×
من صفات سلفنا الصالح تعظيم ما عظمه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأمكنة والأزمنة والأيام والشهور والعبادات والأخلاق والمعاملات وغير ذلك، وهذه المقالة تبين تعظيم السلف الصالح لشهر رمضان لما ورد فيه من الفضائل الكثيرة والكنوز العظيمة.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    فمن صفات سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى: تعظيم ما عظمه الله ورسوله ﷺ‬ من الأمكنة والأزمنة والأيام والشهور والعبادات والأخلاق والمعاملات وغير ذلك، وما هذا إلا لتعظيم الله عز وجل في قلوبهم، فلذلك عاشوا لله وبالله وفي الله، فأحبوا ما أحبه الله، وكرهوا ما أبغضه، وعظموا ما عظمه، فاستحقوا بذلك أن يكونوا جيلاً فريدًا أدرك كل فضيلة، وسبق في كل ميدان.

    ومما عظمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من أمر الدين: شهر رمضان المبارك، لما ورد فيه من الفضائل الكثيرة والكنوز العظيمة التي اجتهد السلف غاية الاجتهاد في تحصيلها والفوز بها، لينالوا بذلك كرامة الدنيا والآخرة، وليكون هذا الشهر الفضيل شاهدًا لهم يوم القيامة.

    رمضان رسول من الله

    قيل: (مثل هذا الشهر كمثل رسول أرسله سلطان إلى قومه، فإن أكرموا شأنه، وعظموا مكانه، وشرفوا منزلته، وعرفوا فضيلته، رجع الرسول إلى السلطان شاكرًا لأفعالهم، مادحًا لأحوالهم، راضيًا لأعمالهم؛ فيحبهم السلطان على ذلك، فيحسن إليهم كل الإحسان. وإن استخفوا برعايته، وهونوا لعنايته، ولم ينزلوه منزلته من الإكرام، وفعلوا به فعل اللئام، رجع الرسول إلى السلطان, وقد غضب عليهم من قبيح أفعالهم، وسيئ أعمالهم؛ فيغضب السلطان لغضبه.

    كذلك يغضب الله سبحانه وتعالى على من استخف بحرمة شهر رمضان، فيا أيها الإنسان, هذا شهر رمضان، شهر التوبة والغفران، وهو رسول من عند الملك الديان، فمن أكرمه منكم حقيقة الإكرام، وحفظ فيه لسانه من قبيح الكلام، وبطنه من أكل الربى والحرام، وأموال الأرامل والأيتام، غفر له الملك العلام، وأكرمه غاية الإكرام، وأدخله الجنة مع أهل الطاعة والإحسان).

    [بستان الواعظين، لابن الجوزي]

    السلف وتعظيم رمضان

    عمر يحث على الإخلاص

    عن عبد الله بن عكيم، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول إذا دخل شهر رمضان: (ألا إن هذا كتب الله عليكم صيامه، ولم يكتب عليكم قيامه، فمن قام منكم فإنها من نوافل الخير التي قال الله عز وجل، ومن لا, فلينم على فراشه، وليتق أحدكم أن يقول: أصوم إن صام فلان، وأقوم إن قام فلان، من صام أو قام, فليجعل ذلك لله)، ثم رفع يده فقال: (ألا لا يتقدم الشهر منكم أحد، ألا لا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن أغمى عليكم فأتموا العدة ثلاثين، وأقلوا اللغو في مساجد الله، وليعلم أحدكم أنه في صلاة ما انتظر الصلاة، ألا ولا تفطروا حتى تروا الليل يغسق على الظراب)([1]).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان]

    عمر ينور المساجد بالقناديل

    عن أبي إسحاق الهمداني، قال: (خرج علي بن أبي طالب عليه السلام في أول ليلة من شهر رمضان والقناديل تزهر، وكتاب الله يتلى في المساجد، فقال: (نَوَّر الله لك يا عمر بن الخطاب في قبرك، كما نورت مساجد الله بالقرآن).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان]

    رمضان سيد الشهور

    عن ابن مسعود، قال: (سيد الشهور شهر رمضان، وسيد الأيام يوم الجمعة).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان]

    رمضان مضمار السباق

    عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون, فقال: (إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون, وخاب فيه المبطلون، أما والله, لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته).

    [الإحياء للغزالي].

    لا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء

    عن هلال بن خباب، قال: سمعت ابن الحنفية يقول: (ليصم سمعك وبصرك، ولسانك، وبدنك، فلا تجعل يوم فطرك مثل يوم صومك، واتق أذى الخادم).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان]

    اهتمام السلف ببلوغ رمضان

    قال معلى بن الفضل: (كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم).

    [لطائف المعارف لابن رجب]

    اهتمام السلف بالإحسان في رمضان

    وقال يحيى بن أبي كثير: (كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً).

    [لطائف المعارف، لابن رجب]

    من وصايا السلف في رمضان

    عن أبي بكر بن أبي مريم، قال: (سمعت مشيختنا، يقولون: إذا حضر شهر رمضان، قد حضر مطهر، ويقولون: انبسطوا بالنفقة فيه، فإنها تضاعف كالنفقة في سبيل الله عز وجل، ويقولون: التسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان، ولطائف المعارف لابن رجب]

    مضاعفة الطاعة في رمضان

    عن الزهري، قال: (تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان، ولطائف المعارف لابن رجب]

    السلف وحسن الرجاء

    عن عطاء بن السائب قال: (دخلنا على أبي عبد الرحمن نعوده، فذهب بعض القوم يرجيه، فقال: أنا لا أرجو ربي, وقد صمت له ثمانين رمضان؟).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين]

    السلف ونعمة إدراك رمضان

    عن معلى بن أسد، قال: (سمعت معتمرًا يقول: كان أبي يوقظ كل من في الدار إذا دخل شهر رمضان، ويقول: قوموا، فلعلكم لا تدركوه بعد عامكم هذا).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وقيام الليل]

    هذا شهر عظمه ربي

    وكان الشبلي إذا دخل شهر رمضان جَدَّ فوق جد من عاصره، ويقول: (هذا شهر عظمه ربي، فأنا أول من يعظمه).

    [الرسالة القشيرية]

    يؤم الناس وله مائة وعشرون عامًا

    عن الوليد بن علي عن أبيه قال: (كان سويد بن غفلة يؤمنا في شهر رمضان في القيام، وقد أتى عليه عشرون ومائة سنة).

    [حلية الأولياء]

    رمضان شهر الله المفضل

    عن كعب الأحبار قال: (إن الله تبارك وتعالى اختار ساعات الليل والنهار، فجعل منهن الصلوات المكتوبة، واختار الأيام, فجعل منها الجمعة، واختار منها الشهور, فجعل منها رمضان، واختار الليالي, فجعل منها ليلة القدر، واختار البقاع, فجعل منها المساجد).

    [الزهد لابن السري]

    جارية تعرف قدر رمضان

    عن مالك بن دينار أن قومًا من أهل البصرة اشتروا جارية قرب شهر رمضان، فرأتهم يشترون المأكول والمشروب، فقالت لهم: ما تصنعون بهذا؟! فقالوا لها: لشهر رمضان، فقالت لهم: أنا كنت لقوم كان دهرهم كله شهر رمضان، فوالله, لا أقيم عندكم.

    [المجالسة وجواهر العلم]

    خوف السلف من عدم القبول

    عن مفضل بن لاحق أبي بشر، قال: (سمعت عدي بن أرطاة, يخطب بعد انقضاء شهر رمضان فيقول: (كأن كبدًا لم تظمأ، وكأن عينًا لم تسهر، فقد ذهب الظمأ وأبقى الأجر، فيا ليت شعري! من المقبول منا فنهنئه؟! ومن المردود منا فنعزيه؟! فأما أنت أيها المقبول, فهنيئًا هنيئًا، وأما أنت أيها المردود, فجبر الله مصيبتك. قال: ثم يبكي ويبكي).

    [الصيام للفريابي]

    السلف ومحبة الموت على الطاعة

    عن طلحة قال: (قال خيثمة: كان يعجبهم أن يموت الرجل عند خير يعمله، إما حج، وإما عمرة، وإما غزوة، وإما صيام رمضان).

    [حلية الأولياء]

    السلف وتعظيم العشر الأواخر

    عن حماد بن سلمة، قال: (كان ثابت البناني وحميد الطويل رحمهما الله يتطيبان, ويتغسلان لأربع وعشرين، وثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويحبان أن يطيب المسجد بنضوح).

    [ابن أبي الدنيا في كتاب فضائل رمضان]

    يلبس أجمل الثياب لليلة القدر

    عن ثابت عن تميم الداري أنه كان يلبس في الليلة التي يرجى من رمضان ليلة القدر حلة اشتراها بأربعة آلاف.

    [ابن أبي الدنيا في كتاب التهجد وقيام الليل]

    تعظيم السلف ليلة القدر

    عن عاصم عن زر بن حبيش قال: (انطلقت حتى قدمت على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأردت لقاء أصحاب رسول الله ﷺ‬ من المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم.

    قال عاصم: فحدثني أنه لزم أبي بن كعب وعبد الرحمن بن عوف، قال: فقلت لأبي، وكانت فيه شراسة: اخفض جناحك رحمك الله، فإني إنما أتمتع منك تمتعًا. فقال: تريد أن لا تدع آية في القرآن إلا سألتني عنها، قال: فكان لي صاحب صدق، فقلت: يا أبا المنذر, أخبرني عن ليلة القدر، فإن ابن مسعود يقول: من يقيم الحول يصبها، فقال: والله, لقد علم أنها في رمضان، ولكنه عُمَّي على الناس لئلا يتكلوا، والله, الذي أنزل الكتاب على محمد ﷺ‬ أنها لفي رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: يا أبا المنذر، وكيف علمت ذلك؟ قال: بالآية التي أخبرنا بها محمد ﷺ‬ فعددنا فحفظنا, فوالله إنها آي ما يستثنى، فقلت: ما الآية؟ قال: إنها تطلع الشمس حين تطلع ليس لها شعاع حتى ترتفع، قال: وكان عاصم لينتبذ ليلتئذ من السحر، لا يطعم طعامًا حتى إذا صلى الفجر صعد على الصومعة، فينظر إلى الشمس حين تطلع لا شعاع لها، حتى تبيض وترتفع).

    [حلية الأولياء]

    تغليظ العقوبة على منتهك حرمة الشهر

    عن ابن أبي الهذيل، قال: (كنت عند عمر، فجيء بشيخ نشوان في رمضان، قال: ويلك، وصبياننا صيام, فضربه ثمانين).

    [سير أعلام النبلاء]

    يفتي بأصعب الأمور لئلا يعود

    وقيل: (إن عبد الرحمن بن الحكم المرواني صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهارًا، فلم يملك نفسه أن واقعها، ثم ندم، وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين، فسكت العلماء، فلما خرجوا، قالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهبنا عن مالك أنه مخير بن العتق والصوم والإطعام؟ قال: لو فتحنا له هذا الباب، لسهل عليه أن يطأ كل يوم، يعتق رقبة، فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود).

    [سير أعلام النبلاء]

    السلف وختم رمضان بالاستغفار

    كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر.

    ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (الغيبة تخرق الصيام، والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصيام مرقع فليفعل).

    [لطائف المعارف]

    ([1]) الظراب: جمع ظَرِب وهو الجبل الصغير.