×
مقالة مختصرة تبين أهمية إصلاح القلوب والأقوال والأعمال والأخلاق.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الصبور، أحبَّ من عباده الغيور وحذَّر من أهل الفجور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغفور الشكور، جَعَلَ أهل الغيرة في سرور ووقاهم الشرور، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي الغيور صاحب الذنب المغفور والسعي المشكور، صلى الله وسلم عليه كلما قامت الغيرة وزالت الحيرة، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه إلى يوم القيامة، أما بعد:

    أحبتي في الله: اتقوا الله الذي خلقكم للعبادة، فقال: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{ [الذاريات: 56-58]، ووعدكم بالزيادة فقال: }مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا{ [الأنعام: 160]، وقال: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ{ [الشورى: 20]، وكرَّمكم وفضَّلكم على كثير ممَّن خلق تفضيلاً. فقال: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا{ [الإسراء: 70].

    فاحرصوا على أن تكونوا من أهل المعادن النفيسة الذين يتميَّزون بالقلوب النفيسة، والأقوال النفيسة، والأعمال النفيسة، والأخلاق النفيسة، والحياة النفيسة؛ فإن الناس معادن؛ منهم من معدنه نفيس، ومنهم مَن معدنه خسيس، ومنهم الطيِّب، ومنهم الخبيث، ومنهم المؤمن، ومنهم المنافق، ومنهم المسلم، ومنهم الكافر، فريقٌ في الجنة وفريق في السعير.

    من هم أهل المعادن النفيسة

    أهل المعادن النفيسة هم الذين ذاقوا طعم الإيمان؛ إذ رضوا بالله ربًّا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينًا. يقول ﷺ‬: «ذاق طعم الإيمان مَن رضي بالله ربًا وبمحمد رسولاً وبالإسلام دينًا»، وهم الذين وجدوا حلاوة الإيمان؛ لأنهم أحبوا الله ورسوله وأحبوا الله وكرهوا الكفر والمعصية. يقول ﷺ‬: «ثلاث مَن كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النار»، وهم الذين كملوا إيمانهم واستمسكوا بالعروة الوُثقى؛ لأنهم أحبوا لله وأبغضوا لله ووالوا في الله وعادوا في الله.

    يقول ﷺ‬: «أَوْثَق عُرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله»، ويقول: «مَن أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فقد استكمل الإيمان».

    وأهل المعادن النفيسة هم أهل الإيمان القوي الذي لا تزعزعه الأهواء ولا الشهوات ولا الشبهات ولا تضعفه المعاصي. وقد وَصَفَ الله به الصحابة فقال: }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا{ [الفتح: 29]، وأثنى الإسلام على المؤمن القوي؛ يقول ﷺ‬: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».

    والمعادن النفيسة هم أهل الفقه في الدين الذين أراد الله بهم الخير؛ لأنهم يريدون الخير لأنفسهم ولغيرهم. يقول ﷺ‬: «مَن يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين». ومفهوم الحديث أن مَن أراد الله به شرًا لم يفقهه في الدين، وإنما فقهه في دنياه مع جهله بدينه. وأهل الفقه هم وارثو الأنبياء، وهم سالكو طريق الجنة؛ ففي الحديث: «مَن سَلَكَ طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة». والفقه كرم لصاحبه ونور ورحمة وهداية وثبات. قال الصحابة: يا رسول الله، مَن أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم». قالوا: ما عن هذا نسألك. قال: «يوسف بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الرحمن». قالوا: ما عن هذا نسألك. قال: «فعن معادن العرب تسألوني، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».

    والمعادن النفيسة هم المصلحون الذين أصلح الله بهم القلوب فلم تشبع من كلام الله، ولم تمل من ذكره، ولم تتعب من طاعته، وأصلح الله بهم الجوارح والمجالس، وجعلهم الله أمنًا من العذاب، وأمنًا من الهلاك، وأمنًا من النقص.

    والمعادن النفيسة هم أهل الغيرة الذين اصطفاهم الله واجتباهم للدفاع عن الدين ونصر المؤمنين وحفظ الأموال والأعراض ومحاربة الشياطين والإنكار على المفسدين، وأهل الغيرة هم الذين ينشرون الفضائل ويحذرون من الرذائل، وهم الذين يتعاونون على البر والتقوى، ويحذرون من التعاون على الإثم والعدوان، وهم الذين يحبون الصالحين، ويدعون الله لهم بالثبات على الطاعات وبالحفظ من السيئات، وهم الذين يبغضون الفاسقين ويقولون: }حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ [آل عمران: 173]، وأهل الغيرة هم الذين حققوا قول الله عز وجل: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ [الحجرات: 3]، وحققوا قوله ﷺ‬: «مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».

    والغيرة صفة من صفات الله تعالى؛ إذ يغار الله على محارمه؛ لأنه تعالى جَعَلَ الطاعة له وحده فلا يشاركه فيها أحد، فمن عصى الله وأطاع غيره غار الرب عليه؛ لأنه لا يرضى لعباده الكفر ولا يرضى لهم المعصية. يقول ﷺ‬: «إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله عليه»، ويقول: لا شيء أغير من الله تعالى، والله يغار على التوحيد حتى لا يشاركه فيه أحد، فقال: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ [النساء: 48]، وأهلك فرعون الذي ادَّعى الربوبية والألوهية، ويغار على الصلاة؛ إذ يقول عن أهل النار: }مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{ [المدثر: 42، 43]، ويغار على القلوب؛ فقد غار على قلب إبراهيم الذي طلب الولد فأحبه حبًا عظيمًا حتى ابتلاه فيه ليخرج حبه من قلبه ويشتغل بحب الله فرأى في المنام كأنما يذبح هذا الولد ثم نجَّاه الله من الذبح، ويغار على الأعراض فحرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعاقب عليها بأعظم العقوبات. يقول ﷺ‬: «ما من أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش». ولما كسفت الشمس صلَّى بالناس صلاة الكسوف ثم قام فخطبهم وقال في خطبته: «يا أمة محمد، ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أَمَته. يا أمة محمد، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم كثيرًا». وذكر هذا الذنب بخصوصه لأنه يورث ظلامًا في القلب فيظلم البدن بظلامه، وكذلك تظلم الأرض بظلام الشمس، وغار على عرض إبراهيم عندما قدم مصر في هجرته فاستدعى الفرعوني زوجة إبراهيم سارة وأرادها في عرضها، فلما مد يده إليها كف الله يده حتى يبست ونجى سارة من كيده وشره.

    ويغار الله تعالى على أموال المسلمين؛ إذ حَرَّم أخذها بغير حق، وشَرّعَ قطع اليد التي تسرق، وتوعَّد أهل الحرام بالإفلاس والنار والغضب وعدم استجابة الدعوة.

    * * * *

    أنواع الغيرة

    الغيرة ثلاثة أنواع:

    غيرة العبد لربه أن تنتهك محارمه وتضيع حدوده، وهذه غيرة الملائكة وغيرة الأنبياء، وغيرة الأولياء الصالحين الذين يلتمسون رضا الله ويجتنبون غضبه، ويسخرون كل شيء لطاعته، ومن ذلك: غيرة جبريل u؛ إذ ورد أنه غار من فرعون عندما قال: }أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى{ [النازعات: 24]، وقال: }مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي{ [القصص: 38]. فلما سمعه يقول: }آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ{ [يونس: 90] كان جبريل يأخذ من تراب البحر ويدسه في فم فرعون خشية أن يقول كلمة يرحمه الله بها.

    وهذه الغيرة ليست انتقامًا للنفس، وإنما هي غضبًا لله وانتصارًا لدينه. ومن ذلك: غيرة إبراهيم لمَّا راى الناس يعبدون الأصنام من دون الله منها أصنام الذهب والفضة والحديد والنحاس والخشب والحجر فكسرها بيده حتى تركها جذاذًا مع علمه بمحبة القوم لها، ولذا غضبوا عليه وجمعوا له حطبًا وألقوه في النار، فقال الله تعالى للنار: }قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ{ [الأنبياء: 69].

    ومنها: غيرة رسول الله ﷺ‬ على الصلاة جماعة إذا أوجبها وحث الناس عليها. وقال: «مَن سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر»، وتوعَّد مَن تخلَّف بحرق بيته عليه بالنار. يقول ﷺ‬: «لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم أخالف إلى أُناس لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار». وإلى الله نشكو حال الكثير من الناس الذين تركوا طاعة الله فضلاً على أن يغاروا لها وواقعوا معصيته ولازموها ونسوا مراقبة الله، ونقول لهؤلاء أحسن الله عزاءكم في الغيرة لله بل غيرة البهائم أحسن من غيرتكم إذ تسبح الله، ونذكرهم بغيرة المسلم الذي أسره الروم وعاش الغربة والسجن والتعذيب ثم عرض عليه ملك الروم أن يخرجه من السجن مقابل التنصر وترك الإسلام وإلا سمل عينيه بالنار- أي كواها- حتى تعمى، فقال له المسلم في عزة وغيرة على دينه: ما أنا والله بالذي يختار عينيه على دينه؛ بل ديني أولى وأبقى، فكوى عينيه حتى عميا وبقي بعزته وعلى إسلامه.

    ومن أنواع الغيرة أن يغار الإنسان على قلبه ليحرص على سلامته؛ فإنه لا ينجو يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم. قال تعالى: }يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{ [الشعراء: 88، 89]، والقلب ملك البدن ومكان الفطرة ومكان نظر الرب، وهو الذي بصلاحه يصلح الجسد وبفساده يفسد الجسد، وبه توزن الأعمال وبه يوزن العباد، والغيرة له بحمايته من المعاصي؛ لأنها تظلم به وتقسيه وتضعفه وتميته وبها ينتكس، وحمايته من الشيطان الذي يزين له الباطل ويثبطه عن العمل ويبعده عن الطاعة ويشغله بالمباحات ويهون عليه المعاصي، وحمايته من الأهواء التي تضله عن سبيل الله }إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ{ [ص: 26]، وتهوي به في الرذائل والمهالك، وحمايته من مفسداته التي تفسده وتقضي عليه مثل: فضول الكلام وفضول النظر وفضول السمع وفضول الأكل وفضول النوم وفضول الصحبة. فالمؤمن يتميز بقلبه الذي إذا صلح صلح سائر عمله، والمنافق يتميز بقلبه الذي فسد ففسد سائر عمله فلا قلب له يتأثر بالقرآن بل عليه الأقفال. قال تعالى: }أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ [محمد: 24]، ولا قلب له يستفيد من المواعظ. قال تعالى: }وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا{ [محمد: 16]، فاجعلوا قلوبكم جواهر بالطاعات، واحرسوها بالغيرة من الرذائل ولا تجعلوها مزابل للمعاصي ولا مساكن للشياطين.

    ومن أنواع الغيرة: غيرة الرجال على محارمهم من النساء؛ لأن القوامة لهم، ولأنهم المسؤولون عنهن، ولأن المرأة ضعيفة تعصفها الأهواء وتؤثر فيها العواطف ويستولي عليه الشهوات، وهي ناقصة عقل لا يكمل عقلها إلا غيرة وليها، وناقصة دين لا يكمل دينها إلا مراقبتها لربها وخوفها منه وعملها بما يرضيه، والنساء أمانة في الأعناق يجب رعايتهن وصيانتهن، وهن عوان عند الرجال أسيرات، وغيرة الرجل عليها تمنعها من خلوة الأجنبي بها سواء سائق أو خادم أو بائع أو طبيب أو متسوق أو متنزه أو غير ذلك؛ «لأنها ما خلا رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما». قال أحد السلف: استأمنوا على كل شيء إلا على المرأة. ويغار الرجل على المرأة بمنعها من الكلام مع الأجنبي؛ لأن ذلك من الفنتة، ولأنه مرض من أمراض القلوب، ولقد نهى الإسلام المرأة أن تتكلم في الصلاة بل تصفق إذا ناب الإمام شيء، ولو أذن لها بالكلام لأذن لها به في الصلاة. يقول تعالى: }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا{ [الأحزاب: 32]، وما أكثر الفتنة بالأصوات في الهاتف وفي الأسواق وفي الطرقات وفي المستشفيات وفي المنتزهات ونحوها.

    ويغار الرجل على المرأة بمنعها من الاختلاط بالرجال؛ لما في ذلك من المفاسد العظيمة والمنكرات الجسيمة. والإسلام دعا المرأة إلى أن تقرَّ في بيتها. قال تعالى: }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{ [الأحزاب: 33]، وقال: }وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ{ [الأحزاب: 53]، ويقول ﷺ‬ لنسائه في حجة الوداع: «الزمن الحصر- أي الزمن البيوت- بعد هذه الحجة»، ويقول: «المرأة عورة، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وخير للمرأة أن تبقى في قعر دارها»، وقال: «خير صلاة النساء في قعر بيوتهن». وقال لأم حميد الساعدية وقد طلبت منه أن تصلي معه في مسجده: «صلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي».

    ويغار الرجل على المرأة بمنعها من السفور ومن النقاب الشيطاني الذي ظهر في أوساط النساء وأظهرن به الزينة وفتنَّ به الرجال وعصين به الرحمن، فإن الله تعالى قال: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الأحزاب: 59]، وقال ﷺ‬: «ترخي المرأة ثوبها في الأرض ذراعًا...» حتى لا تنكشف للرجال، فأين الكاسيات العاريات من هذا الهدي، ألا يعلمن أن تعريهن صفة من صفات أهل النار، يحرمن بها الجنة وتجب لهن النار وتحق عليهن اللعنة. يقول ﷺ‬: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا» ويقول: «سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات».

    والرجال الصالحون يغارون على نسائهم؛ لأن الإسلام يأمر بالغيرة، والرجولة تقتضي ذلك، فها هو عمر t يغار على نساء النبي وهن أمهات المؤمنين ويقول: لو حجبت نساءك يدخل عليهن البر والفاجر مع أنهن أمهات المؤمنين. فينزل القرآن بوجوب الحجاب، وكان يكره خروج امرأته للمسجد لكنه لا يستطيع منعها؛ عملاً بقوله ﷺ‬: «لا تمنعوا إماء الله بيوت الله».

    وها هو معاذ يرى امرأته تأكل تفاحة فيدخل عليه غلام له فتعطيه امرأته تلك التفاحة فيضربها حتى أوجعها، غيرة عليها.

    وها هو ابن عمر يسمع امرأته تكلم رجلاً من أقربائها من وراء جدار فيضربها.

    وها هو سعد بن عبادة يقول: يا رسول الله، يجد الرجل منا رجلاً مع زوجته؟ قال: «يشهد عليهما». قال سعد: والله إن وجدته لضربته بالسيف. قال عليه الصلاة والسلام: «أتعجبون من غيرة سعد، والله إني أَغْيَر من سعد وإن الله أَغْيَر مني». وكان إذا ركبت امرأته على فرس نحرها حتى لا يركب عليها رجل بعده.

    وهكذا يجب أن يكون الرجال أهل الإيمان في غيرتهم على نسائهم؛ ليبقى لهم الإيمان، وتبقى لهم الرجولة، ويُحْفَظ المجتمع من الشرور.. فهلا غار المسلم لدين الله تعالى، وهلا غار لقلبه، وهلا غار على محارمه، وهلا لَزَمْن بيوتهن وراقبن ربهن وعَلِمْن أن الشيطان يستشرفهن حتى يوقعهن في الفتنة.

    اللهم أحي الغيرة في قلوب الرجال والنساء، واجعلنا مِمَّن يَغَار كما تحب وترضى، ووَوَفِّقْنَا لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله.

    * * * *