رسالة إلى القضاة
التصنيفات
الوصف المفصل
رسالة إلى القضاة
جمع وتحقيق الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد:
بناء على وجوب التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق فقد جمعت هذه الرسالة إلى إخواني القضاة وفقهم الله وسدد خطاهم وأعانهم على تحمل ما كلفوا به ووفقهم لإصابة الحق وأثابهم على اجتهادهم وبذلك وسعهم لقمع الظالمين ونصر المظلومين وإعطاء كل ذي حق حقه فإن القاضي إذا اجتهد فأصاب لحق له أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر على اجتهاده، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وقد توجت هذه الرسالة برسالة قيمة لفضيلة الشيخ صالح بن أحمد الخريصي رئيس محاكم القصيم سابقًا أثابه الله، وضممت إليها ما تيسر من كتب الحديث والفقه نظماً ونثراً، كما ضممت إليها فهارس كتاب «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية» لابن القيم، وفهارس أقضية الرسول ﷺ وأحكامه ليستفاد منها ويحذى حذوها فهو المعلم الأول والقدوة الأكمل ﷺ، وأرجو أن يكون فيما جمعته في هذه الرسالة حافزًا للإخوة القضاة على بذل الجهد للقيام بما كلفوا به وأنيط بهم من مسئوليات أمام الله ثم أمام المجتمع في جميع المجالات، وأسأل الله لنا ولهم التوفيق والهدى والسداد، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين([1]).
المؤلف عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
1/ 11/ 1407 هـ.
أخي القاضي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
أسأل الله تعالى أن يمدكم بتوفيقه وأن يسعفكم بتأييده وأن يجعلكم هداة مهتدين. أخي أعتقد أنكم لم ولن تقصروا في مجال الدعوة إلى الله تعالى والوعظ والإرشاد نظرًا لحاجة الناس إلى ذلك وغلبة الجهل، ولأن كلمتكم مسموعة وأمركم مطاع لدى الخاصة والعامة، ولأنكم على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يؤتي الإسلام من قبلكم واحتسبوا ثواب ذلك عند الله، وثقوا منه بعظيم الأجر والجزاء فلعلكم تذكرون الناس بفعل الواجبات التي قصروا فيها، وترك المحرمات التي وقعوا فيها، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتبصرونهم بأحكام العبادات والمعاملات، وتحثونهم على العمل بشعب الإيمان، وتحذرونهم من ارتكاب كبائر الذنوب وصغائرها، وأن يقرن الحكم بالحكمة والترغيب بالترهيب، والوعد بالوعيد، وذكر الثواب لمن أطاع الله، والعقاب لمن عصاه، وأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، وأن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرا منه.
ومن ناحية أخرى لعلكم أن تجتمعوا بأئمة المساجد وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف وتذكرونهم بالواجب الملقى على عواتقهم من تذكير الناس ووعظهم وإرشادهم، وتذكير خطباء المساجد خاصة بمراعات المناسبات في خطبهم، ومعالجة واقع الناس فيها، وأن يراعوا فيها هدي رسول الله ﷺ في خطبه، وأن يقرنوا الترغيب بالترهيب، والوعد بالوعيد، والحكم بالحكمة، ليكون لها وقع وفائدة ملموسة، ولتكن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة التي هي أحسن، وليعلم أن للقدوة الحسنة والكلمة الطيبة أثر عظيم في الاستجابة، ولنتذكر جميعا قول الله تعالى: }وتعانوا على البر والتقوى{([2]) وقوله تعالى: }ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين{([3]) وقوله تعالى: }قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن{([4])، وقوله ﷺ: «الدين النصيحة»([5]) قالها ثلاثًا.
وأسأل الله أن يحفظكم ويتولاكم ويكون في عونكم وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
(مسئولية القاضي)
من صالح بن أحمد الخريصي إلى من يراه من إخواننا القضاة، وفقني الله وإياهم لأسباب النجاة، وعصمني وإياهم من سلوك طرق الغي والضلالات، آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
تعلمون أيها الإخوان أنكم قد حملتم حملاً ثقيلاً، وطوقت برقابكم أمانة عظيمة، وأنكم موقوفون بين يدي الله سبحانه، ومسئولون عن أدائها، فأعدوا للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، ومن أعظم ما يستعان به على أداء هذه الأمانة أسباب:
أولها: تقوى الله عز وجل، ومراقبته في السر والعلانية، فإن بتقوى الله يتبين وجه الصواب قال الله عز وجل: }إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا{([6])، وقال تعالى: }ومن يتق الله يجعل له مخرجا{([7])، وقال تعالى: }ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا{([8])، وقال تعالى: }اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به{([9])، والآيات في هذا المعنى كثيرة، ولهذا لما قيل للإمام أحمد –رحمه الله- من نسأل بعدك؟ قال: سلوا عبد الوهاب الوراق فإنه رجل صالح مثله يوفق للصواب. واستدل الإمام أحمد –رحمه الله- بقول عمر t: اقتربوا من أفواه المطيعين، واسمعوا منهم ما يقولون، فإنهم تجلى لهم أمور صادقة، وذلك لقرب قلوبهم من الله، وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء، وكان كشفه للحق أتم وأقوى، وكلما بعد عن الله كثرت عليه المعارضات، وضعف نور كشفه للصواب، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب يفرق به العبد بين الخطأ والصواب، ومن ذلك أن يتأدب بالآداب التي ذكرها العلماء –رحمهم الله- في هذا الباب.
ومنها: أن يكون قويًّا على حمل ما كلف به من غير عنف يمنع صاحب الحق من استيفاء حقه، ومن غير ضعف يجترئ به صاحب الباطل عليه وعلى خصمه، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: لا يصلح القاضي إلا أن تكون فيه خصال أن يكون صليبًا نزهًا عفيفًا حليمًا عليمًا بما كان قبله من القضاء والسنن، ومن ذلك أن يكون ذا بصيرة وبصر بأهل زمانه لا سيما أهل هذه الأزمان، فإن أكثرهم أروغ من الثعالب، وليحذر حلاوة ألسن أكثرهم، فإن لهم في ذلك أهدافا وأغراضًا وحوائج يحومون حول تحصيلها بكل ممكن.
ومنها: أن يكون ذا أناة يتثبت وفطنة فيما يحكم به.
ومنها: أن لا يعجل في البت بالحكم حتى يتبين له وجه الصواب من غير تأخير يخل بالمقصود ويوجب.
للضعيف ترك حقه، كما قال عمر t في كتابه لمعاوية: وتعاهد الغريب فإنه إن طال حبسه ترك حقه وانطلق إلى أهله وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأسا.
ومنها: الحرص على لزوم العمل والمبادرة إليه في أوقاته لإنجاز مهمات المسلمين وقضاء حوائجهم، فإن كثيرا من إخواننا هداهم الله يرددون الخصوم أكثر من الحاجة من غير سبب يدعو إلى ذلك.
ومنها: ما ينبغي للقاضي أن يتخلق ويتأدب ويتزيا به من الآداب الشرعية التي لا ينبغي له أن يخل بتركها، لأنه منظور إليه، ترمقه العيون بلحظاتها، وتقتدي به الأرواح والنفوس في صفاتها، فإذا أكمل نفسه وأصلحها فينبغي له بل يتعين عليه أن يكمل غيره بالدعوة إلى الله والإرشاد، والأمر والنهي والتعليم، ويكون قدوة في ذلك يقتدي به ويؤتم به، وهذا من أجل المقاصد في نصب القضاة، وبعض إخواننا من القضاة قد أهمل هذا المقام العظيم، ولم يرفع به رأسًا، فتجده في أخلاقه وأعماله وآدابه إلى الانحراف أقرب، عافانا الله وإياهم، وألهمنا وإياهم رشدنا.
ومنها: أن يعلم القاضي أن الخصومات ستعاد يوم القيامة ويحكم فيها العدل الذي لا يجور، وإنما القضاء في الدنيا للفصل بين الناس، فليتئد عند ذلك وليتلمح وجه الصواب في القضية مهما أمكنه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان وعلماء الشريعة الذين لهم لسان صدق في الأمة، فإذا اجتهد وبذل وسعه وطاقته حسب الإمكان رجي له أن يوفق لإصابة الحق، وأن لا يفوته أجران مع الصواب أو أجر مع الخطأ، ولا ينظر إلى كثرة الأساليب التي استعملها بعض القضاة خشية أن يقال في حكمه أو يعترض عليه، بل إذا تبين له الحق حكم به ولا يبالي بمن اعترض عليه أو قال في حكمه كما قيل:
أقام الحي أم جد الرحيل | إذا رضي الحبيب فلا أبالي |
ومنها: أنه ينبغي له إذا خفي عليه وجه الصواب، وأعيته الأمور بإغلاق الأبواب، أن يستغيث بمعلم إبراهيم، فإن هذا من أنجح الأسباب الموصلة إلى المقصود، كما ذكرت الأصحاب أنه ينبغي للقاضي أن يدعو بدعاء الاستفتاح (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه كثير- الدعاء بذلك، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول يا معلم إبراهيم علمني، وكان بعض السلف يقول عند الإفتاء: }سبحانه لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم{([10])، وكان مكحول يقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وكان مالك رحمه الله يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم)، وكان بعضهم يقول: }رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي{ ([11]، وكان بعضهم يقول: (اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب وأعذني من الخطأ والحرمان)، وكان بعضهم يقرأ الفاتحة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (جربنا ذلك فرأيناه من أقوى أسباب الإصابة)، وقال النبي ﷺ لعلي t: «قل: اللهم إني أسألك الهدى والسداد»([12])، والمعول في ذلك كله على حسن النية، وخلوص المقصد، وصدق التوجه في الاستمداد من المعلم الأول معلم الرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإنه لا يرد من صدق في التوجه إليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم.
ومما ينبغي لمن عين للقضاء أن يعرض نفسه على الأمور المتقدم ذكرها، ويحاسبها، ويبحث معها بحثًا دقيقًا هل هذه الخصال موجودة فيه أم لا؟ وهل هو أهل لذلك أم لا؟ وقد كتب سلمان t إلى أبي الدرداء لما ولي القضاء وقال: بلغني أنك جعلت طبيبا فإن كنت تبرئ فنعما، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار، فكان أبو الدرداء t إذا قضى بين اثنين، وأدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله ارجعا أعيد قضيتكما، فهذه حال أهل المعرفة بالله، كما أنه ينبغي للجهات المختصة المسئولين أن لا يعينوا إلا من يصلح وتكون فيه كفاءة لذلك وأخلاق دينية على حسب الطاقة، لأن الولاية أمانة، وإذا كان تقديم الرجل في الجماعة وفيهم من هو أفضل منه يوجب أن لا يزالوا في سفال([13]) فكيف بالقاضي الذي يقتدي به فئات من الناس، فيجب عليهم أن يولوا أفضل من يجدوا علمًا وورعًا، لأنهم ناظرون للمسلمين، فيجب أن يختاروا الأصلح لهم، واختيار الأفضل علما من لازم القضاء، لأنه إنما يمكنه القضاء بين المترافعين بالعلم، لأن القضاء بين المترافعين بالعلم لأن القضاء بالشيء فرع العلم به، والأفضل أولى من المفضول؛ لأنه أثبت وأمكن، وكذا كل من كان ورعه أكثر كان سكون النفس فيما يحكم به أعظم، وكان من ترك التحري والميل في جانبه أبعد، قال الإمام أحمد رحمه الله: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن يكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن له نور ولا على كلامه نور، الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويًّا على ما هو فيه وعلى معرفته، الرابعة: الكفاية، وإلا مضغه الناس، فإنه إن لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في أيديهم، الخامسة: معرفة الناس([14]).
فهذه نبذة ينبغي للعاقل تأملها لأنها تطلع على ما وراءها. وقد ذكر العلماء رحمهم الله ما يكفي ويشفي،ولكن لعلك لا تجد كلامًا مجموعًا كهذه الكلمات اليسيرات، وأسأل الله الكريم أن ينفع بها كل طالب للحق ومستفيد ومراقب لله فيما يبدي ويعيد، والله يوفق الجميع للقول السديد والأمر الرشيد وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
قلت: وينبغي للقاضي وفقه الله مع ما تقدم أن يدرس الكتب المؤلفة في السياسة الشرعية والأحكام السلطانية وأقضية الرسول ﷺ فيقضي بموجبها.
(من أصول الأحكام)
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر». حديث حسن رواه البيهقي وغيره هكذا وأصله في الصحيحين.
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأحكام، والذي في الصحيحين منه: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه». وفي رواية: عن الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله ﷺ. فقال رسول الله ﷺ: «شاهداك أو يمينه»، قلت: إذًا يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله ﷺ: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان، فأنزل الله تصديق ذلك، ثم قرأ هذه الآية: }إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا{([15]) الآية. وفي رواية لمسلم بعد قوله: إذا يحلف «قال ليس لك إلا ذلك». وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة»([16]). وقال قتادة: فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام هو أن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر([17]). (قوله ﷺ: البينة على المدعي) البينة: هي ما أبان الحق فيحكم الحاكم بإقرار المدعى عليه، أو بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، أو رجل ويمين المدعي، وبيمين بيمين المنكر، وبيمين الرد، وبعلمه إذا لم يتهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ قضى وشاهد» رواه مسلم وأبو داود والنسائي.وعن جابر t: «أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما نتجت هذه الناقة عندي وأقاما بينة، فقضى بها رسول الله ﷺ للذي هي في يده». وعن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ رد اليمين على طالب الحق». رواهما الدارقطني، فإذا لم يحلف المدعى عليه وطلب يمين المدعي فله ذلك. وقد كان شريح وإياس بن معاوية يحكمان في الأموال المتنازع فيها بمجرد القرائن الدالة على صدق أحد المتداعيين. وقضى شريح في أولاد هرة تداعاها امرأتان كل منهما تقول هي ولد هرتي. قال شريح: ألقها مع هذه، فإن هي قرّت ودرت واسبطرت فهي لها، وإن فرت وهرت وبارت فليس لها. قال ابن قتيبة: قوله واسبطرت: يريد امتدت للإرضاع، وقوله وإن بارت: أي اقشعرت وتنفشت. وروي عن علي أنه أحلف المدعي مع بينته أن شهوده شهدوا بحق.
وقال إسحاق: إذا استراب الحاكم وجب ذلك. وقال ابن عباس في المرأة الشاهدة على الرضاع أنها تستحلف وقضى ابن مسعود في رجل مسلم حضره الموت فأوصى إلى رجلين مسلمين معه، وسلمهما ما معه من المال، وأشهد على وصيته كفارًا، ثم قدم الوصيان فدفعا بعض المال إلى الورثة وكتما بعضه، ثم قدم الكفار فشهدوا عليهم بما كتموه من المال، فدعا الوصيين المسلمين فاستحلفهما ما دفع إليهما أكثر مما دفعاه، ثم دعا الكفار فشهدوا وحلفوا على شهادتهم، ثم أمر أولياء الميت أن يحلفوا أن ما شهدت به اليهود أو النصارى حق فحلفوا، فقضى على الوصيين بما حلفوا عليه.
وأما حقوق الله عز وجل: فمن العلماء من قال لا يستحلف فيها بحال، ومنهم من قال يستحلف إذا اتهم. وروى الخلال بإسناده عن الركين بن الربيع قال: أحمس أي شرد لأخي فرس بعين التمر فرآه في مربط سعد، فقال فرسي، فقال سعد: لك بينة؟ قال لا، ولكن أدعوه فيحمحم فدعاه فحمحم فأعطاه إياه. وقال أبو الزناد: كان عمر بن عبد العزيز يرد المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، كان يكتفي باليسير إذا عرف صرف مظلمة الرجل ردها عليه ولم يكلفه تحقيق البينة لما يعرف من غشم الولاة قبله على الناس. وذكر القاضي أن الأموال المغصوبة من قطاع الطريق واللصوص يكتفى من مدعيها بالصفة كاللقطة، وأنه ظاهر كلام أحمد، والله أعلم([18]).
(قاعدة)
البينة على المدعي واليمين على من أنكر في جميع الدعاوى والحقوق وغيرها([19])
وقد أجمع أهل العلم على هذا الأصل العظيم في الجملة قال ﷺ: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» رواه البيهقي. وأصله في الصحيحين. وهذا الأصل يحتاجه القاضي والمفتي، وكل أحد لشدة الحاجة إليه، وقد قيل في قوله تعالى: }وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب{([20]) أن فصل الخطاب هو أن البنية على المدعي، واليمين على من أنكر، لأن به تنفصل الشبهات، وتنحل الخصومات، ولا شك أن ذلك داخل في فصل الخطاب، لأنه الفصل بين الحق والباطل في الديانات، والأموال، والحقوق.
فكل من ادعى عينا عند غيره، أو دينًا على غيره، أو حقًّا من الحقوق، فعليه البينة: وهي كل ما أبان الحق ويختلف نصابها وحالها باختلاف المشهود عليه، فإن لم يأت ببينة تشهد بصحة دعواه. فعلى الآخر اليمين التي تنفي ما ادعاه المدعي.
وكذلك إذا ثبت الحق في ذمة إنسان، ثم ادعى أنه خرج منه بقضاء أو إبراء أو غيرهما، فالأصل بقاؤه. فإن جاء ببينة تشهد بدعواه وإلا حلف صاحب الحق أن حقه باق، ولم يستوفه وحكم له به.
وكذلك من ادعى استحقاقًا في وقف أو ميراث. فعليه إقامة البينة التي تثبت السبب الذي يستحق به ذلك، وإلا لم يثبت له شيء. فإن كان المال بيد من لا يدعيه لنفسه. كاللقطة والأموال التي يجهل أربابها.
فبينة المدعي أن يصفه بصفاته المعتبرة، وجميع الدعاوى مضطرة إلى هذا الأصل، والله أعلم.
(مما ينبغي للقاضي)
عن علي t قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي، قال علي: فما زلت قاضيًا بعد» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وقواه ابن المديني، وصححه ابن حبان، وله شاهد عند الحاكم من حديث ابن عباس.
الحديث دليل على أنه يجب على الحاكم أن يسمع دعوى المدعي أولاً، ثم يسمع جواب المدعى عليه، ولا يجوز له الحكم قبل جواب الآخر. ومن أحسن ما ورد عن السلف في آداب القاضي كتاب عمر بن الخطاب t الذي كتبه إلى أبي موسى ولفظه:
كتاب عمر بن الخطاب في القضاء إلى أبي موسى الأشعري
أما بعد:
«فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فعليك بالعقل والفهم وكثرة الذكر، فافهم إذا أدلى إليك الرجل الحجة، فاقض إذا فهمت، وامض إذا قضيت، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالاً؛ ومن ادعى حقًّا غائبًا أو بينة فاضرب له أَمدًا ينتهي إليه، فإن جاء ببينة أَعطيته حقه، وإلا استحللت عليه القضية، فإن ذلك أبلغ من العذر، وأجلى للعمى، ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حد، أو مجرّبًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو نسب أو قرابة، فإن الله تعالى تولى منكم السرائر، وادرأ بالبينات والأيمان، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة، والتنكر عند الخصومات، فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى به الأجر، ويحسن به الذكر؛ فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شانه الله تعالى، فإن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا؛ فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته، والسلام».
رواه أحمد والدارقطني([21]). قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (1/ 86):
(وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إلى تأمله والتفقه فيه.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «إنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعة من النار» متفق عليه.
الحديث دليل على أن حكم الحاكم لا يحل به للمحكوم له ما أخذه بقوة حجته إذا كان باطلا في نفس الأمر. وقد قال الله تعالى: }لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون{ (سورة البقرة: آية 188).
[فائدة]: قال الحافظ: نقل بعض العلماء الاتفاق على أنه لو شهدت البينة بخلاف ما يعلمه القاضي لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة.
وعن عمرو بن العاص t أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله اجر» متفق عليه.
الحديث دليل على أن الحق واحد، فمن اجتهد وأصابه فهو مأجور باجتهاده وإصابة الحق، ومن اجتهد فأخطأه فهو معذور ومأجور لاجتهاده، والمجتهد هو المتمكن من أخذ الأحكام من الكتاب والسنة على حسب قدرته، فإن لم يجد اجتهد رأيه واستعان عليه بأقوال العلماء واختار الراجح منها عنده، والأقرب إلى العدل والإصلاح. وقد قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه قاضيا إلى اليمن: «بم تحكم؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله ﷺ. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» رواه أحمد([22]).
[فائدة: في وضع اليد] كل دعوى يكذبها العرف والعادة غير مسموعة، فإذا رأينا رجلا حائزا لدار متصرفًا فيها مدة طويلة وهو ينسبها إلى نفسه وملكه وإنسان حاضر يراه لا يعارضه وليس له مانع يمنعه من مطالبته وليس بينه وبين المتصرف قرابة ولا شركة، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعيها لنفسه ويريد أن يقيم بينة بذلك فدعواه غير مسموعة وتبقى الدار بيد حائزها هذا مقتضى اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وشمس الدين ابن القيم، وإمام الدعوة النجدية الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأولاده وهو مذهب الإمام مالك، واختاره شيخنا محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف، والله أعلم([23]).
[تتمة]: قال الشوكاني: ويحكم الحاكم بالإقرار، أو بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، أو رجل ويمين المدعي. وبيمين المنكر وبيمين الرد وبعلمه انتهى. وقال البخاري: باب من رأى للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس إذا لم يخف الظنون والتهمة. كما قال النبي ﷺ لهند: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» وذلك إذا كان أمر مشهور انتهى، والله أعلم([24]).
«لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان».
عن أبي بكر t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» متفق عليه.
هذا الحديث يدل على أمور:
أحدها: نهي الحاكم بين الناس أن يحكم في كل قضية معينة بين اثنين وهو غضبان، سواء كان ذلك في القضايا الدينية أو الدنيوية. وذلك لما في الغضب من تغير الفكر وانحرافه. وهذا الانحراف للفكر يضر في استحضاره للحق. ويضر أيضًا في قصده الحق. والغرض الأصلي للحاكم وغيره: قصد لحق علمًا وعملاً.
الثاني: يدل على أنه ينبغي أن يجتهد في الأخذ بالأسباب التي تصرف الغضب، أو تخففه: من التخلق بالحلم والصبر، وتوطين النفس على ما يصيبه، وما يسمعه من الخصوم؛ فإن هذا عون كبير على دفع الغضب، أو تخفيفه.
الثالث: يؤخذ من هذا التعليل: أن كل ما منع الإنسان من معرفة الحق أو قصده، فحكمه حكم الغضب. وذلك كالهم الشديد. والجوع والعطش، وكونه حاقنًا أو حاقبًا أو نحوها، مما يشغل الفكر مثل أو أكثر من الغضب.
الرابع: أن النهي عن الحكم في حال الغضب ونحوه مقصود لغيره. وهو أنه ينبغي للحاكم أن لا يحكم حتى يحيط علمًا بالحكم الشرعي الكلي، وبالقضية الجزئية من جميع أطرافها، ويحسن كيف يطبقها على الحكم الشرعي؛ فإن الحاكم محتاج إلى هذه الأمور الثلاثة.
الأول: العلم بالطرق الشرعية، التي وضعها الشارع لفصل الخصومات والحكم بين الناس.
الثاني: أن يفهم ما بين الخصمين من الخصومة، ويتصورها تصورًا تامًّا، ويدع كل واحد منهما يدلي بحجته، ويشرح قضيته شرحًا تامًّا. ثم إذا تحقق ذلك وأحاط به علمًا احتاج إلى الأمر الثالث.
وهو صفة تطبيقها وإدخالها في الأحكام الشرعية، فمتى وفق لهذه الأمور الثلاثة، وقصد العدل: وفق له، وهدي إليه، ومتى فاته واحد منها: حصل الغلط، واختل الحكم. والله أعلم([25]).
1- من آداب القاضي
ينبغي أن يكون قويًّا من غير عنف، لينًا من غير ضعف، حليمًا متأنيًا ذا فطنة. قال عمر بن عبد العزيز: سبع إن فات القاضي منها واحدة كان فيه وصمة: العقل، والفقه، والورع، والنزاهة، والصرامة، والعلم بالسنن، والحلم.
وله أن ينتهر الخصم إذا النوى ويصيح عليه. وإن قال: حكمت علي بغير حق فله تأديبه، وله العفو، ويستعين بالله ويتوكل سرًّا عليه ويدعوه أن يعصمه من الزلل ويوفقه لما يرضيه.
ولا يكره القضاء في المسجد، ويبدأ بالأول فالأول، ويعدل بين الخصمين في لحظه ولفظه والدخول عليه، ويحضر مجلسه الفقهاء ويشاورهم.
ولا يقضي وهو غضبان ولا حاقن ولا في شدة الجوع والعطش والهم والوجع والبرد المؤلم والحر المزعج والنعاس. ولا يحل له أن يرتشي، ولا يقبل هدية إلا ممن كان يهاديه قبل ولايته بشرط ألا يكون له حكومة، ويرد الرشوة والهدية إلى ربها، ويحتمل أن يجعلها في بيت المال لأنه لم يأمر ابن اللتبية أن يردها. قال أحمد: إذا أهدي البطريق لصاحب الجيش لم تكن له دون سائر الجيش. ويكره أن يتولى البيع والشراء بنفسه ويوكل فيه من لا يعلم أنه وكيله، وإن احتاج لم يكره لأن أبا بكر قصد السوق يتجر حتى فرضوا له([26]).
2- من آداب القاضي وما يجب عليه من الحكم بالشريعة واجتناب الجور والهوى
يستحب له القوة في أحكامه وأخلاقه وهيبته من غير عنف ولا كبر مع الحلم والتواضع والفطنة والذكاء والصبر والثبات والنزاهة والمحافظة على الصلوات في المساجد، وأن يكون قدوة حسنة في فعل الخير واجتناب الشر آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر مشجعًا وسندًا لأصحاب الحسبة عارفًا بأحكام من قبله ذا فراسة وخبرة بأحوال الناس ليعرف صدق الصادق وكذب الكاذب والمستقيم من الأعوج، معطيًا المقام حقه من العناية والاهتمام والاجتهاد.
ويجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسهما أمامه وسماعه منهما والتسوية بينهما في القيام والمصافحة، ويحرم جوره في الحكم واتباع الهوى وميله وتخصيصه بالكلام والمصافحة والمسارة وتلقين الحجة لأحد الخصمين دون الآخر وإهانتهما واحتقارهما والتنكر لهما والعجلة في الحكم وعدم التثبت فيه فيروج عليه الكذب والخداع.
وإن حكم لأحدهما قبل سماع حجة الآخر فحكمه باطل كالحكم المخالف لنص الكتاب أو السنة أو الإجماع، والحكم على الحاضر في البلد الغائب عن مجلس القضاء وإذا تبين له الحكم الشرعي حكم به في مجلس واحد أو مجلسين ونحو ذلك بلا إطالة للدعوى كفعل السلف في حسم الدعوى وإنهائها بالحكم الشرعي في الحال مع بيان الحكم وإثباته بالبينات والاستفاضة والإقرار والنكول ونحو ذلك مما يأتي.
ويحرم القضاء مع الغضب الشديد والعطش والمرض والنعاس الكثير والاحتقان ونحو ذلك فإن حكم وأصاب الحق نفذ حكمه وإلا فلا، ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود وله تفريقهم عند سماع الشهادة إذا شك في صدقهم وتحليفهم([27]).
(ومن كتاب الطرق الحكمية) لابن القيم رحمه الله
(أ) يعمل بالقرائن القوية وتقدم على الأصل إذا قويت ورجحت ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا، وذكر لهذا أمثلة كثيرة.
(ب) الحكم نوعان: إثبات وإلزام، فالإثبات يعتمد الصدق والإلزام يعتمد العدل }وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا{([28]) وكلا القسمين له طرق متعددة:
1- اليد المجردة.
2- الإنكار المجرد.
3- اليد مع يمين صاحبها.
4- الحكم بالنكول وحده.
5- أو به مع رد اليمين.
6- التحليف إما للمدعي.
7- أو للمدعى عليه أو للشاهد.
8- الحكم بالرجل الواحد والمرأتين.
9- الحكم بالنكول مع الشاهد الواحد.
10- الحكم بشهادة المرأتين ويمين المدعي في الأموال.
11- الحكم بشهادة امرأتين فقط من غير يمين.
12- الحكم بثلاثة رجال.
13- الحكم بأربعة رجال أحرار.
14- الحكم بشهادة العبد والأمة في كل ما يقبل فيه شهادة الحر والحرة.
15- الحكم بشهادة الصبيان المميزين.
16- الحكم بشهادة الفساق.
17- الحكم بشهادة الكافر.
18- الحكم بالإقرار.
19- الحكم بالتواتر.
20- الحكم بالاستفاضة.
21- الحكم بالأخبار آحادا بدون شهادة.
22- الحكم بالقافة، وذكر مواضع هذه الطرق وتفاصيلها وأدلتها واختلاف أهل العلم حتى استوعبت جمهور الكتاب رحمه الله ورضي عنه وقدس روحه.
أقسام المشهود عليه
1. ما لا يقبل فيه إلا أربعة شهود عدول يصرحون برؤيتهم له وهو الزنا واللواط.
2. ما لا يقبل فيه إلا ثلاثة رجال وهو من عرف بغنى إذا ادعى أنه فقير ليأخذ من الزكاة.
3. ما لا يكفي فيه إلا رجلان عدلان كالحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة.
4. ما يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعي وهو المال وما يقصد به المال.
5. ما يقبل فيه شهادة امرأة عدل وهو ما لا يطلع عليه الرجال غالبا من عيوب النساء والرضاع والجراحات التي لا يحضرها إلا النساء.
6. ما يقبل فيه شهادة الكفار كالوصية في السفر إذا تعذر وجود غيرهم([29]).
من مختصر النظم" لابن عبد القوي([30]):
وكن عالمًا أن القضاة ثلاثة | فقاض قمين بالنعيم المخلد | |
وذلك من بالحق أصبح عالمًا | فيعدل في حكم القضاء فيهتدى | |
وقاض بحكم الحق أصبح عالمًا | ولكنه فيه يجور ويعتدي | |
وآخر يقضي جاهلا فكلاهما | له النار في نص الحديث المسند | |
وكل جهول بالقضاء فإنه | حرام عليه فليحذر ويوعد | |
فخذ في سبيل للسلامة واجتنب | تولي القضاء واحفظ لنفسك وارتد | |
فكل ولايات الأنام ندامة | سوى من وقى الله المهيمن في غد | |
وحسب الفتى يبغي السلامة آخرا | سؤال عن المرعي فافقه تسدد | |
أما عمر الحبر المسدد قائلا | ألا ليتني أنجو كفافا من الردى | |
وكن عالما إن القضاء فضيلة | وأجر عظيم للمحق المؤيد | |
لأمر بمعروف وكشف ظلامة | وإصلاح ذات البين مع زجر معتد | |
إذا بذل الجهد المحق إن يصب يفز | بأجرين والمخطئ له واحد قد | |
ولا بد من قاض لفصل خصومة | مع الخطر البادي العظيم المشدد | |
ومع ذلكم فالحكم فرض كفاية | وعين إذا لم يجتهد غير مفرد | |
وفي كل إقليم على ذي إمامة | إقامة قاض خير أهل التقلد | |
ويكتب عهدا بالولاية آمرا | بكل خصال الخير للمتقلد | |
وإن صريح اللفظ وليتك القضا | (وقلدتك احكم والذي شبهه زد) | |
ولكن تعميم الولاية جائز | وتخصيصها في حكم أو بقعة قد | |
ومن لعموم الحكم قد ولى يستفد | بذلك عشرا من خصال فعدد | |
فمن ذاك تخليص الحقوق وفصله | الخصومات ثم الحجر للسفه اعدد | |
وللفلس المستوجب الحجر ربه | وتزويج ربات الولي المفقد | |
ويلزم أهل الوقف حكم شروطه | وينظر في أموال غير المرشد | |
ويملك تنفيذ الوصايا بحقها | وام الورى في كل ذات تحشد | |
وكف الأذى فيما تولاه مطلقًا | كذاك إقامات الحدود ليحدد | |
ويشرط في والي القضا مع ذكورة | بلوغ وعقل ثم حر ومهتد | |
سميع بصير ناطق ذو عدالة | ومجتهد لا كاتب في المجود | |
وقد يكتفي في وقتنا ذا ضرورة | بمجتهد في مذهب بل مقلد | |
وإن يحتكم شخصان للأهل للقضا | بحكم ينفذ حكمه كالمقلد |
آداب القاضي
ويشرع للقاضي توسط حالة الفتى | في الرضا والسخط غير مشدد | |
قوي بلطف لين غير عاجز | حليم يعوض بالتأني مرتدي | |
طليق المحيا لا عبوس منفر | ولكن مهيب لا يمازح بالدد | |
فلا ييئس الضعفا من الحق عنده | ولا يطمع العادي لديه فيعتدي | |
عفيف صدوق اللفظ والوعد ناقد | الطباع بعيد الغوص في كل مقصد | |
أخو فطنة لا ينفق الزور عنده | يشاور ذوي الألباب عند التعقد | |
عليم بلحن اللفظ من لغة الأولى | تولى عليهم ذو غنى عن مرشد | |
ولما يخف في الله لومة لائم | يساوي أولي قرباه بالمتبعد | |
صيح بصير بالأمور مجرب | فليس بمخدوع يغرر بالردى | |
ويسأل توفيقًا من الله للهدى | وعونًا وفي مأوى فسيح ليقعد | |
ولا تتخذ في مجلس الحكم حاجبًا | وبالأسبق ابدأ في محاكمة قد | |
ويلزم للخصمين عدلك بينهم | بلحظ ولفظ والدخول ومقعد | |
وندب له إخضار مجلس حكمه | من الفقها المفتين كل مرشد |
فصل
(وحظر على الغضبان والجائع القضا) | وشبههما من شاغل الذهن مكمد | |
فإن يقض مع وجدان شاغل ذهنه | فوافق حقا أمضه في المجود | |
وحظر عليه الارتشا وقبوله | هدية شخص ليس بالمتعود | |
مهاداته قبل القضا لا هدية | المعود للإهداء قبل التقلد | |
إذا هو لم يبغ الحكومة والرشا | لمالكها اردد قيل بل فيئا اعدد | |
ويحرم أن ترشو لتحصيل باطل | وأما لدفع الظلم فارش لتفتدي | |
وندب له أن ليس يحكم مطلقًا | بأمر أتى إلا بحضرة شهد | |
ومن يدعي حقًّا على دنف أو المخـ | ـدرة الحسناء توكل وتقعد | |
فإن وجبت للخصم حلفتها ابعثن. | إليها أمينًا محلفًا مع شهد | |
وكالرجل اجعل في القضا كل برزة([31]) | لحاجتها تبدو الفتاة وتفتدي |
واجبات أهل العلم فيما بينهم وفيما يتعلق بالناس([32])
أما الواجب على أهل العلم من العلماء الكبار ومن دونهم، والطلبة فيما بينهم: فعلى كل منهم أن يحب للآخر ما يحب لنفسه، وهذا واجب عمومي على جميع المسلمين، لكن أهل العلم عليهم من هذا الحق أعظم مما على غيرهم لما تميزوا به، ولما خصهم الله به، وعلى كل منهم أن يدين لله ويتقرب إليه بمحبته جميع أهل العلم والدين، فإن هذا الحب من أعظم ما يقرب إلى الله ومن أكبر الطاعات، وهذا الحب يتبع ما اتصف به الإنسان من الأمور التي يحبها الله ورسوله من العلم والاشتغال به والعمل فإن نفس الاشتغال بالعلوم الشرعية وتوابعها من أجل الطاعات، ثم حصول العلم للشخص هو من الأوصاف التي يحب لأجلها، ثم تعليمه للناس وعمله مما يجب أن يحب عليه، فكل هذه الأمور موجودة في أهل العلم، فلهم من الحق على أهل العلم وعلى غيرهم، وأن يميزوا بهذا عن غيرهم لما لهم من المميزات، وإذا عثر أحدهم وغلط في مسألة علمية تعين ستر ما صدر منه ونصيحته بالتي هي أحسن.
ومن أعظم المحرمات وأشنع المفاسد إشاعة عثراتهم والقدح فيهم وفي غلطاتهم، وأقبح من هذا إهدار محاسنهم عند وجود شيء من ذلك، وربما يكون -وهو الواقع كثيرًا- أن الغلطات التي صدرت منهم لهم فيها تأويل سائغ ولهم اجتهادهم فيه معذورون والقادح فيهم غير معذور، وبهذا وأشباهه يظهر لك الفرق بين أهل العلم الناصحين والمنتسبين للعلم من أهل البغي والحسد والمعتدين، فإن أهل العلم الحقيقي قصدهم التعاون على البر والتقوى؛ والسعي في إعانة بعضهم بعضا في كل ما عاد إلى هذا الأمر، وستر عورات المسلمين وعدم إشاعة غلطاتهم والحرص على تنبيههم بكل ممكن من الوسائل النافعة، والذب عن أعراض أهل العلم والدين؛ ولا ريب أن هذا من أفضل القربات، ثم لو فرض أن ما أخطؤوا أو عثروا ليس لهم فيه تأويل ولا عذر، لم يكن من الحق والإنصاف أن تهدر المحاسن وتمحى حقوقهم الواجبة بهذا الشيء اليسير كما هو دأب أهل البغي والعدوان، فإن هذا ضرره كبير وفساده مستطير، أي عالم لم يخطئ وأي حكيم لم يعثر([33])
وقد علمت نصوص الكتاب والسنة التي فيها الحث على المحبة والائتلاف والتحذير من التفرق والاختلاف، وأعظم من يوجه إليهم هذا الأمر أهل العلم والدين، فمتى لزموا هذه الأوامر الشرعية الحكمية تبعهم الناس واستقامت الأحوال، ومتى أخلوا بذلك وحل محله البغي والحسد والتباغض والتدابر تبعهم الناس وصاروا أحزابا وشيعا، وصارت الأمور في أطوار التغالب وطلب الانتصار ولو بالباطل، ولم يقفوا على حد محدود، فتفاقم الشر وعظم الخطر وصار المتولي لكبرها من كان يرجى منهم قبل ذلك أن يكونوا أول قامع للشر، وإذا تأملت الواقع رأيت أكثر الأمور على هذا الوجه المحزن.
ولكنه مع ذلك يوجد أفراد من أهل العلم والدين ثابتين على الحق قائمين بالحقوق الواجبة والمستحبة، صابرين على ما نالهم في هذا السبيل من قدح القادح واعتراض المعترض وعدوان المعتدين، فتجدهم متقربين إلى الله بمحبة أهل العلم والدين جاعلين محاسنهم وآثارهم وتعليمهم ونفعهم نصب أعينهم، قد أحبوهم لما اتصفوا به وقاموا به من هذه المنافع العظيمة غير مبالين بما جاء منهم إليهم من القدح والاعتراض؛ حاملين ذلك على التأويلات المتنوعة ومقيمين لهم الأعذار الممكنة، وما لم يمكنهم مما نالهم منهم أن يجدوا له محملاً عاملوا الله فيهم، فعفوا عنهم الله، راجين أن يكون أجرهم على الله، وعفوا عنهم لما لهم من الحق الذي هو أكبر شفيع لهم، فإن عجزوا عن هذه الدرجة العالية التي لا يكاد يصل إليها إلا الواحد بعد الواحد نزلوا إلى درجة الإنصاف، وهو اعتبار ما لهم من المحاسن ومقابلتها بالإساءة الصادرة منهم إليهم، ووازنوا بين هذه وهذه، فلا بد أن يجدوا جانب الإحسان أرجح من جانب الإساءة أو متساويين أو ترجح الإساءة، وعلى كل حال من هذه الاحتمالات فيعتبرون ما لهم وما عليهم.
وأما من نزل عن درجة الإنصاف فهو بلا شك ظالم ضار لنفسه تارك من الواجبات عليه بمقدار ما تعدى فيه من الظلم، فهذه المراتب الثلاث: مرتبة الكمال ومرتبة الإنصاف ومرتبة الظلم تميز كل أحوال أهل العلم ومقاديرهم ودرجاتهم ومن هو القائم بالحقوق ومن هو تارك، والله تعالى هو المعين الموفق.
وأما واجب أهل العلم المتعلق بالخلق: فإن مهمتهم أعظم المهمات وعليهم من القيام بالحقوق أضعاف ما على غيرهم، فإن الله أوجب على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه، فيعلمون الجاهلين وينصحون، ويعظون ويذكرون، ويصدعون بأمر الله، ويظهرون دين الله، فكما أمر الله الجهال أن يتعلموا فقد أمر أهل العلم أن يعلموا الناس على اختلاف طبقاتهم، وأن يحنوا عليهم ويعلموهم مما علمهم الله. قال تعالى: }وإذ أخذ الله ميثاق الذين أتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه{ الآية([34])، وقال تعالى: }ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون{([35]) وأمر بالتبليغ والتذكير في عدة آيات. وقال ﷺ: "بلغوا عني ولو آية"([36]) وذم الله الكاتمين للحق في عدة آيات. وأكثر الشرائع الظاهرة والباطنة لا يمكن قيامها ولا العمل بها إلا بتعليم أهل العلم وتذكيرهم بكل وسيلة وبكل طريق ومناسبة.
ما أمر الله الجهال والمسترشدين أن يتعلموا حتى أمر أهل العلم أن يرشدوا ويعلموا.
التعليم له طرق كثيرة سوى طرق التعليم في المدارس على اختلاف أنواعها، وسوى طرق تعليم الطلبة المستعدين للتعلم في أوقات مرتبة وعلى طرائق مختلفة. وهؤلاء المتعلمون هم المستعدون للترقي في العلم بحسب ما يسر الله لم من طرق التعليم النافعة بحسب قرائحهم وأذهانهم، وهم الذين يرجى أن يبلغوا مبلغا يكونون المرجوع إليهم، وأن يكونوا معلمين بعد ما كانوا متعلمين.
وليس المقصود هنا شرح حالة التعليم في المدارس وتعليم الطلبة المستعدين وكيفية ذلك فإن لها محلاً غير هذا، وإنما المقصود والوسائل والطرق الأخرى التي يجب على أهل العلم أن يسلكوها في إيصال العلم إلى الناس على اختلاف طبقاتهم ورفع الجهل بحسب الإمكان، فمنها إلقاء العلوم في المساجد، وينبغي أن يلقى إليهم من العلوم ما يكون فهمه أقرب إلى أذهانهم، وأن يكون أهم الأشياء وأنفعها، وتكون بعبارات مناسبة لأذهان السامعين، وأن يلقى في كل موسم ومناسبة ما يليق ويتعلق به فإن فهم الأشياء الحاضرة أقرب وأشوق للأذهان من أن تكون بغير وقتها. وكذلك ينبغي أن يفهموا تدخيل الصور والتفاصيل الموجودة التي يعرفونها ويعرفون وقوعها، يبين لهم موضعها ومحلها من العلم. وهل هي محبوبة للشارع أو مكروهة، وما الطريق إلى تحصيل المحبوب وإلى دفع المكروه أو تخفيفه؛ وأن تطبق الأمور الواقعية على القواعد الشرعية حتى يتم فهمها. فإن أكثر السامعين إذا ألقيت عليهم المسائل الشرعية مجردة عن بيان الأمور الواقعة لا يدرون عن دخولها أو خروجها.
وكذلك ينبغي إلقاء العلوم النافعة في النوادي الكبار والصغار وفي المجامع التي يجتمع فيها أهل العلم بالعوام؛ إما بإلقاء أمور تخف عليهم ولا يستثقلونها إذا رأى أذهانهم قابلة وقلوبهم مصغية، وأما إذا حصل مناسبة عند المخاطبات بين الناس فإنهم يخوضون في كل حديث وكل موضوع دنيوي، وقل موضوع منها إلا ويجد العالم البصير موضعا ومحلا لإلقاء ولو بعض المسائل، فبيان القليل خير من الترك بالكلية، والعالم الحاذق يتمكن أن يجري مع العوام في أحاديثهم العادية، ويلقى ما شاء الله من المسائل التي تنفعهم في أثناء تلك الأحاديث والناصح لنفسه ولغيره يحصل في هذا خيرًا كثير.
ومن ذلك أيضًا النصائح الخاصة بالأشخاص باختلاف رتبهم، من رآه مقصرًا في واجب من واجبات الله وحقوق الخلق، نصحه سرا وعلمه الواجب وكيفية سلوكه، والفوائد والثمرات المترتبة على فعله. ومن رآه متجرئًا على محرم متعمدًا أو جاهلاً نصحه ووعظه وبين له الوجهة التي يجب عليه سلوكها في ترك ذلك المحرم وما لتاركه من الخير والثواب وما على فاعله من الوزر والعقاب، ولا يحقر صغيرًا ولا كبيرًا ولا شريفًا ولا وضيعًا، فكم حصل بهذه الطريقة من تعليم للجاهلين وإرشاد للغافلين، وتوجيه للخير للمعرضين أو المعارضين.
وأولى من على العالم تعليمه ونصحه وإرشاده بكل وسيلة مناسبة وطريقة ناجحة: الأهل والأولاد والأقارب والأصحاب والمعاملون والخلطاء فكما أن حقوق هؤلاء مقدمة على غيرهم، فأحق الحقوق وأولاها التعليم والنصح، والإرشاد التوجيه للأمور النافعة والتحذير من الأمور الضارة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
إذا وفق من عنده علم لهذه الأمور التي ذكرناها بحسب اقتداره لم يزل يغنم من الخيرات والثواب من الله كلما تسلسل نفعه وعمل بإرشاده ثم ما ترتب على هذه الأعمال من الدعوات المستجابات ممن انتفعوا بإرشاده ونصائحه، فكم شاهدنا وشاهد غيرنا ممن وفقوا للقيام بشكر من أحسن إليهم بعض هذه الأمور من التشكرات والدعوات المتكررة كلما تذكروا نصائحه القيمة وإرشاده النافع، وهذه أمور لا يستهان بها، وإني أذكر كثيرًا من الإرشادات التي وصلتني وأتحفني بها بعض إخواني ومشائخي الموجودين والمفقودين، وبعضهم من أعوام لا تقل عن خمس وأربعين سنة، كلما ذكرتها واستحضرت نفعها لي ولغيري، عرفت سعة فضل الله على أولئك المرشدين؛ وأن نفس إرشادهم من أجل العبادات ثم ما ترتب على آثارها عبادات متسلسلة، فجزى الله من وصل إلينا إحسانه القليل والكثير أفضل الجزاء، وتقبل الله سعيهم وضاعف لهم الأجور ونحمد الذي أوصل إلينا على أيديهم من الخير والفضل حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا لا يعد ولا يحصى، فإنه تعالى المنعم المطلق على الجميع، أنعم بالأسباب ومسبباتها، ونسأله أن يتم نعمه على الجميع، }رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذرتي إني تبت إليك وإني من المسلمين{([37])، وأوزعني أن أشكر المحسنين والمرشدين ومن انتفعت بهم مشافهة أو مكاتبة، أو استفدت من كتبهم، فإن شكرهم من شكره، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي يسر جمع هذه الرسالة المختصرة التي أرجو أن يكون فيها فائدة لإخواني القضاة ودلالة لهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وبما أن هذه الرسالة المختصرة لا تفي بالمطلوب فإنني أحيل القاضي الكريم لقراءة كل من الكتب التالية التي من المهم له الاطلاع عليها والاستفادة منها ويسرني أن أنقل له في هذه الرسالة فهارسها وهي:
1- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم.
2- أقضية الرسول ﷺ وأحكامه في الجزء الخامس من كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن القيم المتوفى سنة 751 هـ، بتحقيق الأرنؤوط. كما ينصح بالقراءة في كتاب (إعلام الموقعين) لابن القيم.
3- أقضية الرسول ﷺ للشيخ محمد بن فرج المالكي المعروف بابن الطلاع المتوفى سنة 497 هـ. بتحقيق الدكتور ضياء الرحمن الأعظمي.
رحمهم الله وغفر لنا ولهم ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمته وهو أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
([1]) كما ضم إلى هذه الرسالة كلمة مفيدة جامعة للشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله بعنوان "واجبات أهل العلم فيما بينهم وفيما يتعلق بالناس".
([2]) سورة المائدة: آية 2.
([3]) سورة فصلت: آية 33.
([4]) سورة يوسف: آية 108.
([5]) رواه مسلم.
([6]) سورة الأنفال: آية 29.
([7]) سورة الطلاق: آية 2.
([8]) سورة الطلاق: آية 4.
([9]) سورة الحديد: آية 28.
([10]) سورة البقرة: آية 32.
([11]) سورة طه: آية 25- 27.
([12]) رواه مسلم.
([13]) أي هبوط يشير إلى حديث ضعيف خرجه العقيلي وقال حديث غير محفوظ [انظر شرح الجامع الصغير 6/ 88].
([14]) انظر "إعلام الموقعين" لابن القيم 4/ 199.
([15]) سورة آل عمران: آية 77.
([16]) رواه الترمذي والدارقطني والبيهقي وهو حديث ضعيف.
([17]) انظر "تفسير بن كثير" 4/ 30، و"جامع العلوم الحكم" لابن رجب ص 274.
([18]) من محاسن الدين على متن الأربعين ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن مبارك رحمه الله ص 431- 432. وانظر جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 272.
([19]) من القواعد والأصول الجامعة للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 42- 43.
([20]) سورة ص: آية 20.
([21]) مختصر الكلام على بلوغ المرام ص 334. وانظر شرح كتاب عمر بن الخطاب في القضاء إلى أبي موسى الأشعري في كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم: (1/ 85- 104و 2/ 1- 164).
([22]) من مختصر الكلام على بلوغ المرام ضمن المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن عبد العزيز بن مبارك رحمه الله تعالى ص 345- 347.
([23]) خلاصة الكلام على شرح عمدة الأحكام للشيخ فيصل بن مبارك ص 359.
([24]) مختصر الكلام على بلوغ المرام للشيخ فيصل بن مبارك ص 349.
([25]) من كتاب بهجة قلوب الأبرار لابن سعدي ص 173 حديث رقم 93.
([26]) من مختصر الإنصاف والشرح الكبير للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ص 491.
([27]) من كتاب العمدة في فقه الشريعة الإسلامية للشيخ أحمد بن عبد الرحمن القاسم ص 228.
([28]) سورة الأنعام: آية 115.
([29]) القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص 152- 153.
([30]) مختصر نظم بن عبد القوي ص 225- 227 لابن معمر.
([31]) قال في "المصباح" 1/ 50 امرأة (برزة) عفيفة تبرز للرجال وتتحدث معهم وهي المرأة التي أسنت وخرجت عن حد المحجوبات.
([32]) انظر من كتاب «الرياض الناضرة» للشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله ص 98- 106.
([33]) انظر رسالة "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
([34]) سورة آل عمران: آية 187.
([35]) سورة آل عمران: آية 79.
([36]) رواه البخاري.
([37]) سورة الأحقاف: آية 15.