزن جزء من أجزائهن.

ويدعم المفهوم السابق ويساعد على التجاوز وجود كثير من النساء لا يؤمن حاجتهن الثمينة عند الانتهاء منها أو لا يميزن بين الحاجات الغالية والعادية؛ فلذلك تضع بعض النساء حاجاتها من الذهب والجواهر على أجنحة الغسالات، وأمام المرايا، والفتحات وغيرها مما يسيل له لعاب المحتاج المتحين لمثل هذه الفرص الثمينة؛ وعندما تفتقد هذه الأشياء لأي سبب من الأسباب ربما يتهم بها برئ وغالبًا ما تشير الأصابع إلى الخادمة التي تعيش بالقرب من المشكلة.

في ظل الإهمال، تسبح تطلعات الخادمة، ويسيل لعابها، وتشغل تفكيرها بطرق مبتكرة لتخفي سرقتها، ولكي تبعد الأنظار عنها عبر أساليب وخطط غريبة جدًا، وكثيرًا ما تفقد البيوت بعض المقتنيات الذهبية وخاصة خلال المناسبات الصغيرة والكبيرة، ويصعب بنفس الوقت التدقيق بحكم كثرة الناس الموجودين وصعوبة تحديد السارق من بينهم.

وبين يدي قصة تعتبر واحدة من بين عدد من القصص المماثلة تقول: بأن خادمة أفادت مخدوميها بأن أسرتهم تعاني من فقر شديد وأنهم بحاجة لشحوم الذبيحة التي يستغنون عنها عند وجود مناسبة وبررت حاجة أسرتها وقد شرحت لهم كيفية الاستفادة منه، فتقبلت الأسرة المبررات ممتنة، بل ساعدتها بتفانٍ وحماس على جميع ما تريده من شحوم ثم قامت بإذابته ووضعه في أربع صفائح معدنية.

وعندما قررت السفر لبلدها حملتها معها فأعطاها كفيلها مبلغًا من المال لمساعدتها على تكلفة النقل ولكن الموظف المسؤول في المطار رفض شحنها قبل الكشف على واحدة منها.

وحاول الكفيل عابثًا أن يثنيه عن رأيه لضيق الوقت ولعدم وجود فائدة، ولكن الموظف المختص أصر على رأيه، وأقنع الكفيل أنه لن يضيره أي شيء عندما يقوم بعمله المطلوب وسوف ينجزه بسرعة؛ فأحضر الموظف مدفئة وأذاب شحوم واحدة من الصفائح فوجد داخلها سلاسل من الذهب وأختام وأسورة، فأدرك الكفيل أن الخادمة قد احتالت عليهم واتخذت من الصفائح مخبأ لما سرقته، وأن معظم ما فقدوه موجودًا معها في هذه الصفائح؛ ولعلها كانت على علم بأنه ستفتش حقائبها عند سفرها خاصة وأنها تعرف بأن الأسرة فقدت الكثير، ولم يجد كفيلها سوى أن يودعها توديعًا مناسبًا  فأعطاها ورقة مدعيًا بأنها ورقة استلام الصفائح حيث تم وضعها على الطائرة وقال لها: ستجدين الصفائح عند وصولك وودعها ولم يستطع أن يعاتبها، فقد بلغ السيل الزبى، وما قيمة العتاب إن لم يكن مع أهله؟ والمهمل أحق بالعتاب.

أخذ الكفيل الصفائح الملغمة بالذهب المفقود وما أجمل مثل هذه الألغام! ولا شك بأن كثرة المفقودات الذهبية وضعها في دائرة الشك كغيرها، ولكن أسلوبها المخادع معهم ثم تفتيش متاعها لاحقًا قبل السفر أزال بقايا الشكوك.

وقد استطاعت بفضل دهائها واحترامها للنعمة كما كانت تقول في جمع الشحوم أن تعمي الأبصار عنها والتدقيق معها بجانب توددها للناس الذين كانوا بمثابة حاجزًا حاميًا لها.

وهذا الأسلوب ذكرني بقصة غريبة استخدمته خادمة ماهرة بالسرقة فكانت عندما تعجب بحذاء جميل تقوم بسرقة واحدة منها فلا يتبادر الشك إليها فكيف يشك فيها أحد أنها أخذت فردة واحدة؟ لأنه لا قيمة لواحدة بدون الأخرى، ثم بعد فترة تقوم الأسرة برمي الفردة الأخرى، فتأخذها معها لبيتها وتجمعها مع أختها، وبهذا تأخذ ما تريد أخذه بهدوء، وليست الخادمة التي تملك اليد الطويلة في السرقة بل كل إنسان لا يراقب الله، ويخاف منه سوف يسرق متى ما وجد الفرصة سانحة أو منحه الشيطان المبرر. 

حل مشاكل الخادمات:

كيف يمكن حل مشاكل الخادمات؟

ينبغي أن نعي أن معظم مشاكل الخادمات مع الأسر التي تقيم معهم نابع من تراكم مشاكلها الذاتية، وسعيها لتنفيس تلك المتاعب، وطردها عبر تصرفات غير منضبطة وغير متزنة، فالخادمة تعبر وتترجم عن مشاكلها ومعاناتها بما تفرزه عادة من ردود فعل غير ناضجة وغير مدروسة بسبب البعد والحرمان المؤقت عن الأهل والوطن، وبسبب اجترار همومها ومشاكلها العائلية والذاتية والسعي لطرد شيئًا منها عبر تفكيرها المتأثر بمتاعبها؛ ولعل تصرفاتها الشاذة والقاسية ترجع أحيانًا إلى عدم قدرتها على كبح جماح معاناتها وتمردها على ذاتها، وعدم القدرة على السيطرة على أعصابها، بجانب عدم قدرتها على الترجمة الصحيحة لهمومها ومشاكلها.

يضاف إلى ذلك عدم التفسير الصحيح من قبل عائلتها – التي تقيم معهم – لتمردها أحيانًا ولخروجها عن العرف المعتاد، مما يضاعف من مشاكلها، ويولد مشاكل أخرى، أو يزيد من حدة مواقفها، ولكي نبحث عن حلول عملية لمشاكل الخادمات يفترض أن نشخص بعض العوامل التي تساعد على ولادة المشكلة أصلاً، ثم مضاعفتها وتعقيدها حسب ما يلي:

عدم وجود لغة مشتركة بين الخادمة وأفراد عائلتها الذين تقيم معهم، مما يشكل عائقًا كبيرًا أمام الفهم الصحيح لكل ما يقوله كل فرد منهم للآخر، وربما أن شدة لهجة الخادمة لغرض توصيل ما تريده يفسر على أنها عصبية، وأنها تريد فرض ذاتها.

فلا شك أن وجود لغة مشتركة بين الخادم والمخدوم سوف يساعد ويسهل الالتقاء على المدلول المطلوب، ويتيح للخادمة التعبير السليم والتبرير المقبول عن كل خطأ أو تصرف غير مقبول؛ لأن فقد اللغة المشتركة يزيد في حجم المشكلة ويعمقها.

فالخادمة عندما تكون غير قادرة على ترجمة أفعالها، وتصحيح أخطائها، والتعبير السليم عن أحاسيسها، أو التبرير المقبول عن إهمالها لجزء من عملها، أو التهاون فيه يحمل من قبل من حولها بصورة أخرى، ويفهم بصورة مناقضة للسبب الأساسي، ويوضع في قالب آخر ويفسر بطريقة خاطئة، وكذلك الخادمة قد تفسر كثيرًا من الأمور التي تعترض حياتها بطريقة خاطئة.

ويمكن -كمثال تجريبي- ملاحظة الشخص الذي يسعى لتوصيل معنى لشخص مقابل له كيف ينفعل كل منهما من الآخر بسبب ضياع المفهوم بينهما، بحيث كل منهما يفترض أنه وصل ما يريد للآخر، وهو لم يستطع ذلك مع العلم أنهما يتحدثان بلغة واحدة فكيف بمن تكون اللغة المبررة لأفعاله في مواقف كثيرة هي الإيماءات والإشارات؟ ؛ لعدم القدرة على التعبير الموصل أو استخدام كلمات في مكان أخرى قد تضعها في قفص الاتهام أكثر من أن تدافع عنها.

صعوبة فهم الأسرة للواقع الذي تعيشه الخادمة، وصعوبة استيعاب ظروفها وما يخلفه البعد والحرمان ومرض البعد عن الأهل والوطن من ضغوط نفسية يرفع من حدة وتيرة أعصابها، ويجعلها تنفعل تلقائيًا بدون مقدمات، وربما بدون مبرر يذكر بل ربما يفسر تصرفها بطريقة خاطئة تزعجها، وتزيد من عتباها والضغط عليها، وهذا يجعلها تشعر بأن أهل البيت أعداء لها؛ لأنهم لا يقدرون حالتها.

كما أن أهل البيت يترجمون ردود أفعالها بأنها سيئة وسريعة الانفعال بدون سبب، وهذه الزاوية المنفرجة في الحكم عليها البعيد عن التشخيص السليم والذي يدخل في سوء فهم كل منهم للآخر يزيد في اتساع المشكلة ومساحتها.

مع العلم أنه يوجد من الأسر الكثير ممن يمنح الخادمة العذر، ويقدر حزنها وألمها، ويحمد الله أنه ليس في مكانها، ولم يحوجه الزمان لموقعها ولظروفها، فيرحمها ويعطف عليها ويقدر ويفسر عصيانها أو إتلافها لبعض الأواني في حالة الغضب بأنه خارج عن إرادتها؛ وهذا المفهوم مريح للجانبين، ويساعد على هدوء العاصفة وترويض المتاعب والتمسك بكتاب الله – تعالى – الذي قال في محكم التنزيل: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40].

فهم الخادمة الخاطئ للبيئة والمجتمع الذي تعيش في وسطه؛ فربما تخيلت واقعًا وحلمت بصورة ما، ولكن عند وصولها للعمل سرعان ما تغيرت، وتبدلت الصور الوردية، وانقلبت رأسًا على عقب، فوجدت مجتمعًا مختلفًا في عاداته وأعرافه، ووجدت ظروفًا جديدة ونمطًا من الحياة يختلف جذريًا عما عاشت فيه وتكيفت عليه.

وأمام التصورات الخاطئة لطبيعة الحياة التي ستعيشها الخادمة يفضل أن تقوم المكاتب بإعطاء الخادمات قبل قدومهن خلفية كاملة وصحيحة عن الظروف والمحيط الذي ستعيش فيه؛ وحبذا لو تم التركيز على الظروف الصعبة التي سوف تقابلها والحياة القاسية التي ستعيشها؛ مع العلم بأن كثيرًا من ظروف المعيشة أفضل بكثير من الحياة التي كانت تعيش فيه الخادمة، ولكن كما تمسك الطير بعشه وحريته على قفص من الذهب.

عدم إتقان الخادمة للعمل والتدرب عليه يشكل عائقًا كبيرًا أمام تكيف الخادمة للحياة الجديدة والقناعة بها، وهذا يضيق عبئًا إلى الالتقاء، ويثقل كاهل الخادمة التي تسعى أن تتصنع معرفتها بما هو مطلوب منها؛ حتى لا تعاد إلى بلدها خاصة وأنه يوجد كثير من الخادمات لم يسبق لها العمل في الأعمال المنزلية؛ لكون معظم خدمتها كان في المتاجر أو المزارع أو المصانع، أو أنها لم يسبق لها العمل مطلقًا؛ ومثل هذا الواقع يكون عائقًا كبيرًا أمام التعرف السريع على الأجهزة المنزلية والتعامل معها مثل: المكنسة والخلاطات وغيرها.

ومن أجل أن تتدارك مثل هذه الأمور يفضل عمل دورة وتأهيل لتلك الخادمات الجديدات غير المؤهلات قبل قدومهن للعمل وإعطاؤهن فكرة عن طبيعة الحياة التي ستعيش فيها حتى تهيئ نفسها للواقع الجديد بعقلها، وتسعى لتقبله تدريجًا قبل أن يباغتها، وتفاجأ برياحه الدافئة قبل الاستعداد.

وجود مشكلة مع بداية عملها:

تكتشف الأسرة أحيانًا مشاكل للخادمة مع بداية قدومها، قد تحل سريعًا، وربما يطول الحل مثل قدومها وهي حامل؛ لكونه لم يكتشف إلا بعد أيام من قدومها أو وجود متاعب صحية صعبة أو أن مواصفاتها غير مناسبة، وكثيرًا ما تتولى العائلة التي تقيم معهم رعايتها والعناية بها حتى تطيب، أما إذا كانت حاملاً فإنها تعاد إلى بلادها؛ خشية أن يفسر حملها بمفاهيم خاطئة.

وتوجد مشاكل من نوع آخر تفرض وجودها، وتعلن عن نفسها مثل أن الخادمة الجديدة ليست الخادمة ذات المواصفات المطلوبة، أو أنها غير مناسبة لاعتبارات كثيرة، قد يكون معظمها وجيهًا، ويحمل مبررًا منطقيًا، ومنها ما يدعو إلى الاستغراب والسخرية.

وإذا كانت غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، فإن صاحب الخادمة يتفاهم مع المكتب المختص الذي تولى استقدامها فربما نقلت لشخص آخر، وأحضر له أخرى، وربما قبلها على مضض تحت وطأة الحاجة وصعوبة وجود البديل السريع بالصورة المطلوبة.

ومشاكل الخادمات كثيرة منها ما سبق ذكره مما يمكن معالجته والسيطرة عليه، من المشاكل اليومية العارضة التي تعتبر عادية في العرف العام إذا لم ينفخ فيها؛ فالإنسان الذي يعيش بمفرده سيجد مشاكل، فكيف بعضو فاعل تعيش وسط أسرة ومرتبطة بعلاقة معيشية وعمل مع الجميع، وملزمة بأن تحسن التصرف معهم على حد سواء وتعامل كل عضو حسب ظروفه وإدراكه وعقله، وعليها في هذه الحال أن تصانع في أمور كثيرة؛ حتى تجد القبول، وتحظي بمن يحتضنها ويكرمها.

الجوانب التي تقلل من مشاكل الخادمات:

ولكي نخفف من حدة المشاكل ونقضي على معظمها علينا أولاً أن ندرك أننا بشر، وأننا إذا كنا نرى عيوب الناس ففينا من العيوب ما لا نراه، وأن الكمال لله وحده، ولعل القبول بخادمة لا تجمع المواصفات كلها أفضل ممن تجمعها في نظرنا، ولكن فيها داء صحي أو اجتماعي لم يكتشف بعد.

ثم إن الخادمة لا بد أن نجد لها في بيوتنا من يدافع عن أخطائها غير المتعمدة وألا نفسر كل تصرف يصدر منها بأنه مقصود فنتعب ونتعب، وأن نراقب الله في هذه الأمانة، ونحمي أنفسنا من الحساب العسير أو البلوى في الدنيا بأن تضطرنا الأيام للسفر إليها، فنخدمها أو نخدم إنسانًا لئيمًا، لا يرى الخير قط.

   وإليك -أخي القارئ- بعض الخطوات المساعدة على كسر المشكلة وتخفيف ضغوطها:

-النظرة الصحيحة للمشكلة وتفسيرها بطريقة صحيحة يساعد على الحل ويقلل من الآثار المترتبة عليها.

-البحث عن مبرر لخطأ الخادمة، وتلمس حسن النية يساعدها على عدم تكراره.

-احترام الخادمة وإشعارها بأنها عضو نافع ومحبوب وأن الأسرة تشعر بدورها المهم الذي تؤديه والجهد الذي تعطيه مع بذل جهد لمساعدتها على تفريغ الشحنات التي تعيشها ومواساتها على غربتها ومتاعبها يساهم بذوبان جليد المتاعب.

-احترام شخصية الخادمة وإنسانيتها وعدم السماح للصغار أو من في حكمهم بإسماعها كلامًا رديئًا أو غير مقبول أو استخدام كلمات قاسية عند مخاطبتها أو عند طلب تقديم خدمات منها وعند نهيها عن عمل ما.

-البحث في أصل المشكلة وتفهم أبعادها وتحليل دوافعها يساعد على الحل السليم.

وأفضل الحلول للأسرة المحتاجة لمساعدة خادمة البحث لها عن بديل يغني عنها، ويتولى القيام بعملها أو الصبر على لسع النحل عند جني العسل.

وتأكيدًا لما سبق ذكره وجدت في مقولة قريبة لي حكمة حين تخاطب خادمتها فتقول: الله يغني كل منا عن الآخر أخذت مالي وأعمالي، المال معروف، والأعمال إما التجني عليها أو تكليفها فوق طاقتها أو غيبتها.

محكمة لمعالجة مشاكل الخادمات:

عندما ترفض الخادمة العمل عند الكفيل لأي سبب من الأسباب أو ترغب الانتقال عند عائلة جديدة بحجة أن العائلة السابقة غير مناسبة لمبرر الاعتداء عليها أو وجود مضايقات لها من أي نوع ما أو تأخر في استلام حقها المالي أو أنها تريد السفر لأي مبرر خاص بها، بسبب عدم التكيف على العمل الجيد أو صعوبة التأقلم على الحياة الجديدة فإنه يتم استضافتها في مؤسسات اجتماعية داخلية خاصة بالخادمات في بعض دول الخليج التي تستقدم هذه الخادمات، ويقوم المتخصصون في هذه المؤسسات بمعالجة مشاكل الخادمات على النحو التالي:

محكمة إصلاحية اجتماعية:

عندما ترفض الخادمة العمل أو تهرب من كفيلها، أو تقدم شكوى ضده، فإنها تستضاف عادة في المملكة العربية السعودية في مؤسسات اجتماعية تابعة لوكالة الشؤون الاجتماعية، تحصل فيها على كافة الخدمات المعيشية والصحية والاجتماعية والرعاية الشاملة، ويقوم عادة أخصائيات وأخصائيون اجتماعيون باستعراض مشكلتها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، والتوفيق بينها وبين كفيلها، وعمل الصلح المناسب الذي يوافقان عليه، أو يتم نقل كفالتها إلى شخص آخر أو إعادتها إلى بلدها حسب رغبتها، ومثل هذا النوع من المؤسسات الاجتماعية يقوم على استقبال الخادمات عند بداية قدومها، وتقدم لهن فيها جميع الخدمات المنزلية؛ من المآكل والمشرب والرعاية الاجتماعية والصحية لحين استلامها من قبل كفيلها، فإذالم تفلح الجهود الاجتماعية بالتوفيق والصلح تنقل القضية للقضاء.

عرض المشكلة على القضاء الشرعي:

كثير من المشاكل يتم معالجتها في المؤسسات الاجتماعية الخاصة ما عدا المشاكل الكبيرة، أو المشاكل التي يرفض فيها أحد الطرفين الحلول المعروضة عليه، فإذا كانت الخادمة مثلاً تدعي على كفيلها بمضايقتها أو الاعتداء عليها أو ضربها ولم تفلح الجهود الاجتماعية المبذولة، ويتقبل الطرفان الصلح والحلول المقترحة عندها تنقل القضية للقاضي الشرعي للنظر فيها، الذي يقوم بتناول القضية، وتفاصيلها، وأوراقها، ويدرسها ثم يصغي لسماع دعوى الخادمة بمساعدة مترجم ثم سماع دفاع الكفيل، ويستعين على الحكم بالأدلة والمستندات والقرائن وغيرها من الأمور الشرعية، ثم يقوم القاضي بإصدار الحكم الشرعي.

وبعض المسائل المالية أو الجوانب العادية المماثلة يسعى بعض القضاة أولاً إلى طرح الصلح بين الطرفين في المسائل المالية أو رفض العلم لاعتبارات عادية، فإذا لم تجد قبول من الطرفين أو أحدهما يقوم بالحكم وكثيرًا ما يكون بجانب الخادمة؛ لشعور القاضي بأنها امرأة ضعيفة، فيغري الكفيل بفعل الخير ودفع المطلوب، وخاصة إذا كانت الخادمة منكرة استلام رواتبها، أو بعضها، ولم تجد المستندات التي تساعد على الرؤية الجيدة للقضية.

البدائل:

هل يصح أن نقول في ظل البحث عن بدائل إن وجود الخادمات في البيوت ينطق عليه القول من أنه شر لا بد منه وخير يتحول إذا أحسن التعامل معها والتقليل من وجودها؛ ومن أجل أن نقلل من الاعتماد على الخادمات مستقبلاً، ونحد من المشاكل المترتبة على وجودهن لا بد من البحث عن جوانب تنظيمية وبدائل مناسبة تكفل الاستغناء عنها، أو الحد من الحاجة إليها، أو من مشاكلها. ومن هذه البدائل.

توزيع مسؤوليات البيت على أفراده:

بحيث يتولى كل منهم جزءًا منها، وخاصة الفتيات، فإذا كان معظم الموجودين من الذكور فما هو المانع وأين العيب من مساهمة الذكور في شؤون البيت؟ فإذا كانوا لا يمتلكون المهارات المناسبة التي تؤهلهم لهذا العمل فإنه مع التدريب المتكرر اليومي سوف يحسنون التعامل معها، وتصبح المسؤولية غير مرهقة؛ لكونها موزعة وغير محصورة على شخص واحد.

بل إن مساهمة كل فرد من أعضاء البيت حسب قدرته، وإمكانياته، وظروفه مما يساعد على تقليل الأعباء والوفاء بالمسؤوليات على خير وجه.

تقليص مساحات البيت الزائدة عن الحاجة:

وتتلخص هذه الفكرة في معالجة زيادة الغرف والمساحات الزائدة عن الحاجة، بحيث يمكن تأجير جزء من المسكن أو إغلاق الغرف والمساحات الزائدة عن الحاجة الضرورية مع التزام كل فرد بنظافة وتنظيم ما يخصه، وكذلك تنظيم غسيل الملابس بطريقة أسبوعية واستخدام أواني الطهي بطريقة محصورة ومنظمة، بحيث نحد من الإفراط في استخدام الأواني، وأكواب الماء، والقهوة، والشاي، بحيث يخصص أواني محدودة يتم تنظيفها عند الحاجة، ومن الممكن استخدام الأواني البلاستيكية أو الورقية البديلة عند شرب الماء أو تفريغ وتناول الطعام وهكذا، وعند تطبيق مثل هذه الحلول تقل الحاجة للخادمة بدرجة كبيرة.

ويلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور حلول عملية ساعد على وجودها زيادة الوعي وانخفاض الدخل الفردي؛ وتتلخص في التركيز والقبول بتأجير شقق أو على عمل بيوت صغيرة أو مشاركة أسرتين في فيلا واحدة مكونة من قسمين مستقلين؛ حيث أخذ بعض الناس يشترك مع شخص آخر على إقامة بيت دبلكس أو شقق مفصولة المداخل تنسجم مع العادات القائمة، وتحقق الغاية المتوخاة منها.

فإذا كان الفرد يسكن حاليًا منزلاً كبيرًا فإنه يمكن معالجة التخطيط وتعديله بحيث يستثمر جزءًا منه دون اللجوء إلى دفع تكاليف إضافية من الكهرباء، والصيانة، والخدم، وغيرها دون مبرر مقبول.

التربية الصحيحة:

التربية الصحيحة المبنية على زرع القيم ووفاء الإنسان بمسؤولياته، ومن أهمها أن ألا يرمي المخلفات وأن يضع كل غرض في موقعه بعد الانتهاء منه، وأن يغلق المصابيح والمكيفات عند الانتهاء منها، وأن يلتزم بعمل أغراضه الخاصة، ويرتب ملابسه وفراشه وغيرها، وأن يساهم في عمل البيت بنصيبه الذي يخصصه.

إقامة المناسبات خارج البيت:

في الآونة الأخيرة يلاحظ أن الظروف التي تحدثنا عن بعضها أسهمت في إيجاد البدائل؛ حيث إن كثيرًا من الناس أخذوا يعتمدون على استخدام الاستراحات خلال استقبال الضيوف والمناسبات الكبيرة كبديل جيد يساهم في تقليل الجهد، ويغني عن استخدام البيوت.

وقد يجد المرء حلولاً عملية بحكم تجربته وخبرته؛ فمن الممكن مثلاً عند وجود ظروف طارئة الاستعانة بإحضار وجبة شبة يومية من المطاعم، والتعامل مع مغسلة لغسل الملابس المهمة كل أسبوعين، أو كل شهر، وخاصة خلال الظروف الطارئة مثل: المرض والحمل وما في حكمها، دون استمرار مثل هذه الأفكار والاندفاع فيها فيحصل من الخلل الصحي والنفسي وغيرها، وتصبح حليمة كأختها غنيمة.

دور الجهات الإدارية بالمساهمة:

لا شك أنه يتطلب دعم الجهات الإدارية المختصة بالمساهمة بوضع البدائع، ودعم الجهود والأنشطة التي ستوفر البدائل؛ انطلاقًا من القاعدة العملية: «أخدمه حتى يستطيع أن يخدم نفسه» فالجهة المعنية مطالبة بالتحرك عبر هذه القاعدة ومعالجة المشكلة بتقديم إعانات خاصة ومميزات تشجيعية لفتح روضات أطفال أو إضافة غرف حضانة في كل مدرسة مخفضة التكاليف والتوسعة في فتح الروضات الأهلية والحكومية في الأحياء.

وإلى جانب هذا تساعد وتدعم الجمعيات الخيرية على تبني مشروعات وبرامج ومراكز داخلية للمعاقين شديدي الإعاقة، لتأهيلهم اجتماعيًا، وتساهم الدولة بدفع جزء من التكاليف لكل معوق يتمثل بإعانة مناسبة للجمعية تتناسب مع العدد الموجود فيها حتى يستطيع المجتمع أن ينهض بمسؤولياته ويتغلب على سلبياته.

ومن البدائل أيضًا التشجيع على التقاعد المبكر للعاملات، والنظر في تقليل ساعات العمل، ووجود عمل قريب من المنزل أو معالجة نقل الموظفات بطريقة تسهم في سرعة وصولهن لمنازلهن؛ حتى يستطعن إنجاز أعمالهن المنزلية وإعداد الوجبات الغذائية وسواها.

من البدائل مشاركة القطاع الخاص:

يقترح تشجيع إقامة شركات ذات خدمات ميسرة ومنخفضة التكلفة، تتولى مساعدة أصحاب البيوت المحتاجة للخادمة بتقديم وإحضار وجبة يومية لهم مع تغسيل الملابس والنظافة والصيانة كل أسبوع، بحيث يقوم صاحب البيت بعمل عقد من هذه الشركة، ويحيطها علمًا عند تغير حاجته اليومية، وتسعر الوجبة لكل فرد، والملابس بالقطعة، وأعتقد أنها تجربة ستكون جيدة، وتعتبر من البدائل الممكن تطبيقها وتقييم جدواها لاحقًا.

إنشاء شركات متخصصة في الخدمة المنزلية:

يكون من مهامها جلب خادمات وتشغيلهن في البيوت لفترة محدودة مقابل أجر مناسب، وتوضع الضوابط الجيدة التي تحمي الحقوق الإنسانية والمالية ويشرف على النساء العاملات في هذه الشركات القطاع النسائي بوزارة الشؤون الاجتماعية، أو أي قطاع نسائي حكومي.

ومن الممكن تشغيل المواطنات المحتاجات وغير المؤهلات بدرجة كبيرة تعليميًا للعمل في البيوت ساعات محدودة وضمن ضوابط منظمة وحوافز مغرية.

استثمار الدول الموجودة ودعمها:

من الحلول الجيدة والقائمة قيام بعض الأمهات العاملات بوضع أطفالهن للرعاية أثناء وجودهن خارج المنزل للعمل أو الدراسة في حضانات حكومية أو أهلية أو إيداع أطفالهن عند أقارب أو جيران بمقابل، أو بدون مقابل وهي حلول تستحق الاحترام عند البحث في مشاكل الخادمات.

من الدول الأخرى:

كل بيت يحتاج إلى خادمة عليه أن يبحث عن الأسباب والدوافع التي تدفع لإحضار خادمة، ويعالجها، ويبحث عن حلول عملية، ويسعى إلى تلمس البدائل المناسبة حسب ما سبق الإشارة إليه مثل أن يقوم بتنظيم الحمل الذي يساعد على تخفيف الأعباء على الزوجة، ويجعل بين كل حمل وآخر فترة زمنية مناسبة كافية لمصلحة كل الأطراف؛ الأم والأولاد؛ أو توزيع جزء من مهام الزوجة على أفراد البيت.

ومن المهم الخروج بحلول عملية، سواء في إطار الأسرة صاحبة المنفعة المباشرة، أو على مستوى المجتمع الرسمي المطالب بتخفيف ساعات عمل المرأة وفترة خدمتها، مثل: فتح باب التقاعد المبكر عبر حوافز تشجيعية، وفتح أبواب العمل الميسر لها والقريب من المنزل؛ لأن بعض الأمهات يفضلن العمل بعد توقف الولادة أو قلة مساحة المسؤولية؛ لاعتماد الأولاد على أنفسهم في رعايتهم وخدماتهم الشخصية.

ومن الدعم المناسب لهذه الغاية دراسة نقل العاملات بطريقة تساعد على كسب الوقت المناسب لاستثماره في متطلبات المنزل، وكذلك التركيز على تحسين مستوى الوعي عند الأمهات، وحصر الأضرار والتكاليف المتوقعة عند وجود خادمة في البيت.

ومن البدائل الجيدة لتقليل الاعتماد على الخادمات دراسة الشروط، ووضع مبررات منطقية وربما رسوم كبيرة للبيوت التي تقل حاجتها للخادمة؛ حتى لا يبحث عن مداخل أكثر سلبية مع رفع سن الخادمة المطلوب استقدامها؛ لأن هذا يسهم كثيراً في تقليل المشاكل.

وينصح بعض المتخصصين للتقليل من جلب الخادمات بزيادة الوعي عند الرجال للمساهمة في الأعمال المنزلية وخاصة في ظل ظروف الزوجة الصحية الطارئة.

إلى جانب أن البحث عن بدائل جيدة وعملية يعتبر أمراً ضرورياً تفرضه فاتورة التكلفة التي ننفقها من أعصابنا، وسمعتنا، وصحتنا، وهمومنا على استقدام عاملة ثم القلق من وجودها والانشغال بالمحافظة عليها، والتأثر بما يجري منها أو عليها، وهذا سيدفعنا إلى مواصلة التفكير في البحث عن حلول علمية والمساهمة الفعالة والمفتوحة والمستمرة للبحث عن حلول وبدائل عامة.


 الخاتمة

الخاتمة التي نحن بصدد الحديث حولها تدور استعراض الحديث عن الهموم المشتركة حول وجود الخادمة الذي يعتبر أحياناً أمراً ضرورياً تفرضه الظروف، وتقتضيه الحاجة، كما أنه غير ضروري في أحيان أخرى، ومن المؤكد أن وجود الخادمة في البيت له جوانبه الإيجابية والسلبية معاً وكل أسرة تعجز عن الوفاء بمتطلبات البيت تقوم بإحضار خادمة، وتعتقد عبر هذا الحل بأنها قضت على جل مشاكلها ولكنها في الوقت ذاته فتحت أبواب مشاكل من نوع آخر.

فالخادمة بدون شك تساهم كثيراً في الأعمال المنزلية بصورة واضحة، ولكن يقابل ذلك تدهور في جوانب إيجابية كثيرة غير منظورة يصعب الوقوف عليها وتقييم أبعادها في وقت قريب، ولكنها تظهر تدريجياً، وتصبح مشكلة كبيرة لاحقاً يصعب معالجتها.

دعونا نفحص ذلك بمجهر المحايد الذي يسعى لرصد الحقيقة، والوقوف على الواقع بخيره وشره، ولن نفاجأ إذا اكتشفنا أننا جنينا أولاً على أنفسنا ثم عليها؛ لأننا وضعنا جسماً غريباً في وسطنا، يحمل صفات ومكتسبات بيئية وأخلاقية وصحية مختلفة دون أن نحيط بتلك الخلفيات السلبية وخطورتها ناهيك عن مشاعر الخادمة وأحاسيسها وتربتها الثقافية التي نقيدها، ونكتم أنفاسها بيننا إلى جانب أن جميع أعضاء البيت سوف يخسرون شيئاً كبيرًا من لياقتهم وتأهيلهم للحياة، ويجنون خللاً كبيراً؛ بسبب تراجع اعتمادهم على أنفسهم، وخاصة الفتيات مما يؤثر على تأهيلهن لمستقبل حياتهن بصورة مباشرة.

هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فإن الخادمة جلبت معها أمراضاً اجتماعية وصحية مباشرة وغير مباشرة، وخلفت مشاكل مستقبلية كثيرة.

فإذا كنا قد خسرنا جانباً من تأهيل أولادنا اجتماعياً، وجلبنا لأنفسنا المتاعب المفتوحة، وخسرت الخادمة زهرة عمرها نتيجة المتاعب النفسية وبعدها عن وطنها وأهلها، وشعرت بأنها موجودة في سجن مع نفسها؛ لندرة المخاطبة المتكافئة، ولوجودها في بيئة جديدة وعمل جديد؛ فما قيمة الشيء الذي قدمته للأسرة مقابل ما أخذته وما فقدته.

ومن الأمور المسلم بها أن وجود الخدامة أحياناً يكون ضروري للعمل في المنازل؛ بسبب مرض ربة البيت أو أحد أفراده أو وجود الزوجة خارج المنزل للدراسة أو للعمل مما يملي ضرورة دائمة أو مؤقتة، ويجعل وجود الخادمة أمراً لامناص منه، وإذا لم يكن في الحسبان سوى هذا الحل الوحيد فهل يجدر بنا البحث عن بدائل أقل ضرراً وأكثر نفعا؟ أم نرتمي في أحضان هذا الحل بإيجابياته بمعزل عن الخسارة الكبيرة المفتوحة والمتنوعة؟

وطالما يطرح هذا السؤال، ويعي الجميع مشاكل الخادمات، ويدرك أنه أمام مشاكل متعددة الأبعاد، ولكن مع ذلك يذعن لحاجته حيث لامناص من عمل الخادمة لصعوبة الاستغناء عنها دون وجود من يتولى مهامها، أو يتولى القيام ببعض أعمالها وتوفير البدائل الكفيلة بالاستغناء عنها؛ لنريحها من متاعبها، ونستريح من إفرازات مشاكلها.

ولكن أين نجد العلاج السحري سريع الفاعلية؟ لنسد من خلاله مواقع الخادمة ببدائل مناسبة تحقق الغاية؛ وتجنبنا المتاعب، فهل من الممكن تضافر الجهود المنزلية ومساعدة الجهات الإدارية المعنية؛ لتلبية ذلك وشغل الفراغ؟ هذا ما يجمع عليه الناس ويتمنونه.



([1]) صحيح مسلم 4272.

([2]) صحيح مسلم 3142.

([3]) مسند أحمد 22623.

([4]) رواه البخاري، الجهاد والسير 3784.

([5]) مسند أحمد 109.