وسائل تجلب المحبة والألفة بين الأسر والزملاء والأقران
التصنيفات
الوصف المفصل
﷽
وسائل تجلب المحبة والألفة بين الأسر والزملاء والأقران
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى من يراه من المسلمين، حفظه اللَّه تعالى، وغفر له، ولوالديه، وأمدَّ اللَّه في عمره على طاعته.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد:
فاللَّه أسأل لكم التوفيق، والسداد، والعفو، والعافية في الدنيا والآخرة.
إخواني هذه وسائل تجلب المحبة، والألفة بين الأُسَرِ، والزملاء، والأقران كتبتها لنفسي، ولمن شاء من إخواني المسلمين، أسأل اللَّه أن ينفعني بها، وينفع بها من اطلع عليها، وهي على النحو الآتي:
أولاً: لا يُقدم الإنسان على عملٍ، أو يترك عملاً إلا وقد نظر هل هذا الأمر يقربه من اللَّه، ويرضي اللَّه ﷻ حتى لو حصل عليه فيه مشقة، وعدم رغبة، لقول اللَّه الكريم: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114]، وفي الحديث: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ل أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلاَ تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْكَ» [الترمذي، برقم 2414، وصححه الألباني]، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ» [ابن حبان، برقم 276، وصححه الألباني].
ثانياً: الإنسان ليس بمعصوم، قد يخطئ ويزلُّ، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» [ابن ماجه، برقم 4251، وحسّنه الألباني]، فليس هناك على الأرض معصوم إلا نبينا الكريم ﷺ، وإجماع الصحابة، ومن عصمه اللَّه ﷻ.
ثالثاً: العفو والصفح، فقد قال اللَّه تعالى في صفات المتقين: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134]، وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ ﷻ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ» [أبو داود، برقم 4779، وحسنه الألباني]، ويقتدي برسول اللَّه ﷺ في عفوه، وصفحه، وإحسانه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» [مسلم، برقم 2588]، وهذا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة، وأتم التسليم، يقول لإخوته الذين ألقوه في البئر: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92].
رابعاً: يحتسب الإنسان ما حصل له من المشقة، ومخالفة هوى النفس، وكظم الغيظ على اللَّه ﷻ، بأن يثيبه، ويصلح شأنه وأحواله، ويرفع مكانته في الدنيا والآخرة، ويجازيه على ذلك أكمل الجزاء؛ لأن في كظم الغيظ، والعفو عند المقدرة مشقة على النفس.
خامساً: لا يُلْزِمُ غَيرَهُ برأيه، ولو كان هو على صواب، وحق واضح، إلاّ زوجته، وأولاده، ومن ولّاه اللَّه أمرهم، فإن الإلزام بالرأي بغير رغبة المُلزَم يسبب الفرقة، والشحناء، والعداوة، والبغضاء، فإن الخلاف يحصل حتى بين العلماء الكبار، على حسب ما أعطى اللَّه كل واحد منهم من العلم، والفهم، ثم لا يلزم بعضهم بعضاً بما يرى، بل يتفرقون من المجلس الواحد، وقلوبهم سليمة على بعضهم؛ لأن المصيب منهم له أجران، والمخطئ للصواب له أجر واحد، على حسب نياتهم.
سادساً: الشورى لها شأن عظيم، فالعمل الذي يقتضي دخول أكثر من اثنين فيه يؤخذ بمبدأ الشورى لقول اللَّه تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: 38]، وقال اللَّه تعالى للنبي ♥: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]، فإن لم تحصل الموافقة على ما يريد الإنسان، فكذلك لا يسبب ذلك شحناء، بل يقوم بالعمل الذي يراه، ويعفو عمن لم يوافقه على رأيه.
سابعاً: سلامة الصدر، وطهارة القلب مطلوبة من كل مسلم صادق؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» [ابن ماجه، برقم 4216، وصححه الألباني]، وقد ثبت أن النبي ♥ فيما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ ﷺ تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّهَ ﷻ وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ» [مسند أحمد، برقم 12697، وصححه محققو المسند].
ثامنا: إحسان العمل في ما بين العبد وبين اللَّه بالقيام بالواجبات، والابتعاد عن المحرمات إخلاصاً للَّه تعالى، فإن العبد إذا أصلح ما بينه وبين اللَّه، أصلح اللَّه ما بينه وبين الناس، وفي كِتَابِ عُمَرَ بن الخطاب إِلَى أَبِي مُوسَى ب قَالَ: «...إِيَّاكَ وَالضَّجَرَ، وَالْقَلَقَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ، وَالتَّنَكُّرَ بِالْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الأَجْرَ، وَيَكْسِبُ بِهَا الذُّخْرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ سَرِيرَتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ خِلاَفَ ذَلِكَ، يُشِنْهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلاَمُ» [السنن الكبرى للبيهقي، 10/ 106]، وعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتَبَةَ قَالَ : «كَانَ أَهْلُ الْخَيْرِ يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ، وَتَلَقَّاهُنَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: مَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّهُ دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَصْلَحَ اللَّهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّهُ علاَنِيَتَهُ» [الزهد لوكيع، ص 258].
واللَّه أسأل لنا ولجميع المسلمين التوفيق، والسداد، والعفو، والعافية في الدنيا والآخرة، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ويجيرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
كتبه
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في الأحد 11/ 1/ 1439هـ