لا تغضب
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَه ُ والصلاةُ والسلامُ على مَنْ لاَ نَبيَّ بَعْدَهُ أما بعد
لاَ يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ
وَلاَ يَنَالُ الْعُلاَ مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ
قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاء:الْغَضَبُ أَشَدُّ نِكَايَةً في الْعَاقِلِ مِنَ الْنَّارِ في يَبَسِ الْعَوْسَجِ.
وَقَالَ :الْغَضَبُ بَذْرُ الْنَّدَم ِ، وَتَرْكُهُ أَسْهَلُ مِنْ إِصْلاَح ِمَا يُفْسِدُهُ وَسُرْعَةُ الْغَضَبِ مِنْ شِيَم ِ الْحَمْقَى.
وقد قيل: مَنْ كَثُرَ غَضَبُهُ كَثُرَ غَلَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ غَلَطَهُ طَالَ حُزْنُهُ وَأَلمهُ
وقيل:مَنْ أَطَاعَ غَضَبَهُ قَادَهُ إِلى الْنَّارِ وَصَيَّرَهُ إِلى ذُلِّ الاِعْتِذَارِ.
فَلَمْ أَرَ في الأَعْـدَاءِ حِـيْنَ اخْتَـبَرْتُهُمْ
عَدُ وَاً لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبِ
عَنْ أَبِي هُرِيْرَةَ t: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: للنَّبي ﷺ: أَوْصِنِي. قَالَ:( لاَ تَغْضَبْ) فَرَدَدَ مِرَارَاً قَالَ:( لاَ تَغْضَبْ) رَوَاهُ البُخَارِي([1])
وعَنْ حُمِيدِ بْنِ عَبْدِ الْرَّحْمنِ أَنَّ الْرَّجُلَ؟ قَالَ: فَفَكَّرْتُ حِيْنَ قَالَ: النَّبِيُّ مَا قَالَ: فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الْشَرَّ كُلَّهُ. رواه أَحْمَدُ([2])
[3]
فالْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.
مِفْتَاحٌ لِلكُفْرِ مِفْتَاحٌ للْقَتْلِ مِفْتَاحٌ للطَّلاَقِ مِفْتَاحٌ للظُّلْمِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِفْتَاحٌ لظُلْمِ النفسِ و الْزَّوْجَةِ ,وَالْبَنِين، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْن، وَظُلْمِ الْمُوَظَّفِينَ وَالْمُرَاجِعِين.
وللغضبِ أَسْبَابٌ.
الْسَّبَبُ الأَوَّلُ: رُؤْيَةُ مَا يَكْرَهُ الإنسان.
فَإِذَا رأى الإنسان ما يكره داهمه الغضبُ في المكان فليمسك اليد واللسان.
عَنْ عَائشَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا قَالَتْ:مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِﷺ شَيئاً قَطُّ بِيَدِهِ ولا امْرَأةً وَلاَخَادِمَاً).رَوَاهُ مُسْلِمٌ([3])
الْسَّبَبُ الْثَّانِي: سَمَاعُ مَا يَكْرَهُ الإنسان .
فَإِذَا سمعَ الإنسان مايكره داهمه الغضبُ في المكان فليمسك اليد واللسان.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (لَيْسَ الْشَّدِيْدُ بِالْصُّرَعَةِ وإِنَّمَا الْشَّدِيْدُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه البخاري([4]) ومسلم([5])
الْسَّبَبُ الْثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِمَا يَكْرَهُ الإنسان فَإِذَا علم الإنسان بما يكره داهمه الغضبُ في المكان فليمسك اليد واللسان.
[4]
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (مَا تَعُدُّوْنَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟) قُلْنَا: الْذِي لاَيَصْرَعُهُ الْرِّجَالُ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ ) وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مسلم([6])
والغضب داءٌ لا يرجى برؤه ولكن له مسكنات تخفضه إذا تعاطاها المصاب.
فلا غنى له عن المسكنات لأن الداء يتحرك بمجرد وجود سبب من أسبابه في أي لحظة.
مسكنات الغضب.
الْمُسَكِّنُ الأَوَّلُ: السكوت.
فإذا غضبت فاسكت ولا تتكلم بكلمة حتى يسكن الغضب. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) قَالَهَا ثَلاَثَاً. رَوَاهُ أَحْمَدُ([7]), وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي([8])
فلا تنصح وأنت غضبان ولا تعلم وأنت غضبان ولا تعاقب وأنت غضبان ولكن اسكت حتى يسكن الغضب ثم قل ما شئت وافعل ماشئت. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ tقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ:( لَا يَقْضِيَنَّ
حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)رواه البخاري([9]) ومسلم([10])
[5]
الْمُسَكِّنُ الْثَّانِي: أمْسِكَ يَدَكَ وَلِسَانَكَ إذَا غضبتَ. لأن هاتين الآلتين تعمل بمجرد حدوث الغضب فاللسان يعمل في السب والشتم والتعيير والإستهزاء واليد تعمل في البطش.
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:( مَا تَعُدُّونَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يصْرَعُهُ الْرِّجَالُ. قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مُسْلِمٍ([11])
الْمُسَكِّنُ الْثَّالِثُ: الإستعاذة بالله من الشيطان. لأنه ينفخ جمرة الغضب حتى تصبح ناراً لتحرق الغضبان وتحرق من حوله.
قَالَ تَعَالَى:{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف200]
وَعَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ صُرَدٍ t قَالَ:اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوْسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ, فَقَالَ: النَّبِيُّ ﷺ:( إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَو قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ فَقَالُوا للرَّجُلِ:
ألاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيّrقَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ).رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ([12])وَمُسْلِمُ ([13])
[6]
الْمُسَكِّنُ الْرَّابِعُ:لاتتهيأ للشر إذا غضبت بالقيام أوالسلاح وإذا غضبت وأنت متهيئ للشر فسارع بتغيير هيئتك ولو بالجلوس أو الإضطجاع .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:( إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِن ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَّجِعْ ). رَوَاهُ أَحْمَدُ ([14])وَأَبُو دَاودَ([15])وصححه الألباني([16])
فَالْقَائِمُ قريبٌ من الشَّرِّ، وَالْقَاعِدُ أبعد عن الشرمن القائم وَالْمُضْطَجِعُ أَبْعَدُ من القاعد.
الْمُسَكِّنُ الْخَامِسُ: الوضوء فإذا غضبت فتوضأْ.
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَطِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ( إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الْشَّيْطَانِ وَإِنَّ الْشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ الْنَّارِ , وَإِنَّمَا تُطْفَأُ الْنَّارُ بِالْمَاءِ , فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَأْ). رَوَاهُ أَبُو دَاودَ([17]) وَضَعَّفَهُ الألباني([18])
والحديث وإن كان ضعيفاً فإن له معنىً صحيحاً دل عليه كتاب الله فإما ينزغنك من الشيطان نزغ الْمُسَكِّنُ الْسَّادِسُ: تَذَكَّرْ قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْكَ إذَاقَدِرْتَ عَلَى غَيْرِكَ كالزوجة والولد والبنت والموظف.
[7]
عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الأَنْصَارِي tقَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي بِسَوْطٍ فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتَاً اعلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ ا عْلَمْ ْأبَا مَسْعُوْدٍ. فَلَمْ أَفْهَمِ الْصَّوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ, فَلَمَّا دَنَا الْتَفَتُّ فَإِذَا هُوْ رَسُوْلُ اللهِ rفَسَقَطَ الْسَّوْطُ مِنْ يَدي مِنْ هَيْبَتِهِﷺ فَقَالَ: ( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ فَقَالَ:( أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ الْنَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ الْنَّارُ)رَوَاهُ مُسْلِمٌ([19]) .
قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ t فَقَلْتُ: لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوْكاً بَعْدَهُ أَبَداً ).رواه مسلم([20])
الْمُسَكِّنُ الْسَّابِعُ: تَذَكَّرْ ثَوَابَ الْعَفْوِ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
قَالَ تَعَالَى:{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور22 ]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:(مَا زَادَ اللهُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إِلاَ عِزّاً) رواه مسلم([21])
الْمُسَكِّنُ الثامنُ: تَذَكَّرْ كَرَاهَةَ الْنَّاسِ لَكَ.
قُلْتُ:فَمَا اسْتُجْلِبَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَةِبِمِثْلِ الْغَضَبِ والْحَمَاقَةِ.
[8]
فَالْغَضْبَانُ أَبْغَضُ إِنْسَان عند زوجته وولده وأبويه وموظفيه ومراجعيه ومخالطيه لأَنَّهُ يَظْلِمُ مَنْ خَالَطَهُ، وَيَتَعَدَّى على مَنْ هُوَ دُوْنَهُ،وَيَتَطَاوَلُ على مَنْ هُوَ فَوْقَهُ َيَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، كَثِيْرُ الْكَلاَمِ، سَرِيْعُ الْجَوَابِ يَنْهَى عَنِ الْشَّيءِ وَيَأْتِيْهِ، وَيَفْخَرُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ، مَنْ سَمِعَ بِهِ أَبْغَضَهُ ومَنْ خَالَطَهُ لَعَنَه.
الْمُسَكِّنُ التاسع: تَذَكَّرْ آثَارَ الْغَضَبِ عليكَ.
آثَارُهُ الْظَّاهِرَةُ التي يعرف بها الغضبان نفسه أنه مصاب بالمرض ويعرفه بها الناس. تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، احْمِرَارُ الْوَجْهِ، انْتِفَاخُ الأَوْدَاجِ تَقَلُّبُ الْمَنَاخِرِ على أتفه الأسباب .
آثَارُ الْغَضَبِ الْبَاطِنَةُ التي يعرف بها الغضبان نفسه أنه مصاب بالمرض ويعرفه بها الناس.
آثَارُه عَلَى الْقَلْب التي يعرف بها المرض.
الْحِقْدُ، وَالحَسَدُ، وَالْحُزْنُ، وَإِضْمَارُ الْسُّوءِ للمَغْضُوبِ عَلَيْهِ.
آثَارُهُ عَلَى اللِّسَانِ التي يعرف بها المرض.
الْسَّبُّ، وَالْشَّتْمُ، وَالْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَالْشَّمَاتَةُ، وَالْتَّعْييرُ وَالاسْتِهْزَاءُ، وَالْغِيْبَةُ، وَإِفْشَاءُ الْسِّرِّ، وَهَتْكُ الْسِّتْرِ عَنِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِ. آثَارُ هُ عَلَى الْجَوَارِح ِ. الْضَّرْبُ وَالْقَتْلُ إِنْ أَمَسَكَهُ وَقَدِرَ عَلَيْهِ فإِنْ فَاتَهُ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ ضَربَ نَفْسَهُ، وَلَطمَ خَدَّهُ وَشَقَّ جَيْبَهُ، وَعَضَّ يَدَهُ وَ رَجَعَ عَلَى مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ ممن لاقدرة له على دفعه كَالْزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْدَابَةِ والجماد.
لا تغضب
تأليف
محمد بن أحمد بن محمد العماري
الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية
بالمملكة العربية السعودية
البريد للإكتروني
جميع الحقوق لكل مسلم
تهدى ولاتباع
للطبع الخيري
[مئة ألف نسخة بسبعة آلاف وخمسمائة ريال ]
جوال 0504737304 هاتف 025574344
(1)البخاري باب الحذر من الغضب .
(2) المسند رقم 22088ج47ص141
([3])مسلم باب مباعدته للآثام.
([4]) البخاري باب الحذر من الغضب
([5]) مسلم باب فضل من يملك نفسه
([6]) مسلم باب فضل من يملك نفسه
([7]) المسند رقم2136ج1ص239
([8]) السلسلة الصحيحة رقم363
( 9) البخاري بَاب هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي
(10) مسلم باب كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِى
([11])مسلم باب فضل من يملك نفسه
([12]) صحيح البخاري باب الحذر من الغضب
([13])مسلم باب فضل من يملك نفسه
([14]) المسند رقم20386ج17ص322
([15]) السنن رقم4151ج12ص402
([16]) الألباني انظر المشكاة رقم5114
([17]) السنن رقم4152ج12ص402
([18]) السلسلة الضعيفة رقم 51
([19]) الصحيح رقم1659ج3ص1286
([20]) صحيح مسلم رقم 1659ج3ص1286.
([21]) مسلم باب استحباب العفو