من أحكام تعدد الزوجات
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> شؤون النساء
- فقه >> الأسرة >> حكم النكاح وفضله >> تعدد الزوجات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
من أحكام التعدد
1- يجب العدل بين الزوجات ، قال ربنا جل في علاه: }فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ{ [النساء:3] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» [رواه أحمد والأربعة].
والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة، وهل العدل في الواجب من ذلك فقط، أم يشمل العدل في الواجب والمستحب والمباح؟
فعلى القول الأول يجب العدل في الواجب من النفقة والملبس والمسكن، فما فضل بعد ذلك من مال أو ملابس أو حلي أو سعة في مسكن فهذا كله لا ينافي العدل، لأن ما زاد نفل، والنفل فضل، وهذا اختيار شيخنا ابن باز، ونص عليه أحمد رحمهما الله. انظر المغنى (10/242) وهو قول أكثر أهل العلم وجمهورهم، ولهذا قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في فتح الباري على قول البخاري (باب العدل بين النساء) وذكر الآية }وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ ...{ [النساء: 129] قال ما نصه: أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة، وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن، فإذا وفي لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة.اهـ.
والقول الثاني: العدل واجب في كل ما يقدر عليه مما يجب عليه أو يستحب أو يباح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله صاحب الإنصاف، وكذلك اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض أهل العلم : التسوية في مثل هذا تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فسقوط وجوبه أقرب.
وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب، ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه، والجزاء من جنس العمل، فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
أما العدل في المحبة والجماع ، فعامة العلماء على عدم وجوبه، لأنه ليس في ملكه ، ولهذا قال ابن القيم في الهدي (5/151) «لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تملك، وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه، وأخذ من هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء ، لأنه موقوف على المحبة والميل، وهي بيد مقلب القلوب، وفي هذا تفصيل وهو أنه إن تركه لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فهو معذور، وإن تركه مع الداعي إليه ولكن داعيه إلى الضرة أقوى، فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه، فإن أدى الواجب عليه منه لم يبق لها حق ولم يلزمه التسوية، وإن ترك الواجب منه فلها المطالبة به».اهـ.
وقد روى أبو داود والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: «اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» ورواه حماد بن زيد عن أيوب فأرسله، لم يذكر فيه عائشة وهو المحفوظ.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عائشة أكثر من سائر أزواجه، وهذا أمر مشهور عنه صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيح عن عمرو بن العاص لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها.. الحديث.
وبوب البخاري: باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض على حديث ابن عباس، والجماع تابع لشهوة النفس وانبعاثها ومحبتها...
وحيث قلنا: لا يجب العدل في الجماع لكن يجب أن يعفها ويعاشرها بالمعروف، وكذلك لا يجب العدل في مقدمات الجماع من أنواع الاستمتاعات لكن يستحب ذلك ، وروي عن بعض السلف أنه كان يعدل بين نسائه حتى في القبل.
2- القسم يكون بين الزوجات يوم لهذه ويوم لتلك.. فإن أحب أن يقسم يومين أو ثلاثة ثلاثة فقيل : يجوز له ذلك، وقيل: بل لابد من رضاهن فيما زاد على اليوم، وهذا أرجح، لأن في العمل به إزالة الوحشة عنهن لقرب عهده بهن، اللهم أن يكون للزوج غرض صحيح في الزيادة على اليوم لا يمكن إدراكه إلا بذلك، فيجوز والحالة هذه بلا رضاهن.
3- القسم يكون للمريضة والحائض والنفساء، فلا يسقط حقهن في القسم لأجل ما عرض لهن، وكذا يقسم لمن آلى منها أو ظاهر منها أو من كانت رتقاء أو محرمة ، وكذا يقسم للكتابية والمجنونة إلا أن تكون غير مأمونة، لأنه لا يحصل الأنس بها ولا لها، وكذا يجب القسم على الزوج المريض والعنين والمجنون إلا أن يكون غير مأمون ، لأنه لا يحصل منه أنس، وأصل المسألة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-يقول في مرضه : «أين أنا غدا» [رواه البخاري] ولأن القسم القصد منه السكن والأنس، وهو حاصل بالمبيت.
4- إذا مرضت إحدى زوجاته ولم يوجد لها متعهد أو ممرض واحتاجت لتعهد زوجها فإنه يمكث معها ويقضي للباقيات بعد البرء، فإن ماتت تعذر القضاء، لأنه إنما يحسب من نوبتها، وإذا تعذر القسم للمريضة من أجل كونها في المستشفى، فإنه لا قسم لها، ولا يقضي لها بعد خروجها من المستشفي كسفرها في حاجتها بإذنه على القول الراجح.
5- القسم عمادة بالليل، والنهار تبع له، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي» وإنما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نهاراً، والنهار يتبع الليلة الماضية، وأما من كان معاشه بالليل كالحارس ونحوه فقسمه يكون بالنهار.
6- الزوجة المغمى عليها يسقط حقها في القسم لتعذر حصوله لها ولا قضاء لها.
7- لا قسم للناشز ولا المطلقة الرجعية.
8- يجوز الدخول على نسائه نهاراً والمكث قليلاً ولو في غير نوبتهن، ولهذا قال البخاري : «باب دخول الرجل على نسائه في اليوم» ثم أسند حديث عائشة قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن...»
ولفظه عند أبي داود «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا، وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها، فيبيت عندها» ولفظ البيهقي (7/300) «يطوف علينا جميعاً فيقبل ويلمس ما دون الوقاع...»
وهذا الدخول للحاجة من دفع نفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارة لبعد عهده بها، وكذلك للتأنيس والمباشرة والتقبيل من غير جماع.
وهذا كما ترى لا ينافي العدل بل هو العدل، ولهذا قال ابن القيم في الهدي (5/152) فيحكمه صلى الله عليه وسلم في قسم الابتداء والدوام بين الزوجات، وذكر من فوائد حديث عائشة : «أن الرجل له أن يدخل على نسائه كلهن في يوم إحداهن ولكن لا يطؤها في غير نوبتها».
وأما الدخول ليلاً لغير صاحبة النوبة فقد صرح العلماء بتحريمه إلا لضرورة تستدعي ذلك كحريق ومرض مفاجئ، ونحو ذلك من الضرورات أو الحاجات الملحة.
9- يجوز للرجل جماع نسائه كلهن في ساعة واحدة ولو كان في نوبة إحداهن، فقد روى البخاري من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن (إحدى عشرة» قال قتادة : قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين . وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس: (تسع نسوة) وبوب عليه البخاري «من طاف على نسائه في غسل واحد» وجاء نحوه عن عائشة قالت : «كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضح طيباً » أخرجه البخاري أيضاً، فمثل هذا جائز كما ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا بإذن صاحبة النوبة أو كان عادة للإنسان أنه ربما وطئ نساءه كلهن في نوبة إحداهن، فلا بأس إذ لا جور في ذلك بل هو عدل، وقد كان هذا من عادة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فإن اغتسل بعد كل جماع فحسن، وإن توضأ فهو حسن، وأقل الأحوال أن يغسل ذكره حتى لا تختلط المياه لاختلاف الأرحام.
10- إذا تزوج البكر على الثيب (زوجته أو زوجاته السابقات) قطع الدور، وأقام عند البكر سبعة أيام ثم قسم، وإذا تزوج ثيبا على زوجته أو زوجاته السابقات قطع الدور وأقام عندها ثلاثة أيام ثن قسم، فإن أرادت الثيب الجديدة أن يمكث عندها سبعاً فلها ذلك إذا رضي الزوج، فإن سبع لها سبع لسائر زوجاته، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعاً وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم . قال أبو قلابة الراوي عن أنس : لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثاً، فأراد أن يخرج فأخذت بثوبه فقال لها: «إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي، وإن شئت ثلثت ثم درت قالت: ثلث» أ.هـ (من مجموع الألفاظ عند مسلم).
ومعنى قوله: (ليس بك على أهلك هوان) يعني «بأهلك» نفسه عليه الصلاة والسلام، ومعنى «هوان» أي هون، يريد أنك عزيزة وغالية ولكن هذا القسم هو الحق.
وتخيير الزوج الثيب بين ثلاث وسبع ليس بواجب بل هو سنة، ولا يجب على الزوج مشاورة البواقي فيما تختار الثيب الجديدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشاور زوجاته في ذلك.
فإن قيل: لم زاد الثيب أربعة أيام وقضي البواقي سبعاً؟
قيل: هذا من العدل، لأنه أخر حقهن وزاد الأولى أربعاً.
فإن قيل: لم خص البكر بسبع والثيب بثلاث؟
قيل: الحكمة ظاهرة لوجهين.
أولا : قوة الرغبة في البكر غالبا (وفي هذا مراعاة الرجل).
ثانيا: استيحاش البكر من الرجال غالبا، فزيد في المدة للاستئناس (وفي هذا مراعاة للمرأة).
11- وإذا تزوج بكراً على بكر، ويتصور هذا لو عقد على بكر وتردد عليها من غير جماع ، ثم تزوج بكراً أخرى، فهل حكمه كحكم من تزوج بكراً على ثيب؟
الجواب: نعم ويكون معنى قوله: (تزوج البكر على الثيب) من باب الأغلب مع أن هذه الصورة نادرة.
12- تجب الموالاة في سبع البكر وثلاث الثيب، ولو فرق لم تحسب أصلا على القول الراجح.
13- بعد انقضاء أيام البكر أو الثيب يدور على باقي نسائه، وتصبح الجديدة آخرهن نوبة.
14- إذا سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو برضا البواقي تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى.
15- إذا أقام الزوج عند الثيب سبعاً، فأقام بغير اختيارها في الأربع الزائدة فإنه يقضي للباقيات الأربع الزائدة فقط، لأن مكثه عندها بغير رضاها فلم تؤاخذ به.
16- وإذا تزوج بكرين في عقد واحد كما لو عقد له رجل على ابنته وابنة أخيه (ابنتي عم) فإنه يقرع بينهما، فإذا خرجت قرعة إحداهن مكث عندها سبعا ثم الأخرى سبعاً ، وإن تقدم عقد إحداهما على الأخرى فزفت إليه قبلا فهي المقدمة بلا قرعة.
17- إذا تزوج امرأة بكراً أو ثيبا وليس عنده غيرها، فلا يتعين عليه التسبيع أو التثليث، لأنه لم ينكحها على غيرها، وهي طلق له دهرها ، فلم تقع المشاحة في الزمن حتى يلزمه التسبيع أو التثليث على القول الراجح.
18- لو تزوج وهو في سفر ومعه بعض نسائه قسم للجديدة ثلاث أو سبع (بحسب حالتها) ثم عدل بينها وبين المستصحبات في السفر.
19- إذا سافر الزوج بنسائه كلهن أو بدونهن فلا إشكال، وكذا إذا سافر بواحدة أو أكثر وترك البعض ورضيت المقيمات بذلك فلا إشكال أيضاً، فإن أبين فلا بد من القرعة، فمن خرجت قرعتها سافر بها سواء في يومها أو في يوم غيرها، وإذا عاد من سفره قسم لهن ولم يقض للمقيمات.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه) قال ابن القيم في الهدى (5/151): «إذا أراد السفر لم يجز أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة، وقال : إنه لا يقضي للبواقي إذا قدم، فإن رسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي للبواقي ».اهـ.
أما إذا خرج بدون قرعة بإحداهن أو بعضهن فإنه إذا قدم يقضي للبواقي حقهن متواليا، ويحسب عليه مدة غيابه بما فيها الذهاب والإياب، وقولنا : يقضي حقهن متواليا، لأن هذا حق مجتمع في ذمته فليقضه من غير تأخير، ومن ضرورة ذلك التوالي، ولا يسقط عليهن إلا بإذنهن قال في الإنصاف : إذا رضي الزوجات بسفر واحدة معه، فإنه يجوز بلا قرعة، نعم إذا لم يرض الزوج بها وأراد غيرها أقرع.اهـ.
قلت: فإن خرج سهم التي لم يردها أولا لزمه السفر بها.
20- إذا سافر بزوجتين بقرعة عدل بينهما، فإن ظلم إحداهما قضي لها بالسفر، فإن لم يتفق قضي في الحضر من نوبة التي ظلمها بها.
21- لو استصحب واحدة بقرعة وأخرى بلا قرعة عدل بينهما أيضاً، ثم إذا رجع قضي للمخلفة من نوبة المستصحبة بلا قرعة.
22- إذا سافر الزوج بامرأة لحاجتها فإنه يقضي للبواقي.
23-إذا سافرت الزوجة في حاجة لها ولزوجها جميعا فلا يسقط حقها في القسم ، فيقضي لها إذا عادت، وضم حاجتها إلى حاجته لا يضرها.
24- إذا خرجت القرعة لإحداهن في السفر لم يجز السفر بغيرها، فإن أبت صاحبة القرعة فله إكراهها على السفر معه، فإن أبت فهي ناشز عاصية وللزوج استئناف القرعة مرة أخرى.
25- من لا يمكن اصطحابها في السفر لمرض أو نحوه فإنه يخرج بالأخرى، فإن كن أكثر من اثنتين أقرع بينهن، لأن القرعة إنما تكون مع استواء حالهن وصلاحيتهن للسفر، وهذه قاعدة القرعة.
26- إذا سافرت المرأة في حاجة لها بإذن الزوج فلا قسم لها، فإذا عادت لا يقضي لها على القول الراجح، وإذنه لها لدفع الإثم عنها، وأما إذا سافرت في حاجة له أي للزوج بإذنه، فإنه يقضي لها إذا عادت، وأما إذا سافرت في حاجة لها بلا إذن الزوج فهي عاصية ناشز لا قسم لها ولا نفقة.
27- لو سافر ببعض نسائه بقرعة فأراد إبقاء إحداهن أو بعضهن في بعض المنازل في السفر فبالقرعة.
28- لو خرج مسافراً وحده ثم نكح في سفره لم يلزمه القضاء للباقيات، لأنه تجدد حقها في وقت لم يكن عليه تسوية، وإن خرج لأجل النكاح احتسب عليه مدة الغياب بعد حق المنكوحة.
29- إذا سافر بإحدى زوجاته بقرعة إلى محل ثم بدا له غيره أو أبعد منه فله أن يصحبها معه، لأن حكمه حكم سفر القرعة.
30- إذا تزوج امرأة وأراد السفر بها لم يجز إلا بقرعة بينها وبين نسائه، ويحتمل أن له السفر بلا قرعة، ووجه ذلك أن القسم قسمان: ابتدائي، واستمراري، وهذه الجديدة قسمها ابتدائي بنص الحديث تستحقه بلا قرعة، وشرط القرعة تساوي جهات الاستحقاق، وهذه لها البداءة كما لو تزوجها ومكث أياما ثم سافر بها قبل انقضاء حق العقد، فلم يحتج إلى القرعة، فكذا في مسألتنا، ويتداخل حق العقد مع حق السفر، فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي بها حق العقد أتمه في الحضر.
31- للمرأة أن تهب ليلتها لإحدى ضراتها، فإن لم يقبل الزوج فإنه يقسم للواهبة ويرد هبتها، وإن قبل فلا يجوز للزوج جعلها لغير الموهوبة، وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء منهن، وفي حال هبتها لضرتها إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسم لها ليلتين متواليتين، وإن كانت لا تليها، فهل له نقلها إلى مجاورتها؟ الصحيح عدم الجواز إلا بإذن البواقي، لأن في ذلك تأخير حق غيرها، وتغيير لليلتها بغير رضاها، (وهو اختيار صاحب المغنى) وللزوج إن وهبته إحدى نسائه ليلتها له أن يجعلها مرة لإحدى نسائه ومرة لأخرى، أو يجعله مشاعاً بينهن، ومعنى مشاعاً بينهن أن وجود الواهبة كعدمها فيبقى القسم للأخريات بينهن.
وأصل المسألة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة).
وللواهبة أن ترجع متى شاءت في المستقبل دون الماضي، لأن الأيام تتجدد، فهي هبة في شيء لم يقبض، فحقها يتجدد، أما الماضي فقد قبض ولا رجعة لها فيه.
وقولنا: (للواهبة أن ترجع متى شاءت) هذا ما لم يكن صلحاً بينهما كما لو كره الزوج المقام معها أو عجز عن حقوقها أو بعض حقوقها فخيرها بين الطلاق وبين المقام معه على أن لا حق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بعض ذلك بحسب ما يتفقان عليه، فإن رضيت بذلك لزم وليس لها المطالبة بعد الرضا، وليس لها الرجوع بعد ذلك ، فإن هذا الصلح جرى مجرى المعاوضة، وهذا هو الصواب الذي لا يسوغ غيره .أهـ انظر الهدي (5/153).
32- لو وهبت نوبتها لمرأة معينة وأذن الزوج وأبت الموهوبة فيقسم للموهوبة ولا يشترط رضاها.
33- إذا شق القسم على الزوج المريض فإنه يستأذن زوجاته في المكث عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أذن له مكث عند إحداهن ، فإذا أبين إلا أن يدور أو تشاححن ولم يكن به قدرة على الدوران فإنه يقرع، فأيتهن خرج سهمها مكث عندها، وعلم مما تقدم أنه إذا كان مرضه لا يمنعه من القسم فيجب عليه القسم.
34- القسم في أثناء السفر في النزول والمسايرة في الطريق.
35- إذا رغبت المريضة والنفساء ونحوهن في تأخير قسمهن ثم القضاء بعد متواليها لم يجز إلا برضا الزوج وإذن سائر نسائه.
36- من كان له امرأتان في بلدين فعليه العدل بينهما، لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه، فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان فهي ناشز لا حق لها في القسم، وإن أحب أن يقسم بينهما في بلديهما ولم يمكن القسم ليلة ليلة جعل القسم على حسب ما يمكن كشهر أو أكثر أو أقل.
37- يجوز للمرأة أن تبذل قسمها لزوجها بمال فتعارضه على ليلتها على القول الراجح، وأما بذلها مالا لزوجها ليزيدها في القسم على حساب ضراتها فحرام، لأنه رشوة.
38-من أتاها زوجها ليبيت عندها فاغلقت بابها دونها ومنعته من الاستمتاع أو قالت: لا تدخل علي، فهي ناشز لا قسم لها.
39- إذا طلق الرجل إحدى زوجاته طلاقا رجعيا وكان عنده أربع زوجات، فلا يحل له أن يتزوج ما دامت المطلقة في العدة، لأن الرجعية لا تزال في عصمة الزوج ، فلا يحل أن يجمع تحته خمسا، وحينئذ يجب أن ينتظر الزوج حتى تخرج مطلقته من العدة.
40- تجزئ أضحية واحدة عن الرجل ونسائه، ولهذا ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته، وأما الهدايا في الحج فعلى كل واحدة هدي إذا تمتعت أو قرنت.
41- لا يجوز أن تؤخذ بويضة المرأة ثم تلقح بماء زوجها ثم توضع في رحم ضرتها.
42- لو مات الزوج فلزوجته أن يغسلنه، فإن وضعت إحداهن وهو على السرير فلا يجوز لها أن تغسله لخروجها من العدة وحلها للأزواج.
43- إذا مات المعدد يحد جميع نسائه، وهذا لا خفاء به، لكن عند بعض النساء اعتقاد فاسد أنه إذا ولدت إحداهن بعد موته ولدا فإنها ترفع الإحداد عن نفسها وعن سائر ضراتها، وهذا باطل، فالبواقي على إحدادهن حتى يخرجن من العدة على حسب حالهن.
43- إذا حبس الزوج فهو باق على نصيبه منهن وهن كذلك، فإذا أمكن خروجه إليهن أو ترددهن إليه فذاك، ولو تباعد ما بين ذلك فهو على ترتيب النوبات.
وختاماً: أقول: والعاقل من الأزواج صاحب الدين يستطيع صيانة دينه ونفسه وعرضه دون كثير عناء والأحمق منهم لا يزيده ما ذكرت إلا بلاء وفتنة وحيرة، والموفق من وفقه الله، والمهتدي من هداه الله، والصلاة والسلام على رسول الله.