×
كتيب يرشدك إلى بعض طرق السعادة وأسبابها وصورها، مع جولة مع السعداء وأقوالهم.

 السعادة : حقيقتها - صورها - أسباب تحصيلها

القسم العلمي بمدار الوطن


 المقدمة

الحمد لله وحده.. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

إلى الباحثين عن السعادة اللاهثين وراءها!!

إلى الذين يريدون حياة طيبة هنيئة مطمئنة!!

إلى الذين أفقدهم الخوف والقلق كل معاني الأمن والاستقرار!!

إلى الذين وقعوا في أوهام السعادة الزائفة فلم يجنوا منها إلا الحسرة والندم!!

إلى الذين يشعرون بالشقاء يحيط بهم من كل جانب!!

هذا طريق السعادة واضح لذي عينين..

وهذا سبيل النجاة ينتظر السالكين..

وهذا درب الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة.

فأين الباحثون عن السعادة؟ أين المشمرون لها؟

أين الغائصون في بحارها؟

 أوهام السعادة

ماذا لو أخذنا عينات عشوائية من البشر، مختلفة في أديانها، وأماكنها، وألسنها، وألوانها، وعاداتها، ووظائفها واتجاهاتها وسألنا أفرادها:

ما غايتكم من الحياة؟ لو فعلنا ذلك لوجدنا أن إجاباتهم جميعًا واحدة: لا نريد إلا السعادة!

فالسعادة: هي الغاية المنشودة، والجنة الموعودة التي يسعى إليها البشر أجمعون.

فالمؤمن بإيمانه يسعى إلى السعادة.

والكافر بكفره ينشد السعادة.

والسارق بسرقته يريد السعادة.

والزاني بزناه يروم السعادة.

وجامع المال يريد بجمعه السعادة.

وصاحب السلطان والمناصب يريد بذلك السعادة.

وصاحب الأسفار المتنقل بين البلدان يسعى في تحصيل السعادة.

وعلى الرغم من أن الناس جميعًا يطلبون السعادة، إلا أن غالبيتهم لم يعرفوا السعادة الحقيقية، ولم يهتدوا إلى طريقها وإن شعروا بجانب من اللذة والفرح والانبساط في الدنيا فإن عوامل الخوف والقلق والتنغيص والندم والاضطراب تعكر عليهم صفو حياتهم، وتذهب لذاتهم وتجعلهم في خوف دائم من المستقبل وخاصة من الموت الذي يكرهونه ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجمعة: 8].


 العالم اليوم

إن العالم اليوم يعيش حالة من القلق والاضطراب النفسي والعصبي والشقاء والخوف الدائم مما يسمونه المجهول.

فقد انتشرت الأمراض الخطيرة التي عجز الطب الحديث عن علاجها، بل عن معرفة أسبابها وسبل الوقاية منها.

فمرض الإيدز يقتل الملايين من البشر كل عام.

ومرض السرطان بأنواعه المختلفة يفتك بالملايين.

والتلوث البيئي يفتك بالملايين.

والمخدرات والمسكرات تفتك بالملايين.

والشذوذ الجنسي بأنواعه يعصف بالعالم.

والجرائم على اختلاف طرقها وبواعثها في ازدياد مستمر.

والحروب بين الدول أو بين أبناء الأمة الواحدة تتنامى بشكل ملحوظ.

والفقراء في العالم يموتون بسبب الأوبئة والأمراض وسوء التغذية.

فأي عالم هذا؟ وأي سعادة تتحقق مع وجود هذه الشرور؟

ويظل المرء حائرًا وسط هذا الاضطراب الذي يموج بالعالم موج البحر !! ويتساءل في يأس وقلق.

أي طريق يسلك؟ وأي واد يؤم؟ وأي سبيل يقصد؟

 سعادة الغرب

إن كثيرًا من الناس ينظرون للعالم الغربي نظرة إجلال وإكبار، ويحسبون أنهم يعيشون قمة السعادة والأمن والاطمئنان والحقيقة تؤكد عكس ذلك، والواقع يشهد بأن أهل الغرب الآن يعيشون أسوأ فترات حياتهم، وتؤكد ذلك الإحصائيات التي تصدر عن الوكالات والمؤسسات الغربية نفسها.

بريطانيا

من أحدث الدراسات دراسة نشرتها مؤسسة دراسات الرقابة الاجتماعية الأوربية أشارت إلى ثمانين في المائة من النساء البريطانيات اللائي تتراوح أعمارهن بين العشرين والخامسة والثلاثين عامًا؛ يشعرن بالخطر من السير بمفردهن في شوارع العاصمة والمدن الداخلية الكبرى خشية وقوعهن ضحايا جرائم الاغتصاب والعنف.

وأضافت الدراسة أن امرأة من بين كل أربع نساء في المرحلة العمرية نفسها (20-35 عامًا) تحمل سكينًا أو سلاحا في حقيبتها أثناء تجوالها في شوارع العاصمة والمدن الداخلية الكبرى.

وفي تقرير آخر تشير الإحصائيات إلى أن جرائم الاغتصاب بلغت 24% في مختلف أنحاء البلاد، بينما تصل في لندن إلى 50%.

أمريكا

تقول: مجلة النيوزويك الأمريكية: إن الزائر لأمريكا في عام 1994م اكتشف أنه لا يوجد طفل واحد في الشارع، فأي أسرة لا تجرؤ على السماح لأولادها بالخروج بمفردهم، وإلا تعرضوا للخطف أو الاعتداء أو الاغتصاب.

وهذه بعض الإحصائيات التي أوردتها المجلة:

1- زادت حالات الاعتداء على الأطفال بنسبة 40 في المائة بين عام 1985م وعام 1993م.

2- اعترف أكثر من نصف الأطفال الأمريكيين أنهم يعيشون في رعب من جرائم العنف.

3- وعلى المستوى الرسمي أعلنت وزارة العدل الأمريكية أن نسبة جرائم الأحداث وتشمل الجرائم الخطيرة مثل القتل زادت بنسبة 68 في المائة.

4- وارتفعت حالات الاعتداءات العنيفة بنسبة 80 في المائة في عام 1993م حتى بلغت 77 ألفًا و900 جريمة.

5- وارتفعت معدلات السرقة بنسبة 52 في المائة والاغتصاب بنسبة 27 في المائة.

6- مائتان في المائة (200%)  بلغت نسبة الزيادة في عدد الأسر التي يعيش أطفالها في حضانة أحد الأبوين، وذلك بسبب الطلاق أو الانفصال مقارنة بالسبعينات([1]) .

ولا غرابة إذن أن يقول أحد المفكرين الغربيين: إن الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء!!

 سعادة أم شقاء؟

أما على مستوى الأفراد فهذه مارلين مونرو ممثلة الإغراء والجنس الشهيرة التي أحاطت بها الأضواء من كل جانب، ماتت منتحرة، وقد اكتشف المحقق الذي كان يدرس قضية انتحارها رسالة كتبتها قبل وفاتها إلى فتاة تطلب نصيحتها عن الانخراط في التمثيل فكتبت إليها تقول: احذري المجد.. احذري كل من يخدعك بالأضواء.. إني أتعس امرأة على هذه الأرض.. لم أستطع أن أكون أمًا.. إني امرأة أفضل البيت.. الحياة العائلية الشريفة أفضل من كل شيء.. إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة.. إن هذه الحياة العائلية هي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية [زهرة نسائية].

أذاعت بعض الإذاعات مكالمة تليفونية منذ أعوام بين المغني عبد الحليم حافظ والممثل العالمي عمر الشريف سأله فيها عبد الحليم فقال له: يا عمر! أنت سعيد؟ فقال له؟ عمر الشريف: أنا ما ذقت طعم السعادة.. [طريق السعادة].

 السعادة الحقيقية

هناك طائفة واحدة من الطوائف السابقة هم الذين أصابوا كبد الحقيقة، وعرفوا طريق السعادة فسلكوها، وطريق الشقاوة فاجتنبوها، لقد نظر هؤلاء أبعد مما يرون، وتجاوزت نظرتهم حدود الحياة إلى ما بعد الموت، إنهم المؤمنون بالله الذين رأوا السعادة في طاعة الله ورضوانه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والوقوف بين يديه ومناجاته، ومحبته، وإنزال الحاجات به، والانطراح بين يديه والتفكر في مخلوقاته، ومطالعة آياته في الكون والأنفس, وقراءة كلامه وتدبر أحكامه.

وقد يكون الواحد من هؤلاء لا يملك قوت يومه، ولكنه سعيد حق السعادة؛ مسرور حق السرور، وكأنه ملك الدنيا وما عليها، قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58].

وقال الشاعر:

ولست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقى هو السعيد

 بصيرة المؤمن

وإذا كان أغلب البشر يقفون حائرين.. متسائلين:

أي طريق يسلكون؟ وأي واد يؤمون؟ وأي سبيل يقصدون؟

فإن المؤمن لا تنتابه هذه الحيرة، ولا يعتريه هذا القلق والاضطراب.

فالطريق: واضح أمامه، وبريق السعادة يلوح في الأفق.. والأمل في السعادة الكبرى يدفعه إلى تحمل المشاق، ومتابعة المسير، فيأخذ في قطع المراحل الموصلة إلى غايته مرحلة مرحلة، فكلما قطع مرحلة لاحت له مرحلة أخرى، فلا يزال يقطع المراحل مهاجرًا إلى ربه مع تحمل التعب و المشاق، حتى تصير سعادته في هذا السفر وفي تلك المشقة، فإذا مات على ذلك لم يفته شيء من الدنيا، وفاز بالسعادة الأبدية في الآخرة، وإذا ظل سائرًا ظل في ترق وصعود إلى الدرجات العالية والمنازل الرفيعة.

 بشارات الوحي

وتأتي بشارات الوحي لتثبت المؤمن وتبشره وتطمئنه بأنه سائر على الدرب الصحيح والطريق الجادة: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153].

فإذا تساءل:

ما هي منازل السعداء؟ وما هي منازل الأشقياء؟

جاءت إجابة الوحي: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: 106-108].

وإذا تساءل:

ماذا نفعل لكي نكون من السعداء؟

إجابة الوحي: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123، 124].

وقال له أيضًا:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].

وتزداد سعادة المؤمن كلما أقبل على ربه، وأخلص له واتبع هداه، وتقل سعادته بحسب تفريطه في ذلك.

فالمؤمن هادئ البال مستريح الضمير، طيب النفس، مطمئن الخاطر، يعلم أن له ربًا أزمّةُ الأمور بيده، وقوانين العالم جميعها لا تخرج عن سلطانه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير له، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له».

أليست هذه قمة السعادة؟!

 صور من السعادة

السعادة: شيء معنوي لا يرى بالعين ولا يقاس بالكم، ولا تحتويه الخزائن، ولا يشترى بالدنيا أو الدولار.

السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه... صفاء نفس وطمأنينة قلب، وانشراح صدر، وراحة ضمير.

السعادة: شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه.

امرأة سعيدة

حدثوا أن زوجًا غاضب زوجته فقال لها متوعدًا: لأشقينك!! فقالت الزوجة في هدوء لا تستطيع أن تشقيني كما لا تملك أن تسعدني!

فقال الزوج في حنق: وكيف لا استطيع؟ فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون! فقال الزوج في دهشة: وما هو؟

فقالت: الزوجة في يقين: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي.

 سعادة الرضا والقناعة

كتب ف. س بودلي تحت عنوان «عشت في جنة الله» قال: (في عام 1918 أوليت ظهري للعالم الذي عرفته طيلة حياتي، ويممت شطر إفريقية الشمالية الغربية حيث عشت بين الأعراب في الصحراء، وقضيت هناك سبعة أعوام أتقنت خلالها لغة البدو، وكنت أرتدي زيهم، وآكل من طعامهم، وأتخذ مظاهرهم في الحياة، وغدوت مثلهم أمتلك أغنامًا وأنام كما ينامون في الخيام.

وقد تعمقت في دراسة الإسلام حتى إنني ألفت كتابًا عن محمد - صلى الله عليه وسلم - عنوانه «الرسول» وقد كانت تلك الأعوام التي قضيتها مع هؤلاء البدو الرحل من أمتع سني حياتي وأحفلها بالسلام والاطمئنان والرضا بالحياة.


 تغلب على القلق

يقول: وقد تعلمت من عرب الصحراء التغلب على القلق، فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلاً هينًا.

فهم لا يلقون أنفسهم بين براثن الهم والقلق على أمر، إنهم يؤمنون بأن ما قدر يكون وأنه لا يصيب الفرد منهم إلا ما كتب الله له، وليس معنى ذلك أنهم يتواكلون أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيدي.. كلا.. ودعني أضرب مثلاً لما أعنيه.

 ثبات في المحن

يقول: هبت ذات يوم عاصفة عاتية، حملت رمال الصحراء، وعبرت بها البحر الأبيض المتوسط، ورمت بها وادي الرون في فرنسا وكانت العاصفة حارة شديدة الحرارة حتى أحسست كأن شعر رأسي ينتزع من منابته، لفرط وطأة الحر، وأحسست من فرط القيظ كأنني مدفوع إلى الجنون، ولكن العرب لم يشكوا إطلاقًا فقد هزوا أكتافهم وقالوا كلمتهم المأثورة: «قضاء مكتوب» ولكنهم ما إن مرت العاصفة حتى اندفعوا إلى العمل بنشاط كبير فذبحوا صغار الخراف قبل أن يودي القيظ بحياتها، ثم ساقوا الماشية إلى الجنوب نحو الماء، فعلوا هذا كله في صمت وهدوء دون أن تبدو من أحدهم شكوى.. قال رئيس القبيلة: لم نفقد الشيء الكثير، فقد كنا خلقاء بأن نفقد كل شيء ولكن حمدًا لله وشكرًا فإن لدينا نحو أربعين في المائة من ماشيتنا، وفي استطاعتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد [الإيمان والحياة].

 يبكي من السعادة

صاحب أعمال وأموال، كان يملك مجموعة من الشركات بالولايات المتحدة الأمريكية، وكان يعمل في أحد هذه الشركات شاب مسلم، وكان صاحب الشركات كلما مر عليه وجده متبسمًا، علامات السعادة بادية على وجهه وكان صاحب الشركات دائم الحزن والاكتئاب فسأله صاحب الشركات عن سبب هذه الابتسامة التي تنم عن الفرح والسعادة؟ فقال: لأنني مسلم! فقال له: لو أسلمتُ أجد هذه التي تحس بها؟ قال: نعم.

فأخذه: الشاب المسلم إلى  أحد المراكز الإسلامية، فشهد شهادة الحق، ثم انفجر في بكاء شديد، فسئل عن سبب هذا البكاء فقال: لأول مرة في عمري أجد طعم  السعادة ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر: 22] [طريق السعادة].

 عنوان السعادة

ذكر الإمام ابن القيم أن عنوان سعادة العبد ثلاثة أمور وهي: أنه إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر.

قال: فإن هذه الأمور الثلاثة هي عنوان سعادة العبد وعلامة فلاحه في دنياه وأخراه، لا ينفك عبدٌ عنها أبدًا.


 الشكر على النعماء

فالعبد دائم التقلب في نعم الله تعالى المترادفة عليه، ومع ذلك فإن أهل الإيمان وحدهم هم الذين يشعرون بهذه النعم، ويسعدون بها؛ لأنهم يقومون بشكرها والاعتراف والثناء بالفضل لموليها.

والشكر مبني على خمس قواعد:

الأولى: خضوع الشاكر للمشكور.

الثانية: حبه له.

الثالثة: اعترافه بنعمته.

الرابعة: ثناؤه عليه بها.

الخامسة: ألا يستعمل النعمة فيما يكره المنعم، فمن أقام هذه القواعد الخمس سعد في الدارين، ومن فرط في هذه القواعد الخمس شقي شقاوة لا سعادة بعدها.

 الصبر على البلاء

وكما أن هناك نعمًا ينبغي شكرها، فهناك أيضًا محن من الله تعالى، يُبتلى بها العبد، فيجب عليه فيها الصبر والتسلي.

وأركان الصبر هي:

1- حبس النفس عن التسخط بالمقدور.

2- وحبس اللسان عن الشكوى.

3- وحبس الجوارح عن المخالفة كاللطم، وشق الثياب ونتف الشعر والجزع ونحو ذلك.

فمدار الصبر على هذه الأركان الثلاثة فإذا قام بها العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبًا.

 التوبة والاستغفار

فإذا أراد الله سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة فتح له من أبواب التوبة والندم والانكسار والذل لله والافتقار إليه، والاستعانة به، وصدق اللجأ إليه، ودوام التضرع والدعاء، والتقرب إليه بما أمكن من الحسنات ما تكون تلك السيئة به سبب رحمة حتى يقول الشيطان عدو الله: يا ليتني تركته ولم  أوقعه.

وهذا معنى قول بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب يدخل به الجنة، ويعمل الحسنة يدخل بها النار !! قالوا: كيف؟ قال: يعمل الذنب فلا يزال نصب عينيه خائفًا منه مشفقًا وجلاً باكيًا نادمًا مستحيًا من ربه تعالى، ناكس الرأس بين يديه، منكسر القلب له، فيكون ذلك الذنب سبب سعادة العبد وفلاحه حتى يكون ذلك الذنب أنفع له من طاعات كثيرة لما ترتب عليه من هذه الأمور التي بها سعادة العبد وفلاحه.


 آفة العجب والغرور

ويفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه، ويتكبر بها، ويرى نفسه ويعجب بها ويستطيل بها ويقول: فعلت وفعلت، فيورثه ذلك من العجب والكبر والفخر والاستطالة ما يكون سبب هلاكه، فإذا أراد الله بهذا المسكين خيرًا ابتلاه بأمر يكسره به، ويذل به عنقه، ويصغر به نفسه عنده، وإن أراد به غير ذلك خلاه وعجبه وكبره، وهذا هو الخذلان الموجب لهلاكه.

 إليك يا من تبحث عن السعادة

قل للذي يبغي السعادة

هل علمت من السعيد

إن السعادة أن تعيش

لفكرة الحق التليد

لعقيدة كبرى تحل

قضية الكون العتيد

وتجيب عما يسأل

الحيران في وعي رشيد

من أين جئت؟ وأين اذهب ؟

لم خُلقت؟ وهل أعود؟

فتشيع في النفس اليقين

وتطردً الشك العنيد

وتعلم الفكر السوي

وتصنع الخُلق الحميد

وترد للنهج المسدد

كل ذي عقل شرود

تعطي حياتك قيمة

رب الحياة بها يشيد

ليظل طرفك رانيًا

في الأفق للهدف البعيد

فتعيش في الدنيا لأخرى

لا تزول ولا تبيد

وتمد أرضك بالسماء

وبالملائكة الشهود

وتريك صنع الله في

مرآة نفسك والوجود

 جولة مع السعداء

هذه جولة : نتعرف من خلالها على صفات وأقوال وأحوال بعض السعداء، الذين أدركوا معنى السعادة الحقيقية وذاقوا حلاوتها في الدنيا قبل الآخرة.

إنهم الطائعون لربهم.. المخلصون له.. العابدون.. الراكعون.. الساجدون.. الصائمون.. الذاكرون.. الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

فسعادة العبد في طاعته لربه عز وجل، ورضاه بقضائه وقدره، واستسلامه لأمره ونهيه.

 علاج الهم والحزن

أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى علاج الهم والحزن الذي يطرد عن الإنسان الضيق ويجعله فرحًا مسرورًا قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما أصاب أحدًا قط همٌ ولا غمٌ ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحًا»([2]) .

 المعاصي سبب الشقاء

قال الإمام ابن الجوزي: من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، ونجا من شرها.

ومن لم ير العواقب غلب عليه الحس، فعاد عليه بالألم ما طلب منه السلامة، وبالنصب ما رجا منه الراحة.

وبيان هذا في المستقبل يتبين بذكر الماضي، وهو أنك لا تخلو أن تكون عصيت الله في عمرك أو أطعته.

فأين لُذة معصيتك؟! وأين تعبُ طاعتك؟! هيهات! رحل كل بما فيه! فليت الذنوب إذا تخلت خلت!!

وأزيدك في هذا بيانًا: مثل ساعة الموت، وانظر إلى مرارة الحسرات على التفريط، ولا أقول كيف تغلب حلاوة اللذات؛ لأن حلاوة اللذات استحالت حنظلاً فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم!

أتراك ما علمت أن الأمر بعواقبه؟! فراقب العواقب تسلم، ولا تمل مع هوى الحسن فتندم.

 أقوال السعداء

قال الحسن البصري: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.

 اللذة الحقيقية

قال مالك بن دينار: ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله تعالى.

وقال بعضهم: أهل الليل في ليلهم ألذ من أ هل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.

وقال بعضهم: عالجت قيام الليل سنة، وتمتعت به عشرين سنة.

وقال بعضهم : أنا منذ أربعين سنة ما أزعجني إلا طلوع الفجر.

وقال إبراهيم بن أدهم: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف.

وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا، إنهم لفي عيش طيب.

 جنة الدنيا

حكى الإمام ابن القيم: عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يقول: «إن في الدنيا جنة، من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة».

وقال لي مرة: ما يصنعُ أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري.. إن رحت فهي معي لا تفارقني. إن حبسي خلوة.. وقتلي شهادة.. وإخراجي من بلدي سياحة.

وكان يقول في محبسه بالقلعة: لو بذلت ملء القلعة ذهبًا ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير.

وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى.. والمأسور من أسره هواه.

ولما دخل القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: 13].

 إضاءة نبوية

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له»([3]) ­.

وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من  أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»([4]) .

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى من هو  أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم»([5]) .

فيا أخي الحبيب:

السعادة في الرضا.

السعادة في القناعة.

السعادة في العبودية لله رب العالمين، وترك عبودية من سواه كما قيل:

أطعت مطامعي فاستعبدتني

ولو أني قنعت لكنتُ حرًا

 طريق السعادة

للسعادة طريق واحد، وللشقاء طرق متعددة، والعاقل من ينظر فيما يوصله إلى هذا الطريق ثم يسلكه، فكم من مريد للسعادة قد ضل الطريق إليها، فتجاذبه طرق الضلال والأهواء فهلك.

قال ابن القيم: ومما ينبغي الاعتناء به علمًا ومعرفة وقصدًا وإرادة: العلم بأن كل إنسان، بل كل حيوان يسعى فيما يحصل له اللذة والنعيم وطيب العيش (السعادة) وهذا مطلوب صحيح يتضمن ستة أمور:

أحدها: معرفة الشيء النافع للعبد الملائم له، الذي بحصوله لذته وفرحه وسروره وطيب عيشه .

الثاني: معرفة الطريق الموصلة إلى ذلك.

الثالث: سلوك تلك الطريق.

الرابع: معرفة الضارّ المؤذي المنفّر الذي ينُكد عليه حياته.

الخامس: معرفة الطريق التي إذا سلكها أقضت به إلى ذلك.

السادس: تجنب سلوكها.

فهذه ستة أمور لا تتم لذة العبد وسروره وفرحه وصلاح حاله إلا باستكمالها، وما نقص منها عاد بسوء حاله وتنكيد حياته.

 اللذة التامة

فاللذة التامة والفرح والسرور، وطيب العيش والنعيم، إنما هو معرفة الله، وتوحيده، والأنس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمّ عليهن فإن أنكد العيش عيش من قلبه مشتت وهمه مفرق، فليس لقلبه مستقر يستقر عنده ولا حبيب يأوي إليه ويسكن إليه كما أفصح القائل عن ذلك بقوله:

وما ذاق طعم العيش من لم يكن له

حبيب إليه يطمئن ويسكن

 السعادة بالله

فالعيش الطيب، والحياة النافعة، وقرة العين في السكون والطمأنينة إلى الحبيب الأول ولو تنقل القلب في المحبوبات كلها، لم يسكن ولم يطمئن إلى شيء منها كما قال القائل:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدًا لأول منزل

 نصيحة وبشرى

فاحرص (أخي) أن يكون همك واحدًا وأن يكون هو الله وحده، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة، وفي نعيم عاجل (يشبه نعيم أهل الجنة).

وليس في الدنيا نعيم يشبه نعيم أهل الجنة إلا هذا.

ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»([6]) .

وقرة العين فوق المحبة، وإنما تقر العين بأعلى المحبوبات الذي يحب لذاته وليس ذلك إلا الله الذي لا إله إلا هو، وكل ما سواه فإنما تُحب تبعًا لمحبته، فتحب لأجله ولا يحب معه، فإن الحب معه شرك، والحب لأجله توحيد [رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه].

 السعادة بالعلم

قسم ابن القيم رحمه الله أنواع السعادة التي تؤثرها النفوس إلى ثلاثة أقسام.

السعادة الأولى: سعادة خارجية عن ذات الإنسان، وهي سعادة المال والحياة، فبينما المرء بها سعيدًا ملحوظًا بالعناية مرموقًا بالأبصار، إذ أصبح في يوم واحد أذل إنسان وأحقره، وكذلك فإن اللذة الحاصلة بالمال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية. فإن التذ صاحب المال بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية، وإن التذ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية.  وكذلك فإن اللذة الحاصلة بالمال إنما هي حال تجدده فقط، وأما حال دوامه فإما أن تذهب تلك اللذة وإما أن تنقص.

السعادة الثانية: سعادة في جسمه وبدنه، كصحته و اعتدال مزاجه، وتناسب أعضائه وصفاء لونه، وقوة أعضائه فهذه ألصق به من الأولى، ولكن هي في الحقيقة خارجة عن ذاته وحقيقته، فإن الإنسان إنسان بروحه وقلبه لا بجسمه وبدنه كما قيل:

يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته

فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

فسعادة مثل هذا بصحته وجماله وحسنه سعادة خارجة عن ذاته وحقيقته.

السعادة الثالثة: هي السعادة الحقيقية، وهي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلم النافع ثمرته، فإنها هي الباقية على تقلب الأحوال، والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره، وفي دوره الثالث أعني دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وبها يترقى معارج الفضل ودرجات الكمال.

 جهل الخلق

لو تساءلت: إذا كانت ثمرة هذه السعادة ما ذكرت فلماذا أعرض أكثر الناس عنها؟

والجواب: إنما رغب أكثر الخلق عن اكتساب هذه السعادة وتحصيلها وعورة طريقها وتعب تحصيلها، وأنها لا تنال إلا على جسر من التعب، ولا تحصل إلا بالجد بخلاف السعادتين الأوليين قال الشاعر:

لولا المشقة ساد الناس كلهم

الجود يفقرُ والإقدام قتالُ

فالمكارم منوطة بالمكاره، والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر المشقة، فلا تقطع مسافتها إلا سفينة الجد والاجتهاد.

قال مسلم في صحيحه: قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.

وقد قيل: من طلب الراحة ترك الراحة.

فيا وصل الحبيب أما إليه

بغير مشقة أبدًا طريق

ولولا جهل الأكثرين بحلاوة هذه اللذة وعظم قدرها لتجالدوا عليها بالسيوف، ولكن حفت بحجاب من المكاره، وحجبوا عنها بحجاب من الجهل؛ ليختص الله لها من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم [من مفتاح دار السعادة].

 أسباب السعادة

كثير من الناس يفضلون تفصيل القول في مفردات السعادة، ولا يكتفون بالقول المجمل الذي رد السعادة إلى طاعة الله ومحبته و الإقبال عليه، وعكوف القلب على مشاهدة مننه وآياته ولهؤلاء نقول:

إن للسعادة أسبابًا كثيرة منها:

1- التوحيد والإيمان:

فعلى حسب كمال توحيد العبد وإيمانه تكون سعادته وانشراح صدره.

قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: 125] .

وقال تعالى: ﴿مَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن: 11].

2- تزكية النفس:

فمن اجتهد في تزكية نفسه وترقيتها حتى يبلغ درجة الإحسان فقد فاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، والنفس تزكو بالتوحيد، وفعل الواجبات وترك المحرمات والاجتهاد في نوافل الطاعات.

3- الصلاة:

فالصلاة من أعظم أسباب السعادة، ولذلك فقد جعلت قرة عين النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة؛ لما فيها من مناجاة للخالق سبحانه، والتنعم بذكره، والتذلل   والخضوع له، والقرب منه ولا سيما في حال السجود، وتلك الحال أقرب ما يكون العبد فيها من ربه. ولذلك فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يقول لبلال: «يا بلال، أرحنا بالصلاة». [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

فالمؤمن يسعد بالصلاة ويطمئن لها ويحب أوقاتها ويستريح بها، فأين هذا من قول القائل: نصلي ونستريح من الصلاة؟!

4- الرضا والقناعة:

إن شعور الإنسان بالرضا والقناعة من أعظم أسباب السكينة النفيسة التي هي سر السعادة، فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر أو نحوه من الأعراض، تجده راضيًا قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمرًا لم يقدر له، بل ينظر إلى من هو  دونه ولا ينظر إلى من هو فوقه، فهو راض عن ربه، موقن تمام اليقين بأن تدبير الله له أفضل من تدبيره لنفسه، ورحمته به أعظم من رحمة أبويه به، ولذلك فهو في سعادة دائمة ونعيم مستمر.

5- الإكثار من ذكر الله:

فذكر الله تعالى من أكبر أسباب انشراح الصدر وطمأنينة النفس، وله تأثير عجيب في زوال الهم والغم، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

6- العلم النافع:

فالعلم يشرح الصدر ويوسعه حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق و الحصر والحبس، وقد سبق الكلام عن السعادة بالعلم.

7- الإحسان  إلى الخلق:

ومن أسباب السعادة وانشراح الصدر:  الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرًا، وأطيبهم نفسًا وأنعمهم قلبًا.

8- ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم:

فالتفريط في هذه الأمور من مفسدات القلب التي تسبب له الآلام والغموم والضيق والحصر والعذاب الدائم، ولا يسعد القلب إلا بترك ذلك.

9- محبة الله تعالى والإنابة إليه:

فلا شيء أشرح لصدر العبد من محبته لربه والإنابة إليه والإقبال عليه، والتنعم بعبادته.

ومن أعظم أسباب التعاسة وضيق الصدر: الإعراض عن الله تعالى، والغفلة عن ذكره، وتعلق القلب بغيره ومحبة سواه.

10- التوبة والاستغفار.

11- الشكر على النعماء.

12- الصبر على البلاء: وقد تقدم أن هذه الثلاثة هي عنوان السعادة.

13- الدعاء وتلاوة القرآن:

فكل واحد يحس حال الدعاء وتلاوة القرآن بسكينة وطمأنينة وانشراح صدر لا يشعر بها إلا في هذا الموضع.

14- قوة القلب وثباته:

فمتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام، ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله، وطمع في فضله، اندفعت عنه الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية.

15- صحبة الأخيار:

فإن الطبع يسرق من خصال المخالطين، فإذا خالط المرء أهل السعادة تأثر بهم وحذا حذوهم، وإذا خالط أهل الشقاوة شقي مثلهم.

16- الطموح والتفاؤل والأمل:

فإن الاستسلام لليأس والقنوط يورث الهم والغم والحزن والقلق والاضطراب وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحب الفأل ويكره الطيرة»[رواه أحمد والبيهقي وصححه الألباني].

17- طوال العمر مع حسن العمل:

فعن  أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟: قال: «من طال عمره وحسن عمله» قال: فأي الناس شر؟ قال: «من طال عمره وساء عمله» [أحمد والترمذي].

18- بر الوالدين وصلة الأرحام:

فإذا بر الإنسان والديه ووصل أرحامه شعر بالسعادة والطمأنينة، وانشراح الصدر، وإذا عقّ والديه وقطع أرحامه شعر بالضيق والذنب والهم والقلق.

19- الكسب الحلال:

فالمرء إذا شعر أنه يأكل مالاً حلالاً طيبًا استراح قلبه واطمأنت نفسه، أما إذا كان مطعمه حرامًا ومشربه حرامًا وملبسه حرامًا فإنه يكون خبيث النفس، مضطرب الفؤاد، ينتظر في أي لحظة أن ينكشف أمره وينادي عليه بالفضيحة والعار.

20- الزوجة والجار والمركب والمسكن:

فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: المرأة السوء، و الجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق»([7]) .

وهناك أسباب أخرى للسعادة غير هذه يصعب حصرها، فكل ما  أمر الشارع وحث عليه ورغب فيه فهو من أسباب السعادة، وكل ما نهى عنه وحذر منه فهو من أسباب الشقاء.

 هذا السعيد

هذا لعمري شأن ذي الإيما

ن أو شأنُ السعيد !

لا حزنَ لا ندم  على  

أمس فأمس لا يعود

لا خوف من غده فخو

ف غد ظنونٌ لا تفيد!

لا حرص لا طمعٌ فدا

ءُ الحرص كم يفري الكبود!

فلئن يعش فهو السعيد

وإن يمت فهو الشهيد !

قل للذي نشد السعادة

دونك النبعُ الفريد!

إن السعادة منك لا تأتيك

من خلف الحدود!

هي بنتُ قلبك بنتُ عقلك

ليس تُشرى بالنقود!

فاسعد بذاتك أو فدعْ

أمر السعادة للسعيد!!

[نفحات ولفحات].



([1]) صراخ الفطرة.

([2]) رواه أحمد وصححه الألباني.

([3]) رواه الترمذي وصححه الألباني.

([4]) رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه الألباني.

([5]) رواه مسلم.

([6]) صحيح رواه أحمد والنسائي.

([7]) رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني.