×
هذه الرسالة كتبَها المُصنِّف رحمه الله ردًّا على أحد الدعاة في جنوب المملكة أفتى بجواز عادة (رد الشأن)، واستدلَّ على ذلك بأدلَّة. وقد بيَّن فيها: أقوال أهل العلم من أئمة المُفسِّرين، وعلماء الحديث، وعلماء اللغة في بيانهم أن الجيرة في القرآن والسنة هي للمُشرك والحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذِمَّة، وبيَّن أن الجيرةَ المعروفة عند بعض قبائل جنوب المملكة العربية السعودية، وخاصة قحطان، وشهران، ويام، ليست جِيرة شرعية؛ بل هي جِيرة بدعية، منظمة على ثوانين، وأحكام قبليَّة، مُحددة بأنواع جاهلية، وقد كان أول من ابتدَعها، وأسس قواعدها هو: حقيب آل شريم من قحطان عام 1100 هـ تقريبًا.

 الجيرة بين المشروع والممنوع

سعيد بن علي بن وهف القحطاني



 1- تقديم([1]) معالي العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان (حفظه الله)([2])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني وفقه اللَّه.

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد.

فقد كتبت عدة سطور لتحقيق بعض ما رغبتم مني، وهو وإن قلَّ، فإن ما لا يُدرك كلُّه، لا يُردُّ قِلُّه، ولم أشأ أن أسرد أدلة، أو أزيد نقولاً، أو أشرح وجهة نظر، بل أريد من يقع بيده كتابكم أن يقرأه، وسوف يعرف فساد فكرة من يدعو إلى اعتماد «ردّ الشأن» تلك الفكرة المنطوية على تشريع ما لم يأذن به اللَّه، وعلى لمْزِ الدولة، واتهامها بالتقصير، وقد أعجبني كتاب سمو أمير منطقة عسير، الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز رحم اللَّه أمواتنا، وأمواته، فقد اشتمل كتابه على الحزم، والشهامة الشرعية، فإن صيانة الشأن بما فيه الأمن، والزجر عن الفساد: من مهمات الدولة، حفظكم اللَّه، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المحب

صالح بن محمد اللحيدان

12/ 3/ 1434هـ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

فضيلة الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، سلمه اللَّه، وبارك فيه.

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، وبعد.

فأفيد فضيلتكم أنني اطلعت على ما رغبتم مني الاطلاع عليه مما أسميتموه: «الجيرة بين الممنوع والمشروع»، وقد بذلتم جهداً واضحاً في بيان فساد ما يسمى بـ«ردّ الشأن» الذي له وجود عند عوامِّ بوادي جنوب المملكة العربية السعودية، وقد رغبتم مني كتابة مقدمة ولو مختصرة لذلك البحث؛ ولعلمي بأن مثل هذا الأمر يخفى له أن يُقْرأ ما أُعِدَّ لبيان فساده بتعمُّقٍ، غير أنكم أخبرتموني أن البحث على وشك الخروج من المطبعة، وأبديتم الرغبة بأن أكتب، لذا أقول: إن ما زُعِمَ أنه جيرة مشروعة أمرٌ باطلٌ، وسبق أن صدر من مجلس القضاء الأعلى شيء يقتضي منعه، وذلك قبل حوالي عشرين سنة، وحفظ الأمن، ومنع التعدي من مهمات الدولة، وإجارة الخائف لها مسارها الشرعي الذي يرعاه ولاة الأمر، وأنت يا شيخ سعيد قد استدللت على ما كنت تريده بالنصوص الشرعية، وفتاوى دار الفتوى، وفتاوى ونصوص العلماء، مما أسأل اللَّه أن يثيبك عليه أجزل الثواب، ولا أحب أن أستعرض ما تضمنه كتابك «الجيرة»، وإنما أرجو أن يقرأه من يحصل عليه ليرى فساد رأي من يدعو لقبول ما يسمى -رد الشأن؛ ليعلم أنه دعوىً لأعراف جاهليَّة، وسوف يرى من يقرأ هذه الرسالة: الأدلة ، وبيان العلماء من مشايخنا، وزملائنا، ثم إنه يعجبني مواقف أمراء المناطق الذين تصدوا لهذه الفكرة الفاسدة «رد الشأن» بالمنع، والتحذير منها، أسأل اللَّه أن يحفظ على بلادنا أمنها على دينها، ودنياها، وأن يرزق عامة البوادي والحواضر صدق الرجوع إلى أحكام الشرع في كل مشكلة تعرض لفرد، أو جماعة، وأن يُعمِّمَ اللَّه ذلك في بلاد الإسلام، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه، وسلم.

كتب ما هو أعلاه

صالح بن محمد اللحيدان

12/ 3/ 1434هـ


 2- تقديم العلامة صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله([3])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه أجمعين أما بعد:

فقد اطلعت على كتاب «الجيرة بين الممنوع والمشروع »، الذي أعده أخونا الفاضل الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني وفقه الله، وموضوع الكتاب عظيم؛ لأنه يعالج قضية خطيرةً، تتضمن منكراً، وهو ما يعرف عند قبيلة قحطان، وقبائل أخرى بالجيرة؛ وهي عادة قبيحة مشتملة على مفاسد عظيمة، وصورتها كما ذكر المؤلف: «أنه إذا اعتدى شخص على شخصٍ، فجنى عليه بقتل، أو ضرب أراق الدم؛ فإن قبيلة الجاني المعتدي يذهبون إلى قبيلة أخرى فيقولون لهم: «ترانا رادّين فيكم الشأن من قبيلة آل فلان» المجني عليهم، على حسب لهجتهم، أو نحو ذلك من الألفاظ، مع العلم أن الجاني قد هرب... فعند ذلك تقوم القبيلة المردود فيهم الشأن، ويلبسون السلاح... ثم يذهبون إلى قبيلة المجني عليه، فيقولون: «تراكم مقروعين من آل فلان»، أي قبيلة الجاني، على حسب لهجتهم، أو نحو ذلك من الألفاظ، فتصبح قبيلة الجاني ... كلها تحت هذه الجيرة،... وقد تخاف قبيلة المجني عليه تحت هذا التهديد، ولا يحصل شيء من الاعتداء في الغالب، ... لكن لو لم يخافوا وحصل منهم اعتداء على قبيلة الجاني أو الجاني... فإن القبيلة المردود فيهم الشأن يقومون بأخذ المثار من أي شخص من القبيلة التي لم تستجب لرد الشأن، سواء عندهم في ذلك الجاني، أو أي فرد من أفراد قبيلته، والمثار نثر الدم ...، وذكر أنواعها، ومراتبها، وما يترتب على كل نوع منها، وذكر جملة من المفاسد العقدية والاجتماعية المترتبة على هذه العادة القَبَليَّة القبيحة (الجيرة) أو (رد الشأن)، أخطرها مفسدتان:

١- إيثار التحاكم إلى قانون الجيرة على التحاكم إلى شرع الله.

٢- ما يتضمنه قانون الجيرة من الظلم والعدوان بين القبائل؛ قبيلة المجني عليه، وقبيلة الجاني، والقبيلة المجيرة أو (المجوِّرة) كما ذُكر في توصيفها.

وقد بيَّن المؤلف بما ذكره من الأدلة وأقوال أهل العلم خطر هذين الأمرين على عقيدة المسلم، وأن ذلك قد يفضي إلى أنواع من الكفر.

وقد قصد المؤلف في هذا البحث أمرين:

أحدهما: إنكار هذه العادة الجاهلية، وبيان بطلانها شرعاً وعقلاً.

والثاني: الرَّدُ على من أفتى بجوازها.

وتمم البحث بذكر الجيرة الشرعيَّة الجائزة، وبما تضمنه البحث يتضح الفرق بين الجيرة الجاهلية الممنوعة والجيرة المشروعة، فالجيرة الجاهلية مستمدة من آراءٍ واستحسانات لجهالٍ لم يصدروا فيما شرَّعوه عن عقلٍ ولا شرع، وحقٌ لما هذا شأنه، أن يكون فساداً لا صلاح فيه، وشرَّاً على من قبله وعمل به في دينه ودنياه، فحماية الظالم والعدوان على البريء من أعظم المنكرات، فكيف إذا جُعل ذلك قانوناً يتضمن استباحة ما حرَّم الله من العدوان على الأنفس والأموال، ونصرِ الظالم، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله من آوى مُحدِثاً» [رواه مسلم (1978)].

أما الجيرة الشرعية فتقوم على العدل والإحسان، إمَّا بإجارة الكافر الحربي الذي رغب في معرفة الإسلام كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6]، وإمَّا بنصر المظلوم وحمايتِه من الظَّالم، ومنعِ الظالم من ظلمه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه» [رواه البخاري (2444) وفي لفظ قال: «تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره» [البخاري (6952)].

والحاصل أن الأمر كما ذكر المؤلف وفقه اللَّه، فهذه الجيرة المحدثة المشتملة على تلك المفاسد محرَّمة يجب إنكارُها، ويجب على القبائل التي عُرِفت هذه العادةُ بينهم، وعرفوا تحريمَها أن يتوبوا إلى الله، ويتنَاهوا عنها، وأن يحكِّموا فيما يقع من بعضهم على بعض حُكمَ الله ورسولِه، وذلك بالترافع إلى المحاكم الشرعية، ويحذروا من اتباع الهوى والتعصب لعادات الآباء والأجداد، فإن اللَّه ذم في كتابه الذين قالوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23]

وفي حكم اللَّه ورسوله الخير كُلُّه، وفي حكم الجاهلية الشَّرُ والفساد، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]، فجزى اللَّه الشيخ سعيداً خيراً على هذا الجهد المبارك، ونفع به إنه تعالى ولي ذلك، والقادر عليه، وصلى اللَّه وسلم على عبده ورسوله.

أملاه

عبدالرحمن بن ناصر البراك

الإثنين 25/2/1434هـ


 3- تقديم العلامة صاحب الفضيلة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله([4])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه، وصلى اللَّه وسلم وبارك على رسول اللَّه نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فمن المعلوم أن شريعة الإسلام متصفة بالعموم والبقاء والكمال، فهي عامة للثقلين الجن والإنس، لا يسوغ لأحد الإعراض عنها ولا مخالفتها، وهي باقية إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها، وهي كاملة لا نقص فيها، صالحة لكل زمان ومكان، مستوعبة لما كان في زمن النبوة وما يجدّ بعد ذلك من نوازل على مر العصور؛ وذلك لعمومات نصوصها وقواعدها وأقيستها، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 10]، وقال ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]، وقال: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ =[الأنعام: 153]، وقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء: 59]، [وروى البخاري في صحيحه، (5598) عن أبي الجويرية قال: «سألتُ ابنَ عباس عن الباذق، فقال: سبق محمد - صلى الله عليه وسلم - الباذق، فما أسكر فهو حرام، قال: الشراب الحلال الطيب، قال: ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث»، والباذق نوعٌ من الأشربة، والمعنى أنَّ الباذق لم يكن في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، ولكن ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - مستوعب له ولغيره، وذلك في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أسكر فهو حرام»، فإنَّ عموم هذا الحديث يدلُّ على أنَّ كلَّ مسكر مِمَّا كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - أو وُجد بعد زمنه، سواء كان سائلاً أو جامداً، فهو حرام، وأنَّ ما لم يكن كذلك فهو حلال، وقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» [حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم في السنة (48)، عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه -، ورواه أيضاً (47) من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -].

وقد اطلعت على كثير من مباحث المؤلَّف الذي كتبه فضيلة الشيخ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني حفظه اللَّه، ووفقه لكل خير، تحت عنوان: «الجيرة بين الممنوع والمشروع في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ومفهوم الراسخين في العلم» الذي ذكر فيه شيئاً من أعراف بعض القبائل العربية في هذا العصر مما هو شبيه بالعادات الجاهلية المخالفة لما جاء في الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، وما يترتب عليها من عصبيات وإزهاق لنفوسٍ بريئة، ولا يجوز التحاكم إلاَّ إلى شرع اللَّه؛ كما قال اللَّه - عز وجل -: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، وكل حكم أو صلح يخالف الشرع المطهر يجب نقضه، وردُّه إلى شرع اللَّه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، [رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».

[وروى البخاري (2724)، ومسلم (4435)] عن أبي هريرة، وزيد بن خالد ب أنهما قالا: إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الخَصْمُ الآخَرُ، وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْ»، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ، وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَرُجِمَتْ، وقد أورده البخاري في مواضع كثيرة، ترجم له في أحدها (2695) بقوله: «باب إذا اصطلحوا على جور فالصلح مردود».

وقد أحسن الشيخ سعيد فيما كتب، وبذل نصحه لمن ابتلي بهذه العادات السيئة من قبيلته قحطان وغيرها، وأسأل اللَّه - عز وجل - أن يجزل له الأجر والمثوبة على بيانه، وأن ينفع بنصحه، إنه سميع مجيب.

وصلى اللَّه، وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

25/ 2/ 1434هـ


 4- تقديم العلاّمة صاحب الفضيلة الشيخ: عبدالعزيز بن عبداللَّه الراجحي حفظه اللَّه([5])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان، أما بعد:

فلقد قرأت البحث الموسوم «الجيرة بين  الممنوع والمشروع» في ضوء الكتاب والسنة، وآثار الصحابة، ومفهوم العلماء الراسخين تأليف فضيلة الشيخ الدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني، فألفيته: بحثاً، عِلميّاً، مؤصَّلاً، بيَّن فيه فضيلته: الجيرة المشروعة، والجيرة الممنوعة وأن بينهما فرقاً عظيماً، فالجيرة المشروعة في القرآن والسنة هي للمشرك الحربي الذي ليس له عهد ولا أمان ولا ذمة، كما دل عليه قول اللَّه تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾[التوبة :6].

وكما دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم هانئ ل أخت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: «قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ»، وهذه رواية الصحيحين.ورواية أبي داود: «قد أجرنا من أجرت وأمنّا من أمنت»، ورواية الترمذي: «قد أمنّا من أمّنت».

فالجيرة المشروعة :هي إجارة الكافر الحربي ومنعه من القتل إذا طلب الأمان  من الإمام أو نائبه أو من بعض المسلمين بشرط إبلاغ الإمام بذلك وإذنه به، حتى يسمع القرآن وتقوم به الحجة عليه، ثم يرجع إلى بلاده آمناً إن لم يسلم، ثم يرجع بعد ذلك إلى ما كان عليه من إباحة دمه وماله.

وأما الجيرة الممنوعة وتسمى عادة رد الشأن:  فهي  أن قبيلة الجاني المعتدي  يذهبون إلى قبيلة أخرى يردُّون فيهم الشأن من قبيلة المجني عليه، فتقوم القبيلة المردود فيهم الشأن بلبس السلاح، ويذهبون إلى قبيلة المجني عليه، ويقولون: أنتم مقروعين من آل فلان (قبيلة الجاني) أي ممنوعين، فتصبح جميع قبيلة الجاني في الكرة الأرضية كلِّها تحت هذه الجيرة، فإذا حصل اعتداء من أحد أفراد قبيلة المجني عليه على أحد أفراد قبيلة الجاني في أي قطرٍ من أقطار الدنيا، فإن القبيلة المردود فيهم الشأن يقومون بأخذ المثار من أي شخصٍ من القبيلة التي لم تستجب لرد الشأن، وسواء عندهم الجاني أو أي فرد من أفراد القبيلة.

والمثار: نثر الدم بقطع الوجه بسلاحٍ حاد - وهذا المفضل عند بعضهم في نثر الدم، وقد يكون في غير الوجه ككسر الرجل أو اليد بسلاحٍ أو غيره، وقد يصل هذا المثار إلى القتل، ويسمون هذا المثار بمثار الغضب، أو بمثار الدم، أو يأخذون أموالاً طائلة بالضغط الاجتماعي قد تصل إلى الملايين، وسيارة فخمة، وتُعطى للقبيلة التي جُنِـيَ على أحد أفرادها بالشجاج أو غيره، ومن لم يأخذ هذا المثار فإنه يُعيّر عند القبائل، ويعتبر وصمة عار لهذه القبيلة إلى آخره.

أقول: هذه الجيرة التي تسمى عادة رد الشأن: ليست جيرة شرعية لأن الجيرة الشرعية هي إجارة الكافر الحربي إذا طلب الأمان، ولكنها جيرة بدعية مبنية على أنظمة وقوانين وأحكام قبلية، ويترتب عليها سفك الدماء، وقتل الأنفس بغير حق، وأخذ المثارات المحرمة وأكل المال بالباطل، وينشأ عنها: الحقد، والشحناء، والبغضاء، والكبرياء، وفساد الأخلاق، وهذه الجيرة بهذا الوصف تحكيم وتحاكم إلى السلوم والأعراف، والتحاكم إلى السلوم والأعراف تحاكم إلى غير شرع اللَّه، ومن استحل التحاكم إلى غير شرع اللَّه فهو كافر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية /: «ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل اللَّه على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير إتباع لما أنزل اللَّه فهو كافر»، إلى أن قال: «بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتـهم التي لم ينـزلها اللَّه: كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل اللَّه، فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل اللَّه، فهم كفار » [منهاج السنة النبوية، 5/ 83].

 ونصّ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب / في ثلاثة الأصول: «أن من رؤوس الطواغيت الخمسة: من حكم بغير ما أنزل اللَّه» .

وقرر أيضاً شيخ الإسلام / في منهاج السنة، ( 5/83): «أن من فعل ذلك فهو كافرٌ باللَّه».

وقرر الحافظ ابن كثير في تفسيره: «أن من فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله» (5/251).

وسئل الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ / عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد هل يطلق عليهم بذلك الكفر بعد التعريف ؟ فأجاب /:

«من تحاكم إلى غير كتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بعد التعريف فهو كافر» [الدرر السنية في الأجوبة النجدية. (10/426)].

وقرر العلامة حمد بن عتيق /: «أن تحكيم عادات الآباء وتقديمها على الكتاب والسنة كفر يجب قتال من فعل ذلك حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله».[سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك لحمد بن عتيق ص 37].

وقرر العلامة سليمان بن سحمان /: «أن التحاكم إلى عادات الآباء هو الطاغوت بعينه الذي أمر اللَّه باجتنابه، من فعله فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله» [الدرر السنية. (10/505)].

وقرر سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / في فتاويه: «أن من حكم بالسلوم الجاهلية معتقداً أن الشرع لا يكفي لحل مشاكل الناس فهو طاغوت قد خلع ربقة الإيمان من عنقه وإن زعم أنه مؤمن». (12/289).

وقرر أيضاً / في فتاويه: «أن من أقبح السيئات وأعظم المنكرات التحاكم إلى غير شريعة اللَّه من القوانين الوضعية والنظم البشرية وعادات الأسلاف والأجداد بدلاً من شريعة اللَّه، وأن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر منها الرسول - صلى الله عليه وسلم -». (12/259).

وقرر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز / في فتاويه فقال: «ولا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس  وآراءهم خير من حكم اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو تماثله و تشابهه، أو أجاز أن يحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة البشرية، وإن كان معتقداً بأن أحكام اللَّه خير وأكمل وأعدل»، إلى أن قال: «وأرجو ممن بلغته موعظتي هذه  أن يتوب إلى اللَّه، وأن يكف عن تلك الأفعال المحرمة، ويستغفر اللَّه ويندم على ما فات، وأن يتواصى مع إخوانه ومن حوله على إبطال كل عادة جاهلية أو عُرف مخالف لشرع اللَّه، فإن التوبة تجُب ما قبلها». [مجموع فتاوى بن باز. (1/72،1/79، 1/81)].

وأفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: «بأن التحاكم إلى الأحكام العرفية عند مشايخ القبائل تحاكم إلى الطاغوت» [مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الأولى (1/545) رقم الفتوى (6216) وفتوى رقم (16894)]، [المجموعة الثانية (1/369-372)].

أقول: وقد تبين وظهر بدلالة الكتاب والسنة، وأقوال العلماء والأئمة وتقريراتهم  بياناً وظهوراً واضحاً جلياً كالشمس في رابعة النهار: أن التحاكم إلى السلوم والأعراف وعادات القبائل وقوانينها وأنظمتها وأحكامها المُقَعَّدة عليها، ومنها عادة رد الشأن (الجيرة ) تحاكم إلى غير شرع اللَّه (الكتاب والسنة) وأن هذه السلوم والأعراف والعادات ما أنزل اللَّه بها من سلطان ؛ وأن العمل بها والتحاكم إليها من الأعمال الكفرية، وأنها أحكام جاهلية، أبطلها القرآن والسنة المطهرة، وأن من يحكم بها بعد البيان، والتعريف يطلق عليهم بذلك الكفر، كما صرح بذلك الأئمة والعلماء فيما نقلته عنهم آنفاً.

وإنني أوجه نصيحة لجميع القبائل داخل المملكة وخارجها أن يتقوا اللَّه، وأن يتركوا التحاكم إلى السلوم والأعراف والعادات والقوانين، والأنظمة القبلية، ومنها رد الشأن (الجيرة المحرمة) فإنها عادات وأعراف جاهلية ما أنزل اللَّه بها من سلطان، وأن يتوبوا إلى اللَّه مما سلف وأن يحمدوا اللَّه تعالى ويشكروه على منته تعالى عليهم بهدايتهم للإسلام، وأن يتكاتفوا ويتعاونوا ويجتمعوا على ترك هذه العادات والتخلص منها، والتحذير منها، خصوصاً رؤساء القبائل والعشائر، وأن يتحاكموا إلى المحاكم الشرعية التي تحكم بكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، عملاً بقول اللَّه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء :59].

 وقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى:10].

 وليعلم رؤساء القبائل والعشائر أنهم بتركهم التحاكم إلى الأعراف والعادات وتوبتهم إلى اللَّه مما سلف ،وتطويعهم لأفراد القبائل لهم أجرهم وثوابهم ، ولهم مثل أجر وثواب من اهتدى على يديهم وقَبِلَ الحق من أفراد القبائل، وأنهم إن استمروا على التحاكم إلى الأعراف والسلوم والعادات فعليهم وزرهم ووزر أفراد القبائل الذين أطاعوهم، قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل :25].

وقال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:  «من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً، فله أجرُها، وأجرُ مَن عمل بها بعدَه. من غير أن ينقص من أجورِهم شيءٌ. ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده. من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيءٌ» . [رواه مسلم برقم : 1017].

 وقال عليه الصلاة والسلام لابن عمه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لما بعثه إلى خيبر: «فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً، خير لك من أن يكون لك حُمْرُ النَّعَم». [رواه البخاري برقم3701].

أي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب، وهذا مثال ؛ والمعنى خير لك من الدنيا وما فيها.

وهذا البحث «الجيرة بين الممنوع والمشروع في ضوء الكتاب والسنة وآثار الصحابة ومفهوم العلماء الراسخين» الذي كتبه الشيخ الفاضل/ د . سعيد بن علي بن وهف القحطاني، وُفِّق فيه للصواب حيث فَرَّق بين الجيرة المشروعة والجيرة الممنوعة، بما لا يدع مجالاً للشك في البون الشاسع بينهما، وكيف تكون الجيرة الشرعية مماثلة أو مقاربة للجيرة البدعية الجاهلية؟!. 

وقد أفاض الباحث وفقه اللَّه في بيان خطر سفك الدماء المعصومة، والوعيد الشديد والعظيم والخطير لمن سفكها، وأنه يوجب غضب اللَّه ولعنته وعذابه العظيم، وأن من الوصايا العشر التي وصَّى اللَّه بها عباده أنه حرم قتل النفس بغير حق، وأن من قتل نفساً بغير نفسٍ فكأنما قتل الناس جميعاً، وأن اللَّه قرن قتل النفس بغير حق بالشرك باللَّه تعالى، وأن دماء المسلمين وأموالهم معصومة إلا بحقها، وأن قتل المسلم بغير حق أعظم من زوال الدنيا بأسرها، وأن المقتول ظلماً يجيء يوم القيامة متعلقاً بالقاتل ناصيته ورأسه بيده، وأن اللَّه يدخل النار المشتركين في قتل مؤمن بغير حق، وأن المؤمن لا يزال في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً، وأن سفك الدم الحرام بغير حله من ورطات الأمور التي لا مخرج  لمن أوقع نفسه فيها، وأن قتل النفس التي حرم اللَّه بغير حق من السبع الموبقات أي المهلكات، وأن قتل الإنسان نفسه يدخل في سفك الدماء، وأنه أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء.

وقد استدل لهذه الأمور المذكورة بالنصوص من الكتاب والسنة، فأجاد وأفاد.

ونقل الباحث وفقه اللَّه فتاوى العلماء والأئمة في حكم التحاكم إلى الأعراف والسلوم والعادات القبلية، وأهل السوالف من البوادي وغيرهم وأن التحاكم إليها دون الكتاب والسنة-بعد التعريف- كفر، ومن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.

ثم حث الباحث وفقه اللَّه كل مسلم على الابتعاد عن هذه العادات والأعراف والسلوم وخصوصاً ردّ الشأن «الجيرة البدعية»، ونصح من ابتلي بشيء من ذلك بالتوبة النصوح إلى اللَّه، ومن تاب تاب اللَّه عليه، وخصوصاً مشايخ الشمل، ومشايخ القبائل، والعشائر، ونواب القبائل، وحث أهل العلم من القضاة والدعاة إلى اللَّه وأئمة المساجد والخطباء أن يبينوا للناس قبح هذه العادات المخالفة للشرع، وخصوصاً رد الشأن: الجيرة البدعية.

وأسأل اللَّه أن ينفع بهذا البحث وجميع مؤلفات الشيخ سعيد، وأن يجعله مباركاً، وأن يجعلنا وإيَّاه من دعاة الحق وأنصاره، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا جميعاً الإخلاص في العمل والصدق في القول والصواب في القول والعمل على وفق كتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يثبتنا على دينه القويم حتى الممات إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبد اللَّه ورسوله، وخليله، وأمينه على وحيه، نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

كتبه

عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الراجحي

حرر في يوم الثلاثاء 5/ 2/ 1434هـ


 5- تقديم صاحب الفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن التويجري حفظه الله([6])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،  وبعد.

فقد اطلعت على كتاب فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني المسمَّى: «الجيرة بين الممنوع والمشروع»، وما يحصل في الجيرة الممنوعة «ردّ الشأن» من التحاكم إلى الأعراف والسلوم القبلية، وما فيها من الحكم والتحاكم إلى غير شرع اللَّه جل وعلا فوجدته كتاباً عظيماً في موضوعه، ومضمونه؛ لما فيه من إيضاح حقيقة هذه العادات التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان، واللَّه جلّ وعلا يقول: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]؛ لذلك أنصح بقراءته، والاستفادة منه، والرجوع عن هذه العادات إلى شرع اللَّه، والتحاكم إليه؛ لأنه هو الحق، والخير العظيم؛ لما فيه صلاح الدنيا والآخرة، والعباد، وقد استفدنا من كتاب فضيلة الدكتور سعيد بن وهف، وتقريظات أصحاب المعالي، والفضيلة من مشايخنا، وخاصة سماحة شيخنا ابن باز /، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وقد أعجبنا ما أمر به صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة عسير في هذا الموضوع، فجزاه اللَّه خيراً، وجعله مباركاً أين ما كان.

واللَّه أسأل أن ينفع بما كتبه فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن وهف القحطاني في عادة «ردّ الشأن»، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.

وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أملاه

عبد الله بن عبد الرحمن التويجري

عضو الإفتاء بإدارة البحوث العلمية والإفتاء

21/ 3/ 1434هـ


 6- تقديم صاحب الفضيلة الشيخ خلف بن محمد المطلق حفظه الله([7])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،أما بعد.

فقد اطلعت على ما كتبه أخونا فضيلة الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني في كتابه: «الجيرة بين الممنوع والمشروع في ضوء الكتاب والسنة، وآثار الصحابة، ومفهوم العلماء الراسخين»، فوجدته كتاباً مُؤصَّلاً، مفيداً استدل فيه فضيلته بالأدلة من الكتاب والسنة، وآثار الصحابة ش على تحريم الجيرة الممنوعة «ردّ الشأن»، وعلى فساد فتوى من أفتى بمشروعية هذه الجيرة التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين المعصومين عن طريق المثارات الجاهلية، وأخذ أموال المعصومين من المسلمين مثاراتٍ ظلماً وعدواناً، وتؤدّي إلى التحاكم إلى الأعراف والعادات القبلية التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان، كما بيّن فيه فضيلته وفقه اللَّه الجيرة المشروعة، وهي إجارة الكافر الحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذمّة، ومنعه من القتل حتى يسمع كلام اللَّه، ثم يُسلِم، أو يرجع إلى بلاده آمناً، ثم يرجع إلى ما كان عليه من إهدار دمه وماله.

وقد ذكر المؤلف وفقه اللَّه أقوال العلماء الراسخين في العلم التي تبيّن تحريم التحاكم إلى غير شرع اللَّه، وذكر الفتاوى التي تؤيّد ما ذهب إليه.

وقد كان من عادات القبائل في الجاهلية، وكذلك في تاريخ المسلمين عندما تضعف الحكومات الإسلامية، أو عندما ينفرط الأمن أنهم يجيرون من استجار بهم، ويحمونهم، ويفتخرون بأن جارهم عزيز، وأن جار غيرهم ذليل، وقد كان هذا قبل الحكم السعودي، عندما انفرط الأمن في جزيرة العرب، وكذلك قبيل حكم الملك عبد العزيز /، وقد كانت هذه الجيرة عندهم بدون ضوابط شرعية، وذلك أن من عاداتهم أنهم يأخذون المثار والثأر من قريب الجاني، فمن وجدوه من القبيلة قتلوه، وإن كان من عباد اللَّه الصالحين الذين لا ذنب لهم، ويخالفون حكم اللَّه بقوله: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164].

أما بعد قيام الحكم بالشرع المطهر، وخاصة في هذه البلاد المباركة: المملكة العربية السعودية، فلا مجال لهذه الأمور، فالدولة هي التي تحمي المظلوم من الظالم، وأصبح وللَّه الحمد الضعيف والقوي في حكم اللَّه سواء، ولذلك فهذه العادات أُلغيت في كثير من القبائل، ولم يبقَ لها ذكر إلا في أحاديث المجالس في الغالب، ولِلَّه الحمد.

وأصبح في كل قبيلة من الأبناء وهم كُثُر، من يهمهم رضا اللَّه الواجب عليهم، فألغوا العادات المخالفة للشريعة، كما قضى عليها أمثالهم في كثير من القبائل.

وفي هذا الكتاب الذي ألَّفه الشيخ سعيد: «الجيرة بين الممنوع والمشروع »، وفي تقريظ من قرَّظ هذا الكتاب من أصحاب المعالي وأصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء ما فيه الخير والكفاية لمن بحث عن الحق، فنأمل منك أيها القارئ أن تعمل بالحق إذا اتضح دليله حتى لا تكون ممن قال اللَّه فيهم: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الأحزاب: 67]، ولا ممن قال اللَّه فيهم: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23]، وحتى تكون ممن قال اللَّه فيهم: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].

وقد سرّني كثيراً ما أمر به صاحب السمو الملكي وليّ العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز في منعه لـ«ردّ الشأن» بقوله: بأن  «موضوع ردّ الشأن غير مقبول، وأن الدولة هي المسؤولة»، كما في تعميمه المذكور الذي نقله المؤلف في هذا الكتاب، فجزاه اللَّه كل خير، وأعجبني كثيراً ما أمر به صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبد العزيز، أمير منطقة عسير، ومنعه للجيرة الممنوعة «ردّ الشأن»، كما نقله المؤلف في هذا الكتاب، فجزاه اللَّه خيراً، وبارك فيه، وأكثر من أمثاله.

وأسأل اللَّه أن يجزي أصحاب المعالي، والفضيلة العلماء الذين قرؤوا هذا الكتاب وانتصروا للحق خير الجزاء، وأن ينفع بما كتبه الشيخ سعيد، وأن يزيدنا وإياه: علماً، وهدىً، وتوفيقاً.

وصلى اللَه وسلم، وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتــــبه

خلــــــف بن محـــــــمد الـمـطـــــــــلق

عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء

25/ 3/ 1434هـ


 7- تقديم صاحب الفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الجبرين حفظه الله([8])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه الذي أنزل هذه الشريعة المطهرة التي تضمنت بيان أحكام أفعال العباد في جميع العصور منذ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيام الساعة، وصلَّى اللَّه وسلّم على خير خلقه؛ نبينا، وإمامنا، وقدوتنا محمد بن عبد اللَّه الذي لم يترك خيراً إلا دلّ الأمة عليه، ولم يترك أمراً فيه ضرر على الأمة إلاّ حذّر منه، أما بعد:

فقد يسّر اللَّه تعالى لي قراءة كتاب أخينا الشيخ الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني، والذي عنونه بـ«الجيرة بين الممنوع والمشروع»، والذي أوضح فيه – وفقه اللَّه – حكم الجيرة المحدثة، وأنها محرمة في دين اللَّه - عز وجل -، وذكر أدلة تحريمها، وبيّن الفرق بين هذه الجيرة المحرمة، وبين الجيرة الشرعية الجائزة، وبيَّن ما تؤدي إليه هذه الجيرة المحدثة من مفاسد وأمور محرمة في كثير من الوقائع، وما يترتب على ذلك من تحاكم إلى غير شرع اللَّه تعالى، والذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الكفر المخرج من الملة – عياذاً باللَّه تعالى -.

وقد أورد المؤلف – أثابه اللَّه – أقوال بعض العلماء المعروفين في بيان تحريم التحاكم إلى غير الشرع، ومن ذلك التحاكم إلى العادات، والتي تسمى «السلوم القبلية»، ومن المعلوم أن العمل الذي يؤدي إلى المحرم محرم، ويعظم التحريم إذا كان المحرم الذي يؤدي إليه هذا العمل غليظاً، وبما أن هذه الجيرة المحدثة تؤدي في كثير من الأحيان إلى محرمات غليظة، كالكفر، والقتل، فإن تحريمها يكون غليظاً، فهي على هذا تعدّ من كبائر الذنوب.

والمؤمل من كل مسلم اطلع على أدلة تحريم هذه الجيرة المحدثة الصحيحة الصريحة، والتي أورد المؤلف كثيراً منها، أن يسمع ويطيع لأمر اللَّه تعالى، وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فيجتنب هذه الجيرة المحرمة، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36]، وأن يُحذِّر غيره من اللجوء إليها، نهياً عن المنكر.

أسأل اللَّه جلّ وعلا أن يوفق المسلمين لاجتناب كل ما يؤدي إلى الوقوع فيما حرمه الشرع المطهر، كما أسأله - عز وجل - أن يثيب المؤلف، وأن ينفع بهذا الكتاب، وصلى اللَّه على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلّم.

قاله وكتبه

عبد الله بن عبد العزيز الجبرين

عضو الإفتاء بإدارة البحوث العلمية والإفتاء

18/ 3/ 1434هـ


 8- تقديم صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور سعد بن سعيد الحجري حفظه الله([9])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

‏الحمد للَّه الذي هدانا للإسلام، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وضاعف به الأجور العظام، وغفر به الذنوب، والآثام،‏ وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، الملك القدوس السلام، وأشهد أن نبيّنا محمداً عبده ورسوله، خير الأنام، - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه إلى يوم القيامة، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدي هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

‏ومن نعم اللَّه تعالى علينا أنه أكمل الدين، وأتم النعمة، ورضي الإسلام لنا ديناً، ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، والدين الظاهر على جميع الأديان، هو دين الإسلام، قال تعالى:  ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]، وقد أظهر اللَّه هذا الدين على جميع الأديان، وبيّن لنا ما كان، وما هو كائن، وتركنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك،  وأمر اللَّه تعالى بالرجوع إلى الكتاب، والرجوع إلى السنة، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» [أخرجه أحمد في المسند، برقم 17145، وأبو داود، برقم 4609، وغيرهما]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ» [رواه ابن ماجه، برقم 5، وغيره]، وبهذا يُعلم أن الواجب التحاكم إلى الكتاب، والسنة، وليس للأهواء، ولا الشبهات، ولا الشهوات، ولا العادات، ولا الأعراف، وبهذا تتحقق العبودية للَّه وحده، ويتحقق الاستسلام لرب العباد، ويقوم العدل، وتعطى الحقوق لأهلها، وما ظهر الجور، والظلم، والاعتداء على الأنفس، وعلى الأموال، وعلى الأعراض، إلا عندما تحاكم الناس إلى أهوائهم، وحكَّموا العادة، والعرف، وقدَّموها على الكتاب والسنة.

‏والواجب أن يكون هوى الإنسان تبعاً لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد دخل النقص على الناس في التحاكم، وكثرت الاعتداءات على الغير من تحكيم أهواء الرجال، وتقديمها على شرع اللَّه - عز وجل -.

‏ومن تحكيم الهوى، والإعراض عن الهدى ما يُسمى بـ«الجيرة، ورد الشأن» عند بعض القبائل، وهذه الجيرة تُؤَدِّي إلى الظلم والعدوان، وإلى سفك الدماء المعصومة، مثارات بغير حق، وكذلك تسبب أخذ أموال الناس بالباطل، عن طريق المثارات، وقد عطّلت هذه الجيرة البدعيَّة كثيراً من الأحكام الشرعية، وأعانت على التعاون على الإثم والعدوان، وجنت على المجتمع، وتحول بها بعض الناس عن التحاكم إلى الشرع؛ ليتحاكموا بها إلى من لم يفوضه الشرع لعدم أهليَّته، ولم يفوِّضه وليُّ الأمر؛ لعدم كفاءته، والجيرة القائمة الآن عند بعض القبائل افتيات على الشريعة، وعلى أهلها، وعلى السلطان المسلم، ونذيرُ شرٍّ يوشك أن تحوِّل المجتمع إلى فوضى عارمة، واختلال مخيف، وقد قيَّض اللَّه لبيان الجيرة ‏بين الممنوع والمشروع صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: سعيد بن علي بن وهف القحطاني في رسالته الموسومة: «الجيرة بين الممنوع والمشروع »، فبيَّن  وفقه اللَّه المشروع والممنوع منها، مستدلاً بما يقول من الكتاب والسنة، وقد حذَّر فيها من الإفتاء بغير علم؛ فإن القول على اللَّه بغير علم من أعظم المحرمات، وقد قرنه اللَّه تعالى بالشرك باللّه - عز وجل -، والإفتاء بغير علم توقيع عن اللَّه - عز وجل -، وعن رسوله بغير حق، وقد ردّ اللَّه الناس إلى العلماء الربانيين؛ ليأخذوا عنهم، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]، وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» [البخاري، برقم 100، ومسلم، برقم 2673]، وإن ما ذكره ‏الشيخ سعيد حق، وأدعو كل من يريد الحق إلى قراءة كتابه هذا، وتحذير الناس مما تضمنه من الجيرة الممنوعة التي زرعت الحقد، والشحناء، والبغضاء، والغلّ في صدور كثير من القبائل، وساعدت على الاعتداء على الآخرين، وجرَّأت المعتدين، وفي ذلك من البلاء والشر، ما اللَّه به عليم، وقد قامت الدولة مشكورة بفتح المحاكم الشرعية، والمراكز، والمحافظات في المدن، والقرى، والهجر؛ ليرجع إليها الناس، ويستغنوا عن الرجوع إلى العادات القبلية الجاهلية، ومنها: الجيرة الباطلة، ورد الشأن المشين، ويعطوا حقوقهم على وفق ما ورد في الكتاب والسنة، وجزى اللَّه ولاة الأمر خيراً، فقد أمروا في تعاميمهم المباركة بمنع هذه الجيرة الباطلة، وعدم التحاكم إليها، والأخذ على يد من يسعى لإشاعتها بين الناس؛ لما وراء ذلك من الإخلال بالأمن، والدعوة إلى الإعانة على الاعتداء الباطل.

أسأل اللَّه أن يحفظ علينا أمننا، وإيماننا، وبلاد المسلمين عامة من كيد الكائدين، وباطل المبطلين، وحسد الحاسدين، وجزى اللَّه الشيخ سعيداً خيراً، ونفع بعلمه، وجعل ذلك في ميزان حسناته، فهو يسعى لإحقاق الحق، ولحماية المجتمع من الجريمة، والأخذ على أيدي الناشرين لها، وأدعو بإلحاحٍ إلى العلم بما تضمنته هذه الرسالة  القيمة، والعمل بما فيها.

وصلى اللَّه وسلّم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

د. سعد بن سعيد الحجري

حرر في يوم الجمعة 8/ 2/ 1434هـ.


 9- تقديم صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن سعد بن متعب حفظه اللَّه([10])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه المتفرد بالوحدانية، القائم على كل نفس بما كسبت، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، خلق الخلق، ونفذت فيهم مشيئته، لا رادّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه، وهو العزيز الحكيم.

وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه اللَّه بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، فبلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وتركناعلى مثل البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلّى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه، وسلّم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن دين الإسلام دين كامل، شامل لجميع مصالح البشر، جمع هذا الدين من العبادات، والمعاملات، والأخلاق، والحدود، والتعزيرات، ما يُزكِّي الفرد، والجماعة، ويحفظ المجتمع من كل فوضى، واضطراب، في أحكام هذا الدين، وحدوده ما يكبح جماح النفس الإنسانية، ويردعها عن الوقوع في المنكرات، والمخالفات، والأذى لها، ولغيرها، ولا سعادة للفرد، ولا انضباط للمجتمع، إلا بالتمسك بهذا الدين، وتطبيق أحكامه، والتحلّي بقيمه، وآدابه.

وإن ديناً يَعُدُّ تبسمك في وجه أخيك صدقة، ويعد الإعراض عن أخيك فوق ثلاث موجباً لحرمان العبد من مغفرة ذنوبه حتى يصطلح مع أخيه، ويُرتِّب على قتل المؤمن بغير حق من العقوبات، ما لم يرتبه على غيرها، فمصيره إلى جهنم، وحلّ عليه غضب اللَّه، ولعنته، وتُوِّعد بالعذاب العظيم، إلى ما في هذا الدين: من ضبط للسلوك البشري، واحترام لحقوق الآخرين.

إن ديناً كهذا كفيل للناس إن طبقوه في حياتهم، ومعاملاتهم، وأحكامهم، وما يشجر بينهم، كفيل لهم بحياة طيبة خالية من الشقاء، والمعيشة الضنكى.

وإني لأعجب في مثل هذا الزمن الذي انتشر فيه العلم، وانكشف عوار الجاهلية، أعجب من أناس لا زالوا يسعون جادّين قد أفنوا أعمارهم، وبذلوا أموالهم، وأهدروا أوقاتهم في إحياء الجاهلية المنتنة مرة أخرى، بعد أن دفنها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تحت قدميه، ووضعها بجميع أنظمتها، ومصطلحاتها.

والشيخ الفاضل الدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني وفقه اللَّه، في كتابه هذا قد كشف اللثام عن وجهها القبيح، وأظهر عوارها، وخاصة ما يسمونه بـ«ردية الشأن»، أو «الجيرة»، على حسب قولهم، والتي يعرفها بعضهم بأنها «كف شر»، وقال بعضهم: «إسعاف أولي»، وهي أساس الشرّ كله، ومربط الأحكام القبلية، والمناضلون عنها يعلمون علم يقين أنها لو سقطت، وتبين للناس عدم شرعيتها، وعلموا حقيقة شرها، وعاد الناس إلى رشدهم، وتركوها، لتهاوى بنيان الأحكام القبلية، وسقط جميعه، وإن مفاسدها كثيرة.

فمن الذي جرَّم أقرباء الجاني، وذويه، وجعلهم شركاء له في جريمته؟ ومن الذي رتَّب الثأر منهم بأنه حق لذوي المجني عليه؟ هل هذا منصوص عليه في كتاب اللَّه؟ أم نصت عليه سنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ أم أنه مما أملت به العقول الفاسدة، والسلوم البائدة؟

-        أين حرمة المؤمن التي هي أعظم من حرمة الكعبة؟.

-        أين حقوق الأخوة في الدين، والتي امتن بها رب العالمين على عباده: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].

-        من تجير أنت؟ أتجير مؤمناً قد أجاره اللَّه، وحماه، وحرَّم دمه، وعرضه، وماله؟

-        هل تعلم أن هذه «الجيرة» تنشر العداوة بين المسلمين، وتؤصِّلها، وتجذِّرُها، وتحافظ عليها ما دام في الدنيا حياة؟.

-        هل تعلم أن هذه «الجيرة» لا تنتهي بحكم المحكمة في القضية، وأنه لا بد من حكم قبلي، ثم نقلها إلى رجل تبقى في ذريته (قبيل) يتابع الحال أينما حلت هذه الأسرة الجانية، ويكلف بما لم يكلفه الشارع الحكيم؟

-        هل تعلم أن هذه الجيرة تُبيح للمجوِّر دماء الآخرين، وأموالهم تحت وطأة القانون العرفي، والسلوم القبلية؟ حيث إذا اعتُدي على من أجاره؛ فإنه لا يرفع أمره إلى السلطات الرسمية، ويطلب بحقه، وإنما يعتدي، ويسفك الدم، أو يحصل على حكم قبلي مثاراً له، زعموا، وإلا يُعَدُّ أسود الوجه.

-        هل تعلم بأنهم يقولون عن هذا القبيل، أو المجوّر بأنه «نكّاس حربة؟»، يعني أن الحربة يُقبض عليها بالكف، وفيه خمس أصابع، والحربة منكسة مسدَدة، وله الحق في الضرب في خمسة جدود.

-        هل تعلم بأن الجاني اليوم أصبح في حماية القانون الجاهلي، والنظام القبلي؟ يقتل، ويعتدي وهو جريء، ولا يحسب لأمرٍ حسابه، فهو مضمون في نفسه، ويضمنون فيما يترتب على ذلك من حمالة.

-        هل تعلم بأن هذا الأمر الجاهلي، أصبح ثقافة جيل، ويعدونه بطولة؟ ومن المتسبب في ذلك؟

وإن مما يؤسف له تنظير من حسبوا على الدعوة في هذا الباطل، ومحاولة إلباسه لباس الحق.

ولا مزيد على ما عرضه الشيخ سعيد وفقه اللَّه، وسدده بالتفصيل في هذه السلوم الباطلة، فقد بيَّن أنّ «ردَّ الشأن» باطل، وأن من قال بأنه جيرة مشروعة، فقد ضلّ ضلالاً بعيداً، مبيناً، ويجب عليه أن يتوب إلى اللَّه من هذا الجرم العظيم، وقد بيّن أن الجيرة المشروعة للكافر الحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذِمَّة حتى يسمع كلام اللَّه، فيُسْلِم، أو يعود إلى بلاده آمناً إن لم يُسلم، ثم يرجع بعد ذلك إلى ما كان عليه من إباحة دمه وماله.

وأخيراً. أدعو العقلاء، من أهل الحل والعقد، وأصحاب القول السديد، والرأي الرشيد، أن يتقوا اللَّه في أنفسهم، وفي إخوانهم ممن غرقوا في هذا الوحل، وأن يُبيِّنوا لهم الحق من الباطل، وأن يعلموا أن العقوبة إذا نزلت عمَّت، وأن السفينة إذا خُرِقت غرق ركابها على جميع طبقاتهم، ونالتهم الحسرة جميعاً.

أليس وسيلة النجاة، الأخذ على يد الخارق، وأطره على الحق أطراً قبل أن تغرق السفينة.

وأقول للساعين في هذا المنكر: «فرقوا قبل أن تفارقو»، وتذكروا الوقوف بين يدي اللَّه، وتذكروا أنكم تُسألون لم قلتم هذا؟ فتكون الحسرة: ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: 28- 29].

اللَّهمّ ألهمنا رشدنا، وحبِّبْ إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا: الكفر، والفسوق، والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

أسأل اللَّه جلّ وعلا أن يقبل جهد الشيخ، وأن يجعله حجة له، وأن يوفّق الجميع لِكُلِّ ما يحبه اللَّه ويرضاه، وأن يُعيذَنا جميعاً من مُضلاّت الفتن ما ظهر منها، وما بطن.

والحمد للَّه رب العالمين.

وصلى اللَّه وسلم على عبده، ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.

كتبه

أحمد بن سعد بن متعب

الثلاثاء 12/ 2/ 1434هـ.


 10- تقديم معالي الشيخ محمد بن حسن بن عبد الرحمن آل الشيخ  حفظه الله([11])

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن اللَّه - عز وجل - قد أمر بالخضوع لحكمه، والرضا بشرعه، والتحاكم إلى كتابه، وسنة رسوله، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 49].

وحرم اللَّه سبحانه التحاكم إلى القوانين الوضعية، والأعراف القبلية، وجعل ذلك من كبائر الذنوب، بل إن التحاكم إلى غير شرع اللَّه قد يصل بصاحبه إلى الكفر باللّه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، وقال سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

ومن صور التحاكم إلى غير شرع اللَّه في هذا الزمان ما يسمى بالجيرة، أو رد الشأن، وهي من الأعراف القبلية المخالفة لكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد بيّن فضيلة الشيخ الدكتور/ سعيد بن علي بن وهف القحطاني حفظه اللَّه، في كتابه الموسوم بـ«الجيرة بين الممنوع والمشروع» الفرق بين الجيرة المشروعة، والجيرة الممنوعة، وأن «عادة ردّ الشأن» من العادات المحرمة شرعاً، مدعماً ذلك بالأدلة من الكتاب والسنة، ومستشهداً بكلام الصحابة والعلماء الراسخين في العلم من السلف والخلف.

فأسأل اللَّه - عز وجل - أن ينفع بهذا الكتاب القيم، وأن يجزي فضيلة الشيخ سعيد خير الجزاء على ما بذل من جهد مبارك، إنه خير مسؤول.

وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عضو هيئة كبار العلماء

محمد بن حسن بن عبد الرحمن آل الشيخ

25/ 2/ 1434هـ



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

 مقدمة المؤلف

إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مُضلّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلّى اللَّه عليه، وعلى آله، وأصحابه أجمعين، وسلّم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فقد قرأت فتوى لبعض الإخوة في جنوب المملكة العربية السعودية في بلاد قحطان، موجهة إلى صاحب السمو الملكي الأمير الموفق الحكيم، فيصل بن خالد بن عبد العزيز آل سعود؛ أمير منطقة عسير وفقه اللَّه، يفتيه فيها بقوله: {عادة رد الشأن ثابتة بالكتاب والسنة، وأنها ضرورة بشرية، دفعت إليها ويلات الحروب، والفتن، والصراعات التي عاشتها منطقة عسير، وما جاورها من قبائل قحطان، وشهران، ويام، عبر تاريخهم الطويل...}، وقد ختم فتواه بذكر اسمه، ووظيفته، ورقم هاتفه، ونشرها، ووزَّعها على بعض أئمة المساجد، ونشرها بين بعض المشايخ من طلاب العلم، وبعض مشايخ القبائل، وسمّى هذه العادة: «الجيرة وردّ الشأن»، وقد خلط بين الحق والباطل، فاستدل بأدلة الجيرة التي شرعها اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للمشرك الحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذِمَّة، فجعلها أدلة على عادة قبليَّة، تسبّب قتل الأنفس المعصومة «عادة ردّ الشأن»، وهو ما يُسمَّى بالجيرة، لكنها جيرة بدعية، فغلط غلطاً واضحاً بيّناً فاحشاً؛ ولبَّس على هذا الأمير المبارك، الذي أصدر تعميمه الموفق الحكيم الرشيد بمنع الجيرة البدعية، وردّ الشأن بناءً على ثلاثة تعاميم سابقة ممن كان قبله، وبناءً على خطرها، وضررها، ومخالفتها لقواعد الشرع، والنظام، والأمن، ولم يكن هذا الأمير الحــــكيم، ومَن قبله بأول من منــع ذلك، بل قد سبقه ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير؛ سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه اللَّه بتعاميم ثلاثة منع فيها التحاكم إلى العادات القبلية منعاً باتاً، وقال: {إن موضوع {ردّ الشأن} غير مقبول، وأن الدولة هي المسؤولة}، وسيأتي ذكرها في هذا البحث.

ويا ليته قبل أن يفتي الناس بمشروعية هذه العادة القَبَليَّة، سأل الراسخين في العلم، ولكن قدر اللَّه وما شاء فعل، واللَّه يعفو عنا وعنه.

وقد اتصلت به، وبيّنت له خطر ردِّ الشأن، وأنه يُسبّب سفك الدماء المعصومة، وطلبت منه أن يرجع عن فتواه، ولكنه لم يستجب، فسألته: إذا حصل إغضاب المجوِّر بالاعتداء على رجل غائب من القبيلة المجوَّرة، فما الذي تفعله القبيلة المجوِّرة؟ فتهرَّب عن الإجابة، فلم يجب؛ لأنه يعلم: أنه لا بد من أخذ المثار من أحد رجال قبيلة المعتدي في أي مكان وجد بنثر دمه، وقد يكون بقتله، أو أخذ الأموال الكثيرة مثاراً قد تصل إلى ملايين، وسيارة فخمة، واللَّه المستعان.

وقد كتبت هذه الرسالة: «الجيرة بين الممنوع والمشروع في ضوء الكتاب والسنة، وآثار الصحابة، ومفهوم العلماء الراسخين» ردّاً عليه، وعلى أمثاله، وبياناً للحق، وجواباً عن فتواه الساقطة، وقد بيّنت فيها: أقوال أهل العلم من أئمة المفسرين، وعلماء الحديث، وعلماء اللغة في بيانهم أن الجيرة في القرآن والسنة هي للمشرك الحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذمَّة.

وبيّنتُ أن نصر المسلم المظلوم الحاضر يكون بمدافعة الصائل الحاضر عنه، وقت الاعتداء، سواء كان ذلك بالدفاع عن نفس المظلوم، أو ماله، أو دمه، أو أهله، وأن الدفاع عن المسلم المظلوم يكون لردِّ الظلم عنه، ومن نصر المظلوم منعه من اعتداء قطَّاع الطريق عليه.

وبيّنتُ وجوبَ قتال أهل البغي، والعدوان مع الإمام، أو بأمره، ووجوب قتال المحاربين مع الإمام، أو بأمره، وأن هذا ليس من الجيرة البدعية، بل مشروع في نصر المظلومين الحاضرين.

وبيَّنت أن الجيرة المعروفة عند بعض قبائل جنوب المملكة العربية السعودية، وخاصة قحطان، وشهران، ويام، وكذلك قحطان في نجد، والرين، والحصاة، والجِلْه، والقويعية وغيرها، ليست جيرة شرعية؛ لأنها تحمي بالقوة القبليَّة -بالتهديد بنثر الدم – القبيلة المجوَّرة، ولو كانت في أقصى شرق الصين، والقبيلة المجوِّرة في أقصى غرب المغرب؛ فإذا اعتُدِيَ على فردٍ من أفراد القبيلة المجوَّرة في أي مكان كان، أو في أيِّ دولةٍ؛ فإن القبيلة المجوِّرة تأخذ المثار بنثر الدم من أيِّ فردٍ من أفراد قبيلة المُعتدي في أيّ مكانٍ كان، أو في أي دولة، فعلى هذا تكون حماية الجيرة البدعية عند بعضهم أشمل، وأحسن من حماية الشرع، ومن حماية الدولة، كما يزعمون؛ لأنهم يأخذون المثار بنثر الدم في أي مكان، حتى ولو كان في دولة أخرى عند قدرتهم على ذلك؛ ولهذا يعتمدون على الجيرة البدعية أكثر من اعتمادهم على حكم الشرع، وأكثر من اعتمادهم على السلطات الأمنية.

وهذه الجيرة البدعيّة، مبنيَّةٌ على قوانين، وأحكام قبلية، محددة بأنواع، وضوابط، وقواعد، وأحكام جاهلية، وقد كُتب في موقع قحطان: أن أول من ابتدعها، وأسّس قواعدها في نجد كما سيأتي([12]): هو حقيب آل شريم من قحطان عام 1100هـ تقريباً، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»([13] وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([14]).

والجيرة البدعية تؤدي إلى مفاسد عظيمة، وإلى أمور خطيرة على العقيدة والأخلاق؛ فإنها تُوصِلُ إلى أخذ المثارات بالدماء، ونثرها، وقتل الأنفس المعصومة، وأخذ الأموال بالباطل عن طريق المثارات، وتؤدي إلى الشحناء، والبغضاء، والحقد، وتؤدي إلى التحاكم إلى مقاطع الحق، كما يزعمون، فيحصل الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، فيحكمون بأحكام الطواغيت.

ومن قواعد الشريعة أن المصالح والمفاسد إذا تعارضت، فترك المفاسد مقَّدم على جلب المصالح، وإذا تعارضت المفاسد، ارتكبت أدنى المفاسد؛ لتفويت أعلاها، إذا لم يمكن السلامة منها جميعاً، وإذا تعارضت المصالح عُملَت أعلى المصلحتين، إذا لم يمكن تحصيلهما جميعاً.

ومن ذلك أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والغايات، وما أدَّى إلى باطل فهو باطل، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به، فهو واجب.

وما أجمل ما قاله العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك حفظه اللَّه عندما قُرئت عليه فتوى([15]) هذا الأخ، فقال: «هذه فتوى ساقطة، وقد استدل بأدلة الجيرة، وطبَّقها على غير موضعها».

وهذه الجيرة المبتدعة ممنوعة شرعاً؛ لما يترتب عليها من سفك الدماء، وقتل الأنفس، وأخذ المثارات المحرمة، والحقد، والبغضاء، والكبرياء؛ ولما يترتب عليها من المفاسد الأخرى الكثيرة، كما سيأتي بيانها مفصلة إن شاء اللَّه تعالى.

وقد استفدت في هذا البحث من تقريرات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد اللَّه بن باز /.

وأشكر أصحاب المعالي، وأصحاب الفضيلة العلماء الذين شاركوا بتقريظاتهم لهذا الكتاب، وانتصروا للحق، ولم يكتموه وهم يعلمون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ»([16])، فشكر اللَّه لهم، وجزاهم اللَّه كلَّ خير، وزادني وإيّاهم علماً، وهدىً، وتوفيقاً.

واللَّه أسأل أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه الكريم، مباركاً، نافعاً، صواباً، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه I خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه وسلّم على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

كتبه

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

حرر في عصر يوم السبت 3/1/ 1434هـ


 المبحث الأول: الجيرة الممنوعة

 المطلب الأول: حقيقة الجيرة البدعيَّة، ومفهومها، وخطرها

هذه الجيرة التي دعا إليها هذا الرجل وأمثاله «عادة ردّ الشأن»، تسبب مفاسد كثيرة، وتؤدي إلى أخذ المثارات: من الدماء، والأموال، وتؤدّي إلى الوقوع في الوعيد الشديد الخطير لمن سفك الدماء المعصومة، وتؤدّي إلى التحاكم إلى غير شرع اللَّه، وتُسبِّبُ الملافي، والحكم بالأحكام القبلية، والحكم بقبالة القبيل، فهي بهذه الحقيقة خطرها عظيم على الدين، والعقيدة، والأخلاق، ويوضح ذلك الأخطار الآتية:

أولاً: صورتها أنه إذا اعتدى شخص على شخص فجنى عليه بقتلٍ، أو ضربٍ أراق الدم؛ فإن قبيلة الجاني المعتدي يذهبون إلى قبيلة أخرى، فيقولون لهم: «ترانا رادّين فيكم الشأن من قبيلة آل فلان» «المجني عليهم» على حسب لهجتهم، أو نحو ذلك من الألفاظ، مع العلم أن الجاني قد هرب، ولم يعثر عليه، أو قد قُبِضَ عليه من قبل السلطة الأمنية، فعند ذلك تقوم القبيلة المردُود فيهم الشأن، ويلبسون السلاح من الجنابي (الخناجر)، أو البنادق، أو المسدسات، والبعض لا يلبسها، ثم يذهبون إلى قبيلة المجني عليه، فيقولون: «تراكم مقروعين من آل فلان» أي «قبيلة الجاني» على حسب لهجتهم، أو نحو ذلك من الألفاظ، فتصبح جميع قبيلة الجاني في الكرة الأرضية كلها تحت هذه الجيرة، وعند ذلك قد تخاف قبيلة المجني عليه تحت هذا التهديد، ولا يحصل شيء من الاعتداء في الغالب والأكثر، ولكن لو لم يخافوا، وحصل منهم اعتداء على قبيلة الجاني، أو الجاني نفسه في أي أرض، أو في أي دولة، أو في أي قطر من أقطار الدنيا؛ فإن القبيلة المردود فيهم الشأن يقومون بأخذ المثار من أي شخص من القبيلة التي لم تستجب لردّ الشأن، سواء عندهم في ذلك: الجاني، أو أي فرد من أفراد القبيلة، والمثار نثر الدم بقطع الوجه بسلاح حاد، وهذا المفضل عند بعضهم في نثر الدم، وقد يكون بكسر الرجل، أو اليد بالرمي بإطلاق النار، أو غير ذلك من أنواع السلاح، وأنواع نثر الدم، وقد يصل هذا المثار إلى القتل، ويسمون هذا المثار: مثار الغضب، أو مثار الدم، أو مثار الوجه، أو يأخذون أموالاً طائلة بالضغط الاجتماعي قد تصل إلى الملايين، وسيارة فخمة، وتُعطى للقبيلة التي جُنِي على أحد أفرادها بالشجاج أو غيره، وهي القبيلة المجوَّرة، وليس للجناية السابقة شيء من هذا المثار، وإنما هذا مقابل تسويد وجوه من رُد فيهم الشأن كما يزعمون، أما القضية السابقة فتبقى المطالبة بها كما هي، ومن لم يأخذ هذا الثأر؛ فإنه يُعيَّر عند القبائل، ويعتبر وصمة عار لهذه القبيلة، ويقولون: بأنهم سود الوجوه حتى يأخذوا المثار المذكور، وإلا فيعتبرون ناقصي الرجولة؛ ولهذا يسمون هذا المثار أيضاً «مثار الوجه»، ويسمون أخذ المال مثاراً: «المثار الدسم».

ويسمون ردّ الشأن المذكور أعلاه بالجيرة، وهي مبنية على أنظمة، وقوانين، وأحكام قبلية، مُقعَّدة عليها، وهي على أنواع أربعة:

1-  رد الشأن في جيرة القتل: مدته سنة وشهران (14 شهراً)، ثم تنتقل الجيرة إلى قبيلة أخرى، وتسمى هذه جيرة الدم أي القتل، وقال في موقع قحطان: «وأول من حدد هذه الجيرة: قبائل عبيدة، وأول من سنها، وأسس قواعدها في نجد، وعند قحطان هو حقيب من آل شريم، آل عاطف الجحادر قحطان، وكان ذلك في عام 1100هـ تقريباً لا تحديداً، وتعرف الآن هذه الجيرة بجيرة حقيب»([17]).

2-     رد الشأن في جيرة الشجاج، ونثر الدم ستة أشهر، ثم تنتقل الجيرة إلى قبيلة أخرى.

3-  رد الشأن في  جيرة الضرب بالعصا، ونحوها، ثلاثة أشهر، ثم تنتقل الجيرة إلى قبيلة أخرى.

4-  جيرة المجليات، وهي حماية قصيرة جداً، ومدتها إلى ثمانية أيام بلياليها، وتعطى الخائف الذي ليس له جيرة، أو من اعتدى على آخر، وهو في حماية القبيلة فسموها المجليات، حيث يذهب بها من بلاد الخوف إلى بلاد الأمان.

وهذه الجيرة بهذه الصورة، وهذه الأنواع جيرة محرمة لما يترتب عليها من المفاسد، وحتى لو كان فيها مصالح؛ فإن فيها مفاسد كثيرة، وخطيرة على دين المسلم، ومن هذه المفاسد: سفك الدماء، وأخذ المثارات القبلية الجاهلية، وحصول الملافي، والتحاكم إلى مقاطع الحق، ونبذ الشريعة، فهي محرمة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما هو معروف عند أهل العلم، والقواعد الشرعية المرعية.

وهذه هي الجيرة التي يدعو إليها هذا الرجل وأمثاله، ويفتي بها، وهي بهذه الصورة جيرة بدعية، إذا قال بأنها من الدين؛ لأنها على أنواع أربعة، كما تقدم مُقَعَّدة عليها، فهي عادة قبَلِيَّة، وليست جيرة مشروعة.

ومن قال بجواز هذه المثارات؛ سواء كانت بنثر الدم بغير حق، أو أخذ الأموال عن طريق المثار ظلماً وعدواناً، فقد غلط غلطاً فاحشاً منكراً قبيحاً؛ لأنه دعا إلى الفساد في الأرض، وأحلَّ ما حرَّم اللَّه - عز وجل -، والعياذ باللَّه، ودعا إلى التحاكم إلى غير شرع اللَّه؛ لأن هذه الجيرة تتركب من أحكام قبلية، ويترتب عليها التحاكم إلى غير الشرع المطهر: من أخذ المثارات، ومن حصول الملافي، ومن أخذ القبيل، ومن استمرار الجيرة إلى ما لا حد له، وغير ذلك، وهذه الجيرة البدعية المذكورة تسبب هذه المفاسد المذكورة آنفاً كلها.

ثانياً: المثارات([18]) الخطيرة الضارة التي تسبب سفك الدماء المعصومة، أو أخذ أموال الناس بالباطل، التي تسببها هذه الجيرة المبتدعة كثيرة جداً، لايمكن حصرها، ولكن من أمثلتها التي تدل على قبحها الأمثلة الآتية:

المثال الأول: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني - وهي القبيلة الأولى - بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية – وهي قبيلة المجني عليه - على أحد أفراد القبيلة الأولى فقتله، وبعد ذلك قامت القبيلة الثالثة المجيرة بالمثار، واعتدوا على أحد أفراد القبيلة الثانية، وقتلوه مع أنه معفي، أي ليس هو الجاني، وبعد ذلك رُفِعت البيضاء للقبيلة الثالثة الذين ثاروا بمثار الدم، وقتلوا نفساً معصومة.

المثال الثاني: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى (قبيلة الجاني) بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على أحد أفراد القبيلة الأولى، فقامت القبيلة الثالثة بالمثار، فأطلق أحدهم النار على القبيلة الثانية، يريد قتل رجل منهم، ولكن الطلقات النارية أصابت رجلاً من قبيلة أخرى، لا علاقة له بالقضية، فأردته قتيلاً، ثم لم ترضَ هذه القبيلة الثالثة سود الوجوه عند القبائل [على ما يزعمون]، فأخذوا مثار مالٍ من القبيلة الثانية؛ لأن قتل هذا الرجل لا يجزئ؛ لأنه من قبيلة أخرى.

المثال الثالث: حصل اعتداء رجل من أفراد بعض القبائل على رجل من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى بقبيلة ثالثة، ثم حصل بين قبيلة الجاني والمجني عليه صلح قبلي مبني على أحكام قبلية، انتهت به القضية، وانتقلت الجيرة إلى قبيل، يضمن انتهاء القضية، ويُعطَى مبلغاً من المال عاجلاً، وتبقى هذه القبالة مدة حياته، وإذا مات انتقلت إلى ورثته، أو يوصي بها غيرهم، وفي هذا المثال في هذه الحادثة كان هذا القبيل على أولاده، فاعتدى أحد أولاده على أخصامه الذين ضربوه في أول الأمر، فكان هذا القبيل أسود الوجه على زعمهم عند القبائل حتى يأخذ المثار، فذهب يبحث عن ولده، فوجده في السوق، فضرب وجهه بالجنبية، وقال: «هذا بدل تسويد وجهي» [على ما يزعم]، وهذا الذي فعله هذا الرجل مثار القبالة؛ لأن القبالة جيرة مستمرة لا نهاية لها.

المثال الرابع: ضرب رجل من قبيلة أعرفها رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني (القبيلة الأولى) بقبيلة ثالثة، ثم ضرب رجل من القبيلة الثانية (قبيلة المجني عليه) رجلاً من القبيلة الأولى (قبيلة الجاني)، فنثر دمه، ثم استجارت قبيلته (التي هي القبيلة الثانية المجني على أحدهم) بقبيلة رابعة، فأصبحت القبيلة الثالثة المجيرة سود الوجوه عند القبائل؛ لحصول الاعتداء على من أجاروا، ثم ذهبت القبيلة الثانية، والثالثة، والرابعة يتحاكمون عند مقطع حق، فحكم على القبيلة الثانية بأن لهم جيرة ثمانية أيام: جيرة المجليات (جيرة الأسود)، وبعدها يؤخذ المثار: إما نثر دم، أو أخذ مال كثير طائل، فطلبت القبيلة الثانية الصلح المبني على أحكام القبائل، وألفوا على القبيلة الثالثة سود الوجوه في عرف القبائل، فحكم من حضر من مشايخ القبائل بمثار مليون ريال، وسيارة جيب صالون، وأيمان يحلفون بها، فأخذوا ذلك المثار منهم، ثم ذهبوا به إلى القبيلة الأولى (قبيلة الجاني الأول) فدفعوه إليهم، وقالوا: هذا مثار وجوهنا، فقالت القبيلة الأولى للقبيلة الثالثة: بيَّض اللَّه وجوهكم، وهذا مثار الوجه، أما قضية الضرب الأولى والثانية، فتبقى على حالها، كلٌّ يطالب بحقه، وهذا المثار يقال له عندهم: (مثار المال، أو المثار الدسم)، وهذا حدث عام 1433هـ.

المثال الخامس: ضرب رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني بقبيلة ثالثة، فقام رجل من القبيلة الثانية، وضرب رجلاً من القبيلة الأولى، فسوَّد وجوه القبيلة الثالثة، واستجارت القبيلة الثانية بقبيلة رابعة من القبيلة الثالثة، واستجارت بقبيلة خامسة من القبيلة الأولى، وبقيت القبيلة الثالثة تتوعَّد القبيلة التي سوّدت وجوههم على ما يزعمون، حتى أتى مشايخ القبائل، والعُرَّاف كما يزعمون، وأعطوهم مثاراً مقداره أربعمائة ألف ريال، وجيب شاص موديل 2001 في ذاك الوقت، مقابل قطع وجوههم.

المثال السادس: ضرب رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى (قبيلة الجاني) بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على بعض أفراد القبيلة الأولى، فثارت القبيلة الثالثة بطلب المثار، وغضبوا حتى أعطوا المثار، ومقداره مائة ألف ريال، وبعد ذلك نُصِبت لهم البيضاء.

المثال السابع: مثار القبالة، والقبيل هو الذي تُنقل الجيرة إليه بعد إصلاح القبائل، فقد حصل اعتداء من بعض أفراد قبيلة من القبائل على بعض أفراد قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني، وهي القبيلة الأولى بقبيلة ثالثة، فحصل صلح قبلي في القضية، وجعلوا أثناء الصلح القبلي قبيلاً يضمن انتهاء القضية، والقبيل عند القبائل يكون من جماعة المجني عليه، ويعطونه مبلغاً من المال، وبعضهم يُدفع له مبلغ كبير، وسيارة فخمة، وفي هذا المثال حصل نقض ممن هو تحت قبالة هذا القبيل، فأخذ هذا القبيل مثاراً، مقداره مائة ألف ريال، غير أرش الجناية، ودُفِعَت لمن كان ضميناً لهم؛ ليكون وجهه أبيضَ.

المثال الثامن: اعتدى رجل من قبيلة على رجل من قبيلة ثانية فضربه، ثم قامت القبيلة الأولى - قبيلة المعتدي - فاستجارت بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على رجل من قبيلة الجاني – القبيلة الأولى – فضربه، فغضبت القبيلة الثالثة المجوِّرة، وطلبوا المثار، فألفت القبيلة الثانية على القبيلة الثالثة، وحكم لهم من حضر من مشايخ القبائل بمبلغ مليون ريال سعودي، وصالون جيب وجنبيَّة، وهذا المثار مقابل تسويد وجوههم عند القبائل كما يقولون.

وأما قضية الضرب الأولى، والثانية، فهما على حالهما، كلٌّ يطالب بحقه، وبعد ذلك اشتكى بعض أهل الغيرة عند المحكمة، وادّعى بأن هذا من أحكام الجاهلية، ومن الحكم بغير ما أنزل اللَّه، فحكم القاضي بمصادرة مبلغ المليون، والسيارة، والجنبيَّة وإدخالها في بيت مال المسلمين... والقصة لها بقية مؤلمة، لا يحسن ذكرها.

المثال التاسع: اعتدى رجل من فخذٍ من قبيلةٍ على رجل من فخذٍ ثانية من القبيلة نفسها، فضربه، فقام رجل من هذه الفخذ الثانية، فأطلق النار بالرمي على الرجل المعتدي نفسه من الفخذ الأولى، فأصابه في رجله، ثم استجارت هذه الفخذ الثانية بقبيلة أخرى، فقام أحد إخوة المعتدى عليه من الفخذ الأولى - وهو المعتدي الأول الذي أصيب في رجله بالرمي – فأطلق النار بالرمي على عمِّ المضروب الأول من الفخذ الثانية، فعند ذلك غضبت القبيلة الثانية المجوِّرة للفخذ الثانية من القبيلة الأولى: فطلبت المثار في إغضابهم، وتسويد وجوههم عند القبائل، فألفت الفخذ الثانية من القبيلة الأولى على القبيلة الثانية المجوِّرة المغضَبَة فحكم لهم من حضر من مشايخ القبائل بثلاث مائة ألف ريال، وصالون جيب بدلاً عن إغضابهم، وتسويد وجوههم، كما يزعمون عند القبائل، وأما القضيتان السابقتان، فهما على حالهما كل يطالب بحقه([19]).

والأمثلة في المثارات كثيرة جداً لا تحصى، ولكن هذه الأمثلة من باب النماذج.

ثالثاً: الملافي التي تسببها الجيرة المحرمة؛ فإن كثيراً من القبائل يتحاكمون إلى عاداتهم القبلية، وأعرافهم فيما يُسمى بالملافي: وهي اجتماع قبيلة الجاني مع مشايخ القبائل، والاستعانة بقبائل أخرى كثيرة، يجتمعون معهم، ويحددون موعداً للّقاء بقبيلة المجني عليه في صحراء، أو أرضٍ بارزة في الغالب، ثم يذهبون في الموعد المحدد، ويحصل اللقاء، ويحصل فيه التحكيم القبلي.

ويسمون ذلك صلحاً، وهو ليس بصلح، ولكنه حكم قبلي؛ لما يحصل فيه من المخالفات الخطيرة للشريعة؛ ولأنه مستمد من القوانين القبلية الجاهلية، فتراهم في الملافي ينبطحون على بطونهم، ويزحفون، ويترابطون بالحبال، وهذا خضوع لغير اللَّه محرَّم([20])، وبعضهم يعقل رجله في الملافي كعقل البعير، حتى تطلقه قبيلة المجني عليه، وخاصة إذا كانوا من أقربائه، أو أنسابه.

وقد ثبت عندي أن بعض الناس انبطح في بعض الملافي، وزحف على وجهه، فقال له بعض الحضور: لا تسجد لغير اللَّه، فقال بعض مشايخ القبائل: هذا سجود للَّه، والعياذ باللَّه تعالى، ثم تشترط قبيلة الجاني أثناء الصلح أن يخرجوا لهم قبيلاً، يضمن جميع ما اشترطوا عليهم، ولو كان جوراً، ويضمن انتهاء القضية، ويحصل في هذه الملافي دين الاثني عشر، أو أنواع أخرى من أيمان الوسية، وهي أن يقول: واللَّه لو كنا بالمثل مثلكم لنجزع مجزعكم، وبعضهم ترك هذه الألفاظ، ويحلف بألفاظ غيرها، أو نحو ذلك، وهذا كله من أسباب الدخول في الجيرة؛ فإنها تسبب هذه الشرور كلها.

رابعاً: القبالة: هي اختيار قبيلة الجاني لرجل من قرابة المجني عليه، يضمن التزام قرابته بالحكم القبلي، وتنفيذ بنوده، ويضمن قرابته بعدم الاعتداء منهم، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده، فتختار قبيلة الجاني قبيلاً من قرابة المجني عليه، ويعطونه مالاً يسمى ثوب القبالة، وسلاحاً يرمز إلى القوة، وتعلن قرابة المجني عليه قبول قبالة قريبهم عليهم.

ثم تنتقل الجيرة من القبيلة المجوِّرة إلى القبيل، تحت مسمى القبالة، وتبقى هذه القبالة في ورثته من بعده.

ويقولون في قانونهم: (القبيل نكَّاس حربة) تعبيراً عن سرعة مبادرته إلى إراقة الدماء، في حالة عدم التزام قرابته بمقتضى قبالته، وإذا اعتدت قرابة المجني عليه على أحد من قرابة الجاني بعد تعيين القبيل، وقبول قبالته، فإن القبيل يأخذ المثار لقبالته من قرابة المجني عليه الذين هم قرابته، ومن أي فرد منهم، والمثار كما تقدم بسفك الدم، أو أخذ مال كثير طائل يُعطى لمن هم تحت قبالته، وتبقى الجناية لا علاقة لها بهذا المثار.

ومن الغريب أن القبيل يُجعل عند القبائل بعد الصلح القبلي، ويُجعل أيضاً بعد الحكم من القاضي، فلا بد من القبيل عند القبائل، فتعتبر الجيرة مستمرة لا نهاية لها، يرثها ورثة القبيل، أو يوصي بها غيرهم.

وهذا يدل على أن الجيرة المبتدعة شرها عظيم، وخطرها جسيم، تؤدي إلى قتل الأنفس المعصومة بغير حق، وأخذ الأموال بالظلم والعدوان، وتؤدّي إلى الملافي، والتحاكم إلى غير شرع اللَّه - عز وجل -، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه([21]).


 المطلب الثاني: خطر سفك الدماء المعصومة والوعيد الشديد العظيم الخطير لمن سفكها

هذه الجيرة البدعية التي أفتى بها، ودعا إليها هذا الرجل، وانتصر لها، تسبب سفك الدماء بالمثارات المذكورة في المطلب السابق، وغيرها من المثارات، فتوقع في خطر سفك الدماء المعصومة، وتوقع في الوعيد الشديد العظيم الخطير لمن سفكها، وإليك أدلة خطر سفك الدماء المعصومة على النحو الآتي:

أولاً: قتل المؤمن عمداً يوجب غضب اللَّه، ولعنته، وعذابه العظيم؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾([22]).

ثانياً: من وصية اللَّه تعالى أنه حرّم قتل النفس بغير حقٍّ؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([23]).

ثالثاً: حرم اللَّه قتل النفس المعصومة إلا بالحق؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾([24]).

رابعاً: من قتل نفساً بغير حق، فكأنما قتل الناس جميعاً؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾([25]).

خامساً: قرن اللَّه تعالى قتل النفس بالشرك باللَّه الذي قال فيه: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾([26] فقال تعالى في قرنه بين القتل والشرك: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾([27]).

سادساً: دماء المسلمين، وأموالهم معصومة إلا بحقها، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا([28]) مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإسلام([29])، وَحِسَابُهُمْ([30]) عَلَى اللَّهِ»([31]).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّها، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»([32]).

وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ}، وفي لفظ: {أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ، وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ}،  وفي لفظ: {مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلَاتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ الْمُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ}([33]).

سابعاً:لا يحل دم المسلم إلا بإحدى ثلاث؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ}([34]).

ثامناً: قتل المسلم أعظم من زوال الدنيا بأكملها؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ب، عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ}([35]).

تاسعاً: زوال الدنيا أهون على اللَّه من قتل المؤمن بغير حقٍّ؛ لحديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ}([36]).

عاشراً: لعظم حرمة الدماء قرن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل المسلم بالكفر، وأن من مات كافراً، أو قاتلاً بغير حق، فلا يُغفر له إلا بالتوبة قبل الموت؛ لحديث مُعَاوِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: {كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا الرَّجُلُ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ مُتَعَمِّدًا، أَوْ الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا}([37]).

الحادي عشر: ولعظم حرمة القتل بغير حق بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أهل السموات والأرض من الجن والإنس لو اشتركوا في قتل مؤمن بغير حق لأدخلهم كلهم جميعاً في نار جهنم؛ لحديث: أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَأَبَي هُرَيْرَةَ ب يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: « لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ}([38]).

الثاني عشر: ويؤكد حرمة الدماء المعصومة؛ حديث عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ}([39]).

الثالث عشر: المقتول ظلماً يجيء بقاتله يوم القيامة ناصيته ورأسه في يده متعلقاً بالقاتل، وأوداجه تشخب دماً، يقول: يا ربِّ، سلْ هذا فيما قتلني؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ ب عندما {سُئِلَ عَمَّنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، ثُمَّ تَابَ، وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، ثُمَّ اهْتَدَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ؟ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: {يَجِيءُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَاتِلِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟}، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا}([40]).([41]).

الرابع عشر: المؤمن لا يزال في فسحة من دينه، وسَعَةٍ، ما لم يُصِبْ دماً حراماً، فإذا فعل ذلك ضاق عليه دينه، ويكون في ضيقٍ بسبب ذنبه؛ لحديث ابْنِ عُمَرَ ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا}([42]).

الخامس عشر: سفك الدم يوقع في الهلاك، والورطات([43]) العظيمة؛ ولهذا قال عبد اللَّه بن عمر ب: {إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ}([44]).

السادس عشر: حرمة دم المسلم، وماله، وعرضه؛ لحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - في حجة الوداع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {... فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ}([45]).

السابع عشر: تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره، ودمه، وعرضه، وماله؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَا هُنَا»، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»([46]).

الثامن عشر: سفك الدم من السبع المهلكات؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ}، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: {الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ}([47]).

التاسع عشر: يدخل في تحريم سفك الدم قتل النفس المعصومة: من المعاهدين، والمستأمنين، والذميين؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ب عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: {مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا}([48]).

ولحديث أَبِي بَكَرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ([49])، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: {كُنْهُهُ: حَقٌّ}([50] ولفظ للنسائي: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا»([51])؛ وفي رواية أخرى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا}([52]

العشرون: قتل الإنسان نفسه يدخل في سفك الدماء؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا}([53]

ولحديث ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ}([54] وفي لفظ: {مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}([55]).

الحادي والعشرون: أول ما يقضى ويحكم فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء: وهذا يدل على عظيم حرمتها، وخطر سفكها؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ}([56] وأما ألفاظ النسائي فهي على النحو الآتي: {أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ}، وفي لفظ: {أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ}، وفي لفظ: {أَوَّلُ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ}([57]).

الثاني والعشرون: حرمة المسلم عند الله أعظم من حرمة الكعبة؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظر إلى الكعبة فقال: «لقد شرفك اللَّه وكرمَّك وعظَّمك، والمؤمن أعظم حرمة منك»([58])؛ ولحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: «مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا»([59]).

وحديث ابْنِ عَبَّاسٍ ب: قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكَ! وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ، إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - جَعَلَكِ حَرَامًا، وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ مَالَهُ وَدَمَهُ وَعِرْضَهُ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا»([60]).

وحديث ابْنِ عُمَرَ ب، موقوفاً عليه أنه نَظَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ»([61]).

 المطلب الثالث: الرد على شبه صاحب هذه الفتوى الساقطة

استدل أخونا على ما ذهب إليه من مشروعية ردّ الشان بأدلة الجيرة المشروعة، فجعلها أدلة على عادة: {ردّ الشأن} الجيرة البدعية المحرمة، فلم يُوفَّق للصواب؛ بل خلط بين الحق والباطل، والردّ عليه بتوفيق اللَّه وإعانته على النحو الآتي:

أولاً: استدلاله بقول اللَّه - عز وجل -: ﴿وإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾([62])، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»([63])، وهذا استدلال لم يُوفَّق فيه إلى الصواب، بل وقع في الخطأ الواضح؛ لأن علماء الإسلام: من أئمة اللغة، وأئمة المفسرين، وأئمة شُرَّاح السنة النبوية كلهم يبيِّنون أن هذه الآية الكريمة، والحديث الشريف في حق المشركين الحربيين الذين ليس لهم عهد، ولا أمان، ولا ذمَّة([64])، وسيأتي التفصيل في تفسير هذه الآية الكريمة([65])، والشرح لهذا الحديث الشريف([66]) في المبحث الثاني إن شاء اللَّه تعالى.

وما أجمل ما قاله العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك حفظه اللَّه عندما قُرئت عليه فتوى هذا الأخ، فقال: «هذه فتوى ساقطة، وقد استدل بأدلة الجيرة، وطبقها على غير موضعها».

ثانياً: وأما استدلاله باستجارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطعم بن عدي على شرعية «ردّ الشأن»، والجيرة في حق المسلم، فهذا خَلْطٌ أيضاً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استجار بمشرك؛ ليجيره من المشركين؛ ليستعين عليه الصلاة والسلام بذلك على عبادة ربه، وتبليغ دعوة التوحيد- فهل يقول عاقل بأن المسلم تطبق عليه أحكام جيرة الكفار الحربيين، أو الاستجارة بهم من مشركين آخرين، عند الحاجة الشديدة من أجل تبليغ دعوة التوحيد- وهذه جيرة يترتب عليها مصالح عظيمة، وليست كجيرة ردِّ الشان التي يترتب عليها مفاسد عظيمة خطيرة، وسيأتي لهذه الاستجارة المشروعة بيان أشمل في المبحث الثاني إن شاء اللَّه تعالى([67]).

ثالثاً: وأما استدلاله باستجارة أبي بكر - رضي الله عنه - بابن الدَّغِنَّةِ، فهذا من جنس استجارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطعم بن عدي، لا حرج فيها، بل هي جائزة عند الحاجة؛ لنفعها العظيم، وهي استجارة مسلم بمشرك حربي من المشركين، من أجل التمكن من عبادة اللَّه وحده، والدعوة إلى التوحيد، ولا يترتب عليها مثارات محرمة، ولا تحاكم إلى غير شرع اللَّه ([68]).

رابعاً: وأما استدلاله بقوله بأن «عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - استجار بالمغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -»، فهذا غَلَطٌ واضح؛ فإن المغيرة - رضي الله عنه - كان من ثقيف، كما ذكر أهل الأنساب وابن حجر، وغيرهم،وهو ليس من قريش، فكيف يجير قرشياً من قريش، لكنه لعدم التثبت، وعدم المعرفة ذكر هذا، والذي استجار به عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - هو الوليد بن المغيرة، كما ذكره الإمام ابن كثير في البداية والنهاية، واستجارته هي من جنس استجارة النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستجارة أبي بكر - رضي الله عنه -، كما تقدم، وسيأتي مزيد بيان لهذه الاستجارة في المبحث الثاني إن شاء اللَّه تعالى([69]).

خامساً: وأما استدلاله بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً»؛ فهذا لا يطبّق على الجيرة البدعية؛ لأنها تجرّ إلى الظلم، وأخذ المثارات - إذا وقع الغضب - من قتل الأنفس المعصومة، ونثر الدماء، وأخذ أموال المعصومين، مثارات ظلماً، وعدواناً، وليس هذا من باب مدافعة الصائل الحاضر وقت الاعتداء؛ لأن ذلك من الواجبات، سواء كان الدفاع عن النفس، أو عن المظلوم الحاضر، أو مقاتلة البغاة، أو المحاربين مع الإمام الأعظم، أو بأمره؛ فإن ذلك ينطبق عليه الحديث: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً}.

أما الجيرة البدعية، فهي تحمي عند أهلها المجوَّر، ولو كان في أقصى الصين في الشرق فضُرب، أو قتل؛ فإن المجوِّر ولو كان في أقصى المغرب في الغرب يأخذ المثار من أحد أفراد قبيلة المعتدي في أي مكان}.

وتجرُّ الجيرة المحرمة إلى التحاكم إلى الطواغيت مقاطع الحق الذين يحكمون بالعادات القبليَّة، ويُفضِّلونها على حكم الشريعة.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد فسَّر الحديث بقوله: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: يا رسول اللَّه، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره؟ قال: «تحجزه، أو تمنعه من الظلم؛ فإن ذلك نصره»([70]). وفي اللفظ الآخر: «انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً»، قالوا: يا رسول اللَّه، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: «تأخذ فوق يديه»([71] وسمعت شيخنا الإمام ابن باز / يقول: «في الجاهلية كان ينصر بعضهم بعضاً على الحق والباطل: أي سواء كان الظالم على حق، أو باطل، وعند مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن هذا للناس»([72]).

وقد كان أهل الجاهلية ينصرون الظالم والمظلوم؛ لما اعتادوه من حميَّة الجاهليَّة، وفي ذلك يقول شاعرهم:

إذَا أنا لم أنصرْ أخي وهو ظالم

على القوم لم أنصر أخي حين يُظلَمُ([73])

1- قال الإمام شيخنا ابن باز / : «كانوا في الجاهلية ينصرون الظالم والمظلوم، يقول قائلهم :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما قال برهانا([74])

      لكن عدَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر، وبيّن كيف يُنصر الظالم([75]).

وفي حديث جابر عند مسلم: «إن كان ظالماً فلينهه؛ فإنه له نصر، وإن كان مظلوماً فلينصره»([76]).

2- قال الحافظ ابن حجر / في «باب نصر المظلوم»: «هو فرض كفاية، وهو عام في المظلومين، وكذلك في الناصرين، بناء على أن فرض الكفاية مخاطب به الجميع، وهو الراجح، ويتعين أحياناً على من له القدرة عليه، إذا لم يترتب على إنكاره مفسدة أشدّ من مفسدة المنكر، فلو علم، أو غلب على ظنه أنه لا يفيد، سقط الوجوب، وبقي أصل الاستحباب بالشرط المذكور، فلو تساوت المفسدتان تخيَّر، وشرط الناصر أن يكون عالماً بكون الفعل ظلماً، ويقع النصر مع وقوع الظلم، وهو حينئذ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنساناً من يد إنسان طالبه بمالٍ ظلماً، وهدّده إن لم يبذله، وقد يقع بعد، وهو كثير»([77]).

3- قال الإمام النووي / : «... كانت الجاهلية تأخذ حقوقها بالعصبات، والقبائل، فجاء الإسلام بإبطال ذلك، وفصل القضايا بالأحكام الشرعية، فإذا اعتدى إنسان على آخر، حكم القاضي بينهما، وألزمه مقتضى عدوانه، كما تقرر من قواعد الإسلام»([78]).

4- قال ابن بطال /: «اختلفوا فيمن قاتل عن رجل خشي عليه أن يُقتل، فَقُتل دونه، هل يجب على الآخر قصاص أو دية؟ فقالت طائفة: لا يجب عليه شيء؛ للحديث المذكور: «ولا يسلمه»([79] وفي الحديث الذي بعده: «انصر أخاك»، وبذلك قال عمر، وقالت طائفة: عليه القود، وهو قول الكوفيين، وهو يشبه قول ابن القاسم، وطائفة من المالكية، وأجابوا عن الحديث بأن فيه الندب إلى النصر، وليس فيه الإذن بالقتل، والمتَّجه قول ابن بطال إن القادر على نصر المظلوم توجَّه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه، فإذا دافع عنه لا يقصد قتل الظالم، وإنما يقصد دفعه، فلو أتى الدفع على الظالم كان دمه هدراً، وحينئذٍ لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره»([80]).

5- قال الإمام القرطبي / صاحب المفهم: «قوله: «انصر أخاك ظالماً، أو مظلوماً»، هذا من الكلام البليغ الوجيز الذي قلَّ من نسج على منواله، أو يأتي بمثاله، و(أو) فيه للتنويع، والتقسيم، وإنما سُمّي رد الظالم نصراً؛ لأن النصر هو العون، ومنه قالوا: أرضٌ منصورة: أي معانة بالمطر، ومنعُ الظالم من الظلم عونٌ له على مصلحة نفسه، وعلى الرجوع إلى الحق، فكان أولى بأن يُسَمَّى نصراً»([81]).

ومما يؤكد كلام الحافظ ابن حجر / آنف الذكر، وهو قوله: «لا فرق بين دفعه عن نفسه أو عن غيره»([82]).

ما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: «فلا تعطه مالك»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»([83]).

قال الإمام النووي /: « ... وأما أحكام الباب، ففيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلاً، أو كثيراً؛ لعموم الحديث، وهذا قول الجماهير ... وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف...، والمدافعة عن المال جائزة غير واجبة، واللَّه أعلم.

وأما قوله: «فلا تعطه» معناه: لا يلزمك أن تعطيه، وليس المراد تحريم الإعطاء، وأما قوله في الصائل إذا قُتل فهو في النار، فمعناه أنه يستحق ذلك، وقد يجازى، وقد يُعفى عنه، إلا أن يكون مستحلاً لذلك بغير تأويل؛ فإنه يكفر، ولا يُعفى عنه. واللَّه أعلم»([84]).

وجمهور العلماء على قتال المحارب على كل وجه، ومدافعته عن المال والأهل والنفس([85]).

وسمعت شيخنا ابن باز / يقول: «الدفاع عن النفس والمال من باب الاستحباب إذا قدر، والأمر للاستحباب»([86]).

ويُفسِّر الحديث السابق حديث قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أَبِيهِ...، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي!، قَالَ «ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ». قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: «فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ»، قَالَ: فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي؟ قَالَ: «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ، حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الآخِرَةِ، أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ»([87]).

6- ويوضّح ذلك ما قاله الإمام ابن قدامة /: {ومن أُرِيدتْ نفسه، أو حُرْمتُه، أو مالُه، فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يعلم دفعه به، فإن لم يحصل إلا بالقتل، فله ذلك، ولا شيء عليه، وإن قُتِل كان شهيداً ...، وإن دخل رجل منزله متلصِّصاً، أو صائلاً، فحكمه حكم ما ذكرنا...}([88]).

وقال الإمام ابن قدامة / أيضاً: {فصل: وإذا صال على إنسانٍ صائلٌ، يريد نفسه، أو ماله ظلماً، أو يريد امرأة ليفجر بها، فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو عرض اللصوص لقافلة جاز لغير أهل القافلة، الدفع عنهم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً...}؛ ولأنه لولا التعاون لذهبت أموال الناس، وأنفسهم؛ لأن قُطَّاع الطريق إذا انفردوا بأخذِ مالِ إنسانٍ، ولم يُعنه غيره؛ فإنهم يأخذون أموال الكل: واحداً واحداً، وكذلك غيرهم}([89]).

7- قلت: الخلاصة: أن نصر المظلوم من الصائل الحاضر وقت الاعتداء: أن يدافع بالأسهل فالأسهل، مثل النفس؛ لأن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقد جاءت الأحاديث في ذلك، فعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد»([90]).

فظهر أنّ الاستدلال بحديث: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» على {ردّ الشأن} الجيرة المبتدعة، استدلال في غير محله، وتبيَّن أيضاً أن مدافعة الصائل، ونصر المظلوم سواء كان المظلوم فرداً، أو جماعة، يكون وقت الاعتداء، وأن ذلك يكون بالمدافعة بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفع إلا بالقتل فيكون آخر العلاج، ويكون نصر المظلوم أيضاً بقتال البغاة والمحاربين مع الإمام الأعظم، أو بأمره، وتبين أيضاً أنه لا يترتب على هذه النصرة آثار محرمة، ولا مثارات، ولا تحاكم إلى غير شرع اللَّه كما يوجد في جيرة ردّ الشأن التي أجازها صاحب هذه الفتوى هداه اللَّه، وردَّه إلى الحق.

سادساً: وأما استدلاله بقوله: {... والإمام عبدالرحمن بن فيصل احتمى واستجار بابن الصباح، وأهل الكويت حكومة وشعباً احتموا بالسعودية... }، فهو استدلال ساقط باطل؛ لأن هؤلاء مظلومون، واعتُدي عليهم، وأُخرجوا من ديارهم وأموالهم، بغياً وظلماً، وعدواناً، فينطبق في حقهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فوجب نصرهم؛ ولهذا قال شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز /: «... المجاهد في هذا السبيل إن أصلح اللَّه نيته، وهو يجاهد لدفع الظلم، ونفع المسلمين، فهو مجاهد في سبيل اللَّه، وهو شهيد إن قتل...»، إلى أن قال: «فالجيوش السعودية تحت قائدها خالد بن سلطان، وتحت القائد الأعلى خادم الحرمين الشريفين ... وأنت أيها المسلم المجاهد في هذه الحرب تقاتل عن دين الإسلام، وعن نفوس المسلمين، وأموالهم، وبلادهم، وعن عامة المسلمين، وحرماتهم ... والمقاتل مع صدام متوعَّد بالنار؛ لأنه أعانه على الظلم والعدوان»([91]).

وقال / عن صدام: «فالواجب قتاله حتى يرد المظالم إلى أهلها، وحتى يخرج جيشه من الكويت بدون قيد ولا شرط، ولا توبة لظالم حتى يرد المظالم إلى أهلها»([92]).

فكيف يستدل بنصر دولة الكويت المسلمة المظلومة من قبل دولة مسلمة تحت راية الإمام على «ردَّ الشأن» أو الجيرة البدعية التي ابتدعت في عام 1100هـ تقريباً، كما تقدم، وهي ليست بالجيرة الشرعية التي تقدم ذكرها، وستأتي، أما نصرة السعودية للكويت، فهي نصرة لا يترتب عليها مفاسد، بل كلها مصالح.

سابعاً: وأما استدلاله على الجيرة المحرمة {بهجرة الصحابة y إلى الحبشة، واستجارتهم بملك الحبشة}، فهذا غريب جداً؛ فإن هذه الهجرة هي فرار من المشركين من أجل إقامة الدين، والفرار من تعذيب المشركين إلى بلد يستطيعون أن يعبدوا اللَّه فيه، ويأمنوا على دينهم وأنفسهم عند ملك أمنهم على دينهم، وحياتهم، وأعراضهم.

ثامناً: وأما استدلاله باللجوء، والاحتماء بقوله: {كما يُسْمَع دائماً أن الشخص الفلاني طلب من بلد كذا اللجوء، وهي في الحقيقة استجارة...}، فهذا استدلال ساقط؛ لأنه إن كان عندنا في المملكة العربية السعودية، فهو في بلد الحرمين الشريفين التي تحكم بالشريعة الإسلامية؛ ولأن هذا الشخص إذا فعل ذلك كان خارجاً من بيعة الإمام المسلم، ومن مات وليست في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية، ومن خلع يداً من طاعة لقي اللَّه لا حجة له؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر ب قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([93]).

ويختلف اللجوء من دولة إلى دولة؛ فإذا كان الحاكم مسلماً، فله حكم، وإذا كان كافراً فله حكم آخر.

تاسعاً: وأما استدلاله بقوله: «إن الإنسان توصل إلى هذه الجيرة، وتوصل إلى هذا القانون القبلي، أو العرف، وهي في الحقيقة تشريعٌ ينسجم مع قواعد الإسلام الذي يرحب بكل ما من شأنه حماية الإنسان من أي خطر وبلاء».

فاستدلال أخينا هذا خطير جدّاً على العقيدة؛ لأن اللَّه قد كمَّل الدين، كما قال - عز وجل -: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾([94])، وقد حمى حقوق الإنسان، وبيّن في القرآن كل شيء، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾([95]):

1- قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: {قد بُيِّن لنا في هذا القرآن كلّ علمٍ، وكلّ شيء}([96]).

2- وقال مجاهد: كل حلال وحرام، وقول ابن مسعود - رضي الله عنه - أعمّ وأشمل؛ فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع: من خبر ما سبق، وعلم ما سيأتي، وحكم كل حلال وحرام، وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم([97]).

3- قال العلامة السعدي /: {﴿وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ في أصول الدين وفروعه، وفي أحكام الدارين، وكل ما يحتاج إليه العباد، فهو مبيَّنٌ فيه أتمَّ تبيين بألفاظ واضحة، ومعانٍ جلية }([98]).

وقد قال اللَّه - عز وجل -: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾([99] قال العلامة السعدي /: {فلا كفى اللَّه من لم يكفه القرآن، ولا شفى اللَّه من لم يشفه الفرقان}([100]).

4- وقَالَ الإمام ابن القيم / في تفسير هذه الآية ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾: {فَمَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْقُرْآنُ، فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكْفِهِ فَلَا كَفَاهُ اللَّهُ }([101]).

 وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ ([102] قال الإمام الشوكاني /: {أي ما أغفلنا عنه، ولا ضيّعنا فيه من شيء، والمراد بالكتاب: اللوح المحفوظ؛ فإن اللَّه أثبت فيه جميع الحوادث، وقيل: إن المراد به القرآن: أي ما تركنا في القرآن من شيء من أمر الدين، إما تفصيلاً، أو إجمالاً}([103]).

فلا يحتاج العباد إلى قوانين وضعية، ولا إلى عادات قبلية جاهلية، ومن اعتقد بأن الشريعة الإسلامية ناقصة، تحتاج إلى النظم البشرية، والقوانين القبلية، ولا تكمل إلاَّ بها، فقد غلط غلطاً فاحشاً؛ ولهذا قال مفتي الديار السعودية في عهده محمد بن إبراهيم /: {... كُلّ مَنْ خَالَفَ أمرَ اللَّهِ، وأمْرَ رسولِهِ، وحَكَمَ بينَ النّاسِ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ مُتّبِعاً لِهَواهُ، وَمُعْتقِداً أنَّ الشَّرعَ لاَ يَكفِي لِحلِّ مَشاكِلِ النَّاسِ، فَهُوَ طَاغوتٌ قَدْ خَلعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِنْ عُنُقِهِ، وَإنْ زَعَمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ...»([104]).

وقال /: «...إنَّ مِنْ أقْبَحِ السّيِّئَاتِ، وَأعظَمِ المُنكرَاتِ التَّحاكمَ إلَى غَيرِ شَريعَةِ اللَّهِ مِنَ القَوانِينَ الوضْعيَّةِ، والنُّظُمِ البشريَّةِ، وعَاداتِ الأسْلافِ والأجْدادِ التي قَدْ وقَعَ فيها كَثيرٌ مِنَ النّاسِ اليَومَ، وارتَضَاها بَدَلاً مِنْ شَريعَةِ اللَّهِ التي بَعثَ بِهَا رسولَهُ مُحمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، ولاَ ريْبَ أنَّ ذلكَ مِنْ أعظمِ النِّفاقِ، ومِنْ أكْبَرِ شَعَائرِ الكُفْرِ، والظُّلْمِ، والفُسُوقِ، وأحْكَامِ الجاهليَّةِ التي أبْطَلَهَا القُرآنُ، وحَذَّرَ عَنْهَا الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -»([105]).

والحكم، والتحاكم للَّه، لا للقوانين، ولا لغيرها، كما يزعم هذا الأخ، قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾([106])، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([107]).

عاشراً: هذا الخلط كله من صاحب هذه الفتوى الساقطة أوقعه فيه سوء الفهم، وعدم سؤال أهل العلم الراسخين؛ ولهذا قال القائل:

وكم من عائب قولاً صحيحاً

وآفته من الفهم السقيم([108])

وما أحسن وأجمل ما قاله الأوزاعي /: «إذا أراد اللَّه أن يحرم عبده بركة العلم، ألقى على لسانه الأغاليط»([109]).

الحادي عشر: قال هذا الأخ على اللَّه بغير علم، ولا خشية، وقد حرّم اللَّه - عز وجل - القول عليه بغير علم، فقال - عز وجل -: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾([110]).

وقد ألف الإمام ابن القيم كتاباً بيّن فيه التحذير من القول على اللَّه بغير علم، وسمَّاه: {إعلام الموقعين عن ربّ العالمين}.

ولهذا كان الأئمة الأعلام يخافون من القول على اللَّه بغير علم، فعن الهيثم بن جميل قال: «سمعت مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فأجاب في اثنتين وثلاثين منها بـ«لا أدري»([111]).

وقال خالد بن خداش: «قدمت على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني منها إلا في خمس مسائل»([112]).

وقال أبو داود: «قول الرجل فيما لا يعلم: لا أعلم، نصف العلم»([113]).

الثاني عشر: قد فتن هذا الرجل كثيراً من الناس، ودعاهم إلى هذه العادة التي تسبب نثر الدماء، وقتل الأنفس، وأخذ أموال الناس بالباطل عن طريق المثارات لمن خالف ردّ الشأن، ونشر هذه الفتوى بين مشايخ القبائل الذين يحكِّمون العادات القبلية، وبعض أئمة المساجد، وبعض الدعاة إلى الحق، فأوقع الناس في الشك، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللَّه، ولكن باطله سيزول بإذن اللَّه - عز وجل -.

الثالث عشر: الْمُسْلِمُونَ فِي غِنَىً عَنْ فَتْوَى هَذَا الرَّجُلِ السَّاقِطَةِ، فَقدْ أعزَّنَا اللَّهُ بِالإسلامِ، وبدولةٍ مسلمةٍ تحكُمُ بشرعِ اللَّهِ تعالَى، ومَا مِن مُحافَظَةٍ، ولا مَرْكَزٍ مِنَ المَراكِزِ في أنحاءِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ إلاَّ وفيهَا مَحكمةٌ شرعيّةٌ تحكُمُ بشرْعِ اللَّهِ تعالَى: بالكتابِ والسّنّةِ، وهذِهِ نِعمةٌ عظيمةٌ، يجبُ أن يُشكرَ اللَّهُ عَليهَا، ثُمّ يُشكَرَ وُلاةُ أمرِنَا عَلى هذِهِ العِنايةِ الفائِقةِ المميَّزَةِ بينَ دُولِ العَالَمِ أجْمعَ، فجَزَاهُمُ اللَّهُ خيراً عَلى مَا بَذلُوهُ لخدمَةِ شرْعِ اللَّهِ ودينِهِ، وأَصْلَحَ بِطانَتهُمْ، وقُلوبَهمْ، وأعْمالَهمْ، ونَفعَ بهِمُ الإسلامَ وأهْلَهُ.

الرابع عشر: خالف هذا الأخ علماء الإسلام في بلده، وعلى رأسهم هيئة كبار العلماء، ورئيسهم المفتي العام للمملكة العربية السعودية، وافتات([114]) عليهم، وتطاول، وجعل نفسه عالماً مفتياً محققاً، ونصب نفسه لذلك، وقد نصَّت الفتاوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية /: على أن التحاكم إلى السلوم يعتبر تحاكماً إلى غير شرع اللَّه، ومن يظن أن فيه مصلحة إنما هو ظن فاسد، قال /: «... بلغنا بسبب شكوى الربادي أنه موجود من بعض الرؤساء ببلد الرين من يحكم بالسلوم الجاهلية، فساءنا ذلك جداً، وأوجب علينا الغيرة لأحكام اللَّه وشرعه؛ لأن ذلك في الحقيقة حكم بغير ما أنزل اللَّه...»، ثم قال /: «يتحتم على ولاة الأمور التأديب البليغ لكل من ارتكب هذه الجريمة التي قد تفضي إلى ما هو أكبر إثماً من الزنا والسرقة؛ لأن كل من خالف أمر اللَّه، وأمر رسوله، وحكم بين الناس بغير ما أنزل اللَّه متبعاً لهواه، ومعتقداً أن الشرع لا يكفي لحل مشاكل الناس، فهو طاغوت قد خلع ربقة الإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن...»([115]).

وعلى ذلك أيضاً سماحة الشيخ ابن باز / مفتي عام المملكة العربية السعودية في عهده، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعلى رأسهم مفتي عام المملكة عبد العزيز بن عبد اللَّه آل الشيخ، وستأتي فتاواهم في المطلب الرابع([116]).

الخامس عشر: فتوى هذا الرجل مخالفة ومناقضة لخطاب سماحة الإمام شيخ الإسلام في عصره عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء في عهده رقم 192/ 2، وتاريخ 9/ 1/ 1420هـ الموجهة إلى صاحب السمو الملكي وزير الداخلية، وولي العهد في عهده، الأمير نايف بن عبد العزيز / يطلب منه فيه إصدار أمره إلى أمراء المناطق بمنع الإلزامات المالية التي ليست بشرعية، ومنع العادات الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية، والعمل بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم / مفتي السعودية في عهده، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية الخاصة بأحكام القبائل، وأعرافهم، وقد أصدر سمو الأمير نايف / تعميماً على أمراء المناطق تلبيةً لما طلبه منه سماحة الإمام ابن باز /، وستأتي الإشارة إلى التعاميم المذكورة([117] ونص خطاب الإمام ابن باز / على النحو الآتي:

«من عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم/ نايف بن عبد العزيز – وزير الداخلية،  وفقه اللَّه.

سلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته            وبعد.

فأفيد سموكم الكريم أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء درست ما وردها من بعض القضاة في المملكة عن الاتفاقيات الموجودة لدى بعض القبائل، المتضمنة بنوداً يُلزم فيها أفراد الجماعة من القبيلة بدفع مبالغ مالية معينة، أو ذبح عدد من الغنم لأفراد القبيلة، عند حصول مخالفة لأحد هذه البنود.

وحيث إن هذه الإلزامات غير شرعية، وتحدث البغضاء والشحناء والأحقاد، والفرقة بين أفراد القبيلة الواحدة، فقد رأت اللجنة الدائمة برئاستي، واشتراكي الكتابة لسموكم، برجاء تعميد الجهة المختصة بالتعميم على أمراء المناطق بالعمل بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم /، وفتاوى اللجنة الدائمة، المرفقة نسخها الخاصة بأحكام القبائل وأعرافهم، وإحالة ما أشكل عليهم إلى المحاكم الشرعية.

فأرجو من سموكم التكرم بالاطلاع، واتخاذ ما يلزم نحو ذلك، سائلاً الله أن يوفق سموكم لكل ما يحبه ويرضاه، وأن يعين الجميع على كل خير، إنه خير مسؤول.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

المفتي العام للمملكة العربية السعودية

ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء

السادس عشر: فتوى هذا الرجل تدعو إلى مخالفة ولي أمر المسلمين، ومعصيته، والخروج عن طاعته، ودعوة الناس إلى معصيته بهذه الفتوى، واللَّه - عز وجل - يقول:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([118])، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي}([119]).

وقد منع ردّ الشأن ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه اللَّه بتعميمه رقم 3186/5، وتاريخ 19/ 5/ 1420هـ، وتعميمه رقم 6583 ش، وتاريخ12/ 4/ 1425هـ، وتعميمه رقم 20514/ ش، وتاريخ 8/11/1427هـ  أمر فيها: بالتأكيد على الجميع بأن موضوع ردّ الشأن غير مقبول، وأن الدولة هي المسؤولة، ونص تعميمه حفظه اللَّه ووفقه على النحو الآتي :

«...السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

إلحاقاً لتعميمنا رقم 6583 ش وتاريخ 12/ 4/ 1425هـ وتعميمنا رقم 3186/ 5، وتاريخ 19/5/1420هـ والمبني على تعميم صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم 48/ 7  وتاريخ  29/4/1420هـ والمبني على ما كتبه لسموه سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز / بخطابه رقم 192/2، وتاريخ 9/1/ 1420هـ، والمتضمن أن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء درست ما ورد من بعض القضاة عن الاتفاقيات الموجودة لدى بعض القبائل المتضمن بنوداً يُلزم فيها أفراد الجماعة بدفع مبالغ مالية ... إلخ، وقد رأت اللجنة الدائمة التعميم على أمراء المناطق بالعمل بفتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم /، وفتاوى اللجنة الدائمة والخاصة بأحكام القبائل وأعرافهم.

ورغبة سموه التمشي بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم / وفتاوى اللجنة الدائمة فيما يخصُّ تلك الاتفاقيات وإحالة ما أشكل منها للمحاكم الشرعية للنظر فيه، وإجازة ما يوافق الشريعة الإسلامية، وإبطال ما يخالفه مع التنبيه على مشايخ القبائل ومعرفي ونواب القبائل للتمشي بموجبه.

ونظراً لما تضمنته تلك المظاهر من تحكيم لعادات جاهلية وتقديمها على القضاء الشرعي وما يتخللها من بذل الأيمان أمام من يتحاكمون إليهم زاعمين أن ذلك من باب السعي بالصلح وهو خلاف الواقع لأن الصلح أساسه التراضي بين الأطراف دون أن يصاحب ذلك الصلحَ مخالفاتٌ شرعية من التحاكم إلى رؤسائهم والإذعان لما يحكمون به وبذل الأيمان التي محل بذلها القضاء الشرعي في المحاكم.

وحيث إن الفتاوى الصادرة من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم / نصَّت على أن التحاكم إلى السلوم يعتبر تحاكماً إلى غير شرع اللَّه، ومن يظن أن فيه مصلحة إنما هو ظنٌ فاسد، وأن على الجميع التنبُّه لهذا الأمر وعلى ولاة الأمر التأديب البليغ لكل من ارتكب هذه الجريمة، كما أن فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تضمنت عدم التحاكم إلى الأحكام العرفية والمبادئ القبلية لأنها من التحاكم إلى غير شرع الله، وأن على الجميع إرجاع خلافاتهم إلى القضاء الشرعي والابتعاد عن الاتفاقيات الملزمة للأفراد، لذا يعتمد ما يلي:

أولاً: منع هذه العادات منعاً باتاً والحزم في ذلك وعدم التساهل والرفع لنا عمن يثبت لجوؤه إلى التحاكم إلى هذه العادات والأعراف الجاهلية، والتأكيد على الجميع بأن موضوع ردّ الشأن غير مقبول وأن الدولة هي المسؤولة والتأكيد على مشايخ القبائل ومعرِّفيهم ونوابهم بما سبق تعميمه برقم 3186/5 وتاريخ 19/5/ 1420هـ المبني على تعميم سمو وزير الداخلية المشار إليه أعلاه، والمتضمن التنبيه على مشايخ القبائل بترك عادات الجاهلية والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عند الخصومات وعلى كل شيخ إبلاغ نواب جماعته بذلك، وأخذ توقيعهم وإنذارهم بأن من عاد منهم فسوف يحال إلى الشرع.

ثانياً: إحالة أطراف القضايا التي فيها تحكيم هذه العادات والأعراف الجاهلية إلى المحكمة للنظر فيها شرعاً بالحقين: الخاص والعام لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية (فاصلة) ([120]) فقد لاحظنا استمرار قيام بعض الأفراد بالتحاكم إلى العادات والأعراف القبلية ولجوء البعض إلى إقامة تجمعات لأفراد القبيلة لهذا الغرض ومن ذلك ما يعرف باسم رد الشأن.

وحيث إن هذه المظاهر وما تتضمنه من تحكيم لعادات جاهلية وتقديمها على القضاء الشرعي وما يصاحبها من مخالفات شرعية لذا يعتمد ما جاء في تعاميمنا السابقة من إحالة أطراف القضايا التي فيها تحكيم هذه العادات والأعراف الجاهلية إلى المحكمة للنظر فيها شرعاً بالحقين العام والخاص لتقرر المحكمة ما يجب حيال القضية وحيال ما قام به الأطراف من التحاكم إلى تلك العادات الجاهلية، ولكم تحياتنا».

انتهى تعميم سموه حفظه اللَّه، ورفع منزلته، ووفقه لكل خير، وأمدَّ في عمره على طاعته.

السابع عشر:  وفتوى هذا الأخ مخالفة لتعميم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد آل سعود أمير منطقة عسير وفقه اللَّه، ومعصية لأمره الذي أمر فيه بمنع الجيرة، وردّ الشأن، بتعميمه رقم 6192، وتاريخ 29/9/ 1433هـ بناءً على تعاميم ثلاثة سابقة أصدرها صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة عسير سابقاً، ويأتي ذكر أرقامها، وتواريخها في أصل هذا التعميم.

وكان يجب على هذا المفتي بالباطل أن يشكر هذا الأمير المبارك، الذي يريد حقن دماء المسلمين جزاه اللَّه خيراً، وكان يجب عليه أيضاً أن يرشد الناس إلى طاعته في طاعة اللَّه - عز وجل -، ولكن حصل العكس، فقد لبَّس عليه، وكذب على الشريعة الإسلامية حينما قال للأمير: {الجيرة، وردّ الشان كما هي لهجة أهل المنطقة، وهي من التشريعات الإسلامية الثابتة بالكتاب والسنة، ولا ينبغي أن تغيب عن مثل سموّكم، وإلغاؤها هو إلغاء تشريع إسلامي ثابت بالكتاب والسنة... } إلى أن قال: {فإذا كانت الجيرة لها دليل من القرآن والسنة، وضرورة الواقع الذي يستدعي الالتزام بها، فكيف يصدر بذلك تعميماً وزارياً يأمر بأخذ التعهد الشديد على من يلتزم بتشريع له أصل في القرآن والسنة...}، ولبَّس عليه بقوله أيضاً: {... فالجيرة في الحقيقة هي تساعد الأمن على الإقلال من الجريمة، وتنسجم مع روح الشرع المطهَّر}، سبحان اللَّه العظيم، اللَّه أكبر، ما هذا التلبيس؟ هداه اللَّه، ووفقه للصواب.

ونص تعميم هذا الأمير المبارك برقم 6192، وتاريخ 29/ 9/ 1433هـ هو قوله: «تعميم لعموم المحافظات والمراكز المرتبطة والشرطة والمباحث ومشايخ عسير.

صورة لصاحب السمو الملكي سيدي وزير الداخلية للإحاطة حفظه اللَّه.

سعادة/

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

إلحاقاً لتعميم هذه الإمارة رقم 255 س وتاريخ 28/ 10/ 1418هـ والتعميم رقم 610 وتاريخ 5/ 1/ 1413هـ والتعميم رقم 491 وتاريخ  3/ 1/ 1415هـ بشأن الجيرة على أقارب المجني عليه وبعض العادات والأعراف القبلية بالمنطقة وحيث كثرت الشكاوي من المواطنين بأن هناك ما زال من يلجؤون إلى تلك العوائد، ويتمسكون بها خصوصاً الجيرة، وردّ الشأن التي تعني ضمن ما تعنيه توفير الحماية للجناة الفارين من وجه العدالة بعد ارتكابهم جرائم كبيرة، ولا يخفى ضرر ذلك وخطره ومخالفته لقواعد الشرع والنظام والأمن وقد لُعِنَ مَنْ آوى محدثاً.

لذا نؤكد عليكم بالتمشي وفق الأوامر السابقة بهذا الشأن، وإبلاغ مشايخ القبائل والنواب بذلك، وعليهم إبلاغ مواطنيهم بعدم جواز الجيرة وردّ الشأن وإخطارهم بالعقوبة الشديدة إذا هم خالفوا ما أشير إليه وقد عمدنا مدير شرطة منطقة عسير بصورة من هذا لتعميمه على مراكز الشرطة المرتبطة به.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

فيصل بن خالد بن عبد العزيز

أمير منطقة عسير

ثم أصدر هذ الأمير المبارك الحكيم تعميمه الإلحاقي رقم 7421  الموكِّد لمنع الجيرة المحرّمة المذكورة في 8/12/1433هـ، وهذا نصه:

«تعميم لجميع المحافظات, والمراكز المرتبطة, وشرطة منطقة عسير, ومشايخ عسير

سعادة/

السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.

إلحاقاً لأمرنا التعميمي رقم 6192/س، في 29/9/1433هـ بشأن الجيرة.

ولأن الجيرة مفهوم واسع: منها ما يساعد الجهات الأمنيه في تعقب المجرمين، وحماية الآمنين من أي تعرض لهم، أو ذويهم، يخل بالأمن، وذلك ما تؤيده الإمارة، وتؤكد على التعاون معه .

ومنها ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف، والنظام، وهذه الجيرة تسقط عقلاً، ونقلاً, ويجب القضاء عليها .

ولهذا فإن الإمارة تمنع الجيرة منعاً مطلقاً لكل جانٍ (ما لم تكن إجارته بهدف تسليمه للسلطة العامه فوراً، وبدون شروط) انطلاقاً من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدَثَاً»([121])، وكذلك تمنع الجيرة لكل جريمة هرب الفاعل فيها، ولم يسلِّم نفسه، أو يسلمه ذويه للجهات ذات العلاقه؛ ليكون تحت نظر الشرع الشريف فيما اقترفه من جريمة.

ليعلم الجميع ذلك، والعمل بموجبه.

والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته,,,,».

فيصل بن خالد عبدالعزيز

أمير منطقة عسير

وقد أوضح سمو الأمير الحكيم المبارك في بيانه في هذا التعميم المبارك أن الإمارة تُؤيّد، وتؤكِّد على التعاون على كل ما يساعد الجهات الأمنيه في تعقب المجرمين، وحماية الآمنين من التعرض لهم، أو ذويهم, فيشكر الأمير على هذا, وجزاه اللَّه خيراً, ووفقه لكل خير, وهذا هو ما شرعه الشارع الحكيم في دفع الصائل: عن النفس, أو المال, أو الأهل, وكذلك دفع الصائل عن نفس المسلم الحاضر وقت الاعتداء عليه, أو على ماله, أو على دمه, أوعلى أهله, فإنه يجب على من حضر هذا الاعتداء، أن يدفع الصائل: سواء كان من قُطّاع الطريق, أو المحاربين الذين يأخذون أموال الناس، ويعتدون على أعراضهم في الطرقات، أو في الحضر في غياب السلطات الأمنية، وبُعد المُعْتدَى عليهم عن السلطان، ونوَّابه, ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ»([122] ومعنى: «لايسلمه»، أي لا يخذله ويتركة بدون نصره على الظالم، وقد فسَّر ذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند مسلم بلفظ: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»([123]).

 والشاهد قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ولايخذله»، يقال: «أسلمته» بمعنى خذلته([124]).

قال الإمام النووي / في معنى: لا يخذله: « ...وأما لايخذله، فقال العلماء: الخذل: ترك الإعانة، والنصرة، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعي ...»([125]).

وقال الإمام ابن قدامة /: «فصل: وإذا صال على إنسان صائل يريد نفسه, أو ماله ظلماً, أو يريد امرأة ليفجر بها، فلغير المصول عليه معونته في الدفع، ولو عرض اللصوص لقافلة، جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم؛ لأن النبي e قال: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»([126])؛ ولأنه لولا التعاون؛ لذهبت أموال الناس، وأنفسهم؛ لأن قُطّاع الطريق إذا انفردوا بأخذ مال إنسان, ولم يُعِنه غيرُه؛ فإنهم يأخذون أموال الكل واحداً واحداً, وكذلك غيرهم»([127]).

والمشروع دفع الصائل، وقُطاع الطّرق بالأسهل فالأسهل؛ فإن لم يندفعوا، ولم ينتهوا إلا بالقتل، فلمن يدافعهم أن يقتلهم, ويكون دمهم هدراً.

قال الحافظ ابن حجر /: « والمتَّجه قول ابن بطال: إن القادر على نصر المظلوم توجه عليه دفع الظلم بكل ما يمكنه, فإذا دافع عنه لايقصد قتل الظالم، وإنما يقصد دفعه، فلو أتى الدفع على الظالم، كان دمه هدراً، وحينئذ لافرق بين دفعه عن نفسه، أو  عن غيره»([128]).

وهذا كله فيه حمايةً للآمنين, وفيه التعاون مع الجهات الأمنية على البر والتقوى, ومن التعاون مع الجهات الأمنية تسليم الجُناة والمحدثين  للسلطات الأمنية عند القدرة على ذلك بدون مفاسد تخالف الشرع المطهر؛ فإن لم يقدر على ذلك، حدﱠد مواقعهم، ثم بلَّغ عنهم الجهات الأمنيه فوراً.

وأما الجيرة المعروفة برد الشأن؛ فإنه يترتب عليها مفاسد كثيرة تخالف الشرع, وتخل بالأمن: من أخذ المثارات المحرمة, والاعتداء على الآمنين, وقتلهم ،أو ضربهم بنثر دمائهم مثاراً، أو أخذ أموال المعصومين مثارات بغير حق, والافتيات على الشرع المطهر, وعلى الدولة المسلمة التي تحكم بشرع اللَّه تعالى.

وهذه الجيرة ليست مدافعة للصائل المعتدي، وليس فيها حماية من قطاع الطرق، ومنعهم من الاعتداء على الآمنين، وإنما هذه الجيرة المحرمة حماية عامة للغائبين، وحتى لو كانوا في مدينه أخرى؛ فإذا استجارت قبيلة بقبيلة أخرى، فاعتدى أحد من قبيله الجاني على رجل من القبيلة المجوﱠرة في مدينه حائل مثلاً، والقبيلة المجوِّرة في مدينه نجران، فحينئذ لابد من أخذ المثار من رجل من قبيلة المعتدي الذي نقض الجيرة، ولو كان في مدينه جدة على حسب القدرة على الاعتداء, والمثار يؤخذ من أي رجل آمن، ولو لم يكن عنده علم بالقضية، وهذا فيه إخلال بالأمن، واعتداء على الآمنين، وسفك الدماء بمثارات الجاهلية.

وهذه الجيرة التي ينطبق عليها ما قاله سمو الأمير المبارك في تعميمه الثاني المشار إليه، قال حفظه اللَّه: «ومنها - أي من الجيرة – ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف, والنظام, وهذه الجيرة تسقط: عقلاً, ونقلاً, ويجب القضاء عليها»

وسأكتفي بثلاثة أمثلة تبين أن هذه الجيرة تخل: بالدين, والعقيدة, والأمن, والأخلاق, وفيها افتيات على الدولة, وانتهاك لدماء المعصومين,  وأموالهم بغير حق, وانتهاك لحرمة السلطان المسلم الذي يحكم بشرع اللَّه تعالى,  وهي على النحو الآتي:

المثال الأول: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني - وهي القبيلة الأولى - بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية – وهي قبيلة المجني عليه - على أحد أفراد القبيلة الأولى فقتله، وبعد ذلك قامت القبيلة الثالثة المجيرة بالمثار، واعتدوا على أحد أفراد القبيلة الثانية، وقتلوه مع أنه معفي، أي ليس هو الجاني، وبعد ذلك رُفِعت البيضاء للقبيلة الثالثة الذين ثاروا بمثار الدم، وقتلوا نفساً معصومة.

المثال الثاني: قتل رجل من قبيلة معروفة رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى (قبيلة الجاني) بقبيلة ثالثة، فاعتدى رجل من القبيلة الثانية على أحد أفراد القبيلة الأولى، فقامت القبيلة الثالثة بالمثار، فأطلق أحدهم النار على القبيلة الثانية، يريد قتل رجل منهم، ولكن الطلقات النارية أصابت رجلاً من قبيلة أخرى، لا علاقة له بالقضية، فأردته قتيلاً، ثم لم ترضَ هذه القبيلة الثالثة سود الوجوه عند القبائل [على ما يزعمون]، فأخذوا مثار مالٍ من القبيلة الثانية؛ لأن قتل هذا الرجل لا يجزئ؛ لأنه من قبيلة أخرى.

المثال الثالث: ضرب رجل من قبيلة أعرفها رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت قبيلة الجاني (القبيلة الأولى) بقبيلة ثالثة، ثم ضرب رجل من القبيلة الثانية (قبيلة المجني عليه) رجلاً من القبيلة الأولى (قبيلة الجاني)، فنثر دمه، ثم استجارت قبيلته (التي هي القبيلة الثانية المجني على أحدهم) بقبيلة رابعة، فأصبحت القبيلة الثالثة المجيرة سود الوجوه عند القبائل؛ لحصول الاعتداء على من أجاروا، ثم ذهبت القبيلة الثانية، والثالثة، والرابعة يتحاكمون عند مقطع حق، فحكم على القبيلة الثانية بأن لهم جيرة ثمانية أيام: جيرة المجليات (جيرة الأسود)، وبعدها يؤخذ المثار: إما نثر دم، أو أخذ مال كثير طائل، فطلبت القبيلة الثانية الصلح المبني على أحكام القبائل، وألفوا على القبيلة الثالثة سود الوجوه في عرف القبائل، فحكم من حضر من مشايخ القبائل بمثار مليون ريال، وسيارة جيب صالون، وأيمان يحلفون بها، فأخذوا ذلك المثار منهم، ثم ذهبوا به إلى القبيلة الأولى (قبيلة الجاني الأول) فدفعوه إليهم، وقالوا: هذا مثار وجوهنا، فقالت القبيلة الأولى للقبيلة الثالثة: بيَّض اللَّه وجوهكم، وهذا مثار الوجه، أما قضية الضرب الأولى والثانية، فتبقى على حالها، كلٌّ يطالب بحقه، وهذا المثار يقال له عندهم: (مثار المال، أو المثار الدسم)، وهذا حدث عام 1433هـ.

والأمثلة كثيرة لا تحصى([129])، ولكن هذه الأمثلة نماذج تدل على أن هذه الجيرة محرمة؛ لما يحصل فيها من الفساد، وهذه الجيرة هي التي ينطبق عليها قول صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد وفقه اللَّه في تعميمه السابق ذكره الذي قال فيه: «ومنها [أي من الجيرة] ما يتعارض مع نصوص الشرع الشريف، والنظام، وهذه الجيرة تسقط عقلاً، ونقلاً، ويجب القضاء عليها».

وقد أحسن، وأصاب، جزاه اللَّه خيراً، ووفقه لكل خير.

الثامن عشر: قول هذا الرجل: {... إن سُكَّان منطقة عسير وما حولها على أنظمة، وأعراف تؤمِّن الإنسان على حياته، ودينه، وعرضه، وشرفه...}، وكلامه هذا فيه الدعوة إلى الحكم بالأنظمة، والأعراف الجاهلية، والأحكام الطاغوتية، ولم يذكر في فتواه من أولها إلى آخرها شيئاً عن وجوب الحكم بالكتاب والسنة، والتحاكم إليهما، وردِّ ما تنازع الناس فيه إليهما، وهذا فيه خطر عظيم، ولا حول ولا قوة إلاَّ باللَّه العلي العظيم، ولا شك أن أخطر الأخطار على العقيدة الإسلامية: خطرإقرار العادات القبلية الجاهلية والدعوة إليها ، وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية /، وغيره، والعلامة محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية في عهده /، والإمام ابن باز مفتي المملكة العربية السعودية في عهده /: أنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أنَّ الحُكْمَ بالعَاداتِ القَبليَّةِ الجَاهليَّةِ، والسلوم أفْضَلُ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ ورَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوِ اعْتَقَدَ أنَّهَا مِثْلَ حُكْمِ اللَّهِ، ورَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوِ اعْتَقَدَ جَوازَ الحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ بَلَغَهُ أنَّ الحُكْمَ بِغَيْر حُكْمِ اللَّه لاَ يَجُوزُ، فَهُوَ طَاغُوتٌ، كَافِرٌ بإجْمَاعِ العُلمَاءِ، قَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَالعِياذُ باللَّهِ، وإنْ زَعمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ...}([130]).

التاسع عشر: استدلاله على عادة {رد الشأن} الجيرة المبتدعة بقوله، في الجيرة إنها: { ... تقوم بحماية أقرباء الجاني الأبرياء الذين لاناقة لهم ولا جمل في ذلك..} .

وهذا استدلال في غير محله، بل هو باطل؛ لأن  رد الشأن {الجيرة المبتدعة}، لا تقوم بالحماية الحكيمة، بل هي حماية عصبيَّة تحت التهديد والتخويف بالمثارات بسفك الدماء المعصومة، وأخذ الأموال الكثيرة بالباطل ممن خالف هذه الجيرة، وقد يصل الأمر إلى القتل، فهي جيرة محمية بالسلاح، والنعرات الجاهلية، والكبرياء والغطرسة، فإذا حصل إغضاب المجوِّر، بالاعتداء على المجوَّر ولو كان المعتدي سفيهاً، ولو كان في شرق الأرض أو غربها ، فانظر ماذا يحصل من المثارات، وسفك الدماء، وقتل الأنفس، ولا يشترط عندهم أن يكون المثار على الجاني الذي أغضب، وإنما يعتدى على أي شخص من القبيلة، ولو كان في أرض أخرى غير التي وقع فيها الحادث فقد يكون المجوَّر في قارة إفريقيا، والمجوِّر في قارة آسيا، فيحصل اعتداء على رجل من القبيلة المجوَّرة في قارة أستراليا، فلا بد من أخذ المثار من رجل من القبيلة التي أغضبت ولو كان في أمريكا الجنوبية فهو يجزئ، ولو كان الذي وقع منه الاعتداء في قارة أخرى، فالمقصود أن الاعتداء، والحماية تكون عامة، وليست من باب مدافعة الصائل كما يظن من لا يعرف هذه الجيرة، والله - عز وجل - يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ([131])، ولا ينظرون ولا يتأملون في قول الله - عز وجل -: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([132])، ولا يتأملون ولا يتدبرون قول النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {إن أعتى الناس على اللَّه ثلاثة: من قتل في حرم اللَّه، أو قتل غير قاتله، أو قتل لذحل([133]) الجاهلية}([134])، وقد ذكرت في المطلب الأول من هذا المبحث أمثلة كثيرة عن مثارات سفك الدماء، وأخذ الأموال، بغير حق، فراجعها إن شئت([135]).

العشرون: استدلاله، بقوله: {الجيرة توقف تسلسل الانتقامات، وتساعد على تهدئة الأمور، حتى يتدبر العقلاء، والسلطة الرسمية القضية، ويُفصل فيها بالحق بالحكمة والروية، وعلاجها من جذورها...}.

وهذا غير صحيح؛ فإن ردّ الشأن لا يوقف تسلسل الانتقامات إذا حصل إغضاب المجوِّر بالاعتداء على المجوَّر ولو كان في أقصى أقطار الأرض، فلا بد من أخذ المثار عندهم، وإلا يكون ذلك وصمة عار عليهم عند القبائل، وقد تقدم في أمثلة المثارات في المطلب الأول، أن رجلاً من قبيلة ضرب رجلاً من قبيلة ثانية، فاستجارت القبيلة الأولى بقبيلة ثالثة، فقام رجل من القبيلة الثانية {قبيلة المجني عليه} فضرب رجلاً من القبيلة الأولى، {قبيلة الجاني} ثم استجارت القبيلة الثانية بقبيلة رابعة من القبيلة الأولى، واستجارت بقبيلة خامسة من القبيلة الثالثة، فهذه خمس قبائل، تسلسل المنكر فيها من أجل هذه الجيرة المبتدعة، ثم بقيت القبيلة الثالثة تتوعَّد بأخذ المثار لوجههم حتى أتى مشايخ القبائل وحكموا لهم بمثار مقداره أربعمائة ألف ريال، وجيب شاص موديل 2001 في ذاك الوقت!! فأين الحكمة والروية التي يدَّعيها أخونا هداه اللَّه للصواب.

والجيرة المبتدعة تتسلسل ولا نهاية لها، حتى ولو حصل حكم الشرع، وحتى ولو حصل الحكم القبلي، فإن الجيرة تنتقل بعد الحكم المذكور إلى القبيل الضامن وتبقى مدى حياته، ثم تنتقل إلى ورثتة من بعده، أو يوصي بها إلى غيرهم؛ لأنه يُعطى على قبالته وضمانه مالاً كثيراً يسمى ثوب القبالة، وقد يُعطى سلاحاً يرمز إلى القوة، فتبقى الجيرة على مرور الأزمان تتسلسل على هذه الصورة، فعُلِم أن كلام أخينا عكس الحقيقة، وعكس الصواب.

ولا شك أن الذي يوقف تسلسل الانتقامات، ويقوم بحماية أقرباء الجاني، ويُنهي ويحل القضية من جذورها بالحكمة والرويّه هو حكم اللَّه - عز وجل - وشرعه المطهر الصالح لكِّل زمانٍ، ومكانٍ؛ لأنه الحكيم، الخبير، العليم بكل شيء، لا يخفى عليه خافية، وهو ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾([136])، فهو الذي خلق الخلق ويعلم ما يصلح أحوالهم، ودنياهم، وأخراهم قال اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ([137]).

قال العلامة السعدي /: {يمتنَّ تعالى على عباده المؤمنين، بأنه فرض عليهم ﴿الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ أي: المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة، التي قتل عليها المقتول، إقامة للعدل والقسط بين العباد.

وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين، فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل، حتى القاتل نفسه، إعانة ولي المقتول، إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل، وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد، ويمنعوا الولي من الاقتصاص، كما عليه عادة الجاهلية، ومن أشبههم من إيواء المحدثين.

ثم بيَّن تفصيل ذلك فقال: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ﴾ يدخل بمنطوقها، الذكر بالذكر، ﴿وَالأنْثَى بِالأنْثَى﴾ والأنثى بالذكر، والذكر بالأنثى، فيكون منطوقها مُقدماً على مفهوم قوله: الأنثى بالأنثى مع دلالة السنة، على أن الذكر يقتل بالأنثى، وخرج من عموم هذا الأبوان وإن علوا، فلا يقتلان بالولد، لورود السنة بذلك، مع أن في قوله: ﴿الْقِصَاصُ﴾ ما يدل على أنه ليس من العدل، أن يقتل الوالد بولده، ولأن في قلب الوالد من الشفقة والرحمة، ما يمنعه من القتل لولده إلا بسبب اختلال في عقله، أو أذيّة شديدة جدّاً من الولد له.

وخرج من العموم أيضاً، الكافر بالسنة، مع أن الآية في خطاب المؤمنين خاصة.

وأيضاً فليس من العدل أن يقتل وليّ اللَّه بعدوه، والعبد بالعبد، ذكراً كان أو أنثى، تساوت قيمتهما أو اختلفت، ودلّ بمفهومها على أن الحُرّ، لا يقتل بالعبد، لكونه غير مساوٍ له، والأنثى بالأنثى، أخذ بمفهومها بعض أهل العلم فلم يجز قتل الرجل بالمرأة، وتقدم وجه ذلك.

وفي هذه الآية دليل على أن الأصل وجوب القود في القتل، وأن الدية بدل عنه، فلهذا قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ أي: عفا ولي المقتول عن القاتل إلى الدية، أو عفا بعض الأولياء، فإنه يسقط القصاص، وتجب الدية، وتكون الخيرة في القود واختيار الدية إلى الولي.

فإذا عفا عنه وجب على الولي، أن يتبع القاتل ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ من غير أن يشق عليه، ولا يحمله ما لا يطيق، بل يحسن الاقتضاء والطلب، ولا يحرجه.

وعلى القاتل ﴿أَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ من غير مطل ولا نقص، ولا إساءة فعلية، أو قولية، فهل جزاء الإحسان إليه بالعفو، إلا الإحسان بحسن القضاء، وهذا مأمور به في كل ما ثبت في ذمم الناس للإنسان، مأمور من له الحق بالاتباع بالمعروف، ومن عليه الحق، بالأداء بإحسان.

وفي قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ﴾ ترقيق وحث على العفو إلى الدية، وأحسن من ذلك العفو مجاناً.

وفي قوله: ﴿ أَخِيهِ﴾ دليل على أن القاتل لا يكفر، لأن المراد بالأخوة هنا أخوة الإيمان، فلم يخرج بالقتل منها، ومن باب أولى أن سائر المعاصي التي هي دون الكفر، لا يكفر بها فاعلها، وإنما ينقص بذلك إيمانه.

وإذا عفا أولياء المقتول، أو عفا بعضهم، احتقن دم القاتل، وصار معصوماً منهم ومن غيرهم؛ ولهذا قال: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أي: بعد العفو ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي: في الآخرة، وأما قتله وعدمه، فيؤخذ مما تقدم، لأنه قتل مكافئاً له، فيجب قتله بذلك.

وأما من فسَّر العذاب الأليم بالقتل، فإن الآية تدل على أنه يتعين قتله، ولا يجوز العفو عنه، وبذلك قال بعض العلماء والصحيح الأول، لأن جنايته لا تزيد على جناية غيره»([138]).

وهذا واضح كالشمس في رابعة النهار أن الذي يوقف تسلسل الانتقامات هو حكم اللَّه الحكيم، الخبير ويعلم ما يحل مشكلات الناس ويصلحها؛ ولهذا بين اللَّه تعالى حكمته العظيمة في مشروعية القصاص، فقال تعالى في الآية الثانية: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

قال العلامة السعدي /: {أي: تنحقن بذلك الدماء، وتنقمع به الأشقياء، لأن من عرف أنه مقتول إذا قتل، لا يكاد يصدر منه القتل، وإذا رئي القاتل مقتولاً انذعر بذلك غيره وانزجر، فلو كانت عقوبة القاتل غير القتل، لم يحصل انكفاف الشر، الذي يحصل بالقتل، وهكذا سائر الحدود الشرعية، فيها من النكاية والانزجار، ما يدل على حكمة الحكيم الغفار، ونكَّر {الحياة} لإفادة التعظيم والتكثير.

ولما كان هذا الحكم، لا يعرف حقيقته، إلا أهل العقول الكاملة والألباب الثقيلة، خصهم بالخطاب دون غيرهم، وهذا يدل على أن اللَّه تعالى، يحب من عباده، أن يعملوا أفكارهم وعقولهم، في تدبر ما في أحكامه من الحكم، والمصالح الدالة على كماله، وكمال حكمته وحمده، وعدله ورحمته الواسعة، وأن من كان بهذه المثابة فقد استحق المدح بأنه من ذوي الألباب الذين وجه إليهم الخطاب، وناداهم رب الأرباب، وكفى بذلك فضلاً وشرفاً لقوم يعقلون.

وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وذلك أن من عرف ربه وعرف ما في دينه وشرعه من الأسرار العظيمة والحكم البديعة والآيات الرفيعة، أوجب له ذلك أن ينقاد لأمر اللَّه، ويعظم معاصيه فيتركها، فيستحق بذلك أن يكون من المتقين» ([139]).

وكذلك أطراف الإنسان وجروحه حكم اللَّه فيها بالعدل وما يوقف الانتقامات، فقال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ([140]) .

قال العلامة السعدي /: {هذه الأحكام من جملة الأحكام التي في التوراة، يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار. إن اللَّه أوجب عليهم فيها أن النفس -إذا قتلت- تقتل بالنفس بشرط العمد والمكافأة، والعين تقلع بالعين، والأذن تؤخذ بالأذن، والسن ينزع بالسن.

ومثل هذه ما أشبهها من الأطراف التي يمكن الاقتصاص منها بدون حيف، ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ والاقتصاص: أن يفعل به كما فعل. فمن جرح غيره عمداً اقتص من الجارح جرحاً مثل جرحه للمجروح، حداً، وموضعاً، وطولاً وعرضاً وعمقاً، وليعلم أن شرع من قبلنا شرع لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافه.

﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ﴾ أي: بالقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف والجروح، بأن عفا عمن جنى، وثبت له الحق قبله.

﴿فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ﴾ أي: كفارة للجاني، لأن الآدمي عفا عن حقه. واللَّه تعالى أحق وأولى بالعفو عن حقه، وكفارة أيضاً عن العافي، فإنه كما عفا عمن جنى عليه، أو على من يتعلق به، فإن اللَّه يعفو عن زلاته وجناياته.

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ قال ابن عباس: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فهو ظلم أكبر، عند استحلاله، وعظيمة كبيرة عند فعله غير مستحل له}([141]) .

وقد جعل اللَّه تعالى لوليِّ المقتول سلطاناً، ووعد بنصره، وهو - عز وجل - لا يخلف الميعاد فقال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾([142]) .

قال العلامة السعدي /: {وهذا شامل لكل نفس ﴿حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قتلها: من صغير، وكبير، وذكر، وأنثى، وحرٍّ، وعبدٍ، ومسلم، وكافر له عهد، ﴿إِلا بِالْحَقِّ﴾ كالنفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه، المفارق للجماعة، والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل.

﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ أي: بغير حق ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾ وهو أقرب عصباته، وورثته إليه ﴿سُلْطَانًا﴾ أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضاً تسلطاً قدرياً على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة.

﴿فَلا يُسْرِفْ﴾ الولي ﴿فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾، والإسراف مجاوزة الحد: إمَّا أن يُمَثِّلَ بالقاتل، أو يقتله بغير ما قتل به، أو يقتل غير القاتل.

وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي، فلا يقتصُّ إلاَّ بإذنه وإن عفا سقط القصاص.

وأن وليَّ المقتول يعينه اللَّه على القاتل، ومن أعانه([143]) حتى يتمكن من قتله}([144]).

الحادي والعشرون: استدلاله بقوله: {... والجيرة من الأعراف العربية الأصيلة وقد خلّدها الأدب العربي ضمن ما خلّد من القيم الأخلاقية الكريمة، فالعربي كان يجير حتى الحيوانات، وقصة مجير أم عامرٍ في الأدب العربي معروفة، ومشهورة، وهي ضبعة([145]) دخلت خيمة أعرابي، وقد جُرحت من قبل فمنعها، فلما شُفيت أكلت الأعرابي الذي منعها، فقيل في ذلك:

«من يفعــل المعروف في غير أهــله

يلاقي كــــما لاقى مجـــير أم عــامر}([146])

واستدلال أخينا هذا استدلال ساقط؛ لأن الأعراف والعادات العربية إذا خالفت شرع اللَّه فلا ينظر إليها، فما وافق الشرع منها قبلناه، وما خالفه رفضناه، والدليل يكون من الكتاب والسنة، ولا بد أن يكون صريحاً صحيحاً، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلّوا أبداً: كتاب اللَّه وسنة نبيه...}([147]).

وفي حديث زيد بن أرقم  - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {... وأنا تارك فيكم ثقلين: أَوَّلهما كتاب اللَّه فيه الـهُدى والنور، [هو حبل اللَّه من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة] فخذوا بكتاب اللَّه ، واستمسكوا به}، فحث على كتاب اللَّه ورغَّب فيه...}([148]).   

وذِكْره لقصة الضبع([149])!! غريب جداً؛ لأن شرع اللَّه قد رغَّب في الإحسان إلى الحيوان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {أنّ رجلاً رأى كلباً يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفَّه فجعل يغرف له به حتى أرواه، فشكر اللَّهُ له فأدخله الجنة}([150]).

قالوا: يا رسول اللَّه وإنَّ لنا في البهائم لأجراً؟ قال: {في كُلِّ ذاتِ كبدٍ رطبة أجر}، وفي لفظ مسلم: {فشكر اللَّه له فغفر له}([151]) .    

وقد ثبت من حديث عبد اللَّه بن عمر بأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: {عُذِّبت امرأةٌ في هرّةٍ حبستها حتى ماتت جوعاً، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض}([152]) .

فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكريم، الرحيم، هو الذي شرع الإحسان حتى إلى الحيوانات، وهذا الأخ ينسب هذا الإحسان إلى العرب، وترك نسبة هذا الخلق الكريم العظيم إلى من أرسله اللَّه رحمة للعالمين - صلى الله عليه وسلم -.

وذِكره للبيت غير مناسب لأخلاق الإسلام والمسلمين؛ لأن المشروع للمسلم أن يحسن إلى من أساء إليه، كما قال الله - عز وجل -: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾([153] ومن الأخلاق الحميدة: أن تصل من قطعك، وتحسن إلى من أساء إليك، وتعطي من حرمك. فقوله:

من يفعــل المعروف في غير أهــله

يلاقي كــــما لاقى مجـــير أم عــامر}

فيه تنفير عن فعل الخير، وعن الأخلاق الحميدة، وقد قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾([154]).

فظهر أن استدلال أخينا بهذه القصة لا قيمة له ولاحظَّ له من النظر عند أهل العلم والإيمان.

الثاني والعشرون: استدلاله بقوله: {...فالحياة بلاء، ومحنٌ، وفتن، وحروب إلى أن يفنيها اللَّه وهذا أمر يعرفه سموّكم، وعقلاء الدنيا}.

هذا آخر ما استدل به هذا الرجل على مشروعية {ردّ الشأن} الجيرة المبتدعة في فتواه، وهذا من الغرائب العجيبة؛ فإن من قرأ كلام هذا الأخ وهو لا يعرف في أي بلاد هو يظن أنه يعيش في مجتمع جاهلي، وحياة جاهلية كحياة العرب في الجاهلية قبل الإسلام، فهي التي فيها الحروب، والمحن، والفتن المضلة، ويغلب القوي الضعيف، وفيها النهب والسلب، وغير ذلك من أمور الجاهلية المنتنة، أما نحن في بلاد الحرمين الشريفين فقد أكرمنا اللَّه - عز وجل - بدولة مسلمة، تحكم بشرع اللَّه تعالى، فالقاتل المتعمد يقتل إذا لم يعفُ أولياء المقتول، ولم يقبلوا الدية، والسارق تقطع يده إذا اكتلمت الشروط، والشارب يجلد، والزاني غير المحصن يجلد، والزاني المحصن يرجم، والمحارب تطبق عليه أحكام الحرابة، والقاذف يجلد، والمفجّر للممتلكات يأخذ جزاءه، ورجال الأمن يقومون بواجبهم على حسب الاستطاعة، والحدود تطبق، وما من محافظة من محافظات المملكة العربية السعودية، ولا مركز إلا وفيها محكمة تحكم بشرع اللَّه إن لم تكن محاكم، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقومون بواجبهم حسب الاستطاعة، ومراكز الشرطة، ومراكز الإمارة، والدوريات الأمنية، والقوات المسلحة، والقوات البرية، والقواعد الجوية، والحرس الوطني، والقوات البحرية، وحرس الحدود، وأمراء المناطق، وقوات الطوارئ، وقوات أمن الطرق، والجوازات، وقوات المجاهدين على الحدود، ورئاسة الحرمين الشريفين، وإدارات البحوث العلمية والإفتاء، ووزارة العدل، ووزارة الشئون الإسلامية، ووزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي وجميع الوزارات وجميع الجامعات، وكلهم تحت ولاية اللَّه - عز وجل - ثم ولاية القائد الأعلى، الإمام الأعظم لهذه البلاد، واعتمادنا على اللَّه وحده لا شريك له، فما نحن إلا باللَّه، ولكن هذا لبيان الواقع، والحقيقة، وغير ذلك من وسائل الأمن، والمحاضرات، والندوات، والدروس، التي يقوم بها العلماء والدعاة، والخطباء الذين يعلِّمون الناس الخير، فأين الحروب التي يذكر هذا الرجل؟.

وأخشى أن بعض الناس إذا قرأ ما كتب هذا الأخ في فتواه يظن أن الناس في هذا البلد المبارك ليس لهم إمام يحكمهم بشرع اللَّه، ولا دولة مسلمة يعيشون في حمايتها بعد حماية اللَّه - عز وجل -.

أو يُخشى أن يُقال: هذا الرجل لا يعتقد أن في عنقه بيعة للإمام، أولا يعتقد أن الناس في أعناقهم بيعة للإمام؛ فإذا كان ذلك كذلك، فهذا خطر عظيم؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر ب قال سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: {من خلع يداً من طاعةٍ لقي اللَّه يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية}([155]).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُمِّيَّةٍ، يغضب لعصبةٍ، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فَقُتِلَ فقِتْلَةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ عهده، فليس مني ولست منه}([156]).

وفي حديث جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»([157]).  

وعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ب، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا، فَمَاتَ عَلَيْهِ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([158]).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {إنما الإمام جُنَّة يُقاتل من ورائه، ويُتقى به، فإن أمر بتقوى اللَّه - عز وجل - وعدل، كان له بذلك أجر، وإن أمر بغيره كان عليه منه}([159]).

الثالث والعشرون: مخالفة هذا الرجل لتوصيات اللجان الحكيمة من وزارات متعددة بإبطال العادات المخالفة للشرع:

فقد صدر الأمر الملكي السامي البرقي رقم 560/م ب في 11/ 1/ 1428هـ ‏الموجه للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبد ‏العزيز / والقاضي بتكوين لجنة في وزارة الداخلية من: وزارة الداخلية، ‏ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف والإرشاد، ووزارة الثقافة ‏والإعلام، لدراسة الموضوع المتعلق بالعادات، والأعراف القبلية المخالفة للشريعة ‏الإسلامية.

وقد درست اللجنة المذكورة الموضوع من جميع جوانبه، وأوصت بعدة توصيات على النحو الآتي:

1‏- أن الصلح جائز بين المسلمين، وألا يكون فيه إكراه، ولا يكون نافذاً إلا ‏بعد مصادقته من قبل القضاء.

2- ‏العرف في الشرع مقدر، وإذا لم يخالف الشرع، فإنه معتبر ومرد ذلك إلى ‏القضاء.

3- ‏يجب منع المطالبة بمبالغ باهظة لقاء التنازل عن القصاص، ومنع إقامة المخيمات، أو لوحات الإعلانات بطلب التبرع لهذا الغرض إلا بإذن إمارة المنطقة، وبالشروط التي تم تحديدها، وبإشراف الجهة المختصة في كل منطقة، مع الالتزام بالحد الأعلى للديات الذي رآه ولي الأمر.

4- في حال ظهور شيء من العادات والتقاليد والأعراف التي تتعارض مع الشرع، فتعالج من قبل إمارة كل منطقة، أو وزارة الداخلية.

5- وجوب إعداد نشرات وكتيبات، وتصميم دورات تدريبية عن هذه العادات ‏لمعرفتها، وطريقة معالجتها.

6- وجوب التفريق بين القضايا التي يسمح بالسعي للصلح فيها من حيث نوعيتها.

7- وجوب الكتابة لمشايخ القبائل، والنواب بعدم جواز تحكيم العادات، ‏والأعراف، والتقاليد المخالفة للشرع بين قبائلهم.

8- جمع المحكمين بين القبائل، وإقامة دورات تدريبية لهم في إمارات المناطق لتوضيح المخالفات الشرعية في الأعراف، والعادات، والتقاليد التي يتم التحاكم إليها.

9- ‏أن تقوم إمارات المناطق في حال ظهور أحد المحكمين، أو أحد مشايخ ‏القبائل، أو النواب، أو غيرهم، ممن يمارس التحكيم المخالف للشرع بأخذ التعهد الخطي، شديد اللهجة عليه، متضمناً عدم العودة لذلك، وفي حال مخالفته، وعدم التزامه يحال إلى المحكمة الشرعية لتعزيره.

10- فتح المجال أمام أساتذة الجامعات، والمهتمين بالشأن القبلي، ‏والمختصين بالشأن الاجتماعي؛ لدراسة مجمل الظواهر الاجتماعية ‏السلبية.

11- حث المحاكم على عدم التصديق على اتفاقيات الصلح والإقرارات ‏المنطوية على شروط تعجيزية، ظالمة، ومخالفة لأحكام الشريعة.

12- ‏منع المتسلطين من المحكمين للعادات والتقاليد المخالفة للشرع، ‏وسحب المشيخة والنوابة منهم.

13- ‏حث الجهات الرسمية على المسارعة في الفصل في الشكاوى بين ‏الأفراد.

14- حصر أسماء المشايخ، والنواب، وعراف القبائل بشكل عام لدى إمارة كل ‏منطقة، وإلزامهم بالتوصيتين (9، 12).

15- التأكيد على التعليمات الصادرة بشأن عدم المبالغة في المبلغ المطلوب ‏مقابل التنازل عن القصاص.

16- يجب منع ما هو متعارف عليه لدى القبائل، والمسمى بالضامن، أو ‏القبيل عن الصلح.

فاللَّه أسأل أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن يشرح صدورهم للموافقة على كل ما فيه خير للعباد والبلاد، وأن يمُدَّ في أعمارهم على طاعته، وأن ينصر بهم الحقّ وأهله، وأن يجزيهم خيراً على ما قدموه لخدمة الحرمين الشريفين، وعلى ما قاموا به من مصالح الإسلام والمسلمين.

واللَّه أسأل أن يوفق الجميع للصواب، ولكل ما يحب ويرضى.


 المطلب الرابع: فتاوى العلماء في حكم التحاكم إلى العادات القبلية

هذا الرجل دعا إلى إحياء عادات الجاهلية، والتحاكم إليها - والعياذ باللَّه - بفتواه الساقطة الفاتنة؛ لأن دعوته إلى ردّ الشأن، والجيرة المحرمة، تكون دعوة لهذه العادات لأن الجيرة تؤدي إلى أخذ المثارات، وإلى وقوع الملافي التي تحصل فيها المنكرات، وإلى التحاكم إلى مقاطع الحق، كما يزعمون، الذين يحكمون بالعادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، وتؤدي إلى أخذ القبيل الذي تنتقل إليه الجيرة، ثم إلى ورثته من بعده، وتؤدي إلى مفاسد أخرى.

وأكتفي بالردِّ عليه في هذا المطلب بذكر فتاوى الأئمة الأعلام التي ترد ما دعا إليه من الباطل هداه اللَّه، ووقاه شر نفسه، وإليك هذه الفتاوى المحققة على النحو الآتي:

أولاً: قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ / (ت 728هـ): «ولاَ ريبَ أنَّ مَنْ لم يعْتقدْ وُجوبَ الحُكْمِ بمَا أنزَلَ اللَّهُ على رسولِهِ، فهُوَ كافرٌ، فَمنِ استحلَّ أنْ يَحكُمَ بينَ الناسِ بمَا يراهُ هو عَدْلاً مِنْ غَيرِ اتِّباعٍ لمَا أنزلَ اللَّهُ فهُوَ كافرٌ، فإنَّهُ ما مِنْ أمَّةٍ إلاَّ وهيَ تأمُرُ بالحُكْمِ بالعَدْلِ، وقَد يكُونَ العَدْلُ في دينِهَا ما رآهُ أكابِرُهُمْ؛ بلْ كثيرٌ مِنَ المنتَسبينَ إلى الإسْلامِ يحْكمُونَ بعاداتِهِمُ التي لم يُنزِلْهَا اللَّهُ I كسَوَالِفِ الباديَةِ، وَكأوامِرِ المُطاعينَ فيهِمْ، ويرَوْنَ أنَّ هَذا هُوَ الذي ينبَغِي الحُكْمُ بهِ دُونَ الكتابِ والسُّنَّةِ، وهَذا هُو الكُفْر؛ فإنَّ كثيراً مِنَ النّاسِ أسْلَمُوا، وَلكن مَع هَذا لا يَحْكُمونَ إلاَّ بالعَاداتِ الجَاريةِ لهُمُ التي يأمُرُ بها المُطاعُونَ، فَهَؤُلاءِ إذَا عَرَفُوا أنَّهُ لا يَجوزُ الحُكْمُ إلاَّ بِمَا أنزَلَ اللَّهُ، فَلمْ يَلْتَزِمُوا ذلكَ، بَلِ استَحَلُّوا أنْ يَحْكُمُوا بِخِلافِ مَا أنزلَ اللَّهُ، فَهُمْ كُفَّارٌ»([160]).

ثانياً: قَالَ العَلاّمَةُ ابنُ القَيِّمِ (ت 751) /: «...لمَّا أعْرَضَ النّاسُ عنْ تَحْكيمِ الكِتابِ، والسّنّةِ، والمحَاكَمةِ إليهِمَا، واعتَقَدُوا عَدَمَ الاكْتِفاءِ بهِمَا، وعَدَلُوا إلى الآراءِ، وَالقِيَاسِ، والاسْتِحْسَانِ، وَأقْوالِ الشّيوخِ، عرَضَ لهُمْ منْ ذلكَ فسادٌ في فِطَرِهِمْ، وظُلْمَةٌ في قُلوبِهِمْ، وكَدَرٌ في أفْهامِهِمْ، ومَحْقٌ في عُقُولِهِمْ، وعمَّتْهُمْ هَذِهِ الأُمُورُ، وغَلَبَتْ عَليهِمْ، حتَّى رُبِّي فيها الصَّغيرُ، وهَرِمَ علَيها الكَبيرُ...»([161]).

ثالثاً: قالَ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهابِ (ت 1206هـ) /: «الطَّواغِيتُ كَثيرَةٌ، ورُؤوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إبلِيسُ لعنَهُ اللَّهُ، ومَنْ عُبِدَ وهوَ رَاضٍ، ومَنْ دعَا الناسَ إلى عِبادَةِ نَفْسِهِ، ومَنِ ادَّعَى شَيئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ، ومَنْ حَكمَ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللَّهُ»([162]).

رابعاً:  العلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطيفِ بْنُ عبدِ الرَّحمَنِ آلِ الشَّيخِ / (ت 1292هـ) سُئِلَ /: «عَمَّا يَحْكُمُ بهِ أهْلُ السَّوالِفِ مِنَ البَوَادي وغَيرِهِم مِنْ عَاداتِ الآباءِ والأجْدادِ، هَلْ يُطْلَقُ عَليهِمْ بذلكَ الكُفْرِ بعدَ التّعريفِ... إلخ؟

فأجابَ /: «مَنْ تَحَاكمَ إلى غَيْرِ كتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بعْدَ التعريفِ، فهُوَ كَافرٌ....»([163]).

خامساً: قالَ العَلاَّمَةُ حَمَدُ بْنُ عَتيقٍ / (ت 1301هـ) عِندَ هَذِهِ الآيةِ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([164]) بعدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابنِ كَثيرٍ /، قَالَ: «قُلْتُ: وَمِثْلُ هَؤُلاءِ مَا وَقَعَ فِيهِ عامَّةُ البَوَادي وَمَنْ شَابَهَهمْ، مِنْ تَحْكيمِ عَاداتِ آبَائِهِمْ، ومَا وَضَعَهُ أوائِلُهُمْ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المَلْعُونَةِ التي يُسمُّونَها (شَرْع الرفاقة) يُقدِّمُونَها عَلى كِتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومَنْ فَعلَ ذلكَ فهُوَ كَافرٌ، يَجبُ قِتَالُهُ حتّى يَرجِعَ إلى حُكْمِ اللَّهِ ورسُولِهِ»([165]).

سادساً: قالَ العَلاَّمَةُ سُليمانُ بنُ سَحْمَان (ت 1349هـ) /: «الطَّاغُوتُ ثلاثَةُ أنْواعٍ: طَاغوتُ حُكْمٍ، وطَاغُوتُ عِبادةٍ، وطَاغوتُ طَاعةٍ ومُتابعَةٍ؛ والمَقْصُودُ في هذهِ الورَقَةِ هُو طَاغُوتُ الحُكْمِ، فإنَّ كَثيرًا مِنَ الطَّوَائِفِ المُنتسبينَ إلى الإسلاَمِ، قَد صَارُوا يَتحاكَمُوَن إلَى عَاداتِ آبَائِهِمْ، ويُسمُّون ذلكَ الحَقَّ بِشَرْعِ الرفاقة، كقَوْلِهِمْ شَرْعُ عجمان، وشَرْعُ قَحْطان، وغَيْرُ ذلكَ، وهَذا هُو الطَّاغوتُ بعَينِهِ، الّذي أمَرَ اللَّهُ باجْتِنَابِهِ.

ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في مِنهَاجِهِ([166])، وابنُ كَثيرٍ في تفسيرِهِ([167]): أنَّ مَنْ فَعلَ ذلكَ فهوَ كَافرٌ بِاللَّهِ، زادَ ابنُ كَثيرٍ: يَجبُ قِتالُهُ، حتَّى يَرجِعَ إلى حُكْمِ اللَّهِ ورسُولِهِ»([168]).

وقالَ ابنُ سَحْمَان أيضاً: «ومَا ذَكَرْناهُ مِنْ عاداتِ البوَادي، التي تُسمَّى (شرع الرفاقة) هُوَ مِنْ هَذا الجِنْسِ، مَنْ فَعَلَهُ فَهوَ كَافرٌ، يَجبُ قِتالُهُ حتّى يَرجعَ إلَى حُكمِ اللَّهِ ورسولِهِ، فَلا يُحكِّمُ سِواهُ في قَليلٍ ولاَ كَثيرٍ»([169]). 

سابعاً: قالَ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ إبْراهيمَ آلِ الشيخِ مُفتي الدِّيارِ السُّعوديَّةِ في عَهدِهِ، (ت 1389هـ) /: «... بلَغَنَا ... أنَّه مَوْجودٌ من بعضِ الرُّؤساءِ ببلَدِ الرين مَنْ يَحْكمُ بالسُّلومِ الجَاهليَّةِ، فسَاءَنا ذلكَ جِدّاً، وأوْجَبَ عَلينا الغَيْرَةَ لأحْكامِ اللَّهِ وشَرْعِهِ؛ لأنَّ ذلكَ في الحقيقةِ حُكْمٌ بِغيْرِ مَا أنزَلَ اللَّهُ...»، ثُمَّ قَالَ /: «يتحَتَّمُ عَلى ولاةِ الأمُورِ التَّأديبُ البَليغُ لِكلِّ مَنِ ارْتكَبَ هَذهِ الجريمةَ الّتي قَدْ تُفْضي إلَى مَا هُو أكْبرُ إثْماً مِنَ الزِّنا والسَّرقةِ؛ لأنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ أمرَ اللَّهِ، وأمْرَ رسولِهِ، وحَكَمَ بينَ النّاسِ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ مُتّبِعاً لِهَواهُ، وَمُعْتقِداً أنَّ الشَّرعَ لاَ يَكفِي لِحلِّ مَشاكِلِ النَّاسِ، فَهُوَ طَاغوتٌ قَدْ خَلعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِنْ عُنُقِهِ، وَإنْ زَعَمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ...»([170]).

ثامناً: قالَ الإمَامُ عَبدُ العَزيزِ بْنُ عَبدِ اللَّهِ بنِ بَازٍ (ت 1420هـ) /: «... في إحْياءِ العَاداتِ القَبليَّةِ، والأَعْرافِ الجَاهليَّةِ مَا يَدْعُو إلَى تَرْكِ التَّحَاكُمِ إلَى كِتَابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفي ذَلكَ الْمُخالَفَةُ لِشَرْعِ اللَّهِ المُطَهَّرِ». إلَى أنْ قَالَ /: «... وَبِهذا يُعلَمُ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ إحياءُ قَوانينَ القَبائلِ وأعْرافِهِمْ، وَأنظِمَتِهِمْ التي يتَحَاكَمُونَ إليْها بَدلاً مِنَ الشَّرعِ المُطَهَّرِ الذِي شَرعَهُ أحْكَمُ الحَاكمِينَ، وَأرْحَمُ الرّاحِمينَ، بِلْ يَجبُ دفْنُهَا، وإمَاتَتُهَا، والإعْراضُ عَنهَا، والاكْتفاءُ بالتَّحاكُمِ إلى شَرْعِ اللَّهِ I، فَفيهِ صَلاحُ الجَميعِ، وسَلامةُ دِينِهِمْ، ودُنْياهُمْ، وعَلى مَشايخِ القَبائلِ ألاَّ يَحْكمُوا بينَ النَّاسِ بالأعْرافِ التي لاَ أسَاسَ لها مِنَ الدِّينِ، ومَا أنزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطانٍ، بَلْ يَجبُ أنْ يَردُّوا مَا تَنازَعَ فيه قَبائِلُهُمْ إلَى المَحَاكِم الشَّرعيَّةِ...»([171]).

تاسعاً: قال العَلاَّمَةُ صَالحُ بنُ فوزانَ بْنِ عَبدِ اللَّهِ الفوزانِ حَفِظَهُ اللَّهُ: «... مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ: هَذا يَعُمُّ كُلَّ حُكْمٍ بغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ بَيْنَ النّاسِ في الخُصُوماتِ، والمُنازعَاتِ، حَكَمَ بيْنَهُمْ بالقَانُونِ، أوْ بعَوَائِدِ البَدْوِ، وَالسّلوم التي عَليها البَدْوُ والقَبَائِلُ، وأعْرَضَ عَن كِتابِ اللَّهِ، هَذا هُوَ الطَّاغوتُ، يَحْكمُونَ بغَيْرِ مَا أنزلَ اللَّهُ، وَيدّعُونَ أنَّ هَذا مِنَ الإصلاحِ، والتَّوفِيقِ بينَ الناسِ، هَذا كَذبٌ، الإصْلاحُ لا يَكونُ إلاَّ بِكتابِ اللَّهِ، والتَّوْفيقِ بَينَ المُؤْمنينَ لاَ يكونُ إلاَّ بكِتابِ اللَّهِ - عز وجل -...»([172]).

وقالَ حَفِظَهُ اللَّهُ: «... وَالطَّاغُوتُ المُرادُ بِهِ: كُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، سَواءً عَوائِدِ الباديَةِ، أوْ أنْظِمَةِ الكُفَّارِ، أوْ قَوانِينَ الفِرَنْسِ، أوْ الإنكلِيزِ، أوْ عَاداتِ القَبائلِ كُلُّ هَذا طَاغوتٌ، وَكذا تَحْكيمُ الكُهَّانِ – فالّذي يقُولُ: إنَّهمَا سَواء كَافرٌ [أيْ: يُسوِّي بين حُكْمِ اللهِ وحُكمِ غَيرِهِ، والعِياذُ باللهِ]، وَأشدُّ مِنهُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ أحْسَنُ مِنَ الحُكْمِ بِمَا أنْزلَ اللَّهُ، هَذا أشَدُّ...»([173]).

عاشراً: فَتَاوَى الإمامِ مُحمَّدِ بْنِ إبراهيمَ آلِ الشيخِ مُفتي الدِّيارِ السُّعُوديةِ في عَهْدِهِ / في الحُكْمِ بعَاداتِ الأسْلافِ والأجْدادِ:

قالَ /: «...إنَّ مِنْ أقْبَحِ السّيِّئَاتِ، وَأعظَمِ المُنكرَاتِ التَّحاكمَ إلَى غَيرِ شَريعَةِ اللَّهِ مِنَ القَوانِينَ الوضْعيَّةِ، والنُّظُمِ البشريَّةِ، وعَاداتِ الأسْلافِ والأجْدادِ التي قَدْ وقَعَ فيها كَثيرٌ مِنَ النّاسِ اليَومَ، وارتَضَاها بَدَلاً مِنْ شَريعَةِ اللَّهِ التي بَعثَ بِهَا رسولَهُ مُحمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، ولاَ ريْبَ أنَّ ذلكَ مِنْ أعظمِ النِّفاقِ، ومِنْ أكْبَرِ شَعَائرِ الكُفْرِ، والظُّلْمِ، والفُسُوقِ، وأحْكَامِ الجاهليَّةِ التي أبْطَلَهَا القُرآنُ، وحَذَّرَ عَنْهَا الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -»([174]).

الحادي عشر: فَتَاوَى الإمامِ عَبدِ العَزيزِ بْنِ عَبدِ اللهِ بنِ بَازٍ مُفتي عَامِّ المَملكةِ في عَهْدِهِ / في وُجُوبِ تَحْكيمِ شَرْعِ اللهِ ونَبْذِ مَا خَالَفَهُ:

قال /: «...فَهذِهِ رِسالَةٌ مُوجزَةٌ، ونَصيحةٌ لازمةٌ في وُجوبِ التَّحاكُمِ إلَى شَرْعِ اللَّهِ, والتَّحْذيرِ مِنْ التَّحاكُمِ إلى غَيرِهِ, كَتبتُهَا لَمَّا رأيتُ وُقوعَ بَعْضِ النّاسِ في هَذا الزَّمانِ في تَحْكيمِ غَيرِ شَرْعِ اللَّهِ, والتَّحاكُمِ إلَى غَيرِ كِتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسولِهِ, مِنَ العَرَّافينَ، والكُهَّانِ، وَكِبارِ عَشائِرِ البَاديَةِ, وَرجالِ القَانونِ الوَضْعيّ، وأشْباهِهمْ, جهْلاً مِنْ بعْضِهِمْ لحُكْمِ عَملِهِمْ ذَلِكَ, وَمُعَانَدَةً ومُحَادَّةً للَّهِ ورسولِهِ مِنْ آخَرِينَ, وأرْجُو أنْ تكونَ نَصيحَتي هَذِهِ مُعَلِّمَةً للجَاهِلينَ, ومُذَكِّرَةً للغَافِلينَ, وسَبَباً في استقامَةِ عِبادِ اللَّهِ عَلى صِراطِهِ المُستَقيمِ» إلَى أن قَالَ /: «...وَلاَ إيمانَ لِمَنِ اعْتَقَدَ أنَّ أحْكَامَ النّاسِ، وآراءَهُمْ خَيْرٌ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ ورَسولِهِ, أوْ تُماثِلُهُ، وتُشابِهُهُ, أوْ أجَازَ أن يَحُلَّ مَحَلَّها الأحكامُ الوَضعيَّةُ، والأنظِمَةُ البشريَّةُ, وإنْ كانَ مُعْتقِداً بأنَّ أحْكامَ اللَّهِ خَيرٌ، وَأكْمَلُ، وأًعْدلُ.

فَالواجِبُ عَلى عَامَّةِ المُسلِمينَ، وأُمَرائِهِمْ، وحُكَّامِهِمْ, وَأهْلِ الحَلِّ والعَقْدِ فِيهِمْ: أنْ يتَّقُوا اللَّهَ - عز وجل -، ويُحَكِّمُوا شَريعتَه في بُلدانِهِمْ، وسَائِرِ شُؤونِهِمْ, وأنْ يَقُوا أنْفَسَهُمْ، ومَنْ تَحْتَ ولايتِهِمْ عذَابَ اللَّهِ في الدّنيا والآخِرَةِ, وأنْ يعْتَبِرُوا بِما حَلَّ في البُلْدانِ التي أعرَضَتْ عنْ حُكْمِ اللَّهِ...»

إلَى أنْ قَالَ /: «...وَأرْجُو مِمَّنْ بَلَغَتْهُ مَوعِظتِي هَذِهِ أنْ يتُوبَ إلى اللَّهِ, وأنْ يَكُفَّ عَنْ تِلكَ الأفعَالِ المُحرَّمَةِ, ويَستَغْفِرَ اللَّهَ، ويَنْدَمَ عَلى مَا فَاتَ, وأنْ يَتَواصَى مَعَ إخْوانِهِ، ومَنْ حَوْلَهُ عَلى إبْطَالِ كُلِّ عَادَةٍ جاهليَّةٍ, أوْ عُرْفٍ مُخَالِفٍ لِشَرْعِ اللَّهِ, فَإنَّ التّوبةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَها, والتَّائِبُ مِنَ الذّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنبَ لَهُ, وَعَلَى وُلاةِ أمُورِ أولَئِكَ الناسِ وَأمْثالِهِمْ, أنْ يَحْرَصُوا عَلى تَذْكِيرِهِمْ، ومَوْعظتِهِمْ بِالحَقِّ, وبَيَانِهِ لَهُمْ, وَإيجَادِ الحُكَّامِ الصَّالِحِينَ بَيْنَهُمْ؛ ليَحْصَلَ الخَيْرُ بإذْنِ اللَّهِ، ويَكُفُّوا عِبادَ اللَّهِ عن مُحَادَّتِهِ, وَارْتكَابِ مَعَاصِيهِ, فَمَا أَحْوجَ المُسلِمينَ اليَوْمَ إلَى رَحْمَةِ ربِّهِم, التي يُغَيِّرُ اللَّهُ بِهَا حَالَهُمْ, ويرفَعُهُمْ مِنْ حَياةِ الذُّلِّ وَالهَوَانِ إلَى حَياةِ العِزِّ والشَّرَفِ([175]).

الثاني عشر: فَتَاوَى اللَّجْنةِ الدَّائمَةِ لِلبُحوثِ العِلْميَّةِ والإفْتَاءِ في العَاداتِ القبليَّةِ:

1- سُئِلَتِ اللَّجنَةُ الدَّائمَةُ عَنْ حُكْمِ التَّحاكُمِ إلَى الأحْكَامِ العُرْفِيَّةِ عِندَ مَشايخِ القَبائِلِ فَأجَابَتْ بِالفَتْوَى رَقَمِ (6216):

«يَجِبُ علَى المُسْلِمِينَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الشّريعَةِ الإسلاميةِ لاَ إلَى الأحْكَامِ العُرفيَّةِ، ولاَ إلَى القَوَانينِ الوَضْعيَّةِ، ومَا ذَكَرْتَهُ ليسَ صُلحاً في الحَقِيقَةِ، وإنَّما هُو تَحاكُمٌ إلَى مَبادِئَ وقَواعِدَ عُرفيَّةٍ؛ ولِذَا يُسمُّونَهَا: مَذْهباً، وَيقُولُونَ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بالحُكْمِ بمُقْتَضَاهَا: إنَّهُ قَاطِعُ المَذْهَبِ، وتَسْمِيَتُه صُلْحاً لاَ يُخْرِجُه عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ أنَّهُ تَحاكُمٌ إلَى الطَّاغُوتَ، ثُمَّ الحُكْمُ الذي عَيَّنُوهُ مِنَ الذّبْحِ أو الضرْبِ بآلةٍ حادّةٍ عَلى الرَّأْسِ، حتَّى يَسيلَ مِنهُ الدّمُ لَيسَ حُكْماً شَرْعياً.

وَعَلَى هَذَا يَجبُ عَلى مَشايخِ القَبائِلِ ألاَّ يَحْكُمُوا بينَ النّاسِ بِهَذِهِ الطّرِيقَةِ، ويَجِبُ عَلَى المُسْلِمينِ ألاَّ يتَحاكَمُوا إليْهِمْ إذَا لَمْ يَعْدِلُوا عَنهَا إلَى الحُكْمِ بالشَّرْعِ، واليَوْمَ -وللَّهِ الحَمْدُ- قد نَصَبَ وَلِيُّ الأمْرِ قُضاةً يَحْكُمُونَ بينَ النّاسِ، ويَفْصِلُونَ في خُصُوماتِهِمْ بكِتَابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويَحُلُّونَ مُشْكِلاتِهِمْ بِمَا لاَ يَتنافَى مَعَ شَرْعِ اللَّهِ تعَالَى، فَلا عُذْرَ لأحَدٍ في التَّحاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ بعْدَ إقَامَةِ مَنْ يتَحَاكَمُ إليهِ مِنْ عُلمَاءِ الإسْلامِ، ويَحْكُمُ بِحُكْمِ اللَّهِ سُبحانَهُ.

وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، وصَلَّى اللَّهُ على نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

نائب رئيس اللجنة

الرئيس

عبد الله بن قعود،

عبد الله بن غديان،

عبد الرزاق عفيفي،

عبد العزيز بن عبد الله بن باز([176])

2- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنِ التَّحاكُمِ إلَى العَاداتِ والأعْرافِ القَبَلِيَّةِ، فَأجَابَتْ بِالفْتَوَى رقَمِ (16894):

«الوَاجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الشَّرِيعَةِ الإسْلاميَّةِ امتِثالاً لأمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا في قَوْلِهِ تعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾([177] وقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([178] وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([179] وَقَوْلِهِ تعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([180] وقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([181]).

وَيَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِينَ التَّحَاكُمُ إلَى الأحْكامِ العُرْفِيَّةِ، وَالمَبادِئِ القَبَلِيَّةِ، وَالقَوانِينَ الوَضْعِيَّةِ؛ لأنَّها مِنَ التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ الذي نُهِينَا أنْ نَتَحَاكَمَ إلَيْهِ، وَقَدْ أمَرَنَا اللَّهُ بِالكُفْرِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾([182])، ولاَ يَحِلُّ لِمشايِخِ القَبائلِ الحُكْمُ بينَ النّاسِ بمَا تُملِيهِ الأعْرافُ وَالمَبَادئُ القَبَليَّةُ، وَالوَاجِبُ عَلَيهِمْ إرْشَادُ مَنْ جَاءَهُمْ بأنْ يَذْهَبَ إلى القُضَاةِ في المَحَاكِمِ الشَّرعيَّةِ، الذينَ ولاَّهُمْ إمَامُ المُسلمينَ لِلْحُكمِ بَيْنَ النَّاسِ بالشَّرْعِ المُطَهَّرِ.

وَمَا ذُكِرَ مِنَ الحُكْمِ بِالجنابي، أو ثَمَنُهَا، أو تَثْلِيثُ الدّم، أو الحُكْمِ بالأسِيَّةِ أو المَنصُوبَةِ، فكُلُّ هَذهِ لَيْسَتْ أحْكاماً شَرْعيَّةً، وَإنَّما هِي مِنَ الأحْكامِ القَبليَّةِ الّتي لاَ يَجوزُ الحُكْمُ بِهَا بَينَ النّاسِ، وَلا يَجُوزُ الأكلُ مِنَ الطَّعَامِ المُسمَّى بـ(طعام الفراش)؛ لأنَّهُ مَبْذولٌ بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، ولاَ يَجُوزُ حُضُورُهَا، ولاَ الرِّضَا بِهَا.

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

عضو

الرئيس

بكر أبو زيد،

عبد العزيز آل الشيخ،

صالح الفوزان،

عبد الله بن غديان،

عبد العزيز بن عبد الله بن باز([183])

3- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عن أيْمَانِ الوسيَّة، وذَبْحِ الغَنمِ في الحُكْمِ القَبَلِيِّ مِنْ بَابِ التَّعْزيرِ فأجَابَتْ بِالفَتْوَى رقَمِ (18545):

«أولاً: مَا يُسمَّى بأيمان الوسيَّة، وصُورَتُها: أنَّهُ إذَا اعْتَدَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ في نَفْسِهِ أوْ مَالِهِ، فَيحْلِفُ المُعْتَدِي، أوْ وَلَيُّهُ، أنَّهُ لَوْ كَانَ في مَحَلِّ المُصَابِ، أوِ المُعْتَدَى عَلى مُلْكِهِ أنَّهُ لا يُطَالِبُهُ، هِيَ عَمَلٌ مُنْكَرٌ، وَإلزامٌ لِلنَّاسِ بِحُكْمٍ لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ، ولاَ رَسُولُهُ - صلى الله عليه وسلم -، فَالواجِبُ عَلى مَنِ ابْتُلُوا بِهَذِهِ الأيْمَانِ تَرْكُهَا، وهَجْرُها، والاعْتيَاضُ عَنْ ذَلكَ، بِمَا هُو مَشْروعٌ مِنَ الصُّلْحِ بَيْنَ المُتَنَازِعِينَ بِرِضَاهُمَا، أوِ التَّحاكُمُ إلَى القُضاةِ في المحاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ .

ثانياً: تَعْزيرُ المُعْتَدِي، أوِ المُخْطِئِ بِقَدْرِ مَا ارْتكبَهُ مِنَ الاعْتِدَاءِ، أوِ الخَطَأ؛ تَأدِيباً لَهُ، وَتطْييباً لِخَاطِرِ المُعْتَدَى علَيْهِمْ، بِذَبْحِ شَاةٍ، أوْ شَاتَيْنَ لِلْقَبيلَةِ، هَذا تَأْديبٌ مِمَّنْ لاَ يَمْلِكُهُ شَرْعاً، ثُمَّ هُو قَدْرٌ زَائِدٌ عَلى العُقُوباتِ التَّعْزِيريَّةِ التي مَردُّها إلى القَضاءِ، لاَ الأعْرافِ القَبَلِيَّةِ، فَلا يَجُوزُ فِعْلُ ذلكَ.

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ» .

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

بكر أبو زيد،

صالح الفوزان،

عبد الله بن غديان،

عبد العزيز آل الشيخ،

عبد العزيز بن عبد الله بن باز([184])

4- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنْ حُكْمِ اللاذة، والعدالة في أعْرَافِ بَعْضِ القَبائلِ فَأجَابَتْ بالفَتْوَى رقمِ (18561)، وتَاريخِ 3/ 2/ 1417هـ:

«مَا ذُكِرَ في السُّؤَالِ مِنْ عَاداتٍ وأعْرافٍ قَبَلِيَّةٍ، هِيَ أحْكامٌ جَاهِليَّةٌ، لا يَجُوزُ التَّحَاكُمُ إلَيْهَا، والرِّضَا بِهَا، والوَاجِبُ عَلَى المُسلمِينَ أيْنَمَا كانُوا التَّحَاكُمُ إلَى الشَّريعَةِ الإسلاميَّةِ، ونَبْذُ الأحْكامِ المُخالِفَةِ لَها؛ لِقَوْلِهِ تعَالَى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾([185] وقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([186]  وقَوْلِهِ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([187]).

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

بكر أبو زيد،

صالح الفوزان،

عبد الله بن غديان،

عبد العزيز آل الشيخ،

عبد العزيز بن عبد الله بن باز([188])

5- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنِ المعدال، والخَاتِمَةِ، ومنْع العاني، ومعقد الحقّ، ومسْح اللَّحَى، والملفى عَاداتٌ قَبَلِيَّةٌ، فَأجَابَتْ بالفَتْوَى رقَمِ (20510):

«يجِبُ التحَاكُمُ إلَى شَرْعِ اللَّهِ في كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([189] وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([190] وقوله سبحانه: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([191])، وَلاَ يَجُوزُ التّحَاكُمُ إلَى عَوَائِدِ القَبائِلِ ونَحْوِهَا؛ لأنَّ هَذا مِنَ التَّحَاكُمِ لِغَيْرِ مَا أنْزَل اللَّهُ، بَلْ يَجبُ عَلَيْكُمْ التَّحَاكُمُ عِندَ قُضَاةِ المَحَاكِمِ الشَّرْعِيَّةِ.

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

بكر أبو زيد،

صالح الفوزان،

عبد الله بن غديان،

عبد العزيز آل الشيخ،

عبد العزيز بن عبد الله بن باز([192])

6- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنْ حُكْمِ الإصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ بالعَاداتِ القَبَليَّةِ، فَأَجَابَتْ بالفَتوَى رقَمِ (20845):

«إذَا كانَ الإصْلاحُ بينَ الناسِ يتَرتَّبُ عليهِ ارْتكَابُ مُحَرَّمٍ، أوِ التّحاكُمُ إلَى القَوانينَ الوَضْعيَّةِ المُخالِفَةِ لِكتابِ اللَّهِ وسُنّةِ رسولِهِ، فَإنَّ ذَلكَ لا يجُوزُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([193])، فَيَجِبُ عَلى مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ أنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمْ بالعَدْلِ، ويَحْمِلُهُمْ عَلى اتِّبِاعِ الحَقِّ، وتَرْكِ الظُّلْمِ، والعَفْوِ عَنْ خَصْمِهِ بأسْلُوبٍ حَسَنٍ، وكَلامٍ طَيِّبٍ، وَقَدْ يَكُونُ الإصْلاحُ بَينَ النَّاسِ بِدَفْعِ المَالِ لأحَدِ المُتخَاصِمَيْنِ أوْ كِلَيْهِمَا، كَدَفْعِ الزَّكاةِ لِلغَارِمِينَ، أوْ دَفْعِ المَالِ لَهُمْ، أوْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ غَيرِ الزَّكَاةِ، إذَا رَأى أنَّ المَالَ أنْفَعُ، وأجْدَى مِنَ الكَلامِ، وَلَهُ الأجْرُ والثَّوَابُ عَلَى ذلكَ. وَعَلَى مَنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ أنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ في عَمَلِهِ، ولِذلِكَ بَدأَ اللَّهُ بِالتَّقْوَى قَبْلَ إصْلاَحِ ذَاتِ البَيْنِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([194] وَقَالَ تَعالَى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾([195]) إلَى قَوْلِهِ تَعالَى: ﴿فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([196]).

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

الرئيس

بكر أبو زيد

صالح بن فوزان الفوزان

عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ([197])

7- وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ عَنْ أخْذِ الثَّأْرِ مِنْ غَيْرِ الجَاني، فَأجَابَتْ بِالفَتْوَى رقَمِ (22479) وتَاريخِ 17/ 8/ 1423هـ

«بعد دِرَاسَةِ اللَّجْنَةِ للاسْتِفْتَاءِ أجَابَتْ بِأنَّ العَادَةَ المَسؤُولَ عَنها عَادةٌ مُحَرَّمَةٌ تَتعيَّنُ مُحاربَتُها، والإنْكارُ عَلى مَنْ يَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهَا؛ لأنَّ قَتْلَ غَيْرِ القَاتِلِ، أوِ الاعتدَاءَ عَليهِ فِيما دُونَ النَّفْسِ، وإنْ كَانَ مِنْ أقْرَبِ أقْرِبائِهِ مِنْ عاداتِ الجاهليَّةِ، وَهُو مِنْ أشَدِّ أنْواعِ الاعْتدَاءِ؛ ولأنَّ هَذا القَريبَ لَمْ يَرْتَكِبْ مَا يُبيحُ دَمَهُ، أو الاعْتداءَ عَلَيهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَجِنايَةُ قَريبه ينْحَصِرُ أثرُهَا عَلَيْهِ، ولاَ يتَعدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ، يَقُولُ - عز وجل -: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾([198])، وهَذِهِ الآيةُ عَامَّةٌ تَندرِجُ تَحتَ عُمومِها المَسألَةُ المَسؤولُ عَنهَا، وَيقُولُ عَلَيْهِ الصلاةُ والسَّلامُ في شَأنِ قَتْلِ غَيرِ القَاتِلِ مِنْ قِبَلِ أوْلِيَاءِ المَقْتُولِ: «إِنَّ أَعْتَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مَنْ قَتَلَ فِي حَرَمِ اللَّهِ, أَوْ قَتَل غَيْرَ قَاتِلِهِ, أَوْ قَتَلَ لِذَحْل([199]) الْجَاهِلِيَّةِ». أخْرَجَهُ الإمامُ أحْمَدُ في مُسنَدِهِ، و ابْنُ حِبَّانَ في صَحِيحِه([200])، ويَجِبُ القَصَاصُ عَلى مَنْ قَتَل غَيْرَ القَاتِلِ مَتَى تَوفَّرَتْ شُروطُهُ، والمَرْجِعُ في التَّمْكِينِ مِنْ اسْتيفاءِ القَصَاصِ إلَى ولِيِ الأمْرِ؛ لأنَّ اسْتِيفَاءَ القَصاصِ دُونَه افْتِياتٌ عَلَيْه.

وَصَلَّى اللَّهُ عَلى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وسَلَّمَ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

عضو

عضو

الرئيس

صالح بن فوزان الفوزان

عبد اللَّه بن عبد الرحمن الغديان

عبد اللَّه بن محمد المطلق

عبد اللَّه بن علي الركبان

أحمد بن علي سير المباركي

عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ([201])

8-  وسُئِلَتِ اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ عَنْ حُكْمِ  التَّحَاكُمِ إلَى مقطع حق، وأخْذِ المَثاراتِ، ودِين الخَمْسة فأكثَر، والغرم فَأجَابَتْ بِالفَتْوَى رقَمِ (23211)، وتَاريخِ 19/ 2/ 1426هـ.

«بَعْدَ دِرَاسَةِ اللَّجْنَةِ للاسْتِفْتَاءِ أجَابَتْ بِأنَّ مَا ذُكِرَ مِنَ الحُكْمِ والتَّحَاكُمِ إلَى الأحْكامِ العُرفيَّةِ، والمَبَادِئِ القَبليَّةِ، كَالثَّاراتِ، ودِينِ الخَمْسَةِ، أو العَشَرَةِ، والغرم وغَيرِهَا، كُلُّ هَذِهِ لَيسَتْ أحْكاماً شَرْعيَّةً، وإنِّمَا هِي مِنَ الأحْكَامِ القَبَلِيَّةِ الّتي لاَ يَجُوزُ الحُكْمُ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ، وَيَحْرُمُ عَلى المُسلِمِينَ التَّحَاكُمُ إلَيْهَا، لأنَّهَا مِنَ التَّحاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ الَّذي نُهِينَا أنْ نَتَحَاكَمَ إلَيْهِ، وقَدْ أمَرَنَا اللَّهُ بِالكُفْرِ بِهِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾([202]).

وَلاَ يَحِلُّ لِمَشايخِ القَبائِلِ، وَلاَ لِغَيْرِهِمُ الحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا تُمْلِيهِ الأعْرَافُ وَالمَبادِئُ القَبَليَّةُ السَّابقُ ذِكْرُها، بَلِ الوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أنْ يتَحَاكَمُوا إلَى الشَّريعَةِ الإسلاميَّةِ امتثالاً لأمْرِ اللَّهِ - عز وجل - في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([203]) ، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([204]) ، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([205]) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([206]).

والوَاجِبُ عَلَى الجَمِيعِ التَّحَاكمُ إلَى شَرْعِ اللَّهِ المُطَهَّرِ، واللَّهُ وليُّ التَّوْفيقِ.

وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ ».

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

عضو

عضو

الرئيس

صالح بن فوزان الفوزان

عبد اللَّه بن عبد الرحمن الغديان

عبد الله بن محمد المطلق

عبد الله بن علي الركبان

أحمد بن علي سير المباركي

عبد العزيز بن عبد اللَّه بن محمد آل الشيخ([207])

9-  وسُئِلَتْ اللَّجنَةُ الدَّائِمَةُ عَنِ الإلْزامَاتِ المَاليَّةِ ووضْعِها في صُنْدوقِ القَبيلةِ، فَأجَابَتْ بالفَتْوَى رقمِ 18982، وتَاريخِ 19/ 7/1417هـ

« بَعْدَ دِراسةِ اللَّجْنةِ للاسْتِفْتاءِ أجَابَتْ بِمَا يَلي:

بِالنَّظَرِ في الاتِّفاقيَّةِ المَذْكُورَةِ تَبَيَّنَ أنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى إلْزامَاتٍ مَالِيَّةٍ لِكُلِّ فَرْدٍ يَجِبُ الوَفَاءُ بِهَا، وجَزاءَاتٍ غَيْرِ شَرْعيَّةٍ يَجِبُ الخُضُوعُ لَهَا، وَلمَّا كَانَتْ هَذِهِ الإلْزامَاتُ غَيرَ شَرْعيَّةٍ، وتُحْدِثُ البَغْضَاءَ، والشَّحْنَاءَ، وَالأحْقَادَ، والفُرْقَةَ بَيْنَ أفْرادِ القَبيلَةِ الوَاحِدَةِ، فَالواجِبُ الابْتِعَادُ عَنْ هَذِهِ الاتِّفَاقيَّاتِ المُلْزِمَةِ، والمُشْتَمِلةِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لأنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّريعَةِ المُطَهَّرَةِ سَدَّ الذَّرائِعِ المُوصِلَةِ إلَى إثَارَةِ الشَّحْنَاءِ، والبَغْضَاءِ، وَالفُرْقَةِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ؛ وَلأنَّهُ مِنَ المُقَرَّرِ شَرْعاً أنَّهُ لا يَحِلُّ أخْذُ مَالِ امْرئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِطِيبِ نفْسٍ مِنْهُ، والإجْبَارُ عَلَى ذَلكِ مُنافٍ لِهذَا الأصْلِ.

وباللَّهِ التَّوْفيقُ، وصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ» .

اللَّجْنَةُ الدَّائمَةُ لِلْبُحُوثِ العِلْميَّةِ وَالإفْتَاءِ

عضو

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

عبدالله بن عبدالرحمن الغديان

بكر بن عبد اللَّه أبو زيد

صالح بن فوزان الفوزان

عبدالعزيز بن عبد اللَّه بن محمد آل الشيخ

عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز([208])


 المطلب الخامس: وجوب التوبة والحذر من غضب اللَّه - عز وجل - وسخطه

لعل الأخ صاحب هذه الفتوى بعد قراءته لهذا الرد المبني على الأدلة من الكتاب والسنة يتوب إلى اللَّه من هذه الفتوى، ويكتب بدلاً منها فتوى أخرى تُرضي اللَّه، ثم يرسلها إلى الأمير، ويوزعها على من قد وزع عليه الفتوى المحرمة السابقة.

وَنَصِيحَتِي لَهُ، وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَبْتَعِدَ عَنْ عَادَةِ رَدِّ الشَّأنِ الجيرَةِ البِدْعِيَّةِ، وَيَبْتَعِدُ عَنْ جَمِيعِ العَاداتِ والأعْرافِ المُخَالِفَةِ لِشَرْعِ اللهِ تَعَالَى، وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ يُعينُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا، وَيَجِبُ عَلى مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أنْ يَتوبَ إلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَإنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا﴾([209]) ، وَقَالَ - عز وجل -: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ ([210] وَإذَا أخْلَصَ في تَوْبَتِهِ وَحَقَّقَ شُرُوطَهَا: مِنَ الإقْلاعِ عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالعَزيمَةِ عَلى أنْ لا يَعُودَ، وَرَدَّ الحُقُوقَ إلَى أهْلِهَا، أوْ طَلَبِ العَفْوِ مِنْهُمْ، فَإنَّ اللهَ يُبدِّلُ سَيَّئاتِهِ حَسَناتٍ، وكَانَ اللهُ غَفوراً رَحيمَاً.

ويجبُ عَلىَ مَشايخِ الشَّمْلِ، ومَشايِخِ القَبائِلِ، والعَشَائِرِ، ونُوَّابِ القَبائِلِ الحَذَرُ مِنْ رَدِّ الشَّأنِ «الجيرَةِ البِدْعِيَّةِ المُحَرَّمَةِ»، وَمِنْ جَمِيعِ العَاداتِ المخالفة للشريعة الإسلامية، وتَحْذِيرُ النّاسِ مِنْ هَذِهِ الأحْكَامِ، وَالأعْمَالِ، وَالأقْوالِ الجَاهِليَّةِ، وَمنْعُهُمْ مِنَ التَّحَاكُمِ إلَيْها، وَإلْزَامُهُمْ بالتَّحَاكُمِ إلَى الشَّرْعِ المُطَهَّرِ في الْخُصومَاتِ وغَيرِهَا، وَتَرْغِيبُهُمْ في التَّحَاكُمِ إلَى الشَّرِيعَةِ الإسْلاميَّةِ، وإرْشَادُ كُلِّ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلكَ: طَاعَةً للهِ وَلِرَسُولِهِ ^ وخَوْفاً مِنْ عِقَابِهِ، وَمِنْ مُخَالَفَةِ أمْرِهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ سُبحانَهُ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ([211]). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾([212])، وَقَالَ - عز وجل -: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾([213]).

وَقَالَ النَّبِيُّ ^: «وجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أمْرِي».رَواهُ أحْمَدُ وغَيْرُهُ([214]).

 كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَهِلَ أحْكَامَ هَذِهِ الجيرَةِ المُحَرَّمَةِ، وَأَحْكَامَ العَادَاتِ القبلية، أوْ غَيْرِهَا: سُؤَالُ أهْلِ العِلْمِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَمَّا أشْكَلَ، وخَفِيَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([215]).

وَيَجِبُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ: مِنَ القُضَاةِ، وَالدُّعَاةِ إلَى اللهِ تَعَالَى، وَأئمَّةِ المَسَاجِدِ، وَالخُطَبَاءِ أنْ يُبِّينُوا لِلنَّاسِ قُبْحَ الجِيرَةِ البِدْعِيَّةِ، وَقُبْحَ العَادَاتِ المخالفة للشرع المطهر، وَيُرَغِّبُوهُمْ في تَرْكِهَا، وَيُحَذِّرُوهُمْ مِنْهَا، وَمِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا، وَخَطَرِ إهْلَاكِهَا.

ولاَ شَكَّ أنَّ مَنِ اعْتَقَدَ أنَّ الحُكْمَ بِأَحْكَامِ رَدِّ الشَّأْنِ، وأَنَّ الحُكْمَ بالعَاداتِ القَبليَّةِ الجَاهليَّةِ، والسلوم أفْضَلُ مِنْ حُكْمِ اللهِ ورَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوِ اعْتَقَدَ أنَّهَا مِثْلَ حُكْمِ اللهِ، ورَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، أوِ اعْتَقَدَ جَوازَ الحُكْمِ بِهَا، وَقَدْ بَلَغَهُ أنَّ الحُكْمَ بِغَيْر حُكْمِ اللهِ لاَ يَجُوزُ، فَهُوَ طَاغُوتٌ، كَافِرٌ بإجْمَاعِ العُلمَاءِ، قَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَالعِياذُ باللهِ، وإنْ زَعمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ، وَأمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ الله،ُ وحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ شَهْوَتُهُ، وَهَواهُ، مَعَ اعْتِقَادِهِ أنَّ حُكْمَ اللهِ وَرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الحَقُّ، وَاعْتِرَافهُ عَلَى نَفْسِهِ بالخَطَأ، فَهَذَا، وَإنْ لَمْ يُخْرِجْهُ كُفْرُهُ عَنِ المِلَّةِ، فَهُو مَعْصِيَةٌ عُظْمَى أكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ: كَالزِّنَا، وَشُرْبِ الخَمْرِ، والسَّرِقَةِ، واليَمِينِ الغَمُوسِ، وغَيْرِهَا؛ فَإنَّ مَعْصِيَةً سَمَّاهَا اللهُ كُفْراً في كِتابِهِ أعْظَمُ مِنْ مَعْصِيَةٍ لَمْ يُسَمِّها كُفْراً. [انظر: مَجْمُوعُ فَتَاوَى العَلاَّمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إبرَاهيمَ /،  12/ 288، و289، ومِنْهَاجَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ لِشَيْخِ الإسْلامِ ابْنِ تَيميَّةَ /، 5/ 283، و284، وَمَجْمُوعُ فَتَاوَى العَلاَّمَةِ ابنِ بَازٍ /، 1/269].

 واللهَ تَعَالَى أَسْأَلُ أنْ يُوَفِّقَ جَميعَ المْسلِمِينَ إلَى كُلّ خَيْرٍ، وَأنْ يُسَدِّدَ وُلاةَ الأمْرِ لإلْزَامِ النَّاسِ بحُكْمِ الشَّرْعِ المُطَهَّرِ، وَأنْ يُعِينَ مَشايخَ القَبائِلِ عَلَى أنْفُسِهِمْ، وَعلى تَرْكِ هَذِهِ الجيرَةِ البِدْعِيَّةِ المُحَرَّمَةِ، وَتَرِكِ العَاداتِ القبلية الجاهلية، وَأن يعينهم عَلَى قَبَائِلِهِمْ؛ لإبْعَادِهِمْ عَنْ هَذِهِ الجِيرَةِ، وَعَنْ هَذِهِ العَادَاتِ، وَالأعْرَافِ الجَاهليَّةِ، وَأنْ يَجْعَلَهُمْ مُبَارَكِينَ أيْنَمَا كَانُوا، وَأنْ يَجَعَلَهُم مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ، مَغَالِيقَ لِلشَرِّ، وَأْن يَنْفَعَ بِهِمْ، وليُبْشِرَ كُلَّ دَاعٍ إلَى الخَيْرِ بالأجْرِ الكَبيرِ، والثَّوابِ المُضَاعَفِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ^: « مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»، رواه مُسْلِمٌ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَى خِيرتِهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَأمِينِهِ عَلَى وَحْيِهِ نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أجْمَعِين.


 المبحث الثاني: الجيرة المشروعة

 المطلب الأول مفهوم الجيرة: لغة وشرعاً

أولاً: الجيرة لغة: يقال: اسْتَجَارَهُ سأَله أَن يُجِيرَهُ، وفي التنزيل العزيز: ﴿وإِنْ أَحَدٌ من المشركين استجارك فأَجِرُهُ حتى يسْمَعَ كلامَ اللَّه﴾([216] قال الزجاج: المعنى: إِن طلب منك أَحدٌ من أَهل الحرب أَن تجيره من القتل، إِلى أَن يسمع كلام اللَّه فأَجره، أَي أَمّنه، وعرّفه ما يجب عليه أَن يعرفه من أَمر اللَّه تعالى الذي يتبيّن به الإِسلام، ثم أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ؛ لئلا يصاب بسوء قبل انتهائه إِلى مأْمنه ... الجارُ، والمُجِيرُ، والمُعِيذُ واحدٌ، ومن عاذ باللَّه: أَي استجار به، أَجاره اللَّه، ومن أَجاره اللَّه لم يُوصَلْ إِليه، وهو I يُجِيرُ، ولا يُجَارُ عليه، أَي يُعيذ، كما قال - عز وجل -: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([217] وقال اللَّه تعالى لنبيه: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾([218]) أَي لن يمنعني من اللَّه أَحد»([219]).

و«الجوار: أن تعطي الرجل ذمة فيكون بها جارك فتجيره ... وجاوره مجاورة وجوارا وقد يكسر : صار جاره، وتجاوروا واجتوروا... وجار واستجار: طلب أن يجار. وأجاره: أنقذه وأعاذه و[أجار[الرجل: إجارة، وجارة: خفره»([220]).

قال ابن الأثير /: «[ويُجِير عليهم أدْناهُم] أي إذا أجارَ واحِدٌ من المسلمين - حُرٌّ أو عبْدٌ أو أمَة - واحداً أو جماعةً من الكفَّار وخَفَرهُم وأمّنَهُم جاز ذلك على جميع المسلمين، لا يُنْقَضُ عليه جِوارُه وأمانُه»([221]).

وقال في المصباح المنير: «و(الجَارُ) الخفير، و(الْجَارُ) الذي (يُجِيرُ) غيره أي يؤمنه مما يخاف و(الجَارُ) المستجير أيضاً، وهو الذي يطلب الأمان، و(الجَارُ) الحليف، و(الجَارُ): الناصر»([222]).

والتعريف الجامع المختار هو: المنع من القتل، أو الضرر، وإيجاد الأمن، والحماية.

ثانياً: الجيرة شرعاً: إجارة الكافر الحربي، ومنعه من القتل إذا طلب الأمان من الإمام، أو نائبه، أو من بعض المسلمين بشرط إبلاغ الإمام بذلك، وإذنه به حتى يسمع القرآن، وتقوم به الحجة عليه، ثم يرجع إلى بلاده آمناً إن لم يُسلم، ثم يرجع بعد ذلك إلى ما كان عليه من إباحة دمه وماله([223]).

 المطلب الثاني: تفسير آية الاستجارة على حسب مفهوم أهل العلم الراسخين

قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾([224]).

الناظر والمتأمل لكلام أئمة التفسير يجد أنهم كلّهم جميعاً يفسرون هذه الآية الكريمة، ويبيِّنون أنها في المشركين الحربيّين، الذين ليس لهم عهدٌ، ولا أمانٌ، ولا ذمّةٌ، ولم يقل أحد منهم: إن هذه الآية تطبق على استجارة المسلم بالمسلم؛ لأن المسلم معصوم الدم والمال، ولكن له النصرة في حضوره بدفع الصائل وغيره عنه كما تقدم تفصيل ذلك([225])، وكذلك الكافر المعاهد، والمستأمن، والذمي، كلهم دماؤهم معصومة إلا بحق الإسلام، وقد ذكرت الأدلة على ذلك في المطلب الثاني من المبحث الأول في الجيرة البدعية الممنوعة، وإليك تفسير هؤلاء الأئمة الأعلام لهذه الآية الكريمة على النحو الآتي:

أولاً: قال الإمام الطبري /: «يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك، يا محمد، من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، أحدٌ ليسمع كلام اللَّه منك - وهو القرآن الذي أنزله اللَّه عليك -(فأجره)، يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام اللَّه وتتلوه عليه (ثم أبلغه مأمنه)، يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام اللَّه إن هو أبَى أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام اللَّه فيؤمن  (إلى مأمنه)، يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين، يقول: تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن، وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن اللَّه حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان باللَّه لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان باللَّه»([226]).

ثانياً: قال الإمام البغوي /: « ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ﴾ أَيْ: وَإِنِ اسْتَجَارَكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِقِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ، أَيِ: اسْتَأْمَنَكَ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَعِذْهُ وَآمِنْهُ، ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ أَيْ: إِنْ لَمْ يُسْلِمْ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ، أَيِ: الْمَوْضِعَ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ وَهُوَ دَارُ قَوْمِهِ، فَإِنْ قَاتَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدِرْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ دِينَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدَهُ فَهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ. قَالَ الْحَسَنُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([227]).

ثالثاً: قال الإمام القرطبي /: «فيه أربع مسائل :

الأولى: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي من الذين أمرتك بقتالهم ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ أي سأل جوارك، أي أمانك وذمامك([228])، فأعطه إياه ليسمع القرآن، أي يفهم أحكامه، وأوامره، ونواهيه؛ فإن قبل أمراً فحسن، وإن أبى، فرده إلى مأمنه، وهذا ما لا خلاف فيه، واللَّه أعلم.

قال مالك: إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين، فقال: جئت أطلب الأمان، قال مالك: هذه أمور مشتبهة، وأرى أن يرد إلى مأمنه، قال ابن قاسم: وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجراً بساحلنا، فيقول: ظننت ألا تعرضوا لمن جاء تاجراً حتى يبيع، وظاهر الآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن، والنظر في الإسلام، فأما الإجارة لغير ذلك، فإنما هي لمصلحة المسلمين، والنظر فيما تعود عليهم به منفعته.

الثانية: ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز؛ لأنه مقدم للنظر، والمصلحة، نائب عن الجميع في جلب المنافع، ودفع المضار، واختلفوا في أمان غير الخليفة، فالحرّ يُمضى أمانه عند كافة العلماء، إلا أن ابن حبيب قال: ينظر الإمام فيه، وأما العبد، فله الأمان في مشهور المذهب، وبه قال الشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، والأوزاعي، والثوري، وأبو ثور، وداود، ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة: لا أمان له، وهو القول الثاني لعلمائنا، والأول أصح، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم»([229] قالوا: فلما قال: «أدناهم» جاز أمان العبد، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك، ولا اعتبار بعلة «لا يُسهَم له».

وقال عبدالملك بن الماجشون: لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام، فشذ بقوله عن الجمهور، وأما الصبي فإذا أطاق القتال جاز أمانه، لأنه من جملة المقاتلة، ودخل في الفئة الحامية، وقد ذهب الضحاك، والسدي إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾([230] وقال الحسن: هي محكمة سنة إلى يوم القيامة، وقاله مجاهد، وقيل: هذه الآية إنما كان حكمها باقياً مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلاً، وليس بشيء، وقال سعيد بن جبير: جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء الأربعة الأشهر، فيسمع كلام اللَّه، أويأتيه بحاجة قتل! فقال علي بن أبي طالب: لا، لأن اللَّه تبارك وتعالى يقول: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾([231])، وهذا صحيح، والآية محكمة.

الثالثة: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ﴾ (أَحَدٌ) مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده، وهذا حسن في (إن)، وقبيح في أخواتها، ومذهب سيبويه في الفرق بين (إن) وأخواتها، أنها لما كانت أم حروف الشرط خُصّت بهذا؛ ولأنها لا تكون في غيره، وقال محمد بن يزيد: أما قوله - لأنها لا تكون في غيره - فغلط، لأنها تكون بمعنى (ما)، ومخففة من الثقيلة، ولكنها مبهمة، وليس كذا غيرها، وأنشد سيبويه:

لا تجزعي إن منفساً أهلكته

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي([232])

الرابعة: قال العلماء في قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ دليل على أن كلام اللَّه - عز وجل - مسموع عند قراءة القارئ ، قاله الشيخ أبو الحسن، والقاضي أبو بكر، وأبو العباس القلانسي، وابن مجاهد، وأبو إسحاق الإسفراييني، وغيرهم ، لقوله تعالى : ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ فنص على أن كلامه مسموع عند قراءة القارئ لكلامه، ويدل عليه إجماع المسلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحة الكتاب، أو سورة قالوا: سمعنا كلام اللَّه، وفرّقوا بين أن يقرأ كلام اللَّه تعالى، وبين أن يقرأ شعر امرئ القيس»([233]).

 رابعاً: قال الإمام ابن كثير /: «يقول تعالى لنبيه، صلوات اللَّه وسلامه عليه: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم، ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ أي: القرآن تقرؤه عليه، وتذكر له شيئًا من أمر الدين تقيم عليه به حجة اللَّه، ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين اللَّه، وتنتشر دعوة اللَّه في عباده.

قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في تفسير هذه الآية، قال: إنسان يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك، فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام اللَّه، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاء.

ومن هذا كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعطي الأمان لمن جاءه، مسترشدًا، أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش، منهم: عروة بن مسعود، ومِكْرَز بن حفص، وسهيل بن عمرو، وغيرهم واحدًا بعد واحد، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما بهرهم، وما لم يشاهدوه عند ملك، ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.

ولهذا أيضاً لما قدم رسول مسيلمة الكذاب على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال له: «أتشهد أن مسيلمة رسول اللَّه؟» قال: نعم. فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لولا أن الرسل لا تقتل لضربت عنقك»([234])، وقد قيض اللَّه له ضرب العنق في إمارة ابن مسعود على الكوفة، وكان يقال له: ابن النواحة، ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنه يشهد لمسيلمة بالرسالة، فأرسل إليه ابن مسعود، فقال له: إنك الآن لست في رسالة، وأمر به فضربت عنقه([235])، لا رحمه اللَّه، ولعنه.

والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة، أو تجارة، أو طلب صلح، أو مهادنة، أو حمل جزية، أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام، أو نائبه أمانًا، أعطي أمانًا ما دام مترددًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه؛ لكن قال العلماء: لا يجوز أن يمكن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يمكن من إقامة أربعة أشهر، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر، ونقص عن سنة قولان، عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء، رحمهم اللَّه»([236]).

خامساً: قال الإمام الشوكاني /: «﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ يقال: استجرت فلاناً: أي طلبت أن يكون جاراً: محامياً، ومحافظاً من أن يظلمني ظالم، أو يتعرض لي متعرض، وأحد مرتفع بفعل مقدر يفسره المذكور، بعده: أي وإن استجارك أحد استجارك، وكرهوا الجمع بين المفسر والمفسر، والمعنى: وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم فأجره: أي كن جاراً له مؤمناً محامياً ﴿ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ﴾ منك ويتدبره حق تدبره، ويقف على حقيقة ما تدعو إليه ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ أي إلى الدار التي يأمن فيها بعد أن يسمع كلام اللَّه إن لم يسلم، ثم بعد أن تبلغه مأمنه قاتله، فقد خرج من جوارك، ورجع إلى ما كان عليه من إباحة دمه، ووجوب قتله، حيث يوجد، والإشارة بقوله: (ذلك) إلى ما تقدم من الأمر بالإجارة، وما بعده ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي بسبب فقدانهم للعلم النافع المميز بين الخير والشر في الحال والمآل»([237]).


 المطلب الثالث: شرح الأئمة الأعلام لأحاديث الجيرة المشروعة

الناظر، والمتأمل لكلام الأئمة الأعلام يجد أنهم يشرحون أحاديث الجيرة المشروعة، ويبيِّنون أنها في المشركين الحربيين، الذين ليس لهم عهد، ولا أمان، ولا ذمة، ولم يقل أحد منهم: إن أحاديث الجيرة تطبّق على استجارة المسلم بالمسلم؛ لأن المسلم معصوم الدم، والمال، ولكن له النصرة في حضوره بدفع الصائل وغيره عنه كما تقدم تفصيل ذلك([238])، وكذلك الكافر المعاهد، والمستأمن، والذمي، كلهم دماؤهم معصومة إلا بحق الإسلام، وقد ذكرت الأدلة على ذلك في المطلب الثاني من المبحث الأول في الجيرة البدعية الممنوعة، وإليك أحاديث الجيرة المشروعة مع شرحها لهؤلاء الأئمة الأعلام على النحو الآتي:

الحديث الأول: «عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ قَالَتْ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانَ ابْنَ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» قَالَتْ: أُمُّ هَانِئٍ وَذَاكَ ضُحًى»([239]).

ولفظ أبي داود: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ب، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهَا أَجَارَتْ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ»([240]).

وفي لفظ للترمذي: «عنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ أَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ»([241]).

1- قال الإمام النووي /: «وَاسْتَدَلَّ بَعْض أَصْحَابنَا، وَجُمْهُور الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى صِحَّة أَمَان الْمَرْأَة، قَالُوا: وَتَقْدِير الْحَدِيث حُكْم الشَّرْع صِحَّة جَوَاز مَنْ أَجَرْت، وَقَالَ بَعْضهمْ: لَا حُجَّة فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمِل لِهَذَا، وَمُحْتَمِل لِابْتِدَاءِ الْأَمَان، وَمِثْل هَذَا الْخِلَاف اِخْتِلَافهمْ فِي قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبَهُ»([242])، هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حُكْم الشَّرْع فِي جَمِيع الْحُرُوب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة؟ أَمْ هُوَ إِبَاحَة رَآهَا الْإِمَام فِي تِلْكَ الْمَرَّة بِعَيْنِهَا؟ فَإِذَا رَآهَا الْإِمَام الْيَوْم عَمِلَ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ، وَبِالثَّانِي أَبُو حَنِيفَة وَمَالِك، وَيُحْتَجّ لِلْأَكْثَرِينَ بِأَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُنْكِر عَلَيْهَا الْأَمَان، وَلَا بَيَّنَ فَسَاده، وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَبَيَّنَهُ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ»([243]).

2- قال الحافظ ابن حجر / في «باب أَمان النِّساء وجِوارهنَّ»: «الجِوار بِكَسرِ الجِيم وضَمّها المُجاورَة ، والمُراد هُنا الإِجارَة ، تَقُول جاورته أُجاوِرُهُ مُجاورَةً وجِوارًا ، وأَجَرته أُجِيرُهُ إِجارًا وجِوارًا.

ذكر فيه حَدِيث أُمّ هانِئ وقَد تَقَدَّمَ فِي أَوائِل الصَّلاة ما يَتَعَلَّق بِالمُرادِ بِفُلانِ ابن هُبَيرَة وغَير ذَلِكَ مِن فَوائِده، ووقَعَ هُنا لِلدّاوُدِيِّ الشّارِح وهم، فَإِنَّهُ قالَ: قَوله عام الحُدَيبِيَة وهم مِن عَبد اللَّه بن يُوسُف، والَّذِي قالَهُ غَيره يَوم الفَتح، وتَعَقَّبَهُ ابن التِّين بِأَنَّ الرِّوايات كُلّها عَلَى خِلاف ما قالَ الدّاوُدِيُّ ولَيسَ فِيها إِلاَّ يَوم الفَتح عَلَى الصَّواب.

قالَ ابن المُنذِر: أَجمَعَ أَهل العِلم عَلَى جَواز أَمان المَرأَة ، إِلاَّ شَيئًا ذَكَرَهُ عَبد المَلِك ، يَعنِي ابن الماجِشُونِ صاحِب مالِك ، لا أَحفَظ ذَلِكَ عَن غَيره، قالَ: إِنَّ أَمر الأَمان إِلَى الإِمام، وتَأَوَّلَ ما ورَدَ مِمّا يُخالِف ذَلِكَ عَلَى قَضايا خاصَّة.

قالَ ابن المُنذِر: وفِي قَول النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «يَسعَى بِذِمَّتِهِم أَدناهُم» دَلالَة عَلَى إِغفال هَذا القائِل انتَهَى.

وجاءَ عَن سَحنُونٍ مِثل قَول ابن الماجِشُونِ فَقالَ: هُو إِلَى الإِمام، إِن أَجازَهُ جازَ وإِن رَدَّهُ رُدَّ»([244])،([245]).

3- قال الإمام ابن قدامة / في الكفار أهل الحرب على قول الخرقي: {وَمَنْ أَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ مِنَّا: مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ عَبْدٍ، جَازَ أَمَانُهُ} قال ابن قدامة: {وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ، وَمَالُهُمْ، وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ، وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ}، واستدل / بحديث علي - رضي الله عنه -: {ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ}([246] وبحديث: {«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ»([247] قال: {وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -}([248]).

وقال /: {فصْل: وَمَنْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهَ، وَيَعْرِفَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَجَبَ أَنْ يُعْطَاهُ، ثُمَّ يُرَدَّ إلَى مَأْمَنِهِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا}، واستدل بالآية: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهَ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾}([249]).

4- وقال شيخنا الإمام ابن باز /: «...فإذا أمَّن واحدٌ أحداً لا يجوز إخفاره، ويرفع أمره إلى السلطان، ولو كان المجير امرأة «قد أجرنا من أجرت يا أمَّ هانئ»([250]).

الحديث الثاني: عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، أَلا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»([251]).

الحديث الثالث: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّعُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لاَ يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلاَ ذُو عَهْدٍ فِى عَهْدِهِ ». وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقَوَدَ وَالتَّكَافُؤَ»([252]).

1- قال الإمام الخطابي /: «وقوله: (يسعى بذمتهم أدناهم)، يريد أن العبد ومن كان في معناه من الطبقة الدنيا كالنساء والضعفاء الذين لا جهاد عليهم إذا أجاروا كافراً أمضي جوارهم ولم تخفر ذمتهم .

وقوله: (ويجير عليهم أقصاهم): معناه أن بعض المسلمين وإن كان قاصي الدار إذا عقد للكافر عقداً لم يك لأحد منهم أن ينقضه وإن كان أقرب داراً من المعقود له .

قلت [أي الخطابي]: وهذا إذا كان العقد والذمة منه لبعض الكفار دون عامتهم فإنه لا يجوز له عقد الأمان لجماعتهم ، وإنما الأمر في بذل الأمان وعقد الذمة للكافة منهم إلى الإمام على سبيل الاجتهاد وتحري المصلحة فيه دون غيره . ولوجعل لأفناء الناس([253]) ولآحادهم أن يعقدوا لعامة الكفار كلما شاؤوا صار ذلك ذريعة إلى إبطال الجهاد وذلك غير جائز .

وقوله: (وهم يد على من سواهم) فإن معنى اليد المعاونة والمظاهرة إذا استنفروا وجب عليهم النفير وإذا استنجدوا انجدوا ولم يتخلفوا ولم يتخاذلوا»([254]).

2- قال العلامة محمد شمس الحق العظيم آبادي: «(وهم) أي المؤمنون (يد) أي كأنهم يد واحدة في التعاون والتناصر (على من سواهم)، قال أبو عبيدة: أي المسلمون لا يسعهم التخاذل، بل يعاون بعضهم بعضاً على جميع الأديان والملل، (ويسعى بذمتهم أدناهم) الذمة الأمان، ومنها سُمِّي المعاهد ذِمّياً؛ لأنه أومن([255]) على ماله ودمه للجزية .

 ومعنى أن واحداً من المسلمين، إذا أمَّن كافراً، حرم على عامة المسلمين دمه، وإن كان هذا المجير أدناهم، مثل أن يكون عبداً، أو امرأة، أو عسيفاً تابعاً، أو نحو ذلك، فلا يخفر ذمته، (ألا) بالتخفيف للتنبيه (لا يقتل مؤمن بكافر).

قال الخطابي: فيه بيان واضح أن المسلم لا يقتل بأحد من الكفار، سواء كان المقتول منهم ذمياً، أو مستأمناً، أو غير ذلك؛ لأنه نفي عن نكرة، فاشتمل على جنس الكفار عموماً، (ولا ذو عهد في عهده)، قال القاضي: أي لا يقتل لكفره ما دام معاهداً غير ناقض.

 وقال ابن الملك([256]): أي لا يجوز قتله ابتداء ما دام في العهد.

 وفي الحديث دليل على أن المسلم لا يُقاد بالكافر، أما الكافر الحربي فذلك إجماع، وأما الذمي، فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه، وذهب الشعبي، والنخعي، وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يقتل المسلم بالذمي، وقالوا: إن قوله: (ولا ذو عهد في عهده) معطوف على قوله: (مؤمن)، فيكون التقدير: ولا ذو عهد في عهده بكافر، كما في المعطوف عليه، والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط، بدليل جعله مقابلاً للمعاهد؛ لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهداً مثله من الذميين إجماعاً، فيلزم أن يُقَيَّد الكافر في المعطوف عليه بالحربي، كما قيد في المعطوف، فيكون التقدير: لا يقتل مؤمن بكافر حربي، ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي»([257]).

3- قال الإمام ابن عبد البر /: «وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَمَّنَ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ أَحَدًا، جَازَ أَمَانُهُ، دَنِيئًا كَانَ أَوْ شَرِيفًا، رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، عَبْدَاً كَانَ أَوْ حُرًّا، وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُجِزْ أَمَانَ الْمَرْأَةِ وَأَمَانَ الْعَبْدِ»([258]).

4- قال العلامة السندي /: «يسعى بذمتهم، أي: ذمتهم في يد أقلهم عدداً، وهو الواحد، أو أسفلهم رتبة، وهو العبد، يمشي به يعقده لمن يرى من الكفرة، فإذا عقد حصل له الذمة من الكل، ولا يُقتل مؤمن بكافر، ظاهره العموم، ومن لا يقول به يخصّه بغير الذمي، جمعاً بينه وبين ما ثبت من أن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، ولا ذو عهد من الكفرة، كالذمي والمستأمن»([259]).

الحديث الرابع: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ، يَعْنِي: تُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ»([260]).

الحديث الخامس: وعن عَلِيٍّ - رضي الله عنه -: في صَحِيفَتهِ: «... وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ»، وفي لفظ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً»([261]).

1- قال الحافظ ابن حجر /: «قَوله: «ذِمَّة المُسلِمِينَ واحِدَة»؛ أَي أَمانهم صَحِيح، فَإِذا أَمَّنَ الكافِرَ واحِدٌ مِنهُم حَرُمَ عَلَى غَيره التَّعَرُّض لَهُ، ولِلأَمانِ شُرُوط مَعرُوفَة، وقالَ البَيضاوِيّ: الذِّمَّة العَهد، سُمِّيَ بِها لأَنَّهُ يُذَمّ مُتَعاطِيها عَلَى إِضاعَتها، ... والمَعنَى أَنَّ ذِمَّة المُسلِمِينَ سَواء صَدَرَت مِن واحِدٍ، أَو أَكثَر شَرِيف، أَو وضِيع، فَإِذا أَمَّنَ أَحَدٌ مِنَ المُسلِمِينَ كافِرًا، وأَعطاهُ ذِمَّةً، لَم يَكُن لأَحَدٍ نَقضُهُ، فَيَستَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُل، والمَرأَة، والحُرّ، والعَبد؛ لأَنَّ المُسلِمِينَ كَنَفسٍ واحِدَة...

وقَوله: «فَمَن أَخفَرَ» بِالخاءِ المُعجَمَة، والفاء: أَي نَقَضَ العَهدَ، يُقال: خَفَرته -بِغَيرِ أَلف-: أَمَّنته، وأَخفَرتُهُ: نَقَضت عَهده»([262]).

2- قال الإمام النووي /: «قَوْله: (لَا يَقْبَل اللَّه مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صَرْفًا وَلَا عَدْلًا). قَالَ الْقَاضِي: قَالَ الْمَازِرِيّ: اِخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرهمَا، فَقِيلَ: الصَّرْف: الْفَرِيضَة، وَالْعَدْل: النَّافِلَة، وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ: الصَّرْف: النَّافِلَة، وَالْعَدْل: الْفَرِيضَة، عَكْس قَوْل الْجُمْهُور، وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ: الصَّرْف: التَّوْبَة، وَالْعَدْل: الْفِدْيَة، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، وَقَالَ يُونُس: الصَّرْف الِاكْتِسَاب، وَالْعَدْل: الْفِدْيَة، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الْعَدْل: الْحِيلَة، وَقِيلَ: الْعَدْل: الْمِثْل، وَقِيلَ: الصَّرْف: الدِّيَة، وَالْعَدْل: الزِّيَادَة، قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: الْمَعْنَى: لَا تُقْبَل فَرِيضَته، وَلَا نَافِلَته قَبُول رِضًا، وَإِنْ قُبِلَتْ قَبُول جَزَاء، وَقِيلَ: يَكُون الْقَبُول هُنَا بِمَعْنَى تَكْفِير الذَّنْب بِهِمَا، قَالَ: وَقَدْ يَكُون مَعْنَى الْفِدْيَة هُنَا: أَنَّهُ لَا يَجِد فِي الْقِيَامَة فِدَاء يَفْتَدِي بِهِ بِخِلَافِ غَيْره مِنْ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ يَتَفَضَّل اللَّه - عز وجل - عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ بِأَنْ يَفْدِيه مِنْ النَّار بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيّ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح»([263]).

3- وسمعت شيخنا الإمام ابن باز / يقول في تقريره على هذا الحديث: «وهذا وعيدٌ عظيمٌ، يدلّ على خطر إخفار ذمة المسلم، ويدل على خطر البدع، وغيرها في المدينة، ومكة أعظم»([264]).

4- قلت: ذمة المسلمين واحدة، فإذا أمَّن أحدٌ من المسلمين كافراً حربيّاً، وجب على جميع المسلمين تأمينه، وحرم التعرض له، ويرفع أمره إلى السلطان؛ لأن السلطان الذي بيده الأمر؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم هانئ عندما أخبرته بتأمينها لبعض المشركين: {قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ} كما تقدم، وأجاز - صلى الله عليه وسلم - إجارة بنته زينب لأبي العاص بن الربيع، كما تقدم([265])؛ فدل ذلك كله على أنه لا بد من رفع أمر المجوَّر من المشركين إلى السلطان، والعلم عند اللَّه تعالى؛ ولهذا قال شيخنا ابن باز /: {فإذا أمَّن أحدٌ أحداً لا يجوز إخفاره، ويرفع أمره إلى السلطان، ولو كان المجير امرأة: {قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ}([266]).


 المطلب الرابع: استجارة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطعم بن عدي

استجار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمطعم بن عدي، المشرك من المشركين؛ ليستعين بهذه الاستجارة بعد اللَّه - عز وجل - على عبادة ربه؛ وليكون ذلك قوة له على الدعوة إلى التوحيد، ولكنه عليه الصلاة والسلام أذن له ربه بالهجرة إلى المدينة بعد أيامٍ من جيرة المطعم.

قال الإمام ابن كثير: «وقد ذكر الأموي في مغازيه أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعث أريقط إلى الأخنس بن شريق، فطلب منه أن يجيره بمكة.

فقال: إن حليف قريش لا يجير على صميمها.

ثم بعثه إلى سهيل بن عمرو ليجيره فقال: إن بني عامر بن لؤي لا تجير على بني كعب بن لؤي.

فبعثه إلى المطعم بن عدي ليجيره، فقال: نعم ! قل له فليأت.

فذهب إليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فبات عنده تلك الليلة، فلما أصبح خرج معه هو وبنوه ستة - أو سبعة - متقلدي السيوف جميعاً فدخلوا المسجد، وقال لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: طف، واحتبوا بحمائل سيوفهم في المطاف، فأقبل أبو سفيان إلى مطعم، فقال: أمجير أو تابع ؟ قال لا بل مجير، قال إذاً لا تخفر.

فجلس معه حتى قضى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - طوافه، فلما انصرف انصرفوا معه.

وذهب أبو سفيان إلى مجلسه.

قال فمكث أياماً ثم أذن له في الهجرة، فلما هاجر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، توفي مطعم بن عدي بعده بيسير، فقال حسان بن ثابت: واللَّه لأرثينه، فقال فيما قال:

فلو كانَ مجدٌ مُخلِدَ اليومَ واحِداً

مِنَ الناسِ نجَى مَجْدَهُ اليوْمَ مُطْعِمَا

أَجرْتَ رَسولَ اللَّهِ مِنهم فَأصْبَحُوا

عِبادَكَ مَا لَبَّى مُحِلٌّ وَأحْرَمَا

فَلَو سُئِلتْ عنْه مَعَدٌّ بِأسْرِهَا

وَقَحْطانُ أو باقِي بقيَّةِ جُرْهُمَا

لَقالُوا هُو المُوفِي بخُفْرَةِ جَارِهِ

وذِمَّتِهِ يوماً إذَا مَا تَجَشَّمَا

وَمَا تَطْلُعُ الشمسُ المُنيرةُ فَوْقَهُمْ

عَلى مِثْلِهِ فِيهِمْ أعَزَّ وَأَكْرَمَا

إِبَاءً إِذَا يَأْبَى وَألْيَنَ شِيمَةً

وَأنْوَمَ عَنْ جَارٍ إذَا اللَّيْلُ أظْلَمَا([267])

قلت: ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أسارى بدر: «لو كان المطعم بن عدي حياً ثم سألني في هؤلاء النقباء لوهبتهم له»([268]).

فقد استجار النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا المشرك من المشركين؛ ليستعين بذلك على عبادة ربه، ويدعو إلى التوحيد، بقوله، وفعله عليه الصلاة والسلام.

 المطلب الخامس: استجارة أبي بكر - رضي الله عنه - بابن الدغنة استجارة جائزة للمسلم بالمشرك من المشرك عند الحاجة الشديدة

خرج أبو بكر - رضي الله عنه - مهاجراً إلى بلاد الحبشة بعد تعذيب المشركين لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعندما وصل إلى برك الغماد، لقيه ابن الدَّغِنَّة، وطلب منه أن يقبل جواره، ولا يخرج لمكانة أبي بكر، وكرمه وجوده، فقبل أبو بكر هذه الجيرة، وبعد أن اشترط عليه ابن الدّغنّة بأمر من المشركين أن يعبد اللَّه في داره، ولا يصلي في المسجد الذي بناه، فلم يقبل أبو بكر ذلك، فردّ عليه جواره، وقال: {فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ - عز وجل -}.

وقد أخرج الإمام البخاري / عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ ل، زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ، إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - طَرَفَيِ النَّهَارِ، بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِيَ المُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا: لِابْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ، وَيَقْرَأُ القُرْآنَ، فَيَنْقَذِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً، لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلاَنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ العَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ - عز وجل - وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْمُسْلِمِينَ: «إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وَهُمَا الحَرَّتَانِ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ المَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ المَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه -: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ» فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَصْحَبَهُ»([269]).

قال الحافظ ابن حجر: «قَوله: «لا يَخرُج مِثله»؛ أَي مِن وطَنه بِاختِيارِهِ عَلَى نِيَّة الإِقامَة فِي غَيره، مَعَ ما فِيهِ مِنَ النَّفع المُتَعَدِّي لأَهلِ بَلَده.

قوله: «ولا يُخرَجُ» أَي ولا يُخرِجهُ أَحَدٌ بِغَيرِ اختِياره لِلمَعنَى المَذكُور، واستَنبَطَ بَعض المالِكِيَّة مِن هَذا أَنَّ مَن كانَت فِيهِ مَنفَعَة مُتَعَدِّيَة، لا يُمَكَّن مِنَ الانتِقال عَن البَلَد إِلَى غَيره بِغَيرِ ضَرُورَة راجِحَة.

قَوله: «فَلَم تَكذِب قُرَيش»؛ أَي لَم تَرُدّ عَلَيهِ قَوله فِي أَمان أَبِي بَكر، وكُلّ مَن كَذَبَك فَقَد رَدَّ قَولك، فَأَطلَقَ التَّكذِيب وأَرادَ لازِمه، وتَقَدَّمَ فِي الكَفّارَة بِلَفظِ: «فَأَنفَذَت قُرَيش جِوار ابن الدَّغِنَة وأَمَّنَت أَبا بَكر»، وقَد اُستُشكِلَ هَذا مَعَ ما ذَكَرَ ابن إِسحاق فِي قِصَّة خُرُوج النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الطّائِف، وسُؤاله حِين رَجَعَ الأَخنَس بن شَرِيق أَن يَدخُل فِي جِواره، فاعتَذَرَ بِأَنَّهُ حَلِيف، وكانَ أَيضًا مِن حُلَفاء بَنِي زُهرَة، ويُمكِن الجَواب بِأَنَّ ابن الدَّغِنَة رَغِبَ فِي إِجارَة أَبِي بَكر، والأَخنَس لَم يَرغَب فِيما التَمَسَ مِنهُ، فَلَم يُثَرِّب النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَيهِ.

قَوله: «بِجِوارِ»، بِكَسرِ الجِيم وبِضَمِّها...

قَوله: «مُر أَبا بَكر فَليَعبُد رَبّه» دَخَلَت الفاء عَلَى شَيء مَحذُوف لا يَخفَى تَقدِيره.

قَوله: «فَلَبِثَ أَبُو بَكر» تَقَدَّمَ فِي الكَفالَة بِلَفظِ: «فَطَفِقَ» أَي جَعَلَ، ولَم يَقَع لِي بَيان المُدَّة الَّتِي أَقامَ فِيها أَبُو بَكر عَلَى ذَلِكَ.

قَوله: «ثُمَّ بَدا لأَبِي بَكر»؛ أَي ظَهَرَ لَهُ رَأي غَير الرَّأي الأَوَّل.

قَوله: «بِفِناءِ داره»، بِكَسرِ الفاء وتَخفِيف النُّون وبِالمَدِّ أَي أَمامها.

قَوله: «فَيَنقَذِف»، بِالمُثَنّاةِ والقاف والذّال المُعجَمَة الثَّقِيلَة ، تَقَدَّمَ فِي الكَفالَة بِلَفظِ: «فَيَتَقَصَّف» أَي يَزدَحِمُونَ عَلَيهِ حَتَّى يَسقُط بَعضهم عَلَى بَعض فَيَكاد يَنكَسِر، وأَطلَقَ يَتَقَصَّف مُبالَغَة، قالَ الخَطّابِيُّ: هُو المَحفُوظ، وأَمّا يَتَقَذَّف فَلا مَعنَى لَهُ، إِلاَّ أَن يَكُون مِنَ القَذف، أَي يَتَدافَعُونَ فَيَقذِف بَعضهم بَعضًا، فَيَتَساقَطُونَ عَلَيهِ، فَيَرجِع إِلَى مَعنَى الأَوَّل، ولِلكُشمِيهَنِيِّ بِنُونٍ وسُكُون القاف، وكَسر الصّاد: أَي يَسقُط.

قَوله: «بَكّاءً»، بِالتَّشدِيدِ أَي كَثِير البُكاء.

قَوله: «لا يَملِك عَينَيهِ»؛ أَي لا يُطِيق إِمساكهما عَن البُكاء مِن رِقَّة قَلبه.

وقَوله: «إِذا قَرَأَ» إِذا ظَرفِيَّة والعامِل فِيهِ لا يَملِك، أَو هِيَ شَرطِيَّة والجَزاء مُقَدَّر.

قَوله: «فَأَفزَعَ ذَلِكَ»؛ أَي أَخاف الكُفّار لِما يَعلَمُونَهُ مِن رِقَّة قُلُوب النِّساء والشَّباب أَن يَمِيلُوا إِلَى دِين الإِسلام.

قَوله: «فَقَدِمَ عَلَيهِم»؛ فِي رِوايَة الكُشْمِيْهَنيّ: «فَقَدِمَ عَلَيهِ» أَي عَلَى أَبِي بَكر.

قَوله: «أَن يَفتِن نِساءَنا»، بِالنَّصبِ عَلَى المَفعُولِيَّة وفاعِله أَبُو بَكر، كَذا لأَبِي ذَرّ، ولِلباقِينَ: «أَن يُفتَن» بِضَمِّ أَوَّله: «نِساؤُنا» بِالرَّفعِ عَلَى البِناء لِلمَجهُولِ.

قَوله: «أَجَرنا»، بِالجِيمِ والرّاء لِلأَكثَرِ، ولِلقابِسِيِّ بِالزّايِ أَي أَبَحنا لَهُ، والأَوَّل أَوجَه، والأَلِف مَقصُورَة فِي الرِّوايَتَينِ.

قَوله: «فاسأَلهُ»؛ فِي رِوايَة الكُشْمِيْهَنيّ: «فَسَلهُ».

قَوله: «ذِمَّتك»؛ أَي أَمانك لَهُ.

قَوله: «نُخفِرَكَ»؛ بِضَمِّ أَوَّله وبِالخاءِ المُعجَمَة وكَسر الفاء أَي نَغدِر بِك، يُقال خَفَرَهُ إِذا حَفِظَهُ، وأَخفَرَهُ إِذا غَدَرَ بِهِ.

قَوله: «مُقِرِّينَ لأَبِي بَكر الاستِعلان»؛ أَي لا نَسكُت عَن الإِنكار عَلَيهِ لِلمَعنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنَ الخَشيَة عَلَى نِسائِهِم وأَبنائِهِم أَن يَدخُلُوا فِي دِينه.

قَوله: «وأَرضَى بِجِوارِ اللَّه»؛ أَي أَمانه وحِمايَته.

وفِيهِ جَواز الأَخذ بِالأَشَدِّ فِي الدِّين، وقُوَّة يَقِين أَبِي بَكر»([270]).

 المطلب السادس: استجارة عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - بالوليد بن المغيرة استجارة مسلم بمشرك عند الحاجة

استجارة المسلم الضعيف بالمشرك من مشركين آخرين جائزة عند الحاجة الشديدة؛ ليأمن على دينه، وعرضه، ودعوته إلى اللَّه - عز وجل -، فإذا أمن ردَّ إلى المشرك جواره، فقد دخل عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - في جوار الوليد بن المغيرة بعد رجوعه من هجرة الحبشة الأولى؛ ليأمن بذلك على دينه، ويقوم بعبادة ربه - عز وجل -، فاستجار بهذا المشرك من المشركين، ولكن بعد وقت قصير ردَّ إليه جواره، ورضي بجوار اللَّه - عز وجل -:

قال الإمام ابن كثير:  «قال ابن إسحاق: وكان ممن دخل منهم بجوار، فيمن سُمِّي لنا عثمان بن مظعون في جوار الوليد بن المغيرة، وأبو سلمة بن عبد الأسد في جوار خاله أبي طالب، فإن أمه برة بنت عبد المطلب.

فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان، قال: لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من البلاء، وهو يروح ويغدو في أمان من الوليد بن المغيرة قال: واللَّه إن غُدُوِّي ورواحي في جوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في اللَّه ما لا يصيبني لنقص كثير في نفسي، فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك، وقد رددت إليك جوارك.

قال له: لم يا ابن أخي؟ لعله آذاك أحد من قومي، قال: لا، ولكني أرضى بجوار اللَّه - عز وجل -، ولا أريد أن أستجير بغيره.

قال: فانطلق إلى المسجد فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية.

قال: فانطلقا، فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد بن المغيرة: هذا عثمان قد جاء يرد عليَّ جواري.

قال: صدق، قد وجدته وفياً كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير اللَّه، فقد رددت عليه جواره.

ثم انصرف عثمان - رضي الله عنه -، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر في مجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد:

ألا كلّ شيء ما خلا اللَّهَ باطلُ([271])

 فقال عثمان: صدقت. فقال لبيد:

وكل نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول.

فقال لبيد: يا معشر قريش، واللَّه ما كان يؤذَى جليسُكم، فمتى حدث هذا فيكم ؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه، قد فارقوا ديننا فلا تجدن في نفسك من قوله، فرد عليه عثمان حتى شر أمرهما، فقام إليه ذلك الرجل ولطم عينه فخضرها، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان.

فقال: واللَّه يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية، ولقد كنت في ذمة منيعة.

قال يقول عثمان: بل واللَّه إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في اللَّه، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس.

فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إلى جوارك فعد.

قال: لا !»([272]).

وقال الحافظ ابن حجر: «قال بن إسحاق: أسلم([273]) بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى في جماعة، فلما بلغهم أن قريشاً أسلمت، رجعوا، فدخل عثمان في جوار الوليد بن المغيرة، ثم ذكر ردّه جواره، ورضاه بما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر قصته مع لبيد بن ربيعة حين أنشد:

ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل

فقال عثمان بن مظعون: صدقت، فقال لبيد:

وكل نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقام سفيه منهم إلى عثمان فلطم عينه فاخضرت([274]).

وقد ظهر في هذا المبحث حقيقة الجيرة المشروعة، وأنها للمشرك الحربي الذي ليس له عهد، ولا أمان، ولا ذمّة، وجواز استجارة المسلم بالمشرك من المشرك عند الحاجة؛ ليستعين بذلك على عبادة اللَّه وحده، والدعوة إلى التوحيد.

وأما الجيرة الممنوعة البدعية، فهي التي قد بُنيت على القوانين القبلية، وتحصل بها المثارات، والتحاكم إلى غير شرع اللَّه تعالى، وقد تقدم تفصيل ذلك.

واللَّهَ أسأل التوفيق لنا، ولجميع المسلمين، وصلّى اللَّه على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين




([1]) رتبت هذه المقدمات على حسب المواليد لهؤلاء العلماء حفظهم اللَّه تعالى.

([2]) هو معالي العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، من قبيلة سبيع، حفظه اللَّه تعالى، عالم جليل، وداعية إلى اللَّه، ذو هيبة وقدر، وإمام وخطيب، ولد بمدينة البكيرية بمنطقة القصيم عام 1350هـ، وقد تخرج من كلية الشريعة بالرياض عام 1379هـ، وعمل سكرتيراً لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ / مفتي الديار السعودية السابق في الإفتاء بعد تخرجه، إلى أن عُيِّن عام 1383هـ مساعداً لرئيس المحكمة الكبرى بالرياض، ثم صار رئيساً للمحكمة الكبرى عام 1384هـ، وقد حصل على شهادة الماجستير من المعهد العالي للقضاء عام 1389هـ، وموضوع بحثه: «الإقرار في الشريعة الإسلامية»، واستمر رئيساً للمحكمة الكبرى إلى أن عُيِّن عام 1390هـ قاضي تمييز، وعضواً بالهيئة القضائية العليا، وفي عام 1403هـ عُيِّن رئيساً للهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى، واستمر في ذلك نائباً لرئيس المجلس في غيابه إلى أن عُيِّن عام 1413هـ رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء بهيئته العامة والدائمة بدرجة وزير، وهو أيضاً عضو في هيئة كبار العلماء منذ إنشائها عام 1391هـ، وعضو في رابطة العالم الإسلامي، وكان له نشاط في تأسيس مجلة راية الإسلام، ومديرها، ورئيس تحريرها، وله دروس في المسجد الحرام تذاع، وفتاوى في برنامج نور على الدرب، وله محاضرات، وندوات، ومشاركة في مناقشة رسائل الماجستير، والدكتوراه، وغير ذلك مما فيه صلاح وإصلاح، وله لقاءات، ودروس في الرياض، ومكة، وله مؤلفات نافعة، اطلعت على أسماء ستة عشر مؤلفاً، وله وجهود عظيمة في النصيحة لأئمة المسلمين، وعامتهم، نسأل اللَّه له الإعانة، والتوفيق، والسداد، وحسن الخاتمة،. آمين. انظر: الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الطبعة الأولى 1420هـ، والتراجم في الطبعة الثانية، جمعها العلامة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم / هكذا أحسبه، واللَّه حسيبه، ولاأزكي على اللَّه أحداً.

([3]) هو العلامة، صاحب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن براك بن إبراهيم البراك، ولد عام 1352هـ في مدينة البكيرية، وهو من كبار علماء أهل السنة من أهل الإسلام في هذا العصر، ومن كبار تلاميذ الإمام شيخ الإسلام في عصره عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، فقد كان من أول تلاميذه من عام 1369هـ إلى أن مات / عام 1420هـ، فقد استفاد منه أكثر من خمسين عاماً، وقد تخرج في كلية الشريعة عام 1378هـ، ثم عُيِّن مدرساً في المعهد العلمي في مدينة الرياض، عام 1379هـ، وبقي فيه ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى التدريس في جامعة الإمام بكلية الشريعة عام 1382هـ تقريباً، ثم انتقل إلى كلية أصول الدين من عام 1396هـ، وقد عرفته مدرساً للعقيدة الطحاوية وغيرها في الجامعة عام 1402هـ، وقد أشرف على كثير من الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه، وله الدروس النافعة في أمهات كتب العقيدة، والتفسير، والحديث، وغير ذلك، وله شروح شرح فيها بعض كتب العقيدة، وخاصة المتون العلمية المفيدة، وقد طُبعت، ونفع اللَّه بها، وكان سماحة شيخنا الإمام ابن باز يُـنِيبُهُ مفتياً في دار الإفتاء إذا سافر إلى الطائف، وقد رأيته في هذه الإنابة عام 1405هـ، أمد اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([4]) هو العلامة المحدث الفقيه، صاحب الفضيلة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العباد البدر، من مواليد عام 1353هـ، في رمضان، في محافظة الزلفي، وتخرج من كلية الشريعة عام 1379هـ، وكان ترتيبه الأول من بين ثمانين خريجاً، وكانوا يمثلون الفوج الرابع من كلية الشريعة، ثم عمل مدرساً في معهد الرياض العلمي عام 1380هـ، ثم اختاره سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في عهده، فعيَّنه في الجامعة الإسلامية مدرساً، وبدأ التدريس فيها يوم الأحد 3/ 6/ 1381هـ، وكان أول من ألقى في هذه الجامعة درساً في ذلك اليوم، وما زال مدرساً في هذه الجامعة المباركة إلى الآن، وقدأمضى في التدريس 53 عاماً، إضافة إلى تدريسه في الحرم النبوي الشريف ابتداء من عام 1406هـ، وقبل ذلك درّس فيه في مواسم الحج لتوعية الحجاج، وفي 3/ 7/ 1493هـ، عُيِّن نائباً لرئيس الجامعة الإسلامية الإمام شيخ الإسلام في عصره عبد العزيز بن باز / بترشيح منه، وأمر من الملك فيصل /، ثم تولَّى رئاسة الجامعة الإسلامية بعد انتقال الإمام ابن باز إلى رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء في مدينة الرياض عام 1395هـ، وبقي العباد يقوم برئاسة الجامعة الإسلامية إلى 26/ 10/ 1399هـ، ثم طلب الإعفاء من هذا المنصب، وهو من أبرز كبار علماء أهل السنة من أهل الإسلام في هذا العصر، وله جهود عظيمة في تدريس أمهات كتب السنة، والعقائد، والفقه في مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - منذ دهر طويل، وقد نفع اللَّه بعلمه، ومؤلفاته النافعة الكثيرة في كثير من أقطار الدنيا، وقد اطلعت على أسماء بعض كتبه التي بلغت أكثر من 44 مؤلفاً، كلها نافعة جداً، أمد اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([5]) هو العلامة، المحدث الفقيه، صاحب الفضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عبدالرحمن الراجحي، ولد  بمدينة البكيرية الواقعة بمنطقة القصيم عام 1360هـ ، وقد تخرج من كلية الشريعة عام 1384هـ، وتعيَّن مدرِّساً بالكلية عام 1385هـ، وأوّل راتب له 775 ريالاً، قال الشيخ: عشت منها، وكنت متزوجاً، وقد تزوج وهو في السنة الثانية بالكلية، ثم انتقل من التدريس في كلية الشريعة إلى كلية أصول الدين، وهو من كبار علماء أهل السنة في الإسلام في هذا العصر، وقد جمع اللَّه له بين العلم والعمل، وهو من كبار تلاميذ سماحة الشيخ عبد اللَّه بن حميد / رئيس المجلس الأعلى للقضاء في عهده، ومن كبار تلاميذ سماحة شيخ الإسلام في عصره الإمام ابن باز /، ومن الملازمين له سنين طويلة حتى مات، وبعد موت شيخه ابن باز قام مقامه في تدريس أمهات كتب السنة، والتفسير، والعقيدة، والفقه، وغيرها في جامع الراجحي، وفي جامع الأمير سلطان بمدينة الرياض، وله مؤلفات كثيرة نافعة، وهو أبرز أعضاء هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد، منذ دهر طويل، وقد عرفته من عام 1402هـ مدرساً للعقيدة الطحاوية وغيرها من كتب العقيدة والفقه، في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أشرف على كثير من الرسائل العلمية في الماجستير والدكتوراه، في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، ثبت عندي منها أكثر من 80 رسالة علمية، ومنها الإشراف على تحقيق كتاب «بيان تلبيس الجهمية» لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك الإشراف على تحقيق منظومة ابن القيم: «الكافية الشافية»، ولا يزال أستاذاً مشاركاً بالقسم المذكور آنفاً، أمد اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([6]) هو صاحب الفضيلة الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن محمد التويجري من مواليد عام 1363هـ في قرية الشيحية بالقصيم، تخرج من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1388هـ، وتعيَّن ملازماً قضائياً بالمحكمة الكبرى بالرياض في 1/ 7/ 1388هـ، وحصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء عام 1392هـ، ثم تعيَّن قاضياً في مدينة الباحة، مساعداَ لرئيس محاكم الباحة عام 1392هـ، ثم انتقل إلى التدريس بالمعهد العلمي بالرياض عام 1393هـ، ثم عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1426هـ، ثم عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء عام 1431هـ، ولا يزال إلى اليوم، وله جهود مشكورة في الدعوة إلى اللَّه تعالى، والمشاركة في المحاضرات، والندوات في الجامع الكبير في الرياض، وفي غيره، وهو خطيب منذ ثلاثين سنة، وله مشاركة في التوعية الإسلامية في الحج من عام 1400هـ، وفي اللجنة العلمية للفتوى، وله دروس علمية، واللَّه أسأل أن يمد في عمره على طاعته، وهكذا أحسبه، واللَه حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([7]) هو صاحب الفضيلة الشيخ خلف بن محمد المطلق، من مواليد عام 1369هـ في مدينة الأفلاج، وتخرج من كلية الشريعة عام 1393هـ، وتعيّن مدرساً بالمعاهد العلمية عام 1393هــ، ثم تعيّن عضو إفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء عام 1431هـ، وله جهود في الدعوة إلى اللَّه وإلقاء المحاضرات والندوات في الجامع الكبير بالرياض وفي غيره من عام 1400هـ إلى هذا التاريخ 1434هـ، وهو إمام وخطيب منذ أربعين سنة، ويشارك في التوعية الإسلامية في الحج من عام 1400هـ، وله تعاون مع مراكز الدعوة في قارة آسيا، وقارة إفريقيا، ودول الخليج، أمدّ اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([8]) هو صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ عبد اللَّه بن عبد العزيز بن حمادة الجبرين، من مواليد عام 1375هـ، ببلدة الرين التابعة لمحافظة القويعية، تخرج من كلية الشريعة عام 1402هـ، وحصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء عام 1405هـ، وحصل على الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء عام 1407هـ، وتعيَّن ملازماً قضائياً بالمحكمة الكبرى بالرياض عام 1402هـ، وتعين قاضياً في بلدة الخاصرة التابعة لمحافظة القويعية عام 1405هـ، ثم تعيَّن أستاذاً عضواً بهيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض عام 1408هـ، وهو يعمل عضو إفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء من عام 1431هـ، وله جهود مشكورة في الدعوة إلى اللَّه، وفي إلقاء المحاضرات النافعة، والدروس العلمية المحققة، ويشرف على الرسائل العلمية لشهادات الماجستير، والدكتوراه، ومناقشتها، وله المؤلفات النافعة الكثيرة التي نفع اللَّه بها، وهو خطيب منذ زمن، نفع اللَّه به، ويشارك في توعية الحج، وفي اللجنة العلمية لإفتاء الناس في مواسم الحج، وإلقاء الدروس في المسجد الحرام، وفي غيره، أسأل اللَّه أن ينفع به، ويمد في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([9]) هو صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور سعد بن سعيد الحجري، الداعية المشهور من مواليد عام 1375هـ كما حدثني بذلك، عمل مدرساً في المعهد العلمي بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمدينة أبها زمناً طويلاً، وله دروس علمية مؤصلة نافعة في: التفسير، والفقه، والعقيدة، وغيرها، ومحاضرات أسبوعية موفقة مسددة، في كثير من أنحاء المملكة، وتعليم الناس العقيدة الصحيحة، وله مؤلفات نافعة، وقد فتح اللَّه له قلوب كثير من الناس، وهو من علماء أهل السنة والجماعة في هذا العصر، أمد اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([10]) هو صاحب الفضيلة الشيخ أحمد بن سعد بن متعب، من مواليد عام 1379هـ، من تلاميذ  العلامة الإمام محمد بن صالح العثيمين /، وقد عمل مديراً لمدارس تحفيظ القرآن الكريم بوزارة المعارف في مركز تندحة بخميس مشيط التابع لمدينة أبها زمناً طويلاً، وله جهود مشهورة مشكورة في إلقاء المحاضرات، والدروس العلمية النافعة في العقيدة، والسيرة النبوية، والحديث، وغيرها، وتعليم الناس العقيدة الصحيحة، وقد أعطاه اللَّه نشاطاً ملموساً في الدعوة إلى اللَّه، وله معرفة متقنة في العادات القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية في جنوب المملكة العربية، والرد عليها، وإبطالها بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، وهو مرجع أصيل لمعرفة هذه العادات، نفع اللَّه به، ووفقه، وأمدّ اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([11]) هو معالي الشيخ محمد بن حسن بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، من مواليد عام 1382هـ، وقد كان عضواً في هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الشريعة، ثم مفتياً في إدارة الإفتاء والبحوث العلمية، ثم عضواً لهيئة كبار العلماء، وعضواً للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، أمد اللَّه في عمره على طاعته، هكذا أحسبه، والله حسيبه، ولا أزكي على اللَّه أحداً.

([12]) انظر: ص 47 من هذا الكتاب.

([13]) البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ومحدثات الأمور، برقم 1718.

([14]) مسلم، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ومحدثات الأمور، برقم 1718.

([15])  قرأها على فضيلته وأنا أسمع الشيخ سعيد بن فيصل القحطاني، والدكتور الشيخ عمر العيد في يوم الثلاثاء 23/ 11/ 1433هـ.

([16]) رواه أحمد، 13/ 322، برقم 7939، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف، برقم 4811، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 415، برقم 416.

([17]) موقع قحطان: http://www.qahtan.net . وانظر: صفحات من تاريخ قبائل قحطان المعاصرة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية، لمحمد بن سعد النهاري، 158، ومحافظة سراة عبيدة: تاريخ وحضارة، عادات وتقاليد، لسعيد بن سعد آل سحيم، 342، وانظر: الجيرة أو ردود الشان عند قحطان على موقع: ديوان هامة العرب الأدبي (مذحج الطعان):

http://alqa7tan.com/vb/showthread.php?t=558

([18]) المثار: يكون من المجوِّر إذا انتهكت جيرته، فينثر الدم، أو يأخذ مثار مال كثير.

أما الثأر: فيكون من المجني عليه، أو قبيلته انتقاماً.

([19]) حدثني بالمثال الأول، والمثال الثاني، والمثال الخامس، والمثال السادس، والمثال السابع، فضيلة الشيخ فرحان بن حمد الحبابي القحطاني، وهو عندي من الثقات، ومن الدعاة إلى اللَّه، وهو أستاذ معلم، وله معرفة مميزة بعادات القبائل في شرق بلاد قحطان، وفي بلاد تهامة، عسير، وقد ذكر لي هذه الأمثلة بأسماء القبائل، قبيلة قبيلة، ولكن لم أذكر الأسماء لدرء المفاسد.

وأما المثال الثالث، والمثال الثامن، والمثال التاسع، فحدثني بها فضيلة الشيخ أحمد بن سعد بن متعب القحطاني، وهو عندي من الثقات، ومن الدعاة إلى اللَّه، وهوأستاذ معلم، وله معرفة مميزة بعادات القبائل في المنطقة الجنوبية، وقد ذكر لي أسماء القبائل في هذه الأمثلة، ولكني لم أذكر أسماء القبائل التي وقعت بينها هذه الفتن خوفاً من الوقوع في المفاسد، والفتن، وقد حصل المقصود.

وأما المثال الرابع، فأنا أعرفه، وأعلمه بنفسي يقيناً لا شك فيه.

([20]) انظر: التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية، للشيخ فرحان بن حمد القحطاني، ص 46.

([21]) العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، للمؤلف، ص 15.

([22])  سورة النساء، الآية: 93.

([23])  سورة الأنعام، الآية: 151.

([24])  سورة الإسراء، الآية: 33.

([25])  سورة المائدة، الآية: 32.

([26])  سورة المائدة، الآية: 72.

([27])  سورة الفرقان، الآية: 68- 70.

([28])  قوله: >عصموا <: أي منعوا، وأصل العصمة من العصام، وهو الخيط الذي يُشدُّ به فم القربة؛ ليمنع سيلان الماء. فتح الباري لابن حجر، 1/ 77.

([29])  قوله: >إلا بحق الإسلام<: من حق الإسلام ارتكاب ما يبيح دم المسلم، من المحرمات: من الزنا بعد الإحصان، وقتل النفس بغير الحق، والكفر بعد الإيمان. جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 1/ 135.

([30])  قوله:>وحِسابهم عَلَى اللَّه< أَي: فِي أَمر سَرائِرهم، يعني أن الشهادتين مع إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة تعصم دم صاحبها، وماله في الدنيا، إلا أن يأتي ما يبيح دمه، وأما في الآخرة، فحسابه على اللَّه ﷻ‬؛ فإن كان صادقاً أدخله اللَّه بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار. جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 1/ 236، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، 1/ 77.

([31])  البخاري، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، برقم 25، واللفظ له، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة...، برقم 22.

([32])  مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة...، برقم 34- (21).

([33])  البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة، برقم 391، ورقم 392، ورقم 393.

([34])  البخاري، كتاب الديات، باب قول اللَّه تعالى: ﴿أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، برقم 6878، ومسلم، كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات، باب ما يباح به دم المسلم، برقم 1676.

([35])  أخرجه الترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن، برقم 1395، والنسائي، كتاب تحريم الدم، تعظيم الدم، برقم 3987، وفي السنن الكبرى، برقم 3420، وصححه العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 315.

([36])  ابن ماجه، أبواب الديات، باب التغليظ في قتل مُسلمٍ ظلماً، برقم 2619، والبيهقي في شعب الإيمان، 4/345، قال البوصيري في مصباح الزجاجة، 3/122: >هذا إسناد صحيح رجاله ثقات<، وصححه لغيره العلامة الألباني، وقال في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 315: >رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه البيهقي، والأصبهاني<.

([37])  أخرجه النسائي، كتاب تحريم الدم، برقم 3984 ، والحاكم، 4/351، والطبراني في الكبير، 19/365، برقم 858، وأحمد، 28/ 112، برقم 16907، وأبو داود، كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن، برقم 4272، بلفظ: >كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا <، وقال الحاكم: >صحيح الإسناد ولم يخرجاه<، وصححه لغيره محققو المسند، 28/ 112، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 2 / 24، برقم 511.  

([38])  الترمذي، كتاب الديات، باب الحكم في الدماء، برقم 1398، وصححه لغيره العلامة الألباني في  صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 316، برقم 2442.

([39])  البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، برقم 3335، ومسلم، كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات، باب بيان إثم من سن القتل، برقم 1676.

([40])  الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، برقم 3029، والنسائي، كتاب تحريم الدم، تعظيم الدم، برقم 3999، واللفظ له، وابن ماجه، أبواب الديات، كتاب هل لقاتل مؤمن توبة، برقم 2621، والضياء المقدسي في المختارة، 10/47، برقم 42، وصححه الألباني في  السلسلة الصحيحة، 6 / 444، برقم 2697.

([41])  اختلف العلماء رحمهم اللَّه تعالى في توبة القاتل المتعمد، والصواب أنه إذا تاب توبة نصوحاً بشروطها قبل اللَّه توبته، ويُرضي اللَّه ﷻ‬ قاتله يوم القيامة، وأما أولياء المقتول، فيسقط حقهم بالعفو، أو الدية، أو القصاص، واللَّه ﷻ‬ أعلم.

([42])  البخاري، كتاب الديات، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، برقم 6862.

([43]) الورْطة: هي الهلاك، يقال: وقع فلان في ورطة: أي في شيء لا ينجو منه [فتح الباري لابن حجر، 12/ 189].

([44])  البخاري، كتاب الديات، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾، برقم 6863.

([45])  البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: >ربّ مبلّغ أوعى من سامع<، برقم 67، ومسلم، كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات، برقم 1679، واللفظ له.

([46])  مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره، ودمه، وعرضه، وماله، برقم 2564.

([47])  البخاري، كتاب الوصايا، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾، برقم 2766، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها، برقم 89.

([48]) البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل مُعاهداً بغير جُرم، برقم 3166.

([49])  كنهه: حقيقته، وقيل: وقته، وقدره، وقيل: غايته، يعني: من قتله في غير وقته، أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 4/ 206.

([50])  مسند أحمد، 34/ 12، برقم 20377، والنسائي، كتاب القسامة، تعظيم قتل المعاهد، برقم 4747،  وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في الوفاء للمعاهد، برقم 2762، وصححه محققو المسند، 34/ 12، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 318، برقم 2453.

([51])  النسائي، كتاب القسامة، تعظيم قتل المعاهد، برقم 4748، ومسند أحمد، 34/ 20، برقم 20383، وصححه محققو المسند، 34/ 20، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 5 / 471، رقم 2356.

([52])  مسند أحمد، 29/ 614، برقم 18072، والنسائي، كتاب القسامة، تعظيم قتل المعاهد، برقم 4749،  وصححه محققو المسند، 34/ 12، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 319)، برقم 2453.

([53])  البخاري، كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به، وبما يخاف منه والخبيث، برقم 5778، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 109، واللفظ له.

([54])  البخاري، كتاب الأدب، باب ما يُنهى من السباب واللعن، برقم 6047، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110.

([55])  البخاري، كتاب الجنائز،  باب ما جاء في قاتل النفس، برقم 1363، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه وإن من قتل نفسه بشيء عُذب به في النار، وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، برقم 110.

([56])  البخاري، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6533، ومسلم، كتاب القسامة، والمحاربين، والقصاص، والديات، باب المجازاة بالدماء في الآخرة، وأنها أول ما يقضى به بين الناس يوم القيامة، برقم 1678.

([57])  النسائي، كتاب تحريم الدم، تعظيم الدم، برقم 3991، ورقم 3992، ورقم 3393، وصححه الألباني في صحيح النسائي وغيره.

([58]) المعجم الأوسط، للطبراني، 6/ 36، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/ 97: «رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده».

([59]) ابن ماجه، كتاب الفتن، باب حرمة دم المؤمن، برقم 3932، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 630، برقم 2441، قال الألباني /: «وقد كنت ضعفت حديث ابن ماجه هذا في بعض تخريجاتي، وتعليقاتي قبل أن يطبع شعب الإيمان، فلما وقفت على إسناده فيه، وتبينت حسنه، بادرت إلى تخريجه هنا [أي في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3420] تبرئة للذمة، ونصحاً للأمة، داعياً: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، وبناءً عليه ينقل الحديث من ضعيف الجامع الصغير، وضعيف سنن ابن ماجه، إلى صحيحيهما» [سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3420، المجلد لسابع، القسم الثاني، ص 1250.

([60]) المعجم الكبير للطبراني، 11/37، برقم 10966، مصنف ابن أبي شيبة، 5/ 435، برقم 27754، وشعب الإيمان للبيهقي، 5/ 296، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 14/ 33.

([61]) سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في تعظيم الكعبة، برقم 2032، ونوادر الأصول فى أحاديث الرسول، للحكيم الترمذي، 1/ 24 بلفظ: «المؤمن أعظم حرمة عند اللَّه من الكعبة»، وقال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن رواية الترمذي، 2/ 292: «حسن صحيح»، وحسنه أيضاً في صحيح الترمذي، 2/ 391.

([62]) سورة التوبة، الآية: 6.

([63]) البخاري، برقم 3171، ومسلم، برقم 336، ويأتي تخريجه.

([64]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 313، ولسان العرب، لابن منظور، 4/ 153، وتفسير الإمام الطبري، 14/ 138، وتفسير الإمام البغوي، 4/ 14، وتفسير الإمام القرطبي، 8/ 72، وتفسير الإمام ابن كثير، 4/ 113، وتفسير الإمام الشوكاني، 2/ 338.

    ومعالم السنن للخطابي، 2/ 55، والاستذكار، لابن عبد البر، 6/ 142، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم، 5/ 232، وفتح الباري، للحافظ ابن حجر، 4/ 273، و7/ 233، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 12/ 168، وحاشية السندي على النسائي، 8/ 20.

([65])  انظر: المطلب الثاني من المبحث الثاني، ص 143 من هذا الكتاب.

([66])  انظر: المطلب الثالث من المبحث الثاني، ص 151 من هذا الكتاب.

([67]) انظر: ص 162 من هذا الكتاب.

([68])  انظر: استجارة أبي بكر - رضي الله عنه - ص 164 من هذا الكتاب.

([69])  انظر: ص 169 من هذا الكتاب.

([70]) البخاري، كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه: أنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه، برقم 6952.

([71]) البخاري، كتاب المظالم، باب أعن أخاك ظالماً أو مظلوماً، برقم 2444.

([72]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2444.

([73]) فتح الباري لابن حجر، 5/98، ولم أجد مصدراً لبيت الشعر المذكور.

([74])  البيت لقريط بن أنيف، انظر: شرح ديوان الحماسة لأبي تمام، للخطيب التبريزي، 1/ 20.

([75]) الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري، 2/333.

([76]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً، برقم 2584.

([77]) فتح الباري، لابن حجر، 5/99.

([78]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/374.

([79])  الحديث المشار إليه هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: >المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان اللَّه في حاجته< [البخاري، كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه، إذا خاف عليه القتل، أو نحوه، برقم 6951].

([80]) فتح الباري، لابن حجر نقلاً عن ابن بطال، 12/323 – 324.

([81]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 6/559.

([82]) فتح الباري، 12/324.

([83]) مسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 140.

([84]) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/524.

([85]) انظر: المفهم للقرطبي 1/352.

([86]) سمعته أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 481.

([87]) النسائي، كتاب تحريم الدم، ما يفعل من تعرض لماله، برقم 4081، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 8/ 137.

([88])  الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 27/ 36.

([89])  المرجع السابق، 7/ 43.

([90]) أبو داود، كتاب السنة، باب في قتال اللصوص، برقم 4772، والنسائي، كتاب تحريم الدم، من قاتل دون دينه، برقم 4099، والترمذي، كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 1418، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد، برقم 2580، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 75، برقم 1411.

([91]) مجموع فتاوى ابن باز، 18/243-244.

([92]) المرجع السابق، 18/275.

([93]) مسلم، برقم 1851، ويأتي تخريجه.

([94]) سورة المائدة، الاية: 3.

([95]) سورة النحل، الآية: 89.

([96]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 8/ 242.

([97])  المرجع السابق، 8/ 242.

([98])  تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 518.

([99])  سورة العنكبوت، الآية: 51.

([100])  تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 744.

([101])  زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام ابن قيم الجوزية، 4/ 323.

([102])  سورة الأنعام، الآية: 38.

([103])  فتح القدير، الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للإمام محمد بن علي الشوكاني، 2/ 114. وانظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة السعدي، ص 284.

([104]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 12/ 289.

([105]) مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 12/ 259.

([106]) سورة الشورى، الآية: 10.

([107]) سورة المائدة، الاية: 50.

([108])  البيت للمتنبي، وهو في ديوانه، انظر: ديوان المتنبي، ص 232.

([109]) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، 2/ 1073، برقم 2083.

([110]) سورة الأعراف، الآية: 33.

([111]) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 8/ 77.

([112]) المرجع السابق، 8/ 77.

([113]) جامع بيان العلم وفضله، 2/ 842، برقم 1586، وقيل: إنه من قول أبي الدرداء - رضي الله عنه -.

([114])  افتات: افْتَعل من الفَوَات: السبق، يقال لكل من أحْدَث شيئاً في أمْرِك دُونَك: قَدِ افْتَات عليك فيه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 935.

([115]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 12/ 289.

([116])  انظر: ص 120 من هذا الكتاب.

([117]) انظر: ص 78، وص 90، وص 93 من هذا الكتاب.

([118]) سورة النساء، الآية: 59.

([119])  البخاري، كتاب الأحكام، باب قول اللَّه تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، برقم 7137، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، برقم 1835.

([120])  هكذا في أصل تعميم سموه حفظه اللَّه.

([121]) صحيح مسلم، برقم 1978، وتقدم تخريجه.

([122]) البخاري كتاب المظالم باب لايظلم المسلم ولا يسلمه, برقم 2442 بلفظه, وكتاب الإكراه, باب يمين الرجل  لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل، أو نحوه برقم 6951, ومسلم، كتاب البر والصلة, باب تحريم الظلم, برقم 2580.

([123]) مسلم، كتاب البروالصلة, باب تحريم ظلم المسلم, وخذله, واحتقاره، ودمه, وعرضه, وماله, برقم 2564.

([124]) المصباح المنير، للفيومي، 2/287.

([125]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/356.

([126]) البخاري، كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه، إذا خاف عليه القتل أو نحوه، برقم 6952.

([127])  الشرح الكبير، لابن قدامة, مع المقنع والإنصاف، 7/43.

([128])  فتح الباري، لابن حجر، 12/324.

([129]) انظر كثيراً من الأمثلة في المثارات: ص 49- 53  من هذا الكتاب.

([130])  انظر: منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية، 5/ 583، ومجموع فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 12/ 288، و289، ومجموع فتاوى العلامة ابن باز، 1/ 269.

([131]) سورة الأنعام، الآية: 164.

([132])سورة النساء، الآية: 93.

([133]) ذحل الجاهلية: الذحل الوتر، وطلب المكافأة بجناية جنيت عليه من قتل، أو جرح، ونحو ذلك، والذحل: العداوة، والبغضاء. النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 2/387.

([134]) مسند الإمام أحمد 11/370، برقم 6757، وابن حبان في صحيحة، 13/340برقم 5996، وحسن إسناده الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 8/394.

([135])  انظر: ص 59- 54 من هذا الكتاب.

([136])  سورة طه، الآية: 50.

([137]) سورة البقرة، الآيتان: 178، 179.

([138]) تيسير  الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص81.

([139]) تيسير  الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص82.

([140]) سورة المائدة، الآية: 45.

([141]) تيسير  الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص256.

([142]) سورة الإسراء، الآية: 33.

([143]) ومن أعانه: أي يعين اللَّه من أعان ولي المقتول على القاتل، واللَّه تعالى أعلم.

([144]) تيسير  الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص531.

([145])  هكذا في أصل فتوى هذا الأخ، وهو خطأ؛ لأن الأنثى من الضباع هي (الضبع)، قال الرازي:>الضبع من السباع، ولا تقل ضبعة، لأن الذكر ضبعان، والجمع ضباعين، مثل سرحان وسراحين<. مختار الصحاح، ص: 158.

([146])  لم أجده منسوباً لأحد، وهو مشهور في كتب الأدب والأمثال، انظر: ثمار القلوب للثعالبي، ص 258، ومجمع الأمثال للميداني، 2/ 144.

([147]) الحاكم، 1/93، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/124، وفي سلسلة، الأحاديث الصحيحة برقم 472.

([148]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة  ش،  باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، برقم 2408. 

([149])  تقدم خطأ الأخ بقوله: >الضبعة <، والكلام على ذلك في الصفحة السابقة.

([150]) البخاري، كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، برقم 173، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل سقي البهائم، برقم 2244.

([151]) البخاري، كتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذ لم يتأذَّ بها، برقم 2466، ومسلم، كتاب السلام، باب فضل سقي البهائم، برقم 2244. 

([152]) البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء برقم 2365، وكتاب أحاديث الأنبياء، بابٌ حدثنا أبو اليمان، رقم 3482، ومسلم، كتاب السلام، باب تحريم قتل الهرة، برقم 2243. 

([153]) سورة فصلت، الآية: 34.

([154]) سورة الشورى، الآية: 40.

([155]) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، عند ظهور الفتن، برقم 1851. 

([156]) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، برقم 1848. 

([157]) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، برقم 1850. 

([158]) البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: سترون بعدي أموراً تنكرونها، برقم 7053، مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، برقم 1849. 

([159]) مسلم، كتاب الإمارة، باب الإمام جنة يقاتل من ورائة أو تبقي به، برقم 1841.

([160]) منهاج السنة النبوية، 5/ 83.

([161]) الفوائد، لابن القيم، ص 83- 84.

([162]) ثلاثة الأصول، للإمام محمد بن عبد الوهاب مع حاشيتها لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ص 98، وشرح ابن عثيمين لثلاثة الأصول في مجموع فتاويه، 6/ 156.

([163]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 10/ 426.

([164]) سورة المائدة، الآية: 50.

([165]) سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك، لحمد بن عتيق، ص 37.

([166]) انظر: منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 5/ 83.

([167]) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 5/ 251.

([168]) الدرر السنية، 10/ 503.

([169]) الدرر السنية، 10/ 505.

([170]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 12/ 289.

([171]) مجموع فتاوى ابن باز، 8/ 272- 274.

([172]) سلسلة شرح الرسائل للإمام محمد بن عبد الوهاب شرح العلامة صالح الفوزان، ص 302.

([173]) سلسلة شرح الرسائل، ص 223- 225.

([174]) مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 12/ 259.

([175]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 1/ 72، 1/ 79، 1/ 181.

([176]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة، المجموعة الأولى، 1/ 545.

([177]) سورة المائدة، الآية: 49.

([178]) سورة المائدة، الآية: 44.

([179]) سورة المائدة، الآية: 45.

([180]) سورة المائدة، الآية: 47.

([181]) سورة النساء، الآية: 65.

([182]) سورة النساء، الآية: 60.

([183]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية، 1/ 369- 372.

([184]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية، 1/ 379.

([185]) سورة المائدة، الآية: 49.

([186]) سورة النساء، الآية: 59.

([187]) سورة المائدة، الآية: 50.

([188]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية، 1/ 389.

([189]) سورة النساء، الآية: 59.

([190]) سورة النساء، الآية: 65.

([191]) سورة المائدة، الآية: 50.

([192]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية، 1/ 391.

([193]) سورة المائدة، الآية: 44.

([194]) سورة الأنفال، الآية: 1.

([195]) سورة الحجرات، الآية: 9.

([196]) سورة الحجرات، الآيتان: 9- 10.

([197]) مجموع فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المجموعة الثانية، 1/ 369- 398.ْ

([198]) سورة الأنعام، الآية: 164.

([199]) الذَّحْلُ: الوَتْرُ، وطلَبُ المُكافأة بِجِنايةٍ جُنِيَتْ عليه من قتْلٍ أو جُرْح ونحو ذلك. والذَّحْلُ: العدَاوة أيضاً. [النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 2/ 387]

([200]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، 11/ 370، برقم 6757، و ابن حبان في صحيحه، (13/ 340، برقم 5996، وحسن إسناده الشيخ الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان، 8/ 394.

([201]) هذه الفتوى محفوظة في أرشيف الفتاوى في إدارات البحوث العلمية والإفتاء مع فتاوى أحكام عادات القبائل.

([202]) سورة النساء، الآية: 60.

([203]) سورة المائدة، الآية:44.

([204]) سورة المائدة، الآية: 45.

([205]) سورة المائدة، الآية: 47.

([206]) سورة النساء، الآية: 65.

([207]) هذه الفتوى محفوظة في أرشيف الفتاوى في إدارات البحوث العلمية والإفتاء مع فتاوى أحكام عادات القبائل.

([208]) هذه الفتوى محفوظة في أرشيف الفتاوى في إدارات البحوث العلمية والإفتاء مع فتاوى أحكام عادات القبائل.

([209])    سورة التحريم، الآية: 8.

([210])    سورة النور، الآية: 31.

([211])    سورة النور، الآية: 63.

([212])    سورة الأحزاب، الآية: 36.

([213])    سورة النساء، الآيتان: 13- 14.

([214])    أخرجه أحمد في المسند، 9/ 478، برقم 5667، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول،1/375، والبيهقي في شعب الإيمان، 2/75، برقم 1199، وابن أبي شيبة، 6/ 470، برقم 30010، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 5/ 109.

([215])    سورة الأنبياء، الآية: 7.

([216]) سورة التوبة، الآية: 6.

([217]) سورة المؤمنون، الآية: 88.

([218]) سورة الجن، الآية: 22.

([219]) لسان العرب، لابن منظور، 4/ 153.

([220]) القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ص 471.

([221]) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، 1/ 313.

([222]) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 114.

([223])  انظر: تفسير الإمام الطبري، 14/ 138، وتفسير البغوي، 4/ 14، وتفسير القرطبي، 8/ 72، وتفسير ابن كثير، 4/ 113، وتفسير الشوكاني، 2/ 338، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 232، وفتح الباري لابن حجر، 6/ 273، ولسان العرب، لابن منظور، 4/ 153.

([224]) سورة التوبة، الآية: 6.

([225]) انظر: ص 70- 77 من هذا الكتاب.

([226]) جامع البيان في تأويل آي القرآن، للطبري، 14/ 138.

([227]) تفسير البغوي، 4/ 14.

([228]) ذمامك: الذمام: الحرمة... والذمة: الأمان، في قوله - صلى الله عليه وسلم -: >ويسعى بذمتهم أدناهم<، وأذمَّه أي أجاره. الصحاح، للجوهري، ص 408.

([229]) أبو داود، برقم 2753، وابن ماجه، برقم 2683، ويأتي تخريجه.

([230]) سورة التوبة، الآية: 5.

([231]) سورة التوبة، الآية: 6.

([232]) كتاب سيبويه، 1/ 134، وعزاه للنمر بن تولب، وتبعه في عزوه للنمر المبرد في كتاب الكامل، 3/ 217.

([233]) تفسير القرطبي، 8/ 72.

([234]) أحمد، 1/ 396، و3/ 488، وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في الرسل، برقم 2761، ورقم 2762 بنحوه، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 174. وانظر شرحه في: نيل الأوطار، 5/ 192.

([235]) انظر: سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في الرسل،  برقم 2762، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 174.

([236]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 4/ 113.

([237]) فتح القدير الجمع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للإمام الشوكاني، 2/ 338.

([238])  انظر: ص 70- 77 من هذا الكتاب.

([239]) البخاري، كتاب الصلاة، باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفاً به، برقم 357، وهذا لفظه، وكتاب الجزية والموادعة، باب أمان النساء وجوارهن، برقم 3171، وبنحوه في مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان...، برقم 336.

([240]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الرسل، برقم 2763، وهو في مسند أحمد، 44/ 460، برقم 26892، وصححه محققو المسند، 44/ 461، والشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، 5/ 77، برقم 2049.

([241]) الترمذي، كتاب السير عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في أمان العبد والمرأة، برقم 1579، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 200.

([242]) البخاري، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب، برقم 3142، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، برقم 1751.

([243]) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 232.

([244]) فتح الباري، للحافظ ابن حجر، 6/ 273.

([245])  ومما يدل على إجازة الإمام لمن أجار من المسلمين قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأم هانئ: >قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ < [البخاري، برقم 357، ورقم 3171،ومسلم، برقم 336،وتقدم تخريجه]. وقصة إجازة زينب عندما أجارت أبا العاص بن الربيع فأمضاه النبي - صلى الله عليه وسلم - [البيهقي، 9/ 95، وعبد الرزاق في المصنف، 5/ 224، ويأتي تخريجه].

([246])  البخاري، برقم 3179، ومسلم، برقم 1370.

([247]) البخاري، برقم 3171، ومسلم، برقم 336، وسيأتي تخريجه.

([248])  البيهقي، 9/ 95، في باب أمان المرأة، من كتاب السير، وعبد الرزاق في باب الجوار، وجوار العبد والمرأة من كتاب الجهاد، المصنف، 5/ 224-225، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 6 / 770، برقم 2819.

([249])  المغني، 13/ 75، و79، والآية 6 من سورة التوبة.

([250]) الحلل الإبريزية من التعليقات البازية، 2/ 109.

([251]) مسند أحمد، 2/ 285، برقم 991، و11/ 555، وبرقم 6970 بلفظ: >لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَالْمُؤْمِنُونَ تَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، أَلَا لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، وقال عنه محققو المسند، 11/ 555: «صحيح، وهذا إسناد حسن».

([252]) سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب في السرية ترد على أهل العسكر، برقم 2753. وابن ماجه، كتاب الديات، باب المسلمون تتكافأ دماؤهم، برقم 2683، والنسائي، كتاب القسامة، باب سقوط القود من المسلم للكافر، برقم 4747، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2390.

([253]) رجل من أفناء الناس أي: لم يعلم ممن هو. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 476.

([254]) معالم السنن شرح سنن أبي داود، للخطابي، 2/ 55.

([255]) قال الجوهري: >وتقول اؤْتَمنَ فلان، على ما لم يُسمّ فاعلُه، فإن ابتدأت به صيّرت الهمزة الثانية واواً، لأن كلّ كلمة اجتمع في أولها همزتان، وكانت الأخرى منهما ساكنة، فلك أن تصيرها واواً... واسْتَأْمنَ إليه، أي دخل في أمانِهِ< الصحاح، ص 56.

([256])  هو عبد الملك بن الملك بن الماجشون، من علماء المالكية. انظر: أحكام القرآن لابن العربي، 3/ 399.

([257]) عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 12/ 168.

([258]) الاستذكار الجامع لمذاهب الأمصار، لابن عبد البر، 6/ 142.

([259]) حاشية السندي على النسائي، 8/ 20.

([260]) الترمذي، كتاب السير، باب ما جاء في أمان العبد والمرأة، برقم 1579، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 200.

([261]) البخاري، برقم 7300، وطرفه في 111، ورقم 1870، ورقم 3179، ولفظ المتن برقم 6755، وأخرجه مسلم، كتاب الحج، برقم 1370.

([262]) فتح الباري، 4/ 86.

([263]) شرح صحيح مسلم للإمام النووي، 9/ 141.

([264]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 3172.

([265])  انظر للفائدة فقط: سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، قصة عبد اللَّه بن أبي السرح مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعثمان بن عفان - رضي الله عنه -، برقم 2683، وصحح القصة الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 148.

([266])  الحلل الإبريزية من التعليقات البازية، 2/ 109

([267])  هذه رواية ابن كثير في البداية والنهاية، وأما رواية ديوان حسان بن ثابت - رضي الله عنه -، ص 235، فهي على النحو الآتي:

وَلَوْ كانَ مجدٌ يخلدُ اليومَ واحداً  

من الناس ، أبقى مجدهُ اليومَ مطعما

أجرتَ رسولَ اللَّهِ منهم، فأصبحوا

عِبادَكَ ما لَبّى مُلّبٍّ، وأحْرَمَا

فلوْ سئلتَ عنهُ معدٌّ بأسرها

وقحطانُ، أو باقي بقيّةِ جُرْهُما

لَقالوا: هو المُوفي بخُفرَةِ جارِهِ

وَذِمّتِهِ يَوْماً، إذا مَا تَذَمّمَا

فما تَطْلُعُ الشمسُ المُنيرَةُ فوْقَهم

على مثلهِ، منهمْ أعزَّ وأكرما

إبَاءً، إذا يأبَى، وأكرَمَ شِيمَةً

وأنومَ عنْ جارٍ، إذا الليلُ أظلما

([268]) البداية والنهاية، 3/ 168، ولفظ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري: «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»، البخاري، برقم 3139.

([269]) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة، برقم 3905.

([270]) فتح الباري، للحافظ ابن حجر، 7/ 233.

([271]) روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ: كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ». البخاري، برقم 3841، ومسلم، برقم 2256، والبيت في ديوان لبيد، ص 132.

([272]) البداية والنهاية، 3/ 115، والقصة في: معرفة الصحابة لأبي نعيم، 4/ 1955، حلية الأولياء له، 1/ 103، والمعجم الكبير للطبراني، 9/ 24، والفردوس للديلمي، 4/ 1955، وقال الإمام البيهقي: دلائل النبوة للبيهقي 2/ 196:  وروى محمد بن إسحاق بن يسار قصة عثمان بن مظعون ، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف سماعاً منه عمن حدثه ، وذلك فيما أخبرناه أبو عبد اللَّه الحافظ ، أن أبا العباس الأصم حدثهم قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق فذكر القصتين، وفي الكامل لابن الأثير، 1/ 265.

([273]) يعني عثمان بن مظعون - رضي الله عنه -.

([274]) الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 461).