المختارات الجلية من المسائل الفقهية
التصنيفات
الوصف المفصل
- المختارات
الجلية من المسائل الفقهية
- صور المخطوطات
- النص المحقق
- مقدمة
- كتاب الطهارة
- ومن باب الآنية والاستنجاء والسواك
- ومن باب الوضوء ومسح الخفين] ونواقض الوضوء [
- ومن باب الغسل والتيمم وإزالة النجاسة
- ومن باب الحيض والنفاس
- ومن كتاب الصلاة
- [ كتاب الجنائز ]
- ومن كتاب الزكاة
- ومن كتاب الصيام [ والاعتكاف ] ([128])
- ومن كتاب المناسك
- ومن باب الأضحية والعقيقة
- من الجهاد
- ومن البيوع
- ومن باب القرض والرهن والضمان والكفالة وغيرها
- ومن أبواب الصلح وغيرها
- ومن أبواب الشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة والإجارة (والجعالة)([182]) ونحوها
- ومن باب الغصب وغيره
- ومن كتاب الوقف والهبة
- ومن كتاب الفرائض
- ومن باب النكاح وتوابعه
- ومن كتاب النفقات وغيرها
- ومن كتاب الجنايات
- ومن كتاب الحدود وغيرها
- ومن باب الصيد والذبائح
- ومن باب الأيمان والنذور
- ومن كتاب القضاء والشهادات وغير ذلك
المختارات الجلية من المسائل الفقهية
تأليف
الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله تعالى (1307هـ - 1376هـ)
اعتنى به
ماهر بن عبد العزيز الشبل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً, أما بعد:
فللشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله نفسه الفقهي العالي, الذي يعتمد على دلائل الكتاب والسنة وعلى التعليل والنظر الصحيح, فهو وإن اشتهر بالتفسير إلا أنه فقيه مبرز ومتفنن في علوم الشريعة كلها, ومن أبرز كتبه الفقهية كتابي (الإرشاد إلى معرفة الأحكام) و (المختارت الجلية من المسائل الفقهية), يتميز الأول بأنه كتاب ابتدأه المؤلف ولم يجعله متعلقاً بكتاب آخر, فلم يتقيد بألفاظ محددة ولا بأقوال مذهب معين, بل كان يقرر فيه آراء هو اختياراته الفقهية ابتداءً على صيغة سؤال وجواب. أما الثاني – وهو هذا الكتاب – فيمكن إجمال أبرز مزاياه في النقاط التالية:
1- أنه متعلق بأشهر الكتب المتداولة لدى متأخري الحنابلــة
( الروض المربع شرح زاد المستقنع) فقد جعله كالحاشية والتعليق عليه لبيان آرائه واختياراته الفقهية, إلا أن الكتاب ليس مختصاً بنقد أقوال المذهب, لكن هذا هو الغالب عليه, فأحياناً يبين وجه الدليل في المسألة, وفي أخر يؤكد رجحان قول المذهب على غيره, ونحوها من التعليقات.
2- أن حاشيته هذه ليست كبقية الحواشي التي تعتني بالتوضيح أو الاستدراك اللفظي أو الوقوف على دقائق المسائل ونحوها, بل هي حاشية لبيان الراجح من الأقوال.
3- ظهور نفسه الفقهي والأصولي في هذا الكتاب عبر نقد بعض الآراء, وبيان عدم الفرق بين بعض النظائر, وإبطال بعض التعليلات, وغيرها.
4- حضور القواعد الأصولية والفقهية وتطبيقها على مسائل الفقه, ومحاكمة الأقوال إليها.
5- بروز جانب نقد المتون الحديثية, سواءً في مخالفتها لما هو أصح منها من الأحاديث, أو لمعارضتها أصلاً شرعياً متقرراً, أو غير ذلك.
6- ارتباط منهجه بمنهج شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وترجيحه لأقوال هو اختياراته في كثير من المسائل.
7- الوضوح والاختصار في الترجيح والنقاش.
ومما ينبه إليه أن المؤلف رحمه الله لم يلتزم ذكر جميع المسائل التي يخالف فيها صاحب كتاب (الروض المربع) إذ قد توجد مسائل لم ينبه عليها وهو يخالفها, وتوجد مسائل ذكرها ليستفي (الروض المربع) وتوجد في كتب المذاهب الأخرى.
وحين رأيت الكتاب بهذا القدر ولم يحظ بالعناية اللائقة به استعنت بالله سبحانه في القيام بتحقيقه على نسخته الخطية, وهي بخط المؤلف, وعليها تصويبات يسيرة جداً بخط تلميذيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ عبد الله بن عبد العزيز العقيل رحمهما الله.
والجدير بالذكر أن التسمية المشهورة للكتاب ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) ليست من وضع المؤلف، وإنما هي من وضع تلميذه الشيخ محمد العثيمين رحمه الله،كما يظهر ذلك في صورة عنوان المخطوطة،حيث كتب الشيخ محمد بخطه : ((سميناه المختارات الجلية من المسائل الفقهية))،وإنما الاسم الذي وضعه له مؤلفه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله هو: ((حاشية واستدراك على شرح مختصر المقنع))،ولعل تسمية الشيخ محمد العثيمين رحمه الله للكتاب بـ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) أخذٌ من قول المؤلف رحمه الله في بداية كتابه: ((على وجه يتَّضح به ما نختاره و نصححه من المسائل الفقهية)).
وقد كان عملي في الكتاب ما يلي:
1- نسخ المخطوط، مع العناية بعلامات الترقيم وضبط ما يُشْكِل.
2- عزو الآيات القرآنية.
3 - تخريج الأحاديث بذكر مصدر الحديث مع رقمه، فإن كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بذلك، وإلا خرجته من مسند الإمام أحمد والسنن الأربعة، فإن لم يكن في هذه المراجع اكتفيت بمصدر واحد، دون التعرض لدرجة الحديث، إلا إذا أشار الشيخ إلى تضعيفه أو تردد في درجته فأحيل في الحاشية لبعض المراجع الإضافية.
4- عزو الأقوال والنقول إلى مواضعها.
5 - بما أن الكتاب يُعد كالحاشية على (الروض المربع شرح زاد المستقنع) فقد اعتنيت بربط الكتاب (المختارات الجلية) بـ (الروض المربع) من خلال ذكر موضع كل مسألة يعلق عليها المؤلف في مكانها المناسب من (الروض المربع) فوضعت رقماً تسلسلياً لكل مسألة من أول الكتاب إلى آخره, وبينت في الحاشية موضع كل مسألة من (الروض المربع).
وفي الغالب أن المسألة تكون واضحة ولا يحتاج إلى الرجوع للروض المربع إلا أن بعض المسائل لا تتضح ولا يتبين الترجيح فيها إلا بالرجوع إلى (الروض المربع) فنقلت في الحاشية أصل المسألة ليتضحا لمراد.
7 - كان اعتمادي في العزو إلى (الروض المربع) على حاشية الشيخ عبد الرحمن بن قاسم النجدي رحمه الله،حيث إنها هي المعتمدة والمتداولة.
8 - ما كان بين معقوفين،هكذا [ ] فهو من زيادتي، في العناوين وغيرها. أما تصويبات الشيخ محمد العثيمين رحمه الله،أو الشيخ عبد الله العقيل رحمه الله،فقد بينتها في الحاشية.
هذا وأرجو أن أكون قد وُفِّقْتُ في تصحيح الكتاب وإخراجه إخراجاً لائقاً كما يليق به ويريده مؤلفه،رحمة الله عليه.
وفي الختام أحمد الله تعالى على إتمام هذا العمل وإنجازه، وأشكر الأخ العزيز: مساعد بن عبد الله السعدي – حفيد المؤلف – الذي تفضل بتسليمي النسخة الخطية من الكتاب، وكذلك أشكر فضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان، وفضيلة الشيخ: أ.د. سامي بن محمد الصقير،حيث عرضت عليهما الكتاب، وأفدت من ملاحظاتهما, وأشكر كل من أعانني على إخراج الكتاب وتصحيحه, فأسأل الله جل وعلا أن يجزي الجميع عني خيراً، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
ماهر بن عبد العزيز الشـبل
26/8/1431هـ
صور المخطوطات
صور عنوان المخطوطة
صورة الصفحة الأولى من المخطوطة صورة الصفحة الأخيرة من المخطوطة
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ونسأله تعالى أن يعينَنا على إخلاص العمل له، وأن يقيم قلوبنا، ويسدد ألسنتنا.
أما بعد :
فإنه قد تكرر السؤال من بعض الأصحاب على وضع كتاب في فقه أصحابنا من الحنابلة، على وجه يتَّضح به ما نختاره ونصححه من المسائل الفقهية، ونشير إلى شيءٍ من مآخذها وأدلتها، فلم تمكني فرصة لأداء هذا المطلب، ومضى على هذا مدة طويلة، فعرفت أن الوفاء ببعض المقصود أوْلى من تفويت جميعه، ورأيت أيضاً أنه يصعب عليَّ جمع كتاب يحتوي على جميع المسائل؛ مثل: «الإقناع» ، و «المنتهى» ، و «المقنع» ، وما تفرع عنها، مع قلة الحاجة إلى كتاب في هذا الموضوع؛ إذ كُتب الأصحاب كفيلة بهذا المطلب.
لكن لمَّا كان كثير من الطلبة في هذه الأوقات قد انفتح لهم باب الاستدلال، ورأوا لزومَ ذلك وفائدته ومصلحته، وكان الغالب على مسائل هذه الكتب المذكورة- ولله الحمد- موافقتها للراجح والصحيح، وأدلتها واضحة، ويوجد في كثير من الأبواب بعض مسائل قد يكون الراجح غيرها، وقد تكرر مرورها، أو مرور بعضها في المباحثة والتعلم والتعليم، فكان من المصلحة المهمة جداً تقييد مثل هذه المسائل.
فلذلك أحببت تقييد ما تيسر منها، ورأيت شرح مختصر «المقنع» للشيخ منصور البُهوتي أكثرَها استعمالاً، وأنفعها للطلبة في هذه الأوقات، فأحببت أن أجعل هذا التعليق كالاستدراك عليه ، والتنبيه على ما ذكره خصوصاً، ليكون تنبيهاً على غيره من كتب الأصحاب عموماً.
واللهَ تعالى أسأله وأرجوه أن يجعل عملنا خالصاً لوجهه، موافقاً لمرضاته، مثمراً للبركة، والنفع الخاص والعام، إنه جواد كريم، وصلَّى الله على محمد وسلم تسليماً كثيراً.
مقدمة
اعلم : أنه يتعيَّن على طالب العلم أن يسعى بجهده لتحصيل ما يحتاجه من العلم، وتشتد إليه ضرورته، مبتدئاً بالأهم فالأهم، قاصداً بذلك وجه الله، يعتقد أن درسه ومدارسته، وبحثه ومباحثته، ونظره ومناظرته، وتعلُّمه وتعليمه، طريقٌ يوصله إلى ربه، ويحتسب به ثوابه، ويُخرج به نَفْسه وغيره من ظلمة الجهل إلى نور العِلْم، ومن تَبِعَة الإعراض عن الواجب والمستحب إلى القيام بهما، وأن يعلم أن العلم المشروع هو ميراثٌ عن نبيه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، فليستكثر منه، لتتحققَ الوراثة النبوية، وأن يجتهد ويحرص في كل مسألة من مسائل الدين والأحكام على تصورها، وتحريرها وتفصيلها، وحدّها، وتفسيرها، ثم يسعى في إدراك ما بُنيت عليه من الدليل والتعليل الراجح لمعاني الكتاب والسُّنَّة وأصولهما، فإن العلم الحقيقي هو الجمع بين هذين الأمرين، والتحقق بهذين الأصلين بحسب القدرة والاستطاعة، فإذا فعل ذلك، وقصد ترجيح ما قام عليه الدليل من الأقوال المختلفة، فقد وُفِّق لسلوك طريق العلم، الذي من سلكه سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وكان سعيه مشكوراً، وخطؤه مغفوراً، وصوابه مضاعَفاً، وأجره موفوراً.
والله الموفق للخير.
كتاب الطهارة
[1] الصواب : أن الماء نوعان: طهور مطهِّر، ونجس منجِّس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغيُّر لأحد أوصافه بالنجاسات والأخباث، فما تغير لونه أو ريحه أو طعمه بنجاسة، فهو نجس منجِّس، وسواءٌ كان التغيُّر كثيراً أو قليلاً في محل التطهير أو في غيره؛ للَّون أو للريح أو للطعم، وسواءٌ كان ذلك بممازجةٍ أو بغير ممازجة.
وأما الماء الذي أصابته نجاسة، فلم تغيِّر أحدَ أوصافه فهو طَهور؛ لعدم الدليل الدال على نجاسته، ولدخوله في الطيبات، ولدخوله في العمومات. ومن باب أولى وأحرى إذا كان تغيره بشيءٍ طاهر، ولو غلب التغيُّر على أجزائه، وسواء كان يشق صون الماء عنه أم لا، فإن الصواب : أنه طهور مطهر، لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] ، وهذا ماء، وغيرها من العمومات. ولأن التعليل الذي ذكره الأصحاب في قولهم : «ليس بماء مطلق» ([1]) لا يصلح أن يكون دليلاً في مثل هذا الأمر. وتفريقهم بين ما تغيَّر بما يشق صوْن الماء عـنـه ومـا لا يـشـق ([2]) , أن الأول لا يـضـر، دون الـثـانـي، من الأدلـة عـلـى أن الـمـسـألة ضـعـيـفـة؛ لأنـه لو كـان الـمـانـع صـفـةً مـوجـودة فـي الـمـاء، لـم يـكن فـرق بـيـن الأمـريـن، وكـذلك تـفـريـقـهـم بـيـن مـا وضـع قـصـداً، أولا قصداً ([3])
من هذا الباب. وكذلك قولهم : «إن تغيُّره في مقره، أو ممره، أو في محل التطهر أو بالطين ونحوه لا يضره، وتغيره بغير ذلك يضر» ([4])كل هذا تفريق بين متماثلين، وهو يؤيد القول الصحيح: أن جميع ذلك طهور.
[2] وكذلك قولهم : «إن ما خلت فيه المرأة لطهارة الحدث الكاملة يُنهى الرجل عن استعماله في رفع الحدث، لا في إزالة النجاسة ولا ما خلت به لطهارة خَبَث» كل هذا تفريق ليس عليه دليل، ولذلك كان الصحيح : أن الماء الذي خلت به المرأة للطهارة كغيره من الماء، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ الماءَ لا يَجْنُبُ) ([5]),ولما علموا - رحمهم الله-ـ ضعف هذا القول، قالـوا : «يــستعمل هذا الماء عند الضرورة ويتيمَّم» ([6]).
ولا حاجة من فضل الله إلى هذا، بل هذا الماء طهور، لا مانع فيه ولا محذور، فلا يجوز التيمُّم إلا عند عدم الماء، أو تعذر استعماله، وهذا ماء، فيدخل في قوله: ]فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً[ [النساء: 43] ، كما هو داخلٌ قولاً واحداً في طهارة الخبث.
[3] ونظيره ما غمست فيه اليد بعد الاستيقاظ من نوم الليل:
الصحيح فيه : أنه طهور، لا مانعَ فيه؛ لأنه لم يتغير بشيء نجس، ولا قال الشارع: إنه طاهر غير مطهِّر، وإنما نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم المستيقظَ عن غمسها قبل غسلها ([7]) , وهذا من الآداب الشرعية، فالنهي مسلَّم، وأما كونه يدل على نجاسة الماء، أو كونه طاهراً غير مطهِّر، فليس فيــه
ما يدل على ذلك، ودلالته على التنجيس أقرب من دلالته على سلبه الطَّهورية فقط.
والمقصود : أن هذه المياه المذكورة كلُّها داخلةٌ في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] ، وقوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: 43] ، وغيرها من العمومات، ولم يرد نصٌّ صحيح صريح يخرجها عن هذا، فوجب بقاؤها على أصلها حتى يأتينا ما يرفع هذا، وهو تغير الماء بالنجاسة، فيدخل في قسم الخبيث النجس.
وأما الاستدلال بحديث القُلَّتين ([8])على تنجيس ما لم يبلُغْهما بمجرد الملاقاة، ولو لم يتغير، ففيه نظر من وجوه:
- أحدها: أنه مفهوم، والمفهوم لا عموم له، وتلك النصوص ألفاظ عامة.
- الثاني : أنه لا يقاومها في الصحة والصراحة على تقدير الاحتجاج به.
- الثالث : أنه صلّى الله عليه وسلّم أخبر بالحال الواقعة، وأنه إذا كان قلتين، فإنه لا يحمل الخبث، بل يضمحِلُّ الخبث فيه إذا صار فيه لكثرته. فمفهومه أنه إذا كان دون ذلك، فإن كان قليلاً، فإنه مظِنَّة لحمله الخبث، وهو تغير أحد أوصافه بالنجاسة، فإن وجدت هذه المظِنَّة رُتِّب عليها الحكم، وهو التنجيس، وإن لم توجد فالماء باقٍ على طهوريته.
- ورابعاً : فيه تنبيه وإشارة إلى أن العلة في التنجيس هو حمله الخَبَثَ، فوجب أن تكون هذه العلة هي الأصل في هذا الباب.
- وخامساً : أنه إذا كان المفهوم لا عمومَ له، بل يكفي فيه أن يعلم
أنه غير مساوٍ للمنطوق. فإذا حصلت المخالفة فيه في بعض الصور حصل المقصود، والصور التي تحصل فيها المخالفة فيه هو أنَّ كثيراً من صور القليل إذا خالطته نجاسة بان أثرها فيه، فحصل حمله للخبث، والله أعلم.
وعلى هذا القول الصحيح ينبني تطهير الماء النجس، وهو بشيء واحد: زوال تغيُّره بالنجاسة، فمتى زال تغير الماء النجس بنزْحٍ أو إضافة أو تتريب أو بنفسه، أو بغير ذلك، فإنه يطهُر. وعلى هذا أيضاً يقل الاشتباه في المياه؛ لأن الماء النجس يُعرف بتغير أحد أوصافه بالنجاسة، فيبعد أن يشتبه بالطهور، وعلى هذا القول الصحيح الذي نصرناه أن الماء نوعان: طهور، ونجس، لا يوجد الاشتباه بالطاهر غير المطهر؛ لأنه إذا كان لا ثبوت له، فكيف يحصل فيه الاشتباه؟ والله أعلم.
[4] ([9])والصحيح في اشتباه الثياب النجسة بالطاهرة، أو المحرمة بالمباحة : أنه يتحرى، ويصلي في ثوب واحدٍ صلاةً واحدةً؛ لأنه اتَّقى اللهَ ما استطاع، ولم يوجبِ اللهُ على العبد أن يصلي الصلاة مرتين أو أكثر، إلا إذا أخلَّ بالصلاة الأولى، وهذا لم يُخِلَّ، وإنما اشتبه عليه الأمر، فإذا اضطر إلى الصلاة في أحدها، كان مأموراً بذلك، بل واجباً عليه. ومن امتثل ما أمر به خرج من العهدة، وفي هذه الحال تكون النية مجتمعة، بخلاف ما إذا فرَّقها على كل ثوب بصلاة، فإنها تضعُف من حيث يظن العبد قوَّتَها، ويؤدي الصلاة على وجه لا يدري: هل هي فريضة أم لا؟ كما هو الواقع.
ومن باب الآنية والاستنجاء والسواك
[5] الصحيح : أن الدِّبَاغ مطهِّرٌ لجلد ميتة المأكول، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة والصريحة ([10]) , وعلى هذا تكون طاهرةً تستعمل في اليابسات والمائعات..
[6] والصحيح : أنه لا يُستحَبُّ المسح ولا النَّتْر، لعدم ثبوت الحديث في ذلك ([11]), ولأن ذلك يُحدث الوسواس..
[7] والصحيح : أنه لا يُكره استقبالُ النَّيِّرين وقتَ قضاء الحاجة. والتعليل الذي ذكروه، وهو : «لِمَا فيهما من نور الله تعالى» ([12]) , منقوض بسائر الكواكب، وعلة غير معتبَرة، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أتيتمُ الغائط، فلا تستقبلوا القبلةَ بغائط ولا بول، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا) "([13]) , صريح في عدم الكراهة؛ لأنه نهاهم عن استقبال القبلة واستدبارها، ولم ينهَهُم عن استقبال غيرها مـن الجهات، ولأن قولـه: (ولكن شَرِّقوا أو غَرِّبوا) ([14]).عامٌّ في كل وقت، وإذا شرَّق وقت طلوعهما استقبلهما، وإذا غرَّب عند ميلانِهما للغروب استقبلهما، فدل ذلك على أنه لا بأس بذلك، والله أعلم.
[8] والصحيح : أن السواك للصائم لا يُكره، لا قبل الزوال ولا بعده، بل محبوب له كلَّ وقت، كما في الحديث: (مِنْ خيرِ خِصالِ الصائِمِ السِّواكُ) ([15]) , وعموم الترغيب فيه، ومدحه، والأمر به للصلاة وغيرها يشمل الصائم كغيره، والحديث الذي أوردوه: (إذا صُمتُم، فاستاكوا بالغَداة، ولا تستاكوا بالعَشِيِّ) ([16])لم يثبُت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلا يُحتَجُّ به، وإنما مستنَد من كره السواك للصائم حديث: (خَلُوفُ فَمِ الصّائِمِ أطيَبُ عند الله مِنْ ريحِ المِسْكِ) ([17]).قالوا : والخَلُوف في الغالب يكون بعد نصف النهار، فتعلَّق الحكم به ([18]). وليس في هذا دليل على كراهة السواك، ولا تعرُّضٌ له، وإنما المقصود به الترغيبُ في الصيام، وأنه عند الله بهذه المنزلة العالية، ولا يدل على استحباب إبقاء الخلوف. وأيضاً، فقد يخلُف قبل الزوال، وربما أن بعض الصائمين لا يحصُل له خَلُوف أصلاً، فما الفارق للكراهة؟ والمقصود : أن هذا الوهم والاحتمال لا يزيل ما ثبت بالنصوص الصحيحة ولا يُخصِّصها، والله أعلم.
[9] واستحبابهم لقص الأظفار على وجه المخالفة فيه نظر، والأثر الذي يُروى فيه: «مَنْ قصَّ أظفاره مخالفاً لم يَرَ في عينيه رَمَداً» ([19])باطل، لا يُبنى عليه حكم شرعي، وإنما المستحبُّ التيامُن في كل شيء، كما ثبت به الحديث ([20]) , سوى الأشياء المستقذَرة، فإنها تُكرَّم اليمنى عن مباشرتها؛ كالاستنجاء والاستنثار، ونحو ذلك.
[10] والصحيح : أن الختان لا يجب على الأنثى، لعدم الأمر به في حقِّها، ولعدم المعنى الموجود في ختان الذَّكَر؛ لأنه يُتوصل به إلى كمال الطهارة، ولاتفاق المسلمين عليه في حق الذَّكَر، والله أعلم.
ومن باب الوضوء ومسح الخفين] ونواقض الوضوء [
[11] - الصحيح : أنه لا يُستحب مجاوزة محلِّ الفرض في طهارة الماء؛ لأن الله تعالى ذكر حد الوضوء إلى المرفقين، والكعبين، وكل الواصفين لوضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر أحدٌ منهم أنه فعل ذلك، ولا رغَّّب فيه، وإنما فهمه أبو هريرة رضي الله عنه من ترغيب النبي صلّى الله عليه وسلّم في الوضوء، حيث قال: (إن أُمَّتي يأتون غُرَّاً مُحَجَّلِين مِنْ آثارِ الوُضوءِ) ([21])، و (إنَّ الحِلْيةَ تَبلُغُ مِنَ المؤمن حيثُ يبلُغ الوُضوءُ) ([22]). ففَهِمَ من ذلك أنه يستحب إطالةُ التحجيل، فكان رضي الله عنه يغسل ذراعيه حتى يصل إلى قريب المَنْكِبين، ويغسل قدميه حتى يشرع في الساقين. وغيرُه فهم من هذه الأحاديث الترغيبَ في الوضوء الشرعي الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعله.
وقال الأئمة: إن قوله: «فمَنِ استطاعَ منكُم أن يُطِيلَ غُرَّتَه وتَحْجِيلَه» ليس من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإنما هو من كلام أبي هريرة رضي الله عنه. كما قال ذلك الإمام أحمد وغيره ([23]).
وأيضاً إطالةُ الغُرَّة غيرُ ممكنة؛ لأن إطالتها لا تكون إلا بغسل شيءٍ من الرأس مع غسل الوجه، وهذا غيرُ مشروع اتفاقاً، والله أعلم.
[12] والصحيح : أنه لا يُستحبُّ أخذ ماءٍ جديد للأذنين بعد مسح الرأس، بل إن شاء مسحهما من بَلَلِ يديه بعد مسح رأسه، أو أخذ لهما ماءً جديداً؛ لأنه لم يصح الحديث الذي فيه: «أنه أخذ لأُذنيه ماءً خِلافَ ماءِ رأسِه»([24]). ولأنهما تَبَعٌ للرأس.
[13] والصحيح : أن كل خفِّ يُمْسَحُ ، سواءٌ كان مخرَّقاً أو مفَتَّقاً، وسواءٌ أمكن متابعة المشي فيه أم لا. بل وكذلك لو كان على قدميه لُفافةٌ، جاز المسح على ذلك كله؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم رخَّص فيه رخصةً عامةً، قصد بها السهولة على الخلْق، ونفي الحرج والمشقة.
ومن المعلوم أن الخِفاف - خصوصاً خفاف الفقراء - لا تخلو من شقٍّ أو فتقٍ، والحاجة داعية إلى ذلك، ولأن ترك البيان وقتَ الحاجة إليه غيرُ جائز. وقد رخَّص النبي صلّى الله عليه وسلّم للمسلمين في مسح الخفين في أحاديثَ كثيرةٍ، ليس في شيء منها اشتراطُ سلامة الخف من الشق والفتق. يؤيد هذا أن الخف ممنوع للمُحْرِم إلا عند الحاجة إليه، إذا لم يجد نعلين، وبالاتفاق يدخل فيه الصحيح والمخرَّق، فإذا كان يدخل في تحريمه على المحرمِ، فكيف لا يدخل في المسح عليه، وهو باب سهولة ورخصة؟ ولأن المعنى الموجود في الصحيح موجود في المخرَّق، وكذا في اللفائف، وأبلغ؛ فإن اللفائف لا يكاد يستعملها إلا مَنِ احتاج أو اضطر إليها، فكيف يمنع من اشتدت حاجته،
ويُرَخَّص لمن هو أقلُّ منه؟ ولهذا المعنى يقوى اختيار شيخ الإسلام: أن المضطر إلى عدم نزع الخفين؛ كالبريد، والخائف ونحوهم، أنه يمسح، وإن جاوز ثلاثة أيام بلياليها، تشبيهاً له بالجبيرةِ المضطرِّ إليها، وأنَّ مسحَه في هذه الحال خيرٌ مِنَ التيمُّم ([25]).
وأما قولهم- رحمهم الله- في منع المسح على المخرق ونحوه: «لأن ما ظهر فرضُه الغسلُ، فلا يجامع المسح» ([26])فهذا مسلَّمٌ لو كانت الرِّجْل لا خُفَّ فيها، وأما إذا كان فيها خفٌّ، فلا يسلَّم أن ما ظهر فرضُه الغسلُ، كما لم يسلَّم ذلك في المسح على العمامة إذا ظهر بعض جوانب الرأس. ومجرد التعليل الذي لا نصَّ فيه يكفي فيه عدم التسليم، أو معارضته بمقابله.
[14] وإذا تقرر أنه يمسح كلَّ خف ونحوه، فالصحيح : أن ابتداء المدة من المسح، لا من وقت الحدث ([27])؛لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل اليوم والليلة للمقيم، والثلاثة للمسافر، كلّّها مسحاً، ولا يمكن ذلك إلا أن يجعل الابتداء من وقت المسح. وأما الحدث، فإنه غيرُ مناسب جَعْله أولَ المدة، وإنما المناسب جعل أول الفعل الذي فيه رخصة مخالفة للأصل، وهو المسح الذي هو بدل عن الغسل.
[15] واتفق أهل العلم : أن طهارة الماسح طهارة كاملة لا نَقْصَ فيها، فيترتب على هذا؛ أن الصحيح : أن طهارة الماسح لا تبطُل بخلع الخف الممسوح ونحوه، وإنما تبطُل بالحدث الذي تبطل منه .
الطهارة، وأنه لا فرق بين أن يتوضأ ويمسح فيه رأسه، ثم يحلقه بعد تمام الطهارة، وبين أن يتوضأ ويمسح على خفيه ونحوهما، ثم يخلعهما بعد تمام الطهارة؛ كلتا المسألتين ([28]) على حدٍّ سواء، لا فرق بينهما بوجه.
[16] والصحيح أيضاً : أن مسح الجبيرة لا يشترط له تقدُّم طهارة، وأنه يمسح على الجبيرة؛ سواءٌ وضعها على طهارة أو غير طهارة، وسواءٌ كان الشدُّ على محل الحاجة أو زائداً على ذلك، إلا أنه إذا أمكنه أن يختصر الشد وجب عليه، فإن العلة في المسح عليه هو الضرورة، والغالب منها أن تقع على غير طهارة، ولم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها اشتراطُ الطهارة قبلها، ولا يمكن قياسُها على الخفين لوجود الفروق الكثيرة بينهما، المانعة من الإلحاق؛ لأن شرط القياس مساواةُ الفرع للأصل من كل وجه، والله أعلم.
[17] والصحيح أيضاً : أن تمام المدة في المسح على الخفين وغيرهما لا ينقض الوضوء ([29]) , وهو نظير خلع الممسوح، لكون الطهارة وقعت كاملةً، والأصل بقاؤها.
[18] والصحيح : أن الدم والقيء ونحوَهما لا ينقض الوضوء قليلها ولا كثيرها؛ لأنه لم يرد دليل بَيِّنٌ على نقض الوضوء بها، والأصل بقاء الطهارة. وحديث (أنه صلّى الله عليه وسلّم قاء، فتوضأ) ([30])نهاية ما يدل عليه
استحبابُ الوضوء لخروج القيء؛ لأن الفعل الذي تجرد عن الأمر يدل على الاستحباب.
[19] ونقْضُ الوضوء بتغسيل الميت فيه نظر؛ لأن الحديث الوارد فيه لم يثبت([31]) , وما رُوي عن ابن عمر وابن عباس في أمرهما مَنْ غَسَّل الميتَ بالوضوء([32]) لا يتعينَّ حملُه على الوجوب، ولا يزيل الأصل الثابت في بقاء طهارة الغاسل حيث لم يحصُل له ناقض.
[20] والصحيح : أن جميع أجزاء الإبل- كالكَرش والقلب والمصران ونحوها- ناقض؛ لأنه داخل في حكمها ولفظِها ومعناها، والتفريق بين أجزائها ليس له دليلٌ ولا تعليلٌ، والله أعلم.
ومن باب الغسل والتيمم وإزالة النجاسة
[21] الصحيح : أن التثليث لا يُشرع في الغُسْل إلا في غَسْل الرأس؛ لأن ذلك هو الوارد في صفة غُسْلِهِ صلّى الله عليه وسلّم ([33]) , فلم يثبت عنه سوى هذا، وقياس الغسل على الوضوء غير مسلَّم؛ لوجود الفارق من وجوه كثيرة.
[22] والصحيح أيضاً : أن مَنْ عليه حدثان: أكبر وأصغر، ونوى الأكبر، وعمَّ بدنَه بالغسلِ؛ أنه يكفي عن الأصغر، ولو لم ينوِه بخصوصه؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ؛ أي: اغسلوا جميع أبدانكم، ولم يأمر- مع ذلك - بالوضوء، ولا بنيَّته، ولأن جميع ما يجب في غسل الحدث الأصغر يجب نظيره في الأكبر وزيادة، والله أعلم.
[23] وأما التيمم، فإن الله تعالى شرَعَه عند عدم الماء، أو تعذُّر استعماله، وجعله قائماً مقام الماء عند عدمه، وهذا يقتضي أن حكمه حكم الماء في كل أحواله.
فعلى هذا، القولُ الصحيح : لا يشترط له دخول الوقت، ولا يبطل
بدخوله ولا بخروجه، بل إذا تيمم الإنسان لم يزل على طهارة حتى يُوجَد منه شيءٌ من نواقض الطهارة. وعلى هذا: إذا تيمم للنفل، استباح به الفرض وما دونه، ومما يؤيد هذا القول: أن الله ورسوله لَمَّا رخَّصا في التيمم، لم يشترطا شيئاً من هذه الأمور، بل أطلقا حُكمَه، فدل على أن حُكمَه حكمُ الماء في كل شيءٍ من دون استثناء، مع أن الحاجة داعيةٌ جداً إلى بيان ذلك، لو كان كما قاله المشترطون، وهذا أيضاً جارٍ على القواعد المشهورة : أن البدل له حكم المبدَل، وسادٌّ مَسَدَّه في كلِّ أحكامه، ولذلك قال الإمام أحمد رضي الله عنه: القياس أن التيمم كالماء، أو كما قال ([34]).
وقولهم في الاستدلال على أنه ليس كالماء : «إنه طهارة ضرورة، فتقدَّر بقدرها» ([35]) مُسلَّم، إذا أريد به أنه لا يُعدل إلى التيمم حتى يتعذر استعمال الماء، كما لا يُعدل إلى المحرم حتى يعدم المباح، وأما كونه يدل على اشتراط دخول الوقت ونحوه، فلا يدل على ذلك لعدم النص الدال عليه، ولأن مقتضى هذا التعليل الذي علَّلوا به يقتضي أنه لا يجوز أن يصلي بالتيمم الواحد إلا صلاة واحدة، ويقتصر فيها على مجرد الواجبات، ثم إذا أراد صلاةً أخرى تيمم، وهذا معلوم الفساد..
[24] وإذا كان حكمُه حكمَ الماء في كل شيء، فالصحيح : أنه يصح التيمم بكل ما تصاعد على وجه الأرض، من تراب له غبار أو لا، أو رمل، أو حجر، أو غير ذلك؛ لأن الظاهر من حال النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه تيمم في كل موضع أدركتْه فيه الصلاة، ترابٍ، أو رملٍ، أو غيرِه،
ولو اشترط الغبار لنُقل عنه فعله، وللزم نقل التراب للأرض التي يعلم أنه لا يوجد فيها تراب.
وأيضاً فقوله صلّى الله عليه وسلّم: (فأيما رجلٍ مِنْ أمتي أدركتْه الصلاةُ فليُصَلِّ، فعنده مسجدُه وطَهُورُه) ([36]) ظاهر عمومه في كل أرض، والمقصود : التعبُّد لله تعالى بتيمُّم الصعيد الطيب، والطهارة الباطنة، وليس في التيمم من المقاصد الحِسِّيَّة شيء حتى يقال: إنه لا يحصل المقصود بغير التراب.
وقولهم- رحمهم الله تعالى-: «يكفي تيمم الإنسان على بعير، أو لِبْد أو ثوب ونحوه» ([37]) في النفس منه شيء، فإن الله أمر بتيمُّم الصعيد، وهذا ليس منه، ولم يرد فيه شيء يجب المصير إليه، والله أعلم.
[25] وفي وجوب استعمال الماء القليل الذي لا يكفي المتوضئ، ثم يتيمم بعده نظر؛ فإنه لا يحصل بهذا الاستعمال رفع حدث ولا تخفيفه، بخلاف الحدث الأكبر، فإنه قد يقال: إنه يجب ذلك؛ لأنه يخِفُّ الحدث، ويرتفع الحدث عن المغسول، والله أعلم.
[26] والصحيح : أنه لا يجب التيمم ولا يُشرع عن نجاسة البدن, بل إذا اضطر إلى الصلاة وعلى بدنه نجاسة لم يحتج إلى تيمم؛ لأن الذي ورد إنما هو التيمم عن الحدث الأكبر والحدث الأصغر، ولم يرد في نجاسة البدن تيمم؛ كنجاسة الثوب والبقعة.
وأما قياسها على طهارة الحدث فغير صحيح؛ لأن طهارة الخبث لا يمكن قياسها على طهارة الحدث؛ لفروق كثيرة بينهما؛ كاشتراط النية لطهارة الأحداث، وكونها معنويةً، وغير ذلك.
[27] والصحيح : أن الذي يعجز عن الطهارتين، ويصلي على حسب حاله، أنه يصلي ما شاء من فروض ونوافلَ، ويزيد على ما يجزئ؛ لأنها كاملة في حقه، لا نَقْصَ فيها، وليس للاقتصار على مجرد الواجبات نظير في العبادات يقاس عليه، والله أعلم.
[28] الصحيح في غسل النجاسات كلها غير الكلب : أنه يكفي فيها غَسْلةٌ واحدة تذهب بعين النجاسة وأثرها، فإن لم تذهب زاد حتى يذهب أثرها، ولو جاوز السبع، وسواء كانت على الأرض، أو الثياب، أو البدن، أو الأواني، أو غير ذلك.
ويدل على هذا وجوه:
ـ منهـا: أن جميع النصوص الواردة في غسل النجاسات مطلقة لا قَيْدَ فيها ولا عدَد، وذلك يدل على أن المقصود إزالتها فقط، وأن العدد فيها غير مقصود.
ـ ومنهـا: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر بصب ذَنُوبٍ، أو سَجْلٍ من ماء على بول الأعرابي ([38]) , ولم يأمر بزيادةٍ على ذلك، والتفريق بكونها على الأرض دون غيرها غير صحيح، إذ الفرق غير واضح.
ـ ومنهـا: أن إزالة النجاسة من باب التروك التي القصد تركُها وإزالتها دون عدد ما تغسل به.
- ومنهـا: أن غسل النجاسة لا يحتاج إلى نية، فلا يحتاج إلى عدد.
ـ ومنها: أنها لو لم تزُل بسبع غسلات وجب الزيادة على ذلك بالاتفاق، فدل على عدم اعتبار السبع إلا فيما جعله الشارع شرطاً فيه؛ كنجاسة الكلب.
وأما الحديث المروي عن ابن عمر: «أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً» ([39])فهذا لم يثبت، ولا يصح الاحتجاج به.
ومما يدل على ذلك أيضاً: مسألة الاستحالة؛ فإن العلماء اختلفوا: هل إذا استحالت النجاسة وانتقلت من صفة الخبث إلى صفة الطَّيِّب، هل ذلك مطهِّر لها أم لا؟ بعد اتفاقهم على أنه مطهر في بعضها؛ كاستحالة الخمر خلاًّ والعَلَقَةِ ولداً، والماء المتغير الكثير بالنجاسة إذا زال تغيره، واختلفوا فيما سوى ذلك.
[29] والصحيح : أن النجاسة إذا زالت بأي شيء يكون، بماء أو غيره، أنها تطهر، وكذلك لو انتقلت صفاتها الخبيثة، وخَلَفَتْها الصفات الطيبة، فإنها تطهر بذلك كله؛ لأن النجاسة تدور مع الخبث وجوداً وعدماً، فكما أن الطيب إذا انقلب خبيثاً صار نجساً فعكسه كذلك، وبالحقيقة، الصور المتفق عليها، لا فرق بينها وبين الصور المختلف فيها، والله أعلم.
وعلى هذا القول الصحيح، فيمكن تطهير الأدهان المتنجِّسة بمعالجتها حتى يزول الخبث الذي فيها: لونه، وريحه، وطعمه.
[30] والصحيح : أن الاستجمار مطهِّر للمحل بعد الإتيان بما
يُعتبر شرعاً؛ للنص الصريح أنه مطهر ([40]) , وأيضاً هو من فروع هذا القول الذي رجَّحناه. فعلى هذا يكون المنِيُّ الخارج بعد الاستجمار غيرَ نجس، وكذلك لو أصاب المحل رطوبة لم يضر ذلك، والله أعلم.
[31] والصحيح الذي لا ريب فيه : أن البغل والحمار طاهران في الحياة كالهر، فيكون ريقُهما وعَرَقهما وشَعرهما طاهراً، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يركبهما كثيراً، ويُركبان في زمنه، ولا يمكن المستعمل لهما التحرُّزُ من ذلك، فلم يغسل ما أصابه منها، ولا أمر بذلك، مع أن المشقَّة في وجوب غسل ما أصابه منها شديدة، والحرج منفيٌّ شرعاً، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم في الهرة: (إنها ليست بنَجَسٍ، إنها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات) ([41]),فعلل بكثرة طوفانها ومشقة التحرُّز منها، ومن المعلوم أن المشقة في الحمار والبغل أشدُّ من ذلك، وقد اعتبر الشارع المشقة في أمورٍ كثيرة من الشرع وعفا عنها، مع قيام المقتضي للمنع؛ لأجل المشقة، وأيضاً الأصل الطهارة في الأشياء والعفو عما لم يرِد المنع منه، وهذا منه.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم في لحوم الحُمُر يوم خيبر: (إنها رِجْسٌ) ([42])فنعم، هو كما قال صلّى الله عليه وسلّم، لحومها خبيثة، وأكلُها خبيث، والقدور التي تطبخ فيها، أو تباشر لحومها نجسة.
وأما العرق والريق والشعر، فلم يدلَّ الحديث عليها بوجه، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم أمر باجتناب لحومها، وأخبر عن خبثها، ورخَّص في استعمالها وركوبها، ولم يأمر بالتحرُّز من ذلك، فهذا هو الصواب .
ومن باب الحيض والنفاس
[32] ([43]) الصحيح الذي لا ريب فيه : هو ما دل عليه الشرع، والعمل الصحيح والعادة والفطرة، أن الحيض هو دم طبيعة وجِبِلَّة، يعتاد الأنثى في أوقات معلومة، وينقطع عنها في أوقات معلومة، ويتفاوت ذلك قِلَّةً وكثرة، وزيادة ونقصاً، بحسب تفاوت طبائع النساء وما يعرِض لهن من العوارض، فلا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثره، ولا للسن الذي يأتيها فيه، وإذا زاد أو نقص الدم انتقلت إليه من دون تكرار. وهذا القول هو الصواب الذي لا يمكن النساء العمل إلا به، وذلك لما ذكرنا: أن الحيض تابع للطبيعة، والطبيعة متفاوتة تفاوتاً كثيراً.
ويدل على ذلك أن النساء في وقت النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يعتبِرْن من ذلك شيئاً، فإذا أصابهن الدم جلسن عن الصلاة ونحوها، وإذا انقطع اغتسلن وتعبَّدن، حتى إن المستحاضات منهن قبل أن يعلمن الحكم كنَّ يجلسن في جميع دمهن؛ لأنه متقرِّر عندهن: أن الدم حيض، فبين لهن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قد يكون استحاضةً، وأما غير المستحاضات، فلم يُشكِلْ عليهن التقدُّم والتأخر، والزيادة والنقص، ولو كان يجب على النساء اعتبارُ ما ذكره الفقهاء، لكان في ذلك من الحرج والمشقة في العلم والعمل ما هو منفيٌّ شرعاً، وربطُ الفقهاءِ بعض مسائل الحيض بالوجود معارضٌ بنظيره. وحديث عليٍّ مع شُريح في المرأة التي ادَّعت أنها حاضت في
شهر ثلاث حِيَضٍ ([44]) , ليس فيه دلالة على أن أقلَّه يوم وليلة، ولا أن أقلَّ الطُّهر ثلاثة عشر يوماً، وإنما يدل- إذا صح الأثر- أن المرأة قد يجتمع لها في شهر واحد ثلاثة أقراء، وذلك نادر جداً، ولذلك طلب البينة على ذلك. وإلا فقول المرأة مقبول في حيضها وطُهرها.
وأيضاً، فإن دم الفساد عارض ودم الحيض أصليٌّ، ومن المعلوم أنه إذا اشتبه الأمر رجع إلى الأصل، ولا يُصار إلى خلاف الأصل إلا بدليل. وأيضاً، فكما أنه بالاتفاق أن الطُّهر إذا تقدم أو تأخر، أو زاد أو نقص، فهو طُهر صحيح، تتعبد فيه المرأة، فكذلك الدم. نعم، حدُّ ذلك ما لم تَصِرِ المرأةُ مستحاضةً، فإذا أطبق عليها الدم أو كان شبيهاً بالمطبق، علم أنها مستحاضة، فتعمل على عادتها أو تمييزها، فإن لم يكن لها عادة ولا تمييز اعتبرت عادةَ أغلب النساء ستة أيام أو سبعة.
[33] ويترتب على مسألة الحيض مسألةُ النفاس، أن الصحيح : أنه لا حدَّ لأقلِّه ولا لأكثره، ويقال فيه ما قيل في الحيض. ومما يدل على ضعف القول الذي اختاره الفقهاء في مسائل الحيض أن مسائله متناقضة، يُحكم على المرأة في الدم بحكم الطاهرات، ثم يُحكم عليها في وقت آخر بحكم الحائضات، وتارة تُؤمر باغتسالين: اغتسال بعد مضي يوم وليلة، واغتسال بعد الطُّهر، وكلاهما واجب، والاغتسال الأول مجزوم بأن ما قبله حيض، والثاني مشكوك فيه حتى تتكرر ثلاثاً، ثم لا يؤمن اختلافه، فتعود المسألة بحالها، هذا والدم واحد، ولا فرق بين ما قبل الاغتسال الأول والثاني.
فبهذا ونحوه يعلم أنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم منه شيء، ولا شيءٌ
شبيهٌ به، والقول إذا تناقض أو فُرِّق فيه بين صورة وصورة، مع عدم الفرق، أكبرُ دليل على ضعفه، والله أعلم.
[34] والصحيح : أنه يجوز وَطْءُ المستحاضة، ولو لم يَخَفِ العنت؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يمنع عبد الرحمن بن عوف وغيره من وطء زوجاتهم المستحاضات ([45]), ولأن الاستحاضة دم عِرْقٍ، فلا يمنع الوطء؛ كدم الجروح ونحوها، ولأن حكمها حكم الطاهرات في كل شيء، فكذلك في حِلِّ الوطء، والله أعلم.
ومن كتاب الصلاة
[35] قوله: " ويقضي من شرب محرماً حتى زمن جنون طرأ متصلاً به تغليظاً عليه " فيه نظر , وهو مخالف للقاعدة الشرعية : أن المجنون مطلقاً لا قضاء عليه ما تركه زمن جنونه, والتغليظ لا يكون إلا بالعقوبة الشرعية , فيكفي فيه الجلد إذا شرب خمراً متعمداً عالماً.
[36] قولهم: " لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا لناوي الجمع أو لمشتغل عن وقتها , إلا لناوي الجمع أو المشتغل بشرطها الذي يحصله قريباً "فيه نظر , فإن شيخ الإسلام ابن تيمية حكى اتفاق الأئمة على أنه لا يحل تأخير الصلاة عن وقتها متعمداً لعذر من الأعذار غير الجهاد([46]) , فإن بعض العلماء أجاز تأخيرها لأجل الجهاد المشروع , وإن كان جمهور العلماء لم يجيزوه في هذه الحال.وأما ما سوى ذلك من الأعذار فلا يبيح التأخير , بل يصلي الإنسان في الوقت بحسب قدرته واستطاعته , ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
[37] والصحيح : وجوب الأذان حتى على المسافرين؛ للعمومات , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يتركون الأذان في أسفارهم.
[38] وفي إجزاء الأذان للفجر قبل طلوع الفجر إذا لم يكن مؤذن يؤذن للفجر نظر ظاهر, فإن الأذان شُرِعَ للإعلام بدخول الوقت , فكيف يجوز أن يترك هذا المقصود الأعظم في صلاة الفجر, بل الأذان في الوقت في الفجر آكد من غيرها من الأوقات ؛ لتعلق الصلاة والصوم بطلوع الفجر , وإذا كان أهل البلد كلهم يؤذنون للفجر قبل طلوع الفجر , فبأي شيء يعرفون الوقت , ومن ترك الأذان المشروع فلا بد أن يعتاض عنه بدعة غير مشروعة , وأما الاستدلال بحديث :(( إن بلالاً يؤذن بليل , فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ))([47]), فإنما يدل على أنه يجوز أن يكون بعض المؤذنين يؤذن قبل الفجر للحاجة إلى ذلك , ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتفي بأذان بلال وحده. ومما يدل على ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً انتظر طلوع الفجر , فإن سمع أذاناً كف عنهم , وإلا أغار عليهم([48]), فجعل شعار ديار الإسلام الأذان على طلوع الفجر , وهذا واضح.
[39] قوله: " وكذا يستحب للمؤذن والمقيم إجابة أنفسهما "فيه نظر. والصحيح : أن ذلك لا يستحب , بل يكفيهما الإتيان بجمل الأذان والإقامة. وترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في إجابة المؤذن , إنما ينصرف إلى السامعين , لا إلى المؤذنين كما هو المفهوم من السياق.
[باب شروط الصلاة ]
[40] والصحيح : أن وقت العصر يمتد إلى اصفرار الشمس, ووقت العشاء يمتد إلى نصف الليل , كما ثبت بذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما([49]), ولا يناقض ذلك حديث جبريل([50]), فإنه زيادة من ثقة , فتكون مقبولة، والله أعلم.
[41] والصحيح : أن الصلاة لا تدرك إلا بإدراك ركعة, لا بتكبيرة الإحرام : الجماعة , والجمعة , والوقت ؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ))([51]), فيشمل جميع أنواع الإدراكات , ولأنه لم يرد تعليق الإدراك بتكبيرة بشيء من الأحاديث , وكما أنه يسقط الترتيب في قضاء الفوائت بالنسيان , وخشية فوات الوقت , فالصحيح : أنه يسقط أيضاً بالجهل بالواقع أو بالحكم ؛ لأن حالة الجهل كحالة النسيان أو أولى , بل وبخشية فوت الجماعة لوجوبها وعدم المسقط لذلك.
[42] والصحيح : أن ستر المنكبين أو أحدهما في الصلاة للرجل من باب تكميلها وتمامها, وأنه ليس بشرط , وحديث أبي هريرة : (( لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ))([52]) يفسره حديث جابر : (( إن كان الثوب واسعاً فالتحف به , وإن كان ضيقاً فاتزر به , أو فخالف بين طرفيه ))([53]). ولأن المنكب ليس بعورة , فستره في الصلاة من باب تكميلها , كما هو قول جمهور العلماء.
[43] والقول الصحيح : أنه إذا صلى في ثوب نجس ناسياً, أو في حال الضرورة , أنه لا إعادة عليه ؛ لأنه أتى بما يقدر عليه , وسقط عنه ما عجز عنه , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه , فلما كان في أثناء الصلاة خلعهما , بعدما أخبره جبريل أن فيهما قذراً , ثم بنى على صلاته([54]), وإذا كان يبني على ما مضى منها , فإذا لم يعلم إلا بعد الفراغ , كان صحتها من باب أولى وأحرى , ولأن اجتناب النجاسة من باب المحظور , والمحظور إذا فعله ناسياً لا حرج عليه فيه , فلا إبطال ؛ لأنه إذا حبس في بقعة نجسة وصلى لا يعيد قولاً واحداً , ولا فرق بين الثوب والبقعة , وهذا بخلاف نسيان الحدث , فإنه إذا صلى محدثاً ناسياً , فإن عليه الإعادة ؛ لأنه من باب المأمور , ولا تبرأ الذمة إلا بفعل المأمور , ونظير ذلك الصيام : إذا لم ينوه لم يصح صيامه ؛ لأنه لم يأت بالمأمور , وإذا نواه وأكل وشرب ناسياً فليتم صومه ولا إفطار ؛ لأنه من باب ترك المحظور.
[44] قوله : " إلا إذا كفت منكبه وعجزه فقط , فيسترهما ويصلي جالساً "فيه نظر ظاهر , خصوصاً على القول الصحيح : أن ستر المنكبين ليس بواجب , فإن الصواب أنه يستر الفرجين وما قرب منهما , ويدع المنكب ؛ لأن هذا عورة بالاتفاق, والمنكب ليس بعورة. وقولهم : " القبل له بدل والمنكب لا بدل له "([55]) كلام غير معقول , فأي شيء ينوب عن ستر القبل , وكأنهم لما رأوا أن القبل والدبر كل منهما يسمى فرجاً , جعلوا أحدهما نائباً عن الآخر في هذه الحال , ولا يخفى بُعد هذا التعليل عن المعاني الشرعية.
[45] وقولهم في ستر المنكب : " ولو بثوب يصف البشرة "فيه أيضاً نظر ؛ لأنه إذا وجب ستره كان من جنس غيره من البدن المستور , والذي يصف البشرة لا يحصل به الستر والمقصود.
[46] وقولهم : " إن العاري يصلي جالساً " , وتعليل ذلك بأنه يحصل به نوع استتار , لا تطمئن إليه النفس , فإن سقوط القيام في هذه الحالة يحتاج إلى دليل بين , وإذا كان لا بد من انكشاف العورة فصلاته قائماً أولى ؛ لأنه يجب عليه ما يقدر عليه من واجبات الصلاة , ويسقط عنه ما يعجز عنه منها , والله أعلم. ومثله إسقاط السجود عنه في هذه الحال.
[47] قوله : " وإن كانت النجاسة بطرف مصلى متصلٍ به صحت إن لم ينجرَّ بمشيه "فيه نظر , فإنه إذا لم يباشر النجاسة بدنه ولا ثوبه , وغاية ما يكون أن الذي باشره متعلق بشيء نجس , فليس في هذا مباشرة للنجاسة , ولا حمل لها , فإبطال الصلاة في مثل هذه
المسألة لا نظير له , ولا فرق في الحقيقة بين الذي ينجرُّ بمشيه , والذي لا ينجرُّ إلا بخفة هذا وثقل هذا , وهذا غير معتبر.
[48] الأصل : أن الصلاة جائزة في جميع بقاع الأرض , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً , فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل )) ([56]), وهذا عام لا يخرج منه شيء إلا ما صح به النقل في النهي عنه , وذلك كالحمام , وأعطان الإبل , والصلاة في المقبرة وإليها , وكذلك الصلاة في الموضع النجس([57]).
وأما : قارعة الطريق , والمجزرة والمزبلة , إذا لم تكونا نجستين فلم يثبت به الحديث([58]) , فيبقى الحكم على الأصل , وكذلك في وسط الكعبة , لم يثبت الحديث في إبطال الصلاة به, وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيها النفل([59]), وما ثبت في النفل ثبت نظيره في الفرض , إلا ما خصه الدليل , وأضعف ما يكون النهي عن الصلاة في أسطحة هذه المواضع. وتعليل ذلك بأن الهواء تابع للقرار , وهم قد قالوا : إن النهي عن الصلاة في هذه المواضع تعبدي([60]), والتعبدي هو غير معقول المعنى , وشرط القياس والإلحاق فهم المعنى , ووجوده في الملحق , فإذا كان المعنيان منتفيين كان القول في منع الصلاة في هذه الأسطحة ضعيفاً مبنياً على ضعيف , وإن علل هذه المواضع كان الأمر أوضح وأوضح.
[49] قولهم : " ويعيد الأعمى العاجز مطلقاً " فيه نظر , فإنه إذا لم يحسن الاجتهاد , ولم يكن عنده من يقتدي به , وصلى بحسب حاله , مجتهداً على إصابة القبلة فقد أدى ما عليه , ولم يحصل منه تقصير , وإنما الحاصل عجز , والعجز يعذر به الإنسان.
[50] والصحيح أن المتنفل على راحلته لا يلزمه الاستقبال في الركوع والسجود, ولا في الإحرام ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي حيث توجهت به راحلته([61]), وأيضاً قبلته في هذه الحال جهةُ سيره , ففي الحقيقة هي القبلة في حقه في جميع أجزاء صلاته.
[51] وأما مسائل النية في الصلاة , فالصحيح : أن المصلي إذا عرض له في صلاته ما أوجب قلبها نفلاً, أو انتقالاً من انفراد إلى ائتمام وبالعكس , ومن إمامة إلى ائتمام , أن ذلك كله جائز , لا محذور فيه , فإن جنس هذه الأمور واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فصلاته صلى الله عليه وسلم وحده في الليل , ثم أتى ابن عباس فدخل معه([62]), يدل على جواز مثل ذلك في الفرض والنافلة ؛ لأن ما ثبت في النفل فالفرض مثله , إلا ما خصه الدليل. والمحذور من منعه في الفرض موجود في النفل , وكذلك صلاة أبي بكر رضي الله عنه بالناس , ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء وهم يصلون, فتأخر أبو بكر , وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم([63]), يدل على أنه إذا انتقل الإمام من الإمامة ثم صار مأموماً أن ذلك جائز , وأنه إذا كان مأموماً ثم صار إماماً , أن ذلك جائز , كما يجوز إذا كان الإنسان في أول صلاته عاجزاً عن ركن أو شرط , ثم قدر عليه في أثنائها , فإنه يبني على صلاته , فلا يمتنع أن يكون للمصلي حالٌ في أول صلاته , وحالٌ في آخرها , ولا يخل ذلك بالنية ؛ لأنه لم يقطعها , ولم ينتقل فيها من نفل إلى فرض , فالأصل أن مثل هذه المسائل لا تبطل الصلاة , فكيف وقد ورد جواز جنسها أو عينها , والله أعلم.
[52] الصحيح : أن الإمام له أن يستخلف المأموم ولو سبقه الحدث, ولو كان صلى محدثاً أو نجساً ثم ذكر ؛ لأنه إذا كان لم يعلم الإمام والمأموم بحدث الإمام ولا نجاسته إلا بعد فراغ الصلاة أن صلاة المأموم صحيحة لا إعادة عليه, فإذا مضى بعضها في هذه الحال , فصلاة المأموم بحالها لم تبطل , وللإمام أن يستخلف من يصلي بهم , ولهم أن يستخلفوا , وإن صلوها فرادى جاز ذلك.
[53] وأيضاً : القول بأن صلاة المأموم تبطل بصلاة الإمام, قول ضعيف لا دليل عليه , بل الأدلة تدل على أن كل مصلٍّ لم يحصل منه بنفسه مفسدٌ لصلاته أن صلاته صحيحة , وإنما تعلقت صلاة المأموم بصلاة الإمام من حيث وجوب متابعته له واقتدائه فيه , لا أن أفعال الإمام صحتها وفسادها تسري إلى صلاة المأموم , ولذلك لا تبطل صلاة الإمام ببطلان صلاة المأموم قولاً واحداً, وقصة عمر رضي الله عنه مع عبد الرحمن بن عوف شاهدة بذلك([64]), فإن الظاهر أن عمر استخلفه بعدما سبقه الحدث , وأن عبد الرحمن بنى على صلاته ؛ لأنهم بقوا على صلاتهم وصفوفهم , والله أعلم.
[ باب صفة الصلاة ]
[54] والصحيح : استحباب رفع اليدين بعد قيامه من التشهد الأول؛ لورود السنة الصحيحة به([65]).
[55] والصواب : أن المرأة والكلب الأسود والحمار تقطع الصلاة ؛ لحديث أبي ذر الصريح الصحيح([66]).
[56] والصحيح : أن الكلام بعد سلامه سهواً لمصلحتها أو لغير مصلحتها لا يبطل الصلاة, وكذلك الكلامُ سهواً أو جهلاً في صلبها , لحديث ذي اليدين([67]), وأنه تكلم هو والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وكثير من المصلين , ولم يأمر أحداً منهم بالإعادة , وكذلك لما تكلم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة وشمَّت العاطس , ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة([68]), ولأن الناسي والجاهل غير آثم , فلا تبطل صلاته.
[57] والصواب : أن الانتحاب والنحنحة لا تبطل الصلاة, سواء بان حرفان أم لا , وسواءٌ كان لحاجةٍ أم لا ؛ لأنه لم يرد فيه ما يدل على الإبطال , وقياسه على الكلام غير صحيح ؛ لأنه جنس آخر , ولأن الكلام يبطل الصلاة , ولو لم يُبِن حرفين([69]) , ولو كان لحاجة , وأيضاً حديث علي : (( كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان )). إلى أن قال : (( وإن كان في صلاة تنحنح لي ))([70]), دليل على جواز ذلك , والحاجة غير داعية إلى نحنحته ؛ لإمكان أن ينبهه بتسبيحٍ ونحوه.
[58] قولهم : " ومن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى , بطلت الركعة التي تركه منها , وقامت هذه مقامها ", والقول الآخر في المسألة أنه يعود فيأتي بالركن المتروك وما بعده , وهذا القول أقرب إلى الأصول والقواعد الشرعية , فإن ما فعله بعد هذا المتروك يقدر كالعدم, ومعفواً عنه لكونه معذوراً بالسهو , فإذا زال عذره , وبان له الأمر كان مقتضى ذلك رجوعه إلى ترتيبها اللازم. وأما كونه يلغي ما بعد الركن وما قبله , فهذا مع مخالفته للأصل لا دليل عليه , ولا نظير له شرعاً , نعم إذا وصل إلى محله من الركعة التي تليه , فقد حصل المقصود بفعل ما بعده من الأركان , ولغا ما تقدم , والله أعلم.
[59] والصحيح : أنه إذا قام من التشهد الأول ناسياً, ولم يذكر إلا بعد قيامه , أنه لا يرجع , ولو لم يشرع في القراءة ؛ لحديث المغيرة وفيه : (( فإن استتم قائماً فلا يجلس )). رواه أبو داود وغيره([71]) ولم يقل : (( إذا شرع في القراءة )).
[60] وقولهم : " القراءة ركن مقصود ", كذلك القيام ركن مقصود , ولأن بقية الواجبات إذا لم يذكرها إلا بعد وصوله إلى الركن الذي بعدها , فإنها تسقط , ولا يعود إلى ركنها ليأتي بها.
[61] أصح الأقوال في شك المصلي في عدد الركعات : أنه يبني على اليقين, وهو الأقل إن كان الشك متساوياً والأقل أرجح , وأنه يبني على غلبة ظنه إذا كان له ظنٌّ راجح , وعلى هذا تتنزل الأحاديث الصحيحة : حديث أبي سعيد , يدل على رجوعه إلى الأقل مع الشك([72]), وحديث ابن مسعود يدل على رجوعه إلى ظنه([73]), وهو كالصريح في ذلك ؛ لقوله : (( فليتحر الصواب)).
[62] والصحيح : أنه لا يلزمه التشهد إذا جعل سجود السهو بعد السلام؛ لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم([74]).
[63] ([75]) وأما سجود التلاوة : فإن كان في الصلاة فهو من جملة سجداتها وأجزائها, وحكمه حكمها , وإن كان خارج الصلاة فالصحيح :أن حكمه حكم الدعاء , وأنه يجوز على غير طهارة , ولغير القبلة , ولا يشترط له ما يشترط للصلاة , ولا يشرع فيه تكبير للسجود ولا للرفع , ولا سلام ؛ لأنه لا ينطبق عليه حد الصلاة , ولا يدخل في عموم ما يشرع لها , بل أشبه ما له الدعاء. ومثله سجود الشكر , بل أولى , ولأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يسجد على غير طهارة([76]).
[64] وإذا سجد الإمام في صلاة السر , فالصحيح : أنه يجب على المأموم متابعته, وإن كان يكره للإمام قراءة السجدة في صلاة السر , وسجوده فيها ؛ لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به. إلى قوله : وإذا سجد فاسجدوا ))([77]) عام , وأيضاً كراهة إتيان الإمام بالسجدة لا يوجب ترك المأموم متابعته الواجبة.
[65] والصحيح : أن سجدة "صاد " لا تبطل الصلاة إذا سجد بها القارئ؛ لأن سببها القراءة المتعلقة بالصلاة. والله أعلم.
[66] والصحيح في أوقات النهي : أن النهي في الفجر يتعلق بصلاة الفجر, لا بطلوع الفجر , كما هو صريح الحديث الذي في صحيح مسلم([78]), وكصلاة العصر , فإن النهي فيها إنما يتعلق بصلاتها , لا بوقتها.
[67] والصحيح : جواز إعادة الجماعة إذا دخل المسجد وقت النهي وهم يصلون, وسواء أدرك الإقامة أو وجودهم في أثنائها لقوله صلى الله عليه وسلم: (( لا تفعلا , إذا أتيتما مسجد جماعة وهم يصلون فصليا معهم فإنها لكما نافلة ))([79]). ولأن العلة في إدراك الإقامة , أو إدراك ما بعدها واحدة , وهي خوف اتهام الإنسان , أو لأجل الرغبة في الخير , أو لغير ذلك من المناسبات الشرعية.
[68] وتجويز ذوات الأسباب في أوقات النهي أرجح من منعها ؛ لأن أحاديثها عامة محفوظة , وأحاديث النهي فيها تخصيصات كثيرة , ولأن ذوات الأسباب تفوت بفوات أسبابها , بخلاف النوافل المطلقة , ولثبوت بعض ذوات الأسباب في الأحاديث الصحيحة , كالإعادة([80]) , وركعتي الطواف([81]) , ونحوها. ولأن في بعض ألفاظ أحاديث النهي : النهي عن تحري الصلاة في هذه الأوقات([82]). وذلك إنما يكون في النفل المطلق , وأما المقيد , فإن سببه منعه من التحري لوقت النهي , والله أعلم.
ومن باب صلاة الجماعة وتوابعها
[69] والصواب : وجوب فعلها في المسجد؛ لأن المسجد هو شعارها , ولأنه صلى الله عليه وسلم همَّ بتحريق المتخلفين عنها([83]), ولم يستفصل : هل كانوا يصلون في بيوتهم جماعة أم لا ؟ ولأنه لو جاز فعلها في غير المسجد لغير حاجة , لتمكن المتخلف عنها والتارك لها من الترك , وهذا محذور عظيم.
[70] والصحيح : أن المسجد الأكثر جماعة أفضل من المسجد العتيق؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (( ثم ما كان أكثر جماعة ))([84]). ولأن المصلحة في كثرة الجماعة أرجح من قدم المسجد.
[71] وقولهم : " ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سُنَّ أن يعيدها , إلا المغرب "([85]) فيه نظر , فإن عموم الأمر بالصلاة مع الجماعة الثانية إذا أدركهم يشمل المغرب , والحكمة أيضاً موجودة فيها كغيرها , وقولهم في تعليل الكراهة : " لأن المعادة تطوع , والتطوع لا يكون بركعة " إنما ينصرف إلى التطوع المطلق , كما أن التطوع المطلق الأولى فيه أن يسلم من كل ركعتين , والرباعية المعادة تخالف ذلك.
[72] والصواب في القراءة خلف الإمام : أنه إذا سمعه المأموم , فلا يجب عليه قراءة, ولا تشرع , وإذا لم يسمعه وجبت عليه الفاتحة , سرية أو جهرية ؛ لأن النصوص الآمرة بالاستماع والإنصات , إنما هي مع سماع المأموم للقراءة , والنصوص الآمرة بقراءة الفاتحة وغيرها , تتناول الإمام والمنفرد والمأموم الذي لا يسمع لقراءة إمامه , وهذا القول أعدل الأقوال في هذه المسألة , وتجتمع فيه الأدلة.
[73] قوله : "وما يقضيه المسبوق أول صلاته , وما أدركه مع الإمام آخرها" فيه نظر , والصحيح القول الآخر : وأن الذي يدركه مع الإمام أولها , والذي يقضيه آخرها , وذلك أن قوله صلى الله عليه وسلم : (( فما أدركتم فصلوا , وما فاتكم فأتموا ))([86]) صريح في ذلك , غيرُ محتمل , واللفظ الآخر : (( وما فاتكم فاقضوا ))([87]) ليس ظاهراً أن المراد بالقضاء أول الصلاة , وإنما يراد به الإتمام , وكثيراً ما يطلق القضاء بمعنى الإتمام , ويؤيد هذا أن هذا هو الأصل , وهو الواقع , فما الذي يخرج هذا الأصل عن حالته ويوجب انعكاس الأمر ؟
ويؤيد هذا أن الإنسان المصلي مأمورٌ بالنية , وتكبيرة الإحرام في أول ما يدخل مع الإمام , ولو كان أولها الذي هو يُقضى , لوجب عليه تأخير النية والإحرام إلى ما بعد سلام الإمام.
ويؤيد ذلك أيضاً : أنه إذا أدرك ركعة من المغرب , ثم قام ليقضي أنه يصلي ركعة ويجلس للتشهد الأول , ثم يتم صلاته , ولو كان الذي يقضيه أولها لفعل في الركعتين الفائتتين كما يفعل فيهما إذا صلى وحده , بأن يسردهما , ولا ينفع قولهم : إنه لو سردهما لاقتصر في المغرب على شفع , وهي وتر([88]). فإنه - على قولهم - يحصل الإيتار بالركعة التي أدرك مع الإمام ؛ لأنها على ذلك القول آخر الصلاة , ويدل على ذلك أيضاً : أن التشهد الأخير لا يكون إلا في آخر صلاته التي يقضيها , لا في التي أدرك مع الإمام.
ويلزم على قولهم : أنه يتشهد التشهد الأخير مع الإمام , ويقتصر على التشهد الأول فيما يقضيه , ولم يقولوا بذلك.
ويشهد لهذا أن الترغيب في الاستفتاح , والأمر بالتعوذ , إنما هو في أول ما يدخل المصلي في صلاته ؛ لتحصل المصلحة المترتبة على ذلك , نعم إذا فاتته ركعتان من الرباعية , وأراد أن يقرأ في القضاء زيادة على الفاتحة كان حسناً , وليس هذا لأجل أنه أول صلاته , وإنما ذلك تداركاً للقراءة , حيث فاتته مع الإمام , والله أعلم.
[74] والصحيح : أن مسابقة الإمام عمداً, إذا كان المسابق عالماً بالحال والحكم , أنها مبطلة للصلاة بمجرد ذلك , سواء سبقه إلى ركن , أو بركن أو ركنين , وسواء كان ذلك ركوعاً أو سجوداً أو غيرهما , وسواء أدركه الإمام أو رجع إلى ترتيب الصلاة ؛ لأن النهي والوعيد يتناول هذا , وما نهي عنه لخصوص العبادة كان من مفسداتها , وأما القول بأن ذلك محرم , والإبطال يتوقف على السبق بركن الركوع , أو بركنين غيره, فهذا القول لا دليل عليه بوجه , وكما أنه خلاف النص,
فإنه خلاف نص الإمام أحمد , كما صرح بذلك في رسالته المشهورة([89]), والله أعلم.
[75] والصحيح : أن الأتقى والأورع في الإمامة مقدم على الأشرف صاحب النسب, بل ومقدم على السِّن ؛ لأن الإمامة كمالها في العلم والتقى , والنسب لا دخل له في هذا الموضع , والسن دون الورع في المرتبة , وإنما يعتبر السن مع الاستواء في الصفات.
[76] والصحيح : أن إمامة الفاسق صحيحة, سواء كان فسقه من جهة الأقوال كالبدع , أو من جهة الأفعال ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم , وإن أخطئوا فلكم وعليهم ))([90]). قاله في أئمة الجور , ولأن صلاة الفاسق بنفسه صحيحة , فصلاة غيره خلفه كذلك , ولذلك كان الصدر الأول يصلون خلف من يكون إماماً للناس في الجمع والجماعات وغيرها من أئمة الجور , ومن بان فسقهم , ومن أهل البدع لم يكونوا يمتنعون منها , ولا يصلونها معهم ويعيدون. وأما الحديث الذي رواه ابن ماجه :(( ولا يؤمن فاجر مؤمناً ))([91]) فهو - على تقدير صحته والاحتجاج به - يدل على أن البَرَّ أولى من الفاجر , وأنه لا يجوز تولية الفاسق إمامة ولا غيرها , وهذا مسلم , ولذلك قرنه بقوله : (( ولا أعرابي مهاجراً)). وهذا أولوية بالاتفاق , حتى إن بعض الأئمة كشيخ الإسلام وغيره يرون أن أصل اعتزال الأئمة الفساق([92]), والصلاة منفرداً من طريق أهل البدع والرفض , وأنه مخالف لقول السلف.
ثم إن هذا ظاهر في الاعتبار , فإن صلاة الإمام والمأموم , كلٌ منهما له كمالها , وعليه نقصها وفسادها , لا تتعدى إحداهما إلى الأخرى , فكيف وهو تصح صلاته لنفسه ؟ وإذا كانت الصلاة تصح خلف من تجب عليه الإعادة , كالمحدث الذي لم يعلم حدثه , ومن عليه نجاسة جهلها , على القول الآخر , فخلف الفاسق من باب أولى وأحرى. وأيضاً النصوص الكثيرة الموجبة لحضور الجماعة , والمتوعدة على من تركها , إذا لم يوجد إلا إمام فاسق , فأي شيء ينسخها ويسقطها ؟ وليس يتيسر للإنسان الصلاة في جماعة في مثل هذه الحال , وأيضاً إذا قيل بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق, كان ذلك ذريعة إلى مفسدة عظيمة , وهي التخلف عن الجماعة , بل ربما تذرع إلى ترك الصلاة بالكلية, كما هو الواقع.
فالحق الذي لا ريب فيه أن الصلاة كالجهاد , تصلي خلف كل بَرٍّ وفاجر , كما يجاهد مع كل أمير , براً كان أو فاجراً , إلا أنه يجب على من له الأمر أن لا يولي الإمامة إلا من هو أحق بها شرعاً. وهذه مسألة , وتلك مسألة أخرى , والله أعلم.
[77] والصحيح : صحة إمامة العاجز عن شيء من أركان الصلاة, أو شيء من شروطها , إذا أتى بما يقدر عليه , وسواء كان إمام الحي أو غيره , وسواء كان بمثله أو بغير مثله, وهذا القول هو الذي تدل عليه العمومات , فإن قوله صلى الله عليه وسلم :(( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) إلى آخره([93]), يشمل هذا العاجز كغيره , وكذلك صلاته صلى الله عليه وسلم جالساً لما عجز
عن القيام([94]), دليل على جواز مثل هذه , وما كان في معناها , وتعليل ذلك أنه إمام الحي , وأن غير إمام الحي لا يجوز فيه ذلك, تعليل غير مسلم , فإن إمام الحي كغيره من الأئمة, لا فرق في الحقيقة بينه وبين غيره, وأيضاً فإنه منقوض بغير القيام , فإن إمام الحي فيها كغيره قولاً واحداً.
ومما يؤيد هذا القول الصحيح: أن العاجز عن الأركان أو الشروط لم يترك في الحقيقة شيئاً لازماً, بل الواجب عليه ما يقدر عليه فقط , وصلاته كاملة لا نقص فيها بوجه , فما الذي أوجب بطلان إمامته وعدم صحتها ؟ ولأن نفس صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة إمامه إلا بالمتابعة فقط , فكل نفسٍ لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت , ولأننا لو طردنا التعليل الذي علَّل به المانع من إمامته لقلنا لا تصح إمامة المتيمم إلا بمثله , ولا إمامة الماسح على حائل إلا بمثله , ونحو ذلك من المسائل التي لا يمكن القول بها.
فعُلم أن القول الصواب: أن الإمام إذا لم يُخِلَّ بشيء مما يجب عليه بنفسه , أن إمامته صحيحة كصلاته , وإن شئت أن تقول :كل من صحت صلاته بنفسه صحت إمامته, بلا عكس , فقد تصح إمامته ولا تصح صلاته, كالذي جهل حدثه , فعرفت أن مسألة الإمامة أخف وأعم من مسألة صحة الصلاة , والله أعلم.
[78] قوله : " وإن علم معه واحد أعاد الكل " هذا فيه نظر: في حق بقية المأمومين الذين لم يعلموا , فإن الصواب: صحة صلاة كل مأموم لم يعلم بحدث إمامه , وسواء كان الإمام عالماً بحدثه , وتممها متعمداً , أو علم بعض المأمومين , فإن الذي لم يعلم لم يوجد مفسد لصلاته بوجه , نعم الذي علم ذلك وبقي على نية الائتمام فإنه متلاعب , عليه إعادة هذه الصلاة.
[79] والصحيح : أنه يجوز ائتمام المفترض خلف المتنفل؛ لقصة معاذ رضي الله عنه : أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة , ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة , وهو في الصحيح([95]), وذلك صريح في المسألة , وكذلك قصة عمرو بن سلمة الجرمي([96]) : أنه كان إماماً لقومه وهو صبي , دليل على صحة إمامة([97]) المفترض بالمتنفل , ودليل أيضاً على صحة إمامة الصبي في الفرض والنفل , وكذلك بقية العمومات.
وأما تعليل المانعين بأن المأموم إذا نوى أن صلاته فرض والإمام نواها نفلاً , أن ذلك اختلاف يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه))([98]). فليس الأمر كما ذكروا ؛ لوجهين:
أحدهما : أن مراده صلى الله عليه وسلم بالاختلاف المذكور مخالفته بالأفعال, كمسابقة الإمام أو التخلف عنه , وليس مراده بذلك مخالفة النية , وبقية هذا الحديث يوضحه جداً فإنه قال فيه بعد قوله : (( فلا تختلفوا عليه)): (( فإذا ركع فاركعوا , وإذا رفع فارفعوا , وإذا سجد فاسجدوا )) إلى آخره , وهذا ظاهر.
والوجه الثاني : أنهم قد أجازوا النفل خلف الفرض , وهذا مخالفة له في النية, فدل على أن هذا المعنى غير معتبر.
[80] ويترتب على هذه المسألة : أن الصحيح أنه يصح صلاة فرض خلف فرض آخر , ولو خالفه في الاسم كالظهر خلف العصر , وبالعكس , وهذا ظاهر لا دليل على المنع منه , والأصل الجواز.
[81] والصحيح : أن وقوف المأموم عن يمين الإمام سنة مؤكدة, لا واجب تبطل بتركه الصلاة , فتصح الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه ؛ لأن النهي إنما ورد عن الفذية. وأما إدارة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس - لما وقف عن يساره - إلى يمينه([99]), فإنه يدل على الأفضلية , لا على الوجوب ؛ لأنه لم ينه عنه , والفعل يدل على السنية , كتأخيره جابراً وجباراً لما وقفا عن جانبيه إلى خلفه([100]), فإنه نظير إدارته لابن عباس , وذلك دليل الأفضلية فقط.
[82] والصحيح : أن وقوف الفذ خلف الصف إذا كان رجلاً لعذر لا يضر؛ لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز , فالمصافَّة إذا قلنا إنها واجبة , فليست بأوجب من كثير من أركان الصلاة وشروطها , ومع ذلك فكل من عجز عن شرط أو ركن , فإن صلاته صحيحة إذا أتى بما يقدر عليه , وكذلك الوقوف قدام الإمام لعذر , والله أعلم.
[83] والصحيح : أن المأموم إذا أمكنه الاقتداء بإمامه بالرؤية أو بسماع الصوت([101]), أنه يصح اقتداؤه به , سواء كان في المسجد أو خارج المسجد , وسواء حال بينهما نهر أو طريق أم لا ؛ لأنه لا دليل على المنع , ولا على التفريق , وإن قدرنا أن الطريق لا تصح فيه الصلاة فلا يضر حيلولته بينه وبين إمامه إذا كان الموضع الذي يصلي فيه الإمام لا مانع فيه , والذي يصلي فيه المأموم كذلك.
ومن باب صلاة أهل الأعذار
[84] لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة المريض إلا قوله : ((يصلي المريض قائماً , فإن لم يستطع فقاعداً , فإن لم يستطع فعلى جنبه))([102]). وأما صلاته بطرفه أو بقلبه , فإنه لم يثبت , ومفهوم هذا الحديث يدل على أن الصلاة على جنبه مع الإيماء آخر المراتب الواجبة , وهذا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله([103]).
[85] والصحيح : أن المريض إذا قدر على الصلاة قائماً إذا كان وحده وإن حضر الجماعة صلى جالساً, أنه يحضر الجماعة ويصلي جالساً لأن مصالح حضور الجماعة لا يوازنها شيء من المصالح , وأيضاً إذا وصل محل الجماعة وصار عاجزاً عن القيام , لم يكن واجباً عليه , وكان الجلوس في حقه بمنزلة القيام في حق القادر , فقد حصَّل مصالح الجماعة ولم تفته مصلحة القيام , والله أعلم.
[86] قوله : " وتجزي الفاتحة من عجز فأتمها في انحطاطه , لا من صح فأتمها في ارتفاعه" فيه نظر, فإنه ما دام ينهض إلى القيام لم يصر القيام بعد فرضاً عليه حتى يصل إليه , وفي قراءته إياها وقت نهوضه حين يحس بنشاطه, هذا غاية ما يقدر عليه , وكونه يجب عليه الصبر حتى يصل إلى القيام يحتاج إلى دليل , والأصل عدمه , والله أعلم.
[87] والصحيح أن رخص السفر : القصر , والجمع , والفطر , والمسح ثلاثاً مترتبة على وجود حقيقة السفر الذي يسمى سفراً, وسواء كان يومين أو أقل ؛ لأن الله ورسوله قد رتبا الرخص على مجرد حقيقته ووجوده ولم يحدا ذلك بمدة , وأيضاً فالنبي صلى الله عليه وسلم قصر في عرفة ومزدلفة ومنى , وخلفه أهل مكة يصلون بصلاته , ويقصرون كما كان يقصر , ولم يكونوا يتمون الصلاة , ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدل على تحديده بيومين. والقاعدة : أن النص المطلق في كلام الله وكلام رسوله يعلق الحكم بوجود حقيقته إذا لم يرد فيه حد عن الله ورسوله , وأما قول ابن عباس رضي الله عنه : (( يا أهل مكة : لا تقصروا في أقل من عسفان ))([104]). أو كما قال رضي الله عنه. فإنه لا يعارض به ما سبق من النصوص , وأيضاً فإن الحكمة : وهي المشقة التي علق الشارع عليها التخفيفات موجودة في قصير السفر وطويله.
[88] والصحيح أيضاً : أنه يترخص المسافر, وإن كان هائماً أو تائهاً لا يقصد جهة معينة , أو يطلب ضالة , فإنه يدخل في العمومات , ومثل هذا أحق بالرخصة من غيره, وليس على منعه من الترخص دليل ولا تعليل صحيح.
[89] والصحيح أيضاً : أن المسافر إذا أقام بموضع, لا ينوي فيه قطع السفر , فإنه مسافر , وعلى سفر , وإن كان ينوي إقامة أكثر من أربعة أيام ؛ لكونه داخلاً في عموم المسافرين , ولأن إقامة أربعة أيام أو أقل أو أكثر , حكمها واحد , فلم يرد المنع من الترخص في شيء منها , بل ورد عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه ما يدل على الجواز : فإنه أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة([105]), وأقام بمكة أكثر من أربعة أيام , وهو يقصر([106]), وكذلك روي عن كثير من الصحابة من هذا النوع شيء كثير. وقول المانعين : إنهم لم ينووا الإقامة في هذه المدة أكثر من أربعة أيام غير ظاهر , فإن الظاهر من تلك الوقائع أنه يغلب على الظن , أو يجزم بنية إقامة أكثر من أربعة أيام , والله أعلم.
[90] والصحيح : أنه لا يشترط نية الجمع , ولا نية القصر , بل إذا وجد العذر المبيح للقصر والجمع جاز ذلك , ولو لم ينو , ولذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل التكبير : نويت الجمع ولا القصر , ولا أمر بذلك , ولو كان شرطاً لنقل نقلاً متواتراً مشتهراً , وأيضاً فليست العلة عدم النية , وإنما العلة في وجود السبب المبيح للرخصة , فلا تأثير للنية في شيء من ذلك.
[91] والصحيح : أن جميع المسائل التي ذكرها أصحابنا في السفر في وجوب الإتمام, وأنه لا يجوز القصر فيها , القول الآخر : أنه يجوز القصر في كل صلاة رباعية وقعت في السفر , سواء ائتم بمقيم أو بمسافر , أو نوى القصر , أو لم ينو , ومن باب أولى إذا شك أو غير ذلك من المسائل , فإن الأصل مشروعية القصر في كل صلاة رباعية وقعت سفراً , ولا دليل يدل على وجوب الإتمام , بل ولا على استحبابه , والله أعلم.
[92] والصحيح : جواز الجمع إذا وجد العذر, ولا يشترط غير وجود العذر , لا موالاة ولا نية , وقولهم : "إن معنى الجمع لا يحصل إلا بالضم والاقتران"([107]), غير مسلم , فإنهم لم يوجبوا الموالاة في جمع التأخير , وإنما معنى الجمع كون وقتي الصلاتين يصيران وقتاً لكل منهما , وبذلك تحصل السهولة الموجبة للجمع , والله أعلم.
ومن صلاة الجمعة والعيدين [ إلى الزكاة ]([108])
[93] الصواب : أن الجمعة والجماعة تجب حتى على العبيد الأرقاء؛ لأن النصوص عامة في دخولهم , ولا دليل يدل على إخراج العبيد , وأما حديث طارق بن شهاب : (( الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة ))([109]), فذكر منهم العبد المملوك , رواه أبو داود. فهو حديث ضعيف الإسناد , وطارق قد ذكروا أنه لم يصح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم([110]), وأصح منه حديث حفصة في سنن النسائي مرفوعاً : (( رواح الجمعة واجب على كل محتلم ))([111]), وهو عام في الحر والمملوك. والأصل : أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع العبادات البدنية المحضة , التي لا تعلق لها بالمال.
[94] ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشتراط الأربعين في الجمعة والعيدين شيء, فالصواب أنه لا يشترط لهما الأربعون.
[95] قوله : " وإن أحرم ثم زحم وأخرج من الصف فصلى فذاً لم تصح صلاته "هذا بناءً على أن صلاة الفذ خلف الصف لا تصح ولو لعذر .
والصواب ما تقدم : أنه إذا صلى فذاً لعذر أن صلاته صحيحة , وهذه المسألة من فروع تلك , والله أعلم.
[96] وأما اشتراط تلك الشروط في الخطبتين: الحمد , والصلاة على رسول الله , وقراءة آية من كتاب[ الله ]([112]), فليس على اشتراط ذلك دليل.
والصواب : أنه إذا خطب خطبة يحصل بها المقصود والموعظة أن ذلك كافٍ , وإن لم يلتزم بتلك المذكورات , نعم من كمال الخطبة الثناء فيها على الله وعلى رسوله , وأن تشتمل على قراءة شيء من كتاب الله , وأما كون هذه الأمور شروطاً لا تصح إلا بها , سواء تركها عمداً أو خطأً أو سهواً , ففيه نظر ظاهر , وكذلك كون مجرد الإتيان بهذه الأركان الأربعة من دون موعظة تحرك القلوب يجزي ويسقط الواجب , وذلك لا يحصل به مقصود , فغير صحيح.
[97] والصواب : أن الكلام ممنوع إذا كان يخطب, ولو لم يكن في أركانها , ولو شرع في الدعاء ؛ لأن الخطبة اسم لمجموع ذلك كله.
[98] وأما مسألة تعدد الجمعة في البلد لغير حاجة: فهذا أمر متعلق بولاة الأمر , فعلى ولاة الأمر أن يقتصروا على ما تحصل به الكفاية , وإن أخلوا بهذا فالتبعة عليهم , وأما المصلون فإن صلاتهم صحيحة في أي جمعة كانت , سواء كان التعدد لعذر أو لغير عذر , وسواء وقعتا معاً أو جهل ذلك , أو صلى مع الجمعة المتأخرة , فلا إثم عليهم ولا حرج ولا إعادة , ومن قال : إنه يعيد في مثل ذلك فقد قال قولاً لا دليل عليه , وأوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله , وأي ذنب للمصلي وقد فعل ما يلزمه ويقدر عليه ؟ وهذا القول الذي يؤمر فيه بالإعادة قول مخالف للأصول الشرعية من كل وجه , وذلك بين , ولله الحمد.
[99] قوله : " إلا من قدم صاحباً له أو حفظه بلا إذنه " أي فله ذلك , وفي هذا نظر : فإن المسجد لمن سبق إليه بنفسه , لا بنائبه الذي لا يريد أن يصلي في المكان , غاية ما يكون أن يقال : إن من سبق إلى مكان وقصده الصلاة فيه أن له إيثار غيره , وأما كونه يقدم ولده أو خادمه ويتأخر هو , ثم إذا حضر قام عنه , فهذا لا يجوز ولا يحل له ذلك بلا شك.
[100] والصحيح : أن صلاة العيد فرض عين, والدليل الذي استدلوا به على فرض الكفاية هو دليل على أنها فرض عين , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحرِّص الناس عليها حتى يأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور , وأمر الحيِّض أن يعتزلن المصلى([113]), ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لم يحض أمته هذا الحض عليها , فدل على أنها من آكد فروض الأعيان.
[101] قولهم : " يستحب للمعتكف أن يخرج إلى المصلى في ثياب اعتكافه " فيه نظر , فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان , ويخرج للعيد متجملاً([114]).
[102] والصحيح : أنه يستحب افتتاح جميع الخطب بالحمد: الجمعة والعيد وغيرهما ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه افتتح خطبة بغير الحمد , ولقوله : (( كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ))([115]), أي ناقص البركة.
[103] والقلب يميل إلى استحباب التكبير المطلق في أيام التشريق؛ لأن الله خصها بالأمر بالذكر فيها , ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ))([116]). ولأن عمر كان يكبر في قبته فيكبر من حوله , حتى ترتج منى تكبيراً([117]), والله أعلم.
[104] وقال بعض العلماء : بوجوب صلاة الكسوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها وأمر الناس بها ([118]).
[105] والصحيح في صلاة الكسوف: حديث عائشة الثابت في الصحيحين أنه صلى في كل ركعة بركوعين وسجودين([119]) , وأما ما سواه من الصفات فإنه وهمٌ منبعض الرواة, كما قاله الأئمة : الإمام أحمد والبخاري([120]), وغيرهما , والله أعلم.
[106] والصواب : أنه لا ينادى بـ " الصلاة جامعة " إلا للكسوف,لا للعيدين ولا للاستسقاء؛ لأنه لم يرد إلا في الكسوف , ولا حاجة أيضاً إلى النداء للعيدين ولا للاستسقاء لكون الوقت معلوماً , بخلاف الكسوف.
[ كتاب الجنائز ]
[107] قوله : " إلا نائباً عن مسلم"([121]) أي : فيجزي , ولو كان كافراً, وفيه نظر : إذ هو طهارة تعبدية , فكيف تصح من كافر من دون عذر ؟
[108] والصحيح : أن الزوج يجب عليه كفن امرأته؛ لأنه من الإنفاق بالمعروف , ويرى الناس من المنكر أن الزوج الغني لا يلزمه كفن زوجته الفقيرة , وأنه وغيره من الأجانب سواء , والتعليل بأن النفقة مقابلة للاستمتاع , وقد فات بالموت([122]), يقال : بل هو في مقابلة الزوجية , كما أن باقي حقوق الزوجية تتعلق بعد الموت كالإرث ونحوه , فكذلك النفقة , وأيضاً هذا التعليل منقوض بالمريضة ونحوها ممن لا يمكن الاستمتاع بها , والله أعلم.
[109] والصحيح : جواز الصلاة على القبر, ولو بعد شهر ؛ لأنه لم يرد فيه منع , والله أعلم.
[110] والصواب : تحريم البناء على القبور, وتجصيصها , وتبخيرها , والجلوس والكتابة عليها ؛ لأن الوعيد الوارد في ذلك لا يقصر عن درجة التحريم.
ومن كتاب الزكاة
[111] الصحيح : أن الدين إذا كان على معسر لا وفاء له, أو على مماطل لا يقدر على الاستيفاء منه , أو كان المال مسروقاً , أو ضالاً , أو نحوه مما لا يقدر عليه صاحبه , ولا ينتفع به , لا زكاة فيه ولو قبضه حتى يحول عليه الحول بعد قبضه ؛ لأن الله بحكمته شرع الزكاة في الأمور النامية المقدور عليها , وهذه الأموال المذكورة لا يقدر عليها أصحابها , ولا هي معدة للنماء , وأيضاً فإنه يجب إنظار المعسر وإمهاله إلى ميسرة , وإيجاب الزكاة على الغريم في هذه الحالة يخالف هذا المقصود , ويوجب عليه أن يضيق على المعسر , وأيضاً فإذا كانت أموال القنية المعدة لمصالح أهلها لا زكاة فيها ؛ لكون القنية صرفتها عن النماء والكسب الذي هو أصل الأموال الزكوية , فكيف تجب الزكاة في الأموال التي لا تنمي , ولا ينتفع بها , وهذا ظاهر , ولله الحمد.
[112] والصواب : إيجاب الزكاة في حصة المضارِب قبل القسمة إذا بلغت نصاباً([123])؛ لدخوله في جميع عمومات النصوص , ألفاظها , ومعانيها , فالأحاديث التي فيها إيجاب الزكاة فيمن له هذا المقدار من الذهب أو الفضة أو الماشية أو الحبوب والثمار أو غيرها, يدخل فيها المضارِب كغيره , وكذلك معانيها , فإن الزكاة شرعت مواساة في الأموال النامية , وحصة المضارِب نامية , فكيف تسقط عنه الزكاة وحصته قد تكون ألفاً , أو عشرة آلاف , أو أكثر من ذلك لعلة أنها لم تقسم ؟ وأنه إذا نقص المال قبل القسمة كانت وقاية لرأس المال , هذه العلة موجودة في أصل المال , وفي حصة صاحب المال , وفي جميع أموال الناس كلها تحت خطر النقص والتلف وغير ذلك من الآفات , ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسقط عنه الزكاة , بل كان صلى الله عليه وسلم يبعث عماله , فيأخذون زكاة الأموال الظاهرة , ولم يكونوا يستفصلون : هل فيها حصة مضارب أم لا ؟ وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال , وهذا التعليل الأخير احتج به من أوجب الزكاة في الأموال الظاهرة مطلقاً , ولو كان صاحبها مديوناً , والله أعلم.
[113] الصحيح : قول من قال من الأصحاب: إن إبدال النصاب الزكوي بنصاب آخر زكوي لا يمنع الزكاة ولا يقطعها([124]), سواء كان من جنسه أو من جنس آخر , والتفريق بين ما كان من الجنس وغيره لا دليل عليه , وحقيقة الأمر : لا فرق بين الأمرين, ولأن القول بقطعه إذا أبدله من غير جنسه يوجب فتح أبواب الحيل لمنع الزكاة.
[114] الصحيح : أنه يعتبر لوجوب الزكاة بقاء المال إلى التمكن من الأداء, وأنه إذا تلف قبل ذلك بلا تفريط لا ضمان على صاحبه ؛ لأنه لم يفرط, وغاية ما يكون أن تكون الزكاة في هذا المال كالأمانة التي لا تضمن إلا بالتفريط.
[115] والصحيح : جواز دفع زكاة العروض من العروض؛ لأن الزكاة مواساة , فلا يكلفها من غير ماله
[116] كما أن الصحيح : جواز إخراج القيمة في الزكاة إذا كان في ذلك مصلحة للجهة المخرج عليها, وأن العقارات المعدة للكراء إذا لم توجب الزكاة في أقيامها , فإنها تجب في أجرتها وريعها في الحال , ولا يشترط أن يحول الحول على الأجرة , بل تجعل كربح التجارة ونتاج السائمة.
[117] والصحيح : أنه لا يجزي إخراج الفطرة إذا لم تكن تقتات في البلد والمحل الذي تخرج فيه, كما أنه يجزئ من الحبوب والثمار غير الأصناف الخمسة إذا كانت تقتات في المحل الذي تخرج فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم ))([125]), وذلك لا يكون إلا في قوت البلد , ولأن الله ذكر في الكفارات إطعام المساكين , وأنه من أوسط ما يطعمه أهله , والفطرة أولى , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نص على الأصناف الخمسة في الفطرة , لكونها قوت أهل المدينة في ذلك الوقت , فالحكم يدور مع علته.
[118] والصحيح : أنه لا تجب عليه فطرة من تبرع بنفقته شهر رمضان, وإنما تستحب استحباباً كالنفقة , والله أعلم.
[119] وإذا تعذرت نفقة الإنسان على من تجب عليه نفقته أو امتنع ولم يمكن إلزامه بذلك, فالقول بأن الزكاة لا تجزي إليه بعيد , وتعليل الأصحاب رحمهم الله يدل على ذلك , فإنهم عللوا بمنعه من دفعه إليه , أنه يوفر ماله عن النفقة, فإذا كان لا ينفق عليه , ثم يمنع من إعطائه من زكاته , فإن هذا لم يدخل في كلامهم , بل هذا أحق بزكاته من غيره , وإنما يمنع الإنسان من إعطاء زكاته من في دفعها إليه إحياء ماله , كالأولاد والأهل الذين ينفق عليهم , وكالغريم الذي يقصد بإعطائه أن يردها عليه , أو يرد مقابلها , أو يتوفر عليه ماله ؛ لأنها في هذه الحالة معاوضة , لا إخراج محض.
[120] والصحيح : أنه إذا نوى المتصدق الزكاة([126]), ودفعها للوكيل , ثم دفعها الوكيل للمعطى أن ذلك يجزي , ولو أن الوكيل لم ينو أنها زكاة , سواء تأخر دفعها عن نية المتصدق أو قارنها , بل لو دفع إليه زكاة وهو غائب ليخرجها على أهلها , فأخرجها وهو لا يدري أنها زكاة أو صدقة, أن ذلك يجزي صاحبها ؛ لأن الأعمال بالنيات , وهو قد نوى , ولا يضر عدم نية وكيله , ولا فائدة في ذلك أيضاً.
[121] والصحيح : جواز نقل الزكاة ولو لمسافة قصر([127]), إذا كان ذلك لمصلحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبعث عماله, فتارة يفرقونها على فقراء المحل, وتارة يحملونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ولأن الله أوجب الدفع للأصناف الثمانية , فإذا دفعت في أحدها أجزأ ذلك مطلقاً.
ومن كتاب الصيام [ والاعتكاف ] ([128])
[122] الصواب : أنه إذا كان ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر أنه لا يجب صيام ذلك اليوم, ولا يستحب , بل فطره هو المشروع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً))([129]). وهو صحيح صريح , لا يحتمل التأويل , وما استدل به على مشروعية الصيام , فإنه محتمل , وهو محمول على هذا الصريح.
[123] والصواب : أن المطالع إذا اختلفت فلكل قوم رؤيتهم, وحديث كريب عن ابن عباس الذي في صحيح مسلم([130])صريح بذلك , فإن ابن عباس لم يعتبر رؤية أهل الشام , وأخبر أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ))([131]). فإنه مثل قوله : (( إذا أقبل الليل من ههنا , وأدبر النهار من ههنا , وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ))([132]), وقوله تعالى : {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل }] البقرة : 187 [, وغير ذلك من النصوص المؤقتة للعبادات في أوقات معينة تابعة لجريان الشمس والقمر , فإن هذه الأمور بالاتفاق تختلف باختلاف محالها , ولكل أهل محل حكمهم في ليلهم وفجرهم , وزوالهم وعصرهم , وغير ذلك , فكذلك في رؤيتهم للهلال, وهذا واضح ولله الحمد.
[124] وإذا قامت البينة في أثناء النهار برؤية هلال رمضان لزمهم الإمساك قولاً واحداً, واختار شيخ الإسلام ابن تيمية : أنه لا يلزمهم قضاء ذلك اليوم([133]). وقوله قوي جداً مبني على أصل : وهو أن الأحكام لا تلزم إلا بعد بلوغها , فهم أفطروا لما كان في ظنهم , والحكم الظاهر لهم أنه ليس من رمضان , فإذا بان أنه من رمضان لزمهم إمساك ما بان لهم , ولم يلزمهم قضاء ما لم يبلغهم.
يوضح هذا أنهم كانوا مستعدين ناوين موطنين أنفسهم على صيام جميع شهر رمضان , فإذا بان لهم بعد ذلك خطؤهم في فطرهم لم يكن هذا خطأً مؤاخذين به , بل كان هذا المشروع في حقهم : أنهم أفطروا بالحكم الشرعي , وأمسكوا بالحكم الشرعي , فهم لم يخالفوا حكم الشرع بوجه. ويوضح هذا أن الناسي إذا أكل وشرب وهو صائم أن صومه صحيح , وكذلك المخطئ على القول الصحيح، وهؤلاء أدنى أحوالهم أن يكونوا مخطئين , إن لم نقل مصيبين , فكيف يتم الصوم للناسي والمخطئ دون المفطرين بالأمر , الممسكين بالأمر , والناسي والمخطئ مفطرون بالعذر , صائمون بالأمر , فأي الطائفتين أعذر وأولى بعدم القضاء ؟ بل حالة المفطر قبل أن يتبين له أنه من رمضان كحالة الذي يأكل ويشرب قبل أن يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر, فإذا تبين له بعد أنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر, فالصواب : أن حكمه حكم الناسي لا حرج عليه , وصيامه صحيح ؛ لأن الله جعل الناسي والمخطئ حكمهما واحداً , ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر المخطئ أن يقضي ذلك اليوم.
ويوضح ذلك أيضاً أن المتأول من الصحابة رضي الله عنهم للخيط الأبيض من الخيط الأسود ظنوا أنه الخيط المعروف([134]), فكانوا يأكلون ويشربون حتى يتضح لهم الخيطان , ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بإعادة ما فعلوه , والذي كان مفطراً قبل أن يتبين له أنه من رمضان , ثم أمسك بعد أن تبين له أعلى حالة من المتأول. فإن قيل : يلزم على هذا أن الحائض والنفساء إذا طهرتا , والكافر إذا أسلم في أثناء يوم من رمضان أن لا يقضوا ذلك اليوم , بل يمسكوه فقط.
قيل : أما الكافر فنعم , فلا يجب عليه قضاء ذلك اليوم الذي أسلم فيه ؛ لأنه لم يخاطب به قبل ذلك , ولم يجب عليه حكماً ظاهراً , فهو كالذي لم يعلم أنه من رمضان.
وأما الحائض والنفساء فإن الصيام واجب عليهما حتى في حالة جريان الدم , إلا أن من شرط صحته انقطاع الدم , وليست حالتهما كحالة المخطئ والناسي , فإن الشارع جعل دمهما مانعاً من صحة الصيام , وأوجب عليهما إذا طهرتا قضاء الصيام الواجب , والله أعلم.
[125] والصحيح : أن المسافر لا يلزمه الصيام في كل أحواله, ولو اليوم الذي يعلم أنه يقدم فيه قبل وصوله للإقامة , فإن الله قال : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة : 184 [, ولم يستثن حالة من الأحوال , ولأن من علم أنه يقدم في الوقت فإنه ما دام في السفر يجوز له قصر تلك الصلاة وجمعها إلى ما يجوز له الجمع فيه , فكذلك الصيام والأحكام المرتبة على السفر لا تنقطع إلا بانقطاعه.
[126] قوله : " لكن إن كان الكبير أو المريض الذي لا يرجى برؤه مسافراً فلا فدية لفطره بعذر معتاد , ولا قضاء لعجزه عنه " فيه نظر ظاهر ؛ لأنه مكلف فلا يسقط عنه الأمران : الصيام أو بدله , وليس اجتماع عذر السفر وعذر المرض أو الكبر موجباً لإسقاط الفدية , وليس على ذلك دليل.
[127] قولهم : " وإن قال : إن كان غداً من رمضان فهو فرضي لم يضره إن كان في آخره ؛ لأنه بنى على أصل , ويضر إن قاله في أوله ؛ لأنه لم يبن على أصل " فيه نظر , فإن هذا الذي عليه , ولا يمكنه أن ينوي غير ذلك إلا نية تقديرية فرضية , لا نية واقعة , والتفريق بين الأمرين غير وجيه , فإنه إن كان لا يجزئ في أوله فلا يجزئ أيضاً في آخره , وإن كان يجزئ في آخره وهو الصواب , فكذلك يجزئ في أوله.
ومما يوضح هذا أنهم قالوا : كل يوم عبادة مستقلة , لا يبطل ببطلان غيره , ولا يصح بصحة غيره([135]).
[128] ولم يثبت من المفطرات سوى الأكل والشرب والجماع ونحوه إذا فعل ذلك متعمداً([136]), وكذلك الحجامة , وأما ما سوى ذلك فلم يثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء , وقياسه على هذه الأمور غير صحيح ؛ لوجود الفرق بينهما , وشرط الإلحاق : أن لا يكون بين الملحق والملحق به فرق بوجه , وإلا فالأصل عدم التفطير.
[129] وكذلك الصحيح : أن المجامِع والمجامَع ناسياً أو مكرهاً أنه لا فطر عليه ولا كفارة([137])؛ لأنه إذا كان الأكل الذي هو أصل المفطرات قد عفي فيه عن النسيان , فالجماع كذلك , ولأن الله عفا عن الناسي والمخطئ مطلقاً , ولأن فعل المحظور في العبادة نسياناً لا يؤثر في إبطالها. والله أعلم.
[130] والصحيح : عدم استحباب نية الاعتكاف لكل من دخل المسجد([138])؛ لعدم وروده.
ومن كتاب المناسك
تقدم أن العبد يشارك الحر في الأحكام البدنية , إلا ما ورد استثناؤه وتخصيصه, وكذلك قد خففت عنه العبادات المالية لكونه لا مال له فهو كالفقير.
[131] فعلى هذا الأصل المهم الصحيح : أنه إذا حج بعد بلوغه ولو قبل حريته أن حجته هي حجة الإسلام([139]), كما أن الفقير معفو عنه الحج ولا يجب عليه , فإذا تيسر له وفعله أجزأه ذلك , ولم يلزمه إعادته إذا استغنى. فكذلك هذا الرقيق إذا أدى فريضته , فإن ذلك يجزيه.
وأيضاً فإن الحج لم يوجبه الله ورسوله في العمر إلا مرة واحدة , وذلك مجمع عليه , فيلزم على قول من يقول : إن حج الرقيق لا يجزيه. أنه يجب في العمر مرتين , وهذا واضح.
[132] والصحيح : أن النائب في الحج الفرض لا يلزم أن يكون من بلد المنوب عنه([140])؛ لعدم وروده , ولأن الرخصة في القضاء عن الميت والمعضوب شاملة لمن كان ينشئ الحجة من بلده أو من غيره , ولأن الذي يجب على المنوب عنه أفعال الحج فقط. وأما السعي إلى مكة فإنه من باب : ما لا يتم الواجب إلا به , فيكون مقصوداً قصد الوسائل التي إذا حصل مقصودها برئت الذمة.
يؤيد هذا التعليل : أن المنوب عنه لو قدرنا أنه سار إلى نحو مكة بغير قصد الحج والعمرة , ثم بدا له في أثناء الطريق نية الحج أنه لا يلزمه العود إلى بلده لينشئ منها نية الحج , فكذلك نائبه , وهذا بين , ولله الحمد.
[133] والصحيح : أن من فعل محظوراً ناسياً فلا فدية عليه, ولو كان إزالة شعر أو ظفر , بل ولو كان صيداً لقوله : { ومن قتله منكم متعمدا } الآية ]المائدة : 95 [. وليس في ذلك إتلاف حق آدمي حتى يقال فيه : والإتلاف يستوي فيه المتعمد وغيره , وإنما ذلك في أموال الآدميين ونفوسهم , وأما في حقوق الله فإنه يترتب على الإثم , والله أعلم.
[134] قولهم : " والأفضل الإحرام للحج للمحلين بمكة من تحت الميزاب "فيه نظر , فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يقصدوا الإحرام من تحت الميزاب , بل أحرموا من منازلهم.
[135] والصحيح : أنه لا يجوز الدفع من مزدلفة قبل الفجر إلا لأهل العذر, فيرخص لهم قبيل الفجر ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وجمهور المسلمين مكثوا في مزدلفة إلى قريب طلوع الشمس , ولم يقدم قبل الفجر إلا الضعفة , وقد قال : (( خذوا عني مناسككم ))([141]).
[136] قولهم : " وله تأخير طواف الزيارة عن أيام منى , ولو غير معذور " فيه نظر , فإن الله قال : { الحج أشهر معلومات}] البقرة : 197 [, أي وقته وأفعاله , فكيف يجوز تأخير آكد أركانه وهو الطواف إلى بعد أيام الحج؟ وما الدليل على ذلك ؟ فإنه لو كان ذلك جائزاً لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم , أو عن أحد من أصحابه , ولذلك قال بعض الأصحاب : لا يجوز تأخيره عن أيام التشريق([142]).
[137] الصواب : أن الرامي للجمرات وقت الرمي يستقبل الجمرة, ولا يستقبل القبلة , كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل([143]), فيجعل البيت عن يساره , ومنى عن يمينه في جمرة العقبة والوسطى , ويجعل البيت عن يمينه ومنى عن يساره في الجمرة القصوى.
ومن باب الأضحية والعقيقة
[138] الصحيح قول من قال من أهل العلم : إن عضباء الأذن والقرن تجزي إذا لم يبلغ العضب منها أن يجرحها جرحاً تكون به معيبة أو مريضة؛ لأن مفهوم الحديث الصحيح : (( أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها , والمريضة البين مرضها , والعرجاء البين ضلعها , والعجفاء التي لا تنقي))([144]) يدل على إجزاء ما سوى ذلك. ولأن النهي عن التضحية بأعضب الأذن والقرن إذا احتج به يدل على الكراهة كما أمر باستشراف الأذن والقرن , والله أعلم.
[139] والصحيح : أن أيام التشريق الثلاثة كلها أيام ذبح للأضاحي والهدايا؛ لأنها كلها أيام للرمي والمبيت , ولا يجوز صيامها , فكذلك كلها ذبح , وفي المسند عن جبير بن مطعم مرفوعاً : (( كل أيام التشريق ذبح ))([145]), والله أعلم.
[140] والصواب : كراهة الفرعة والعتيرة؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم :(( لا فرع ولا عتيرة ))([146]) ظاهر في المنع.
من الجهاد
[141] القول : بأن الجزية تقبل من كل كافر كتابي أو غيره أصح([147])؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من المجوس , وكذلك أصحابه , والمجوس مشركون, ولأن آية الجزية لم تنزل إلا بعد ما دخل المشركون من أهل جزيرة العرب في الإسلام , وصار القتال للكفار الكتابيين من اليهود والنصارى , وهذا لعله الفائدة بالتقييد في الآية بقوله : { من الذين أوتوا الكتاب } ]التوبة : 29[, ولأن من مقاصد إقرارهم بالجزية لأجل أن يسمعوا كلام الله وينظروا الإسلام وأهله , وغير أهل الكتاب أحوج إلى هذا من أهل الكتاب ؛ لشدة جهلهم.
[142] والصحيح : أنه لا يحكم بإسلام أولاد أهل الذمة بمجرد موت أبويه بدارنا([148])؛ لأن الظاهر من حالة الخلفاء الراشدين وقت الفتوحات الإسلامية أنه يقع من هذا شيء كثير , ولا يلزمون أولادهم الصغار بالدخول في الإسلام , ولأن باقي الأولياء ينوبون عن الأبوين في التربية على دينهم.
ومن البيوع
[143] الصواب قول الشيخ تقي الدين رحمه الله : إن جميع العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من الألفاظ والأفعال والأحوال ([149]), فكل ما عده المتعاقدان عقداً انعقد بأي لفظ كان , ولم يزل عمل المسلمين على هذا , والله ورسوله قد أباحا جميع العقود الجائزة المباحة ولم يشرطا في عقدها لفظاً معيناً , ولا تقديماً ولا تأخيراً, والله أعلم.
[144] الذي يتعين القول به : جواز شراء المصحف, وكذلك جواز بيعه إذا لم يكن في ذلك امتهان وقلة احترام ؛ لأن الحاجة داعية جداً إلى ذلك , وما كان بهذه المثابة لم يحرمه الله ولا رسوله , وقول ابن عمر رضي الله عنه : (( وددت أن الأيدي تقطع في بيعها ))([150]) يحمل ذلك على من كان يمتهنها ولا يحترمها.
[145] الصحيح الرواية الأخرى عن الإمام أحمد : أن بيع الفضولي وشراءه صحيح إذا أجازه من تصرف له([151])؛ لأن تعليل المنع يزول في هذه الحالة , فيبقى التصرف موقوفاً , خصوصاً على القول الصحيح : أن تعليق العقود جائز كتعليق الفسوخ والولايات , وهذا هو الصواب , فإن القول بأن تعليق العقود غير جائز لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا قياس , ولا بد للتعليقات من أمور مقصودة تعلق لأجلها , وتلك الأمور لا محذور فيها , والأصل الجواز والحل في كل العقود. وما الفرق بين تعليق العقود التي يقصد بها العوض وعقود الولايات والوكالات؟ لا تجد بين الأمرين فرقاً مؤثراً , كما لا تجد فرقاً بين عقد العقود وحلها, ويترتب على هذا القول أن الصحيح جواز قوله : بعتك داري بكذا على أن تبيعني عبدك أو نحوه بكذا , ولا يدخل تحت نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة([152])؛ لأن المراد أن يعقد على شيءٍ واحد في وقت واحد عقدين, وذلك كمسائل العينة وما أشبهها, وأما هذه الصورة وما أشبهها , فإنها بمسائل التعليق أشبه, وليس فيها محذور أصلاً , إلا إذا تضمنت ظلماً في أحد العقدين , فيمنع لأجل ذلك.
[146] والصحيح : أنه يجوز بيع ما فتح عنوة ولم يقسم بين القائمين, كأرض مصر والشام والعراق , ولو كان غير المساكن , وتكون عند المشتري كما كانت عند البائع بخراجها , وهذا الذي عليه عمل المسلمين قديماً وحديثاً , والوقف لرقبة الأرض , وأما البيع فإنه يقع على منافعها , وما وضع فيها من بناء وغراس وغير ذلك , ولا فائدة في المنع من ذلك , بل فيه ضرر كثير. وكذلك بيوت مكة , فإنه يصح بيعها وإجارتها , والآثار في المنع من ذلك يقابلها مثلها أو أكثر منها من الآثار , ولم يزل عمل أهل مكة على ذلك من زمان طويل , والحاجة من البائع والمؤجر والمشتري والمستأجر تدعو إلى ذلك جداً , وفي المنع من ذلك ضيق وحرج , وقد رفع الله الحرج عن هذه الأمة.
[147] والأشياء المستترة كالمسك في فأرته, والفجل ونحوه في أرضه , إن كان ليس فيه غرر بيَّن, فالصواب : قول المجوزين لبيعه. وإن كان فيه غرر ظاهر , فالصواب : قول المانعين ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر([153]), والحكم يدور مع علته. فهذه المسائل وما أشبهها مما يقال فيه إنه مجهول أو غير مجهول , ينظر إلى تحقيقها , فإن تحقق فيها الغرر منعت , وإلا فالأصل الجواز. ويدخل تحت هذا الأصل شيء كثير يقول فيه بعض أهل العلم : لا يجوز بيعه , ويقول آخرون : يجوز , وكلهم متفقون على العلة , وهي الغرر , فإن اشتبه الأمر علينا فعلى مدعي أنه غرر البيان , ويرجع فيه عند الإشكال إلى أهل الخبرة والمعرفة به.
[148] قوله : " وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح ؛ لأن من للتبعيض , وكل للعدد , فيكون مجهولاً " هذا فيه نظر , فإنه لا جهالة فيه بوجه ؛ لأنهما تراضيا أن كل قفيز من الصبرة يقابله درهم , وسواء أخذها كلها أو بعضها , فأي جهالة في هذا ؟ وكذلك على الصحيح : أن استثناء الدراهم من الدنانير , والدنانير من الدراهم , لا جهالة فيه , وهو معروف عند الناس , قدر أحد النقدين من الآخر.
[149] قوله في مسألة بيع المعلوم والمجهول : " فإن لم يتعذر علم مجهول بيع مع معلوم صح في المعلوم بقسطه من الثمن ؛ لعدم الجهالة " فيه نظر , فإن عدم العلم بالمجهول وقت العقد يصير المعلوم مجهولاً , وهذا محذور ظاهر , فإنهم يمنعون من بيع ما هو أهون منها جهالة , كما هو ظاهر.
[150] والصحيح: أن المنع من البيع على بيع أخيه وشرائه على أخيه عام في زمن الخيارين وغيرهما ؛ لعموم النهي عنهما([154]), ولأن العلة التي نهي عنها وهي إحداث البغضاء بين المسلمين موجودة , ولو بعد الخيارين , وربما توصل إلى فسخ البيع إذا رأى الزيادة بوجه محرم.
[151] قوله في مسألة العينة : " وإن اشتراه بغير جنسه , بأن باعه بذهب ثم اشتراه بفضة أو بالعكس جاز " غير صحيح , والصواب المنع في ذلك ؛ لأن النقدين مقاصدهما متفقة , وتجويز مثل هذه الحالة فتح لمسائل العينة كما هو معروف.
[152] قوله : "وإن جمع بين شرطين من غير النوعين الأولين , كحمل الحطب وتكسيره , وخياطة الثوب وتفصيله , بطل البيع , كما روى أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( لا يحل سلف وبيع , ولا شرطان في بيع , ولا بيع ما ليس عندك ))([155]), قال الترمذي : حديث حسن صحيح." هذا على تفسير الشرطين في الحديث بما ذكر , ولكن الصحيح أن الحديث لا يتناول هذا , وإنما يدخل فيه الشرطان اللذان باجتماعهما يترتب مفسدة شرعية , كمسائل العينة ونحوها , كأن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها من مشتريها بأقل منه نقداً أو بالعكس , فإنهما في الغالب يتشارطان لفظاً أو مواطأةً , ويؤيد هذا أن الشارع لا ينهى عن المعاملات إلا ما فيه مفسدة : ربا , أو غرر , أو ظلم , وهذه الشروط لا محذور فيها بوجه , فكيف ينهى الشارع عنها ؟ وأيضاً فكما أنه لا مفسدة فيها بنفسها , فإنه لا يتذرع بها إلى مفسدة , ولو قيل : إن لفظ الحديث عام فتدخل فيه هذه الشروط. قلنا : لو أخذنا بعمومه من غير مراعاة منا لحمله على الشروط الفاسدة , لمنعنا من اجتماع شرطين من القسم الأول والثاني , وذلك لا يجوز , فعلم أن الحديث إنما يتناول الشرطين المتضمنين لمفسدة شرعية , والله أعلم.
[153] قوله : " والثالث ما لا ينعقد معه بيع , نحو : بعتك إن جئتني بكذا , أو رضي زيد أن يقول للمرتهن : إن جئتك بحقك في محله , وإلا فالرهن لك , لا يصح البيع ", تقدم أن الصحيح أن تعليق العقود جائز , وهذا منها , وحديث إغلاق الرهن([156])- إن صح - فإن معناه أن يتملكه المرتهن من دون إذن الراهن وشرطه , وهذا شرط إن جاءه بحقه , وإلا فهو له , والمؤمنون على شروطهم , إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً.
[154] والصحيح : ثبوت خيار الشرط في الإجارة مطلقاً, وفي الصرف والسلم والضمان والكفالة ؛ لعدم المحذور في ذلك , ومضي مدة بعض الإجارة في مدة الخيار لا يضر ؛ لتراضيهما على ذلك , فإن فسخ وجب من الأجرة بحصة المسمى. وكَوْن الصرف والسلم يشترط لصحتهما التقابض , لا يمنع من ثبوت الخيار , فيحصل التقابض , ويصح السلم والصرف , إلا أنهما إذا بقيا ولم يفسخا , فقد حصل المقصود , وإن فسخاه رجع كلٌّ بما دفعه , ولم يكن في ذلك محذور شرعي , بل هذا داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم : (( المؤمنون على شروطهم ))([157]). وكذلك الكفالة : إذا رضي المكفول له بكفالة من شرط له الخيار فيها , فالحق له , وقد رضي بتوثقة تحت الخطر قد تلزم وقد لا تلزم , وباب التوثقات أوسع بكثير من باب المعاوضات , كما سيأتي إن شاء الله في الرهن.
[155] الصحيح : أن خيار الشرط وثبوت الشفعة لا يبطل بالموت, سواء طالب به من ثبت له ذلك أم لا , فورثته ينوبون عنه في هذا ؛ لأنه من حقوقه المالية , والتركة : هي مخلفات الميت من الأعيان والحقوق , وهذا من الحقوق التي ثبوتها لمن بعده كثبوتها له , فأي شيء يخرجها عن هذا الأصل ؟ وهذا واضح ولله الحمد.
[156] الصحيح في خيار العيب : أنه يخير من وجد بما اشتراه عيباً جهله بين إمساكه بلا أرش أو رده وأخذ ثمنه الذي دفع. وأما الأرش , فإن اختاره البائع ورضي المشتري بذلك فهو معاوضة تقف على تراضيهما , وإلا فالقول بأن المشتري يجبر البائع على أنه يمسكه ويعطيه البائع أرش نقصه قول ضعيف مخالف للمعاوضات , فإن البائع إنما رضي بإخراجه عن ملكه بالثمن الذي وقع عليه العقد , والأرش زيادة على ذلك , والتعليل الذي ذكره الأصحاب رحمهم الله في قولهم : " إن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المبيع , فكل جزء منه يقابله جزء من الثمن , ومع العيب فات جزء من المبيع , فله الرجوع ببدله , وهو الأرش "([158]) كلام غير صحيح عند التأمل , فإن الذي وقع عليه التراضي لم يفت منه جزء من الأجزاء , وإنما اغتر المشتري فظنه سليماً , فإذا بان معيباً ثبت له خيار الرد , وأما الأرش فهو معاوضة لا إجبار فيها إلا إذا تعذر الرد , ففي هذه الحالة يتعين الأرش كسائر المتقومات.
[157] والصحيح : أن البائع والمشتري إذا اختلفا , هل كان العيب متقدماً على البيع , أو حدث عند المشتري مع الاحتمال : أن القول قول البائع , فيحلف أنه باعه سليماً , أو أنه لا يعلم به عيباً , أو أنه إنما حدث عندك أيها المشتري ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ))([159]), والمدعي في هذه الحالة هو المشتري , وأيضاً الأصل السلامة في المعقود عليه , فمن ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
[158] قوله : " وإذا رده بعيب وقد كسره , رده ورد أرش كسره " هذا ظاهر إن كان الكسر لجميعه أو أزيد مما يحصل به الاستعلام , فأما كسرها بمقدار ما يحصل به استعلامها , ففي وجوب ضمانه نظر ظاهر , فإن هذا الكسر لا بد منه في حصول الكشف عليها.
[159] وإذا كنا قد صححنا عدم لزوم الأرش في إمساك المعيب , كما سبق , فتصحيح ثبوت الخيار في البيع : تولية , وشركة , ومرابحة , ومواضعة , إذا بان خلاف ما أخبر به من باب أولى , وهو أصح من إلزام المشتري للبيع والرجوع إلى الصواب الذي لم يدخلا عليه , والله أعلم.
[160] والصحيح : أن الاختلاف في عين المبيع كالاختلاف في الثمن, إذا لم يكن بينة لأحدهما تحالفا وتفاسخا ولا فرق في الحقيقة بين الثمن والمثمن والعلة واحدة , ولا ترجيح لأحدهما في أحدهما دون الآخر , فتعين القول بتساويهما.
[161] والصواب : أن البائع يملك حبس المبيع على ثمنه, ولا يجبر على تسليم المبيع قبل قبض الثمن ؛ لأنه لم يرض بالبيع إلا بهذه الحالة , ولو أجبر على تسليم المبيع قبل قبض الثمن لحصل بذلك ضرر عظيم على الناس , ولتمكن الغادر من أخذ أموال الناس بهذه الطريق , وكذلك يملك حبس الشيء حتى يقبض أجرته ؛ لأن له فيه حقاً ثابتاً.
[162] والصحيح : أن المفتاح داخل في بيع الدار بأبوابها؛ لأنه تابع للباب , وإن كان منفصلاً , وكذلك الطاحونة , إما أن تدخل كلها إذا لم تستثن , وإما أن تخرج كلها إذا استثنيت , وأما القول بدخول التحتاني من الأحجار دون الفوقاني ففيه نظر ظاهر.
[163] والصواب : أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بدو صلاحه, ولا الزرع قبل اشتداد حبه لمالك الأرض والأصل ؛ لأن الحديث عام([160])والعلة عامة , وأما بيعه مع الأرض ومع الشجر , فإنه يدخل بالتبعية ؛ لوقوع العقد على الأمرين, بخلاف المسألة الأولى , فإن العقد واقعٌ على نفس الثمرة وحدها , والزرع وحده.
[164] والصحيح : أن الجائحة موضوعة عن المشتري في جميع الثمار؛ لعموم العلة التي علل بها صلى الله عليه وسلم في قوله : (( أرأيت إن منع الله الثمرة, بم يستحل أحدكم مال أخيه ؟ ))([161]).
[165] والصحيح : أن التفاوت اليسير في السلم معفوٌّ عنه([162]), كما قال الإمام أحمد رضي الله عنه : كل سلم يتفاوت, فالبقول إذا أسلم فيها وزناً , وكذلك الفواكه ونحوها , لا يضر التفاوت فيها , بل ربما كانت في التحرير مثل غيرها , وكذلك ضبط الجلود ونحوها بالمقدار ممكن لا غرر فيه , وكذلك الأواني ونحوها , وعلى هذا يذكر من صفات السلم ما يتفاوت فيه الثمن تفاوتاً ظاهراً بيناً , لا شيئاً يسيراً , وإذا أسلم إلى الحصاد والجذاذ ونحوهما مما يتقارب صح ذلك على الصحيح ؛لأن التفاوت فيه يسير , وهو مقصود من أسلم في الزرع والثمر , ولو عين شهراً فإن قصده حصول تلك الثمرة.
[166] قوله : " ولا يصح شرط الأردأ أو الأجود " هذا إذا لم يظهر من مرادهما , والعادة أن قصدهما من أجود ما يكون أو أردأ ما يكون , فإن ظهر فهو جائز كما هو الواقع.
[167] والصحيح : جواز السلم في المكيل وزناً, وفي الموزون كيلاً؛ لحصول العلم بذلك شرعاً وعرفاً , وعدم الغرر والجهالة الممنوعة شرعاً.
[168] والصحيح : جواز الإسلام في بستان ونحوه؛ لعدم الدليل على المنع , والغالب وجود المسلم فيه منه , فإن قدر عارض نادر قام غيره مقامه.
[169] والصحيح : أنه إذا أسلم إلى أجلين فأكثر,لم يجب إلا بيان مقدار ما يحل في كل أجل , ولا يلزم بيان قسطه من الثمن ؛ لأن بيان مقدار المبيع ووقته هو المقصود.
[170] والصحيح : جواز بيع المسلم فيه لمن هو عليه, كسائر الديون , وكذلك أخذ عوضه , والحوالة به وعليه كسائر الديون , وحديث : (( من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره ))([163])غير محتج به كما قاله المنذري([164]), وعلى تقدير الاحتجاج به , فإنه يدل على أنه لا يجعل مال سلم آخر قبل قبضه , وهو ظاهر.
[171] ويصح أيضاً : أخذ الرهن والكفيل بالمسلم فيه؛ لعموم جواز ذلك في كل عقد , فيشمل ذلك عقد السلم , ولأن الحاجة للتوثقة في دين السلم أبلغ من غيرها , فكيف يرخص في غيره ويمنع فيه ؟
ومن باب القرض والرهن والضمان والكفالة وغيرها
[172] الصحيح : أن المقرض إذا أجل القرض أنه يلزمه الوفاء بذلك, وأنه لا يملك المطالبة للمقترض قبل حلول أجله ؛ لأن الله أمر بالوفاء بالعقود , وأمر بالوفاء بالوعد , وجعل النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد من صفات النفاق([165]), وسائر الديون كالقرض إذا أجلها صاحبها برضاه تأجلت.
[173] والصحيح : أن المقترض يرد مثل ما اقترضه, سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما , مما له شيء يماثله أو يقاربه ؛ لأن هذا هو مقتضى عقد القرض , ولأن مثله يحصل فيه المقصودان : مقصود القيمة , ومقصود حصول ذلك الشيء المقرض , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ضمَّن إحدى أمهات المؤمنين لما كسرت صحفة الأخرى بصحفة مثلها , وقال : (( إناء بإناء ))([166]), ولأنه أمر عبد الله بن عمرو أن يستسلف على إبل الصدقة([167]). وجميع المتلفات حكمها كالقرض , ولأنه لو وجبت القيمة لكان العقد من أصله عقد معاوضة بيع بقيمته , وهو مخالف لموضوعه , فإن القرض عقد إرفاق.
[174] قوله : " وإذا قال : اقترض لي مائة ولك عشرة صح ؛ لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه "فيه نظر , فإن هذه الصورة داخلة في القرض الذي جر نفعاً , وهذا وسيلة قريبة إلى الربا المحض , كما هو ظاهر , ومن العجائب أنها أولى بالامتناع من قوله :" ولو قال : اضمني فيها ولك ذلك لم يجز"([168]) , فما الفرق بين الأمرين ؟
[175] الصحيح الذي لا ريب فيه : أن الرهن يجوز في كل عين ودين ومنفعة, وأنه إذا رضي الراهن بشيء من ذلك أن الحق له , فيلزم ما تراضيا عليه ؛ لأنه كما قد تكون التوثقة كثيرة جداً , وقد تكون أقل من دين الإنسان , وقد تكون كثيرة مقبوضة , وقد تكون يسيرة غير مقبوضة , وقد تكون أعياناً معينة, كما قد تكون ديوناً في الذمم , وقد يكون ديناً ثابتاً , وقد يكون ديناً يحتمل الثبوت وعدمه , وقد يكون منفعة وريعاً.
فالصواب : جواز ذلك كله ولزومه بالتعاقد عليه , وهذا هو الذي تدل عليه عمومات النصوص ومعانيها , ويحتاج الناس إليه , ولا دليل يدل على المنع في شيء من ذلك , والغرر الذي لا يغتفر هو غرر المعاوضات. وأما التوثقات , فإنها زيادة على مجرد المعاملة , فيها مصلحة لمن له الحق , وإذا كان الحق له ورضي أن تكون توثقته ناقصة أو ديناً أو غير مقبوضة , فما الذي يمنع من ذلك ؟ وعموم الأمر بالوفاء بالعقود والعهود يتناول هذا , وأيضاً فإنه لو جوز للراهن أن يرهن غريمه الدين أو الرهن الذي لم يقبضه ثم له أن يغدر به ويبيعه أو يرهنه غيره , فإن هذا غدر لا تأتي به الشريعة , ولكن إذا أراد الغريم زيادة التوثقة بالقبض ورهن الأعيان , فهذا لا يلام على ذلك , ومن هنا تعلم حكمة قوله تعالى : { فرهان مقبوضة }] البقرة : 283 [, فإن الله ذكر للعباد أعلى الحالات التي يتوثقون بها لحقوقهم , فذكر شاهدين رجلين , ثم نقلهم إلى رجل وامرأتين , ومن المعلوم قبول شهادة رجل وامرأتين ولو مع وجود رجلين , ولكن الرجلان آكد , بل وكذلك ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الحق بشاهد ويمين المدعي([169]), فلا يقال : إن ظاهر الآية عدم قبول ذلك , فكذلك الرهن إذا لم يقبض لا يقال : إنه لا يثبت , بل يقال : إن الرهن المقبوض أزيد وثيقة لصاحب الحق , والرهن الذي لم يقبض لم تنفه الآية , وأثبتته الأدلة الأخر , وهذا واضح , ويدل على ذلك أنهم جوزوا رهن ما لا يجوز بيعه , كرهن الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع قبل اشتداد حبه , والقن دون رحمه المحرم , فعلم أن أمر الرهن خفيف لا يضر فيه احتمال الغرر والجهالة , وعدم الحصول , ويدل على ذلك أنه بتقدير تلف الرهن أو عدم حصوله لا يسقط شيء من الحق , بل الحق باقٍ لا يزول. وسر المسألة : أن الرهن أمر خارج عن المعاملة لا تفتقر المعاملة إليه , بل هو من مصلحة صاحب الحق , وهذا بين ولله الحمد.
[176] والصواب : أن عتق الراهن للعين المرهونة لا يحل ولا ينفذ سواء كان موسراً أو معسراً؛ لأنه تعلق به حق المرتهن تعلقاً منع صاحبه التصرف فيه قبل انفكاكه , ولأن تجويز عتقه فيه مفسدة عظيمة؛ لأنه لا تحصل الثقة والتوثقة برهن المماليك؛ لأنه قد يعتقه فيكون معسراً أو مماطلاً فتضيع توثقته ويضيع حقه , ولأن العتق قربة إلى الله كالوقف , فكما لا ينفذ وقف المرهون فلا ينفذ عتقه , ولا يتقرب إلى الله إلا بالعبادات , لا يتقرب إليه بفعل المحرمات وإسقاط الحقوق الواجبة , وإذا كان صادقاً قصده إعتاقه والتقرب به إلى الله فليؤد الحق الذي عليه , حتى تكون المسألة لا تبعة فيها فيعتقه بعد ذلك.
[177] والصحيح : جواز الزيادة في دين الرهن, بأن يرهنه بمائة ثم يستدين منه مائة أخرى فيرهنه بالمائة الثانية كالأولى , فهذا لا محذور فيه , وقولهم في تعليل المنع : " المشغول لا يشغل "([170]), إنما هو إذا رهنه عند زيد فلا يرهنه عند عمرو , وأما في الزيادة في دينه فلا بأس , وإنما هو زيادة استيثاق في الدين الأخير.
[178] وتقدم أن الصحيح جواز قوله : " إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك "([171]), والله أعلم.
[179] والصحيح : أن قول المرتهن هو المقبول في مقدار الدين المرهون به؛ لأن الله تعالى جعل الرهن توثقة بالحق , فإذا كان الدين الثابت في الذمة ألفاً , وقال صاحب الرهن المدين : هو رهن بعشرة منها , وقال المرتهن : بل هو رهن بالألف كله , فإن قبلنا قول الراهن لم يحصل توثقة بالرهن بمجرده , وإن قبلنا قول المرتهن حصلت التوثقة بالحق , فكان قبول قول المرتهن هو الأولى والأحسن , خصوصاً إذا ادعى الراهن ما لا يصدقه فيه العرف والعادة.
[180] والصحيح : أن صاحب الحق لا يملك مطالبة الضامن حتى يعجز عن الاستيفاء من الغريم ؛ لأن الضمان من التوثقات كالرهن , لا يباع إلا إذا تعذر الوفاء , ولأن العرف هكذا : يستقبح الناس طلب الضامن قبل تعذر الوفاء من الغريم , إلا إذا شرط وكان العرف أن الضامن يطالب بالحق ولو لم يتعذر , فالمؤمنون على شروطهم.
[181] والصحيح في الحوالة : أنها إذا اجتمعت شروطها, وإن أوجبنا على صاحب الحق أن يستحيل فيها فإن الحق لا ينتقل , بل إن حصل له الوفاء ممن أحيل عليه , وإلا رجع على صاحبه الذي عليه الدين , وأن قوله صلى الله عليه وسلم : (( مطل الغني ظلم , وإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل ))([172]) أن هذا أمر بإحسان الوفاء ممن عليه الحق , وأنه لا يحل له المطل إذا كان غنياً , بل يبادر بالأداء بإحسان , وأمر أيضاً بإحسان الاستيفاء , وأن صاحب الحق يحسن في أخذه للحق ولا يعسر على غريمه , ومن إحسانه أنه إذا أحاله على من له عليه دين فلا يمتنع من الاستحالة , إذا لم يكن عليه ضرر , فإنه إحسان منه بغريمه , وأما كون الحديث يدل على أن الغريم بمجرد حوالته لغريمه أنه يبرئ , ولو أفلس المحال عليه أو مطل أو تعذر الوفاء منه , فلا يدل على ذلك بوجه , والله أعلم.
ومن أبواب الصلح وغيرها
[182] الصحيح : جواز الصلح عن المؤجل ببعضه حالاًّ([173])؛ لأنه لا دليل على المنع , ولا محذور في هذا , بل في ذلك مصلحة للقاضي والمقتضي , فقد يحتاج من عليه الحق إلى الوفاء قبل حلوله , وقد يحتاج صاحب الحق إلى حقه لعذر من الأعذار , وفي تجويز هذا مصلحة ظاهرة خصوصاً في الدين الذي على الميت إذا مات ولم يمض من الأجل إلا شيء قليل , فإننا بين أمرين :
- إما أن نقول : إن دينه يحل كله إذا لم يحصل توثقة لصاحب الحق , وفي هذا ظلم ؛ لأن البيع المؤجل يجعل الثمن في مقابلة السلعة ومقابلة الأجل , فإذا باعه سلعة تساوي مائة بمائة وعشرين مؤجلة ولم يمض من الأجل إلا بعضه , وقيل بحلول المائة والعشرين كان هذا ظلماً منافياً للعدل , فكان من العدل الحسن أن ينظر مقدار ما مضى من الأجل , ويجعل له حصته من الثمن مع الأصل , ويحصل بذلك براءة ذمة الميت وحصول الحق لصاحبه من غير ظلم يدخل عليه ولا مال يأخذه بغير حق.
- والأمر الثاني : أن يعلق دينه إلى أجله وحلوله , وقد يعتري التركة في هذه المدة خطر , وقد يحصل له توثقة بحقه برهن أو كفيل , فهذا جائز.
ولكن الحالة الأولى في الغالب أرجح للطرفين. وقد ورد أن بني النضير لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجليهم من المدينة , ذكر له الناس أن بينهم وبين الناس ديوناً , فأمرهم أن يضعوا ويتعجلوا([174]). وأما قياس المانعين لهذه المسألة بمسألة قلب الدين بالربا فهذا القياس من أبعد الأقيسة , وبين الأمرين من الفرق كما بين الظلم المحض والعدل الصريح.
[183] والصحيح : صحة الصلح عن حق الشفعة وعن الخيار ؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم : (( الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً حرم حلالاً أو أحل حراماً))([175]) يدخل فيه كل صلح لا محذور فيه , ولا يدخل في ربا , ولا يسقط واجباً , والصلح عن حق الشفعة والخيار كذلك. وقولهم في تعليل المنع من الصلح عنهما : " إنهما لم يشرعا لاستفادة مال , بل للأحظُّ من الأمرين"([176]) فنعم كذلك , ولكن قد يرضى الإنسان بإسقاط حقه من الشفعة , أو بإسقاط خياره إذا بذل له مال , ولا يرضى بدون ذلك , ولم يشرعا في الأصل إلا لأجل أن ينظر صاحبهما أي الأمرين أحظ له من جهة المال , فإذا ترجح الإسقاط بالمال المبذول فيه , فهذا موافق للقواعد والأصول , ولا دليل ظاهر على المنع.
[184] والصحيح : جواز إخراج الميازيب في الطرق العامة؛ لأن هذا عمل المسلمين في كل عصر ومصر , وهذا من حقوق الطرق المشتركة.
[185] والصحيح : أن المفلس إذا لم يعلم غرماؤه بفلسه([177]), ولم يحجروا عليه , وتصرف تصرفاً يضرهم , وأعطى بعضهم وحرم آخرين , أنه ليس له ذلك ؛ لأن هذا ظلم محرم , فكيف ينفذ الظلم المحرم ؟ ولأن حقوقهم كلهم تعلقت بماله , فكيف يخص بعضهم فيه ؟ وأما الحجر من الحاكم فإنه إظهار لهذه الحالة لا إيجاب شيء لم يجب إلا بحجره , وأيضاً فلو جوز له تنفيذ هذه الحال لحصل من ضرر المعاملات ما الله به عليم , وأيضاً فالغالب على من يفعل هذا الفعل أنه يغدر الناس , فيأخذ من هذا ويعطي هذا من غير إعلام له بحاله , فكيف ينفذ الغدر البين الظاهر ؟ هذا لا يكون.
[186] الصحيح : أن الوكالة لا تنفسخ إلا بعد علم الوكيل بعزله([178]) , وأن تصرفه قبل علمه نافذ صحيح ؛ لأن العزل منعه مع إعلامه , ولأنه هو الذي غَرَّ الناس بمعاملته , وتضمينه في هذه الحالة قبل علمه من أبعد الأشياء عن الأصول والقواعد الشرعية.
[187] والصحيح : أن الوكيل إذا باع بأقل مما قدره له موكله أنه لا ينفذ تصرفه إلا بالإجازة([179])؛ لأن الإذن إنما حصل على هذه الصفة. كما أن الصحيح أن الوكيل إذا باع أو اشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأقل من ثمن المثل مع احتياطه واجتهاده لموكله أنه غير ضامن ؛ لأن الإذن حاصل , ولم يحصل منه عدوان , وإنما حصل منه اغترار مترتب على الإذن , فلا يكون ذلك من ضمانه.
[188] والصواب : أن قبض الوكيل للثمن أو للمثمن يرجع فيه إلى العرف والعادة([180]) , فيعمل على ذلك , والله أعلم.
[189] والصحيح : جواز توكيله في كل قليل وكثير, أو في شراء ما شاء , أو عيناً بما شاء ؛ لعدم الدليل على المنع.
وقولهم : " لأنه يكثر فيه الغرر والضرر "([181]) جوابه أنه اختار الوكيل اختياراً مطلقاً , وفوض إليه جميع التصرفات التي فيها معاوضة , وأنابه مناب نفسه , فهو كما لو عدد أنواع التصرفات ؛ لأنه رضي بهذه الحالة واطمأن إلى اختيار وكيله , ولا يفعل ذلك إلا لكمال ثقته به , فلا مانع من هذا ولا محذور فيه , بل قد يكون في ذلك مصلحة كبيرة.
[190] قوله : "وإن قال : اقبض حقي من زيد , لم يملك طلبه من وارثه "هذا فيه نظر وتفصيل , فإن تبين من مراده أنه وكله على استحصال حقه بقطع النظر عمن يقبض منه , فلا شك أنه يملك قبضه من وارثه كما يملك قبضه من وكيل زيد , وإن صرح أن قصده أنه يقبض من زيد فقط , وأنه لا يرغب قبضه من وارثه , فهذا لا يملكه إلا بإذن ظاهر , ولكن الظاهر أن مراد الموكلين هو المعنى الأول , وأنه مطابق لقوله : اقبض حقي الذي قبله.
ومن أبواب الشركة والمضاربة والمساقاة والمزارعة والإجارة (والجعالة)([182]) ونحوها
[191] قوله : " فإن كان بدونه لم يصح " مراده أنه لا يلزم , لا أن ذلك غير جائز , فإن وعده بذلك الربح المقابل لما له فلا بأس به.
[192] والصواب : أن الشركة والمضاربة تصح, ولو كان رأس المال غير النقدين المضروبين , فإنه لا مانع من ذلك , والحاجة داعية إلى هذا , وكما أن غير النقدين يصح أن يكون ثمناً في البيع ونحوه , وأجرة في الإجارة ونحوها, فيصح أن يكون رأس مال الشركة والمضاربة, مع أن المشاركات أوسع من المعاوضات, والتعليل بأنهما قيم المتلفات وأثمان البياعات, هذا في الغالب, وإلا فقد تكون العروض قيماً للمتلفات, وأثماناً للبياعات , فعلى هذا القول الصحيح تقوم وقت العقد بأحد النقدين, ويرجع إلى هذا التقويم عند المحاسبة.
[193] الصحيح أنهما إذا اختلفا : لمن الجزء المشروط في المضاربة والمساقاة والمزارعة ؟ أن القول قول من يشهد له العرف؛ لأنه من أقوى البينات.
[194] الصحيح : أن المساقاة والمزارعة عقدان لازمان ؛ لدخولهما في الأمر بالوفاء بالعقود والعهود([183]) , ولكون المقصود منهما الكسب والعوض , وليسا من عقود التبرعات أو من عقود الوكالات حتى يفسح لأحدهما في فسخها.
[195] قوله : " ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض , وعليه عمل الناس "([184]) هذا هو الصواب كما استدل له في شرحه رحمه الله.
[196] والصحيح : جواز إجارة الحيوان ليأخذ لبنه([185])؛ لأن الله أباح ذلك وأجازه في الظئر, والحيوان بمعنى ذلك , ولا مانع من كون المنفعة أعياناًُ تستخلف شيئاً فشيئاً , ويكون حالها حال المنافع , فلا دليل على المنع , ولا يخالف ذلك قاعدة شرعية.
[197] الصحيح : الرجوع إلى العرف فيما على المؤجر والمستأجر([186]) , والعرف أصل كبير, يرجع إليه في كثير من الشروط والحقوق التي لم تتقدر شرعاً ولا لفظاً.
[198] والصحيح : أن الإجارة تنفسخ بكل أمر يتعذر فيه استيفاء المنفعة من موت الراكب ونحوه([187]), ولا فرق بين مسائله في الحقيقة.
[199] والصحيح : أن الأجير إذا عمل لغيره عملاً بصناعة أو حمل شيء([188]) , ثم تلف ذلك المصنوع أو المحمول بغير تفريط وتعد من الأجير أن له من الأجر بقدر عمله , ولو لم يسلمه إلى ربه ؛ لأن الأجرة مستحقة بالعمل لا بالتسليم, وبقاء الشيء المؤجر عليه , وإذا كان لا يضمنه فما الذي يسقط أجرته ؟ وليس من العدل أن يحمل لغيره أحمالاً ثقيلة من بلاد بعيدة حتى إذا قارب وصولها أخذها قطاع الطريق أو سرقت ونحو ذلك أن يضيع عمل الأجير ويخيب ويتلف تعبه وتعب بهائمه مع تلف مال المؤجر , هذا لا تأتي به الشريعة أصلاً , وهو قبيح في نظر الناس , وما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن , وما رأوه قبيحاً كان عند الله قبيحاً, وهذا واضح لا إشكال فيه بوجه , ولله الحمد.
[200] ومسألة الأرش في المعيب لا فرق فيه بين الإجارة والبيع.
[201] والصحيح : أن الأجير غير ضامن سواء كان خاصاً أو مشتركاً؛ لأنه من الأمناء الذين لا يضمنون إلا بالتعدي أو التفريط , ويحمل ما ورد عن عليٍ في تضمينهم([189]) : إذا كان تعد أو تفريط , وإلا فليسوا غاصبين حتى يرتب عليهم الضمان , وأيضاً فالضمان مرتب على اليد والتصرف , فإذا كانت اليد يداً عادية رتب عليها الضمان , وإذا كان التصرف ممنوعاً رتب عليه الضمان, والأجير يده غير عادية وتصرفه غير ممنوع , بل مأمور به من جهة المؤجر.
[202] الصحيح : جواز المسابقة على الخيل والإبل والسهام بعوض, ولو كان المتسابقان كل منهما مخرجاً للعوض , وأنه لا يشترط محلل ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رخص في المسابقة , وأخذ السبق في هذه الثلاثة , ولم يشترط المحلل , ولو كان شرطاً لشرطه , وتعليلهم بقولهم في اشتراط المحلل : "لأجل أن يخرج عن شبه القمار "([190]) تعليل فيه نظر , فإنه لا يشترط أن تخرج عن القمار , بل هو قمار جائز , فالقمار كله ممنوع محرم شرعاً , إلا هذه الثلاثة لرجحان مصلحتها وإعانتها على الجهاد في سبيل الله, والحديث الذي فيه ذكر المحلل([191]), ضعفه كثير من الأئمة , ولم يروا الاحتجاج به.
[203] والصحيح : أنه لا يشترط اتحاد المركوبين في النوع, ولا القوسين في النوع ؛ لأن الإذن في السبق بها يتناول ما كان من نوع واحد , وما اختلفت أنواعه , بل الذي يلزم تعيينه الراكب ؛ لاختلاف المقصود باختلاف الراكبين.
[204] الصحيح : أن العارية المؤجلة تلزم إلى ذلك الأجل, خصوصاً إذا أذن في شغله بشيء يستضر المستعير إذا رجع فيه , فلا رجوع له ولا أجرة.
[205] والصواب : أن العارية لا تضمن إلا بالشرط؛ لدخولها في جملة الأمانات , ولأن أسباب الضمان إما تعد وإما تقصير عن الواجب وإما تصرف لم يؤذن له فيه , وهذا مفقود في العارية , ولأن القاعدة : أن ما ترتب على المأذون , فإنه غير مضمون. وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية : (( بل عارية مؤداة ))([192]) فليس معناه أنها تضمن
إذا أتلفت , وإنما معناه أن على المستعير أدائها كقوله : (( على اليد ما أخذت حتى تؤديه )) ([193]).
[206] الصحيح : أن مؤنة الدابة المستعارة على من استعارها([194]) , وهذا هو العرف الجاري , ويستقبح الناس أن يحسن إليه بإعارة دابة يستعملها أو يركبها ويعلفها , ثم يرجع على صاحبها بالعلف.
ومن باب الغصب وغيره
[207] أما إذا انتقل المغصوب من حالة إلى أخرى([195]) , كما إذا أبعده أو بنى عليه أو نجر الخشب باباً أو جعل الحديد أواني , فإنه ظاهر أنه باق على ملك المغصوب منه , وأما إذا استحال بالكلية بأن كانت البيضة فرخاً أو النوى غرساً أو الحب زرعاً , ونحو ذلك فإن كونه باقياً على ملك صاحبه لا يظهر , بل الظاهر أن هذا من نوع الإتلاف , فيضمن الغاصب مثل المغصوب إن أمكن وإلا فالقيمة.
[208] والصواب : أن الغاصب يضمن نقص المغصوب بأي حالة كان([196]), حتى ولو كان النقص بالسعر , فإن نقص السعر وغيره على حد سواء , فإن السعر صفة خارجية للعين فتشبه الصفة الداخلية , وأيضاً فلا ينبغي أن يعان الظالم على ظلمه بأن يغصب شيئاً يساوي مائة فتنقص قيمته لكساد فتصير قيمته خمسين , وكان صاحبه بصدد أن يبيعه بالمائة , فيقال : لا يلزم الغاصب شيء من هذا النقص , هذا غير صحيح.
[209] قولهم : " والأيدي المترتبة على الغاصب كلها أيدي ضمان , وأن المغصوب منه له مطالبة من شاء من الغاصب أو من انتقل إليه المغصوب "([197])إطلاقه فيه نظر , فإنه إن أريد أنه يأخذ عين ماله الموجود عند من وجده عنده , سواء كان الغاصب أو من انتقلت إليه , فهذا صحيح, وإن أريد أنه إذا تلف تحت يد من انتقل إليه بشراء أو هبة أو وديعة أو نحوها أنه يضمن العين والمنافع لربها , وهو لا يدري بأنه مغصوب , فإنه غير صحيح , بل الصواب أنه لا يضمن من لا يعلم أنه مغصوب , سواء كان مشترياً أو مُتَّهِباً أو مودعاً أو انتقلت إليه أجرة أو صداقاً أو عوض خلع أو عارية أو غيرها ؛ لأنه غير متعد ولا ظالم , فكيف يضمن المغرور المخدوع الذي فعل ما له فعله شرعاً ؟ نعم : الغاصب من الغاصب , والعالم بأنه مغصوب هذا الذي عليه الضمان.
[210] والصحيح : ثبوت الشفعة في ملك من عقار لم تقسم حدوده وتصرف طرقه, وأن الشريكين إذا اشتركا في بئر أو طريق أو نحوه من حقوق الملك , أنه تثبت فيه الشفعة , وهذا القول هو الذي تجتمع فيه الأدلة.
[211] والصحيح : أن حق الشفعة كغيره من الحقوق, لا يسقط إلا بما يدل على الرضا بإسقاطه ؛ لأن الشارع أثبته لدفع الضرر عن الشريك في العقار , فلا يسقط ما أثبته الشارع إلا بما يدل على إسقاطه من قول أو فعل دال على الرضا بالإسقاط , وأي فرق بينه وبين سائر الحقوق. وأما الأحاديث التي استدل بها أصحابنا رحمهم الله كالحديث الذي فيه : (( الشفعة كحل العقال ))([198]) , والآخر : ((الشفعة لمن واثبها ))([199]), فلا يثبت بها حكم شرعي ؛ لأنها لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا ينبغي الاحتجاج بها ,
خصوصاً لهدم حكم أثبته الشارع , وقد لا يبادر من له حق الشفعة لينظر في أمره ويتروى , فمعاجلته في هذه الحال مخالفة لما أثبته الشارع له من الرفق , والله أعلم.
[212] قوله : " ولا شفعة بشركة وقف "([200]), وقيل تثبت الشفعة بذلك , فيأخذه المستحقون للوقف أو لأنفسهم , فإن كان أصلح للوقف ولم يحصل بذلك عليه ولا على المستحقين ضرر أخذه الولي للوقف , وإن لم يكن أصلح وأحب المستحقون لريع الوقف أخذه على ملكهم فلهم ذلك , وهذا القول أولى , وحاجة أهل الوقف إلى دفع الضرر عنهم أشد من حاجة غيرهم ؛ لأن غيرهم يتمكن من نقل الملك لغيره , وهؤلاء لا يتمكنون , فكيف تثبت الشفعة لغيرهم ولا تثبت لهم ؟ ولأن الوقف يدخل في العموم اللفظي والمعنوي , فما الذي يخرجه ؟ والتعليل بكونه لا يؤخذ بالشفعة , وأن مستحقه غير تام الملك لا يضر ولا يفرق التفريق المؤثر.
[213] وتقدم أن الصحيح أن الشفعة لا تسقط بموت من له أخذها, وأن ورثته يقومون فيها مقامه.
[214] قوله : " فإن قال المشتري : اشتريته بألف , أخذه الشفيع به , ولو أثبت البائع أن البيع بأكثر من ألف مؤاخذة للمشتري بإقراره , فإن قال : غلطت , أو كذبت , أو نسيت , لم يقبل ؛ لأنه رجوع عن إقراره "([201]) فيه نظر ظاهر , فإن هذا الإقرار تبين أنه غلط بالبينة العادلة , وإنما الذي لا يقبل رجوعه عن إقراره بحق الغير إذا كان الحق ليس فيه إلا مجرد الإقرار.
[215] قوله : " وإن حدث خوف أو سفر رد الوديعة إلى ربها "([202]) هذا إذا لم يدل الدليل على إبقائها عنده , فيتبع العرف في ذلك وقرائن الأحوال.
[216] قوله : " وإن أخذ درهماً من غير محرزه ثم رده , فضاع الكل ضمنه وحده , وإن رد بدله غير متميز ضمن الجميع ", لا يبين الفرق بين الصورتين ولا يظهر إيجاب الضمان عليه في الجميع , بل الظاهر أنه لا يضمن إلا ما حصل فيه التعدي , وهو الدرهم وحده , سواء رده متميزاً أم لا.
[217] والصحيح : أن فسخ الجعالة إذا كان من الجاعل كان للعامل حصته من المسمى لا من أجرة المثل؛ لأنه يوجد من العمال من لا يعمل إلا إذا كان المسمى أكثر من أجرة المثل , فدخل على هذا وصار شرطاً شرطه له الجاعل , فإن أتمه استحقه كله , وإلا استحق قسط المسمى , سواء وافق أجرة المثل أو أقل أو أكثر.
ومن كتاب الوقف والهبة
[218] اشتراط الفقهاء رحمهم الله : أن الوقف لا بد أن يكون على جهة بر وقربة, يدل على أن الوقف على بعض الورثة دون بعض يحرم ولا ينفذ , وهو الصواب , وهو خلاف قول بعضهم في الوصية : " إنه إذا وقف ثلث ماله على بعض ورثته أنه نافذ جائز "([203]), وهذا من باب الأغلاط المحضة التي لا وجه لها ؛ لأنها مخالفة للشرع من كل وجه , وإذا كان الوقف شرطه القربة باتفاق الفقهاء , فالوقف ممن عليه ديون يضر بها غير نافذ , ولو كان لم يحجر عليه , خصوصاً إذا ظهر من قرائن أحواله أن قصده بوقفها تحجيرها عن غرمائه , فهذا النوع لا يمكن أحداً من الفقهاء المعتبرين أن يجيزه وينفذه ؛لكونه ظلماً متكرراً وغدراً ظاهراً.
[219] قوله : "فلا يصح على مجهولٍ كرجل ومسجد , ولا على أحد هذين , ولا على عبد ومبعض" فيه نظر , فإنه لا مانع من ذلك , فإنه إذا علم أن قصده رجل من رجال المسلمين , أو مسجد من مساجدهم , فإنه صحيح يصرفه الناظر إلى من يراه أصلح من الرجال والمساجد , وكذلك الوقف على الأرقاء شبيه بمسألة الهبة لهم , والرقيق يهدى له ويتصدق عليه , ويكون ذلك أيضاً إعانة لسيده عليه.
فالصواب : صحة الوقف المذكور وهو الموافق للأصول الشرعية.
[220] قولهم في مصرف الوقف المنقطع : " إنه يرجع إلى أقارب الموقف الوارثين بقدر إرثهم " , والرواية الأخرى : أنه يصرف على الفقراء والمساكين([204]), فإن كان في أقاربه من هو كذلك كانوا أحق من غيرهم , وهذا هو الذي يغلب على مقاصد الموقفين للأوقاف الشرعية.
واعلم أن كلام الفقهاء رحمهم الله في مسائل الوقف على الأولاد , وأحد الورثة , من قولهم : يقدم كذا , أو يقدم كذا , إنما ذلك كلام مطلق راجع إلى معاني ألفاظ الواقفين , ولكنه محمول على المقيد في الشرع , وفي كلام الفقهاء من أنه لا يحل لأحد أن يوقف وقفاً يتضمن المحرم والظلم , بأن يكون وقفه مشتملاً على تخصيص أحد الورثة دون الآخرين , أو على حرمان من لهم الحق , وهذا القيد يتعين ؛ لأن الله أمر بالتعاون على البر والتقوى , ونهى عن الظلم , وأمر بالعدل , فكل ما خالف هذا فإنه مردود على صاحبه , غير نافذ التصرف , فإن العبد ليس له أن يتصرف في ماله بمقتضى شهوته النفسية وهواه , بل عليه أن لا يخالف الشرع , ولا يخرج عن العدل , وإن فعل ذلك كان ذلك باطلاً بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))([205]).
ومن هنا تعرف معنى قولهم : "وإن وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث أو حرمانهن عمل بها"([206]). وكذلك معنى قولهم : "إن وقف الثلث على بعض الورثة صحيح"([207]) , وغير ذلك , مما هو ملحوظ فيه مجرد اللفظ.
[221] والصواب : أنه يغتفر في أبواب التبرعات ما لا يغتفر في أبواب المعاوضات ؛ لوجود الفرق بين الأمرين , فعلى هذا يصح هبة المجهول , سواء تعذر علمه أو لم يتعذر ؛ لأنه بذل ذلك لا في مقابلة عوض على ما هو عليه , فلا مانع من صحته ونفوذه.
[222] قولهم في إبراء مدينه من دينه , ونحوه مما هو في الذمة : " إنه يسقط ولو لم يرض من عليه الحق", وتعليلهم :"بأنه إسقاط , فيسقط سواء رضي أو كره , وأنه لا يفتقر إلى القبول"([208]) فيه نظر ظاهر ; فإن الإنسان لا يجبر أن يكون تحت منة غيره , ولا فرق في هذا الباب بين هبة الأعيان وهبة الأوصاف والديون.
[223] والصحيح : أن تصرف الأب في مال ولده الذي يصح تملكه له صحيح؛ لأنه متضمن للتملك , وقولهم في تعليل المنع : " إن ملك الابن عليه تام , ولو كان للغير , أو مشتركاً لم يجز "([209])تعليل غير صحيح , ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم : (( أنت ومالك لأبيك ))([210]), فإنه كما أنه له أن يتملكه , فله أن ينوي تملكه ويتصرف فيه , وهو لا يتصرف فيه بالنيابة عن الولد , وإنما يتصرف فيه بحسب أنه ملك له , وليس للشارع غرض في قول الأب : تملكته ثم يقبضه ثم يتصرف فيه , وإنما المراد أن الأب في مال الولد حكمه حكم ولده , يأخذ ويبيع ويؤجر ويفعل كل ما لا يضر الولد.
[224] قوله : " فإن وصى لحي وميت يعلم موته , فالكل للحي ". الصحيح : القول الآخر : أن الحي له النصف فقط , كجهل موته ؛لأنه كيف يتملك شيئاً أو يكون له شيء لم يُملَّك إياه ؟.
[225] قوله : " وتصح الوصية بكلب صيد , وزيت متنجس , وله ثلثهما ولو كثر المال إن لم تجز الورثة " هذا غير صحيح. فالصواب : أن له الكلب كله , والزيت المتنجس كله , إلا إن كان قد أوصى بثلث ماله , ثم أوصى بهذه زيادة على الثلث فإنه يفتقر إلى إجازة باقي الورثة , وكيف لا يكون له جميع ذلك , وهو صاحب أموال عظيمة , ولم يوص بغير الكلب المذكور والزيت , وتعليلهم ذلك بأنه " لا بد من سلامة ثلثي التركة للورثة وليس من التركة شيء من جنس الموصى به "([211]) غير ظاهر , فإنه ناقص عن الأموال التي تتمول , فكيف يصحح الوصية بالمال الكثير المتمول ولا يصحح الوصية بالمال الناقص الذي لا يتمول حتى يكون له مقابل من جنسه ؟ وهذا واضح , ولله الحمد.
ومن كتاب الفرائض
[226] والصواب : أن الجد لأب, وإن علا يحجب الإخوة مطلقاً؛ لأن الله سماه أباً , ولأنه قائم بالإتفاق مقام الأب في غير ما استثني , ولأن بني الإخوة بالاتفاق لا يرثون مع الجد الأعلى , ولأن الله تعالى ورث الإخوة في الكلالة , وهي : من لا ولد له ولا والد , والوالد يشمل الأب والجد , فليس للإخوة ميراث معهم , ولأن المورثين للإخوة مع الجد ليس معهم في ذلك دليل , وهم مختلفون في كيفية إرثهم اختلافاً كثيراً , ومسائلهم معه غير منضبطة على القواعد الشرعية , فدل ذلك على ضعف القول بتوريث الإخوة مع الجد , والله أعلم.
[227] والصحيح : أن الإخوة المحجوبين لا يحجبون الأم عن الثلث؛ لأن قوله تعالى : ] فإن كان له إخوة [] النساء : 11 [, المراد بهم الوارثون , فكما لا يدخل فيهم المحجوب بوصف , لا يدخل المحجوب بشخص , ولأن قاعدة الفرائض : أن من لا يرث لا يحجب , لا حرماناً ولا نقصاناً , ولأن الحكمة في تنقيصهم للأم لأجل أن يتوفر عليهم , فإذا لم يكونوا وارثين لم يكونوا حاجبين , والله أعلم.
[228] والصحيح: أن كل جدة أدلت بجد وارث أنها ترث, ولا ينافي ذلك الحديث الذي رواه النخعي أنه صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات([212]),
واحدة من قبل الأم , واثنتين من قبل الأب ؛ لأن هذا إخبار بالصورة الواقعة , ولا فرق بين أم الجد وأم جد الأب , وما فوقها ؛ لاستواء الجميع بالإدلاء بالوارث.
[229] والصحيح : أنه يرد على الزوجين كغيرهما من أهل الفروض([213])؛لعدم الدليل البين على أن الرد مخصوص بغير الزوجين , وأما قوله تعالى : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض }] الأنفال : 75 [, فإنه كما لا يدل على أنهم الوارثون بالفرض دون الزوجين , فلا يدل على أنهم المخصوصون بالرد , ويدل على ذلك أن العول الذي هو ضد الرد يتناول جميع أهل الفروض , الزوجين وغيرهم , وحالة الرد نظير حالة العول , وأيضاً المعنى في العول والرد معنى واحد , فالعول إذا تزاحمت الفروض , ولم يمكن أن يكمل لكل واحد فرضه , فإن المسائل تعول , وتنقص الفروض بمقدار الحصص , والرد إذا قلت الفروض وبقي بقية لا وارث لها إلا أهل الفروض , بأن لم يكن عصبة , فإنها ترد عليهم بقدر فروضهم , وهذا واضح , ولله الحمد.
[230] والصحيح : أن المفقود ينتظر حتى يغلب على الظن أنه غير موجود, وأنه لا يحدد بتسعين سنة ولا غيرها ؛ لعدم الدليل على التحديد , ولأن القاعدة الشرعية أنه متى تعذر الوصول إلى اليقين رجع إلى غلبة الظن في كل مسائل الدين , ولأن التحديد كما أنه غير منقول , فإنه غير معقول , فإنه على القول به إذا فقد من ظاهر غيبته السلامة , وكان له عشرون سنة انتظر سبعين سنة , فإن كان له تسع وثمانون سنة انتظر سنة واحدة , وهذا ظاهر الفساد , ولكن تحد المسألة كنظائرها بأن يجتهد الحاكم وأهل الخبرة في تقدير مدة للانتظار , ويختلف ذلك باختلاف الأوقات والبلدان والأشخاص , هذا الذي تطمئن إليه النفس والقلب.
[231] والصحيح : أنه إذا مات متوارثان([214]) , وجهل السابق منهما بالموت أنهما لا يتوارثان , سواء حصل اختلاف بين ورثة كل منهما أم لا ؛ لأن شرط الإرث تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه , أو إلحاقه بالأحياء كالمفقود , وهنا هذا الشرط مفقود , يوضحه أن الله تعالى ذكر في المواريث أن الحي له كذا وكذا مما ترك الميت , وهذه الصورة لا تدخل تحت ذلك , ولأن الأصل عدم استحقاق الإنسان لمال غيره حتى يعلم السبب الذي استحق به , والآثار في هذا الباب عن الصحابة رضي الله عنهم مختلفة , فوجب الرجوع إلى الأصول الشرعية , والألفاظ القرآنية.
[232] والصحيح : أن المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر, ولو ظهر ذلك منه , أنه يتوارث هو وقرابته المسلمون , كما كان المنافقون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة , ويتوارثون مع قراباتهم المسلمين , ولأن الحكم إنما هو في الدنيا على الظواهر , وأما أحكام الآخرة فإنها على البواطن.
ومن باب النكاح وتوابعه
[233] الصحيح : أنه إذا علم أن غيره قد خطب لا يحل له أن يخطب حتى يأذن الخاطب أو يرد, وأما إذا جهل الحال , أو استأذنه فسكت فإنه لا يجوز له الخطبة في هذه الحال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك([215]) , والنهي يدخل فيه إذا جهل الحال , وإذا استأذنه فسكت ؛ لأن السكوت ليس بترك.
[234] وقد تقدم أن الصحيح : صحة العقود بكل لفظ دل عليها, سواء كانت بيعاً أو إجارة أو هبة أو نكاحاً أو رجعة أو غير ذلك , فعلى هذا ينعقد النكاح بكل قول دل عليه , وفهمه المتعاقدان ولم يلتبس عليهما , وسواء كان بلفظ العربية أو غيرها، للقادر على العربية وغير القادر , كما تقدم الدليل على ذلك.
[235] والصحيح : أن الأب ليس له إجبار ابنته البالغة العاقلة على نكاح من لا ترضاه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تنكح الأيم حتى تستأمر , ولا تنكح البكر حتى تستأذن )) الحديث متفق عليه([216]) , وهذا عام للأب وغيره , وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن جارية بكراً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة , فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه([217]).
وهذا هو الاعتبار , فإن الأب إذا كان لا يجبرها على بيع شيء من مالها , فكيف يجبرها على بضعها الذي ضرر كراهتها أعظم من ضرر المال بكثير ؟.
[236] والصواب المقطوع به : أن العدالة ليست شرطاً في الولي, فيزوج الولي الفاسق موليته , كما هو المعمول به في سائر الأوقات , ولم يشترط الشارع العدالة في ولاية النكاح.
وأما قولهم :" لأنها ولاية نظرية فلا يستبد بها الفاسق "([218]) , فإنما ذلك في ولايات الأموال ونحوها , مما تدخله المطامع والتهم , وأما ولي النكاح فقل أن يوجد من لا يختار لموليته أصلح ما يقدر عليه , ولو كان من أفسق الناس , وأيضاً ولاية النكاح بمنزلة باقي التصرفات التي تنعقد من العدل والفاسق , والله أعلم.
[237] والصحيح : أن كون الزوج والزوجة عفيفاً عن الزنا وعفيفة عنه شرط في صحة النكاح , فلا يصح إنكاح المعروف بالزنا حتى يتوب , كما لا يصح نكاح الزانية حتى تتوب , كما قال تعالى : {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} ]النور : 3[ , وكما قال تعالى بعد ما أحل المحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم , فقال : {محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان }] المائدة : 5 [, ولأن الزنى من أحد الزوجين يفسد الفراش ويذهب مقصود النكاح , ويحصل فيه من المفاسد والمضار ما يوجب اشتراط العفة , والله أعلم.
[238] والصواب : أن تحريم المصاهرة لا يثبت إلا بالنكاح, لا بالزنا والسفاح ؛ لأنه لا يدخل في لفظه ولا معناه , ولا يمكن قياسه عليه بوجه.
[239] والصحيح : أنه لا يسقط خيار المعتقة تحت عبد إلا بإسقاطها أو بتمكينها مع العلم؛ لأنه حق لها ثابت لا يسقطه إلا الرضا بإسقاطه , ومع تمكينها مع الجهل ليس برضاً.
[240] قولهم : " ولا يثبت الفسخ بغير العيوب المذكورة , كخرس وطرش وقطع يد أو رجل أو عضو " فيه نظر ظاهر , بل الصحيح ما قاله صاحب الهدي([219]) : أن النكاح يفسخ بجميع العيوب كسائر العقود , ولأن الأصل السلامة , فكان عدم هذه مشروطاً في العقد , والله أعلم.
[241] والذي يقتضيه الدليل : أنه إذا أسلم أحد الزوجين, وتأخر إسلام الآخر , فإن أسلم المتخلف في العدة فهما على نكاحهما , وإن انقضت العدة جاز للزوجة أن تتزوج , فإن لم تتزوج , وأسلم الزوج بعد ذلك , وأرادها واختارته ردت إليه بغير نكاح.
[242] قوله : "وإن تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صحت التسمية , فلو طلق قبل الدخول وبعد القبض رجع عليها بالألف دون أبيها , وكذا إذا شرط الكل له وقبضه الأب ثم طلق قبل الدخول رجع عليها بقدر نصفه " , الصحيح الوجه الثاني : وهو أنه يرجع بالصداق أو نصفه على من قبضه , سواء كان الأب أو الزوجة.
[243] والصحيح : أن الذي بيده عقدة النكاح: هو الأب الذي له التملك من مال ولده والعفو عنه , وهو ظاهر الآية , فإن الخطاب للأزواج بقوله : {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}]البقرة : 237[ أي لهن , أو فأعطوهن نصف ما فرضتم, إلا أن يحصل أحد الأمرين: إما عفوها , أو عفو وليها الذي بيده عقدة النكاح , فإذا حصل أحدهما فلا يجب عليكم أيها الأزواج شيء, ولأن العطف يدل على هذا المعنى , ولأنه لو أراد أن الذي بيده عقدة النكاح الزوج لقال: إلا أن يعفون أو تعفوا عن جميع ما فرضتم , أو نحو ذلك , كما هو ظاهر واضح, ولله الحمد.
[244] والصحيح : أنه لا يصح تفويض البضع بأن يزوجه بشرط عدم المهر, وأن المهر شرط في النكاح , لا يخلو النكاح منه , إن كان مسمى وجب المسمى , وإن كان مسكوتاً عنه وجب مهر المثل. وإن كان مشروطاً نفيه فالنكاح باطل , كما دل على ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة المتنوعة , ولو كان لأحد رخصة أن يتزوج من دون مهر لأسقطه صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي قال له : (( التمس ولو خاتماً من حديد ))([220]), فلم يجد فزوجه على ما معه من القرآن.
[245] والصواب : أن الوطء المحرم كالزنا لا يوجب المهر ولا يجب به عوض, وإنما يضمن ما ترتب عليه من الإتلاف ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي([221]) , ولأنه مال في مقابلة محرم , فلم يكن حلالاً , بل هو سحت محرم.
[246] قولهم : " أو سلمت نفسها تبرعاً فليس لها منع نفسها حتى تقبض صداقها الحال" فيه نظر ظاهر , بل الصواب : أن لها منع نفسها حتى تقبض الصداق الحال , سواء امتنعت أو لا , أو سلمت نفسها على أنه سيقبضها ثم امتنع من إقباضها كسائر العقود التي فيها عوض , ولا فرق في الحقيقة بين النكاح وغيره , بل النكاح أقوى من سائر العقود في وجوب المال فيه والشروط. وقولهم في تعليل ما قالوا : " لرضاها بالتسليم "([222])تعليل غير وجيه , فإنها لم ترض بالتسليم مطلقاً , وإنما رضيت بحسب أنه سيقبضها صداقها , فلما لم يقبضها كان لها الامتناع , والله أعلم.
[247] والصواب : أنه تجب معاشرة كلٍّ من الزوجين للآخر بالمعروف, وأن الطبخ والخبز وخدمة الدار ونحو ذلك واجب عليها مع جريان العادة بذلك ؛ لأن هذا هو المعاشرة المعروفة التي كأنها مشروطة في العقد , وكذلك الوطء وغيره يجب بالمعروف , ولا يتقدر ذلك بثلث سنة ولا غيرها , وكما أن الطعام والكسوة والمسكن يرجع فيه إلى العرف , فكذلك الخدمة والوطء وغيرهما , الجميع داخل في قوله تعالى : { وعاشروهن بالمعروف }] النساء : 19 [, وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ))([223]).
[248] قوله : " ويكره الوطء بمرأى أحد أو مسمعه , والتحدث بما جرى بينهما ", الصحيح : أن ذلك يحرم , للنهي الشديد في ذلك , ولما يترتب عليه من المفاسد.
[249] والصحيح : أن الخلع لا يحسب من الطلاق, ولو كان بلفظ الطلاق ونيته ؛ لأن الله تعالى جعل الافتداء غير الطلاق , وذلك عام , سواء كان بلفظه الخاص أو بلفظ آخر , ولأن العبرة بالقصود والمعاني , لا بالألفاظ والمباني.
[250] والصواب : أن للأب خلع ابنته بشيء من مالها إذا رأى في ذلك مصلحة لها؛ لأن في الأب من الشفقة وله من الحق وجواز التملك والأخذ من مال ولده ما يوجب أن يكون له الحق الأكبر في ذلك وفي غيره.
[251] والصحيح : أن السكران ولو بمحرم لا يقع طلاقه, كما لا تقع عقوده , فعباداته لاغية , وعقوده لاغية , وكذلك إقراره على الصحيح وطلاقه , ولأن الشارع لم يعاقبه على المسكر بغير الحد , ولأن القول بوقوع الطلاق يوجب عقوبة من لم يذنب , وهي الزوجة , ولأن شرط الطلاق قصده , والسكران لا قصد له.
[252] ورجح الشيخ تقي الدين ابن تيمية : أن الطلاق لا يقع إلا واحدة بجميع ألفاظ الطلاق([224]) , ولو صرح بلفظ الثلاث أو البينونة أو البتة أو غيرها , وأنه لا تقع الثانية إلا بعد رجعة صحيحة , ونصر هذا القول بوجوه كثيرة جداً , من وقف على كلامه فيها لم يسعه مخالفة هذا القول ؛ لقوته ورجحانه وكثرة أدلته وضعف ما قابله.
[253] وكذلك رجح رحمه الله تعالى : أن يمين الطلاق كسائر الأيمان تدخلها الكفارة([225]) , ولا تكون بمنزلة الطلاق المعلق تعليقاً محضاً , وذكر الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والاعتبار على هذا القول , وأنه داخل في عموم الأيمان التي جعل الله لها تحلة , وأطال الكلام في ذلك جداً , وأنه القول الموافق للأصول الشرعية والمعاني الفقهية والألفاظ النبوية , والله تعالى أعلم.
[254] والصحيح : أنه إذا فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً لم يحنث, لا في طلاق ولا عتاق ولا غيرهما ؛ لأن الله تعالى رفع المؤاخذة عن الناسي والمخطئ من دون استثناء , ولأنه لا فرق بين اليمين بالله والحلف بالطلاق والعتاق وغيرهما ؛ لأن المغلب في ذلك حق الله تعالى.
[255] والصحيح : أن الرجعة لا تحصل بمجرد الوطء حتى ينويه رجعة؛ لأن الرجعة حقيقتها ترجيع زوجته المطلقة إلى ما كانت عليه قبل ذلك , وهذا لا يحصل بمجرد الوطء.
[256] والصحيح : أن الإيلاء ينعقد باليمين بالله وبالطلاق والعتق وغير ذلك مما يعد حلفاً؛ لعموم قوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } الآية ]البقرة : 226 [.
[257] والصحيح : أن المرأة إذا ظاهرت من زوجها ليس عليها في الحنث إلا كفارة يمين؛ لأن الله تعالى جعل الظهار وكفارته صادرة من الرجل على المرأة , وأما العكس فكما لا يسمى ظهاراً فليس فيه كفارته الخاصة , ولا يصح قياس المرأة في هذا الموضع على الرجل ؛ لوجود الفوارق الكثيرة بينها وبينه.
[258] قوله في الكفارة : " وإن غدى المساكين أو عشاهم لم يجزه ؛ لعدم تمليكهم "([226]) فيه نظر , بل الصحيح أن ذلك يجزيه , وأنه داخل في قوله تعالى : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } الآية] المائدة : 89 [ , وفي قوله : {فإطعام ستين مسكينا } ] المجادلة : 4 [, وهذا هو الإطعام الذي يعرفه العرب , وأما تمليكهم الطعام فنهاية الأمر أنه ملحق به , والله أعلم.
[259] قوله: " وإن علمت ما رفعه من مرض أو رضاع أو نحوهما , فلا تزال في عدة حتى يعود, فتعتد به أو تبلغ سن الإياس, فتعتد عدة آيسة " هذا فيه نظر, فإنه إذا غلب على الظن أنه يعود , كما إذا ارتفع عن المرضع مدة الرضاع, فإنه يغلب على الظن أنه يعود بعد الرضاع, فهذه تنتظر حتى يعود. وأما إذا لم يظن عوده فإنها تعتد سنة كاملة , تسعة أشهر احتياطاً عن الحمل, وثلاثة للعدة. والقول بأنها تنتظر حتى تبلغ سن الإياس : ضرر عظيم عليها, لا تأتي به الشريعة.
[260] والصحيح : أن الموطوءة بشبهة والزانية ونحوهن لا تعتد بعدة زواج, بل تستبرئ استبراء الإماء بحيضة واحدة ؛ لعدم دخولهن في نصوص عدة الزوجات , ولعدم صحة قياس السفاح على النكاح , ولأن للزواج عدة معانٍ في حكمة العدة , بخلاف الموطوءة وطئاً محرماً , فإنه ليس القصد إلا معرفة براءة رحمها , وذلك حاصل بحيضة واحدة.
[261] والصحيح : أنه لا يجوز للمرأة الحادة لبس الأبيض الحسن([227]) , كالإبريسم ونحوه , وقول المجوزين : إن حسنه من أصل الخلقة فرق غير مؤثر , فالتأثير إنما هو الفرق بين اللباس الذي يدعو إليها ويرغب فيها , وبين ما ليس كذلك من لباس المهنة , وأما الألوان فلا عبرة بها.
[262] والصحيح : أن الرضعة لا تسمى رضعة بمجرد إطلاق الراضع للثدي, أو انتقاله إلى ثدي آخر , بل لا بد من رضعة كاملة ؛ لأن هذا هو المتبادر شرعاً ولغة وعرفاً.
ومن كتاب النفقات وغيرها
[263] والصحيح : أنها لا تسقط نفقة الزوجة عن زوجها إلا بنشوزها ومعصيتها إياه([228]) , وأما حبسها وسفرها الواجب أو المباح بإذنه فلا يسقط نفقتها ؛ لأن الأصل وجوبها ولا مسقط لها , وليست في مقابلة الاستمتاع فقط , فإنها تجب للمريضة ولو لم يمكن استمتاعه بها , وكذلك النفساء ونحوها.
[264] وإذا اختلف الزوج والزوجة في النفقة فالصحيح : أن القول قول الزوج إذا شهد له العرف والعادة بذلك ؛ لأنه وإن كان الأصل وجوب النفقة عليه , فإنه يعارض هذا أصول أخر وظواهر كثيرة , فإن الأصل أن نفقتها إنما كانت من زوجها , والظاهر الذي يقارب الجزم في كثير من ذلك يصدق قوله.
[265] والصحيح : أنه يملك إجبار زوجته على رضاع ولدها بلا أجرة ما دامت في حباله؛ لأن هذا هو العرف , فيجب الرجوع إليه , ولأن الله تعالى لم يوجب على الزوج لزوجته التي ترضع ولده غير النفقة والكسوة , والله أعلم.
[266] والصحيح في مسألة الحضانة : أن الترتيب الذي ذكره الأصحاب فيها وإن اعتبرناه فإنما ذلك إذا لم تتحقق مصلحة الطفل بغيره, فإن تحققت وكان المؤخر أصلح له , أو المقدم أضر عليه , كان الواجب اتباع مصلحة الطفل , ويدل على هذا أن هذا الباب كله مقصوده القيام بمصالح المحضون ودفع مضاره , فمع الاشتباه يقدم من كان مظنة حصول ذلك , ومع التحقق يرجع إلى الأصل المذكور.
[267] والصحيح : وجوب النفقة لكل زوجة غير ناشز حتى الصغيرة والمسافرة لحاجتها بإذنه ونحوهما؛لأن الأصل وجوب النفقة لكل زوجة , كما تجب بقية أحكام الزوجية , ولا نسلم أن النفقة علتها إمكان التمكين فقط , بل العلة الأصيلة كونها زوجة غير ناشز , ويؤيد هذا وجوب النفقة على الزوج الصغير , وللزوجة المريضة والحائض والمحرمة ونحوهن , مع أن التمكين من الوطء غير ممكن حساً أو شرعاً , والله أعلم. وهذا أحد القولين في مذهب الإمام أحمد والشافعي رضي الله عنهما([229]).
[268] والصحيح : أن للزوجة منع نفسها من زوجها لقبض صداقها, سواء مكنت قبل ذلك أم لا , وسواء كان حالاً أو مؤجلاً وحل والزوج موسر به ؛ لأن هذا هو الأصل الثابت في جميع العقود والمعاوضات: أن أحد المتعاوضين إذا منع العوض فللآخر منع المعوض , كالبيع والإجارة ونحوهما , ولأن التعليل بقولهم: " لوجود التمكين الذي هو استيفاء للمعقود عليه "([230]) فإنه لم يستوف إلا ما مضى , وأما ما يستقبل فإنه إلى الآن لم يستوفه , وأما رضاها فإنها لم ترض ببقاء المهر في ذمة الزوج, وإنما سلمت نفسها إحساناً للظن بزوجها أنه لا يمنعها , فإذا ظهر خلاف ما ظنت ملكت الامتناع حتى تقبض الصداق , والله أعلم.
[269] والصحيح : الرواية الأخرى عن أحمد : أن المرأة لا تملك الفسخ لعسرة زوجها, إلا إذا وجد منه غرور لها ؛ لأن الله يقول : {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}]الطلاق : 7[ فلم يجعل لزوجة المعسر الفسخ , وأيضاً لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز الفسخ لإعساره , والله أعلم.
[270] واختار شيخ الإسلام : وجوب النفقة للأقارب, ولو كان وارثاً لهم برحم ؛ لأن الله أطلق في قوله : { وعلى الوارث مثل ذلك }] البقرة : 233[ مع أن الحاجة للنفقة في الغالب أشد من الحاجة إلى الإرث([231]), والله أعلم.
[271] ولم يتحرر لي في الحضانة في تقديم بعض النساء على بعض ضابط تطمئن إليه النفس , إلا أنه يراعى مصلحة المحضون , وأن من تحققت فيه فهو أولى من غيره , وإن كان أبعد ممن لا يقوم بالواجب , وهذا مراد الأصحاب بقولهم : " ولا يقر المحضون بيد من لا يصونه ويصلحه "([232])؛ لأن كل ولاية إنما يستحقها من كان أعظم قياماً بالمقصود منها.
[272] وكذلك الصحيح: ما رجحه ابن القيم في الهدي : أن الرقيق والفاسق وكذلك المزوجة خصوصاً إذا رضي زوجها لهم الحضانة وأنه لا يسقط حقهم منها ؛ لعدم الدليل المسقط لحقهم , ولتمام مصلحة المحضون , ولوجود هذه الأمور في الصدر الأول , وأنه لم ينقل أن أُمّاً عزلت عن حضانة أولادها لرقها أو فسقها([233]).
ومن كتاب الجنايات
[273] الصحيح : أن الضابط الذي ذكره أصحابنا في قتل العمد العدوان أنه القتل بما يغلب على الظن موته به, أنه مطرد على عمومه لا يستثنى منه شيء , حتى ولو غرزه بإبرة أو شوكة في غير مقتل , وخرج دم كان من شبه العمد ؛ لعدم الدليل على إخراج هذه الصورة من العموم , ولمشاركتها لسائر أنواع شبه العمد.
[274] والصحيح : الرواية الأخرى عن الإمام أحمد : أنه كما يجب القصاص على شريك الأب, وشريك الحر في قتل القن وشريك المسلم في قتل الكافر , فكذلك يجب على شريك المخطئ والمقتص وغير المكلف والسبع لوجود القتل العمد العدوان , ولعدم المسقط.
[275] والصحيح : الرواية الأخرى عن أحمد , التي اختارها شيخ الإسلام ([234]): أنه يفعل بالجاني كما فعل, كما رضَّ النبي صلى الله عليه وسلم رأس اليهودي الذي رضَّ رأس الجارية بين حجرين([235]) , وكما أجاز الله أن يعاقب الجاني بمثل ما عاقب به , وفيه من تمام الردع ما هو من حكمة الشارع.
[276] قوله : " إلا أن يكون الجرح أعظم من الموضحة , فله أن يقتص موضحة , وله أرش الزائد " , هذا قول ابن حامد , وقول أبي بكر : أنه يخير بين أن يقتص موضحة ولا يأخذ أرشاً زائداً , أو يأخذ الدية أقرب إلى الصواب([236])؛ لأنهم قد ذكروا أنه إذا قطع الأشلُّ طرف الصحيح فله أن يأخذ الدية أو يقتص بلا أرش , وإذا قطع الجاني من منكبه وخيف الجائفة , فله أن يقتص من المرفق بلا شيء , والظاهر أنه لا فرق بين الأمرين , والله أعلم.
[277] قوله في باب الديات : " أو بالت دابته في الطريق ويده عليها لزمته ديته " , وقال في المغني([237]) , والشرح([238]) , وصاحب الفروع([239]): وقياس المذهب : لا يضمنه. وصوبه في الإنصاف([240]) , وهذا هو الظاهر ؛ لأنه لم يتعد بذلك , والطريق المشترك له فيها حق , ولم تزل دواب المسلمين تبول في أسواقهم وطرقهم ولا يعدون ذلك تعدياً , والله أعلم.
[278] والصحيح : الرواية الأخرى عن الإمام أحمد : أن الأصل في الديات الإبل , والباقيات أبدال عنها, ويدل على ذلك أمور.
منها : رفع عمر دية الفضة في زمانه لما رخصت([241]), ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.
ومنها : أن التغليظ والتخفيف خاص في الإبل.
ومنها : أن ديات الأعضاء والشجاج والغرة كل ذلك مقدر بالإبل , فلو كان غيرها أصلاً لثبتت فيه هذه الأشياء , والله أعلم.
[279] وعن أحمد في قطع أعضاء العبد أو جراحه ما نقص من قيمته مطلقاً, اختارها الموفق([242]) , والشارح([243]) , والشيخ تقي الدين([244]), وغيرهم , وهي الصحيحة ؛ لأنه لا نص في إلحاقه بالحر بالنسبة إلى القيمة , ولأن ديته في نفسه قيمته , فكذلك ما دون النفس , ولأنه من جملة الأموال التي يعتاض عنها , وتضمن بالإتلاف، فوجبت القيمة في النفس , وما نقص منها فيما دونها , والله أعلم.
[280] وعنه : لا كفارة على قاتل نفسه مطلقاً, ورجحه الموفق([245])؛ لأن سياق آية الكفارة في قتل غيره , ولقوله تعالى : { ودية مسلمة إلى أهله }]النساء : 92 [, ولا تجب عليه الدية في قتل نفسه , ولقصة عامر بن الأكوع حين رجع إليه ذباب سيفه فقتله([246]) , ولم يأمر فيه بكفارة.
ومن كتاب الحدود وغيرها
[281] الصحيح : أن الحد يؤخر للمرض الذي يرجى برؤه, وكذلك للحر والبرد الذي يخاف منه التلف ؛ لتأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحد عن النفساء بعد الولادة([247]) , ولأن المقصود التأديب لا إتلافه , وقد أمكن أن يحد بأسواط معتادة , يحصل بها النكاية له ولغيره.
[282] والصحيح : أنها تحد إذا حملت من لا زوج لها ولا سيد, إذا لم تدع شبهة ( أي وتدل القرينة على ذلك ) وهو إحدى الروايتين([248]) , اختارها شيخ الإسلام رحمه الله([249]) , كما دلت عليه خطبة عمر بمحضر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين([250]).
[283] وفي عدم حد من وطئ ميتة نظر, فإن وطأها أشنع من وطء الحية شرعاً وعقلاً وطبعاً , حتى روي عن الإمام أحمد : أنه يحد حدين([251]) , وذلك لتناهي قبحه وشناعته وفحشه.
[284] وعن أحمد: لا يشترط أن يأتي الشهود الأربعة في الزنا في مجلس واحد([252]) , بل لو جاؤوا في مجالس لم ترد شهادتهم , كالإقرار , وكذلك لو شهد اثنان أنه وطئها في بيت أو يوم , وآخران أنه وطئها في يوم آخر , أو بيت آخر ؛ لأنه لا دليل على اشتراط المذكورات , والشهادة المذكورة لا يناقض بعضها بعضاً , ولا تعارض فيها , بل في الأخيرتين لم يزد الأمر إلا شدة.
[285] والصحيح : أن حد القذف حق لله تعالى فلا يسقط بعفو المقذوف؛ لعموم الآية الكريمة , وهي : { والذين يرمون المحصنات }] النور : 4 [, ولعموم المصلحة في إقامته.
[286] واختار شيخ الإسلام في حد الخمر: أن ما زاد على الأربعين ليس بواجب على الإطلاق , ولا ممنوع على الإطلاق , بل يكون راجعاً للمصلحة([253]) , وعلى هذا القول تدل قضايا الصحابة رضي الله عنهم.
[287] قوله : " ويحرم العصير إذا أتت عليه ثلاثة أيام , ولو لم يسكر " هذا من مفردات المذهب , وقول الجمهور أصح , وهو أنه لا يحرم حتى يغلي , ولكنه يكره إذا مضت عليه ثلاثة أيام على وجه الاحتياط , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يطعمه الخادم ونحوه ([254]).
[288] والصحيح : جواز حد التعزير على عشر جلدات([255]) , بحسب المصلحة والزجر , والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا يجلد أحد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله ))([256]) أن الحد المراد به المعصية , وأن الذي لا يزيد على ذلك تأديب الصغير والزوجة والخادم ونحوهم في غير معصية.
[289] والصحيح : أنه يقطع بسرقة العبد الكبير, كما هو أحد الوجهين في المذهب؛ للعمومات , وعدم المخصص , وعدم ما يدل على سقوط القطع.
[290] والصحيح أيضاً : أنه يقطع بسرقة الحر الصغير إذا كان عليه حلي أو غيره يبلغ نصاباً؛ للعموم , ولعدم المسقط. وقولهم : إنه تابع، لا يدل على السقوط , بل قال بعض الأصحاب : إنه يقطع بسرقة الحر الصغير , ولو لم يكن عليه حلي , وما ذلك ببعيد.
[291] قولهم : " إذا دخل الحرز فذبح فيه شاة , وقيمتها نصاب فنقصت بذبحه , ثم أخرجها فلا قطع عليه " فيه نظر ظاهر. ومن العجيب قول صاحب الإنصاف : " بلا نزاع أعلمه "([257]) , والله أعلم.
[292] قولهم : "إذا ادعى السارق أن المسروق ملكه , أو أذن له فيه لم يقطع" , وعنه : أنه يقطع بحلف المسروق منه , وهو الصواب بلا ريب , ولا يخفى ما يتضمنه القول الأول من فتح باب الشر , ومناقضته للردع والزجر .
[293] والصحيح : القول الذي جرى عليه صاحب المختصر([258]) في إضعاف القيمة على كل من سرق من غير حرز , ولا فرق بين صوره. وقولهم : " ثبت في الأربعة على خلاف القياس "([259]) غير مسلم , بل هو مقتضى القاعدة الشرعية , وهي : أنه من سقطت عنه العقوبة لمانع أضعف عليه الغرم , كما في نظائره , والله أعلم.
[294] وكذلك الصحيح ما جرى عليه في المختصر : أن قطاع الطريق إذا جنوا بما يوجب قوداً في الطرف تحتم استيفاؤه؛ لأنه إذا تحتم في النفس ففيما دونها من باب أولى , ولأن المصلحة في استيفائه عامة , والمضرة بعدم الاستيفاء عامة , وهذه خاصة ما يتعين إقامته , والعلل العامة لا يراعى فيها أفراد المسائل النادرة كما هو معلوم.
[295] قوله : " لا يلزمه حفظ ماله عن الضياع والهلاك " فيه نظر ظاهر , بل الصواب لزوم ذلك ؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال([260]) , ولأن إضاعته سرف وتفريط خصوصاً إذا كان له عائلة أو عليه دين يستضر بترك حفظه , فهذا لا يمكن القول إلا بلزوم حفظه وتعينه ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن باب الصيد والذبائح
[296] الصواب التسوية بين النسيان والجهل في ترك التسمية على الذبائح والصيد؛ لعدم الفارق , ولأن الشارع سوى بينهما في ترك المؤاخذة.
[297] قولهم: " وإن رمى صيداً فوقع في ماء ومات لم يحل " , الصواب التفصيل : وأنه إذا جرحه جرحاً غير مُوَّحٍ فوقع في ماء كثير يعين على قتله لم يحل ؛ لاشتراك السبب المبيح والحاظر , وإن كان الجرح موحياً أو الماء لا يقتل مثله حل ؛ لأنه انفرد السبب المبيح وحده في زهوق النفس , والماء لا أثر له , وتعليلهم يدل على هذا التفصيل.
[298] والصحيح : أن الذكاة تحل ما أبينت حشوته أو قطع حلقومه إذا ذكي وفيه حياة مستقرة؛ لقوله تعالى : { والمنخنقة والموقوذة } إلى قوله { إلا ما ذكيتم }] المائدة : 3 [ , وهذا قيد لهذه الخمسة , وهذه الصورة داخلة في العموم.
وأما قولهم : " إن وجود هذه الحياة كعدمها "([261]) فهو معارض بالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة إذا وصلت إلى حال يعلم أنها لا تبقى بعده فإنها تحل , حتى على المشهور من المذهب([262]) , وكذلك المريضة , ولا فرق بين المذكورات في الحقيقة.
[299] قولهم : " وإن سمى على سكين فألقاها وذبح بغيرها حل بتلك التسمية , لا إن سمى على سهم فألقاه ورمى بغيره , فلا يحل " هذا فيه نظر , والصحيح : استواء الصورتين في الحكم , وأنه إذا سمى على المذبوح والصيد كفاه ذلك ولو أخذ سكيناً أخرى أو سهماً آخر ؛ لأن المقصود التسمية على الذكاة والصيد , وقد حصل. وأما تعليلهم بالفرق بين الصورتين : أنه في السهم لما كان يجزيه إذا رمى صيداً فأصاب غيره احتيج إلى([263]) التسمية على السهم([264]) , فهذا غير مفيد ؛ لأن الصيد أوسع من الذبح في آلته ومحله وغير ذلك مما وسع فيه , فكيف تضيق فيه هذه الصورة ؟ والله أعلم.
ومن باب الأيمان والنذور
[300] قولهم : " ومن لزمته أيمان موجبها واحد قبل التكفير , فعليه كفارة واحدة ولو على أفعال , كقوله : والله لا أكلت، والله لا شربت , والله لا أخذت ولا أعطيت " هذا إحدى الروايتين. والصحيح : أن عليه كفارات بعدد الأفعال المتنوعة ؛ للعمومات الدالة على أن كل فعل محلوف عليه ففيه كفارة , وظاهر العموم يقتضي أن ذلك قبل التكفير وبعده , وكما لو ظاهر من زوجاته بكلمات متعددة.
[301] والصحيح في جميع الكفارات : أنه يكفي إطعام المساكين ولا يلزم تمليكهم, كما هو ظاهر الكتاب والسنة.
[302] والقول الجامع في جامع الأيمان : الرجوع إلى نية الحالف, ثم إلى سبب اليمين الذي هيجها , ثم إلى ما كان أقرب إلى مقصد الحالف ونيته , من : تعيين , أو لغة الشارع , أو العرف , أو اللغة , وذلك بحر لا ساحل له ؛ لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات والأماكن واللغات , والله أعلم.
[303] والرواية الأخرى عن أحمد : أن النذر لا ينعقد في مباح ولا محرم, فلا يوجب كفارة , وفاقاً لجمهور العلماء([265]) , أقوى من المشهور من المذهب ؛ لعدم الدليل الدال على انعقادها , والحديث الصحيح : (( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ))([266]) ليس فيه الأمر بالكفارة , وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , والنذر المباح أشبه بلغو اليمين.
ومن كتاب القضاء والشهادات وغير ذلك
[304] قوله : " فإن لم يجعل له شيء وقال للخصمين : لا أقضي بينكما إلا بجعل , جاز " , والصواب : أنه لا يجوز ؛ لأن فيه فتح باب شر كبير من وجوه متعددة.
[305] قوله في المجتهد في مذهب إمامه : " يحكم , ولو اعتقد خلافه " قول في غاية الضعف , وهو مبني على قول ضعيف جداً , وهو لزوم التمذهب بأحد المذاهب الأربعة , ووجوب الأخذ بالمقدم من ذلك المذهب عند أئمتهم , وهذا قول لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع , بل الأدلة تدل على بطلانه , وهي مبسوطة في محالها من كتب أهل العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ومن كان متبعاً لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل , أو لكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن , ولم يقدح في عدالته بلا نزاع. قال : وفي هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام , بل يجب , وأن أحمد قد نص عليه([267]).
وقال أيضاً في التمذهب بأحد المذاهب والأخذ برخصه وعزائمه : فيه طاعة غير الرسول في كل أمره ونهيه , وهو خلاف الإجماع , وتوقف في جوازه([268]).
[306] قال الشيخ تقي الدين في مسألة تحرير الدعوى: وفروعها ضعيفة ؛ لحديث الحضرمي([269])([270]).
[307] قوله : " ولا ترد اليمين على المدعي " , والصحيح أن الحاكم إذا رأى ردها على المدعي فله ذلك , خصوصاً إذا كان المدعي منفرداً بعلم ذلك.
[308] قوله في القسمة : " ومن ادعى غلطاً فيما تقاسماه بأنفسهما وأشهدا على رضاهما به لم يلتفت إليه " يعني ولو ببينة. والصحيح : أنه تقبل البينة في الغلط , كما اختاره الموفق([271]) , وتعليلهم برضاهما غير مسلم , فإنهما لم يرضيا إلا على حسب التساوي والتعديل, فإذا تبين خلاف ذلك ثبت للآخر رد القسمة.
[309] قوله في الشهادة : " لا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض , والعدو على عدوه ؛ لأنهم مظنة التهمة ".
الراجح في هذا: قول من قال من أهل العلم : إنهم إذا تحققت عدالتهم ظاهراً وباطناً لم ترد شهادتهم بهذه الأسباب ؛ لأن العلم اليقيني بأنهم مقبولو الشهادة لا يعارضه الظن الذي هو التهمة , بل هو ظن ضعيف في مثل حالهم , وإن كانت لم تتحقق عدالتهم ظاهراً وباطناً , بل ظاهرهم فقط العدالة , ووجد بعض الأسباب المذكورة قوى قول من رد شهادتهم , والناس في هذا درجات متفاوتة.
[310] ورجح كثير من السلف : أن شهادة المرأتين تقوم مقام شهادة الرجل في كل شيء , حتى في القصاص والنكاح والطلاق والنسب والحدود , وهو رواية عن أحمد في بعضها, وهذا القول هو الذي يقتضيه الدليل والتعليل. أما الدليل : فلأن الله أقام المرأتين مقام الرجل , وجعل شهادتهما عن شهادته في الأموال ونحوها , وقوله صلى الله عليه وسلم : (( أليس شهادة المرأتين كشهادة الرجل ؟ ))([272]), ولا فرق بينها وبين غيرها. وأما التعليل : فلأن مبنى الشهادة على الحفظ والضبط والصدق , وهذا المعنى موجود في النساء كما هو موجود في الرجال , وما يقدر من نقصهن مجبور بمضاعفة العدد , خصوصاً إذا كثرن وصرن معروفات بالصدق والحفظ. وهذا كلما تأمله الإنسان تبين له رجحانه , والله أعلم.
[311] وتقدم أن الصحيح في السكران : أنه لا يصح طلاقه ولا إقراره ولا غير ذلك من تصرفاته, والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
تم بحمد الله في :3/ صفر / سنة 1355 هـ , وقد صار على غاية ما يمكن من الاختصار ؛ لكونه أشير فيه إلى مآخذ القول المنصور إشارة لطيفة يحصل بها للفطن الوصول إلى المقصود. والحمد لله رب العالمين.
قال ذلك وكتبه الفقير إلى ربه في أحواله كلها : عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي , غفر الله له ولوالديه ومشايخه وجميع المسلمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
[1] انظر :(( الروض المربع ) ) ( 1/58 ).
([1]) (( الروض المربع ) ) ( 1/82 ).
([2]) (( الروض المربع ) ) ( 1/66 ).
([3]) (( الروض المربع ) ) ( 1/66 ).
([4]) انظر : (( كشاف القناع ) ) ( 1/29 ).
[2] (( الروض المربع ) ) ( 1/78 ).
([5]) أخرجه أبو داود ( 68 ) , والترمذي ( 65 ).
([6]) (( الروض المربع ) ) ( 1/80 ).
[3] (( الروض المربع ) ) ( 1/85 ).
([7]) أخرجه البخاري ( 162 ) , ومسلم ( 278 ).
([8]) أخرجه أحمد ( 4753 ) , وأبو داود ( 63 ) , والترمذي ( 67 ) , والنسائي ( 52 ) , وابن ماجه ( 517 ).
[4] انظر :(( الروض المربع ) ) ( 1/98 ).
[5] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/109 ).
([10]) أخرجه مسلم (366) من حديث : ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ) ).
[6] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/127 ).
([11]) أخرجه أحمد ( 19053 ) , وابن ماجه ( 326 ) من حديث : عيسى بن يزداد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث مرات ) ).
وانظر : "العلل" لابن أبي حاتم (1/533)
([12]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/133 ).
[7] (( الروض المربع ) ) ( 1/133 )
([13]) (( الروض المربع ) ) ( 1/133 ).
([14]) أخرجه البخاري ( 394 ) , ومسلم ( 264 ) , وأبو داود ( 9 ) واللفظ له .
[8] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/150 ).
([15]) أخرجه ابن ماجه ( 1677 ).
([16]) أخرجه البيهقي ( 4/274 ).
([17]) أخرجه أحمد ( 7917 ) , والنسائي في الكبرى ( 3248 ).
([18]) انظر «شرح المنتهى» (1/80).
[9] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/165 ).
([19]) قال ابن القيم رحمه الله في (( المنار المنيف ) ) ( 138 ) : (( من قص أظفاره مخالفاً لم ير في عينيه رمداً ) ) من أقبح الموضوعات . وقال السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (224) : "وهو في كلام غير واحد من الأئمة، منهم ابن قدامة في المغني والشيخ عبد القادر في الغنية، ولم أجده. لكن كان الحافظ شرف الدمياطي يأثر ذلك عن بعض مشايخه، ونص الامام أحمد على استحبابه.
([20]) أخرجه البخاري ( 168 ) , ومسلم ( 268 ) , واللفظ له , من حديث عائشة رضي الله عنها , قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله : في نعليه وترجله وطهوره .
[ 10] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/160 ).
11- «الروض المربع» (1/175).
[21] - أخرجه البخاري (136)، ومسلم (246).
[22] - أخرجه مسلم (250).
[23] - قال ابن القيم رحمه الله في «حادي الأرواح» (1/428): «فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، لا من كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم، بيَّن ذلك غير واحد من الحفَّاظ». وانظر : «مسند الإمام أحمد» (14/138)، «الترغيب والترهيب» (1/135)، «مجموع الفتاوى» (1/279).
12- «الروض المربع» (1/174).
[24] - أخرجه البيهقي (1/65).
13- «الروض المربع» (1/218، 219).
([25]) (( مجموع الفتاوى ) ) ( 21/177 ) , (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 26 ).
([26]) (( الروض المربع ) ) ( 1/233 ).
[14] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/216 ).
[15] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/237 ).
([28]) في الأصل "كلا المسألتين".
[16] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/228 ).
[17] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/237 ).
[18] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/241 - 242 ).
([29]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/237 ).
([30]) أخرجه الترمذي ( 87 ).
[19] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/254 ).
([31]) أخرجه أحمد ( 9862 ) واللفظ له , أبو داود ( 3161 ) , والترمذي ( 993 ) , وابن ماجه ( 1463 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((من غسل ميتاً فليغتسل , ومن حمله فليتوضأ ) ). وانظر : "مسائل الإمام أحمد " لعبد الله (22، 23) ، "العلل الكبير" للترمذي (143) .
([32]) أخرجه عبد الرزاق ( 6101 ) , ( 6107 ).
[20] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/255 ).
[21] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/286 ).
([33]) أخرجه البخاري ( 272 ) , ومسلم ( 316 ) , من حديث عائشة رضي الله عنها .
[22] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/294 ).
[23] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/302 ).
([34]) انظر : (( المغني ) ) ( 1/313 ).
([35]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/326 ).
[24] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/322 ).
([36]) أخرجه أحمد ( 22137 ) بهذا اللفظ , وأصله في البخاري ( 335 ) , ومسلم ( 521 ).
([37]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/317 ).
[25 ] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/309 ).
[26] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/317 ).
[27] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/319 ).
[28] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/344 ).
([38]) أخرجه البخاري ( 321 ) , ومسلم ( 285 ).
([39]) ذكره في "المغني " (1/75) عن ابن عمر بدون عزو، و قال الألباني رحمه الله في (( إرواء الغليل ) ) ( 1/186 ) : لم أجده بهذا اللفظ. وانظر "رسالة لطيفة في أحاديث متفرقة ضعيفة" لابن عبد الهادي (55)
[29] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/347 ).
[30] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/360 ).
([40]) أخرجه أحمد (24771), وأبو داود (40), والنسائي (44), من حديث عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن؛ فإنها تجزئ عنه)).
[31] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/367 ).
([41]) أخرجه أحمد ( 22636 ) , وأبو داود ( 75 ) , والترمذي ( 92 ) , والنسائي ( 68 ) ، وابن ماجه (367)
([42]) أخرجه البخاري ( 5528 ) , ومسلم ( 1940 ).
[32] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/374 ).
([44]) أخرجه البخاري معلقاً ( 1/72 ) , بابٌ : إذا حاضت في شهر ثلاث حيض .
[33] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/403 ).
[34]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/401 ).
([45]) أخرجه أبو داود ( 309 , 310 ).
([46]) (( مجموع الفتاوى ) ) ( 22/29 ) , (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 51 ).
[37] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/430 ).
[38] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/450 ).
([47]) أخرجه البخاري ( 617 ) , ومسلم ( 1092 ).
([48]) أخرجه البخاري ( 610 ).
[39] (( الروض المربع ) ) ( 1/456 ).
[40] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/471 ).
([49]) أخرجه مسلم ( 612 ).
([50]) أخرجه أحمد ( 3081 ) , وأبو داود ( 393 ) , والترمذي ( 149 ).
[41] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/480 ).
([51]) أخرجه البخاري ( 580 ) , ومسلم ( 607 ).
[42] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/500 ).
([52]) أخرجه البخاري ( 359 ) , ومسلم ( 516 ).
([53]) أخرجه البخاري ( 361 ) , ومسلم ( 3010 ).
[43] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/534 ).
([54]) أخرجه أحمد ( 11877 ) , وأبو داود ( 650 ).
[44] (( الروض المربع ) ) ( 1/507 ).
([55]) انظر : (( شرح المنتهى ) ) ( 1/308 ) , (( شرح العمدة ) ) لابن تيمية ( 323 ).
[45] (( الروض المربع ) ) ( 1/500 ).
[46] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/508 ).
[47] (( الروض المربع ) ) ( 1/534 )
[48] أخرجه البخاري ( 438 ) , ومسلم ( 521 ).
([56]) أخرجه البخاري (438) ومسلم ( 521 ).
([57]) روى أحمد ( 11788 ) , وأبو داود ( 492 ) , والترمذي ( 317 ) وابن ماجه (745) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) ) , وروى مسلم ( 972 ) من حديث أبي مرثد الغنوي – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) ) , وأخرج الترمذي ( 348 ) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ) ).
([58]) وهو حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : (( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سبع مواطن : المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق والحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله تعالى ) ) أخرجه الترمذي وضعفه ( 346 ) , وابن ماجه ( 746 ). وانظر : "العلل" لابن أبي حاتم (2/337)
([59]) أخرجه البخاري (438) ومسلم ( 397 ).
([60]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/544 ).
[49]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/585 ).
[50] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/552 ).
([61]) أخرجه البخاري ( 1093 ) , ومسلم ( 700 ).
[51]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/569 ).
([62]) أخرجه البخاري ( 698 ) , ومسلم ( 763 ).
([63]) أخرجه البخاري ( 712 ) , ومسلم ( 418 ).
[52]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/576 ).
[53]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/576 ).
([64]) انظر : (( مصنف ابن أبي شيبة )) ( 20/598 ).
[54] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/80 ).
([65]) أخرجه البخاري ( 739 ).
[55]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 1/119 ).
([66]) أخرجه مسلم ( 510 ).
[56]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/155 ).
([67]) أخرجه البخاري ( 6051 ) , ومسلم ( 573 ).
([68]) أخرجه مسلم ( 537 ).
[57] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/157 ).
([69]) علق على هذا الموضع الشيخ عبد الله بن عقيل رحمه الله بقوله: "لعله بالرفع، أي: حرفان". ثم علق الشيخ محمد العثيمين رحمه الله بقوله: "والنصب له وجه أيضا وهو أن يكون (يبن) رباعيا من (أبان) أي: ولو لم يبن المتكلم حرفين. لكن أول الكلام يبعد هذا الوجه" .
([70]) أخرجه أحمد ( 608 ) , والنسائي ( 1212 )، وابن ماجه (1208) .
[58] (( الروض المربع ) ) ( 2/161 ).
[59] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/164 ).
([71]) أخرجه أحمد (18222) ، والترمذي (346) وأخرجه أبو داود ( 1036 ) , وابن ماجه ( 1208 ).
[60] (( الروض المربع ) ) ( 2/165 ). [61] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/166 )
([72]) أخرجه مسلم ( 571 ). [62] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/177 ).
([73]) أخرجه البخاري ( 401 ) , ومسلم ( 572 ).
([74]) وهو حديث عمران بن حصين – رضي الله عنه – : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم ) ) رواه أبو داود ( 1039 ) , والترمذي ( 395 ) انظر : (( إرواء الغليل ) ) ( 2/129 ).
[63] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/232 ).
([76]) أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ( 2/41 ).
[64] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/241 ).
([77]) أخرجه البخاري ( 688 ) , ومسلم ( 411 ).
[65] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/239 ).
[66] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/244 ).
([78]) وهو حديث أبي سعيد الخدري ( 429 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( .. ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ) ).
[67] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/250 ).
([79]) أخرجه أحمد ( 17479 ) , وأبو داود ( 575 ) , والترمذي ( 219 ) , والنسائي ( 858).
[68] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/251 ).
([80]) الحديث السابق
([81]) أخرجه أحمد (16/736) ، وأبو داود (18/94) ، والترمذي (868) ، والنسائي (585) ، ابن ماجه (12/54) ومن حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار.
([82]) وهو ما رواه مسلم ( 833 ) عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك ) ).
[69] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/261 ).
([83]) أخرجه البخاري ( 644 ) , ومسلم ( 651 ).
[70] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/266 ).
([84]) أخرجه أحمد ( 21266 ) , وأبو داود ( 554 ) والنسائي (843) عن أبي بن كعب – رضي الله عنه – بلفظ : (( وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى ) ).
([85]) (( الروض المربع ) ) ( 2/271 ).
[71] (( الروض المربع ) ) ( 2/271 ).
[72] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/282 ).
[73] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/283 ).
([86]) أخرجه البخاري ( 908 ) , ومسلم ( 602 ).
([87]) أخرجه أحمد (7250) ، وأبو داود (573) . أخرجه النسائي ( 861 ).
([88]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/284 ) حاشية (1).
[74] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/286 ).
([89]) انظر : (( المغني ) ) ( 2/210 ).
[75] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/299 ).
[76] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/306 ).
([90]) أخرجه البخاري ( 694 ). وانظر "العلل" للدارقطني (13/357) .
([91]) أخرجه ابن ماجه ( 1081 ).
([92]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 23/343 – 344 ).
[77] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/314 ).
([93]) أخرجه مسلم ( 673 ).
([94]) أخرجه البخاري ( 1113 ). ومسلم (412) .
[78] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/319 ).
[79] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/329 ).
([95]) أخرجه البخاري (700) ، ومسلم ( 465 ).
([96]) أخرجه البخاري (4302)
([97]) علق على هذا الموضع الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – بقوله : " لعله ائتمام " .
([98]) أخرجه البخاري (722) ، ومسلم (414).
[80] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/335 ).
[81] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/335 ).
([99]) أخرجه البخاري ( 726 ) , ومسلم ( 763 ).
([100]) أخرجه مسلم ( 3010 ).
[82] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/337 ).
[83] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/347 ).
[84] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/373 ).
([102]) أخرجه البخاري ( 1117 ).
([103]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 23/72 ) , (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 110 ).
[85] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/373 ).
[86] (( الروض المربع ) ) ( 2/372 ).
[87] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/380 ).
([104]) أخرجه الدارقطني ( 1/387 ) مرفوعاً بلفظ : (( لا تقصروا الصلاة في أقل من أربعة برد : من مكة إلى عسفان ) ). وما روي موقوفاً على ابن عباس فهو بلفظ : (( لا تقصر إلى عرفة وبطن نخلة، واقصر إلى عُسفان والطائف وجُدَّة ) ) أخرجه عبد الرزاق (2/524) , وابن أبي شيبة ( 8224 ).
[88] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/385 ).
[89] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/391 ).
([105]) أخرجه أحمد ( 14139 ) , وأبو داود ( 1235 ).
([106]) أخرجه البخاري ( 4298 ). [90] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/391 ).
[91] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/387 ).
[92]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/406 ).
([107]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/406 ).
([108]) ما بين المعكوفين بخط الشيخ محمد العثيمين رحمه الله .
[93]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/421 ).
([109]) أخرجه أبو داود ( 1067 ).
([110]) كما ذكر ذلك أبو داود بعدما روى الحديث . وانظر "سنن البيهقي" (3/183)
([111]) أخرجه النسائي ( 1731 ).
[94] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/436 ).
[95] (( الروض المربع ) ) ( 2/443 ).
[96] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/444 ).
([112]) زيادة يقتضيها السياق .
[97] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/490 ).
[98] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/462 ).
[99] (( الروض المربع ) ) ( 2/482 ).
[100] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/493 ).
([113]) أخرجه البخاري ( 980 ) , ومسلم ( 890 ).
[101]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/511 ).
([114]) أخرجه البيهقي (3/247) من حديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يلبس برده الأحمر العيد والجمعة"
[102]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/511 ). ([115]) أخرجه أحمد (8712).
[103] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/517 ).
([116]) أخرجه مسلم ( 1141 ). [104] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/526 ).
([117]) أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم ( 2/20 ).
([118]) أخرجه البخاري (1041) ، ومسلم (901)
[105] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/534 ).
([119]) أخرجه البخاري ( 1065 ) , ومسلم ( 901 ).
([120]) انظر : (( العلل الكبير ) ) للترمذي ( 97 ).
[106] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 2/558 ).
[107]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/36 ). وهذا في تعداد شروط غاسل الميت، قال: "وإسلام غاسل، إلا نائيا عن مسلم نواه".
[108] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/66 ).
([122]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/66 ).
[109]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/100 ).
[110]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/127 ).
[111] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/137 ).
[112] انظر : كشاف القناع ( 2/171 ).
[113] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/178 ).
[114] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/183 ).
[115] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/262 ).
[116] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/181 ). [117] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/287 ).
([125]) أخرجه الدارقطني ( 2/89 ). [118] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/334 ).
[119] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/275 ).
[120] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/299 ).
[121] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/300 ).
([128]) ما بين المعقوفين بخط الشيخ : محمد العثيمين رحمه الله .
[122] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/350 ).
([129]) أخرجه البخاري ( 1909 ). [123] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/357 ).
([130]) أخرجه مسلم ( 1087 ).
([131]) أخرجه البخاري ( 1909 ) , ومسلم ( 1081 ).
([132]) أخرجه البخاري ( 1954 ) , ومسلم ( 1100 ).
[124] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/368 ).
([133]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 25/109-118 ).
([134]) أخرجه البخاري ( 1916 ) , ومسلم ( 1090 ).
[125] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/370 ).
[126] (( الروض المربع ) ) ( 3/372 ).
[127] (( الروض المربع ) ) ( 3/387 ).
([135]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/384 ).
[128] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/390 ).
[129] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/410 ).
[130] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/496 ).
[131] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/511 ).
[132] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 3/527 ).
[133] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/3 ).
[134] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/127 ).
[135] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/143 ).
([141]) أخرجه البيهقي (5/125) بهذا اللفظ وأصله في مسلم ( 1297 ) من حديث جابر رضي الله عنه .
[136] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/169 ).
([142]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 9/228 ).
[137] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/152 ).
([143]) أخرجه البخاري ( 1748 ) , ومسلم ( 1296 ).
[138] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/223 ).
([144]) أخرجه أحمد (18542) وأبو داود ( 2802 ) , والترمذي (1497) والنسائي ( 4370 ) , وابن ماجه ( 3144 ).
[139] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/229 ).
([145]) أخرجه أحمد ( 16752 ).
[140] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/251 ).
([146]) أخرجه البخاري ( 5473 ) , ومسلم ( 1976 ).
[141] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/303 ).
[142] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/273 ).
[143] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/328 ).
([149]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 20/533 ) , (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 179 ).
[144] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/336 ).
([150]) انظر : (( مصنف ابن أبي شيبة ) ) ( 10/539 ).
[145] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/340 )
([151]) انظر: (( الإنصاف )) (11/85)
([152]) أخرجه أحمد ( 9584 ) , أبو داود ( 3461 ) , والترمذي ( 1231 ) , والنسائي ( 4632 )
[146] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/342 ).
[147]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/354 ).
([153]) أخرجه مسلم ( 1513 ). [148] (( الروض المربع ) ) ( 4/364 ).
[149] (( الروض المربع ) ) ( 4/367 ).
[150] (( الروض المربع ) ) ( 4/379 ).
([154]) أخرجه البخاري ( 2139 ) , ومسلم ( 1412 ).
[151] (( الروض المربع ) ) ( 4/386 ). [152] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/399 ).
([155]) أخرجه أحمد ( 6671 ) , أبو داود ( 3504 ) , والترمذي ( 1234 ) , والنسائي ( 4611 ).
[153] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/405 ).
([156]) أخرجه ابن ماجه ( 2441 ).
[154] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/424 ).
([157]) أخرجه أبو داود ( 3954 ) , والترمذي ( 1352 ) بلفظ : (( المسلمون على شروطهم ).
[155] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/432 ).
[156] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/445 ).
([158]) (( الروض المربع ) ) ( 4/446 ). [157] (( الروض المربع ) ) ( 4/453 ).
([159]) أخرجه البيهقي ( 10/252 ).
[158] (( الروض المربع ) ) ( 4/450 ). [159] (( الروض المربع ) ) ( 4/460 ).
[160] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/470 ). [161] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/473 ).
[162] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/534 ).
[163] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/547 ).
([160]) أخرج الأول : البخاري ( 2183 ) , ومسلم ( 1534 ) , والثاني : أخرجه أحمد (13314) أبو داود ( 3371 ) , والترمذي ( 1228 ) , وابن ماجه ( 2217 ).
[164] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 4/555 ).
([161]) أخرجه البخاري ( 2198 ) , ومسلم ( 1555).
[165] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/6 ). ([162])انظر الفروع (6/320)
[166] (( الروض المربع ) ) ( 5/14 ).
[167] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/17 ).
[168] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/22 ).
[169] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/27 ).
[170] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/31 ).
([163]) أخرجه أبو داود ( 3468 ) , وابن ماجه ( 2283 ).
([164]) انظر : (( مختصر سنن أبي داود ) ) ( 5/113 ).
[171] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/33 ).
[172] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/40 ).
([165]) أخرجه البخاري ( 33 ) , ومسلم ( 58 ).
[173] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/42 ).
([166]) أخرجه الترمذي ( 1359 ).
([167]) أخرجه أحمد ( 6593 ) , أبو داود ( 3357 ).
[174] (( الروض المربع ) ) ( 5/50 ).
([168]) (( الروض المربع ) ) ( 5/50 ).
[175] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/53 ).
([169]) أخرجه مسلم ( 1712 ).
[176] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/68 ).
[177] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/74 ). ([170]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/74 ).
[178] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/86 ).
([171]) (( الروض المربع ) ) ( 4/406 ). [179] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/87 ).
[180] (( الروض المربع ) ) ( 5/100 ).
[181] ا نظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/119 ).
([172]) أخرجه البخاري ( 2287 ) , ومسلم ( 1564 ).
[182] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/134 ).
([174]) أخرجه الدارقطني ( 3/46 ).
[183] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/147 ).
([175]) أخرجه أبو داود ( 3954 ) , والترمذي ( 1352 ) , وابن ماجه ( 2353 ).
([176]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/147 ).
[184] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/152 ).
[185] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/172 ).
[186] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/215 ).
[187] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/219 ).
[188] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/226 ).
[189] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/229 ).
([181]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/230 ).
[190] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/231 ).
([182]) لم يتكلم المؤلف رحمه الله في هذا الفصل عن الجعالة , وإنما تكلم عنها في الفصل الآتي .
[191] (( الروض المربع ) ) ( 5/244 ). وهذا في شركة العنان، قال : "ويكون له من الربح أكثر من ربح ماله ، فإن كان بدونه لم يصح، وبقدره ابضاع".
[192] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/245 ).
[193] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/256 ).
[194] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/281 ).
[195] (( الروض المربع ) ) ( 5/288 ).
[196] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/307 ).
[197] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/323 ).
[198] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/329 ).
[199] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/342 ).
[200] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/335 ).
[201] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/340 ).
([189]) أخرجه ابن أبي شيبة ( 11/83 ).
[202] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/353 ).
([190]) انظر : (( شرح المنتهى ) ) ( 4/83 ).
([191]) أخرجه أحمد (10/557) وأبو داود ( 2537 ) وابن ماجه ( 2876 ) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : (( من أدخل فرساً بين فرسين ... ) ) , وانظر : (( العلل ) ) لابن أبي حاتم ( 5/674 ) , (( الفتاوى الكبرى ) ) ( 5/145 ).
[203] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/351 ).
[204] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/362 ).
[205] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/366 ).
([192]) أخرجه أحمد ( 15302 ) , وأبو داود ( 3562 ).
([193]) أخرجه أحمد ( 20086 ) , وأبو داود ( 3561 ) , والترمذي ( 1266 ) , وابن ماجه ( 2400 ).
([194])[206] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/368 ).
[207] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/388 ).
[208] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/390 ).
[209] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/402 ).
[210] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/430 ).
[211] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/433 ).
([198]) أخرجه ابن ماجه ( 2500 ) . وانظر العلل لابن أبي حاتم (4297).
([199]) قال في (( المغني ) ) ( 7/454 ) : رواه الفقهاء في كتبهم . وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 8/83 ) من قول شريح رحمه الله.
[212] (( الروض المربع ) ) ( 5/441 ) . [213] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/449 ) .
[214] (( الروض المربع ) ) ( 5/452 ).
[215] (( الروض المربع ) ) ( 5/463 ).
[216] (( الروض المربع ) ) ( 5/466 ).
[217] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/498 ).
[218] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/531 ).
([203]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 17/223 ).
[219] (( الروض المربع ) ) ( 5/541 ).
[220] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 5/545 ).
([204]) انظر : (( الشرح الكبير ) ) ( 16/409 ).
([205]) أخرجه مسلم ( 1718 ).
([206]) (( الروض المربع ) ) ( 5/559 ).
([207]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 17/223 ).
[221] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/6 ). [222] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/11 ).
([208]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/11 ).
[223] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/22 ).
([209]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/23 ).
([210]) أخرجه أحمد ( 6902 ) , وأبو داود ( 3530 ) , وابن ماجه ( 2291 ).
[224]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/62 ).
[225]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/66 ).
([211]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/67 ).
] 226[ ((الروض المربع)) (6/96).
[227] (( الروض المربع ) ) ( 6/103 ).
] 228[ ((الروض المربع)) (6/106).
([212]) أخرجه البيهقي ( 6/235 ).
[229] (( الروض المربع ) ) ( 6/137 ).
[230] (( الروض المربع ) ) ( 6/171 ).
[231] (( الروض المربع ) ) ( 6/176 ).
[232]شرح المنتهى (4/639).
[233]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/242 ).
([215]) أخرجه البخاري ( 5144 ).
[234]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/247 ).
[235]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/256 ).
([216]) أخرجه البخاري ( 5136 ) , ومسلم ( 1419 ).
([217]) أخرجه أحمد ( 2469 ) , أبو داود ( 2096 ) , وابن ماجه ( 1857 ).
[236]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/264 ).
([218]) (( الروض المربع ) ) ( 6/265 ).
[237]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/281 ).
[238]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/292 ).
[239]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/331 ). [240]انظر : كشاف القناع 5/112
([219]) (( زاد المعاد ) ) ( 5/183 ). [241]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/357 ).
[242] (( الروض المربع ) ) ( 6/375 ).
[243]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/385 ).
[244]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/389 ).
([220]) أخرجه البخاري ( 5135 ) ، ومسلم (1425). [245]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/398 ).
([221]) أخرجه البخاري ( 5346 ) , ومسلم ( 1568 ).
[246] (( الروض المربع ) ) ( 6/401 ). ([222]) (( الروض المربع ) ) ( 6/402 ).
[247]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/433 ). ([223]) أخرجه مسلم ( 1218 ).
[248]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/440 ).
[249]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/464 ). [250]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/477 ).
[251]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/485 ). [252]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/495 ).
([224]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 32/311-314 ).
[253]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/485 ) . ([225]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 33/44-54 ).
[254]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/588 ). [255]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/604 ).
[256]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 6/620 ). [257]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/7 ).
[258]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/25 ).
[259]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/65 ).
[260]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/71 ).
[261]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/82 ).
[262]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/95 ).
[263]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/115 ).
[264] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/117 ).
[265]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/136 ).
[266]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/148 ).
[267]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/116 ).
([229]) انظر : (( الشرح الكبير ) ) ( 24/345 ).
[268]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/123 ).
([230]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/124 ).
[269]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/124 ). [270]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/129 ).
([231]) انظر : (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 413 ). [271] (( الروض المربع ) ) ( 7/160 ).
(2) (( الروض المربع ) ) ( 7/160 ). [272]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/156 ).
([233]) انظر : (( زاد المعاد ) ) ( 5/461 ).
[273]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/166 ).
[274]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/187 ).
[275]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/203 ).
([234]) (( الاختيارات ) ) للبعلي ( 422 ).
([235]) أخرجه البخاري ( 2413 ) , ومسلم ( 1672 ).
[276]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/224 ). ([236]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 25/289 ).
[277]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/230 ). ([237]) ( 12/99 ).
([238]) ( 25/319 ).
([239]) ( 7/255 ).
([240]) ( 25/319 ).
[278]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/240 ). ([241]) أخرجه أبو داود ( 4542 ).
[279] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/251 ).
([242]) انظر : (( المغني ) ) ( 12/183 ).
([243]) ( 25/407 ).
([244]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 34/164 ).
[280] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/288 ).
([245]) انظر : (( المغني ) ) ( 12/225 ).
([246]) أخرجه البخاري ( 4196 ) ، ومسلم (1802)
[281]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/308 ).
([247]) أخرجه مسلم ( 1695 ). [282]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/328 ).
([248]) انظر : (( الفروع ) ) ( 10/69 ).
([249]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 28/334 ).
([250]) أخرجه البخاري (6830) ، ومسلم (1691) . [283]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/320 ).
([251]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 26/293 ). [284]انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/325 ).
([252]) انظر : (( الإنصاف ) ) ( 26/318 ). [285] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/332 ).
[286] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/341 ). ([253]) انظر : (( مجموع الفتاوى ) ) ( 28/336 ).
[287] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/344 ). ([254]) أخرجه مسلم (2004)
([255]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/347 ). (5) يعني : فوق
([256]) أخرجه البخاري ( 6848 ) ، ومسلم (1708)
[289] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/368 ). [290] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/358 ).
[291] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/361 ). ([257]) ( 26/496 ).
([259]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/376 ).
[294] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/380 ).
[295] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/387 ).
([260]) أخرجه البخاري ( 6473 ) , ومسلم ( 1715 ).
[296] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/462 ).
[297] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/458 ).
[298] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/449 ).
([261]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/449 ).
([262]) انظر : (( شرح المنتهى ) ) ( 6/337 ).
[299] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/462 ).
([263]) في الأصل : احتيج إلى.
([264]) انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/462 ) حاشية ( 7 ).
[300] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/478 ). [301] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/25 ).
[302] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/480 ). [303] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/499 ).
([265]) انظر : (( الفروع ) ) ( 11/76 ).
([266]) أخرجه البخاري ( 6696 ).
[304] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/516 ).
[305] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/519 ).
([267]) انظر : (( الفتاوى الكبرى ) ) ( 5/556 ).
([268]) المصدر السابق .
[306] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/547 ).
([269]) أخرجه أحمد (21849) وأبو داود ( 3622 ).
([270]) انظر : (( الفتاوى الكبرى ) ) ( 5/560 ).
[307] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/545 ).
[308] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/573 ).
([271]) (( المغني ) ) ( 14/115 ).
[309] انظر : (( الروض المربع ) ) ( 7/601 ).