كي نستفيد من رمضان؟ [ دروس للبيت والمسجد ]
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- كي نستفيد من رمضان؟ [ دروس للبيت والمسجد ]
كي نستفيد من رمضان؟ [ دروس للبيت والمسجد ]
فهد بن سليمان القاضي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد: فهذه بعض المسائل المتعلقة بالصيام وبشهر رمضان، وهي – في أغلبها – عبارة عن ملحوظات وتنبيهات تطرح بين حين وآخر، وتذكير بأعمال فاضلة، وكان عملي جمعها وصياغتها.
وإني لأشكر كل من ساهم في هذه الرسالة المختصرة، سواء كان بكتابة أو مراجعة أو تصحيح أو اقتراح أو غير ذلك. وأخص من أولئك فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد الله راجع الرسالة وأفاد بتوجيهاته، وكذلك فضيلة العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك الذي راجع مواضع منها. فجزى الله الجميع خيراً، ولا حرمهم أجر ما عملوا وذخره.
الاستعداد للأعمال الصالحة:
اقتضت حكمة الله جل وعلا أن يجعل هذه الدنيا مزرعة للآخرة وميدانا للتنافس. وكان من فضل الرب سبحانه وكرمه أنه يجزي على القليل بالكثير، ويضاعف الحسنة، ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها تلك المضاعفة، ويزيد للعامل فيها الثواب.
ومن أعظم هذه المواسم وأجلها شهر رمضان، قال الله عز وجل: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ{ [البقرة:185]؛ لذا كان حريا بالمسلم أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم، لئلا يفوته الخير العظيم، أو لئلا ينشغل بمفضول عن فاضل، أو بفاضل عما هو أفضل منه – وقد كان سلف هذه الأمة يحرصون من الأعمال على أفضلها وأعظمها أجراً، وأحبها إلى الله، متأسين في ذلك برسول الله ﷺ.
أحوال الناس في استقبال رمضان:
يقول الله عز وجل: }إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى{ صدق الله، فإنه فيما يتعلق بمواسم الخير – وبخاصة شهر رمضان واستقباله واستعداد الناس له – نرى التباين، حسب درجة العبد من الإيمان والصبر واليقين، ومنزلته من اليقظة واغتنام ساعات العمر. وبقدر الإخلال بشيء من ذلك تبتعد مواسم الخير ومتاجر الآخرة عن حصول المقاصد الشرعية منها. فرمضان وليلة الجمعة ويومها – مثلا – يجعلها أهل الغفلة مواسم عبث ولهو.
فشهر رمضان من الناس من يستقبله بالضجر – نسأل الله العافية – على ما سيفقده من الأكل متى ما أراد والشرب متى ما أراد، ومنهم من يستقبله بالسفر والهرب عن بلاد المسلمين، ومنهم من يستقبله بالإكثار من أطعمة يخص بها رمضان، ومنهم من يستقبله بالفرح والاستبشار وحمد الله أن بلغه رمضان، وعقد العزم على أن يعمره بما يزيد حسناته ويقربه إلى ربه. وهؤلاء هم صلة السلف، حيث يؤثر عنهم أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
سبب استثقال بعض النفوس للأعمال الصالحة
إن المؤمن ذا القلب السليم يقبل على أعمال الخير بقلب منشرح ونفس مستبشرة }قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [يونس:58]، ويستقبل المواسم الفاضلة حامدا الله على سعة فضله وعلى أن مد له في العمر حتى أدركها؛ لكن قد يحدث خلاف ذلك الفرح والاستبشار من بعض الناس. فما سببه؟
لعل من أسبابه:
1-تعلق القلب بشهوة أو شبهة، فتعلق النفس بشهوة ما يثقل عليها غالبا العبادة المرتبطة بها. كالتعلق بشهوة المال يثقل عليها عبادة الزكاة والصدقات، والتعلق بشهوة الطعام والشراب يثقل عبادة الصيام، والتعلق بالأهل والأولاد يثقل عبادة الجهاد، وهكذا.
فمحبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله ومرتبط به، قال الله عز وجل: }وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{ [التوبة:124].
واستثقال الأعمال الصالحة والإعراض عنها أثر عن ضعف الإيمان وضعف محبة القلب لله. وإن شئت مصداقاً لهذا؛ فقارن قول النبي ﷺ: «وجعلت قرة عيني في الصلاة»، وقوله: «أرحنا بها يا بلال»، بقول من يقول بلسان حاله أو مقاله: أرحنا منها.
هذا من آثار تعلق القلب بالشهوات، ومثل هذا؛ بل أخطر منه أثر الشبهات.
2-وهناك سبب آخر قد يوجد في بعض الناس، وهو أن يكون أحدهم قد حمل نفسه أكثر من طاقتها، وألزمها فوق ما تستطيع من الأعمال الصالحة، فينتج عن هذا: إما أن ينقطع عن ذلك العمل الصالح كلية فيتركه. أو أن يستبدل به عملاً مبتدعاً يكون أخف على النفس، أو أن يستمر على ما كان يفعله، لكن بغير إقبال نفس ولا انشراح صدر ولا محبة لهذا العمل الذي كلف نفسه به؛ لذا كان من أهم أسباب الاستقامة: لزوم هدي النبي ﷺ
وثمة تنبيه مهم وهو أن الذي يحمد من الاستبشار بالطاعات والفرح بها إنما هو ما كان أثراً عن محبة العبد لربه، لا ما كان بسبب أن للنفس حظاً من تلك العبادة.
مثال ذلك: من يحب مجالس الخير ويفرح بها. تلك المجالس التي قال فيها النبي ﷺ: «قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ»([1]) ونحو هذا من الأحاديث، فمن كان يحب تلك المجالس ويحب أهلها؛ لأنها محبوبة إلى سبحانه فهذا هو المفلح الذي تنفعه محبته. أما من يحبها لما يجد فيها من أنس وتسلية، أو لمحبته أهلها حبا عاطفيا أو مزاجيا مجرداً، أو لما يجد فيها من أكل أو شرب أو نحو هذه المقاصد فشتان ما بينه وبين الأول.
لكن لا ينبغي أن يكون مخالطة شيء من حظوظ النفس للعبادة داعيا لترك تلك العبادة بحجة الخوف من عدم قبولها.
فهذا مزلق يحذر منه. وإنما الصواب أن تستكثر من العمل الصالح، وتجاهد نفسك في تكميل الإخلاص لله فيه.
بم يستقبل الشهر؟
بالسرور والاستبشار، وبنفس صافية تستقبل ما يرد عليها من غذاء الروح بالأعمال الصالحة، فليبادر إلى:
1-التوبة الصادقة، حيث إن الذنوب سبب حرمان العبد من خيري الدنيا والآخرة، قال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ [الشورى:30]، ولا مصيبة أعظم من الحرمان من الأعمال الصالحة. ولهذا – والله أعلم – شرع في كثير من الأعمال الصالحة استفتاحها بالاستغفار كدخول المسجد، وكالدخول في الصلاة: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب...»، وكخطبة الحاجة – في استفتاح خطبة الجمعة والعيدين وعقد النكاح وغيرها: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..). كما شرع – أيضا – ختمها بالاستغفار إظهارا للافتقار، وأن العبد مهما عمل فهو لا يزال في تقصير.
2-عقد العزم الصادق على اغتنامه وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة، فمن صدق الله صدقه وأعانه على الطاعة ويسر له سبل الخير، قال الله عز وجل: }فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ{ [محمد: 21].
3-دعاء الله بالعون على الطاعة، فالله يقول: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر:60] مثل أن يكرر هذا الدعاء: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ويؤثر عن السلف أنهم كانوا يقولون إذا حضر رمضان: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر، فسلمه لنا وسلمنا له وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد، وأعذنا فيه من الفتن ([2]).
4-الاستكثار من الأعمال الصالحة عموماً، حتى تتهيأ النفس وتستعد، ومن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ولعل هذا – والله أعلم – من حكم إكثار النبي ﷺ الصوم في شعبان. ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: «ما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان».
مسائل وتنبيهات
المسألة الأولى: تحقيق التعبد وتكميله:
لابد من تحقيق التعبد في الصيام وغيره من العبادات، وإلا أصبح عادة رتيبة، فليس للمرء من عمله إلا ما نوى، كما قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»، فابحث عما يحقق تعبدك ويكمله بشروط التعبد كلها (المحبة والخوف والرجاء) من تلاوة القرآن بالتدبر، وتذكر فضل ما تعمل أو تترك، والتواصي بالحق وغير ذلك.
وللعمل مع النية أحوال:
*فالعبادة المباحة إذا قارنتها النية الحسنة أصبحت عبادة.
*والعبادة إذا خلت من النية أصبحت عادة.
*أما إذا خلت من النية الصالحة وحل محلها النية الفاسدة كقصد مراءاة المخلوقين ونحو ذلك أثم صاحبها، وخرجت عن حد العبادة في الباطن. والله أعلم.
وعلى أي الأحوال فليكن نظر المسلم هنا إلى ما يتحقق منه التعبد لله أكثر.
فإن رأى أن اعتماره أول الشهر أو وسطه أكمل في تعبده وأكثر؛ لإقباله على العبادة وأدعى لانشراح صدره إليها من أن يأتي أواخر الشهر فيجد عنتا عند دخول المسجد الحرام، وعند الخروج منه وعند الطواف، وعند إرادته ما لا بد له منه من اشتراء طعام أو قضاء حاجة أو نحو ذلك. فهذا لعل الأصلح له أن يعتمر أوائل الشهر.
أما من كان الاعتمار آخر الشهر أنفع له، كأن يكون سببا في ابتعاده عما اعتاده في بلده من الشواغل عن العبادة، أو أن يكون سببا في نشاطه في الطاعة إذا رأى كثرة الناس وإقبالهم على الطاعات ما بين طائف وتال وراكع وساجد، بحيث إنه لو كان في بلده لغلبه الكسل ولم ينشط على ما ينشط عليه هناك، فهذا لعل الأصلح له أن يكون اعتماره ومكثه ما يمكث في العشر الأواخر. والله تعالى أعلم.
ومما يدخل هنا أن بعض الناس تراه مصرا على أن يؤدي عمرته ليلة سبع وعشرين، أو على الأقل أن يطوف تلك الليلة مهما كان الزحام، وكأن العبادة أمر يؤدي فحسب.
بل ينبغي أن يحرص المسلم من العبادات على ما هو أحب إلى الله وأرضاها له سبحانه، فالعمل المفضول قد يصبح فاضلا لأسباب واعتبارات، منها: أن العبد حقق تعبده لله بذلك العمل أكثر من غيره من الأعمال.
ولنذكر أن الشيطان يسعى في إيقاع العبد في مصايده. وأول غاياته أن يوقعه في الكفر والشرك، فإن لم يستطع ذلك نقله من السنة إلى البدعة، فإن لم يستطع ذلك سعى في إيقاعه في الكبائر، وإلا ففي الصغائر فإن لم يستطع ذلك كله وكان من الأتقياء شغله بالمباحات عن المستحبات، ثم قال – رحمه الله باختصار:
(فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظا لوقته شحيحا به، نقله إلى المرتبة السادسة: وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول، ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه، وقلّ من يتنبه لهذا من الناس، فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان. وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور قوي من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة الرسول ﷺ، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله، وأحبها إليه، وأرضاها له، وأنفعها للعبد، وأعمها نصيحة لله ولرسوله ﷺ ولكتابه ولعبادة المؤمنين، خاصتهم وعامتهم، ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول ﷺ ) انتهى كلامه رحمه الله ([3]).
المسألة الثانية في قوله ﷺ «إيمانا واحتساباً».
قوله ﷺ: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» انظر كيف تكرر قوله ﷺ في الجمل الثلاث: «إيمانا واحتسابا»، وجعل قيدا لحصول ذلك الثواب العظيم: هو مغفرة ما تقدم من ذنبه.
ومعنى قوله: «إيماناً واحتساباً»: قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
ولنتفطن أن العبد إذا أدى العبادة إيمانا واحتسابا كانت سببا عظيما في زيادة إيمانه؛ فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإذا زاد إيمانه ازداد طاعة، وهكذا يتلازم الأمران، ويترقى في مدارج الكمال. ولهذا ترى من صام رمضان أو قامه إيماناً واحتسابا كلما تقدم الشهر ازداد نشاطا وطاعة، حتى إذا قربت نهاية الشهر وحضرت المواسم الثمينة، وإذا هو على أنشط ما يكون من العمل. أما من قصر في استصحاب الإيمان والاحتساب في صيامه رمضان وقيامه، فإنه يبدأ أول الشهر بحماس، ثم يقل نشاطه، ويتناقص حماسه كلما تقدم الشهر.
المسألة الثالثة: نداء لأئمة المساجد ودعاة الخير:
حيث إن هذا الشهر العظيم تصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره، فضلا من الله ومنة على عباده، ولذا فترى الناس أحرص على الخير، وأبعد عن الشر منهم فيما سواه. من أجل هذا حري بالداعين إلى الله أن يستفيدوا من هذا الظرف ويغتنموا هذه الفرصة في تعليم الناس ما جهلوا، وتذكيرهم ما نسوا.
وأشكال ذلك متعددة، فمنها: اختيار الدروس المناسبة لقراءتها على الجماعة في المساجد في الأوقات المناسبة كالوقت بعد صلاة العصر، وقبل صلاة العشاء، أو غيرها مما يناسب ومما قد يختلف من ناس إلى ناس، ومنها: مساعدة إمام المسجد في تلك الدروس المشار إليها، أو تحملها عنه، فبعض الأئمة قد لا يتوفر لديه الوقت لاختيار ما يناسب الناس، وبعضهم قد يشق عليه الجمع بين القراءة في الصلاة والتحديث على الجماعة ... إلى غير ذلك من الأعذار، فليبادر طلبة العلم إلى اغتنام هذه الفرص وليعلموا أن عليهم واجبات فليؤدوها، وأمانات فليقوموا بها.
ومنها: إفادة الأهل والأقارب، وفي الحديث عنه ﷺ قال: «خيركم خيركم لأهله»([4]).
وإنه لمن الغفلة أن يهتم المرء بالناس بإرشادهم ودعوتهم، وينسى أقرب الناس إليه وأحقهم ببره، وأعجب من هذا من يكون اهتمامه بغيره على حساب نفسه.
المسألة الرابعة: تقديم الفرض على النفل:
في الحديث القدسي أن الله تعالى قال: «وما تقربي إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه»([5]) ويدخل في هذه المسألة الحرص على فريضة العشاء أكثر من صلاة التراويح: في تبكيره، وطمأنينته فيها، وتدبره القراءة فيها، وغير ذلك دون تقصير أو نقص من شأن صلاة التراويح.
كما يدخل في هذه المسألة: تدبر الفاتحة – في الفرض والنفل – والاهتمام بها أكثر مما سواها، إذ هي ركن وما سواها من القراءة مستحب.
المسألة الخامسة: في الوتر والقنوت:
عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد» ([6])، وبعض الأئمة يواصل قراءته في الركعتين اللتين قبل الوتر بما كان يقرأ به أول صلاته، فأحيانا لا يشعر بعض المصلين إلا وهو في الوتر.
أي أن المصلي دخل في صلاته بغير نية الوتر، والنافلة المعينة لابد لها من نية تعينها بخلاف التنفل المطلق فيكفي فيه مجرد نية الصلاة، فلعل الأولى هنا – بعد عن التلبيس على المصلي في صلاته – أن يقرأ ولو بـ (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الأخيرة قبل الوتر حتى يعلم المأموم أن تلك التي تليها هي الوتر. ومثل هذا أن بعض الأئمة يوتر أحيانا بثلاث (يعني بسلام واحد)، وعادته أن يوتر بواحدة فيدخل المصلي في صلاته هذه على أنها شفع، ثم لا يدري إلا والإمام قد صلاها وترا بسلام واحد.
فهنا لعل الأولى أن يشعر الإمام المأمومين أنه سيوتر بثلاث. والله أعلم.
أما فيما يتعلق بالقنوت في الوتر فهنا تنبيهات:
1-بعض الأئمة يطيل في الدعاء طولاً قد يشق على المصلين أو على بعضهم، ومن العجب أنك قد ترى من الأئمة من يسرع في قراءته ويهذها هذا، فإذا ما دعا تأني كرر الدعاء وأطال فيه.
فلأن يعتدل في الدعاء وينصرف المصلي راغبا في المزيد من الدعاء، خير من أن يؤدي ببعض المصلين إلى شيء من السأم والملل، إلا أن يتحرى مناسبة، كليلة يرجو أن تكون هي ليلة القدر، أو ساعة رقت فيها القلوب، ونحو ذلك. والله أعلم.
2-يحسن بالداعي أن يدعو بالمأثور، فهذا:
(أ) أقرب إلى السنة وأقرب إلى الاتباع.
(ب) أجمع للخير وأدفع للشر، فإن النبي ﷺ قد أوتي جوامع الدعاء.
(ج) أسلم من أن يزل لسانه إلى معنى لم يكن يقصده، أو أن يدعو بما يظنه خيرا وهو ليس كذلك.
فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله ﷺ هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟ قال: نعم كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فجعله لي في الدنيا. فقال رسول الله ﷺ: «سبحان الله لا تطيقه أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسن وقنا عذاب النار. قال: فدعا الله له فشفاه»([7]).
(د) كما أن الأدعية المأثورة أكثر تحقيقاً للعبودية مما سواها. حتى ولو كان الناس يتأثرون بتلك الأدعية المنشأة أكثر من تأثرهم بالأدعية الواردة، وعن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال: يا بني سل الله الجنة وعذ به من النار، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور»([8]).
المسألة السادسة: في اغتنام ساعات ثمينة يكثر التفريط فيها:
هناك ثلاث ساعات ثمينة يكثر التفريط فيها: وهي أول ساعة من النهار (بعد صلاة الفجر)، وآخر ساعة من النهار، ووقت السحر. أما أول ساعة من النهار فتفوت غالبا بالنوم، وأما آخر ساعة من النهار فبالانشغال بإعداد الإفطار والتهيؤ له، وساعة السحر تفوت أحياناً بطول الانشغال بالسحور.
هذه أوقات فاضلة. قال ابن رجب رحمه الله في (المحجة في سير الدلجة) في سحر قول النبي ﷺ: «استعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة»: يعني أن هذه الأوقات الثلاثة تكون أوقات السير إلى الله بالطاعات، وهي آخر الليل وأول النهار وآخره، وقد ذكر الله هذه الأوقات في قوله تعالى: }وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى{ [طه:130]، وقال تعالى: }وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ{ [ق:39-40].
وذكر الله تعالى الذكر في طرفي النهار في مواضع كثيرة من كتابه، كقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{ [الأحزاب:41-42]، وقال تعالى: }وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ{ [الإنعام: 52]، وقال تعالى في ذكر زكريا عليه السلام: }فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا{ [مريم: 11]. وقال تعالى: }فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ{ [غافر: 55].
فهذه الأوقات الثلاثة منها وقتان – وهما أول النهار وآخره – يجتمع في كل من هذين الوقتين عمل واجب وعمل تطوع. فأما العمل الواجب فهو صلاة الصبح وصلاة العصر، وهما أفضل الصلوات الخمس، وهما البردان اللذان من حافظ عليهما دخل الجنة، وأما عمل التطوع فهو ذكر الله بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وقد وردت في فضله نصوص كثيرة، وكذلك وردت النصوص الكثيرة في أذكار الصباح والمساء، وفي فضل من ذكر الله حين يصبح وحين يمسي.
(وكان السلف لآخر النهار اشد تعظيما من أوله، وأيضا فيوم الجمعة آخره أفضل من أوله؛ لما يرجى في آخره من ساعة الإجابة، ويم عرفة آخره أفضل من أوله لأنه وقت الوقوف، وكذلك آخر الليل أفضل من أوله. كذا قال السلف واستدلوا بحديث النزول الإلهي)([9]) انتهى.
القارئ الحسن الصوت
إن الصوت الحسن مما يعين على التدبر، وقد قال النبي ﷺ لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «لو رأيتني وأنا أستمع إلى قراءتك البارحة. لقد أوتيت مزماراً من مزامير داود»([10]) وقد أورد ابن كثير رحمه الله في فضائل القرآن عن ابن ماجه بسند قال – أي ابن كثير – إنه جيد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أبطأت على رسول الله ذات ليلة بعد العشاء ثم جئت، فقال: أين كنت؟ قلت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك لم اسمع مثل قراءته وصوته من أحد. قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلى فقال: «هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا». وقال ابن كثيرا أيضاً. وروى أبو عبيد – وساق إسناده – عن أبي سلمة قال: كان عمر رضي الله عنه إذا رأى أبا موسى رضي الله عنه قال؛ ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده ([11]) لكن هنا أمور ينتبه لها:
أحدها: ألا يكون المقصد: الصوت ذاته؛ بل يجب أن يكون حسن الصوت معينا ومساعدا على التدبر، قال الله تبارك وتعالى: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ{ [ص:29].
ولعل مما تستطيع أن تميز به بين كون استلذاذك بصوت القارئ أو هو بما يقرؤه من كلام الله: ألا يرتبط الإقبال والتدبر بحسن الصوت، بحيث إذا لم يحصل لم يكن إقبال ولا تدبر لما يتلى. والواجب استماع القرآن وتدبره، لكن حسن الصوت يزيد من ذلك التدبر ويساعد عليه.
وهناك أمر آخر مهم، وهو أنه كما يحرص على الحسن الصوت فكذلك فليحرص على من يرجى فيه التقوى والصلاح أكثر من غيره، ومن هو أبعد عن التكلف؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» [متفق عليه]. قال ابن كثير رحمه الله: (معناه أن الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها. وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم، وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك...، والأذن: الاستماع) انتهى كلامه رحمه الله ([12]).
ومما يجدر التنبيه عليه هنا ما يقع من بعض الناس من رفع أصواتهم بالبكاء والنحيب. فهذا خلاف المأثور عن النبي ﷺ وعن سلف الأمة. فعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: «رأيت رسول الله ﷺ وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء»([13]).
وروى أبو نعيم في الحلية عن محمد بن واسع قال: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم به. وروي عنه أيضا قال: لقد أدركت رجالا كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة قد بل ما تحت خده من دموعه لا تشعر به امرأته، ولقد أدركت رجالا يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي إلى جنبه. وروى أبو نعيم أيضا عن عاصم بن أبي النجود قال: كان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجا ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله. وذكر ابن كثير في تفسير قوله عز وجل: }ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً{ [الأعراف: 55] عن عبد الله بن المبارك عن فضالة عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزور ([14]) وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: }ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً{([15]).
وليعلم أن الخشوع حقيقته: الخضوع والتذلل، وليس من لازمه البكاء. ثم إن الخشوع المحمود الممدوح صاحبه هو ما نتج من تأثر القلب، بمعنى ما يرى أو يسمع تأثراً يدفعه إلى الإنابة إلى الله ومحبته وخوفه ورجائه، أما الرقة أو الخشوع الناشئ من التأثر بشكل ما يرى أو ما يسمع من حسن صوت أو صورة أو التأثر بحالة خوف أو حزن أو فرح والوقوف عند هذه الحد فشتان ما بينه وبين الأول، فإن تضمن شيئا مما في الأول من محبة الله وخوفه ورجائه كان محموداً بحسب ذلك، وإن لم يتضمن شيئا من ذلك فهو أمر طبيعي لا يحمد عليه ولا يذم.
الأمر الثاني: عدم الإكثار والمبالغة في التنقل بين المساجد بحجة البحث عن القارئ الأنسب فهذا الإكثار والمبالغة – له أضراره: من تضييع الأوقات والانصراف عن تدبر ما يسمع بتذوق الأصوات والمقارنة بين هذا وذاك.
فإن قيل: أيهما أفضل: من يصلي في مسجده القريب، أو من يبحث ويتحرى ولو بعد المسجد ؟ قيل: -والله أعلم – في كل من هاتين الحالتين فوائد أما فوائد الاقتصار على المسجد القريب فمنها: كسب الوقت، والتبكير إلى الصلاة، والتقدم في الصف، وأبعد عن التعرض للإخلال بالسكينة والوقار في المشي إلى المسجد. إلى غير ذلك من الفوائد. أما فوائد تحرى الصلاة مع إمام بعينه لحسن قراءته فمنها أن ذلك أدعى لحصول الخشوع وتدبر القراءة. أما تحديد أي الأمرين أفضل فقد قال النبي ﷺ: «احرص على ما ينفعك»([16]) فيحرص كل امرئ على ما يراه أصلح لقلبه وأنفع له في صلاته، على ألا يسبب الحرص على منفعة تفويت ما هو أعلى منها أو حصول مفسدة ([17]) لكن الحالة المرفوضة أن يصبح المرء إمعة ينساق مع آراء الناس ورغباتهم، فإذا رآهم استحسنوا شيئا استحسنه، وإذا رآهم انصرفوا عن شيء انصرف معهم، دون إعمال فكر وطلب دليل، لا ينبغي هذا، بل ينبغي أن تفكر بعقلك لا بعقل غيرك، وأن تنظر ما ينفعك أنت. فإن كان لابد من البحث عن قارئ فلا يطل هذا البحث؛ بل ابحث قليلا ثم حدد مسجدا تستقر عليه وتواظب معه ما أمكنك. وإن طال بحثك ولم تجد ما يناسبك، ومن تخشع معه فاتهم نفسك وأصلح قلبك، فمنه يحصل التلقي، والقرآن هو القرآن لم يتغير، إنما الذي يتغير هو القلب المتلقي له.
الأمر الثالث: ألا يتسبب الحرص على قارئ معين في تفويت ما هو أهم، مثل أن يكون سببا في الإخلاص بالمشي إلى الصلاة بسكينة ووقار، أو يترتب عليه فوات شيء من الصلاة كتكبيرة الإحرام، أو الركعة الأولى، ونحو ذلك.
الأمر الرابع: الاحتراز من المفاضلة بين القراء مفاضلة تتمن تنقص أحدهم أو اغتيابه.
تنبيهات للمرأة
التنبيه الأول: بعض النساء يكن على حالة حسنة في رمضان من الاجتهاد في الطاعة، فإذا ما أتتها عادتها فترت وكسلت وتركت ما كانت عليه من نشاط.
ولا شك أن هذا حرمان لنفسها من الخير، فأبواب الخير ولله الحمد كثيرة، فإذا لم تستطع الصلاة والصيام فأمامها أبواب من الطاعات.
أمامها الدعاء قال رسول الله ﷺ: «الدعاء هو العبادة»([18])، وقال: «إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين» ([19])، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» فقال رجل من القوم: إذا نكثر([20]) قال: «الله أكثر»([21]).
وأمامها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. ففي الحديث عنه ﷺ: «ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله»([22])، وقال رسول الله ﷺ «لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس»([23])، وقال رسول الله ﷺ: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملان أو تملأ ما بين السماوات والأرض» الحديث ([24]) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا عند النبي ﷺ فقال: «أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة»؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف.
حسنة؟ قال: «يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة»([25]).
وانظروا أيضا هذا الفضل العظيم: قال رسول الله ﷺ: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه» وقال: «من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر»([26]).
وكذلك الصلاة على النبي ﷺ. فقد قال ﷺ: «من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً»([27]) فهل يريد المسلم شيئا فوق هذا الفضل: إذا صليت على النبي ﷺ صلاة واحدة أثنى الله عليك بها عند الملائكة عشر مرات، اللهم لك الحمد، ولا تحرمنا اللهم خير ما عندك بشر ما عندنا.
وأيضا السلام عليه ﷺ: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وكذلك الاستغفار، قال رسول الله ﷺ: «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة»([28]).
وكذلك الصدقة، قال رسول الله ﷺ: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه ([29]) حتى تكون مثل الجبل»([30])، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» قالت امرأة منهن: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير» الحديث ([31]).
فالحمد لله على ما يسر من الطاعات وما أجزل من الأجر والثواب.
وأيضا فمن أبواب الخير الواسعة: قيامها على خدمة الصائمين في بيتها، كما في الحديث عنه ﷺ: «ذهب المفطرون اليوم بالأجر»([32]) كل هذا غير ما تحتسبه من أن يكتب لها مثل ما كانت تعمل أيام طهرها، ففي الحديث عن النبي ﷺ: «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً»([33]).
2-التنبيه الآخر: للمرأة أن تصلي في المسجد، وصلاتها في بيتها خير لها. وقد عقد الحافظ عبد المؤمن ابن خلف الدمياطي رحمه الله (613-705) في كتابه: «المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح» فصلا بعنوان: «ثواب صلاة المرأة في بيتها» ننقله مختصرا. قال رحمه الله: (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن» رواه أبو داود. وعنه رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «المرأة عورة، وإنها إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان ([34])، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها» رواه الطبراني بإسناد جيد. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ([35]) وصلاتها في مخدعها ([36]) أفضل من صلاتها في بيتها » رواه أبو داود وابن خزيمة. والمراد أن المرأة كلما استترت وبعد منظرها عن أعين الناس كان أفضل لصلاتها، وقد صرح ابن خزيمة وجماعة من العلماء بأن صلاتها في دارها أفضل من صلاتها في المسجد، وإن كان مسجد مكة أو المدينة أو بيت المقدس، والإطلاقات في الأحاديث المتقدمة تدل على ذلك، وقد صرح النبي ﷺ بذلك في حديث أم حميد الآتي. فالرجل كلما بعد ممشاه وكثرت خطاه زاد أجره وعظمت حسناته، والمرأة كلما بعد ممشاها قل أجرها ونقصت حسناتها. وعن أم حميد – امرأة أبي حميد الساعدي، رضي الله عنهما – أنها جاءت إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي». قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل. رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان. قلت - الدمياطي - كان النساء في عهد رسول الله ﷺ إذا خرجن من بيوتهن إلى الصلاة يخرجن متبذلات متلفعات بالأكسية لا يعرفن من الغلس، وكان إذا سلم النبي ﷺ يقال للرجال: مكانكم حتى ينصرف النساء، ومع هذا قال رسول الله ﷺ: إن صلاتهن في بيوتهن خير لهن. فما ظنك بمن تخرج متزينة متبخرة متبهرجة لابسة أحسن ثيابها !؟ وقد قالت عائشة رضي الله عنها: لو علم النبي ﷺ ما أحدث النساء بعده لمنعهن الخروج إلى المسجد هذا قولها في حق الصحابيات ونساء الصدر الأول. فما ظنك لو رأت نساء زماننا هذا؟!)([37]) انتهى. هذا كلامه رحمه الله وهو في القرن السابع.
وهنا مسألتان:
المسألة الأولى: ما ذكره الحافظ الدمياطي من تفضيل صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد الحرام وغيره يستوي فيه صلاة الفرض والنفل، ومن كانت مقيمة في مكة ومن أتت بقصد الحج والعمرة أياماً محددة. والله أعلم.
المسألة الثانية: أن المرأة إذا خشيت أن تكسل إذا صلت في بيتها وكانت صلاتها في المسجد أنشط لها وأمنت الفتنة، أو كان هناك خير – كسماع علم أو وعظ ونحو ذلك – لا تناله إلا بذهابها إلى المسجد وأمنت الفتنة، فالصلاة في المسجد أفضل – والله أعلم.
تنبيهات حول العمرة
في الحديث عنه ﷺ: «عمرة في رمضان تعدل حجة»([38]) فلينتبه لأمور منها:
1-أن يحرص المعتمر على حفظ وقته وكسبه وإمضائه في المسجد الحرام – ما أمكن – فإن كان هناك خروج منه لتدارس علم – مثلا – فليقتصر هذا الخروج وهذه الدروس على قدر الحاجة. إذ المدارسة ممكنة في أي وقت، والمكث في المسجد الحرام لا يتيسر كل الوقت.
2-ليحفظ الوقت كله، وخاصة ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وما بين القيام الأول والقيام الآخر، وليحذر من تضييعه بالتحدث ومالا ينفع أو الانشغال بالتجول في الأسواق ونحوه مما لا حاجة إليه.
3-كف اللسان عن اللغو والغيبة وعن الانشغال بما لا يعني من القول والفعل، كالمفاضلة بين الأئمة في قراءاتهم ونحو ذلك.
4-حفظ ليالي العشر وعدم تشتيتها بالأسفار. إذ بعض المعتمرين قد يفوته من العشر ليلتان في السفر، إحداهما في المسير والأخرى في أعقاب هذا المسير حيث يكون مجهدا من آثار سفره، ثم تفوته ليلتان أخرتان عند رجوعه من سفره.
5-الموازنة بين أداء العمرة ليالي العشر وبين أدائها أول الشهر (سبق ذكر ذلك ص12).
6-كما سبق التنبيه على عمارة المقيم في المسجد الحرام ليالي العشر بما يكون أنفع له وأكثر أجرا وأحب إلى الله وأرضى له سبحانه، وعدم الإصرار على لون معين من الطاعات.
7-ليتحاش المعتمر في تردده إلى المسجد الحرام المرور بالأسواق التي يكثر فيها النساء، وفي الحديث عن النبي: «أحب البلاد إلى الله مساجدها، وابغض البلاد إلى الله أسواقها»([39])، ومعروف حال الأسواق في رمضان خاصة وللأسف.
أعمال صالحة تتأكد في رمضان
قبل الشروع في ذكر بعض الأعمال الصالحة التي تتأكد في رمضان تلاحظ أموراً:
أحدهما: الإدراك الحقيقي لقيمة هذا الموسم وفضله وأنه إن مضى فلا تضمن انك ستدرك غيره، وأنه فرصة قصيرة، وصدق الله: }أَيَّامًا مَعْدُودَةً{، فما أسرع ما بين أن يقول الناس: هلّ رمضان. ثم أن يقولوا: انتهى رمضان، ولا يكفي الشعور المبهم المجمل بأن رمضان. موسم فاضل فحسب.
الثاني: أن الأعمال تتفاضل، فمنها الفاضل، ومنها المفضول. ومنها المحبوب إلى الله، ومنها الأكثر حبا إليه سبحانه، فليحرص المسلم على أفضل الأعمال وأحبها إلى الله وأعظمها أجراً.
ومن الأعمال المتأكدة في شهر رمضان:
1-تلاوة القرآن: شهر رمضان شهر القرآن، فمن أفضل ما تعمر به الأوقات الاهتمام بالقرآن؛ حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا. وهكذا كان سلف الأمة. وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في كتاب (لطائف المعارف) نبذة مفيدة في خصوصية القرآن في رمضان، وعن حال السلف مع القرآن في رمضان نذكر بعضها منها. قال رحمه الله: (في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون: في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن؛ وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة».. ودل الحديث أيضا على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وفي حديث فاطمة رضي الله عنها عن أبيها ﷺ أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن ([40]) كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتين. وفي حديث ابن عباس السابق – أن المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلا – دلالة على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال تعالى: }إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا{ [المزمل:6] وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ{([41]) [البقرة: 185] ثم تحدث عن أحوال السلف في التلاوة فقال:
(وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، منهم قتادة، وبعضهم في كل عشر؛ منهم أبو رجاء العطاردي. وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها. وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث. وكان قتادة يختم في كل سبع دائما، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرأها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه. وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام. قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف. قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان، فإذا طلعت الشمس نامت. وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه ».
«وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة كشهر رمضان – خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان. وهو قول احمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره» ([42]).
2-الصدقة: للصدقة مزية وخصوصية في رمضان، فينبغي المبادرة إليها والحرص عليها، وعدم إهمالها أو التقصير في أبوابها، أو النظر إليها وكأنها مقصورة على سن معين أو مستوى مالي معين.
ولها أشكال كثيرة منها: إطعام الطعام، وتفطير الصائمين، وقد كان السلف يحرصون كثيرا على إطعام الطعام. سواء كان إشباع جائع أو تفطير صائم أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. وكانوا يفضلونه – أي إطعام الطعام – ويقدمونه على عبادات كثيرة. حتى إنه يرون عن علي رضي الله عنه أنه قال: لأن أجمع أناسا من إخواني على صاع من طعام أحب إلى من أن أدخل سوقكم هذا فأبتاع نسمه فاعتقها. وروي عن غيره نحو هذا. وقد ذكر ابن رجب رحمه الله نبذة قيمة في هذا الموضوع في شرح (حديث اختصام الملأ الأعلى)([43]) وتلك العبادة – إطعام الطعام – ينشأ عنها عبادات كثيرة: من شكر نعمة الله في المال والطعام، ومن التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم فيكون هذا سببا في دخول الجنة. وفي الحديث عن النبي ﷺ: «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا»([44]) كما ينشأ عنها مجالستهم، وفي الحديث القدسي: «وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ» الحديث ([45]). كما ينشأ عنها معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك، وغيرها من أبواب الخير.
كما ذكر ابن رجب أيضا رحمه الله في (لطائف المعارف) في تعليقه على حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي سبق ذكره (حديث مدارسة جبريل للنبي ﷺ القرآن في رمضان وتضاعف جوده ﷺ في رمضان) بعض فوائد الصدقة في رمضان ننقلها بشيء من الاختصار والتصرف، قال –رحمه الله- (وفي تضاعف جوده ﷺ في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة منها:
1-شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه.
2-إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا»([46]) وفي حديث زيد بن خالد عن النبي ﷺ «من فطر صائما فله مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا»([47]).
3-ومن فوائد تضاعف جود النبي ﷺ في رمضان أنه شهر يجود الله على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال ﷺ: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء»([48])، فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
4-أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة. كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»([49]).
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهي فيه الصائم عن اللغو والرفث.
5-أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل [وأورد المؤلف عدة أحاديث في ذلك].
6-أن الصيام لابد أن يقع في خلل أو نقص. والصدقة تجبر ذلك النقص والخلل) انتهى ملخصاً ([50]).
7-جلوس الإنسان في صلاة حتى تطلع الشمس: ففي صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان إذا صلى الغداة ([51]) جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس. وروى الترمذي عن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة»([52]).
هذا الفضل على مدى العام، فما الظن برمضان؟! لا شك أن فضل هذا يتأكد. لكن المكث في المسجد تلك الساعة قد يثقل على النفس حين يرى المرء المصلين ينصرفون واحدا تلو الآخر. لكن ينبغي للحازم أن ينظر – في أمور الدين – إلى من هو فوقه ومن هو أنشط منه، لا العكس.
وثمة سبب آخر قد يحول دون الاستفادة من تلك الساعة الثمينة، وهو مواصلة السهر، أو عدم النوم في الليل فترة كافية.
وهذا لا ينبغي، لأنه ولو كان انشغالا في طاعة فإنه يفوت – غالبا – ما هو أفضل منه لما يلي:
(أ) أنه خلاف سنة النبي ﷺ المستنبطة من قول عائشة –رضي الله عنها- «كان –أي رسول الله ﷺ - إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» فيفهم منه – والله أعلم – أن إحياء الليل مختص بليالي العشر.
(ب) مما يحرص عليه المسلم التبكير بالنوم. وكراهة السمر بعد العشاء ثابتة في الصحيحين، فعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها.
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين.
(باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة؛ والمراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت وفعله وتركه سواء؛ وأما الحديث مع الضيف ومع طالب حاجة ونحوها فلا كراهة فيه، بل هو مستحب، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهية فيه. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته) ثم ساق بعضاً منها.
وما ذكره رحمه الله لا يعارض ما سبق ذكره من كراهة الحديث بعد العشاء، إذ هو الأصل. لكن تبقى تلك الأحوال التي ذكرها ونحوها استثناءات.
فلا ينبغي أن يجعل الاستثناء هو الأصل، ويجعل الأصل هو العارض الطارئ، والذي يحدث منا غالبا أننا نرخص لأنفسنا التمادي في السهر، متوسعين بتلك الأعذار. والسنة بين الغالي والجافي. فما ينبغي للمسلم أن يترخص الترخص الجافي، ولا يتشدد التشدد الغالي.
والمسلم يحرص على كمال الاقتداء والتأسي بالنبي ﷺ ليكون في القمة من الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي ﷺ بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك» رواه مسلم. فلا يغب عن بالنا أنه كما أن الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في درجة الصحبة وفي سبقهم ومنازلهم، فكذلك تلك الطائفة المنصورة فمنهم السابق بالخبرات ومنهم المقصد ومنهم الظالم لنفسه، وذلك بحسب تمسكهم بسنة إمامهم ﷺ والدفاع عنها والدعوة إليها.
(جـ) طول السهر بالليل يفوت كثيراً من النشاط بالنهار. فيحرم الساهر من طاعات كثيرة، كالتبكير للصلوات والاستكثار من النوافل كصلاة الضحى وغيرها. فيفوته الجمع بين تلك العبادات مع عبادة الصيام.
اغتنام آخر ساعة من النهار، وآخر ساعات الليل. وقد تقدم الحديث عنها، وفيه قول ابن رجب رحمه الله: (كان السلف لآخر النهار أشد تعظيما من أوله).
من الأعمال الصالحة التي يتأكد استحبابها في رمضان: التبكير إلى الجمعة. ويوم الجمعة له مزية وفضل وشرف على سائر أيام الأسبوع، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار، قال الله عز وجل: }وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ{ [القصص:68]، فاقتضت حكمته وعلمه تفضيل بعض البشر على بعض، فأفضلهم الأنبياء، وفضل بعض البقاع على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، فرمضان أفضل شهور العام ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع. قال ابن القيم رحمه الله: (وكان هديه ﷺ تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره ) انتهى ([53]).
قد ورد في السنة أحاديث كثيرة في بيان فضل هذا اليوم وذكر خصائصه، فمنها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة»([54]).
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه مرفوعا: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه ثيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حيث تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه»([55]).
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: «فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» وأشار بيده يقللها([56]).
وقد رجح جمع من أهل العلم أنها آخر ساعة من يوم الجمعة. قال ابن القيم رحمه الله: (وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس)([57]).
ومن الأعمال التي يتأكد استحبابها في هذا اليوم:
أولاً: التكبير للجمعة، وقد ورد في ذلك أحاديث عن النبي ﷺ، ومنها:
1-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر»([58]).
2- عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة، أجر صيامها وقيامها»([59])، وفي رواية «وذلك على الله يسير».
3- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «تقعد الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول والثاني حتى إذا خرج الإمام رفعت الصحف» ([60]) رواه أحمد بإسناد جيد والطبراني. وفي رواية لهما: قال قلت: يا أبا أمامة ليس لمن جاء بعد خروج الإمام جمعة؟ قال: بلى، ولكن ليس ممن يكتب في الصحف([61]).
4-عن علقمة قال: خرجت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يوم الجمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه، فقال: رابع أربعة، وما رابع أربعة من الله ببعيد، إني سمعت رسول الله يقول: «إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع»وما رابع أربعة ببعيد ([62]).
قال الشافعي رحمه الله: (من شأن الناس التهجير إلى الجمعة، والصلاة إلى خروج الإمام)([63]).
قال رحمه الله: (ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنا)([64]).
قال الحافظ عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله المتوفى عام (705): (قال الشيخ أبو طالب المكي رحمه الله: (كان يرى في القرن الأولى في السحر وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد، حتى اندرس ذلك)، وقيل: أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع يوم الجمعة). انتهى ([65])
وقال ابن القيم رحمه الله: (الثالثة والعشرون – من خواص يوم الجعة – أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة. وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات، واجبة ومستحبة، فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوما يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا. فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم، وسلم له سائر أسبوعه)انتهى ([66]).
وقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين يحدث إن رسول الله ﷺ كان يفعل ذلك ([67]).
أيها المسلم هذا بعض ما ورد في فضل هذا اليوم الشريف وفضل التبكير إلى الجمعة، وهذا هدي السلف الصالح في اغتنام ذلك الفضل وجدهم فيه، ولكن العبد قد يحرم فضل الله وثوابه بسبب ذنوبه فيتباطأ عن الطاعة أو يستقلها، بل قد يقلب مواسم الخير والعبادة إلى مواسم عبث ولهو. والله تعالى يقول: }فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ{ [الشرح:7]، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيرها: (أي إذا تفرغت من أشغالك ولم يبق في قلبك ما يعوقه فاجتهد في العبادة والدعاء. ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربهم وعن ذكره فتكون من الخاسرين) انتهى([68]).
الاعتكاف:
وهو من الأعمال الصالحة التي تتأكد في رمضان، ومن السنن التي كان النبي ﷺ يواظب عليها في هذا الشهر.
فليحرص المسلم على أن يكون له نصيب من ذلك، وإنه ليسير على من يسره الله عليه. إذ ما الصعوبة في المكث في المسجد والانشغال بالطاعات من تلاوة وصلاة وذكر ودعاء وغيرها، فإن احتاج للراحة ارتاح، وإذا احتاج للطعام فإن لم يكون له من يأتيه بطعامه خرج ليأكل ثم عاد. فلا صعوبة فيه. لكن ما قد يتصوره البعض من أنه شاق جدا وعسير فهو بحمد الله غير صحيح، أو مبالغ فيه.
فخذ أيها الصائم نصيبك من الاعتكاف، لعلك تكتب من المقبولين، ولتكن من المقتدين بسنة النبي ﷺ المحيين لها.
العمرة:
ففي الحديث الصحيح عنه ﷺ: «عمرة في رمضان تعدل حجة» رواه البخاري. ونورد هنا بعض الأحاديث المتعلقة بالعمرة وهي مستخلصة من صحيح الجامع الصغير وزيادته معزوة كما عزاها الكتاب، وقد بوبتها إكمالاً للنفع.
فضل العمرة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»([69]).
وعنه رضي الله عنه النبي ﷺ قال: «وفد الله ثلاثة: الغازي والحاج والمعتمر»([70]) وعن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «الحجاج والعمّار وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم» ([71]).
فضل التلبية:
عن السائب بن خلاد رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية»([72]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ما أهل مهل قط، ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة»([73]).
فضل الطواف بالبيت:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «من طاف بهذا البيت أسبوعا ([74]) فأحصاه كان كعتق رقبة لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة»([75]).
وعنه أيضا رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «من طاف بهذا البيت سبعا وصلى ركعتين كان كعتق رقبة»([76]).
فضل استلام الحجر:
عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «والله ليبعثنه يوم القيامة – يعني الحجر – له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق»([77]).
فضل الشرب من ماء زمزم:
عن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «ماء زمزم لما شرب له»([78]).
حكم التتابع في صيام الست من شوال:
روى الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصوم الدهر».
ولأهل العلم أقوال في كيفية صيامها؛ فمنهم من استحب صيامها من أول الشهر متتابعة. وهو قول الشافعي وابن المبارك؛ ومنهم من قال لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله، وهما سواء. وهو قول وكيع وأحمد ([79]).
ولا يخفي أن قول الشافعي وابن المبارك أظهر في الدليل، وذلك:
أولاً- أنه أقرب إلى تحقيق كمال الاتباع في قوله صلى الله عليه وسلم: «وأتبعه ستاً من شوال».
ثانياً: أنه الأصل في الطاعات استحباب المبادرة بها وفعلها في أول وقتها، إلا ما دل الدليل على استحباب تأخيره، كتأخير العشاء عن أول وقتها، والظهر عند اشتداد الحر، وصلاة الليل لمن وثق من نفسه القيام آخره. والله أعلم.
قال في الروض المربع: (ويستحب تتابعها – أي أيام الست – وكونها عقب العيد، لما فيه من المسارعة إلى الخير)([80]). انتهى.
ومع ذلك فمن أخرها أو فرقها في الشهر فعل السنة وحصلت له هذه الفضيلة المذكورة في قوله ﷺ: «كان كصوم الدهر». قال النووي رحمه الله: (قال أصحابنا: والأفضل أن تصام الست متوالية عقب يوم الفطر، فإن فرقها أو أخرها عن أوائل الشهر إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأن يصدق أنه أتبعه ستاً من شوال)([81]) انتهى.
بشرى
يقول الله عز وجل: }وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ{ [البقرة:223]، ويقول: }وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ{ [البقرة:25]. ويقول النبي ﷺ: «وبشروا ولا تنفروا» رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
وإني أبشرك يا أخي المسلم بأن ربك غفور، يقبل العمل اليسير ويجزي الجزاء الجزيل، ويغفر الذنب العظيم، وأنه أرحم بك وبجميع عباده من الأم بولدها.
وأبشر أنه قد أعد جنة عرضها السماوات والأرض قد فتحت أبوابها – في هذا الشهر – واطردت أنهارها، وتزينت حورها واكتمل نعيمها، أعدت للمتقين. نسأل الله أن نكون وإياك ووالدينا منهم وجميع المسلمين. فاثبت على ما قد عرفت من الخير والهدى، وأحب الله من قلبك، تجد التوفيق في الدنيا، وتسهيل الطاعة عليك، بل تحبيبها إلى قلبك، وتجد الرحمة الواسعة في الآخرة، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض.
هذا والله أعلم وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.
([1]) صححه النووي في رياض الصالحين (باب فضل الحب في الله والحث عليه) الألباني في صحيح الجامع رقم (4207).
([2]) ذكره الشيخ عبد العزيز السلمان في كتاب (المناهل الحسان في دروس رمضان)ص10.
([3]) التفسير القيم ص613 ،614 باختصار، وانظر مدارج السالكين له أيضا رحمه الله 1/222-226.
([4]) حديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجة.
([5]) رواه البخاري .
([6]) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
([7]) رواه أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي.
([8]) أورده ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن الإمام احمد وأبي داود وابن ماجة، ثم قال بعد أن ساق أسانيدهم: (وهو إسناد حسن لا باس به والله أعلم).اهـ. (ج2:223) سورة الأعراف.
([9]) المحجة في سير الدلجة ص59-64.
([10]) رواه مسلم وروى البخاري قوله (لقد أوتيت) الحديث..
([11]) كتاب فضائل القرآن لابن كثير رحمه الله وقد وضعه في آخر التفسير وجعله متمما له (4-612).
([12]) المصدر السابق (4: 610).
([13]) أخرجه الخمسة غلا ابن ماجه وصححه ابن حبان.
([14]) الزور: الضيف.
([15]) تفسير ابن كثير، سورة الأعراف الآية: (55)، (2: 222).
([16]) رواه مسلم.
([17]) قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله في جزء (مرويات دعاء ختم القرآن) [الموقظة الرابعة: في النهي عن تتبع المساجد طلبا لحسن صوت الإمام في القراءة ، قال محمد بن بحر – كما في (بدائع الفوائد 4/11) رأيت أبا بعد الله في شهر رمضان وقد جاء فضل بن زياد القطان فصلى بابي عبد الله التراويح ، وكان حسن القراءة فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد ، فخرج أبو عبد الله فصعد درجة المسجد فنظر إلى الجمع ، فقال : ما هذا ؟ تدعون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها! فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه ، يعني من إخلاء المساجد ، وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده) أهـ. وفي مبحث (سد الذرائع) من إعلام الموقعين (2/160) قال ابن القيم رحمه الله تعالى : (الوجه الخمسون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره ، كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ : «ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتخطاه إلى غيره» وما ذاك إلا أنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه وإيحاش صدر الإمام . وإن كان الإمام لا يتم الصلاة أو يرمي ببدعة أو يعلن بفجور فلا باس بتخطيه إلى غيره) أهـ. وعنه في (الهدية العلائية ص284 للبرهاني) والحديث المذكور رواه الطبراني في (الأوسط) كما في الجامع الصغير، و (كنز العمال 7/659) و (مجمع الزوائد) للهيثمي وقال : (رجاله موثقون إلا شيخ الطبراني : محمد بن أحمد بن نصر المروزي ، لم أر من ترجمه) أهـ. وعزاه في (صحيح الجامع) إلى الطبراني في (الكبير) وتمام العقيلي. وما نبهت على هذا إلا لأنه أخذ يمثل في زماننا هذا ظاهرة لها صفة التكاثر، والفضائل لا تدرك بارتكاب النواهي مع أنه (فتنة للمتبوع) والله تعالى أعلم انتهى ص 80، 81. .
([18]) رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح.
([19]) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.
([20]) أي من الدعاء.
([21]) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وانظر صحيح الجامع الحديث رقم (5513).
([22]) قال في [صحيح الجامع ب5: 149] صحيح وعزاه إلى الإمام أحمد.
([23]) رواه مسلم .
([24]) رواه مسلم.
([25]) رواه مسلم .
([26]) متفق عليه.
([27]) رواه مسلم.
([28]) رواه مسلم .
([29]) الفلو هو : المهر.
([30]) متفق عليه.
([31]) رواه مسلم .
([32]) رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي.
([33]) رواه الإمام أحمد والبخاري.
([34]) تطلع إليها.
([35]) هي ما يحتجر في المنزل خارج البيت وقرب الباب، ولعله يشبه ما يسمى عند الناس اليوم (بالملحق).
([36]) قال الحافظ الدمياطي : هو لخزانة تكون داخل البيت . أهـ قلت: الأشبه بذلك غرفتها الخاصة بها.
([37]) ص85-88.
([38]) رواه البخاري.
([39]) رواه مسلم.
([40]) معنى معارضة القرآن : أن يعرض كل من القارئين قراءته على الآخر ، فيقرا أحدهما والآخر يستمع ، ثم يقرأ الأخر كذلك .
([41]) لطائف المعارف ص 172 ، ص179.
([42]) لطائف المعارف ص315-319ط دار ابن كثير.
([43]) اختيار الأولى في شرح حديث اختصار الملأ الأعلى ص 73-80.
([44]) رواه مسلم .
([45]) قال النووي رحمه الله : حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح (رياض الصالحين –باب فضل الحب في الله) وقد سبق.
([46]) متفق عليه .
([47]) خرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع (2691).
([48]) حسنه الألباني (صحيح الجامع – 2377).
([49]) رواه أحمد والترمذي وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان . وحسنه الألباني (صحيح الجامع 2119)..
([50]) لطائف المعارف (ص310-313).
([51]) أي الفجر.
([52]) قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : (لا بأس به، له طرق جيدة) وصححه العلامة الألباني حفظه الله . انظر إن شئت (الترغيب والترهيب) تخريج الألباني حفظه الله (1/164 و165) والصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة لمصطفى بن العدوي ص 86، 87..
([53]) زاد المعاد: 375.
([54]) رواه مسلم.
([55]) قال في صحيح الجامع: حديث صحيح رواه الإمام مالك والإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم.
([56]) متفق عليه .
([57]) زاد المعاد: 1 : 394 وقد ذكر رحمه الله كلاما مفيدا في خصائص يوم الجمعة فليراجعه من شاء من ص 26-ص440.
([58]) متفق عليه.
([59]) قال الدمياطي في المتجر الرابح : (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه ، والنسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وقال : صحيح الإسناد) انتهى ص155. وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في شرح المنتقي : (الحديث له أسانيد جيدة).
([60]) قال في صحيح الجامع : حسن .
([61]) المتجر الرابح (157).
([62]) قال في المتجر الرابح: رواه ابن ماجه بإسناد جيد.
([63]) انظر زاد المعاد (1:380) ونيل الأوطار: (3:312).
([64]) زاد المعاد: (10:400).
([65]) المتجر الرابح (159-160).
([66]) زاد المعاد بتصرف يسير 1:398.
([67]) قال الشوكاني رحمه الله : (قال العراقي: إسناد صحيح) ثم قال: الحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها . انتهى (نيل الأوطار، 3/313).
([68]) تيسير الكريم الرحمن 7/646.
([69]) رواه مالك وأحمد والبخاري ومسلم .
([70]) حديث صحيح رواه النسائي وابن حبان والحاكم (6989).
([71]) حديث حسن رواه البزار (3168).
([72]) رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة والبيهقي وابن حبان والحاكم وهو صحيح (62).
([73]) رواه الطبراني في الأوسط وهو حسن (5445).
([74]) أي سبعة أشواط.
([75]) حديث صحيح رواه الترمذي والنسائي والحاكم (6256).
([76]) حديث صحيح رواه ابن حاجة (6255).
([77]) حديث صحيح رواه الترمذي (6975)..
([78]) رواه ابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن ماجة والبيهقي في السنن، وهو صحيح (5378).
([79]) انظر لطائف المعارف لابن رجب رحمه الله انظر الكتاب ص 390.
([80]) انظر : (1:129) ط. السلفية.
([81]) صحيح مسلم بشرح النووي (8:6).