من القلب إلى كل معلم ومعلمة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفوته من خلقه، معلم البشرية، وهادي الإنسانية، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أما بعد:
أيها المعلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ{ [آل عمران: 102].
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [الأحزاب: 70، 71].
أيها الأحباب الكرام: هذه رسالة مختصرة أوجهها لكل مُعلِّم ومعلمة، أوجهها لكل مؤمن ومؤمنة من أتباع الرسول المعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأزكى التسليم. فيها ذكرى لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورًا، أوجهها لمن جعلوا أنفسهم جنودًا للعلم وأهله، لمن يخافون الله ويرجون ثوابه، لمن يشعرون بالمسئولية الملقاة على عاقتهم في تعليم هذا الجيل وفي تربيته التربية الإسلامية، ليخرِّجوا بإذن الله المعلم، والقاضي، والطيار، والطبيب، والصيدلي، والعسكري، والمهندس، كي تكفى الأمة الإسلامية، ولا تكون عالة على غيرها من الأمم.
رسالتي في هذا اليوم رسالة قلبية حبيبة إليك أيها المعلم الغالي وإليك أيتها المعلمة المخلصة، فيا معشر المعلمين سلامٌ من الله عليكم، وتحيات مباركات تزجى إليكم، وثناءٌ عليكم بأريج كالمسك من محب لكم أيها المعلمون.
لقد أضحى الاستثمار في رأس المال البشري من أهم مقومات البُنَى التحتية لكل أمة ترنوا إلى مراكز الصدارة العالمية، وتتطلع إلى مدراج الرقي والرفعة، حتى بات واضحًا أن التعليم لم يعد زاد المترفين وخطى المتفوقين، بل أضحى حقًا مشاعًا للجميع، مما حدا بالحكومات الواعية إلى التسابق في دعم البرامج التعليمية والتربوية، والإنفاق عليها بسخاء، وقد وفقت حكومتنا الرشيدة للعناية الفائقة بالتعليم على جميع مستوياته للرقي بمستوى الفرد والمجتمع، فجزاها الله خيرًا.
أيها المعلمون: إن مهنة التعليم لا تساويها في الفضل والرفعة مهنة، ووظيفة المعلم من أشرف الوظائف وأعلاها، قال تعالى: }قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{ [الزمر: 9]، وقال ﷺ: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع»
[رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني].
هذا ابن أبي جعفر من موالي المدينة وكان مع سيده لا يعرف طبخًا، ولا يحسن نفخًا، فهو كَلٌّ على مولاه، قال له مولاه: قد أعتقتك لوجه الله، والله ما أعتقتك إلا وقد عجزت منك؛ لأنك لا تجيد شيئًا، قال: ماذا أفعل؟ قال: اطلب العلم. قال: فجلست سنة أطلب العلم، وبعد سنة استأذن عليَّ أمير المدينة في القيلولة فلم آذن له، فرجع من عند الباب.
وقال الأندلسي مشجعًا ابنه على العلم:
هو العضب المهند ليس ينبو | ||||
تنال به مقاتل مَنْ أردتا | ||||
وكنزٌ لا تخافُ عليه لصًّا | ||||
خفيف الحمل يوجد حيث كنتا | ||||
يزيد بكثرة الإنفاق منه | ||||
وينقص إن به كفًّا شددتا | ||||
فبادر وخذ بالجد منه | ||||
فإن أعطاكه الله انتفعتا | ||||
وقد صحَّ عنه ﷺ أنه قال: «إن الأنبياء لم يورثوا درهمًا ولا دينارًا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر» [صحيح أبي داود].
فيا أيها المعلمون: من يرث محمدًا ﷺ إلا أنتم؟ ومن يحفظ تركته وميراثه إلا أنتم؟ ومن يؤدي رسالته إلى العالم إلا أنتم؟ وجاء في بعض الآثار: «توزن دماء الشهداء بمداد العلماء».
إنه من الواجب على المعلم أن يستحضر فضل العلم والتعليم، فالمعلم شأنه جليل، وفضله عظيمه، ومكانته سامقة، فما يقدمه المعلم والمعلمة في سبيل العلم يعلي ذِكْرهم، ويزكي علومهم، ويعود بالنفع عليهم وعلى أمتهم، ولا غرو أن تتظاهر آثار الشرع وأقوال السلف في بيان فضله ونشره بين الناس.
تاريخنا من رسول الله مبدأه | ||||
وما عداه فلا ذكر ولا شان | ||||
قال الربُّ جلَّ وعلا: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ [المجادلة: 11].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «العلماء فوق المؤمنين درجة، ما بين الدرجتين مائة عام».
وقال وهب بن منبه رحمة الله عليه: «يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيًّا، والعز وإن كان مهينًا، والقُرب وإن كان قصيًا، والغنى وإن كان فقيرًا، والمهابة وإن كان وضيعًا».
وقال ابن حزم رحمه الله: «لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك، وأن العلماء يجلونك؛ لكان ذلك سببًا إلى وجوب طلبه».
فأكرم بالعلم من طريق، وأعظم به من سبيل للهداية والرشاد «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها ليصلون على معلَّم الناس الخير» [رواه الترمذي] فأي منزلة عالية تلك التي يبلغها المعلم.
أعلمتَ أشرف أو أجل من الذي | ||||
يبني وينشئ أنفسًا وعقولاً | ||||
سبحانك اللهم خير معلم | ||||
علمت بالقلم القرون الأولى | ||||
بل يكفيك من العلم كشف الشبهات، وكبت الشهوات، وتجلية الظلمات، وإحياء الأموات، ورحمة بالكائنات.
فقد كان الخلفاء والوُلاة سلف الأمة رحمهم الله جميعًا، يرغبون في نشر العلم، بل ويأمرون بالعطاء لأهل العلم، فقد كتب عمر بن الخطاب t إلى بعض عماله أن أعط الناس على تعلم القرآن، وكان عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، يبعث الفقهاء إلى الناس في أماكنهم، وإلى الأعراب في بواديهم.
أيها المعلمون: اعلموا أن العلوم الشرعية أشرف العلوم، ثم العلوم الأخرى، كلٌّ بحسبها، وعند الطبراني عن أبي ذر «يا أبا ذر، لأن تتعلم حديثًا واحدًا خير لك من أن تصلي سبعين ركعة».
والمعلم إذا أخلص عمله لله، ونوى بتعليمه نفع الناس وتعلمهم الخير؛ كان ذلك سببًا في تكثير حسناته وزيادة أجره. فالعلم النافع يورث الخشية والخوف، ومن ذهب إلى مدرسته وعاد إلى بيته فلم يزدد خشية فقد أورث علمًا سقيمًا.
وإن ألقاك علمك في مهاوٍ | ||||
فليتك ثم ليتك ما علمتا | ||||
الحديث معكم أيها المعلمون حديث ذو شجون، ولكم هموم وشئون، وآمال وآلام، وعليكم تبعات وواجبات، إنه قرار صائب ذلك الذي اتخذتموه بالتوجه لهذه المهنة الشريفة، والتصدي لحمل هذه الرسالة الخالدة، فقد وضعتم أقدامكم في طريق البناء، والإعداد لهذه الأمة، ألا يكفيك أيها المعلم قول الحبيب ﷺ: «معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر».
أيها المعلمون، أيتها المعلمات: أنتم حماة الثغور، مربو الأجيال، وسقاة الغرس، وعمار المدارس المستحقون لأجر الجهاد، وشكر العباد، والثواب من الله يوم المعاد.
وكم والله أيَّها الشباب وأيتها الأخوات أسعد حين أراكم تحملون بين طياتكم نفوسًا صادقة، وقلوبًا تحترق على واقع الأمة، وهممًا أبية متطلعة للإصلاح والتغيير، كم أستبشر وأتهلل حين أرى أولئك الشباب يتسابقون إلى الصفوف الأولى في المساجد، وحلقات الذكر، والمراتب العليا، بل وفي تسيير دفة البلاد، وتوجيه العباد، بل هل رأيت العالم الداعية الذي يحمل همَّ دينه، وتلتف حوله الجماهير، ويثني الناس ركبهم لديه، أما أبصرت القاضي الذي يحكم في دماء الناس، وأعراضهم، وأموالهم؟! أما قابلتَ الجندي الذي يحمي العرين؟! أما رأيت المهندس والمدير والطبيب، وكل من له شأن في المجتمع، أتدري من هؤلاء أيها المعلم؟! إنهم غراسك الطاهر، ثمارك اليانعة، جاوزوا قنطرة التعليم، وعبروا بوابة الدراسة، لم يعدموا معلمًا ناجحًا، وأستاذًا صادقًا، بل أرأيت ذلك الرجل الطاعن في السن، وتلك المرأة الضعيفة، قد علَّقوا آمالهم بعد الله عليك في استنقاذ ابنهم وحمايته، ويعدونك منقذًا لهذا المجتمع بتربيتك الطيبة.
فتى الإسلام يا أملاً به الأيام تبتسم | ||||
ويا حلمًا تمنته بلاد ضحكها ألم | ||||
أخي المعلم، أختي المعلمة: ما أغناكما عن أن أحدثكما عن الواقع المرير لأمتنا، أو عن التآمر على شبابنا، أو التخاذل من إخواننا، هل نسيت الأقصى أيها المعلم؟ أم نسيت ماذا جرى لإخواننا في الشيشان.. وفي كوسوفا والبوسنة ومقدونيا؟ أم أنك نسيت الأندلس وغرناطة.. وبخارى وسمرقند..؟ أنسيت ما فعل دنلوب وأقرانه.. وشارون وأعوانه.. وميلوسيفيتش وإخوانه؟ أم نسيت ما يجري في مجتمعات المسلمين من مهانة وضعف وخور؟!!
ففي الشرق آه وفي الشمال فواجع | ||||
في الغرب جوع وفي الجنوب بكاء | ||||
يا أمتي الثكلى عيونك هدَّها | ||||
شجن وعشعش عبرها الإعياء | ||||
أتعلم يا أخي أن لك دورًا كبيرًا في إذكاء الهمم وفي عون المسلمين ومساعدتهم ونصرتهم واستعادة حقوقهم والمحافظة عليها.
يا مربيي الأجيال: عليك بمراقبة الله في السر والعلن، لا يهمك إلا رضاه، اسع إلى بث روح الرقابة الذاتية في نفوس طلابك وزملائك. ومن المهم أن تربط علاقتك الأبوية الحميمة بطلابك غايتك في ذلك: الرغبة في نفعهم والحرص عليهم.
كن بشوشًا معهم، طلق المحيا، حاورهم بكلمات ودية، وبعبارات أبوية، تبعث على الارتياح والقبول.
احرص على احترام مشاعرهم، وكن قريبًا منهم، اعرف مطالبهم، ادعهم بأحب أسمائهم، ومع هذا كن حازمًا من غير شدة، ودودًا حبيبًا من غير ضعف، واثقًا بنفسك، منسجمًا مع ذاتك، واجهْ مشكلاتهم بثبات واطمئنان، وعالجها بهدوء واتزان، متجنبًا الغضب العقيم، والعقاب البدني السقيم، والتعزيز النفسي اللئيم. احرص على ذوي الاحتياجات الخاصة، وقدِّم لهم كل مساعدة، اعدل بين الطلاب لاسيما في أدائهم ومشاركاتهم.
أخي المعلم: إنني أخاطب فيك الغيرة والحمية لدين الله، وأدعوك ليس إلى عمل خيري تساهم فيه فحسب، بل أحثك على القيام بحق الأمانة والمسئولية، وأن تؤدي الواجب الشرعي.
وأي خطأ يرتكبه ذاك الذي يظنُّ التعليم وظيفة رسمية فحسب، وأي ظلم وإهانة للجيل والنشء من تلك النظرة القاصرة، التي تقلل من مكانة المعلم، وترى التعليم وظيفة من رضوا بالدون، وأخلدوا للدعة، وتركوا التسابق للمراتب العالية، إننا لا نريد معلمًا يتخذ المهنة وسيلة للثراء والكسب المادي، ولا نريد معلمًا أو معلمة متبلد الإحساس، فاقد الغيرة، واقع الطلبة لا يعنيه! لا.. نريد معلمًا اتجه إلى التدريس كرهًا لا طوعًا، فهو لم يجد وظيفة أصلاً غيرها، لا نريد أيضًا معلمًا يرمي الدنيا وراء ظهره غير مبال بالمسئولية، لكننا نريد مربيًا متطلعًا طموحًا لتحصيل الرزق، بمزايا إدارية ووظيفية، لكنها ليست هي الهدف الأول والأساس، والعامل الأهم في اتخاذ قراره، فحينما يختار هذا الطريق ليخدم أمته، ويربي النشء يجب عليه أن يحترق على واقع الشباب، ويعدهم أبناءه وإخوانه.
أيها المعلم وأيتها المعلمة: إننا نريد معلمًا مستشعرًا مسئولية التعليم العظيمة والأمانة الملقاة على عواتق أهله، فإن الأمة ترجو أن يبنى من أبنائها جيلاً قوي الأزر، شديد العزائم، متين الآراء، متماسك الأجزاء.
يا معشر المعلمين: إنكم عاملون فمسئولون عن أعمالكم، ومجزيون عنها من الله، ثم من الأمة ومن التاريخ ومن الجيل الذي تقومون عليه، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها.
يا معشر المعلمين: إنكم رعاة ومسئولون عن رعيتكم، فالأبناء أمانة في أعناقكم، وودائع الأمة بين أيديكم، لتعينوهم بالمعاني الطيبة، ولتحثوهم على الفضيلة وترشدوهم إلى المعرفة.
إذا ما الجرحُ رمَّ على فساد | ||||
تبيَّن فيه تفريط الطبيب | ||||
إننا في حاجة إلى المعلم والمعلمة الأمناء علميًّا، فالأمانة العلمية زينة العلم وروحه، الذي يجعله زاكي الثمر، لذيذ الطعم، وفي الأمانة العلمية فتح لباب العلم، ورفعة القدر، وزيادة ثقة الناس فيك. وإن من علامات الساعة ضياع الأمانة.
إننا في حاجة إلى المربي النقي، المواظب على قراءة القرآن وتدبره، الملازم لذكر الله ليطمئن قلبه، «فالقرآن هو الذي ربَّى الأمة وأدَّبها، وأعلى الهمم وهذَّب النفوس». إننا في حاجة إلى المعلم المتجدد الذي به ترفع الأوطان رأسها، وتبرز مظاهر عزها بجدِّ وثبات:
أليس من الخسران أن لياليا | ||||
تمرُّ بلا علم وتحسب من عمري | ||||
إننا في حاجة إلى المعلم الذي يملك مفتاح القلوب، ويعرف مداخل النفوس، فبالإخلاص لله سبحانه وتعالى يحقق الكثير، فالإخلاص خصلة تواطأ سلف الأمة على التركيز عليها، وبها يُرفع شأن الأعمال، وتُذلل الصعاب، ويُعان على مواصلة عمل الخير، وكثير من العقبات لا يساعدك على تذليلها إلا الإخلاص، يقول النووي رحمة الله عليه: يجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله، ولا يجعله وسيلة لغرض دنيوي. قال ﷺ: «من تعلَّم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، فليتبوأ مقعده من النار» [رواه ابن ماجه].
نريد أيها المسلمون المعلم والمعلمة القدوة، فالمعلم لا يستطيع أن يربي تلاميذه على الفضائل إلا إذا كان هو فاضلاً، قال البغدادي: «فإن المعلم شجرة، والعمل ثمرة، وليس يعد عالمًا من لم يكن بعلمه عاملاً».
يا أيها الرجل المعلم غيره | ||||
هلا لنفسك كان ذا التعليم | ||||
تصف الدواء وأنت أولى بالدوا | ||||
وتعالج المرضى وأنت سقيم | ||||
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها | ||||
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم | ||||
لا تنه عن خلق وتأتي مثله | ||||
عار عليك إذا فعلت عظيم | ||||
وقد جاء في الأثر مرفوعًا وهو حسن «من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم».
إن العمل المثمر أيها المعلمون والمعلمات هو الذي ينبني على عقيدة صحيحة صافية، مصدرها الكتاب والسنة الصحيحة بمفهوم سلف الأمة رضوان الله عليهم.
إننا بحاجة إلى المعلم الذي يتعاون على البر والتقوى، حريص على جمع الكلمة وإصلاح ذات البين، فمن الخطأ أيها المربون أن يصبح العلم وقاعاته وميادينه للمهاترات والخلافات، فيصير أهل العلم سبة لمن يريد الشماتة، حينها تفشل أهدافهم السامية، وتذهب ريحهم، يقول أبو الوريد الباهي رحمه الله في وصية عظيمة: «اعلموا أني قد رأيت جماعة ليس لهم أقدارًا ولا أحوالاً، فقامت أحوالهم ورفع أقدارهم اتفاقهم وتعاضدهم». ومما يزيد على جمع الكلمة أن تسود روح التضحية بين المعلمين، وإفشاء السلام، والشورى، فهي تنمي المعارف وتقوي الأواصر، والاختلاف في الرأي لا يوجب اختلاف القلوب.
وإذا عرتك بلية فاصبر لها | ||||
صبر الكريم فإنه بك أعلم | ||||
احرص أيها المعلم على المشاركة الفعالة في المدرسة، وفي الحياة الاجتماعية، خالط الناس، وتفاعل معهم كسبًا لمرضاة الله، ومهتديًا بسنة رسول الله ﷺ: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [رواه مسلم].
أخي المعلم: كثيرًا ما يجتمع المعلمون في غرفتهم المدرسية، أو خارج مدارسهم، أو في منتدياتهم، فبعضهم يجتمعون على غيبة إخوانهم المعلمين، أو الحديث عن مساوئ طلابهم، أو مثالب تعليمهم، وكأن أعراض هؤلاء مباحة لهم، عافانا الله وإياكم منهم. لكنها غيبة ونميمة وخوض في أعراض الناس، والله تعالى يقول: }وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ{ [الحجرات: 12].
إننا في حاجة إلى معلمين أخلاقهم حسنة، أسخياء متواضعين، ومعتدلين في ملبسهم، ومنضبطين في مزاحهم، رحبة صدورهم، متفتحة آفاقهم وأفكارهم، محافظين على صلواتهم وأوقاتهم، مهتمين بطلابهم، مطَّلعين على واقعهم، يقظين لأعدائهم، متزنين في فرحهم وترحهم، مبتسمين لمستقبلهم، فالابتسامة دليل الفأل والرضا، بل هي دليل الحزم والقوة والعزيمة.
نريدك يا مربي الأجيال نصوحًا لله، نصوحًا لكتابه، نصوحًا لرسوله، نصوحًا لأئمة المسلمين وعامتهم، بالحكمة والموعظة الحسنة. فمهمتك لا تنتهي بانتهاء درسك وإكمال منهجك، فالطلبة في حاجة إلى النصح وإلى الناصح الأمين، والأسلوب الحكيم، والعلم الرصين.
فانصح ولا تبخل بكل كليمة | ||||
ترسخ رسوخ النقش في الجدران | ||||
إننا في حاجة إلى معلم حازم من غير عسف، ورقيق من غير ضعف، يربي الطلبة على الاعتزاز بدينهم لا يرضون بديلاً عنه، ولا يبغون عنه حولاً، نريده محبوبًا عادلاً بين طلابه.
وإذا المعلم لم يكن عدلاً مشى | ||||
روح العدالة في الشباب ضئيلاً | ||||
إننا في حاجة إلى الاهتمام بجودة التعليم، وزيادة الموهوبين، ورعاية النابغين، وإذكاء هممهم، وإعطائهم الفرص المناسبة للإبداع وإظهار المواهب ومراعاة الميول.
لابد أن تدرك أن التعليم رسالة سامية، ومحبتك لهذه الرسالة هي خدمة لدينك ثم وطنك، حافظ على شرف مهنتك، وابتعد عن مواطن الشبهات، كن منطقيًا في عملك، مستثمرًا لوقتك، حريصًا عليه في كل الأحوال، دع كثرة الاستئذان، وكثرة الخروج، وليكن همك مدرستك وطلابك ومستقبل أمتك.
احرص على تطوير نفسك دائمًا، تابع كل جديد في عملك التربوي، تدرَّب على ما يعينك على تحقيق أهدافك، استفد واستثمر حصص الانتظار، ولا تتذمر منها.
أيها المعلمون، أيها المربون: إن من نعم الله علينا أننا ننتمي لهذه البلاد الطيبة المباركة بلاد الحرمين، إن الناظر لسياسة البلاد وفقها الله في التعليم يجد أن أول بند من بنود سياستها هو تحقيق العبودية لله عزَّ وجلَّ على اعتبار أنها الأساس لكل تربية تقود إلى الخير، وتجلب السرور، وتدفع الشرور، وهذه من الأمور التي تعين على تحقيق الغاية والهدف المنشود، إن طلاب اليوم يجب أن نربيهم التربية الإسلامية الخالية من التناقض والازدواجية في السلوك والأخلاق والمعاملات والتفكير والتصور، وجعل ولاءَهم لله ثم للرسول وللمؤمنين، والبراءة من الشرك والمشركين ومناهجهم الوضعية من شرقية وغربية، لأنهم سوف يكونون في المستقبل قادة، إما قادة خيرة يقودون الناس في مجالات الحياة المختلفة حيث سعادة الدارين، نسأل الله لهم ذلك، وإما خناجر مسمومة بأفكار وعقائد وشبهات، وأخلاقيات وسلوكيات، ونفوس ملوثة بالشهوات والشبهات، تطعن المجتمع الإسلامي في الصميم.
إما أن يكونوا جنودًا لله وحزبه أو جنودًا للشيطان وحزبه، فإذا قمنا بتربيتهم تخرجوا وهم يسعون إلى تحقيق العبودية لله.
إنكم تعلمون أيها المعلمون الهجمة الشرسة على المسلمين عامة، وعلى بلاد الحرمين خاصة، يريد الأعداء المتربصون من اليهود وأعوانهم التأثير على شعوبنا المسلمة: بالشهوات والشبهات، عبر الفضائيات والحوارات، وبواسطة الصحف والمجلات، وعن طريق السفر والرحلات، وإنا نسأل الله جلت قدرته أن يقينا كيدهم وشرورهم بإذن الله، ثم إذا أدرك المعلم هذه الحقيقة علم كيف يوجِّه الطلبة توجيهًا صحيحًا.
هذه وصيتي للمعلمين.
وختام وصيتي ورسالتي ألتمس العذر من إخواني المعلمين، إن كان هناك إملال، أو إثقال، أو عتاب، فما أنا إلا واحد منهم، وأكره أن أسل يدي من رابطتهم، متمنيًّا لي ولهم التوفيق والسداد.
اللهم وفق المعلمين والمعلمات لكل خير، اللهم وفق أهل التربية والتعليم لكل خير، اللهم اجعلهم أداة خير وصلاح لأمتنا يا رب العالمين، اللهم أصلح بهم البلاد والعباد يا رب العالمين.
اللهم أصلح شبابنا وفتياتنا، واغفر لنا ذنوبنا وما أسررنا وما أنت أعلم به منا يا رب العالمين، اللهم من أراد بنا أو بتعليمنا سوءًا فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على هديهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أخوكم المحب
أحمد بن حمد البوعلي
مدير هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية بالأحساء
الهفوف – ص.ب: 3843 الرمز البريدي 31982
جوال: 055803126 فاكس: 58028888/03
* * * *