الداء الفتاك وداعي الهلاك : الهوى
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى مالك الرِّقاب.. وواهب العطايا الرِّغاب. والصلاة والسلام على النبي الهادي إلى الصواب. وآله الأماجد والأصحاب.
وبعد:
أخي المسلم: إن كرامة هذا الإنسان بنعمة الهداية إلى الإسلام لمن أعظم النِّعم التي تستحق الشكر لله تعالى.. وكيف لا؟! والإسلام فرق الله به بين الحق والباطل.. والهدى والضلال.. فكان الناس فريقين.. مسلم وكافر..
أخي: تلك النِّعمة كغيرها من النَّعم إذا قام العبد بشكرها بُورك له فيها.. وإلا انتقص من حظه منها بقدر تفريطه.
أخي: إنَّ هدى الله تعالى ودينه الحق تشريع كامل جعل الله فيه السعادة والهناء لمن تمسك به.. والناس في هذا ما بين مستكثر، ومقل.. وأسعدهما المستكثر الذي جعل الإسلام منهجًا له في حياته كلها..
أخي: ما أسعد هذا الإنسان يوم يجعل هذا الدين شعارًا له في أموره كلها.. ولكن قليل أولئك الذين صدقوا في التعامل مع أخلاق وآداب الإسلام السَّامية..
أخي: هل وزنت نفسك يومًا بميزان الهدى الإلهي؟!
أو هل عرضتَّ نفسك يومًا على التشخيص السماوي؟!
أخي في الله: ما أكثر الأدواء والأمراض, وما أقل الصحة والعافية, أمراض حار فيها الحكماء.. واستعصى علاجها على العلماء..
أخي: أتدري أي أمراض هذه؟!
إنها أمراض القلوب وأدواؤها المزمنة.. أهلكت العباد.. وانتشرت نيرانها في الحاضر والباد.. وتطاير شررها في كل واد..
أخي: ولكن قليل أولئك الذين عرضوا أدواءهم على المعالج.. والأكثر غافل عن العلاج حتى استفحل الدَّاء.. وانتشر البلاء.. فحار الطبيب.. ووقف الأريب..
أخي: داء القلوب أدْوَى الأدْوَاء.. كما أن شفاءها أهنَى الهَنَاء..
أخي: كثيرة تلك الأدواء التي رانت على القلوب.. ولكن العجب أخي من أصلها ومنبعها فذاك هو الداء الأعظم, مَدَّ فيضانُهُ فأهلك الخلائق.. وأكثر الفساد.
أخي: ذاك هو الهوى! الهوى! الدَّاء الخطير.. والسرطان المستطير.. داعية المعاصي.. وبريد الشُّرور العَوادي..
أخي: بأي وصف أصف لك الهوى؟! ألا يكفيك أخي ما قاله الشعبي رحمه الله: (إنما سُمِي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار).
أخي المسلم: إنه الهوى.. الهوى.. يدلك اسمه على سوء أصله, فجميع معانيه تدور حول الشرور.
فالهوى.. يعني السُّقُوط!
فالهوى.. هو الوقوع في الشَّهوات المحرمة! وغيرها من المعاني الأخرى لأصل الشرور (الهوى!) ينبئك عن حقيقته، أخي: إذا لامست أذنيك هذه الكلمة (الهوى!) فلا يذهبنَّ إلى فكرك معنى حَسَنٌ.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمَّه).
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: (والمعروف في استعمال الهوى عند الإطلاق أنه الميل إلى خلاف الحق كما في قوله عز وجل: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] وقال: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات].
أخي: ذاك هو (الهوى!) كما وصفه لك العارفون.. وإن أحببت أخي زدتك به معرفة..
قالوا: (الهوى مَيْل الطبع إلى ما يلائمه) ابن الجوزي.
وقالوا: (الهوى: ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع) الجرجاني.
وقالوا: (وهو ميل النفس وقد يطلق ويراد به نفس المحبوب). الكفوى
أخي في الله: إن معركتك مع الهوى معركة حامية الوطيس, لا يخبو أوارها.. ولا تخفت نارها.. فالنفس دومًا تتمنَّى وتتطلع, وتلتمس المزيد من الملذات, وإن قيل لها: هذا حرام.
قالت: دعوني أجرِّبه.
ثم قالت مرة أخرى: دعوني.
حتى يكون الإدمان.. ويستعصى العلاج على المعالج!
أخي: نار الهوى نار لا تعرف البرودة والسكون؛ فكم أهلكت من أقوام! وكم أحرقت من قلوب!
والسعيد من أطفأها ببرد الطاعات.. وماء الصالحات.. قال رسول الله ﷺ: «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» رواه أحمد وابن ماجه/ السلسلة الصحيحة: 549.
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟! قال: جهادك هواك.
وقال ابن المبارك في قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78].
قال: هو جهاد النفس والهوى.
أخي: ألا تعجب ممن إذا أصابه المرض في بدنه أسرع إلى الأطباء، يلتمس الدواء.. ولكنه مسكين إذا استحوذت عليه أدواء القلوب ومَدَّ سرطان الهوى خرطومه على قلبه! رأيته غافلاً عن الدواء والمعالجة.
يا الله، كم هذا الإنسان محروم وشقي يوم أن لا يدرك أين سعادته؟! ولا يعرف أين صحَّته وعافيته؟!
أخي: إن لباس (الهوى!) لباس كريه ما تسربل به أحد إلا وظهر قبحه وإن ارتدى صاحبه أحسن الثِّياب.
قال بشر بن الحارث رحمه الله: (اعلم أن البلاء كله في هواك, والشِّفاء كله في مخالفتك إيَّاه).
وقال ابن السماك رحمه الله: (إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك, داؤك هواك، ودواؤك ترك هواك).
وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: (هواك داؤك, فإن خالفتَه فدواؤك).
أخي المسلم: حقًا, إذا حاسبت نفسك على خطراتها وجدت أن كل بلية سببها (الهوى!).
أخي: كم وكم تدعو النفس صاحبها إلى هواها وشهواتها, ولكن قليل أولئك الذين يحاسبونها.
قال بعضهم: (النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك).
أخي: أرأيت إن دعتك نفسك إلى هواها.. هل أنتَ من الواقفين لسؤالها ؟! أو أنت من المجيبين لندائها ؟!
أخي: وإن أشكل عليك أمران لا تدري في أيهما يكون الصَّواب, هل أنت كحال من قال: (إذا أشكل عليك أمران, لا تدري أيهما أرشد فخالف أقربهما من هواك، فإن أكثر ما يكون الخطأ مع متابعة الهوى) ؟!
أخي في الله: إن داء (الهوى) لما كان عامًا في الأمم السابقة فقد خشيه النبي ﷺ على أمته: «إن مما أخشى عليكم بعدي بطونكم، وفروجكم، ومضلات الأهواء» رواه أحمد والطبراني في الصغير/ تخريج ظلال الجنة: ح14.
وكم كان الإمام ابن الجوزي صادقًا عندما قال: (رأيت الخلق كلهم في صف محاربة والشياطين يرمونهم بنبل الهوى، ويضربونهم بأسياف اللذة!).
أخي: إن داء (الهوى!) تمكَّن من قلوب حتى أصبح هو دينها الذي تصدر عنه. فغَدا الهوى عند هؤلاء إلهًا معبودًا! {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية].
قال قتادة رحمه الله: (إذا هوى شيئًا ركبه!).
أخي: أما وقفتَ يومًا عند هذه الآية: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26].
فهذا نبي من أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام يحذِّره تعالى من الهوى وعواقبه الرَّديَّة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن ارتفع لك الخصمان فكان لك في أحدهما هوىً فلا تشتهِ في نفسك الحق له؛ ليفلج على صاحبه، فإن فعلت محوتُ اسمك من نبوتي ثم لا تكون خليفتي ولا أهل كرامتي).
أخي المسلم: إذا استحوذت الأهواء على أصحابها خرجوا من عالم العقلاء.. فكانت الشهوات عندهم هي الغاية, فترى أحدهم منهمكًا في لذَّاته لا يبالي على أي حال يكون ولا يهمه ما يقوله النَّاس فيه.
قال الإمام ابن الجوزي: (فأمَّا مَن لا يبالي أن يُرى سكران ولا يهمه إن شُهِرَ بين الناس ولا يؤلمه ذكر الناس له بالسُّوء, فذاك في عداد البهائم).
إنَّ الهوانَ هو الهَوَى قُلِبَ اسمُهُ | ||||
فإذا هَوِيتَ فقد لَقِيتَ هَوَانَا | ||||
وإذا هَويتَ فقد تعبَّدَكَ الهَوى | ||||
تَخْضَعْ لحبِّك كائنًا مَنْ كَانَا | ||||
أخي: أتباع الهوى والشَّهوات خذلان, ومباعدة عن سبيل الهدى والتوفيق.
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (من استحوذت عليه الشَّهوات انقطعت عنه مواد التوفيق).
وقال صفوان بن سليم رحمه الله: (ليأتينَّ على الناس زمان تكون همَّ أحدهم فيه بطنه, ودينه هواه).
أخي: إن صاحب (الهوى!) عبد لهواه وإن ادعى الحريَّ, ولا أقبح من عبودية الهوى.
ومن البلاء وللبلاء علامةٌ | ||||
أن لا يرى لك عن هَواك نُزُوعُ | ||||
العبدُ عبدُ النَّفْس في شَهَواته | ||||
والحرُّ يشبَعُ تارةً ويجُوعُ | ||||
قال بعضهم: (لا نوم أثقل من الغفلة, ولا رق أملك من الشَّهوة, ولولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشَّهوة).
أخي: إن صاحب (الهوى!) لضعيف الهمَّة.. واهن العزيمة.. كالذي يُقدَّمُ له اللحم فيأبى إلا العظم! إذ أن صاحب الهوى رضي لنفسه بذل الشهوات! مختارًا لها على عزِّ الفضائل والأخلاق الرفيعة!
وأشبه مثل لمن كانت تلك حاله تلك القصة التي يحكونها.. قالوا: إن الكلب قال للأسد: يا سيد السباع غَيِّرْ اسمي فإنه قبيح.
فقال الأسد: أنت خائنٌ لا يصلح لك غير هذا الاسم.
فقال الكلب: فجرِّبني.
فأعطاه شقه لحم وقال: احفظ لي هذه إلى غدٍ وأنا أُغيِّر اسمك.
فجاع الكلب وجعل ينظر إلى اللحم ويصبر, فلما غلبته نفسه قال: وأي شيء باسمي وما كلب إلا اسم حسن! فأكل اللحم.
أخي: أين هذا ممن جاهد نفسه فاعتزل الشهوات وكان له سلطانٌ على نفسه؟!
هذا هو سيد نفسه.. عالي الهمَّة.. عدو الهوى.. طالب الفضائل..
ومن كان ذاك وصفه فَحَري به أن يكون هو الحر حقًا, قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وإذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات؛ حصل له أعظم غايتين مطلوبتين بهما سعادته، وفلاحه، وكماله! وهما: الهُدى والرحمة. قال تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الكهف].
أخي: حقًا, إن ذلك هو السعيد في الدنيا والآخرة.
قال أبو سليمان الدَّاراني رحمه الله وهو يقف عند معنى قوله تعالى: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان] قال: صبروا عن الشهوات.
أخي في الله: أليس من العقل أن تسعى لإدراك الفضائل والكمالات السامية؟! وهل في دنيا الناس أنهم يسمُّون طالب الشهوات البهيمية عاقلاً؟!
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: (فالعاقل من حفظ دينه ومروءته بترك الحرام، وحفظ قوتَّه في الحلال؛ فأنفقها في طلب الفضائل من علم أو عمل، ولم يسمع في إفناء عمره، وتشتيت قلبه في شيء لا تحسن عاقبته).
أخي: إن العبد إذا قهر هواه.. وردَّ جيوش الهوى مهزومةً مفلولةً.. فذاك هو القوي حقًا.. وإن ضَعُفَ جسمه.. ودقَّ عظمه.. فذاك أخي هو الذي يخافه الشيطان ويهرب من ظله.
قال مالك بن دينار رحمه الله: (من غلب شهوات الدنيا فذلك الذي يفرق الشيطان من ظله)
وسئل يحيى بن معاذ رحمه الله: من أصح الناس عزمًا؟!
فقال: الغالب لهواه!
وقال إبراهيم القصَّار رحمه الله: (أضعف الخلق من ضَعُفَ عن رد شهوته! وأقوى الخلق من قوي على ردِّها).
أخي: هل تدري أن من ترك شيئًا لله عوَّضه الله تعالى خيرًا منه؟!
فإن تارك الأهواء والشهوات لله تعالى سيفوز بأغلى عِوَض.. وأنفس غنيمة..
قال الإمام ابن القيم: (والعِوَض أنواع مختلفة وأجل ما يُعَوَّض به الأنس بالله، ومحبَّته، وطمأنينة القلب به، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تعالى).
أخي: إذا دعتك النفس إلى هواها فقل لها: يا نفس إني تركته لله فلا تحاوليني فيه.
وقريبًا سترى يومها تباشير التوفيق والنجاح في دنياك.. وأما في الآخرة, فلك الأجر الجزيل، والرضوان الأكبر من الله تعالى.
وليكُنْ سلواك أخي في ترك الهوى تلك البشارة العظيمة التي بشَّر بها النبي ﷺ أولئك النفر: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه مُعَلَّق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه، وتفرَّقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله، ورجل تصدَّق أخفى حتى لا تعلم شمالُهُ ما تَنفقُ يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه».
قال الإمام ابن القيم: (إنك إذا تأمَّلت السَّبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلى ظله وجدتهم إنما نالوا ذلك الظل لمخالفة الهوى، فإن الإمام المُسلَّط القادر لا يتمكن من العدل إلا بمخالفة هواه، والشاب المُؤثر لعبادة الله على داعي شبابه لولا مخالفة هواه لم يقدر على ذلك، والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد إنما حمله على ذلك مخالفة الهوى الدَّاعي له إلا أماكن اللَّذات، والمتصدِّق المُخْفي لصدقته عن شماله لولا قهره لهواه لم يقدر على ذلك، والذي دَعَتْهُ المرأة الجميلة الشريفة فخاف الله عز وجل وخالف هواه، والذي ذكر الله عز وجل خاليًا ففاضت عيناه من خشيته، إنما أوصله إلى ذلك مخالفة هواه، فلم يكن لحَرِّ الموقف وعرقه وشدته سبيل عليهم يوم القيامة، وأصحاب الهوى قد بلغَ منهم الحرُّ والعرقُ كل مبلَغ وهم ينتظرون بعد هذا دخول سجن الهوى.)
أخي: وإنه لمن المناسب أن أُذَيل بدُرَّتَيْن ذلك الثَّوب الباهر الصنعَة الذي أبْدَعَ صِنْعَتهُ الإمام ابن القيم برائع عباراته.. وإليك الدُّرَّتَيْن..
إذا طالبتك النفس يومًا بحاجةٍ | ||||
فكانَ عليها للقَبيح طَريقُ | ||||
فدعْها وخالف ما هويت فإنما | ||||
هواكَ عدوٌّ والخِلافُ صَدِيقُ | ||||
أخي المسلم: ذاك هو (الهوى!) أَلَسْتَ معي أخي أنه الدَّاء الأعظم؟!
أَلَسْتَ معي أخي أنه السَّرطان الذي انتشر شره؟!
أَلَسْتَ معي أخي أنه سبب كل مصيبة وشر؟!
ألَسْتَ معي أخي أنه هو الذي أفسد الصَّغير والكبير؟!
أَلَسْتَ معي أخي أنه سبب الغفلة والإعراض عن الله تعالى؟!
أَلَسْتَ معي أخي أنَّ زواله سبب أكيد لانتصار الفضيلة والأخلاق الجميلة؟!
أخي: إن الهوى هو داء كما عرفته ولكل داء علاجه.. وها أنا أسوق إليك أخي وصفات علاجه كما نصح بها العارفون.
أخي: إن زوال سلطان دولة الهوى يبدأ معك أولاً: بالعزم الصادق، وهذا يحتاج إلى صبر، ومجاهدة، ويهوِّن عليك ذلك أخي:
* التفكر في أن الإنسان لم يُخْلَقْ للهوى وإنما هُيِّئ للنَّظر في العواقب والعمل للأجل؛ ويدل على ذلك أن البهيمة أكمل حظًا في نيل الشهوات! فلو كان ذلك فضلاً لما بُخِسَ حَق الإنسان منه.
* التفكر في الآفات القبيحة للهوى من مرض وقُبْح ذكر وغير ذلك.
* التَّفكُّر في انقضاء غرضه من هواه، ثم التَّفكُّر في الأذى الحاصل فيجده أضعاف ما ناله من الشَّهوة.
* التَّفكُّر ما لو وقع ذلك من غيره، ثم التَّفكُّر في عاقبة ذلك فسيعلم ما في ذلك من الآفات.
* التَّفكُّر في مطالب الهوى فسيجد أن ذلك ليس بشيء ولكن عين الهوى عمياء.
* التَّفكُّر في عاقبة النَّصر على الهوى وما يعقب ذلك من عز النَّصر.
* التَّفكُّر في عاقبة ترك الهوى وما يناله من اكتساب الذِّكر الجميل بين الناس، والأجر في الآخرة، والتَّفكُّر في عكس ذلك وما يناله متَّبع الهوى من سوء الذِّكر بين الناس والعذاب في الآخرة. ابن الجوزي/ بتصرف واختصار.
أخي في الله: إن هزيمتك لجنود الهوى طريقك لسلوك طريق السعادة الحقيقية.. سعادة تجد لذَّتها في الدنيا، طمأنينة.. وسكينة.. وقُرَّة عين.. وسعادة دائمة في دار الخلود.. في جنَّات الله ونعيمه المقيم {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات].
وأيَّدني الله وإياك على غلبة الهوى.. وجعل مأواي ومأواك فردوسه الأعلى.. والحمد لله تعالى في الختام.. والصلاة على نبيه وآله وأصحابه والسلام.