سلسلة هموم المرأة : هموم علمية
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> المجتمع المسلم
المصادر
الوصف المفصل
سلسلة هموم المرأة : هموم علمية
أبو الحسن بن محمد الفقيه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا قد خلق الإنسان لغاية عظيمة، ومهمة جسيمة، أنزل لأجلها الكتب، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
تلك الغاية هي: العبادة؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56-58].
والعبادة التي خلق الله جل وعلا الخلق لأجلها لا تصح إلا بشرطين اثنين:
الأول: هو الاتباع.
والثاني: الإخلاص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: وجماع الدين في أمرين:
1- أن لا نعبد إلا الله.
2- وأن لا نعبده إلا بما شرع؛ لا نعبده بالبدع؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾، [الكهف: 110].
وذلك تحقيق الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله؛ ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه، وفي الثانية: أن محمدًا هو رسوله المبلغ عنه؛ فعلينا أن نصدق خبره، ونطيع أمره؛ فمن أراد عبادة الله فلا بدَّ له من توفُّر الشرطين، ولسان حاله يقول: "إياك أريد بما تريد".
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، [الملك: 2].
قال: أخلصه وأصوبه.
قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا.
والخالص أن يكون لله.
والصواب أن يكون على السنة»([1]).
ومن هذا التأصيل البديع الذي ذكره شيخ الإسلام عن مدلول العبادة في الدين نستخلص ضرورة طلب العلم والفقه في الدين؛ إذ كيف يعبد ربه على السنة مَنْ لا يعرف السنة؟ !
أختي المسلمة..
وكثيرًا ما يكون الجهل بالأحكام الشرعية هو سبب وقوع كثير من النساء في المخالفات. .. وارتكاب المحرَّمات. .. ولهذا كان الفقه في الدين هو أساس الخيرية بين الناس؛ كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»([2]).
والأحكام الشرعية تنقسم من حيث وجوب تعلُّمها واستحبابه إلى قسمين:
الأول: واجب تعلمه ولا يجوز للأخت المسلمة جهله.
والثاني: يستحب تعلمه وفقهه؛ استزادةً من الخير والفضل.
فما حكم طلب العلم في حق المرأة المسلمة؟
وما هي الأمور التي لا يسعها جهلها؟
وجوب طلب العلم في حق المرأة المسلمة
لمّا كانت عبادة الله جل وعلا مسؤولية ملقاة على عاتق كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة، وكان العلم هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق العبادة كما أمر الله جل وعلا - فقد أوجب الله جل وعلا طلب العلم على الرجال والنساء سواء؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»([3]).
والنساء شقائق الرجال في مطلق وجوب طلب العلم الشرعي، ولذلك قال الحافظ السخاوي رحمه الله: قد ألحق بعض المصنفين بآخر هذا الحديث «ومسلمة»، وليس لها ذكر في شيء من طرقه وإن كان معناها صحيحًا ([4]).
يقول ابن حزم رحمه الله تعالى: ويجب عليهن - أي النساء - النّفار للتفقه في الدين؛ كوجوبه على الرجال، وفرض عليهن كلهن معرفة أحكام الطهارة والصلاة والصيام، وما يحل وما يحرم من المآكل والمشارب والملابس، كالرجال، ولا فرق، وأن يعلمن الأقوال والأعمال؛ إما بأنفسهن، وإما بالإباحة لهم لقاء من يعلمهن، وفرض على الإمام أن يأخذ الناس بذلك ([5]).
ولقد كان نساء السلف - رضوان الله عليهن - حريصات كل الحرص على تعلم الدين، وبشتى الوسائل والطرق التي تناسب وضعهن وظروفهن؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا في نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. فقال صلى الله عليه وسلم: «اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا». فاجتمعن فأتاهن، فعلمهن مما علمه الله ([6]).
والأخت المسلمة متى تيسر لها طلبُ العلم في بيتها مع أخواتها أو أبيها أو زوجها وجب عليها طلب ما يجب عليها علمه ومعرفته من أصول الإيمان التي لا تصح العقيدة إلا بها، ومن أحكام الطهارة والصلاة والصيام والواجبات والمحرمات التي يغلب التعامل بها في الحياة اليومية، مما سنبينه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، فإن لم يتيسر لها طلب هذه الأمور في بيتها فواجب عليها سؤال أهل العلم ومطالعة العلم، أو الاستفسار عن الأمور التي تجهلها ولا تصح عبادتها إلا بها، ولا ينبغي لزوجها أن يمنعها من تعلُّم أحكام الدين إذا كان هو نفسه يجهلها؛ لما يترتب على ذلك من المفسدة والضياع للدين.
العقيدة أولاً ([7])
فإن العبادة الصحيحة لا تنبني إلا على العقيدة الصحيحة، والعقيدة أجَلُّ العلوم وأشرفُها وأفضلُها؛ إذ شرف العلم من شرف المعلوم، ولما كان موضوع العقيدة يدور على أصول الإيمان وما تتضمنه من معرفة الله جل وعلا ومعرفة كتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره؛ فقد كان لموضوع العقيدة قيمة كبيرة ومكانة جليلة في العلوم الواجب معرفتها؛ كيف لا والله سبحانه وتعالى قد أمر رسوله بتعلم كلمة الإخلاص فقال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾، [محمد: 19].
فما هي الأصول التي لا ينبغي للأخت المسلمة جهلها في قضايا المعتقد؟
الأصل الأول: الإيمان بالله:
ويدل على هذا الأصل قول الله جل وعلا: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾، [البقرة: 285]، وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»([8]).
والإيمان بالله: هو الاعتقاد الجازم بأن الله ربُّ كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطل، وعبادته باطلة؛ قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [الحج: 62]، وأنه سبحانه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال منزَّه عن كل نقص وعيب، وهذا التوحيد هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
وإليك أختي المسلمة أقسام التوحيد كما ذكرها العلماء:
1- توحيد الربوبية:
فتوحيد الربوبية هو الإقرار الجازم بأن الله وحده ربّ كل شيء ومليكه، وأنه الخالق للعالم، المحيي المميت، الرزاق ذو القوة المتين، لم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل، لا رادّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه، ولا مضاد له، ولا مماثل، ولا منازع له في شيء من معاني ربوبيته ومقتضيات أسمائه وصفاته ([9]).
وتوحيد الربوبية يولِّد في قلب المؤمنة استحضار عظمة المولى جل وعلا، فتستغني به عن غيره، وتجعل طمعها وسؤالها ودعاءها وتوكلها على الله وحده؛ لأنه هو المدبر الخالق الرزاق لجميع خلقه؛ قال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾، [السجدة: 5].
2- توحيد الألوهية:
وهو أن تعلم الأخت المسلمة أن الله وحده هو المألوه وحده، المعبود على الحقيقة، وأن صفات الألوهية ومعانيها ليست موجودة بأحد من المخلوقات، ولا يستحقها إلا الله تعالى.
فإذا عرفتْ ذلك واعترفتْ به حقًّا أفردت ربها بالعبادة كلها في جميع شؤون حياتها، فتقوم بشرائع الإسلام الظاهرة: كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والقيام بحقوق الله وحقوق خلقه، وتقوم أيضًا بأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبما تقتضيه هذه الأصول من الخوف والإنابة والرهبة والرغبة والدعاء والالتزام بشرائع الإسلام ظاهرًا وباطنًا، لا تقصد بذلك غرضًا من الأغراض غير رضا ربها، وطلب ثوابه، متابِعة في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعقيدتها ما دل عليه الكتاب والسنة، وأعمالها وأفعالها ما شرعه الله ورسوله، وأخلاقها وآدابها الاقتداء بنبيها صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته وكل أحواله.
وأدلة هذا التوحيد في القرآن والسنة كثيرة، بل أغلب القرآن إنما أنزل تقريرًا لتوحيد الألوهية وإثبات العبادة لله جل وعلا. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، [البقرة: 21]، وقال سبحانه: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾، [هود: 123]، وقال سبحانه: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾، [النساء: 36]، وقال جل شأنه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾، [الأنبياء: 25].
ومن السنة ما رواه معاذ رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ ».
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا». قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا»([10]).
ويستلزم الإيمان بتوحيد الله في ألوهيته وإفراده بالعبادة وحده أن تجتنب الأخت المسلمة الشرك بكافة أشكاله وأقسامه وأنواعه؛ لأن الشرك هو نقيض التوحيد، ولا يمكن تصحيح الإيمان إلا بالحذر منه بالكلية؛ قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾، [المائدة: 72]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾، [النساء: 48].
فالشرك هو سبب زوال الإيمان، وموجب للخلود في النيران؛ لأنه يحبط الأعمال ويهدمها؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
وينبغي للأخت المسلمة أن تحذر أشد الحذر من الوقوع في أي صورة من صور الشرك صغيرها وكبيرها؛ لأنه لا مكان لصحة العبادة مهما كان أمرها إذا أشرك المسلم مع ربه غيره؛ فالمشرك لا تُقْبَل له عبادة، ولا تنفعه الزهادة؛ لأنه بنى عبادته وزهادته على أصل عقدي فاسد أحبط عمله وخيب أمله.
والشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
فأما الشرك الأكبر: فموجب لحبوط الأعمال والخلود في النار لمن مات عليه؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وأن من مات عليه مات كافرًا لا يغفر الله له.
ومن أمثلته: الذبح لغير الله، ودعاء الأموات، والأصنام، والاستغاثة بغير الله، والنذر لغير الله، والخوف من غير الله، والرجاء في غير الله، والرهبة والرغبة والخشوع لغير الله، وتفضيل حكم الطاغوت على حكم الله، واعتقاد عدم صلاح الشريعة في عصر من العصور، واعتقاد أن غيرها هو الأصلح للتحكيم والتحاكم، ونحو ذلك مما ينفي الألوهية عن الله سبحانه.
وقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن هذه العبادات وغيرها لا يجب أن تصرف إلا لله، وأنَّ صارفَها لغير الله مشرك؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، [آل عمران: 175].
وقال سبحانه: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، [المائدة: 23].
وقال عز وجل: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾، [الأنبياء: 90].
وأما الشرك الأصغر: فهو كالحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشاء فلان، والرياء في بعض الأعمال، وهو يوجب الخلود في النار كالشرك الأكبر، وقد دل عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، فسئل عنه فقال: «الرياء»([11]).
ومن هذا فإن أشد ما ينبغي للأخت المسلمة العلم به هو الشرك وطرقه ووسائله؛ حتى تحذرها وتجتنبها؛ ليصح إيمانها؛ وذلك لأن الحذر من الشرك يوجب شيئين لا يوجبهما غير ذلك:
الأول: الأمان من الخلود في النار وحبوط الأعمال؛ وذلك لأن الشرك الأكبر يوجب الخلود في النار والعياذ بالله؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.
الثاني: أن البعد عن الشرك يوجب مغفرة الله جل وعلا على ما كان من عمل؛ كما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أُبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة»([12]).
3- توحيد الأسماء والصفات:
وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات العلى، وإمرارها كما جاءت على الوجه اللائق به سبحانه وتعالى.
ومن أدلته قول الله جل وعلا: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾، [الشورى: 11]، وقول الله جل وعلا: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، [الأعراف: 180].
ويجب إجراء نصوص الكتاب والسنة في الأسماء والصفات على ظاهرها، وحملها على حقيقتها اللائقة بالله جل وعلا من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ بل يجب أن تمر كما جاءت بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل.
ويجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النمل: 74].
فكل صفة ثبتت في الكتاب والسنة نثبتها لله جل وعلا حقيقة، وندرك من إثباتنا معناها؛ لكن لا نشبهها بصفة المخلوق، ولا نتصور لها مثيلاً في أي هيئة أو صورة أو وصف كان؛ بل نكل كيفيتها إلى علم الله جل وعلا ونصفه بما وصف به نفسه؛ لأن عقولنا أعجز وأضعف من أن تحيط بذات الله جل وعلا علمًا بكيفية صفاته؛ قال تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾، [الأنعام: 103].
قال الوليد بن مسلم - رحمه الله: سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان الثوري – رحمهم الله – عن الأخبار الواردة في الصفات، فقالوا جميعًا: أَمِرُّوها جميعًا بلا كيف.
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة:
الملائكة عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وهم أصناف كثيرة مكلفة بأعمال مختلفة؛ فمنهم ملك الموت، وجبريل الموكَّل بالوحي، وإسرافيل الموكَّل بالجبال، وآخرون موكَّلون بحفظ بني آدم، وآخرون موكَّلون بإحصاء أعماله في الدنيا؛ قال تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾، [ق: 18]. وهم محجوبون عنا فلا نراهم، وقد خلقهم الله تعالى من نور كما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «خُلِقَت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم».
والأخت المسلمة حينما تستحضر عظمة الله وحفظ ملائكته وهم يحفظونها ويحصون عليها أعمالها فإنها وقتئذٍ يتقد حياؤها ويقوى يقينها، ويزداد إيمانها بالله سبحانه.
الأصل الثالث: الإيمان بالكتب:
والمراد بها: الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله رحمة بالخلق وهداية لهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، [الحديد: 25]، ويجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتبًا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه، والإيمان على سبيل التفصيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، كما يجب تصديق ما صح من أخبارها؛ كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدَّل أو يحرَّف من الكتب السابقة، ويجب العمل بما لم ينسخ منها والرضا والتسليم به؛ سواء فهمنا حكمته أم لم نفهمها، وأن القرآن الكريم هو أفضلها وخاتمها والمهيمن عليها والمصدق لها؛ قال تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، [الأنعام: 155].
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل:
ويجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، ثم الإيمان على سبيل التفصيل بمن سَمَّى الله تعالى منهم في كتابه العزيز أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾، [النحل: 36]، وقال تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾، [الأحزاب: 40]، وممَّن سمَّى الله من الأنبياء والرسل: نوح - وهو أولهم - وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم - صلوات الله وسلامه عليهم؛ قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ﴾، [النساء: 163]، ويجب الإيمان بأن هؤلاء الرسل هم بشر مخلوقون وعبيد من عباد الله تعالى، أكرمهم الله بالرسالة، فهم عباد الله مكلفون.
الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
والإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بفتنة القبر وأحواله وأهواله، ويوم القيامة وما فيه من الحساب والصراط والميزان ونشر الصحف بين الناس، والإيمان بالجنة ونعيمها وما أعدَّ الله لعباده الصالحين فيها، والإيمان بالنار وجحيمها وما أعده الله للعصاة والكفار فيها؛ فالواجب هو الإيمان بكل أحوال اليوم الآخر على الوجه الذي بيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم ودل عليه كتاب الله جل وعلا.
الأصل السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره:
ويتضمن هذا الأصل الإيمان بأربعة أمور:
1- أن الله سبحانه علم ما كان وما يكون، وعلم أحوال عباده وعلم أرزاقهم وآجالهم وجميع شؤونهم؛ فهو سبحانه لا يخفى عليه شيء؛ ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الملك: 14].
2- كتابته سبحانه لكل ما قدَّره وقضاه؛ كما قال سبحانه: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12].
3- الإيمان بمشيئة الله النافذة؛ فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج: 18].
4- أن الله سبحانه خلق جميع المخلوقات؛ فلا خالق غيره، ولا رب سواه، كما قال سبحانه: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: 62].
وجوب تعلم الفرائض ([13])
ومما ينبغي للأخت المسلمة علمهُ ومعرفته ما تصح به عبادتها، وأولها الفرائض؛ فيجب عليها تعلم ما تصح به طهارتها، وصلاتها وصومها، وكل ما تمس إليه حاجتها ولا تصح عبادتها إلا به، وعلى رأس ذلك كله أركان الإسلام الخمسة، وهي: الصلاة والصيام والزكاة والحج، وأما الشهادتان فقد سبق تفصيل الكلام عليهما في هذا الكتاب.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان»([14]).
ولمَّا كانت الصلاة هي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، وكانت – أيضًا – لا تصح إلا بالطهارة، فقد صار واجبًا على الأخت المسلمة معرفة أحكام الطهارة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن أهم ذلك: شروط الوضوء وفروضه ونواقضه، وكذلك أحكام الغسل والحيض والنفاس.
وأحكام الحيض كثيرة، وتمس حاجة النساء إلى معرفتها، ومن أهم تلك الأحكام ([15]):
1- أولاً: يحرم على الحائض الصلاة فرضها ونفلها، ولا تجب عليها الصلاة إلا أن تدرك من وقتها مقدار ركعة كاملة، فتجب عليها الصلاة، ومثاله: إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس بمقدار ركعة فيجب عليها إذا طهرت من حيضها أن تقضي صلاة المغرب كاملة؛ لأنها أدركت من وقتها مقدار ركعة قبل أن تحيض. ومثال آخر: إذا طهرت المرأة من الحيض قبل طلوع الشمس بمقدار ركعة، فيجب عليها إذا طهرت قضاء صلاة الفجر؛ لأنها أدركت من وقتها جزءًا يتسع لركعة.
2- لا يحرم على المرأة الحائض التقرب إلى الله بالذكر والدعاء والتكبير والتسبيح وقراءة العلوم والحديث واستماع القرآن؛ وأما قراءة القرآن نطقًا باللسان فلا يجوز لها ذلك عند جماهير العلماء، وأما قراءة القرآن تأملاً بالنظر والقلب فلا بأس به.
3- يحرم على الحائض الصوم فرضًا ونفلاً، ويجب عليها قضاؤه دون قضاء الصلاة، ويبطل صيام الحائض إذا حاضت في يومها ولو قبل غروب الشمس بلحظة، ويجب عليها قضاء ذلك اليوم، والعبرة في الحيض بخروج الدم لا بإحساس الحيض، وأما إذا طهرت المرأة قبل الفجر صح صومها لذلك اليوم ولو لم تغتسل إلا بعد طلوعه.
4- يحرم على الحائض المكوث في المسجد حتى المصلى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، وفيه يعتزل الحيض المصلي»([16]).
5- يحرم على المرأة الحائض الجماع؛ فلا يجوز لها أن تمكن زوجها من مجامعتها؛ كما لا يجوز له أن يكرهها عليه؛ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾، [البقرة: 222].
والمراد بالمحيض زمان الحيض ومكانه وهو الفرج؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح» [يعني الجماع]([17])؛ ومن هذا فليس للأخت المسلمة أن تمنع زوجها من مداعبتها والاستمتاع ببعضهما لكن في غير فرجها. والله تعالى أعلم.
6- يجب على الحائض إذا طهرت أن تغتسل؛ بتطهير جميع البدن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش: «فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي»([18])، وأقل واجب الغسل أن تعمم بالماء سائر بدنها حتى ما تحت الشعر، والأفضل أن يكون على صفة ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث سألته أسماء بنت شكل عن عمل المحيض فقال صلى الله عليه وسلم: «تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة مُمَسَّكة - أي قطعة قماش فيها مسك - فتطهر بها». فقالت أسماء: كيف تطهر بها؟ فقال: سبحان الله. فقالت عائشة لها: تتبعين أثر الدم»([19]).
فهذه من مهمات أحكام الحيض مما لا ينبغي للأخت المسلمة الجهل به.
ومما يجب عليها معرفته أيضًا أحكام الصلاة؛ فيجب عليها معرفة أركانها وواجباتها ومبطلاتها، كما يستحب لها معرفة سننها؛ لأن الصلاة هي عمود الدين؛ فمن أقامها أقام الدين ومن ضيَّعها فقد سلك سبيل الغاوين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة»([20]).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا حَظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
وأحكام الصلاة جميعها مبسوطة في كتب الفقه وأشرطة العلماء لمن أراد معرفتها بأدلتها الشرعية. والله تعالى أعلم.
وكذلك يجب عليها معرفة أحكام الصيام وشروطه ومفسداته وقوادحه؛ لأن ذلك هو الكفيل بتصحيح صيامها وإقامتها لهذا الركن العظيم، وإن كان وجوب تعلم ذلك عليها لا يتعين إلا عند وجوب الصيام نفسه؛ سواء بحلول شهر الصيام، وببلوغها أهلية الصيام، وكذلك واجب عليها معرفة أحكام الحج إن هي استطاعت إليه سبيلاً، وكذلك أحكام الزكاة إن ملكت النصاب ودار عليها الحول؛ فإن لم تكن أهلاً لتعلم ذلك وجب عليها توكيل أمرها لمن تثق في دينه وورعه وعلمه؛ حتى تؤدي حق الله في ذلك.
* * *
وجوب العلم بالواجبات
ومما لا ينبغي للأخت المسلمة الجهل به الواجبات الشرعية التي تلزم الحاجة معرفتها في أعمالها اليومية، ومن أهم ذلك: أحكام العِشرة الزوجية، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وتربية الأبناء، والحجاب.
أولاً: الواجبات في العشرة الزوجية:
فمن أهم الواجبات في العشرة الزوجية معاشرة الزوج بالمعروف، ولقد جعل الله جل وعلا على عاتق الرجل حقوقًا له على زوجته، كما جعل للمرأة حقوقًا لها على زوجها، وجعل العشرة الزوجية الطيبة في إعمال تلك الحقوق في الحياة الأسرية.
ومما يجدر بالمرأة معرفته أن لزوجها عليها جملة من الحقوق والواجبات، أهمها:
* حق الطاعة في المعروف: قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ﴾، [النساء: 34]، ومعنى قانتات: أي مطيعات لأزواجهن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره»([21]). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصَّنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت»([22]).
وكثير من النساء قد غلطن في معرفة هذا الحق للزوج، وطغى عليهن ما استشرى بين الناس من الغلظة على الزوج، ومخالفته، وإلغاء القوامة التي جعلها الله من حقوقه وأوصافه، فأصبحت المرأة في كثير من الأحيان لا ترى للزوج عليها حق الطاعة مطلقًا؛ بل منهن من تخاطب الزوج بلغة الأمر والنهي، فعوضًا من أن تكون طائعة أصبحت آمرة، وما ذلك إلا بسبب موجة التحرير المزعوم، واختلاط المفاهيم في أذهان كثير من النساء، وكذلك بسبب سوء تصرف بعض الأزواج - إن لم نقل الكثير منهم - في حقوق زوجاتهن.
والأصل أن المسلمة تلزم بما أمرها به الله جل وعلا من احترام زوجها وطاعته؛ تقربًا إلى الله وابتغاءً لمرضاته، ثم إذا رأت منه مكروهًا فإن شاءت صبرت، وإن شاءت عالجت ظلمه لها بالحكمة والنصيحة واستشارة أهل الصلاح. والله من وراء القصد.
ثانيًا: بر الوالدين:
قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، [النساء: 36].
وفي الجمع بين النهي عن الشرك والإحسان بالوالدين من الدلالة على عظم حقهما ومكانتهما ما لا يخفى، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية: «يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب؛ فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يمد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما»([23]).
ثالثًا: صلة الأرحام:
والأرحام هم الأقارب؛ فيجب على الأخت المسلمة صلتهم بما جرى به العرف واتبعه الناس؛ اللهم إلا إذا كانت أعراف بعض البلدان مبنية على القطيعة؛ كالحال في بعض دول الكفر؛ فينبغي وقتئذ القيام بواجب الصلة وفق ما يتهيأ للأخت المسلمة؛ حتى تطمئن نفسها لواجب الصلة؛ قال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾، [محمد: 22، 23]؛ فبيَّن الله سبحانه أن الذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم ملعونون والعياذ بالله؛ أي مطرودون ومبعدون عن رحمة الله.
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها: أن أمها قدمت عليها المدينة وهي راغبة، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم هل تصلها أم لا؟ وقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أَفَأَصِلُها؟ فأمرها أن تَصِلَها.
وفي هذا الحديث دليل على أن الأخت المسلمة تصل أقاربها ولو كانوا كافرين؛ لأن لهم حق القرابة، ويدل على هذا أيضًا قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾، [لقمان: 15].
رابعًا: تربية الأبناء:
فرعاية الأبناء وتربيتهم مسؤولية ملقاة على عاتق الأخت المسلمة في بيتها، وعليها أن تربي أبناءها على الإسلام، وأن تبادر بتعليمهم الصلاة في الصغر، وأن تعوِّدهم على الخير والطاعات والأخلاق الحسنة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»([24]).
خامسًا: الحجاب:
فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، [الأحزاب: 59]، وقال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾، [الأحزاب: 33]، قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال؛ فذلك تبرج الجاهلية.
وعلى الأخت المسلمة أن تحيط علمًا بمفهوم الحجاب في الإسلام مقتفية آثار النصوص الدالة على شروطه ومواصفاته وحالاته؛ فرب لابسة للحجاب قد صدق عليها مسمى التبرج والسفور؛ إذ الحجاب ليس هو كل لباس تلبسه المرأة المسلمة أمام الأجانب عنها بالطريقة التي تراها مناسبة لها؛ ولكنه لباس قد بيَّن الله نعوته وأوصافه، وبيَّن حدوده وشروطه؛ فلا ينبغي أن يكون لباسها ضيِّقًا يصف عورتها وذاتها؛ كما يجب ألا يكون شفافًا يبدي جسدها، كما يجب أن يبعد عن التشبه بالرجال والكافرات، وأن يكون خاليًا من الطيب والعطر والبخور وما في معناه، ولا أن يكون هو نفسه زينة تتزين بها المرأة خارج بيتها؛ فالمقصود من الحجاب هو الستر وحفظ الأعراض من التهتك والانحلال، وتحقيق الحياء والفضيلة في المجتمع، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بالالتزام بالحجاب الذي أنزله الله مبينًا وصفه ونعته، ولئن كانت شروط الحجاب لم تجتمع في آية بعينها جملة، إلا أن العلماء قد استنبطوها من كثير من النصوص بالاستقراء، وجعلوها حدًّا فاصلًا بين التبرج والحجاب.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
([1]) انظر العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص: 76- 176.
([2]) رواه البخاري.
([3]) حديث حسن رواه البيهقي والطبراني وغيرهما.
([4]) المقاصد الحسنة للسخاوي ص277.
([5]) الإحكام لابن حزم (1/325).
([6]) رواه البخاري ومسلم.
([7]) باختصار من الكتب التالية: «العقيدة الواسطية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، «العقيدة الصحيحة وما يضادها» لابن باز رحمه الله، «عقيدة أهل السنة والجماعة» لابن عثيمين رحمه الله، «الدروس المهمة لعامة الأمة» لابن باز رحمه الله.
([8]) رواه مسلم.
([9]) انظر تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله ص33-34.
([10]) رواه البخاري ومسلم.
([11]) رواه أحمد وغيره بإسناد جيد.
([12]) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
([13]) ويستحسن البدء بمدارسة كتاب: الدروس المهمة لعامة الأمة للعلامة ابن باز رحمه الله، مع شرحه. وكذلك كتاب الفقه الميسر للشيخ صالح بن غانم السدلان.
([14]) رواه البخاري ومسلم.
([15]) انظر كتاب: رسالة في الدماء الطبيعية للنساء، للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
([16]) متفق عليه.
([17]) رواه مسلم.
([18]) رواه البخاري.
([19]) رواه مسلم.
([20]) رواه مسلم.
([21]) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (1838).
([22]) رواه ابن حبان ومالك وحسنه الألباني في كتاب آداب الزفاف ص(286).
([23]) الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/66).
([24]) متفق عليه.