×
مقالة تبين فضل الأولاد وتربيتهم، مع بيان بعض معالم التربية الناجحة.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    مقدمة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن مسؤولية التربية من آكد المسؤوليات التي يشترك الزوجان في تحملها؛ فلكل منهما دوره ومسؤوليته المنوطة به.

    ولئن كان الأب مسؤولاً عن النفقة على أبنائه وحسن توجيههم والحرص على تربيتهم التربية الصالحة، فإن دور الأم له التأثير البليغ في تطبيق تلك التوجيهات في سلوك الأبناء وإعداد أجواء تنفيذها وإعمالها في الحياة... فالأم بعواطفها ودفئها وفنائها في حب أبنائها لها أعظم التأثير على الأبناء، وتلك سنة الله في خلقه.

    ومسؤولية التربية الملقاة على عاتق المرأة المسلمة ثابتة شرعًا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ‬ قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»([1]).

    فما هي معالم التربية الناجحة؟

    فضل الأولاد وتربيتهم

    الأولاد نعمة من نعم الله الجليلة؛ فهم زينة في الحياة، ونصرة على البغاة، ومنفعة بعد الممات. .. ولقد امتن الله جل وعلا على الإنسان إذ أكرمه بالأولاد ذكورًا وإناثًا فقال سبحانه: }يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا{: [الشورى: 49، 50]، وقال عز وجل: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا{: [نوح: 10-12].

    فجعل سبحانه البنين مددًا منه يهبه إلى عباده كما يهب لهم الأموال وينبت لهم الجنات.

    وقال سبحانه: }وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً{: [النحل: 72]، وقال سبحانه: }وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ{: [الأعراف: 86].

    فجعل سبحانه تكثير النسل نعمة يمتن بها على عباده؛ فالأولاد زينة الدنيا، وبهجة الحياة، نعمة لا تعوضها نعمة المال، ولا قوة الجاه، ولا الحسب ولا النسب.

    نعم الإله على العباد كثيرة

    وأجلهن نجابة الأولاد

    والأولاد مجلبة للرزق، بهم تيسر الأرزاق، وتوهب النعم؛ كما قال تعالى: }وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ{، [الأنعام: 121]، وقال تعالى: }وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ{، [الإسراء: 31].

    وليس من أحد ينفع الميت في قبره مثلما ينفعه ولده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ‬: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»([2]).

    وعن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ‬ يقول: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته – يعني ماله – كن له حجابًا من النار»([3]).

    أمانة تربية الأولاد

    إن التربية الهادفة للأبناء هي المرتكز الأساس الذي يبنى عليه صلاح الأسر والمجتمعات، وما الأمراض والأوجاع التي تنخر جسم الأمة إلا بسبب أمرين:

    الأول: غياب التربية الهادفة.

    الثاني: المؤثرات الخارجية التي تنسخ كل جهد تربوي هادف.

    ومن هذا يعلم أن المرأة المسلمة تتحمل مسؤولية التربية في الشقين معًا، كما يتحملها الأب كذلك:

    فالشق الأول من هذه الأمانة يتمثل في إعداد الأبناء وتربيتهم تربية سليمة نفسيًا وإيمانيًا وأخلاقيًا وأدبيًا وجسمانيًا، وتنشئتهم النشأة الإسلامية الصالحة.

    والشق الثاني من هذه الأمانة يتمثل في تحصين الأبناء من عوامل الهدم ووسائل التخريب التي تقضي على الأخلاق والعقيدة، ومن ذلك التغريب بأشكاله ووسائله وأساليبه!

    فما هو المنهج السليم لتربية الأبناء؟

    التربية النفسية:

    المرأة المسلمة هي أول من يتحمل مسؤولية التربية؛ فهي تتحمل مسؤولية طفلها في أحشائها، كما تتحمل مسؤوليته بعد ولادته في أحضانها.

    ويخطئ كثير من النساء حينما يعتقدن أن لا تأثير لهن على حملهن. .. بينما تثبت الدراسات الطبية الميدانية أن الجنين في بطن أمه يتأثر سلبًا أو إيجابًا بالحالة النفسية للأم؛ فالتشنجات والانفعالات والحالة العصبية التي تعيشها المرأة الحامل تغمر بالضرورة جنينها وتعبث بجهازه العصبي وحالته النفسية. .. ولا يظهر تأثير ذلك إلا في وقت لاحق.

    لذلك فالاهتمام بالجنين وهو في بطن أمه هو أول مراحل التربية، وهو يساعد كثيرًا على ولادة الطفل سليمًا في نفسه وجسده.

    ولو أردنا أن نتأمل في حقيقة التربية والهدف منها لوجدناه هدفًا واحدًا هو: صلاحية الأبناء للقيام بعبودية الله أحسن قيام.

    ولو عرفتْ كل أم كيف تنشِّئ أبناءها على هذا الهدف النبيل متبعة في ذلك هدي النبي ﷺ‬ في التربية، لسهل عليها أداء هذه الأمانة، ولاستطاعت أن تخرِّج من مدرستها أبطالاً صُنَّاعًا للتاريخ، وكيف لا يكون المنهج النبوي في التربية سهلاً وكل مولود يولد مفطورًا عليه؛ فقد قال ﷺ‬: «كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو يمجسانه، أو ينصِّرانه»([4]).

    وينشأ ناشئ الفتيان منا

    على ما كان عوَّده أبوه

    وما دان الفتى بالحجى([5]) ولكن

    يعوده التدين أقربوه

    وتعتبر مرحلة الطفولة هي المرحلة الذهبية في توجيه سلوك الطفل وتكوين شخصيته وإعداده إعدادًا نفسيًا سليمًا.

    فمرحلة الطفولة تنقسم إلى مرحلتين:

    المرحلة الأولى: وهي الخمس الأولى من سنوات عمر الطفل، وفي هذه المرحلة ينمو الطفل نموًا نفسيًا ووجدانيًا وجسديًا بالدرجة الأولى، ويكون نموه العقلي والمعرفي بصورة أقل، ويحتاج في هذه المرحلة إلى دفء الأمومة، ورحمة الأبوة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ‬ فقال: أتقبِّلون صبيانكم؟ فما نقبِّلهم. فقال النبي ﷺ‬: «أوَأَمْلِكُ لك أن نزع الله من قلبك الرحمة»([6])؛ فهذا الحديث أصل في مراعاة نفسية الطفل الصبي وغمره بالعطف والحنان والرحمة والرأفة؛ فنموُّه الوجداني والنفسي يحتاج إلى غذاء نفسي تضعه الأم بحنانها وشفقتها على طفلها، وهو إلى تلك الشفقة أحوج من أي غذاء أو طعام!

    ولمصة واحدة يمصها الطفل من حليب أمه بين دفء ذراعيها وهو يسمع نبضات قلبها أنفع له من طعام الدنيا كلها.

    «ولقد وقفت الحضارة الغربية المادية على هذه الحقيقة، الأمر الذي دفع بعض دور الحضانة للقيام بمحاولة عابثة لتعويض الطفل عن هذا الشعور صناعيًا؛ حيث قاموا بتسجيل نبضات القلب وتشغيلها للطفل عبر المسجل عند القيام بإرضاعه. .. ولكن أين دفء الصدر وضمة الحنان؟ ! »([7]).

    وأما المرحلة الثانية من مرحلة الطفولة في الخمس الثانية من عمر الطفل، ويجمع الباحثون في علم النفس أن هذه المرحلة تتسم بالنمو الاجتماعي للطفل؛ فهو بعد السنة الخامسة أكثر تعاطيًا مع المحيط من حوله، وأكثر استجابة للانفعالات النفسية؛ كالغضب والرضا والحب والكره ونحو ذلك.

    ولهذا فإن الطفل في هذه المرحلة أكثر استجابة لتصحيح سلوكه وتعليمه وتربيته على المبادئ الصحيحة. .. فأرضيته خصبة صالحة للحرث والزرع، ولذلك قال ﷺ‬: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع». فالطفل في السابعة من عمره أكثر استجابة للصلاة وتعليمها؛ لأنه نقي الفطرة، سليم السلوك، قابل للتلقين.

    وإن الطفل في النصف الثاني من مرحلة الطفولة يتأثر تأثرًا بليغًا بالمحيط من حوله. ..

    فإذا عاش في بيئة تشفق عليه تعلَّم أن يعيش رحيمًا.

    وإذا عاش في بيئة تشجعه تعلَّم أن يثق بنفسه.

    وإذا عاش في بيئة متديِّنة تعلَّم أن يعيش متديِّنًا.

    وإذا عاش في بيئة تخيفه وتخدعه تعلَّم أن يكون متوجسًا للشر.

    وإذا عاش في بيئة تمدحه تعلَّم أن يكون قادرًا.

    وهكذا فإن لكل بيئة تأثيرها على حياة الطفل في المستقبل!

    ومن هذا كله ينبغي للأخت المسلمة أن تحرص كل الحرص على الاعتناء بأبنائها كل العناية، وأن تفيض عليهم من أمومتها وتوجيهها وحسن تربيتها ما يكفل لهم الراحة النفسية التي هي أساس شخصيتهم في المستقبل.

    التربية الإيمانية:

    وينبغي تلقين العقيدة للأبناء منذ الصغر؛ وذلك بتعليمهم أصول الإيمان الستة بحسب قدرتهم على الفهم والاستيعاب، وكذلك تحفيظهم القرآن الكريم ولا سيما قصار السور تلقينًا، وتصحيحًا للقراءة وشرحًا لما يجب فهمه.

    وينبغي للأخت المسلمة أن تعمق في أبنائها الإيمان بالله وحده خلال مرحلة الطفولة، وأنه سبحانه القادر وحده على كل شيء، والرازق، والمالك لكل شيء، وأنه وحده يستحق العبادة والخشية والخوف والرغبة والرهبة، وكل هذه المفاهيم وغيرها من مفردات الألوهية التي لها الأثر الكبير في تكوين الشخصية الإسلامية في الطفل.

    ومع نمو القدرة العلمية للطفل ينبغي أيضًا تعليمه أركان الإسلام الخمسة مع التركيز على الصلاة التي هي عمود الدين؛ كما قال ﷺ‬: «علموا أولادكم الصلاة في سبع واضربوهم عليها في عشر وفرِّقوا بينهم في المضاجع».

    وتعليم الصلاة يقتضي تعليم أركانها وواجباتها وسننها وشروطها ونواقضها، وكذلك الطهارة وما يتعلق بها من أحكام.

    وينبغي للأخت المسلمة أن تستعين في تربيتها للطفل بالكتب المسهَّلة التي تعنى بتعليم العقيدة للأطفال، وكذلك القصص الإسلامية الموجودة في المكتبات، والتي ترسخ المبادئ الإسلامية في قلوب الأطفال؛ مثل قصة أصحاب الأخدود وقصة فتيان الكهف وسيرة العشرة المبشرين بالجنة، ونحو ذلك من قصص أبناء الصحابة والتابعين.

    قال رسول الله ﷺ‬: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيَّع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»([8]).

    ولئن كانت المدارس والمعاهد العلمية تساهم في تربية الأبناء تربية إيمانية، إلا أن تربية الأم والأسرة يكون لها الأثر الأكبر في نفسية الأبناء؛ لأنها مقرونة بالقدوة.

    التربية الأخلاقية:

    يقول الله جل وعلا: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{: [التحريم: 6].

    قال علي رضي الله عنه في هذه الآية: «علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم»، وقال قتادة: «أن يأمرهم بطاعة الله تعالى، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله تعالى، يأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأيت معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها»([9]).

    فعلى المرأة المسلمة أن تحرص على تلقين أطفالها معالي الأخلاق وفواضلها؛ كالصدق والأمانة، والصبر، والحلم، والعفو، وصدق العهد، وإنجاز الوعد، وغيرها من مفردات الخلق الحسن. .. وإن تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة لهو الطريق الأقرب لوقايتهم من النار؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ‬: «وأعظم ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق»([10]).

    حرض بنيك على الآداب في الصغر

    كيما تقر بهم عيناك في الكبر

    وإنما مثل الآداب تجمعها في

    عنفوان الصبا كالنقش في الحجر

    وتربية الأبناء على الخلق الرفيع والأدب يجعل منهم شخصية ناجحة في المستقبل، يستطيعون بها محاكاة الوسط الاجتماعي والتعاطي معه في مشكلات الحياة العملية؛ فأدب الخطاب والحديث والاستماع، وكذلك الوقار والحياء والاتزان، كلها آداب تنبي عن شخصية المتَّسم بها. .. وكلها إذا نشأت مع الطفل في صغره تصبح عادات وطبائع غالبة على الطفل في كبره.

    قد ينفع الأدب الأحداث في الصغر

    وليس ينفعهم من بعده الأدب

    إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت

    وليس يلين إذا قومته الحطبُ

    التربية الجسمانية:

    التربية الجسمانية لها علاقة مباشرة بالتربية الصحية والغذاء والرياضة، وعلى الأخت المسلمة أن تعتني بكل الجوانب التي تحافظ بها على صحة أبنائها؛ لأن العقل السليم في الجسم السليم.

    ومما ينبغي لها الحرص عليه:

    1- النظام الغذائي السليم: وهو كل غذاء يقوم على أساس طبيعي ومتنوع؛ بحيث يخدم تنوعه احتياجات الجسم المتنوعة؛ فلا ينبغي مثلاً التركيز على اللحوم دون الخضروات! ولا ينبغي الحرص أبدًا على المعلبات والمحفوظات؛ لما تحتوي عليه من المواد الكيميائية التي لا يظهر أثرها إلا في الكبر.

    2- النظافة: فالتطهر صفة الأنبياء، والنظافة خلق يولد الثقة بالنفس، ويحفظ صحة المرء من الأمراض والأوبئة.

    3- النوم: فقد قال تعالى: }وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ{، [الروم: 23]، وينبغي للأم المسلمة أن تحرص على نوم أبنائها في أول الليل، وأن تجنبهم التعود على السهر؛ لأنه يفسد المزاج ويتلف الجهاز العصبي.

    4- الرياضة: فالتمارين الصحيحة تعطي جسمًا متزنًا معتدلاً في بنيته، وللأم أن تحرِّض أبناءها على ذلك باعتدال؛ ليتقوى عصبهم، ويَصِحَّ جسمهم.

    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    ([1]) رواه البخاري ومسلم.

    ([2]) رواه مسلم.

    ([3]) رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في صحيح الجامع (5/34).

    ([4]) رواه البخاري ومسلم.

    ([5]) الحجي: العقل.

    ([6]) رواه البخاري.

    ([7]) مجلة الدعوة العدد (175) ص(53).

    ([8]) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (6261).

    ([9]) تفسير الطبري (28/166).

    ([10]) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم (1630).