×
في هذه الرسالة بيان شيءٍ من فضل العلم وأهله، وقد اقتبسَه المُصنِّف من ثُلَّةٍ من كتب أهل العلم في هذا الباب.

 سلوة الحزين ولذة السالين

تأليف

محمد بن أحمد بن محمد العماري

عضو الدعوة والإرشاد

بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

بالمملكة العربية السعودية

البريد الإكتروني

 alammary4@hotmail.com


الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى       أَمَا بَعْدُ.

فاعلمْ بأنَّ العلمَ خيرُ ما سُعِي                              فيهِ وأولى مالَهُ العبدُ دُعِي

قَالَ تَعَالَى:{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: ١١٤]

لأنَّهُ لا يخشى اللهَ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: ٢٨].

ولا يَعْرِفُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.. قَالَ تَعَالَى:{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦]

ولا يَحْفَظُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.. قَالَ تَعَالَى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت: ٤٩ ].

 ولا يَفْهَمُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.. قال تعالى:{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣]

ولا يَعْمَل ُبما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

 قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ  يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً}  [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩ ].

ولا يَتَعَلَمُ  ما أنزلَ اللهُ ولا يُعَلِمُهُ إلا العلماء. قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [ آل عمران: ٧٩]

ولايُسْأَلُ عمَّا أنزلَ اللهُ إلا العلماء. قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل٤٣ ]

ولا يفتي بما أنزلَ اللهُ إلا العلماء. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ rفَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِى بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«قُلْ».قَالَ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا([1]) عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ». قَالَ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬ فَرُجِمَتْ.رواه البخاري([2]) ومسلم([3])

ولايقوم بالقسط إلا العلماء. قَالَ تَعَالَى:{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[آل عمران18]

ولايُرْفَعُ درجاتٍ إلا العلماء. قَالَ تَعَالَى:{  يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }[المجادلة11]

فَهَلْ يستوي العلماءُ وغيرُ العلماء. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }[الزمر9]

فإلي طالب العلم وقاصد الفهم:

أأنثر دراً بينَ سارحةِ البَهَم

وأنظمُ منثوراً لراعيةِ الغنم

لعمري لأنْ ضيعت في شربلدة

فلست مضيعاً فيهم غررالكلم

لأنْ سهلَ اللهُ العزيزبلطفه

وصادفتْ أهلاً  للعلوم وللحكم

بثثت مفيداً واستفدت ودادهم

وإلافمكنون لدى ومكتتم

ومن منح الجهال علماً أضاعه

ومن منع المستوجبين فقد ظلم

 سُئِلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم: عَنِ الْعِلْم ِ.

 فَقَالَ: سَلْوَتي إِذَا حَزِنْتُ ، وَلَذَتي إِذَا سَلَوْتُ .

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاء: مَنْ تَفَرَّدَ بِالْعِلْم ِ لَمْ تُوْحِشْهُ خَلْوَةٌ , وَمَنْ تَسَلَّى بِالْكُتُبِ لَمْ تَفُتْهُ سَلْوَةٌ , وَمَنْ آنَسَهُ قِرَآةُ الْقُرْآن ؛لَمْ تُوْحِشْهُ مُفَارَقَةُ الإِخْوَان .

 وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لاَسَمِيْرَ كَالْعِلْم ِ،وَلاَظَهِيْرَ كَالْحِلْم ِ. 

 وَقَالَ الْشَافِعِي رَحِمَهُ اللهُ: يَصِفُ حَلاَوَةَ الْعِلْم ِ ، وَلَذَّةَ الْفَهْم ِ .

 سَهَرِي لِتَنْقِيْح ِ الْعُلُوْم ِ أَلَذُّ لِي                               مِنْ وَصْل ِ غَانِيَةٍ ([4]) وَطِيْبِ عِنَاقِ وَصَرِيْرُ أَقْلاَمِي عَلَى صَفَحَاتِهَا                    أَحْلَى مِنَ الْدَوْكَاءِ ([5]) وَالْعُشَّاقِ

وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الْفَتَاةِ لِدُفِّهَا                                             نَقْرِي لأُلْقِي الْرَّمْلَ عَنْ أَوْرَاقِي

وَتَمَايُلِي طَرَبَاً لِحَلِّ عَوِيْصَةٍ  فِي الْدَّرْسِ                            أَشْهَى مِنْ مُدَامَةِ ([6]) سَاقِي

وَ أَبِيْتُ سَهْرَانَ الْدُّجَى([7])                            وَتَبِيتُهُ نَوْمَاً وَتَبْغِي بَعَدَ ذَاكَ لِحَاقِي

     قَالَ الْمَاوَرْدِي رَحِمَهُ الله: الْعِلْمُ أَشْرَفُ مَا رَغَبَ فِيهِ الْرَاغِبُ،وَأَفْضَلُ مَا طَلَبَهُ الْطَالِبُ ، وَأَنْفَعُ مَا كَسَبَهُ الْكَاسِبُ.

وَقَاَلَ الْحَافِظُ الْحَكَمِيُّ رَحِمَهُ الله:

 الْعِلْمُ أَشْرَفُ مَطْلُوْبٍ وَطاَلِبُهُ للهِ                       أَكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ

الْعِلْم ُ نُوْرٌ مُبِيْنٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ                            أَهْلُ الْسَعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الْظُلَمِ

وَالْعِلْمُ: مَنْقَبَةٌ كَرِيْمَةٌ، وَمَفْخَرَةٌ عَظِيْمَةٌ .

 قَاَلَ صَاحِبُ شَذَا الْعَرْفِ فِي فَنِ الْصَرْفِ:

الْفَخْرُ بِالْعِلْم ِ لاَبِالْجَاهِ وَالْمَالِ                                    وَالْجِدُّ بِالْجِدِّ لاَبِالْجَدِّ وَالْخَالِ

كَمْ مِنْ مَلِيءٍ وَضِيءِ الْوَجْهِ تَحْسَبُهُ                            للعِلْم ِ خِلاً وَلَكِنْ فِكْرَهُ خَالِ

 فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ أَسْبَابُ الْغُرُوْرِ                               وَمَنْ يَعْتَزُّ بِالأَهْلِ كَالْمُغْتَرِّ بِالآلِ

تِلْكَ الأُمُوْرُ سَحَابَاتٌ تُغَيُّرُهَا                               حَوَادِثُ الْدَّهْرِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ

وَلَكِنِ الْعِلْمُ لاَ يَنْفَكُ صَاحِبُهُ                                  مُعَظَّمَ الْقَدْر ِ فِي حِلٍّ وَتِرْحَالِ

أُفُقَ الْسِّمَاكَيْنِ ([8]) بَلْ أَعْلاَهُ مَقْعَدُهُ                          فِي كُلِّ حَالٍ تَرَاهُ نَاعِمَ الْبَالِ

إِنْ عَاشَ عَاشَ أَجَلَّ الْنَّاسِ مَنْزِلَة ً                           أَوْ مَاتَ مَاتَ بِإِعْظَام ٍ وَإِجْلاَلِ

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ رَحِمَهُ الله: لِبَنِيْهِ يَا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ سَادَةً فُقْتُمْ ، وَإِنْ كُنْتُمْ وَسَطَاً سُدْتُمْ،وَإِنْ كُنْتُمْ سَوْقَةً عِشْتُمْ.

 وَقَالَ الْمَاوَرْدِي رَحِمَهُ الله: تَعَلَّم ِ الْعِلْمَ ؛ فَإِنَّهُ يُسَدِّدُكَ وَيُقَوِمُكَ صَغِيْرَا وَيُسَوِدُكَ وَيُقَدِّمُكَ كَبِيْرَا  وَيُصْلِحُ زَيْفَكَ وَفَسَادَكَ ، وَيُرْغِمُ عَدَّوْكَ وَحُسَّادَكَ ، وَيُقَوِمُ عِوَجَكَ وَمِيْلَكَ ، وَيُصَحِحُ هِمَّتَكَ وَأَمَلَكَ . 

قال تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]

 فَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ بَصَيْراً بَعْدَ أَنْ كَانَ ضَرِيْراً. قال تعالى:{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [ الرعد: ١٩]

 وَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ حَيَّا ؛ بَعَدَ أَنْ كَانَ  مَيْتَا  وَخَرَجَ إِلَى الْنُّوْرِ الْتَّام ؛ِ بَعْدَ أَنْ عَاشَ فِي الْظَّلاَم ِ. قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢]

 وَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ إِمَام ؛يَقَوْدُ الْنَّاسَ بِلاَ زِمَام . قال تعالى:{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: ٧٣] قَالَ أَبُو إِسْحَاقِ الإلْبِيْرِي رَحِمَهُ الله:

 أَبَا بَكْرٍ دَعَوْتُكَ لَوْ أَجَبْتَ                     إِلَى مَا فِيْهِ حَظُّكَ لَوْ عَقَلْتَ

                             إِلَى عِلْم ٍ تَكُوْنُ بِهِ إِمَامَاً                          مُطَاعَاً إِنْ نَهَيْتَ وَإِنْ أَمَرْتَ

 الْعِلْمُ مَنْ ذَاقَ حَلْوَاهُ ؛لَمْ يَشْتَغِلْ بِسِوَاهُ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقِ الإلْبِيْرِي رَحِمَهُ الله:

فَلَو قَدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْوَاهُ طَعْماً                         لآثَرْتَ الْتَّعَلُّمَ وَاجْتَهَدْتَ

وَلَمْ يَشْغَلْكَ عَنْهُ هَوَىً مُطَاعَاً                           وَ لاَ دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا

وَلاَ أَلْهَاكَ عَنْهُ أَنِيْقُ رَوْضٍ                       وَ لاَ خِدْرٌ ([9]) بِزِيْنَتِهَا كُلِفْتَا

وَقَالَ الإِمَامُ الْشَنْقِيْطِي صَاحِبُ أَضْوَاءِ الْبَيَانِ رَحِمَهُ الله: يَصِفُ حَلاَوَةَ الْعِلْم ِ, وَلَذَةَ الْفَهْم ِ.

دَعَانِي الْنَاصِحُوْنَ إِلَى الْنِّكَاح ِ

غَدَاةَ تَزَوَجَتْ بِيْضُ الْمِلاَحِ

فَقَالُوا لِي تَزَوَجْ ذَاتَ دَلٍّ([10])

خَلُوْبُ اللَّحْظِ جَائلَةُ الْوِشَاحِ([11])

كَأنَّ لِحَاظَهَا رَشَقَاتُ نَبْلٍ

تُذِيْقُ الْقَلْبَ آلاَمَ الْجِرَاحِ

وَلاَعَجَبٌ إِذَا كَانَتْ لِحَاظ ٌ

لِبَيْضَاءِ الْمَحَاجِرِ كَالْرِّمَاحِ

فَكَمْ قَتَلاَ كَمِيَّاً ذَا ([12]) وَلاَهِي

ضَعِيْفَاتُ الْجُفُونِ بِلاَ سِلاَحِ

فَقُلْتُ لَهُمْ دَعُوْنِي إِنَّ قَلْبِي

مِنَ الْعِي([13]) الْصُّرَاح ِ الْيَوْمَ صَاحِي

وَلِي شُغْلٌ بِأَبْكَارٍ عَذَارَى

كَأَنَّ وُجُوْهَهَا ضَوْءُ الْصَبَاحِي

أَرَاهَا فِي الْمَهَارِقِ ([14]) لاَبِسَاتٍ

بَرَاقِعَ مِنْ مَعَانِيْهَا الْصِحَاح ِ

أَبِيْتُ مُفَكِرَاً فِيْهَا فَتُضْحِي

لَفَدْمِ ([15]) الْفَهْم ِخَافِضَةَ الْجَنَاح ِ

أَبَحْتُ حَرِيْمَهَا ([16]) جَبْرَاً عَلَيْهَا

وَمَا كَانَ الْحَرِيْمُ بِمُسْتَبَاح ِ

قَالَ مُصْعَبُ بْنُ الْزُبَيْر: تَعَلَّم ِالْعِلْمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ مَالٌ كَانَ لَكَ مَالاً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ جَمَالٌ كَانَ لَكَ جَمَالاً.

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ t : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُمَهُ للهِ خَشْيَة , وَطَلَبَهُ عِبَادَة , وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيْحٌ , وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ , وَتَعْلِيْمَهُ لِمَنْ لاَ يَعْلَمُ صَدَقَةٌ , وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ. وَهْوَ الأَنِيْسُ فِي الْوَحْشَةِ , وَالْصَاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ , وَالُمَصَبِّرُ فِي الْسَرَاءِ وَالْضَرَاءِ , وَالْوَزِيْرُ عِنَدَ الأخِلاَءِ , وَمَنَارُ سَبِيْلِ الْجَنَّةِ. يَرْفَعُ الله ُ بِهِ أَقْوَامَاً فَيَكُوْنُوْنَ سَادَةً وَقَادَةً فِي الْخَيْرِ, يُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ , وَتُرْمَقُ آثَارُهُمْ , وَتَرْغَبُ الَمَلائِكَةُ في صُحْبَتِهِمْ , وَبِأَجْنِحَتِهِا تَمْسَحُهُمْ , وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ لَهُمْ يَسْتَغْفِرُ حَتَى الْحِيْتَانُ فِي الْبَرِّ وَهَوَامُهُ وِسِبَاعُ الْبَرِ وَأَنْعَامُهُ ؛ لأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوْبِ مِنَ الْعَمَى , وَمَنَارُ الأَبْصَارِ مِنَ الْظُلَمِ بِهِ يَبْلَغُ الْعَبْدُ الْدَرَجَاتِ الْعُلْيَا فِي الْدُنْيَا وَالآخِرَةِ مُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ بِالْصِيَامِ , وَمُذَاكَرَتُهُ بِالْقِيَامِ , وَبِهِ تُوْصَلُ الأَرْحَامُ , وَيُعْرَفُ الْحَلاَلُ مِنَ الْحَرَامِ. يُلْهَمُهُ الْسُعَدَاءُ , وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاء .  

وللعالم والمتعلم آداب  توصلهما علم الكتاب

آداب المتعلم

أولاً: الإخلاصُ لله. قَالَ تَعَالَى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }[الزمر2]

وقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }[الزمر11]

و قَالَ تَعَالَى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي }[الزمر14]  

  فَمَنْ طلبَ العلمَ للدنيا أفسدَ حياتَه في الأخرى. قَالَ تَعَالَى:{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{ [هود: ١٥ – ١٦]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا).رواه أبو داود([17]) وصححه الألباني([18])

ثانياً: الصدقُ في النيةِ والقولِ والعملِ. قَالَ تَعَالَى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: ٣]

 وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُوْدٍ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ».رواه البخاري([19]) ومسلم([20])

ثالثاً:  أَنْ يَسْأَلَ اللهَ الهداية .

عَنْ أَبِى ذَرٍّ t:عَنِ النَّبِىِّ rفِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).رواه مسلم([21])

رابعاً: التقوى. قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: ٢٨٢ ]

خامساً: اختيارُ معلمٍ يعلمُهُ الكتابَ والسُنَّةَ . قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ }  [آل عمران: ١٦٤]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ tقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)رواه البخاري([22]) ومسلم([23])

 فالكتابُ يحتاجُ لمعلمٍ لِيُعْرَفَ الصوابُ لأَن َّكلامَ اللهِ وكلامَ رسولِهr فيهِ المجملُ والمُبَيَّنُ والعامُ والخاصُ والمطلقُ والمقيدُ والناسخُ والمنسوخُ وهذا كلُّهُ يحتاجُ إلى معلمٍ لِيُصِيْبَ المتعلمُ.

وقد قيل:

مَنْ كانَ شَيْخَهُ كتابُهُ كانَ خطاؤُه أكثرَمِنْ صوابِه.

  والنبيُّ ﷺ‬  أخذَ عَنْ جبريلَ الكتابَ وعنِ النبيِّ rأخذَ الأصحاب.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٥]

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِt أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ».رواه مسلم([24])

ويشترط  في المعلم أن يكون ربانياً. قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩]

وللرباني علامتانِ الأولى: تعليمُ الكتابِ والسُنَّةِ {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ  }

 والثانية:تعلمُ الكتابِ والسُنَّة{وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

فالرباني هو مَنْ يُعَلِّمُ كتابَ الربِ ويدرسُهُ. {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}


ومما أُنْشِد:

مَنْ يأخذْ العلمَ عَنْ شيخٍ مشافهةً

فهوعنِ الزيغِ والتصحيفِ في حرمِ

ومَنْ يأخذْ العلمَ مِنْ كُتْبٍ ليدْرُسَها

فعلمُهُ عندَ أهلِ العلم ِكالعدمِ

سادساً: توقيرُ المعلم. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هَلْ يستوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ الزمر: ٩]

 قالَ عليُ بنُ أبي طالبٍ t:مِنْ حَقِ العالمِ عليكَ إذا أَتَيْتَهُ أَنْ تُسَلِّمَ عليهِ خاصةً وعلى النَّاسِ عامةً وأْنْ تجلسَ أَمَامَهُ  ولا تُشِرْ بيدِك ولا تغمزْ بعينِك ولا تقلْ قالَ فلانٌ خلافَ قولِكَ ولا تأخذْ بثوبِهِ  ولا تلحَّ عليهِ في السؤالِ فإنَّما هو بمنزلةِ النخلةِ المرطبةِ التي لا يزالُ ينزلُ عليكَ منها شيءٌ.

ومما أنشد:

ليسَ الذي تكرمُهُ لغيرِهِ

مثلَ الذي تكرمُهُ لنفسِهِ

وقالَ موسى للخضرِ عليهما السلام. قَالَ تَعَالَى:{ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف: ٦٩]

قلتُ: وهذه غايةٌ في التوقير ونهايةٌ في التقدير.

والعالمُ ينصحُ ما وقِّرْ ويمسكُ ما حُقِّر.

إِنَّ المعلمَ والطبيبَ كلاهُمَا

لاينصحانِ إذا هُمَا لمْ يُكْرَمَا

فاصبرْ لدائك إِنْ أهنتَ طبيبَه

واصبرْ لجهلِك إنْ جفوتَ معلما

قلتُ: وليحذرِ الطالبُ مِنَ الجرأةِ على شيخِه والنفرةِ مِنْ تبكيتِه لأنْ مَنْ ذلَّ غنمَ ومَنْ عزَّ حُرِمَ.

قالَ بنُ عباسٍ t: ذللتُ طالباً وعززتُ مطلوباً.

وقالَ بعضُ الحكماء: مَنْ لمْ يحتملْ ذلَّ التعلم بقيَ بالجهلِ معلم.

ومما أنشد:

ومَنْ لمْ يذقْ مُرَّ التعلمِ ساعةً

تجرعَّ ذلَّ الجهلِ طولَ حياتِهِ

 وقال بعض الحكماء: من استفاد من شيخه فليحذر من تسفيهه ولا يظهرن له الإستغاء عنه والإكتفاء منه فإن في ذلك كفراً لنعمته واستخفافاً بحقه.

قال أبو البطحاء:

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد ساعده رماني

فلاظفرت يمينك حين ترم

وشلت منك حاملة البناني

        ومما أنشد:

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هحاني

سابعاً: تركُ الغلو في المعلم. قَالَ تَعَالَى:{  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }[المائدة: ٧٧ ]

و عَنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ t قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬( يَقُولُ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ).رواه البخاري([25])

ثامناً: التدرجُ في التعلم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rلِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ).رواه البخاري([26]) ومسلم([27])

فالتدرجُ في العلمٍ مِنْ أولِهِ يُوْصِلُ إلى آخِرِهِ والتدرجُ بالصغيرِ يوصلُ إلى الكبير.

وقد قيل:

ترقَّ إلى صغيرِ الأمرِ حتى

يرقيك الصغيرُ إلى الكبيرِ

فتعرفَّ بالتفكرِ في صغيرٍ

كبيراً بعدَ معرفةِ الصغير

 وقالَ الماوردي رحمَهُ اللهُ: أوائلُ العلمِ تؤدي إلى أواخرِهِ ومداخلُهُ إلى حقائقِهِ ومفاتِحُهُ إلى خواتِمِهِ لأَنَّ البناءَ مِنْ غيرِ أساسٍ لا يبنى والثمرَ مِنْ غيرِ غرسٍ لا يحنى.

وقد قيل: الفروع لا تطول إلا بالأصول.

ولم أر فرعاً طال إلا بأصله

ولم أر بدء العلم إلا تعلما

ومن سأل بأي شيء يبتدي فبالشيخ ليهتدي. قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل43]

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِt أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ قَالَ:« فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ».رواه مسلم([28])

العلمُ بيتٌ والمعلمُ سلمٌ

مِنْ أينَ ترقى البيتَ لولا المِصْعَدُ

  تاسعاً: العنايةُ مِنَ العلومِ بأولاهَا لأنَّهُ لا حدَّ لمنتهاها. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: ٨٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [ يوسف: ٧٦]

وقالَ الماوردي رحمه الله: العلوم ُكلُّهَا شريفةٌ ولكلِّ علمٍ منها فضيلةٌ والإحاطةُ بجميعِها محال.

وقيلَ لبعضِ الحكماء: مَنْ يعرفُ كلَّ العلومِ قالَ كلُّ النَّاسِ.

وقالَ الشعبي رحمه الله: العلمُ ثلاثةُ أشبارٍ فمَنْ نالَ منهُ شبراً شمخَ بأنفِهِ .

ومَنْ نالَ الشبرَ الثاني صُغِّرَتْ إليهِ نفسُه وعَلِمَ أنَّهُ لمْ ينلْهُ وأمَّا الشبرُ الثالثُ فهيهاتَ لا ينالُهُ أحدٌ أبداً.

وقالَ الشافعي رحمه الله:

كلمَّا أدبني الدهرُ أراني نقصَ عقلي

وإذا ماازدتُ علماً زادني علمي بجهلي

وقالَ المأمون : العلمُ لايُدركُ غورُه ولايُسبرُ قعرُه ولا تُبلغُ غايتُهُ ولا تُستقصى أصولُه ولا تَنضَّبُ أجزاؤه وإذا كان َكذلك فابدأْ بالأهمِ في الأهمِ والأوكدِ في الأوكدِ وبالفرضِ قبلَ النفلِ يكنْ ذلكَ عدلاً قصداً ومذهباً جميلاً.

وقد قيل:

وإذا طلبتَ العلمَ فاعلمْ أنَّه

حملٌ فأبصر أيَّ شيءٍ تَحملُ

وإذا علمتَ بأنَّه متفاضلٌ

فاشغلْ فؤادَكَ بالذي هوأفضلُ

وقالَ بعضُ العلماء:

المتعمقُ في العلمِ كالسابحِ في البحرِ لا يرى أرضا ولا يعرفُ طولاً ولا عرضاً.

وقيلَ لحمادِ الراوية: أما تشبعُ مِنْ هذِهِ العلومِ فقالَ استفرغنا فيها المجهودَ فلمْ نبلغْ فيها المحدودَ فنحنُ كما قالَ الشاعر.

إذا قطعنا علماً بدا علم

 وأنشد الرشيد عن المهدي:

يانفس خوضي بحار العلم أوغوصي

فالناس مابين معموم ومخصوصي

لاشيء في هذه الدنيا يحاط به

إلا إحاطة منقوص بمنقوص

وإذا كانتْ الإحاطةُ بالعلمِ محالَه فعلى طالبِ العلمِ أنْ لا يرهقَ حالَه.

قالَ بنُ عباسٍ:t كفاكَ مِنْ علمِ الدينِ مالا يسعُ المسلمَ جهلُه وكفاكَ مِنْ علمِ الأدبِ أَنْ ترويَ الشاهدَ والمثل.

وقالَ الشافعي رحمه الله: مَنْ تعلمَ القرآنَ عظمتْ قيمتُه ومَنْ تعلمَ الحديثَ قويتْ حجتُه ومَنْ تعلمَ الفقْهَ نَبُلَ مقدارُه ومَنْ تعلمَ الحسابَ جَزُلَ([29]) ومَنْ تعلمَ اللغةَ رقَ طبعُه. وقالَ بنُ قتيبةَ رحمه الله: مَنْ أرادَ أنْ يكونَ عالماً فليطلبْ فناً واحداً ومَنْ أرادَ أنْ يكونَ أديباً فليتفننْ في العلوم.

وقد قيل:

إحرصْ على كلِّ علمٍ تبلغُ الأملَ

ولاتواصلْ لعلمٍ واحدٍ كسلا

فالنحلُ لمارعتْ مِنْ كلِ فاكهةٍ

أبدتْ لنا الجوهرينِ الشمعَ والعسلا

الشمعُ بالليلِ نورٌ يستضاءُ بِهِ

والشَهْدُ يبري بإذنِ الباريءِ العللا

وقالَ يحي بنُ خالد: لابنِهِ عليكَ بكلِّ نوعٍ مِنَ العلمِ فخذْ منهُ فإنَّ المرءَ عدو ما جهل وأنا أكرَهُ أنْ تكونَ عدوَ شيءٍ مِنَ العلم.

وأنشد:

تفننْ وخذْ مِنْ كلِّ علمٍ فإنما

يفوقُ امرؤٌ في كلِّ فنٍ لَه علمُ

فأنتَ عدوٌ للذي أنتَ جاهلٌ بِهِ

ولعلمٍ أنتَ تتقنُه ُسِلْمُ

عاشراً: كتابةُ ما يتعلم.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ rأُرِيدُ حِفْظَهُ  ».رواه أبوداود([30]) وغيره وصححه الألباني([31])

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ tقَالَ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ rأَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ)رواه البخاري([32])

قالَ بعضُ البلغاء: إنَّ هذِهِ الأدابَ نوافر تندُّ عَنْ عقلِ الأذهانِ فاجعلوا الكتبَ لها حماه والأقلامَ لها رعاه.

وقالَ آخر:

أيها الطالبُ علماً

إتِ حمادَ بنَ زيد

واقتبسْ علماً وحلماً

ثمَّ قيدْهُ بقيد

وقالَ بعضُ الأدباء: لولا ماعقدتْهُ الكتبُ مِنْ تجاربِ الأولين لا انحلَّ مَعَ النسيانِ عقودُ الآخرين.

وقالَ الخليلُ بنُ أحمد: اجعلْ ما في الكتبِ رأسَ المالِ ومافي القلبِ النفقة.

أحدَ عشرَ: حفظُ ما يتعلم. قَالَ تَعَالَى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٩]

وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍt قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ».رواه أبو داود([33]) وصححه الألباني([34])

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ rبِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ). رواه البخاري([35])

وقالَ الرحبي رحمه الله: فاحفظْ فكلُّ حافظٍ إمامُ.

وقالَ الشافعي رحمه الله:

علمي معي أينما يممتُ يتبعني

قلبي وعاءٌ له لابطنَ صندوقِ

إنْ كنتُ في البيتِ كانَ العلمُ فيهِ معي

أوكنتُ في السوقِ كانَ العلمُ في السوقِ

إِثنا عشرَ:فهمُ ما يتعلم. قَالَ تَعَالَى:{فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء: ٧٨ ]

 وعَنِ ْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ tقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّﷺ‬ يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ ».رواه البخاري([36]) ومسلم([37])

وقالَ أبو العتاهية:

إذا لمْ يكنْ لكَ حسنُ فهمٍ

أسأتَ إجابةً وأسأتَ سمعا

ثلاثةَ عشرَ: مراجعةُ ما تعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [ طه: ١١٤]

وقالَ بنُ عباسt: مذاكرةُ ساعةٍ خيرٌ مِنْ قيامِ ليلةٍ.

وقالَ معاذُ بنُ جبلٍt: مدارسةُ العلمِ تُعْدَلُ بالصيامِ ومذاكرتُهُ بالقيامِ.

وقد قيل:

إذا لمْ يذكرْطالبُ العلمِ علمَهُ

ولمْ يستفدْ علماً نسي ماتعلما

وكمْ جامعٍ للكتْبِ في كلٍّ مذهبٍ

يزيدُ معَ الأيامِ في جمعِهِ عمي

أربعةَ عشرَ: العملُ بما تعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ } [ التوبة: ١٠٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108}وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: ١٠٧ – ١٠٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: ٧٩]

خمسةَ عشرَ: تعليمُ ما يتعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧]

وعنْ أبي أمامةَ الباهليt قالَ:«ذُكِرَ للنبيِّ ﷺ‬رجلانِ : أحدُهما عابدٌ ، والآخرُ عالمٌ ، فقالَ : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم ، ثم قال النبيُّ ﷺ‬: إنَّ الله وملائِكَتَه وأهْلَ السَّمواتِ والأرضِ - حتى النَّملةَ في جُحْرِها ، والحيتان في البَحْرِ - لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ»رواه الترمذي([38]) وصححه الألباني([39])

وقالَ الحكماءُ: تعلمْ ما تجهل وعلمْ مَنْ يجهلْ فإذا فعلتَ ذلكَ علمتَ ماجهلتَ وحفظتَ ما علمتَ.

دخلَ رجلٌ على عبدِ الملكِ بنِ مروان. فكانَ لا يسألُهُ عَنْ شيءٍ إلا أفادَهُ منهُ علما .

قالَ أنَّى لكَ هذا قالَ يا أميرَ المؤمنينَ لمْ أمنعْ قطُّ شيئاً أفيدُه ولمْ أحتقرْ شيئاً أستفيدُه وكنتُ إذا لقيتُ الرجلَ أخذت منه وأعطيته.

وقالَ الخليلُ بنُ أحمدَ: اجعلْ تعليمَكَ دراسةً لعلمِك واجعلْ مناظرةَ المتعلمِ تنبيهاً على ما ليسَ عندَك.

وقال الشافعي رحمه الله:

وناظرمن تناظر في سكون

حليماً لاتلح ولاتكابر

يفيدك مااستفاد بلا امتنان

من النكت اللطيفة والنوادر

وإياك اللجوج ومن يرائي

بأني قد غلبت ومن يفاخر

فإن الشر في جنبات هذا

يمني بالتقاطع والتدابر

  ستةَ عشرَ: الصبرُ على التعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: ٧]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]

اخلقْ بذي الصبرِ أنْ يحظى ببغيتِهِ

ومدمنِ القرعِ للأبوابِ أنْ يلجا

وقالَ ميمونُ بنُ مهران: ما نالَ عبدٌ شيئاً مِنَ الخيرِ نبيٌ ولا غيرُه إلا بالصبر.

وأنشدَ المنتصرُ بنُ بلال:

وإنْ عَسُرَتْ يوماً على المرءِ حاجةٌ

وضاقتْ عليه ِكانَ مفتاحَهَا الصبرُ

ومَنْ صبرَ على التعلم حازَ منزلةَ المعلم.

صبرتُ ومَنْ يصبرْ يجدْ غبَّ صبرِهِ

ألذَّ وأحلى مِنْ جنى النحلِ في الفمِ

 آداب العالم

فللمعلم آداب إذا تأدب بها أقبل عليه المتعلم وأحبه ولازمه وأخذ عنه وكان في ميزان حسناته يوم القيامة.

أولاً: الإخلاصُ لله.  

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. ».رواه مسلم([40])

ثانياً: اللينُ لمَنْ يُعَلِم.

 قَالَ تَعَالَى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران: ١٥٩]

ثالثاً: الرفقُ بمَنْ يُعَلِم.

عَنْ عَائِشَةَ ~قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ rفَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rمَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rقَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ)رواه البخاري([41]) ومسلم(3)

 وَعَنْ عَائِشَةَ ~:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)رواه مسلم([42])

وعَنْ عَائِشَةَ ~: أنَّ النَّبِيَّ rقَالَ إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)رواه مسلم([43])

 وقد قيل:

لو سارَ ألفُ مدججٍ في حاجةٍ

لمْ يقضِهَا إلا الذي يترفقُ

رابعاً: الحلمُ على مَنْ يُعَلِم.

عَنْ عَائِشَةَ~ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ rشَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)رواه مسلم([44])

 و عَنْ أَنَسٍ tقَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ rعَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ)رواه البخاري([45])

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍt قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ rفَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ rبِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ).رواه البخاري([46])

وعَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنِ الْخُزَاعِيt: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rرَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ).رواه البخاري([47])

خامساً: العفو عمَنْ يُعَلِم.

قَالَ تَعَالَى:{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]

 سادساً: الصبرُ على أذى مَنْ يُعَلِم.

 قَالَ تَعَالَى:{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } [ المزمل: ١٠]

سابعاً: إكرامُ مَنْ يُعَلِم.

 عَنْ عَبَّاسٍ tقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ‬ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ).رواه البخاري([48])

وما كانَ إلا مالَ مَنْ قَلَّ مالُه ُ

وذخراً لمَنْ أمسى وليسَ له ذخرُ

وما كانَ يدري مجتدي جودَ كفِهِ

إذا ما استهلتْ أنَّهُ خُلِقَ العسرُ

 وَعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: مَا سئِلَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ‬ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ)رواه مسلم([49])

وعَنْ أَنَسٍ t : أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ)رواه مسلم([50])

 وفي لفظ عَنْ أَنَسٍtأَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ‬( غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَ اللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ).

فَقَالَ أَنَسٌt إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا)رواه مسلم([51])

 وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً قَالَ صَفْوَانَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ rمَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ)رواه مسلم([52])

وشرى جملَ جابرٍtفأعطاه الجملَ والثمن. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ t أَنَّ النَّبِىَّ rقَالَ: (اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ) رواه البخاري([53])وَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍt:أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ rوَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ rفَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا)رواه البخاري([54])

ثامناً: بذلُ النصيحةِ لمَنْ يُعَلِم. عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ tقَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ).رواه البخاري([55])

وقبولُ النصيحةِ مِنَ المتعلم.  عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِى أَنَّ النَّبِىَّ rقَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».رواه مسلم([56])وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



([1]) العسيف هو  الأجير

([2])صحيح البخاري ( بَاب الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا)

([3])صحيح مسلم (باب من اعترف على نفسه)

(1) الغانية الجارية الحسناء سميت غانية لأنها غنيت بحسنها

(2) الجماع .

(3)  الخمر

(4)الدُجى: الظلمة.

(1) السماكان: السماء والأرض.

(1)الخِدْرُ: السِتْرُ. وجارية مُخَدَّرَةٌ، إذا لازمت الخِدْرَ.

(2)   الدل الشكل

(1) عقد من الدر تتوشح به المرأة أي تلبسه كما يلبس المحرم رداءه

(2)  الكمي الرجل الشجاع   لأنه كمى نفسه بالسلاح أي سترها) (ذا ولاهي أي ذا سيادة) ( أي كم قتلا شجاعاً سيداً)

(3) الْجَهْلُ وفي الحديثِ (إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِي الْسُؤَالُ)

(4) قال الأصمعيّ: المَهْرَقُ: الصحيفةُ، فارسيٌّ معرَّب؛ والجمع المَهارِقُ. الصحاح للجوهري  (ج 2ص 250)

(5)  ثقيل الفهم قال بن الأعرابي: الفَدْمُ: الدَّمُ ومنه قيل: للثقيل فَدْمٌ تشبيها به. تهذيب اللغة للأزهري (ج 4   ص 466)

(6)والحريم في الأصل :ما حول الشيء  ومنه حريمُ الدّارِ -  تاج العروس للزبيدي (ج 1 / ص 56)

([17])سنن أبى داود [باب في طلب العلم لغير الله]

([18])صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3664 (ج 1 / ص 2)

([19]) صحيح البخاري[ بَاب قَوْلِه تَعَالَى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} 

([20])صحيح مسلم  [ باب قبح الكذب حسن الصدق.]

([21])صحيح مسلم[باب تحريم الظلم]

([22])صحيح البخاري [بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ]

([23])صحيح مسلم [  باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ]

([24])صحيح مسلم[ باب معرفة الإيمان والإسلام]

([25])صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ اللَّهِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}

([26])صحيح البخاري [ بَاب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا].

([27])صحيح مسلم [  باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ].

([28])صحيح مسلم [ باب معرفة الإيمان والإسلام]

([29])  جزل حسن رأيه.

([30])سنن أبى داود [ باب في كتابة العلم]

([31])صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3646 (ج 1 / ص 2)

([32])صحيح البخاري [ باب كتابة العلم]

([33])سنن أبى داود [ باب فضل نشر العلم]

([34])السلسلة الصحيحة رقم404(ج 1 / ص 760)

([35])صحيح البخاري [ بَاب حِفْظِ الْعِلْمِ]

([36])صحيح البخاري  [بَاب مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ]

([37])صحيح مسلم [ باب النهي عن المسألة]

([38])سنن الترمذي [باب فضل الفقه على العبادة].

([39])صحيح وضعيف سنن الترمذي رقم2685 (ج 6 / ص 185)

([40])  صحيح مسلم [ باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار]

(2)-صحيح البخاري [بَاب الرِّفْقِ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ]

(1)- صحيح مسلم [  بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ ]

(2)- صحيح مسلم [ بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ ]

(3) صحيح مسلم [بَاب مُبَاعَدَتِهِ ﷺ‬لِلْآثَامِ ]

(5)صحيح البخاري [بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ ]

([46])صحيح البخاري [بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ]

([47])صحيح البخاري [ باب التيمم]

(2) صحيح البخاري 1769 (ج 6 / ص 470)

(3) صحيح مسلم[ بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ.]

(4) صحيح مسلم [ بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ ]

(1) صحيح مسلم [بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ

(2)صحيح  مسلم [بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا ]

(3)صحيح البخاري [ بَاب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ]

(4)صحيح البخاري [بَاب الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ وَالْجُبْنِ]

([55])صحيح البخاري [ بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ‬الدِّينُ النَّصِيحَةُ] 

([56])صحيح مسلم [ باب بيان الدين النصيحة ]