×
قالوا عن الإسلام : هذا الكتاب يقدم مجموعة من الشهادات المنصفة في حق الإسلام، وقرآنه الكريم ونبيه العظيم، وتاريخه وحضارته ورجاله، وهذه الشهادات صدرت عن أعلام معظمهم من غير المسلمين، فيهم السياسي والأديب والشاعر والعالم، والعسكري، والرجل والمرأة. - يتضمن الكتاب مدخلاً وسبعة فصول، تتفاوت في مساحاتها استناداً إلى حجم المادة المرصودة في كل فصل. حيث يتحدث الفصل الأول عما قيل في (القرآن الكريم)، ويتحدث ثانيها عن (رسول الله صلى الله عليه وسلم): الشخصية والسيرة والحديث والسنة، بينما يتجه ثالثها، وهو أكبرها حجمًا إلى (الإسلام) بكافة جوانبه العقيدية والتشريعية والتعبدية والأخلاقية والسلوكية. أما الفصل الرابع الذي يتميز باتساع رقعته، أسوة بالذي سبقه، فينتقل للحديث عن معطيات الإسلام التاريخية بصدد اثنتين من أهم المسائل: الانتشار ومعاملة غير المسلمين. وهما مسألتان مرتبطتان أشد الارتباط، متداخلتان كنسيج واحد ولذا تم تناولها في إطار فصل واحد. وأما الفصل الخامس الذي يميز هو الآخر باتساعه، فيقف عند المعطيات الحضارية، محاولاً قدر الإمكان تجاوز التفاصيل والجزئيات، مركزًا على الشهادات ذات الطابع الاستنتاجي والتقييمي، وبخاصة تلك التي تتحدث عن أبعاد الدور العالمي الذي لعبته حضارة الإسلام في مجرى التاريخ. أما الفصلان الأخيران الأصغر حجمًا فيعالج أحدهما بعض ما قيل بصدد جانب مهم من النسيج الاجتماعي للإسلام والمجتمع الإسلامي: المرأة والأسرة، ويتناول ثانيهما نماذج من الشهادات التي قيلت عن واقع الإسلام الراهن ومستقبله القريب والبعيد.

قالوا عن الإسلام

إعداد / الدكتور عماد الدين خليل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم المرسلين، وعلى من دعا بدعوته إلى يوم الدين. وبعد:

يطيب للندوة العالمية للشباب الإسلامي أن تضع بين يدي القارئ الكريم هذا العمل العلمي الجديد (قالوا عن الإسلام) الذي ألفه لها الدكتور عماد الدين خليل.

وقد بدأت فكرة هذا الكتاب عندما أعدت الندوة عددًا من النشرات باللغة الإنجليزية للتعريف بالإسلام لغير المسلمين كان من بينها ثلاث مطويات هي:

1- ماذا قالوا عن الإسلام.

2- ماذا قالوا عن القرآن.

3- ماذا قالوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقد لاقت تلك النشرات استحسانًا كبيرًا، وأصبحت مادة الدعوة للإسلام داخل المملكة وخارجها وترجمت إلى عدد كبير من اللغات الحية، ومن هنا نشأت فكرة تأليف كتاب جامع لهذه الشهادات، ولقد فكرت الندوة طويلاً في الفكرة ثم أعدت ورقة العمل التي توضح أمرها واستشارت فيها عددًا من العلماء في الداخل والخارج فجاءت الردود مشجعة جدًا، مما يدل على أن هذا الكتاب المقترح سوف يسد – إن شاء الله – ثغرة يحتاج المسلمون إلى سدها. فطلبت الندوة من الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل أن يقوم بتحمل هذا العبء الكبير، فنهض بالكتاب نهوضًا مشكورًا نرجو أن يجده في ميزان حسناته، فقد دقق وتابع واستقصى ومهد بمقدمة مركزة أثرت الكتاب الذي جاء ثمرة لجهده ومعاناته ودل على أكاديمية مخلصة ودقيقة.

وهذا الكتاب يقدم مجموعة من الشهادات المنصفة في حق الإسلام، وقرآنه الكريم ونبيه العظيم، وتاريخه وحضارته ورجاله، وهذه الشهادات صدرت عن أعلام معظمهم من غير المسلمين، فيهم السياسي والأديب والشاعر والعالم، والعسكري، والرجل والمرأة.

وهذه الشهادات تؤكد أن الدنيا لا تخلوا من أحرار الفكر الذين يمكن أن يصلوا إلى الحق أو إلى جوانب منه، ويؤدوا حق الشهادة في ذلك. وإذا كان هذا يشكل بالنسبة لنا مادة للفخر والسرور، فإنه يزيد اعتزازنا بهذا الدين ويلقي علينا مسئولية كبيرة، وهي أن ننهض بواجب البلاغ، متوقعين أن نحقق مساحة من النجاح تتوازى مع إخلاصنا وجهدنا.

وربما يؤخذ على الكتاب أنه اقتصر على الاستشهاد بأقوال الغربيين الذين سبقوا عشر السنوات الماضية، كما اقتصر على الرجوع للترجمات العربية بينما ينبغي الرجوع إلى مختلف اللغات ليكون البحث أكثر شمولاً، وأصدق تمثيلاً ولكن استحالة الاستيعاب والرغبة في الاقتصار على نماذج مختارة وحتى لا يطول الكتاب طولاً مملاً اقتصرنا على هذا الاختصار الذي نرجو أن لا يكون مخلاً.

كما نحب أن ننبه إلى أننا قد لا نتفق بالضرورة مع كل جزئية وردت في هذه الشهادة أو تلك، ذلك لأن لهؤلاء الشهود ظروفهم النفسية والاجتماعية التي قد تحجب عنهم جوانب من الحق، وكان من جملة أهدافنا أن نسوق شهادات غير المسلمين لأن (الحق ما شهدت به الأعداء)، كما تشكل تأكيدًا لقناعة المؤمنين وحافزًا لبعض المتشككين الذين يحسنون الظن فيمن ننقل عنهم من أساطين الحضارة الغربية.

وقد جمع المؤلف – جزاه الله خيرًا – مادة ضخمة من الشهادات والنقول التي رأت جمال الإسلام وكماله، ولكن الندوة تريد أن يحقق الكتاب هدفه بأيسر الطرق فاقترحت على المؤلف أن يختصر اختصارًا لا يخل بالمنهج وذلك بالإبقاء على عدد محدود من الشهادات لكل صاحب شهادة يفي بالهدف الذي اختيرت الشهادات من أجله وهذا الذي كان.

ولذلك فإن الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم هو الطبعة المختصرة من المشروع الأصلي للكتاب.

هذا وإننا نرحب بأي ملاحظة لدراستها والاستفادة منها في الطبعة الثانية، فالكمال لله عز وجل وحده، وكل عمل بشري بحاجة دائمة إلى المراجعة والتقويم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الأمين العام

للندوة العالمية للشباب الإسلامي

د. مانع بن حماد الجهني

ملاحظات في المنهج

(1)

يبدو أن العقل الغربي – عمومًا – يقف إزاء الإسلام في نقطة التوازن بين الشد والجذب باتجاهين متناقضين: النزعة العلمية الموضوعية والنزعة التحزّبية وكل ما يرتبط بها أو يوازيها من إحساس استعلائي تجاه كل ما هو شرقي، ورغبة منفعية في تدمير ثقة الشرقيين بأنفسهم.. إلى آخره.

بعض الغربيين يقدر على تخليص نفسه من أسر هذه النقطة فيميل إلى معالجة ما يتعلق بالإسلام معالجة موضوعية ويقترب من الحقيقة، بينما يندفع بعضهم الآخر باتجاه القطب المعاكس، فيقف موقفًا مضادًا يتأرجح بين السباب والشتيمة، وبين الحكم المنحاز المغطى من الخارج برداء العلمية وما هو منها بشيء.

وتبقى سائر المواقف الأخرى، كالموجب والسالب، متحركة على طَرفَيْ (النقطة) قربًا أو بعدًا.

إن ما قدّمه الغربيون عامة، والمستشرقون على وجه الخصوص، يتضمن الأبيض والأسود، إن على مستوى المنهج أو الموضوع، وليس كله سواء. بل إن الرجل منهم قد يتضمن كلامه، في نفس الوقت، الأبيض والأسود معًا، لأسباب عديدة منها قوة الجذب التي أشرنا إليها، ومنها الجهل ببعض المسائل، ومنها التأثيرات الذاتية والثقافية... إلى آخره.

"إن العقل الغربي الحديث – كما يقول سير هاملتون جب – يعسر عليه بوجه خاص، أن يقوم بمحاولة استكناه طبيعة المواقف الدينية لدى أناس تختلف نظرتهم إلى الكون اختلافًا بعيدًا عن نظرة (الغربي)، لأن الدين، سواء أكان في صورة قوة محسوسة، أو قوة ذات أثر روحي، يتطلب تدريب ملكة الإدراك الحدسي، أي يتطلب طفرة العقل التي تعبر خضم كل تلك المعلومات والمناهج المتبعة في التحليل العقلي.. وتتخطى حدوده لتستكنه بالتجربة المحسوسة وعلى نحو مباشر عنصرًا من العناصر القائمة في طبيعة الأشياء مما لا يستطيع التعقل أن يصفه أو يحدد هويته. (الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى). أما الرجل الغربي النموذجي الذي ورث الفكر الإنكليزي العقلاني وقيم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وأصبح موجهًا عقليًا بقوة ذلك الفكر، أو بقوة الفكر الألماني وقيم السنوات المائة والخمسين الماضية، فقد هزلت وأهملت لديه ملكة الحدس حتى إنه ليأبى أن يسلم بمحض وجودها. ولذلك أصبحت أحكامنا الدينية – نحن الغربيين – شديدة الاختلال"(1).

وهنا يجب أن نقف قليلاً عند مسألة (حدود النص) أو (الشاهد) وضرورة عدم ممارسة الاقتطاع القسري إزاءه، كيف يتم ذلك ؟.

إن علينا أن نلاحظ كيف أن عددًا من الشهادات الإيجابية بحق الإسلام أو جانب من جوانبه، من قبل هذا المؤلف أو ذاك يقابلها في الوقت نفسه ركام من شهادات أخرى سلبية تقف موقفًا مضادًا من الإسلام لكن هذا لا يمنع من اعتبار الشهادات الأولى بمثابة اعتراف (حرّ) بهذه القيمة أو تلك من قيم الإسلام، والتي تدفع الغربيين إلى إعلان رأيهم ذاك دونما أي نوع من أنواع الاضطرار أو القسر.

فكشهادات، وليس كموقف نهائي، يمكن أن تعتمد للدلالة على ما نحن بصدده فأما (الشهادة السلبية) فقد فرضت نفسها على نطاق واسع لأنها الأكثر حضورًا وانتشارًا في الفكر الغربي، ويستطيع المرء أن يجدها بسهولة في معظم الأعمال الغربية التي تمس الإسلام. وأما (الشهادة الإيجابية) فهي التي تحتاج إلى مزيد من التأكيد والتنسيق وإعادة العرض في إطار ملائم.

وهنالك فرق بيّن – بطبيعة الحال – بين خطيئة الاقتطاع القسري للشاهد لتأكيد فكرة ما في سياق معين قد يصل إلى أهداف ومواقع لم يفكر فيها صاحب النص أساسًا، وبين استقصاء الشهادات الإيجابية التي صدرت عن حشد من المفكرين الغربيين، من بين سيل من المعطيات تتميز بموقفها السلبي من الإسلام كما قلنا. فهاهنا تبدو الشهادة صدورًا حرًا، وتقييمًا إيجابيًا لجانب من الإسلام ينبثق عن قناعة تامة للمفكر، الذي يجد نفسه بعد لحظات، أو قبل لحظات يسدّد هجمة لجانب آخر، وربما للجانب نفسه من الإسلام، قد لا تبرّرها الموضوعية، ولكنها – على أية حال – تمثّل بدورها حلقة من قناعات ذلك المفكر.

وبما أن مهمة هذا الكتاب هي محاولة حصر قدر طيب من الشهادات الإيجابية، كما يتضح من هدفه ومنهجه، فإن الأمر يتجاوز كونه اقتطاعًا قسريًا للشاهد، إلى السعي العلمي المتبصّر لاستقصاء المعطيات الإيجابية للمفكر غير المسلم، تلك التي إذا ما عرضت عليه أكد صدقها ثانية وثالثة ورابعة لأنه لم يقلها إلا بدافع قدرة الإسلام، في جانب ما من جوانبه، على تأكيد تميزه، وتفوقه وفاعليته.

وفي المقابل فإن بمقدور أي قارئ أن يتابع الشهادات ذات الطابع السلبي في معظم المصادر التي اعتمدت هاهنا، وغيرها كثير، وهي مسألة ليست من مهمة هذا البحث، وقد تصدى لها بالعرض والنقد والدراسة، ولا يزال، عدد من المختصين والباحثين الإسلاميين ضمن توجهات منهجية أخرى.

إن عنوان الكتاب يحمل بوضوح بنية المنهجية القائمة – أساسًا – على الانتقاء، البحث عن الشهادات الإيجابية البناءة فقط، وأؤكد على الكلمة، تلك التي صدرت عن أناس لم يكونوا يؤمنون بالإسلام، ثم جذب بعضهم إليه، وظل آخرون بعيدين عنه.

ومرة أخرى، فإن ما قيل في الإسلام من مواقع التحزّب والخصومة والمصالح والظنون والأهواء كثير جدًا، وليس ثمة من لم يغترف من سيله الطامي، ولو غرفة بيده، لكي يطلع على ما تتضمنه.

أما مهمة هذا الكتاب فشيء معاكس تمامًا: البحث عن المعطيات التي صدرت من مواقع الرؤية الأكثر نقاء وموضوعية والتي قد يحوطها، بالتأكيد، الكدر من بين يديها ومن خلفها، ومن ثم، وما دام أن الهدف واضح منذ اللحظة الأولى، فسنضطر إلى المنهج الانتقائي لوضع اليد على طرف الإيجاب وحده، فالمسألة ليست مسألة بحث في واقعة ما، أو ظاهرة من الظواهر، أو حتى دين أو مذهب، لكي نتابع ما يتطلبه المنهج العلمي: تسليط الضوء على الأبيض والأسود معًا، وإنما هو محاولة لرصد جانب من الشهادات الإيجابية التي صدرت بحق هذا الدين، من بيئات طالما أساءت إليه، ومن ثم تحمل – أي المحاولة التي يمثلها هذا الكتاب 0 تبريرها العلمي الصريح في اطراح كل ما من شأنه أن يتناقض مع هذا الهدف الواضح المحدّد سلفًا.

وإذا كان الكتاب عملاً انتقائيًا في هذا الاتجاه، فهو انتقائي أيضًا في الاتجاه المعاكس، أي باتجاه إسقاط الكثير من الشهادات الإيجابية بحق الإسلام، تجاوزًا للتكرار والتضخم. ويكفي أن تأتي الشهادة في هذا الجانب أو ذاك من جوانب الإسلام متمثلة بعدد مناسب من النصوص التي تمثل سياقًا نمطيًا لا تعدو سائر الشهادات الأخرى – في إطاره – أن تكون بمثابة تأكيد يكرر نفسه بصيغ قد تكون متباينة شكلاً ولكنها تلتقي في المضمون.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى أن الكتاب، من أجل الهدف الآنف الذكر، حاول، قدر الإمكان، تجاوز شهادات التقييم الغربية التي انصرفت إلى ردّ مزاعم بعض الغربيين أنفسهم، أو غير المسلمين عمومًا، لأن هذه الشهادات لا تعدو أن تكون صيغًا ذات طابع (دفاعي) موجهة ضد معطيات سلبية، بينما تتجه مهمة الكتاب، كما رأينا، إلى الاكتفاء بالشهادات الإيجابية (البنائية) التي تتحدث عن هذا الجانب أو ذاك بصيغة التقييم والإعجاب.

إن العدد من الأسماء التي سيجدها القارئ هنا تدلي بشهاداتها عن الإسلام، لا يحمل اعتمادها أي معنى من معاني التبرئة والتنزيه عن الميول والظنون والأهواء، وهي بالتالي ليست دعوة للقارئ إلى التوجه لمعطيات هذه الأسماء، والتسليم بها في تفاصيلها وجزئياتها كافة، أو في منهجها الذي اعتمدته، والذي قد يرتطم ابتداء بالمنهج الموضوعي الصحيح في التعامل مع هذا الدين.

ولو حدث أن توهّم القارئ – لحظة – أن إيراد هذه الأسماء، أو بعضها على الأقل، يتضمن دعوة لتقبّل استنتاجاتها ومناهجها كافة، فإن الغرض من هذا البحث المتواضع سينقلب رأسًا على عقب، وسيقود إلى ضلالة أخرى. والمهم، كما أكدنا أكثر من مرة، هو أن ما يتضمنه الإسلام، وتاريخه وحضارته، من عناصر الجذب، والإشعاع، والقوة والإقناع، والإثارة، والانسجام مع التوجهات الإنسانية الأصيلة، ساق هؤلاء، وأرغمهم، حينًا آخر، على الإدلاء بشهاداتهم الإيجابية جنبًا على جنب، بالنسبة لبعضهم على الأقل، مع حشود من الاستنتاجات الخاطئة المضادة، بل إن بعض تلك الشهادات الإيجابية تتضمن في بنيتها ومفرداتها – كما أشرنا- سلبيات شتى، مما يجده القارئ أحيانًا بسبب من طبيعة المنهج الذي يعتمده الغربيون في التعامل مع الإسلام.

وثمة صيغة أخرى للعمل اضطررنا لتجاوزها خشية أن يتحول الكتاب إلى مشروع مناقشات وجدل ودفع للتهم الباطلة، فيفقد أهميته، وتوجّهه المطلوب، فضلاً عن أن أمرًا كهذا مُورِسَ على نطاق واسع عبر العقود الأخيرة بصدد الفكر الغربي عامة، والاستشراقي على وجه الخصوص.

( 2 )

إن شهادات الغربيين الإيجابية عن الإسلام ليست ذات طبقة واحدة، وإنما عدة طبقات(2)، فبعض الشهادات لا تعدو كونها تأكيدًا لحقائق معينة في نسيج ديننا وحضارتنا، تارة بالترجمة الحرفية لنصوص الوقائع المستمدة من المصادر الإسلامية نفسها، أو الغربية؛ وتارة أخرى، بتركيز هذه النصوص، أو التوسّع فيها، مع المحافظة على جوهرها الأصيل. وهذا التأكيد، أو النقل، يمثل – بحدّ ذاته – اعترافًا ضمنيًا أو مكشوفًا بقيم الدين والحضارة الإسلامية، وتميزهما، فهو – إذن – يحمل أهميته كشهادة، خاصة إذا ما تذكرنا السيل الآخر المضاد من المعطيات الغربية التي استهدفت التشكيك بصحّة هذه الوقائع، وتحققها بالفعل، أو فسرتها تفسيرًا خاطئًا يخرج بها عن كونها عناصر جيدة ترفد المجرى العام البنّاء الذي يشكل الإسلام والحياة الإٍسلامية، ويلقي عليها ظلاً يبعد بها عن جادة اليقين.

فها هي الشهادات الإيجابية تجيء كإقرار أو اعتراف لكي تردّ هذا الهوى وتبعد ذلك السوء، وتعلن بالموضوعية التي يتطلبها التعامل الجادّ مع الحقائق، تأكيدها لما وقع فعلاً لا لما يريد أصحاب الظنون والأهواء أن يكون.

لكن هذه الشهادة لا ترقى إلى مرتبة الطبقة التالية التي تأخذ طابع التقييم الذي يصدر عن غير المسلم، تجاه هذا الجانب أو ذاك من الإسلام.

ثم تأتي الطبقة الثالثة، والأعلى مرتبة من الشهادات، متمثلة بمعطيات أولئك الذين انتموا فعلاً لهذا الدين، وقالوا كلمتهم في هذا الجانب أو ذاك من جوانبه، قبل انتمائهم أو بعده. إن هذه الشهادات تمثل سياقًا يحمل أهميته البالغة فيما نحن بصدده، لأنها تجيء بمثابة الدافع والشهادة في الوقت نفسه الدافع الذي قادهم إلى الإسلام، والشهادة على ما يتضمنه هذا الدين من قيم ومزايا لا تتوفر في المذاهب والعقائد الأخرى. إن هذا الانتماء ليعدّ بحد ذاته شهادة واقعية على صدق هذا الدين في تعامله مع الإنسان المتحضّر، وقدرته على الكسب والانتشار.

وسيتابع هذا الكتاب، بالقدر المناسب، والأنماط، أو الطبقات الثلاث من الشهادات، مانحًا الأولوية للطبقتين الأخيريين، خاصة وأن الطبقة الأولى قد حظيت بحشد غني من الكتاب، فضلاً عن أن أهميتها تنحصر في كونها تأكيدًا فحسب لصدق الوقائع والمعطيات وتحققها في الزمن والمكان.

أما الطبقتان الأخريان من الشهادات فتجيء بمثابة استنتاج، أو تقييد أو استنباط نقدي، تجاه هذا الجانب أو ذاك من بنية الإسلام والحياة الإسلامية وهذا – بلا ريب – يحمل قيمة أكبر بكثير، بل إنه هو الذي يمثل الشهادة المطلوبة هاهنا، لأنه يركز مقولاته في صيغة مبادئ وقيم وتوجهات شمولية، يحكم بها، أو يصوغ بعبارة أدق، الكثير من أوجه الإسلام والحياة الإسلامية. وهكذا سينصب الاختبار بالدرجة الأساسية على هذا النمط مع عدم إغفال النمط الآخر بالكلية.

( 3 )

يبدو من المستحيل استقصاء كل الشهادات التي قيلت بصدد الموضوع، ولكن ما يعوض هذا أن البحث ذو طابع نمطي، إذ تكفي في كل جانب منه شهادة عدد محدد من الأشخاص والمفكرين لكي يكون بمثابة عرض (نموذجي) لجلّ ما قيل في ذلك الجانب، وكثيرًا ما يحدث أن تتناول عدة نصوص مسألة محددة وتمنح تأكيدها أو تقييمها لهذه الموضوعية أو تلك، بالمعطيات نفسها تقريبًا، وهكذا فإن إيرادها جميعًا سوف يقود ولا ريب إلى نوع من التكرار والتضخم. إن قطعة القماش ما دامت ذات نسيج واحد، فإنه لن يكون من قبيل الاعتساف اقتطاع عينات منها لكي تدل عليها جميعًا.

وقد يلحظ المرء عدم توازن في مساحة الشهادات المعروضة عن الجوانب المختلفة للإسلام والحياة الإسلامية، والسبب يرجع – حينًا – إلى مساحة الموضوع الذي تعالجه الشهادات، وحينًا آخر، إلى طبيعة المعطيات التي كانت تنصب بغزارة على جانب ما كالإسلام نفسه أو حضارته أو صيغ انتشاره وتعامله مع غير المنتمين إليه، بينما تقل في جوانب أخرى – ولكن ما دام أن مسألة (كالانتشار والتعامل) أو (الحضارة) هي بمثابة التحقق المنظور للإسلام في واقع الإنجاز التاريخي، فإن اتساع المساحة الخاصة بها تجيء، بحدّ ذاتها، شهادة على عناصر القوة والعطاء والإبداع والالتزام في الأسس الإسلامية التي قامت عليها الممارسة التاريخية، وفي القدرات العقيدية والنفسية والعقلية والأخلاقية التي فجرها الإسلام في اتباعه فدفعهم إلى تقديم هذا العطاء الواسع، الغني، الملتزم، المتشعب.

ولحسن الحظ، فإن الشهادات، بشكل عام، تشكل بمجموعها نوعًا من التكامل حيث ينصب اهتمام كل مجموعة منها على جانب ما من جوانب الإسلام والحياة الإسلامية. وهاهنا من أجل تجاوز التكرار والتضخّم، تم التركيز على أكثر الكتب، المتوفرة، أهمية وغزارة بالنسبة لكل مجموعة مع عدم إغفال المراجع الأقل مادة بطبيعة الحال.

مثلاً، يحمل كل من (إنسانية الإسلام) لمارسيل بوازار و (الطريق إلى مكة) لليوبولد فايس (محمد أسد) و (دفاع عن الإسلام) للورا فيشيا فاغليري و (دراسات في حضارة الإسلام) و ( الاتجاهات الحديثة في الإسلام) لهاملتون جب، أهميته البالغة في كثافة شهاداته عن الإسلام عقيدة وشريعة وعبادة وأخلاقًا وسلوكًا، ومن ثم يمكن اعتبار الكتب المذكورة بمثابة مراجع محورية في الفصل الخاص بالإسلام، حيث تليها في الأهمية سائر المراجع التي قدمت مادة أقلّ.

وما يقال عن الكتب الآنفة الذكر بالنسبة (للإسلام) يمكن أن يقال – مثلاً – عن كتاب (القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم) لموريس بوكاي بالنسبة (للقرآن الكريم)، وكتاب (محمد الرسالة والرسول) لنظمي لوقا، و (حياة محمد) لإميل درمنغم و (الأبطال) لكارلايل، بالنسبة (للرسول صلى الله عليه وسلم)، وكتاب (الدعوة إلى الإسلام) لتوماس آرنولد و (إنسانية الإسلام) لبوازار بالنسبة (لانتشار الإسلام وطرائق معاملة غير المسلمين) وكتاب (حضارة العرب) لغوستاف لوبون و (شمس الله تسطع على الغرب) لزيغريد هونكه و (تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى) لمونتغمري وات بالنسبة (للحضارة الإسلامية)، وكتاب (القوميات والدولة السوفياتية) لهيلين كارير دانكوس و (إنسانية الإسلام) لبوازار و (الطريق إلى مكة) لليوبولد فايس بالنسبة لـ (واقع المسلمين ومستقبلهم).

( 4 )

إن كلمة (الإسلام) التي يتضمنها عنوان الكتاب، تجيء بشكل جامع يضمّ بين جناحيه الجوانب النظرية (العقيدية) والتطبيقية (التاريخية) على السواء باعتبار أن التاريخ الإسلامي بمعطياته السياسية والحضارية، برجالاته وجماهيره وتجاربه، تعبير عن الإسلام بدرجة أو أخرى، أو بعبارة ثانية: الحقل الذي تبرز فيه تأثيرات الإسلام في خطوط متفاوتة العمق. ومن ثم فإن الشهادات لن تقتصر هنا على الإسلام وحده، بقرآنه الكريم ونبيه عليه السلام ومعطياته العقيدية والتشريعية... إلى آخره، وإنما تنسحب على صيغ التحقق في الزمن والمكان، أي في التاريخ.

وبما أن الشهادات المنصبة على التاريخ السياسي والعسكري للإسلام بأحداثه وأشخاصه ووقائعه وتوجهاته، تدور في معظمها ضمن طبقة تأكيد الحقائق لا تقييمها، وتجاوزًا للتضخم فسوف يتم قدر الإمكان تحاشي الشهادات التي قدمت في هذا الإطار، إلا قلّة منها، أما الحضارة فإن أمرها يختلف وأن الشهادات في دائرتها لتتوزع بشكل عادل بين التقييم والتأكيد.

وقد نلحظ – أحيانًا – بعض الغربيين يستخدمون كلمات من مثل (عربي) و(حضارة عربية) و(فكر عربي) و(تاريخ عربي)... إلى آخره رغم أن تحليلهم ينصبّ على مساحة بشرية أوسع بكثير، تضم بين ظهرانيها جماعات وشعوبًا أخرى غير عربية.

لا داعي لأن نعيد القول في هذه المسألة، ويكفي أن ننبّه عليها مرة واحدة والمهم هو أن شهادات هؤلاء الغربيين تتجاوز في مضامينها – معظم الأحيان نطاق التسمية المحدودة صوب كل ما هو إسلامي، يمثل العرب – ولا ريب – مساحة كبيرة منه، إلى جانب جماعات وأقوام وشعوب أخرى كثيرة انضوت إلى هذا الدين، أو عملت في نطاق دوله وحضارته.

ثم إننا يجب أن نلاحظ أن كلمة (الغربيين) التي تتردد في مقدمة هذا الكتاب وفصوله، قُصد بها في معظم الأحيان: غير المسلمين عمومًا سواء كانوا أوروبيين وأمريكيين أو حتى شرقيين، لكن المساحة الأوسع تبقى، ولا ريب، (غربية) بالمفهوم الجغرافي والحضاري.

( 5 )

يتضمن الكتاب مدخلاً وسبعة فصول تتفاوت في مساحاتها استناداً إلى حجم المادة المرصودة في كل فصل.

يتحدث الفصل الأول عما قيل في (القرآن الكريم)، ويتحدث ثانيها عن (رسول الله صلى الله عليه وسلم): الشخصية والسيرة والحديث والسنة، بينما يتجه ثالثها، وهو أكبرها حجمًا إلى (الإسلام) بكافة جوانبه العقيدية والتشريعية والتعبدية والأخلاقية والسلوكية. أما الفصل الرابع الذي يتميز باتساع رقعته، أسوة بالذي سبقه، فينتقل للحديث عن معطيات الإسلام التاريخية بصدد اثنتين من أهم المسائل: الانتشار ومعاملة غير المسلمين. وهما مسألتان مرتبطتان أشد الارتباط، متداخلتان كنسيج واحد ولذا تم تناولها في إطار فصل واحد.

وأما الفصل الخامس الذي يميز هو الآخر باتساعه، فيقف عند المعطيات الحضارية، محاولاً قدر الإمكان تجاوز التفاصيل والجزئيات، مركزًا على الشهادات ذات الطابع الاستنتاجي والتقييمي، وبخاصة تلك التي تتحدث عن أبعاد الدور العالمي الذي لعبته حضارة الإسلام في مجرى التاريخ.

أما الفصلان الأخيران الأصغر حجمًا فيعالج أحدهما بعض ما قيل بصدد جانب مهم من النسيج الاجتماعي للإسلام والمجتمع الإسلامي: المرأة والأسرة، ويتناول ثانيهما نماذج من الشهادات التي قيلت عن واقع الإسلام الراهن ومستقبله القريب والبعيد. وقد حاولتُ هاهنا – قدر الإمكان – أن ألتقط الأقوال ذات الطابع الشمولي، متجاوزًا الكثير مما قيل عن هذه الحركة الإسلامية أو تلك، مما يتضمن حشودًا كبيرة من التفاصيل والجزئيات لا يتسع لها الكتاب.

ويجب أن نلاحظ ما يحدث أحيانًا من تداخل بين معطيات بعض الفصول، فإن عددًا من الشهادات التي تنصب على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً، قد ترتبط بشكل من الأشكال، بجانب ما من جوانب القرآن الكريم أو الإسلام، أو غيرهما من الموضوعات، وبالعكس. ومهما يكن من أمر فإن تصنيف الشهادة في مواضعها التي يلحظها القارئ إنما يعتمد على مركز الثقل فيها.

هذا وقد رتب الشهود في كل فصل وفق التسلسل الأبجدي لأسمائهم كما نظمت النصوص بالنسبة لكل شاهد وفق سياقها في المصدر المعتمد، وليس وفق الموضوعات الفرعية التي تعالجها، وذلك من أجل سهولة الرجوع إلى المصدر المعني، وأعطي لكل شهادة رقم خاص، وفي حالات محدودة، اعتمد القوس المربع [ ] الذي يخترق النص بإيضاح: أو ربط ما لتمييزه عن سياق النص، كما أن النقاط (...) التي تسبق النص أو تتخلله أو تختتمه، أريد بها التأشير على مكان الحذف في النصّ.

ولقد وردت بعض أسماء الأعلام التي تبدأ بحرف G الإنكليزي (مثل Gibb) حسب رسم الحرف في المصدر المعتمد، حينًا بالغين (غب)، وحينًا بالكاف (كب) أو الكاف الفارسية (كَب) وحينًا بالجيم (جب) التي تلفظ لدى المصريين بالكاف الفارسية. وحبّذا لو تم الاتفاق بين المترجمين العرب على رسم موحّد لهذا الحرف المربك.

أما تعريفات الأعلام فقد وردت مرتبطة بأول فصل يدلي فيه المؤلف بشهاداته، فإذا كان سير توماس آرنولد، على سبيل المثال، قد قدّم شهادة ما في فصل (القرآن الكريم)، ورد تعريفه هناك، وإلا فإن التعريف سيرد في الفصل التالي، وهكذا. وقد استقيت مادة التعريف من المراجع نفسها حينًا، وبخاصة تلك التي يسهم في كتابة فصولها عدد من المؤلفين أو المتحدثين كما هو الحال – مثلاً – بالنسبة لكتاب (تراث الإسلام) الذي أشرف توماس آرنولد على تحريره، وكتاب (الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة) الذي تولى جمعه محمد خلف الله، وكتاب (رجال ونساء أسلموا)، القيّم، ذي الأجزاء العشرة التي تولى جمعها وتأليفها كامل العشّي، وكتاب (ما يقال عن الإسلام) للعقاد. ولكن جلّ التعريفات استمدّت من كتاب نجيب العقيقي (المستشرقون) بأجزائه الثلاثة التي تقدم كشفًا دقيقًا بمعظم المستشرقين: حياتهم وآثارهم(3).

( 6 )

إن الشهادات التي يتضمنها الكتاب تحمل أكثر من مغزى، وواضح أن المغزى الأشد ثقلاً وحضورًا هو ما يحمله هذا الدين في نسيجه وتصوره ومعطياته المتحققة في السلوك والحضارة والتاريخ من قيم وميزات إيجابية فعّالة، تتحرك في خطوط متوازية مع مطامح الإنسان السوي المتوازية، وميوله ومنازعه، حيث لا تعارض ولا تقاطع ولا تفتت ولا ارتطام.

ولكن هناك شيئًَا لا يقل أهمية، فنحن في عصر التعصّب والتباغض والخصام الذي يصنعه دين سماوي منحرف حينًا، ومذهب وضعي حينًا آخر.. التباغض والخصام بين دين ودين ومذهب ومذهب، وما يسوق إليه من صراع كثيرًا ما تسبّب في إراقة أنهار من الدماء البريئة. وكما تتراكم الخبرات الثقافية، والحضارية عمومًا بمرور الزمن، فتزداد نضجًا وتعقيدًا واتساعًا في الطول والعرض والعمق فإنه في مقابل هذا، وعلى الجانب السلبي من حركة الزمن ودلالاتها تلتقي بتراكم خبرات، أو بشكل أدق تجارب وذكريات الحقد الديني والطائفي والمذهبي لكي تبلغ في قرننا هذا شأوًا بعيدًا مترعًا بالحزن والمرارة.

وتجيء هذه الشهادات لكي تمنح السيل الطامي المليء بالوحل والكدر شيئًا من الصفاء، لكي تحاول أن تعيد للعلاقة بين المذاهب والأديان شيئًا من الألفة والمحبة، أن تفتح باب الحوار المتعقل المحب المسؤول بين دين ودين وبين مذهب ومذهب، وأن تكسر حواجز العنف والكراهية وتخفف من عبء التراكم المحزن في ذكريات الاقتتال والدمار والعذاب.

ويقينًا فإنه في بيئة حرّة كهذه، يبدو أنها ستزداد تأصلاً واتّساعًا بمرور الوقت، في بيئة كهذه سيكون الانتصار للإسلام نفسه كما أكد التاريخ ولا يزال، مادام أن الإسلام، مهندس بإعجاز ، على حجم الإنسان، مرسومة خرائطه بإتقان على مساحة دوره في العالم. ومادام أنه الحركة العقيدية التوحيدية التي كانت وستظل بمثابة الطريق الأوحد للتحقق بالوفاق مع الذات والكون والصالح مع سننهما ونواميسهما من أجل سعادة الإنسان وتوحّده.

قد تحقق هذه المحاولة – كذلك – نوعًا من التسهيلات الأكاديمية للباحثين وذلك بوضع حشدٍ من النصوص الموثّقة عن رأي غير المسلمين بالإسلام في كافة مناحيه العقيدية والتطبيقية. وهذه النصوص ستعزز، ولا شك، كل بحث يسعى، بموضوعية وإخلاص، إلى دراسة هذا الجانب أو ذاك من بنية الإسلام.

وتبقى المحاولة بمثابة عمل ناقص، أو مشروع مفتوح، قابل دومًا للإضافة والإغناء، ولئن أخطأت أو قصّرت فإني ألتمس من القارئ الصفح الجميل.

وإلى الله وحده نتوجه بالأعمال

الموصل: عماد الدين خليل

___________________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام، ص 235 – 236 .

(2) يجب أن نتذكر أن الشهادات (السلبية) تتضمن هي الأخرى طبقات عدة يلي بعضها الآخر، هبوطًا، فهنالك طبقة التشويه، فالتشكيك فالنفي الذي مارسه العقل الغربي كثيرًا إزاء ما يعتبر في المنظور الإسلامي من قبل البداهة والحقائق المسلّم بها. انظر بحثًا للمؤلف بعنوان: (المستشرقون والسيرة النبوية: بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتغمري وات) (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس 1985).

(3) الطبعة الثالثة (المزيدة والمنقحة)، دار المعارف، القاهرة، 1964 – 1965م.

المدخل

[ شهادة العقل الغربي : الحواجز والقيمة ]

لابدّ من الاعتراف – منذ البدء – بأن العقل الغربي، بسبب: من حيويته وتوقّده، يمثل – عبر القرن الأخير على وجه الخصوص – مركز ثقل خطير في دائرة التصوّر والفكر والحياة. وبما أن "الدين" - ابتداء – يقدم برنامجًا للفكر وتصورًا للحياة، فإن تفحّص موقف هذا العقل من الدين، يعد ضرورة بالغة إذا ما أريد وضع اليد، بشكل محدّد، على المساحة التي احتلها، ويحتلها وسيحتلّها الدين في خارطة الوجود البشري.

هذه مسألة ذات طابع عام يتضمن مطلق الأديان. وبما أن العقل الغربي قد قال كلمته – أكثر من مرة – في الدين المسيحي الذي يعدّ – إلى حد كبير – القوة الدينية الوحيدة الموازية للإسلام، في الديمومة والانتشار، وبما أن هذا العقل قد أعلن أكثر من مرة، رفضه للنصرانية وانسلاخه عنها بسبب من نقاط الارتطام العديدة بينه وبينها، فإننا نريد أن نتفحّص هنا بعض ما يريد أن يقوله في الدين الآخر: الإسلام.

طبعًا، لقد عانى هذا العقل ولا يزال من حواجز الرؤية الموضوعية التي تمكنه من معاينة الإسلام عن كثب، والحكم عليه بالتجرد والعلمية التي ينادي بها هذا العقل ويتخذها منهج عمل له في التعامل مع الظاهر والموجودات أو كما يحاول أن يقنع نفسه على الأقل.

هذه الحواجز ذات الجذور العميقة والطبقات المتعددة، جعلته، عبر قرون متواصلة، يقول في الإسلام ما يرتطم – ابتداء – ببداهات الروح العلمية التي يؤمن بها ويلحّ عليها. وإننا لنتذكر هنا عبارتين للمستشرق البريطاني المعاصر (مونتغمري وات) يقول في إحداهما: "إذا حدث وإن كانت بعض آراء العلماء الغربيين غير معقولة عند المسلمين، فذلك لأن العلماء الغربيين لم يكونوا دائمًا مخلصين لمبادئهم العلمية، وأن آراءهم يجب إعادة النظر فيها من وجهة النظر التاريخية الدقيقة" [محمد في مكة، ص6]، ويقول في الأخرى: "إن موقف العلماء الغربيين كان غالبًا سيّئًا لما يبدو أنه يتضمنه من إنكار لمعتقدات الإسلام الفقهية. ولذا كانت الدراسات الغربية عن القرآن غير موفقة حتى من وجهة نظر أفضل العلماء" [محمد في مكة، ص55–56].

وبمقدور المرء أن يتابع سيلاً عرمًا من الكتابات والأقوال الغربية في الإسلام، تدفقت عبر أربعة قرون أو خمسة، فإنه غير واجد في معظم مساحاته إلا الكدر الذي يحجب نفاذ الرؤية إلى الأعماق.

هذه مسألة تكاد تكون معروفة للجميع، وليس من مهمة هذا البحث إلا أن يكتفي بالإشارة إليها لكي يمضي، مباشرة، على النقيض الذي يهمّه: رصد الأقوال والمعطيات الأكثر موضوعية، والأقرب إلى العلمية التي يعتمدها العقل الغربي، وغير المسلم عمومًا، وهي أقوال ومعطيات أخذت تتزايد طردًا بمرور الوقت، وبخاصة في العقود الأخيرة، بسبب من قدرة العقل الغربي على كسر العديد من الحواجز التي كانت تصدّه عن التعامل العادل مع هذا الدين، وتمكنه من اجتيازها بصيغٍ تستحق التقدير والإعجاب. بل إن بعض الغربيين – وهذا أمر طبيعي – انتهى به الأمر إلى اعتناق الإسلام كما لو أنه اكتشف – بعد لأي – ما كان يبحث عنه، بالدهشة والفرح والإعجاب نفسها التي تتملك إنسانًا ما فقد وثيقة مستقبله وطموحه ثم هاهو ذا يعثر عليها أخيرًا.

مهما يكن من أمر فإن رصد معطيات كهذه – رغم عدم توازنها الكمي بطبيعة الحال مع التيار المضاد اللاعلمي واللاموضوعي – يمثل ضرورة على أكثر من مستوى، بعضها إنساني، وبعضها عقيدي، وبعضها الآخر أكاديمي صرف.

وهذه الضرورة، بمستوياتها تلك، هي التي تمنح القارئ، شرقيًا كان أم غربيًا، مسلمًا أم غير مسلم، مبررات عمل كهذا، وتلقي الضوء على دوافعه وأهدافه.

إنسانيًا، تجيء شهادات خصوم هذا الدين، بما يمتلكون من قدرات عقلية فذّة، وصيغ حضارية متقدمة، بمثابة سعي مخلص وجاد، غير متحيّز ولا ميّال، لحلّ أزمة الإنسان المعاصر، بإرشاده بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أن "الإسلام" هو خلاصه الوحيد، وأن مضلته ليست خطيئة أبدية، ولا طريقًا مسدودًا، بل أن بمقدوره في أية لحظة أن يحظى بخلاصه المنشود، بمجرد أن يفتح عقله وقلبه وأن يعرف، بدافع من عشق الحقّ وحده، ما يمكن أن يقدمه له هذا الدين.

عقيديًا، تجيء شهادات خصوم هذا الدين، لتأكيد وتعزيز ما سبق وإن قاله الإسلام نفسه، في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما عبر عنه من خلال معطيات أجيال من المسلمين، على مستوى العقيدة والشريعة والسلوك والتاريخ والحضارة، من أنه الدين الوحيد الحق، الدين الأخير الذي تنزّل لكي يكون على حجم الإنسان المتحضّر، المسؤول، وعلى حجم مطامحه بالتقدم، ورغبته الملحّة في التوحّد بين الوجود والمصير.

أكاديميًا، تجيء شهادات خصوم هذا الدين لكي تثبت "حقائق" يتحتم أن ترصد، وتوازن سيلاً من المعطيات اللاعلمية واللاموضوعية التي قيلت عن هذا الدين، وتردّ الأمر، أو بعضه، إلى نصابه الحق.

وهذه الدوافع، أو الأهداف الثلاثة، تقود – بالضرورة – إلى المحصّلة الأخيرة التي يبتغيها هذا العمل الأوليّ المتواضع: مخاطبة العقل الغربي، بالصيغ الأكثر إقناعًا وتأثيرًا، عن طريق الاستنتاجات نفسها التي توصل إليها هذا العقل وهو يتعامل مع الإسلام، بقدر طيب من الموضوعية، وإقناعه، أو محاولة إقناعه، بجدّية هذا الدين، وأحقيته في قيادة الإنسان، والحياة في صياغة الوجود البشري والتخطيط للمصير، بعد أن عجزت كافة المذاهب والإيديولوجيات والأديان عن تحقيق هذا الهدف، وأنه ليس ثمة غير الإسلام، بواقعيته، وشموليته، وتوازنه، وانسجامه مع الإنسان، من يقدر على أداء هذا الدور الخطير.

ومن أجل ألاّ يكون هذا التحليل مُجرّد تعميمات غير محددة، فإنه يتحتم قبل البدء بتقديم "الشهادات" أن نضع أيدينا – بالتركيز المطلوب – على الخصائص الأساسية للإسلام، تلك التي كانت بمثابة نقاط إشعاع وتألّق، جذبت أنظار الغربيين ودفعتهم إلى إصدار مقولاتهم تلك، وأن نضع أيدينا – كذلك على الخصائص الأساسية للبيئة الفكرية والنفسية، والحضارية عمومًا، التي تعطي الإنسان المعاصر بعض ما يريده، نعم ولكنها تمنع عنه الكثير مما يريده فيما يوازي حجمه كإنسان، ويلبي مطامحه كمخلوق أريد له أن يلعب دورًا أكبر بكثير، وأعلى بكثير، من هذا الذي يمارسه على مساحة العالم، حتى إذا ما أتيح له أن يلتقي بهذا الدين، وجهًا لوجه، أو من خلال مرايا الآخرين التي تنطبع عليها الملامح، أو بعضها، وعبر الجسور التي يقيمها هذا الرجل أو ذاك، فإنه سيعثر – ولا شك – على ما يدهشه ويعجبه، فتكون ردود الأفعال المتفاوتة، ويكون التعبير ذو الدرجات التي تبدأ "بقول" يقيّم هذا الجانب أو ذاك من جوانب الإسلام، و"شهادة" تبدي إعجابها بهذا الوجه أو ذاك من وجوه أنشطته ومعطياته ونسيجه المتفرّد، وتنتهي بمعانقة هذا الدين، والتسليم به، والانتماء إليه: عقيدة تحمل في بنيتها الصواب المطلق، وتحمل مع هذا الصواب القدرة الفذة المتجددة على مجابهة معضلات العصر، ومعايشة بيئته الصعبة، المضطربة التي يتخبط فيها الإنسان، لكنها ما تلبث أن تستجيب لنداءاته كافة، وتقوده، عبر طرق مستقيمة، كالصراط، إلى مبتغاه.

[ الإسلام هو الرسالة السماوية الأخيرة للبشرية : دعوة للاختبار ]

إن حقيقة "أن الإسلام هو الرسالة السماوية الأخيرة للبشرية" تحمل أهميتها هنا بقدر ما يتعلق الأمر بفئتين من غير المسلمين ظنت إحداهما أن رحلة الأديان توقفت عند السيد المسيح عليه السلام، وأخذت طابعها الأخير على يديه فليس ثمة بعده من نبوة، ولا بعد دينه من دين. وظنت الفئة الأخرى، أنه بعد المسيحية، كدين أخير، وبعد أن أثبتت عجزها عن قيادة الحياة، والإنسان، وملاحقة المتغيرات الفكرية والحضارية، وبعد أن أخفقت في الاستجابة للتحديات التاريخية المتجددة التي لا ينقطع سيلها، ترك الحبل على الغرب، ودُعي الإنسان، الذي لم تقدر النصرانية على أن تأخذ بيده حتى النهاية، دعي لكي يستجيش قدراته العقلية، وينقذ نفسه بنفسه، وفق برامج عمل مرحلية، تسلمه الواحدة منها للأخرى، معتقدًا أنه بهذا وحده قدير على ملء الفراغ، ومنح الإنسان القدرة على اجتياز رحلة الحياة على هدى وبيّنة.

وليس ثمة مجال للتأكيد هاهنا على إخفاق هذه المحاولات الوضعية المتواصلة، وبقاء الإنسان معلقًا من عنقه في فضاء مخيف، وليس ثمة من يمدّ يده إليه لكي يخلّصه ويهديه سواء السبيل، هذه المحاولات التي كان بعضها ينقض بعضًا، وكانت إحداها تضرب الأخرى لكي تدفع بها بعيدًا عن مركز القيادة والسلطان.

عشرات، بل مئات، من المحاولات، كانت الحياة نفسها محكّ اختبارها وكان فشلها – في نهاية الأمر – معيار عدم قدرتها على أداء الدور الذي أريد للأديان أن تؤديه لصالح الإنسان.

وهكذا فإن اعتبار الإسلام هو "الدين الأخير" يحمل أهميته البالغة، ليس فقط في دحض قناعات الفئتين الآنفتي الذكر، اللتين تشكلان المساحة الكبرى من البشرية، بل باعتباره الدين الوحيد الذي يتحتم الانتماء إليه، والعقيدة المتفردة، من بين كل العقائد السماوية التي نسخها هذا الدين، أو الوضعية التي أثبتت نسبيتها وعدم قدرتها على أداء مهمتها في القيادة المتواصلة، الناجعة للإنسان والحياة. العقيدة القادرة في كل لحظة على تسلم مواقع القيادة، المستعدة في كل زمن ومكان لتأدية دورها المرسوم بعناية لصالح الإنسان، المستجيبة – أبدًا – للمتغيرات والتحديات.

ولم يكن الإسلام ليحمل هذه الصفة المتفردة، ولا ليصدر هذا الحكم الحاسم، باعتباره الدين الأخير الناسخ لما سبقه من أديان، والقادر – في الوقت نفسه على مواصلة الطريق حتى النهاية، دون أن يكون لديه ميزتان أساسيتان نريد أن نقف عندهما بعض الشيء. أولاهما عقيدة تتعلق بطبيعة الارتباط بين الإسلام وبين كافة الأديان السماوية التي سبقته، وثانيتهما حيوية تتعلق بطبيعة الارتباط بين الإسلام وبين كافة الأديان السماوية التي سبقته، وثانيتهما حيوية تتعلق بقدرة هذا الدين على قيادة الحياة البشرية، وتمكنه من تلبية حاجيات الإنسان، بغض النظر عن اختلاف الزمن والمكان، وتفاوت البيئات والأحوال.

إن اختبار هاتين الميزتين، ليس من قبل المسلمين أنفسهم الذين يسلّمون بهما تسليمًا قطعيًا، وإلا ما غدوا مسلمين ولا اقتنعوا بأحقية هذا الدين في الانتماء إليه، وإنما من قبل أولئك الذين يتحركون خارج دائرة الإسلام، ويحرصون، سلبًا أو إيجابًا، على تفحّص ميزات كهذه، لكي ينفوا أو يؤكدوا تلك المقولة التي تعتبر الإسلام دينًا أخيرًا، وهو في الوقت نفسه يملك ديمومته واستمراريته.

إن اختبار هاتين الميزتين (مما يدخل في سياق هذا الكتاب) والاقتناع بصدقهما وواقعيتهما، يمنح الإنسان غير المسلم قناعة كافية، من بين قناعات أخرى كثيرة، بأن دينًا كهذا يستحق "الشهادة" و"التقييم"، بل و"التقبّل" و"الانتماء"، وهذا هو ما تم بالفعل على نطاق ليس بمحدود كما سيتضح من متابعة معطيات الكتاب.

والحق أنه ليس أسهل على المرء من ممارسة اختبار كهذا، جرى ويجري على نطاق واسع، وذلك بمجرد الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إمرار النظر في معطيات الإسلام العقيدية والتشريعية، أو متابعة جانب من صيرورته التاريخية والحضارية.

إن القرآن الكريم، والسنة بالتالي، لا يؤكدان فحسب "تصديق" الإسلام لكافة الأديان السماوية التي(1) سبقته، وهيمنته على روحها وجوهرها، وصهره معطياتها الأصيلة في كيان ديني متوحّد، ذي نسيح واحد،ولكنهما يتجاوزان ذلك ، بما يتضمنانه من حشود الصيغ والمفردات إلى تأكيد مشهود لحقيقة أن الإسلام هو خاتم الأديان السماوية جميعًا، وجوهرها وروحها، وأنه كآخر محطة في مسارها الطويل، سيحمل كل ما تكفّلت حمله من قيم وأهداف وخبرات، سعت جميعًا عبر أماكن وأزمان متفاوتة، لتأكيد أهميتها للإنسان، ولتنفيذها في واقع الحياة.

إن هذا الاحتواء المؤكد لخبرات ومعطيات الأديان السابقة في أصولها الصحيحة، دفع الكثير من الدارسين إلى ذلك الوهم المعروف وهو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، قد تعلم من تلك الأديان وأخذ عنها، والأمر ليس كذلك، فإن ما نقضه الإسلام نفسه من تحريفات تلك الأديان، التي ظن أصحابها ولا يزالون، أنها من صلب أديانهم، وما طرده من أجسام غريبة – وثنية الأصول – في كيان هذه الأديان السماوية، يؤكد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، لم يبعث لكي يتلقى فحسب، أو يرفض فحسب، ولا حتى لكي يمارس عملاً انتقائيًا إزاء مفردات الأديان السابقة، لكي يركّب منها دينًا جديدًا. وإنما المسألة على خلاف هذا كله، فيما يبدو واضحًا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على أشد ما يكون الوضوح: تنزيل دين جديد، متميز، في طبيعة نسيجه، وفي المساحة التي سيتحرك عليها والأهداف التي دعي لتنفيذها، لكنه دين غير معزول عن تراث النبوات السابقة [قبل التحريف]، بل لقد كان يسعى منذ اللحظات الأولى إلى احتضان العناصر الإيجابية من ذلك التراث، وإغناء مكوناته بالجوانب المتألقة من تلك الخبرات، ولكنه – في الوقت نفسه – ما كان يتهادن أبدًا مع كل ما من شأنه أن يمس شخصيته المتميزة، ودعوته المتفردة للتوحيد المطلق، مما هو طارئ على الأديان السابقة، غريب عن نسيجها ذي الخيوط الواحدة الممتدة من السماء.

معنى هذا أن الإسلام ليس بدعًا من الأمر، وأن كل أبناء الأديان الأخرى مدعوون للانضواء إليه، لأنهم بهذا وحده سيكونون صادقين مع أنفسهم، ملبين مطالب الدين الذي ينتمون إليه. وأنهم بانتمائهم للدين الجديد سيعززون القيم الأصيلة لأديانهم السابقة، وسيمكنون لها في الأرض. إنهم بشكل من الأشكال، مدعوون لمغادرة قطاراتهم التي أنهكها المسير، ونفد وقودها، والتحول إلى قطار الإسلام ذي الوقود العجيب، والذي أريد له أن ينطلق لكي يلفّ العالم كلّه، وينقل الأجيال تلو الأجيال من ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.

إنه اختبار ليس صعب المنال، والنتيجة يتوخاها الممتحن المخلص كائنة هناك، في نسيج معطيات هذا الدين، منقوشة بوضوح متألّق في صفحات كتابه وكلمات رسوله عليه السلام.

ويقينًا فإنه بمجرد أن يتبيّن هذا اللقاء المرسوم بين الإسلام وبين أشقائه الذين سبقوه على الطريق، بمجرد أن يتضح هذا العناق في الروح، وفي الجوهر، بين الأديان السماوية جميعًا، وقد تبيّن هذا وذاك فعلاً، فإنه سيكون بمثابة واحد من الإغراءات الأشد إثارة، من الوعد المقنع، بأن الانتماء لهذا الدين ليس خيانة ولا هرطقة ولا مروقًا، ولكنه الصدق مع الله، والنفس، والضمير، والتوحد الأكثر حيوية وعطاء مع حركة الدين السماوي في هذا العالم.

ترى، كم من أولئك الذين عاينوا هذه المسألة، خرجوا لكي يقولوا للناس كلمة حق، أو يدلوا بشهادة تقييم لهذا الدين، وكم منهم، انتهوا أخيرًا إلى التحقق بالكلمة، والانتماء إلى دين هو بمثابة دعوة الحنيف واليهودي والنصراني، فضلاً عن الوثني والملحد؟

_____________________________________________

(1) انظر على سبيل المثال: سورة البقرة، آية 41، 89، 91، 97، 101، آل عمران 3، 81، النساء47، المائدة 48، فاطر 31، الأحقاف 12، 30 يونس 37، يوسف 111 .

[ الخصائص الأساسية لهذا الدين ]

فماذا عن الاختبار الثاني ؟ محاولة التأكد من قدرة هذا الدين الأبدية على الاستجابة لمطالب الإنسان، فردًا وجماعة، وعلى قيادته عبر الصراط إلى أهدافه المرتجاة ؟

سيكون من قبيل محاولة إثبات أن الشمس تطلع من الشرق، إذا قلنا بأن الإسلام جاء لكي يعالج كافة مناحي الحياة البشرية، الفردية والجماعية، والروحية، والمادية، والتربوية والتشريعية... إلى آخره، فهذه مسألة معروفة لا تحتاج إلى اختبار أو تأكيد، بمجرد أن يطّلع المرء على طبيعة هذا الدين، ويتفحص تركيبه، وبمجرد أن يعرف أنه ما جاء لكي يؤم الناس في الصلوات فحسب، بل لكي يقودهم في الحياة ويرشدهم، وفق برنامج عمل مرسوم، إلى ما يجب أن يفعلوه وما يجب ألا يفعلوه في مسائل الحياة جميعًا.

لكن ثمة "ميزات" تنبثق عن هذه النزعة الشمولية، وتمثل في الوقت نفسه مصدرها الأساسي، هي التي تجعل هذا الدين، من بين سائر الأديان والمذاهب السماوية والوضعية، بمثابة "الضرورة" الدائمة أو الحتمية الوحيدة للإنسان والجماعة البشرية إذا أراد، وأرادت، أن ترجع إلى فطرتها الأصيلة، وتستعيد توازنها المفقود، وتتجاوز تبعثرها وانشطارها وتعاستها.

وهذه الميزات هي التي تأكدت بمرور الوقت، وازدادت صلابة وتبلورًا عن طريق احتكاكها الدائم بالمعطيات الجانحة، سواء كانت وضعية أم دينية محرّفة، وهي التي يسوق اختبارها، ووضع اليد عليها من قبل غير المسلمين إلى تبيّن خصوصية هذا الدين، وتفرّده وقدرته على الاستجابة لمطالب الإنسان الملحّة والسير به صوب أهدافه المرتجاة.

فمن يستطيع – مثلاً – أن ينكر ما يتضمنه الإسلام من توازن بين كافة الثنائيات، ووفاق بينها، بينما هي في سائر الأديان والمذاهب الأخرى تصطرع وتتقاتل، وينفي بعضها بعضًا، أو يطغى على حساب الأخريات متفردًا بالسلطان ؟ إنه ما من دين أو مذهب – كالإسلام – قدر على لمّ هذه الثنائيات في صميم الكينونة الإنسانية، في تركيب الجماعة البشرية، في نسيج النشاط الحضاري، وتحويلها بالتناغم والتلاؤم إلى قوى توحّد ودفع وانسجام في مسيرة الإنسان. إنه اللقاء الموزون بين الظاهر والباطن، والحضور والغياب، والمادة والروح، والقدر والاختيار، والضرورة والجمال، والطبيعة وما وراء الطبيعة، والتراب والحركة، والوحدة والتنوع، والفردية والجماعية، والأخلاقية والمنفعية، والعدل والحرية، والوحي والتجريب، والدنيا والآخرة، والفناء والخلود... هذا اللقاء الذي يشكل بحق واحدًا من نقاط الجذب في الإسلام، ويدفع الكثيرين ممن يعاينونه ويختبرونه إلى الإعجاب والانبهار.

من يستطيع أن ينكر قدرة الإسلام على تلبية مطالب الإنسان أيًا كان موقعه في الزمان أو المكان، وأية كانت درجة رقيّه وتحضره ؟ إنه إذ يخاطب ويخطط لعناصر الديمومة والاستمرار في كيان الإنسان، ونسيج العلاقات الاجتماعية، تلك العناصر التي تعلو على المتغيرات، بل تعمل من خلالها، بحضورها الأبدي، وتتجاوز عوامل التعرية والتآكل التي تأتي بالغناء عن الكثير من القيم والخبرات الموقوتة، إنه إذ يفعل هذا فكأنه يتجاوز معضلة "المرحلية" التي أسرت ولا تزال الكثير من المذاهب والأديان ورفعتها إلى الزوايا الضّيقة، فما لبثت حركة التاريخ أن تجاوزتها، أو أرغمتها على الانسحاب لأنها لم تكن تملك المرونة والانفتاح اللذين يمكناها من مواصلة التعامل مع الإنسان. لقد كان الإسلام، وسيظل، هو الأقدر من بين سائر المذاهب والممارسات، على تلبية حاجيات الإنسان وتطمين منازعه، وإننا بمجرد أن نتفحص سيل المنتمين إلى هذا الدين في القرن العشرين، وهم على ما هم عليه من تقدّم مشهود في السلّم الحضاري، جنبًا إلى جنب مع حشود المنتمين إليه في أماكن وأزمان شتى، وهم على ما هم عليه من تخلّف حضاري، يتبيّن لنا كم أن الإسلام قدير على تلبية مطالب الإنسان، دون أن يشكل انضواء الإنسان إليه أيّ ارتطام على الإطلاق بين حالته التاريخية أو الحضارية وبين الصيغ والخرائط التي يلزم الإسلام باعتمادها والاسترشاد بها عبر اجتيازه رحلة الحياة الدنيا.

ومن يستطيع أن ينكر أن الإسلام جاء لكي يهدي الإنسان ككيان بشري في كافة مكوناته وعلى قدر احتياجاته من غير زيادة أو نقصان، وأنه بينما جنحت المذاهب والنظريات صوب جانب فحسب من جوانب الكينونة البشرية: العقل، أو الروح، أو الغرائز، أو الجسد، أو الحسّ، أو الوجدان... إلى آخره، بينما عانت من التضخم والورم المرضي في هذا الجانب أو ذاك، وضمرت وغابت في جوانب أخرى، نجد الإسلام يتقدم بهندسته المعجزة لكي يتعامل مع الإنسان بمكوناته كافة، ولكي يكون حاضرًا عند كل صغيرة أو كبيرة في معاناته، أية كانت طبيعة هذه المعاناة عقلية أم روحية أم جسدية. وإذا كنا قبل قليل نتكلّم عن أن هذا الدين جاء لكي يكون رسالة السماء الأخيرة للأرض، فإنه سيكون من قبيل التناقض ألا يتضمن ميزة "التلاؤم" الكامل مع الإنسان، فإن الله سبحانه الذي هو أدرى بخلقه والذي يعرف من خلق، يعرف في الوقت نفسه المنهاج الذي يصلح للإنسان والذي يجيء موازيًا تمامًا لحجمه، ملائمًا تمامًا لدوره في الأرض؛ إن المؤمنين يعرفون هذا جيدًا، وهم يعيشونه صباح مساء، وعبر أربعة عشر قرنًا من الزمان كان المسلم وهو يتعامل مع دينه، مقتنعًا حتى النخاع بأنه واجد فيه الجواب على كل سؤال يطرحه، والحل لكل معضلة تجابهه، بل أنه واجد فيه التناسب الفذّ مع منازعه كإنسان، بحيث أن هذه العقيدة لم تنكمش يومًا تاركة إياه يتخبط في اجتهاداته الخاصة التي قد تخطئ وقد تصيب، ولم تتسع يومًا بأكثر مما يجب بحيث يعجز عن ملاحقة مطالبها وإدراك أبعادها الشاسعة، لقد كان المسلم يعرف دائمًا أن إحدى مزايا دينه هو هذا التلاؤم بينه وبين الإنسان، أما غير المسلمين فإنهم كثيرًا ما اختبروا هذا الجانب، فأكد لهم الاختبار صدق المقولة، وكان ذلك من بين عوامل وميزات أخرى، ما دفعهم إلى أن يقولوا كلمتهم فيه، بل أن يعلن بعضهم انتماءه إليه.

من يستطيع أن ينكر – كذلك – حركية هذا الدين، أو دايناميته الأبدية، قدرته على ملاحقة المتغيرات، استجابته للتحديات، حضوره الدائم في مواجهة الأحداث والخبرات؟ من يستطيع، رغم مرور الإسلام بفترات اختناق وتصلّب، طالت حينًا وقصرت أحيانًا، أن يقول بأنه ما استرجع قدرته على الفعل والحوار في أعقاب كل توقف، أو أنه فقد قدرته على الجدل إثر كل اختناق.

إن بمقدور المرء وهو يتفحّص هذا الدين أن يلمح في تركيبه خطين متوازيين كان وجودهما معًا بمثابة حماية لذاتية الإسلام، وتمكين له في الوقت نفسه من التحرك والانفتاح لكي يجابه سائر الحالات والمتغيرات ويستجيب لمختلف الخبرات والتحديات.

أما الخط الأول فيتمثل بعناصر الديمومة والثبات التي لا ينالها التغيير والتي تأبى على المتغيرات، بسبب من كونها حقائق أبدية تجابه حالات دائمة لا تخضع للتبدلات التاريخية والحضارية. وأما الخط الثاني فيتمثل بتلك الإمكانات المرنة التي منحها الإسلام أتباعه كي يجتهدوا أن يجابهوا بها المتغيرات ويستجيبوا للحالات المتجددة استنادًا إلى الأسس والعناصر الدائمة الثابتة. وهكذا يمضي الإسلام القرون تلو القرون وهو يحمل قدرته المزدوجة على حماية ذاته في مواجهة العالم، فيما لم تشهده أية عقيدة أو مذهب آخر، ويحمل مع هذه قدرته الأخرى على التكيف والملاءمة والاستجابة.

إن وحدة الدين والحياة ما تحققت يومًا ما كما تحققت في إطار هذا الدين، وإن ما قاله كبار الدارسين للإسلام من غير أبنائه يؤكد صموده للاختبار في هذا الجانب الحيوي وتفوقه فيه.

وثمة ميزات وملامح كثيرة أخرى سنلتقي بها عبر فصول الكتاب ولن يتسع لها المجال هاهنا، إذ هو على أية حال ليس مجال الحديث عن الإسلام من الداخل، وإنما هي إشارة فحسب إلى أن اختبار بعض هذه الميزات، من الخارج، أكَّد، وسيظل يؤكد تفرّد هذا الدين وقدراته المتجددة التي ما لها من نفاد. ويزيد هذا الاختبار أهمية أنه لا الأديان المحرفة ولا المذاهب الوضعية قدرت على أن تلمّ دفعة واحدة هذه الميزات جميعًا. نعم إنها قد تألّقت في هذا الجانب أو ذاك، ونالت إعجاب الناس لهذه الميزة أو تلك، ثم إن هذا التألق والإعجاب ما غطى سوى مرحلة زمنية محددة فحسب، وما لبث أن انطفأ لكي يتحول الاتباع إلى ما يبهرهم ويقنعهم، إلى عقائد ومذاهب أخرى، أو أنهم علّقوا على الأقل إعجابهم وانبهارهم وفقدوا قناعاتهم بما كانوا قد انتموا إليه يومًا، كما يفعل الكثير من الغربيين اليوم ممّن كانوا نصارى أو ماركسيين في يوم من الأيام.

أما في الإسلام فإننا نجد حشدًا من الميزات، وقدرة في الوقت نفسه على تجاوز أسر الزمان والمكان، والامتداد الدائم، عبر الحالات والمتغيرات والتحديات، لكسب الإنسان، ومنحه القناعة بتفرد هذا الدين وتميّزه على المذاهب والنظريات، وهو يبدو واضحًا في قرننا العشرين هذا بسبب من الخيبة التي مني بها الإنسان وهو يتعامل مع هذه المذاهب والنظريات، الأمر الذي يقودنا إلى وقفة عاجلة عند الخصائص الأساسية للبيئة الفكرية والنفسية والحضارية التي يعيشها الإنسان المعاصر فتدفعه دفعة إلى البحث عن "البديل" أو الإعراب عن الإعجاب به أو بجانب منه على أقل تقدير.

[ أزمة الإنسان والحضارة الغربية ]

بإيجاز شديد، ومن خلال معاينة أو مطالعة سيل من المعطيات المعاصرة يستطيع المرء أن يضع يديه بسهولة على "الأزمة" التي يعانيها الفكر الغربي بجناحيه العلماني والمادي، والتي يعيشها الإنسان المعاصر، والتي تجابه الحضارة الغربية المتفوقة بنذر التعاسة، وتصيب جسدها الخاوي بالقروح.

وقد تبلورت هذه الأزمة، في جوانبها كافة، من خلال طبيعة الحياة الغربية المعاصرة، وحشود الشهادات التي أدلى بها ولا يزال عدد ليس بالقليل من مفكري الغرب وعلمائه وأدبائه وفلاسفته وفنانيه.

ورغم ما قد يبدو على هذه الشهادات – أحيانًا – من طابع ردّ الفعل الذي يتّسم بالمبالغة أو التهويل، لكنه ردّ فعل ملائم للأزمة التي تعانيها الحياة الغربيّة، وردّ الفعل كما هو معروف يجيء مساويًا للفعل في قوته مخالفًا إيّاه في الاتجاه.

ثم إن هؤلاء، الذين يقولون كلمتهم في الحضارة الغربية، ويدينونها، ليسوا أناسًا عاديين، إنهم – بلا ريب – زهرة الثقافة الغربية وطليعتها التي لا تعبّر عن نفسها فحسب، ولكن عن حشود المثقفين الذين يجتازون الممر الضيق نفسه ويكادون أن يختنقوا، بل عن جماهير الناس العاديين الذين سنلتقي بنماذج منهم في هذا الكتاب، والذين يحسون بالأزمة ولكنهم لا يستطيعون أن يعبروا عنها بالصيغ الأكثر نضجًا، بل ربما، كان تعبير بعضهم أقرب إلى المباشرة والبساطة والفجاجة، من خلال موجات من الموضات السلوكية المنحرفة، يعقب بعضها بعضًا، وهي في عمومها تمنح الدارس محصلة واحدة: الاحتجاج ضد الحياة الغربية المعاصرة، ورفضها.

وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على أعمال معروفة من مثل (اللامُنتمي) و(سقوط الحضارة) لكولن ولسون، و(الساعة الخامسة والعشرون) لكونستانت جيور وجيو، و(الخمور الفكرية) لآرثر كوستلر و(الصرخة المختنقة) لسترايت و(الطريق إلى مكة) لليوبولد فايس و(منعطف الاشتراكية الكبير) و(البديل) لروجيه جارودي و(عصر السريالية) لفاولي و(المذكرات) لكازانتزاكي و(الإنسان ذلك المجهول) لألكسيس كاريل و(حدود العلم) لسوليفان ومؤلفات كتاب (العبث واللامعقول) من مثل بكت وجان جينيه ويوشكو وبعض الكتاب الوجوديين وبخاصة كامي وغيرها كثير(1) يمكن أن نتلمس بوضوح حجم المعاناة التي تجابه الإنسان والحضارة الغربية بأجنحتها كافة فتسوق البعض إلى الرفض والانشقاق، والبعض الآخر إلى البحث عن البديل وتسوق فئة ثالثة إلى الإيمان بهذا الدين: الإسلام الذي رأوا فيه خلاصهم الوحيد.

إن انتماء رجل كليوبولد فايس، أو روجيه جارودي إلى الإسلام، وكلاهما يملك عقلاً كبيرًا، ويمثل باتساع ثقافته وعمقها، وبتنوع خبرته، حصيلة الثقافة الغربية العميقة وغنى خبراتها، يعنى أن هذه الثقافة لم تجد في مكوناتها الخاصة بها، على ازدحامها وكثافتها، ما يمنح بعض العقول الكبيرة القناعة والتوازن واليقين. بالعكس، فإن هذا الغنى الثقافي يكشف أكثر فأكثر، ضرورة أن تكون هناك قاعدة أساسية تنبثق عنها هذه الثقافة عقيدة شاملة، بعبارة أخرى، فالثقافة وحدها لا تكفي، وهي تميل في الأغلب، إذا لم تستند إلى أرضية عقيدية أو رؤية شمولية مقنعة، لأن تتبعثر وتتشتّت، وتجرّ معها الإنسان إلى التبعثر والتشتت.

وإلى جانب هذا، ومن خلال المعاناة نفسها برزت على الساحة الغربية ظاهرة (اللاإنتماء) التي حدثنا عنها الباحث البريطاني كولن ولسون في كتابيه المعروفين (اللامنتمي) و(سقوط الحضارة) فأطال الحديث. إن كبار المفكرين والفنانين والأدباء والفلاسفة هناك لم يقدروا على التحقق الذاتي في إطار ثقافتهم تلك، بل لم يجدوا أوليات التوازن، واليقين في خضمّ هذه الثقافة المتلاطم، الكالح، العميق. وكانت مأساتهم تكمن في أنهم كانوا يعون هذا الانفصال المحزن بين الإنسان فردًا ومجتمعًا وبين ثقافته وإن اندفعت قيادات هذه الثقافة وقواعدها نحو نوع من الاندماج أو النسيان – ربما – بسبب من تضاؤل وعيها بانعدام التوازن أو التلاؤم بين الإنسان الغربي وبين ثقافته، نجد بالمقابل ذلك التّيار المضاد: حشدٌ من المثقفين الكبار يتمردون على ثقافة بلغت بهم شوطًا من الطريق، وهم يريدون أن يواصلوا الرحلة صوب المصير فلا تقدر معطياتهم الثقافية على منحهم المزيد. لقد "امتلكوا العالم" كما يقول كولن ولسون ثم "ماذا بعد؟".

إن الإنسان بطبيعة تركيبه ذي النزوع إلى الماورائيات يريد أن يتجاوز العالم إلى الكون، جدران المادية إلى الغيب، الطبيعة إلى ما وراءها، والسلطة إلى الحرية، إنه يريد أن يكسر الأسوار، وينطلق بحثًا عن الإله المفقود. بعبارة أخرى إنهم يريدون العقيدة التي تلبّي نزوعهم الطموح، وإن المرء ليلمس بوضوح هذا التوجه صوب العقيدة الشمولية المتوازنة في معظم المؤلفات الغربية التي أشرنا إلى نماذج منها، والتي حاول أصحابها أن يعالجوا أزمة الوجود الثقافي الغربي على ضوء المصير المقفل والدرب المسدود.

وإننا لنلمح على ضوء هذه الأزمة التي تعانيها الثقافة الغربية الدافع الذي جعل حشدًا من كبار المثقفين الغربيين، عبر الربع الثاني من هذا القرن على وجه التقريب، من مثل آرثر كوستلر واندريه جيد وريتشارد رايت واكناز سيلوني وستيفن بندر ولويس فيشر وبيكاسو واراجون وجارودي وغيرهم يلجأون إلى الماركسية. إنه لم يكن توجهًا حرًّا بمعنى الكلمة، ولكنه ارتماء المرهقين الباحثين عن الخلاص بأية طريقة ومن خلال أي برنامج يمتلك رؤية عقيدية شاملة تأخذ بيد الإنسان، حتى ولو كان الذي يصوغها هو الشيطان.

لكن المشكلة التي سرعان ما تبدت لهؤلاء الذين ارتموا في أحضان الماركسية أنها هي الأخرى تمتح من البئر نفسه الذي يشكل ماؤه نسيج الثقافة الغربية وينفخ الحياة في عروقها.

الفلسفة المادية التي ترفض الغيب والروح، وتنكر وجود الله، وتقطع الطريق إلى الجنة، وتحارب وجود الله.. إنها هي الأخرى تحجّم الإنسان، وتحصره في النطاق الضيّق، وتغلق الأبواب عليه لكي لا ينطلق صوب الآفاق الرحبة التي تتجاوز حدود المنظور والملموس وتتأبى على نداءات الجنس وصرخات الأمعاء.

وإذا كان ثمة فارق فإنه يكمن في امتلاك الماركسية النظرة الشمولية للعقيدة والفلسفة التي استهوت أولئك المثقفين، لكن الجوهر هو الجوهر والنسيج هو النسيج. فما ثمة بد لهؤلاء من الارتداد، كرة أخرى، بحثًا عن حل أكثر قبولاً، وأقدر على تلبية طموح الإنسان، بما أنه "إنسان" لا "حيوان اجتماعي"، ولا مجرد أداة ميكانيكية، أو رقم مضاف إلى الشمال أو اليمين. حلّ يمكّن المثقف الغربي من التحقّق الذاتي الضائع، وإذا كانت الأكثرية القلقة لم تقدر لأسباب شتى، ليس هذا مجال تحليلها أو حتى الإشارة إليها، على أن تجد طريقها صوب الهدف، فإن إسلام عشرات الغربيين بل مئاتهم، إشارة مؤكدة على أن هناك من يقدر على الوصول وعلى أن رحلة البحث عن المصير الموازي لحجم الإنسان ستؤتي ثمارها بإذن الله.

إن الأزمة الغربية الراهنة، في جوانبها الفكرية والنفسية والحضارية، تأخذ أبعادًا شتى، ليس أقلها خطورة – إذن – ذلك الضمور والضحالة الروحية اللذان تعانيهما الحضارة المعاصرة بكافة مذاهبها ونظمها ومعطياتها، الضمور والضحالة اللذان يصلان حدّ الخواء، وانعدام أي بعد يمنح الإنسان المعاصر رؤية أوسع مدى، وتجربة أعمق غورًا، يتجاوز بهما سطحية حياته المادية ورتابة تجربته المباشرة، ويكسر جدران الحس القريب لكي يمدّ في تجربة "الإنسان" ويمنحها كثافة أشد، وتوغلاً أبعد، ومنظورًا لتكون الحياة والعالم والإنسان أكثر غنى، إنه خواء يستل اليقين بكل ما من شأنه أن يمنح الحياة البشرية تفردّها، وتألّقها، وتميزها عن سائر الحيوان، ويعطي أبناءها الفرصة للاستهداء بحشد من القيم، والضوابط والمناهج المرسومة، التي يتحركون على هديها إلى أهداف تليق بهم، وتخلّصهم من الفوضى والتخبّط والارتجال.

إن حضارة تفتقد اليقين الديني لن يكون بمقدورها أن تمنح الإنسان كل ما يري، وإن الإنسان إن لم يجد نفسه في بيئة تتعامل معه كإنسان، بكل مكوناته، وأشواقه، ومنازعه، فإنه سيتمرد – ولا ريب – على هذه البيئة، وينشق عليها، طال الوقت أم قصر.

______________________________________________

(1) انظر المؤلفات التالية للمؤلف: (تهافت العلمانية)، (الأدب في مواجهة المادية)، (العلم في مواجهة المادية)، (فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر)، (أضواء جديدة على لعبة اليمين واليسار).

[ الأخطاء المنهجية للفكر الوضعي ]

وثمة النظرة الأحادية للفكر الغربي الوضعي(1)، والمنهج ذو الوجه الواحد الذي طالما اعتمده هذا الفكر وتشبث به. إنه ملمح لا يقل خطورة عن الملمح السابق ومن ثم سنقف عنده بعض الشيء.

إن المرء كثيرًا ما يتساءل: لماذا يصرّ الفكر الوضعي عمومًا، والغربي بخاصة، على التشبث بجانب واحد من الفكرة ذات الجوانب العديدة ويقف عند مساحة محدودة منها بينما هنالك مساحات أخرى ؟ ولماذا يصرّ على تبسيط الظاهرة وحملها على أن تطلّ على الإنسان بوجه مسطح واحد بينما هنالك وجوه عدّة ؟ ولماذا يتشنّج على طبقة واحدة من الحقيقة بينما هي تتضمن طبقات وطبقات ؟

إن السبب قد يحمل بعدًا نفسيًا ذاتيًا صرفًا، فالمفكّر الوضعي الذي يكتشف جانبًا من الحقيقة، أو مساحة من الظاهرة، أو وجهًا ما من الفكرة، ليسعى للاعتقاد بأن ما اكتشفه هو الجانب الوحيد للحقيقة، والمساحة الكلية للظاهرة، والوجه المتفرد للفكرة، ويبذل جهدًا متواصلاً لإقناع أتباعه بذلك ولشدة التكرار والإلحاح يتوهم هؤلاء بأن ما يقوله هو الحق وأن اكتشافه الفكري هو الصواب وأنه يتضمن أطراف الحقيقة أو الفكرة أو الظاهرة كافة.

إنها نوع من الرغبة في تعبيد الناس للمفكر، وكسب إعجابهم وانبهارهم من خلال أطروحاته الفكرية المعزّزة باستنتاجات ومعطيات متواصلة لتأكيد أنها الحق المطلق وأن ما وراءها الباطل والضلال. وهو يبني موقفه هذا، أو كسبه غير المشروع إذا صحّ التعبير، على ما قد يتضمنه العقل البشري من قصور وعدم قدرة على الإلمام بجوانب الحقيقة، وافتقاده النظرة الكلية التي تستشرف أطراف الظاهرة من كل مكان. هذا العقل الذي يظل يعاني من نقصه هذا طالما هو لم يستهد بدين سماوي، ببرنامج عمل موضوعي يجيء من السماء ويمنح الإنسان والعقل الإنساني، بما يتضمنه من علم إلهي شامل، القدرة على تجاوز النظرة أحادية الجانب، والتوغل لإدراك جوانب الحقيقة ومساحاتها وطبقاتها جميعًا.

إن المفكر الوضعي يمارس هنا نشاطاً ضد المنهج، ضد الموضوعية والتجرد العلمي، وهذه الضدّية تجيء على حساب الحقيقة. نعم، قد يكسب المفكر الجولة وقد يلتف حوله المريدون والأتباع، وقد يُظنّ لفترة طويلة من الزمن أنه وضع يده على مفاتيح الحقيقة وأنه سبر غورها العميق، ولكن الخاسر في هذه اللعبة التي تكررت على الساحة الأوروبية عشرات القرون هو الحقيقة والإنسان الذي يتوخى معرفتها وإدراكها في نهاية الأمر.

ويقوم هذا النشاط الذي يمارسه المفكر ضد المنهج والموضوعية على محاولة توسيع مساحة "الاكتشاف" لجعله يلف الظاهرة كلها، فيمطّه بأي أسلوب لكي يحيط بالفكرة من جوانبها كافة، ويرغمه على التضخّم لكي يوازي الحقيقة طولاً وعرضًا وعمقًا.

والمشكلة أن هذا الاكتشاف الذي يحمل قيمته الكبيرة بحدّ ذاته، قد يغطي مساحة من الظاهرة، قد يفسّر جانبًا من الفكرة، قد ينشر شعاعًا على جهة محدودة من الحقيقة لكي يضيئها. ولكن تبقى دائمًا مساحات وجوانب أخرى من الظواهر والأفكار والحقائق لا يكفي الاكتشاف – إن على مستوى النوع أو على مستوى الكم – لتفسيرها وإضاءتها، لابد من اكتشافات أخرى وإضاءات متتالية، تأخذ طابع التتابع والتكامل، وتسلط على الحقائق والظواهر والأفكار من أطرافها جميعًا، ويسهم فيه خط طويل من المفكرين، وعقول متألقة لا يحصيها عدّ.. وعند ذلك قد تصل إلى تفسير هذه الظاهرة أو تلك وقد لا تصل أساسًا.

إن هذا يتم في ميدان العلوم النظرية (الصرفة) والتطبيقية (التقنية) ولهذا حقّقت هذه العلوم تلك الخطوات العملاقة، وقدّمت للإنسان خدمات جلى لا يستطيع أحد أن ينكر دورها الفعال في استمرار الحضارات وبخاصة الحضارة الغربية المعاصرة.

لكن العلوم الإنسانية شهدت صيغة أخرى في العمل، صيغة الانفراد، والذاتية، والادعاء، والتضخم. ولذا لم تستطع أن تقدم للإنسان عُشر معشار ما قدمته العلوم النظرية والتطبيقية، ولهذا – أيضًا – آلت إلى الفشل والسقوط الواحدة تلو الأخرى.

فعلى سبيل المثال، لماذا يصرّ عقل فذ (كهيغل) على جعل الجدل أو الديالكتيك أو التقابل المتضاد بين الحقائق والتجارب يقتصر على نطاق (الفكرة)؟ ولماذا يجيء (ماركس) و(انجلز) بعده لكي يديناه على أحادية نظرته، بل على وضعها المقلوب، لكنهما ما يلبثان أن يقعا في الخطأ نفسه فيتشنجان على نظرية الديالكتيك المادي، أي الجدل في نطاق المادة وحدها؟ إنهما يتهمان (هيغل) بأنه وضع فلسفة "تمشي على رأسها" لكنهما وهما يسعيان لتعديل الوضع الفلسفي، قدّما فلسفة تمشي على بطنها بحثًا عن الخبز وحده.

أما كان الأولى أن يتجاوز (هيغل) تشبثه بالفكرة، وأن يبعد (ماركس) و(انجلز) قليلاً عن الأرضية المادية، وأن يحاول الطرفان وضع صيغة للجدل أكثر شمولية تتضمن الفكري والمادي معًا؟ ثم لماذا يصرّ الطرفان على أن الجدل بين الأفكار أو الصيغ المادية يأخذ طابع التناقض والتضاد ويقود دومًا إلى الاصطراع؛ ألا يتحتم أن تضاف إليه صيغ أخرى للعلاقة تأخذ طابع (التبادل) بدلاً من التضاد؟ تبادل في الأخذ والعطاء دونما ضرورة تدفع لصراع محتوم، ودونما اطراح لبعض العناصر من هذا الجانب أو ذاك، بل بلورته وتبنّيه وإضافته للموحّد الجديد.. وغير (هيغل) و(ماركس) و(انجلز) كثيرون جدًا.

إن ثمة أسئلة كثيرة تخطر على بال الإنسان وهو يتعامل مع الفكر الوضعي ولئن لم تحظ بأي جواب، فإن هناك ما يشبه القناعة تبرز لكل ذي عينين: أن النظرة أحادية الجانب، تلك التي تأخذ بخناق هذا الفكر، إن هي إلا انعكاس لنوع من الادعاء والغرور، وربما الكذب، سواء شئنا أم أبينا، إن معظم المفكرين الغربيين كما يصفهم كتاب الله {إِن يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} [سورة النجم، الآية 23].

تلك هي أزمة الفكر الوضعي من جهة المفكر نفسه، أي من الزاوية التي يطل بها على العالم، والمنهج الذي يعتمده في التعامل مع الظواهر والحقائق والأشياء. ولكننا نريد أن نقف لحظات في الجهة الأخرى، جهة العقل الغربي المتلقّي وهو يتعامل مع معطيات مفكريه: مذاهب ومدارس وعقائد ونظريات جهة المثقفين الغربيين وهم ينتمون إلى هذه المدرسة أو تلك، وإلى هذا المذهب أو النظرية أو ذاك.

فهاهنا أيضًا نجابه بعدد من الأخطاء المنهجيّة في طبيعة هذا التعامل، ويكمن أكبر هذه الأخطاء وأشدها وضوحًا في المشكلة نفسها التي يعاني منها المفكر واضع النظرية أو مصمّم المذهب، تلك هي – مرة أخرى – النظرة أحادية الجانب حيث يمارس المثقف ما يمكن اعتباره خداعًا وتضليلاً على حساب الحقيقة، أو ما يمكن اعتباره خطأ منهجيًا على أقل تقدير. إنه يصدّق فعلاً أن (الاكتشاف) الذي حققه هذا المفكر أو ذاك، ومطّه ونفخ فيه لكي يجعل منه نظرية أو مذهبًا، يفسر كل شيء، ويلقي ضوءه على كل معضلة أو مسألة غامضة في الوجود والعالم، يصدّق أن هذا الاكتشاف هو الحق المطلق، الرؤية المتفردة، الكشف النهائي للسنن والقوانين التي تحرك العالم وتفسر معطياته في الوقت ذاته. وهم، أي المثقفون، يدفعون أنفسهم إلى نوع من الاستسلام لهذا التصوّر، يصل بهم أحيانًا حدّ الوثنية والتعبّد، فيفقدوه القدرة على أي تفكير مستقل يخرج بهم عن دائرة المذهب الذي انتموا إليه، والمفكر أو الفيلسوف الذي آمنوا به، بل أنهم يعتبرون آية محاولة لتجاوز أطروحات المذهب خروجًا على التعاليم المقدسة، وهرطقة يستحق صاحبها أشد العقاب.

وإذا كان المفكر الوضعي يتخذ موقف المعلم المطلق، أو صاحب الاكتشاف المقدس، لتحقيق حاجة ذاتية في تركيبه الخاص، فما الذي يجعل المثقف المتلقي، أو التابع، يتخذ موقف التسليم المطلق والانقياد الأعمى للفكرة أو الاكتشاف ويتشنج عليهما ويعتبرهما الحق الذي ليس وراءه سوى الضلال؟

قد يلعب البعد النفسي دوره هنا أيضًا، فإن الانتماء لمذهب ما والمبالغة في الاعتقاد بأنه الحق المطلق واليقين الكامل، يمنح الذات فرصة للتحقق والتوازن والامتلاء، ويشبع فيها حاجات كانت في كثير من الأحيان بمثابة الدافع القوي للسلوك البشري. لكن هذا وحده لا يكفي. إنه – مرة أخرى – القصور العقلي، عدم قدرة الإنسان على بلوغ اليقين المطلق، أو رؤية الحقيقة كاملة طالما هو يرفض التلقي عن العلم الإلهي الشامل، ومن ثم يجد نفسه أسير التجزيئيّة والقصور، والرؤية ذات البعد الواحد. وهو من أجل تجاوز محنته، بل بسبب من اعتقاده بقدرته العقلية الفائقة، يندفع للتصديق بهذه النظرية أو تلك، والتسليم بهذا الكشف أو ذاك، لا لأنها بحد ذاتها تحمل الصواب المطلق، بل لأنه هو نفسه لا يملك المقاييس الموضوعية النهائية للحكم عليها ومن ثم فقد يمتلك القناعة الكافية، المناسبة مع قدراته المحدودة، في أن هذا الذي يطرحه مفكر أو فيلسوف ما هو إلا الصدق واليقين والحق، وأن الانتماء إليه يمنح الفكر معادلاته الموضوعية، وتوازنه، واستقراره.

إن المشكلة، مرة أخرى، تكمن في غياب الرؤية الدينية، انعدام المقاييس الموضوعية التي تنبثق عن العلم الإلهي الشامل. وهنا، في الساحة التي يتفرد فيها بالسلطان العقل ذو القدرات النسبية، يصبح الانتماء مجرد اجتهاد شخصي قد يخطئ وقد يصيب، وهو حتى إذا أصاب، فإنه لا يتحقق بالمعرفة الكلية اليقينية الشاملة، لأنه ليس بمقدور عقل بشري أن يبلغ شواطئها.

وهنا قد يسأل المرء: إذا حدث أن طرح مفكر ما كشفًا أو نظرية، تناقض في جوهرها كشف مفكر آخر أو نظريته، فمن يكون من أتباع كلا المفكرين على حق ومن يكون على ضلال؟

إن هذا التناقض الطولي بين مفكر وآخر يعملان في مجال واحد، من مثل التناقض بين (هيغل) و(ماركس) أو بين (دارون) وحفيده، أو بين (فرويد) وبعض تلامذته الذين انشقوا عليه، يكفي لوحده أن يهزّ قناعات الأتباع بكل الربوبيات والصنميات الفكرية، لكن هذا لا يحدث إلا نادرًا، لأن القصور الفكري وضياع المقاييس الشمولية، فضلاً عن الحاجات والدوافع النفسية في الاحتماء بهذه النظرية أو تلك والامتلاء بقناعاتها يمنع هذا المصير.

مهما يكن من أمر، فإن بعض المفكرين بسبب من تضخم إحساسهم بالقدرة على الكشف، وبأن كشفهم هذا قادر على الامتداد لتغطية جوانب الحقيقة كافة وتفسير كل شيء، بسبب من هذا يتجاوزون – أحيانًا – دوائر تخصصهم، ويوغلون في مجالات ودوائر أخرى للمعرفة قد لا يملكون من الأدوات والوسائل ما يمكنهم من أن يحققوا فيها ما حققوه هناك في حقل تخصصهم وإبداعهم. وإذا كان الدافع لهذا السلوك واضحًا، فما الذي يدفع (الاتباع) إلى تقبل هذا الموقف واعتبار معطيات المفكر، حتى في مجالات تبعد عن تخصصه، بمثابة الحقيقة النهائية هي الأخرى؟

(إن هذا بالذات ما يحدث بالنسبة للماركسيين – على سبيل المثال – وهم يتعاملون مع اكتشافات (ماركس) في حقول الاقتصاد والفلسفة والتاريخ، فيرونها جميعًا بمثابة الأمور التي تتجاوز حدود الحقائق الاختبارية إلى نوع من القدسية التي يتحتّم ألا يمسّها أحد بأية صيغة من صيغ التساؤل والشك. فإذا كان (ماركس) في حقل الاقتصاد قدّم في دائرته كشوفًا ذات قيمة، فما الذي يحتم على أتباعه قبول كل معطياته وكشوفاته في مجالين آخرين قد لا يكون صاحب القول الفصل فيهما وهما الفلسفة والتاريخ ؟

إن الفلسفة التي تتعامل مع المادة لا يمكن أن تمنحنا قناعات كافية إن لم تبدأ من المختبر، وتنبثق عن أسس فيزيائية علمية كما يفعل رجال من أمثال (هايزنبرغ) و(اينشتاين) و(كاريل) وغيرهم. والبحث في التاريخ ما لم يستكمل تفاصيل وجزئيات كل عصر وبيئة لا يمكن أن يمنحنا نتائج نهائية.

وعلى ضوء هاتين البديهيتين يمكن أن نقيّم معطيات (ماركس) في هذين الحقلين، ونحن لازلنا نذكر عبارة الباحث الاقتصادي (أوسكار لانكه) وهو أحد أكبر أخصائيين في اقتصاد الدول النامية، فهو بعد أن يستعرض جهود الكتاب الذين اهتموا بدراسة اقتصاد مجتمعات ما قبل الرأسمالية، منذ عصر (ماركس) وحتى عصر (بورشييف) يقول ما معناه: "ولكن هذه الدراسات جميعها مفككة، لذلك فإن الاقتصاد السياسي للنظم الاجتماعية ما قبل الرأسمالية لما يخرج بعد إلى حيز الوجود باعتباره فرعًا منظمًا من فروع الاقتصاد السياسي". ولكن هل يكفي هذا كله لفك الارتباط الوثني بين الأتباع والأرباب وتجاوز تقاليد قرون طوال سادت الفكر الغربي ولا تزال؟.

قد يتساءل المثقف الغربي، ومن حقه أن يتساءل، هل معنى قبول الدين، والإسلام على وجه الخصوص، أن نتخلى – بمعنى من المعاني – عن بعض درجات سلّمنا الحضاري المتقدمة، أو أن نتجاوز "العلمية" التي تميّز هذه الحضارة، والتي هي منهجها وشعارها؟

بعبارة أخرى: هل يحتمّ خلاصنا الديني بالإسلام، أن نضحّي ببعض منجزاتنا العقلية، وخبراتنا الحضارية، من أجل هذا الخلاص ؟ وهل أنه لا مناص من الاختيار بين الاثنين: إما هذا أو ذاك؟

إن الجواب على هذا السؤال المشروع بجانبيه، أي ما يتعلق بالحضارة وما يخصّ العلم، يقتضي وقفة متأنية لكي نعرف ما الذي يقوله الإسلام بصددهما، ما الذي قدّمه أو نسجه؟ وما هي طبيعة منظوره للحضارة، ورؤيته للعلم؟ وهل ثمّة من تأشيرات سلبية على أنشطتهما، أم أنه اللقاء، والحضّ والعطاء؟ هل أنه الانفصال الذي اعتقدته العلمانية الأوروبية كردّ فعل للنصرانية التي وقفت بمواجهة التحضّر والعلم، بشكل أو بآخر، أم أنه التناغم والاتصال؟

لن يسمح هذا المدخل الموجز لتقديم الجواب ويكفي أن نتابع "الشهادات" التي تضمنها هذا الكتاب والتي لا تدع مجالاً للشك في أن الإسلام، بمعنى من المعاني، هو التحضّر والعلم معًا في إطار رؤية دينية تتميز بالشمولية والتوازن.

إنه يتحتّم علينا ألا ننساق وراء المقولة الخاطئة التي اصطنعتها العلمانية الأوروبية، والتي تتركز بعبارة "إما هذا أو ذاك"، أي إما الإيمان أو التحضّر، إما الدين وإما العلم، إما الله وإما الإنسان، وباختصار: إما السماء وإما الأرض.

فهاهنا، في نسيج التصوّر الإسلامي، متناسقًا مع سداه ولحمته، نلتقي الشعار الآخر الذي يتحتم على الغربيين أن يعرفوه جيدًا ويوقنوا به: هذا وذاك، الإيمان والتحضر، الدين والعلم، الله والإنسان، السماء والأرض.

إن الإسلام، بانفتاحه على العلم والتحضّر وتبنيّه لهما، كما سيتبين لنا، يجعل من مرور الزمن، وتراكم الخبرات العلمية والحضارية، سلاحًا بيده وليس ضده، كما فعلت النصرانية وبعض الأديان الأخرى، سيجعل منها عصًا، كتلك التي أمسك بها موسى عليه السلام، فضرب بها البحر ومضى بأتباعه صوب أهدافه المرتجاة.

وإنه من خلال المعطيات العلمية والحضارية ستتبين لكل ذي فكر مصداقية هذا الدين وأحقيته بالتفرّد والسلطان. فما قال به في عصر تنزّله البعيد، جاءت هذه المعطيات لكي تؤكده وتكشف عنه النقاب. وإن القرآن الكريم ليؤكد هذا البعد الزمني في آيتين: إحداهما قول الله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [سورة يونس، الآية 39، وسورة فصّلت، الآية 53]. والثانية: قول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}. بعد الخبرة والتقدم، والزمن الذي يضيف بحساب الكم والنوع إلى نهر العلم والتحضّر.

إن الانتماء للإسلام يضع الإنسان في حالة تساوٍ وتآلف مع السنن الكونية، ويجنبه الارتطام بها، فيمنحه قوة أكبر على التقدم والاندفاع من خلال توافق طاقاته مع طاقات الكون ونواميسه. كما أن الانتماء للدين الذي يدعوه للكشف عن السنن والطاقات المذخورة في الكون والعالم، والإفادة منها يمنحه قدرات مضافة على التحضر والإبداع والتقدم جنبًا إلى جنب مع دعوته للكشف عن قوانين الحركة التاريخية واعتمادها لتنفيذ مهمته العمرانية في العالم والتعجيل بها.

إن الإسلام، في نهاية التحليل وبدايته كذلك، دعوة إلى التقدم والتحضّر بأي منظور ومن أية زاوية، وإن المنتمين إليهم يجدون فرصتهم الحقيقية لذلك، ليس من قبيل الادّعاء والغرور ولكن من خلال العقل والتحقّق اللذين يحرسهما الإيمان والتقوى ويدفعهما الإحسان إلى المزيد، كما سيتبين لنا من قراءة فصول هذا الكتاب.

______________________________________________

(1) المقصود هنا المدلول اللغوي لا الاصطلاحي لكلمة (الوضعية).

(2) محمد علي نصر الله: أضواء على نمط الإنتاج الآسيوي، مجلة آفاق عربية، سنة 2، عدد 6، 7، 8 .

(3) عالج المؤلف هذه المسألة في الكتب التالية التي يمكن الرجوع إليها لمتابعة التفاصيل: (مدخل إلى موقف القرآن الكريم من العلم)، (حول إعادة تشكيل العقل المسلم)، (التفسير الإسلامي للتاريخ)، و(مؤشرات حول الحضارة الإسلامية).

الفصل الأول القرآن الكريم

"لقد قمتُ بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة، باحثًا عن درجة اتفاق نصي القرآن ومعطيات العلم الحديث.. فأدركت أنه لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث...".

(العالم الفرنسي موريس بوكاي)

خليل أحمد

[ 1 ]

"يرتبط هذا النبي [صلى الله عليه وسلم] بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح [عليه السلام] في قوله عنه: (ويخبركم بأمور آتية)، هذا الإعجاز هو القرآن الكريم معجزة الرّسول الباقية ما بقي الزّمان. فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كلّ مناحيه: من طب، وفلك، وجغرافيا، وجيولوجيا، وقانون، واجتماع، وتاريخ... ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف..."(1).

[ 2 ]

"أعتقد يقينًا أني لو كنت إنسانًا وجوديًا... لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية وجاءني نفر من الناس وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث – في كل مناحيه – لآمنت برب العزة والجبروت، خالق السماوات والأرض ولن أشرك به أحدًا..."(2).

[ 3 ]

"في هذا الظلام الدامس – أيها المسيحي – ينزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكشف لك عن الله عز وجل.."(3).

[ 4 ]

"للمسلم أن يعتزَّ بقرآنه، فهو كالماء فيه حياة لكل من نهل منه"(4).

_______________________________________

(1) إبراهيم خليل أحمد Ibrahim Khalil Ahmad

قس مبشر من مواليد الإسكندرية عام 1919، يحمل شهادات عالية في علم اللاهوت من كلية اللاهوت المصرية، ومن جامعة برنستون الأمريكية. عمل أستاذًا بكلية اللاهوت بأسيوط. كما أرسل عام 1954 إلى أسوان سكرتيرًا عامًا للإرسالية الألمانية السويسرية. وكانت مهمته الحقيقية التنصير والعمل ضد الإسلام. لكن تعمقه في دراسة الإسلام قاده إلى الإيمان بهذا الدين وأشهر إسلامه رسميًا عام 1959. كتب العديد من المؤلفات، أبرزها ولا ريب (محمد في التوراة والإنجيل والقرآن)، (المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي)، و(تاريخ بني إسرائيل).

(2) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن، ص 47 – 48 .

(3) نفسه، ص 48 .

(4) نفسه، ص 172 .

آرنولد(1)

[ 1 ]

".. [ إننا ] نجد حتى من بين المسيحيين مثل الفار Alvar [ الإسباني ] الذي عرف بتعصبه على الإسلام، يقرر أن القرآن قد صيغ في مثل هذا الأسلوب البليغ الجميل، حتى إن المسيحيين لم يسعهم إلا قراءته والإعجاب به.."(2).

______________________________________

(1) سير توماس أرنولد ( 1864 – 1930). Sir Thomas Amold

من كبار المستشرقين البريطانيين. صاحب فكرة كتاب (تراث الإسلام) الذي أسهم فيه عدد من مشاهير البحث والاستشراق الغربي. وقد أشرف آرنولد على تنسيقه وإخراجه. تعلم في كمبردج وقضى عدة سنوات في الهند أستاذًا للفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية. وهو أول من جلس على كرسي الأستاذية في قسم الدراسات العربية في مدرسة اللغات الشرقية بلندن. وصفه المستشرق البريطاني المعروف (جب) بأنه "عالم دقيق فيما يكتب، وأنه أقام طويلاً في الهند وتعرف إلى مسلميها، وأنه متعاطف مع الإسلام، وكل هذه أمور ترفع أقواله فوق مستوى الشهادات" (دراسات في حضارة الإسلام ص244). ذاع صيته بكتابيه: (الدعوة إلى الإسلام) الذي ترجم إلى كثر من لغة، و(الخلافة). كما أنه نشر عدة كتب قيمة عن الفن الإسلامي.

(2) الدعوة إلى الإسلام (بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية)، ص 162 .

إيرفنج(1)

[ 1 ]

"كانت التوراة في يوم ما هي مرشد الإنسان وأساس سلوكه. حتى إذا ظهر المسيح [عليه السلام] اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل، ثم حلَّ القرآن مكانهما، فقد كان القرآن أكثر شمولاً وتفصيلاً من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل. حوى القرآن كل شيء، وحوى جميع القوانين، إذ إنه خاتم الكتب السماوية.."(2).

[ 2 ]

"يدعو القرآن إلى الرحمة والصفاء وإلى مذاهب أخلاقية سامية"(3).

______________________________________

(1) واشنجتون ايرفنج W. irving

مستشرق أمريكي، أولى اهتمامًا كبيرًا لتاريخ المسلمين في الأندلس. من آثاره: (سيرة النبي العربي) مذيلة بخاتمة لقواعد الإسلام ومصادرها الدينية (1849)، و(فتح غرناطة) (1859)، وغيرها.

(2) حياة محمد، ص 72 .

(3) نفسه ، ص 304 .

بروز(1)

[ 1 ]

"إنه ليس هناك شيء لا ديني في تزايد سيطرة الإنسان على القوى الطبيعية، (هناك آية في القرآن يمكن أن يستنتج منها أنه لعل من أهداف خلق المجموعة الشمسية لفت نظر الإنسان لكي يدرس علم الفلك ويستخدمه في حياته : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس 5]. وكثيرًا ما يشير القرآن إلى إخضاع الطبيعة للإنسان باعتباره إحدى الآيات التي تبعث على الشكر والإيمان: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ، لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف 13]. ويذكر القرآن – لا تسخير الحيوان واستخدامه فحسب – ولكن يذكر السفن أيضًا.. فإذا كان الجمل والسفينة من نعم الله العظيمة، أفلا يصدق هذا أكثر على سكة الحديد والسيارة والطائرة؟"(2).

[ 2 ]

".. إن أعظم نتائج العلم يمكن أن تستخدم في أغراض هدمية أو بنائية. وربما كان هذا هو المقصود بما ورد في القرآن خاصًا باستخدام الحديد: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد 25]. وأظهر مثال من هذه الآية بالضرورة هو استخدام النشاط الذري – الذي نشطت بحوثه – لضرورة حربية.."(3).

_______________________________________

(1) د . ميلر بروز

رئيس قسم لغات الشرق الأدنى وآدابه وأستاذ الفقه الديني الإنجيلي في جامعة (ييل). وعمل أستاذًا بجامعة براون، وأستاذًا زائرًا بالجامعة الأمريكية في بيروت، ومديرًا للمدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية بالقدس، ومن مؤلفاته:

Founders of Great Religions, 1931.

What means these Stones, 1941.

Palestine our Business, 1941.

(2) الثقافة الإسلامية، ص 51 .

(3) الثقافة الإسلامية، ص 54 .

بلاشير(1)

[ 1 ]

".. إن الفضل [بعد الله] يعود إلى الخليفة عثمان بن عفان [رضي الله عنه] لإسهامه قبل سنة 655هـ في إبعاد المخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن، وإليه وحده يدين المسلمون بفضل تثبيت نصّ كتابهم المنزل، على مدى الأجيال القادمة"(2).

[ 2 ]

"لا جرم في أنه إذا كان ثمة شيء تعجز الترجمة عن أدائه فإنما هو الإعجاز البياني واللفظي والجرس الإيقاعي في الآيات المنزلة في ذلك العهد.. إن خصوم محمد [عليه الصلاة والسلام] قد أخطئوا عندما لم يشاءوا أن يروا في هذا إلا أغاني سحرية وتعويذية، وبالرغم من أننا على علم – استقرائيًا فقط – بتنبؤات الكهان، فمن الجائز لنا الاعتقاد مع ذلك بخطل هذا الحكم وتهافته، فإن للآيات التي أعاد الرسول [عليه الصلاة والسلام] ذكرها في هذه السور اندفاعًا وألقًا وجلالة تخلِّف وراءها بعيدًا أقوال فصحاء البشر كما يمكن استحضارها من خلال النصوص الموضوعة التي وصلتنا"(3).

[ 3 ]

".. إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضًا ويمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجَّلته من التحف.. إن الخليفة المقبل عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] المعارض الفظ في البداية للدين الجديد، قد غدا من أشد المتحمسين لنصرة الدين عقب سماعه لمقطع من القرآن. وسنورد الحديث فيما بعد عن مقدار الافتتان الشفهي بالنص القرآني بعد أن رتّله المؤمنون"(4).

[ 4 ]

".. الإعجاز هو المعجزة المصدقة لدعوة محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي لم يرتفع في أحاديثه الدنيوية إلى مستوى الجلال القرآني.."(5).

[ 5 ]

".. في جميع المجالات التي أطللنا عليها من علم قواعد اللغة والمعجمية وعلم البيان، أثارت الواقعة القرآنية وغذت نشاطات علمية هي أقرب إلى حالة حضارية منها إلى المتطلبات التي فرضها إخراج الشريعة الإسلامية. وهناك مجالات أخرى تدخل فيها (الواقعة القرآنية) كعامل أساسي.. ولا تكون فاعليتها هنا فاعلية عنصر منبه فقط، بل فاعلية عنصر مبدع تتوطد قوته بنوعيته الذاتية .."(6).

___________________________________

(1) بلاشير R. L. Blachere

ولد بالقرب من باريس، وتلقى دروسه الثانوية في الدار البيضاء، وتخرج بالعربية في كلية الآداب بالجزائر (1922)، وعين أستاذًا لها في معهد مولاي يوسف بالرباط، ثم انتدب مديرًا لمعهد الدراسات المغربية العليا بالرباط (1924-19359، واستدعته مدرسة اللغات الشرقية بباريس أستاذًا لكرسي الآداب العربي (1935-1951)، ونال الدكتوراه (1936)، وعين أستاذًا محاضرًا في السوربون (19389، ومشرفًا على مجلة (المعرفة)، التي ظهرت في باريس باللغتين العربية والفرنسية، من آثاره: دراسات عديدة عن تاريخ الأدب العربي في أشهر المجلات الاستشراقية، وكتاب (تاريخ الأدب العربي) (باريس 1952)، وترجمة جديدة للقرآن الكريم في ثلاثة أجزاء (باريس 1947-1952)، وغيرها.

(2) تاريخ الأدب العربي 2/22 .

(3) تاريخ الأدب العربي، 2 / 31 .

(4) القرآن الكريم، ص 102 – 103 .

(5) القرآن الكريم ، ص 104 – 105 .

(6) القرآن الكريم ، ص 104 .

بوازار(1)

[ 1 ]

"لابدّ عند تعريف النصّ القدسي في الإسلام من ذكر عنصرين، الأول أنه كتاب منزل أزلي غير مخلوق، والثاني أنه (قرآن) أي كلام حي في قلب الجماعة.. وهو بين الله والإنسانية (الوسيط) الذي يجعل أي تنظيم كهنوتي غير ذي جدوى، لأنه مرضي به مرجعًا أصليًا، وينبوع إلهام أساسي.. وما زال حتى أيامنا هذه نموذجًا رفيعًا للأدب العربي تستحيل محاكاته إنه لا يمثل النموذج المحتذى للعمل الأدبي الأمثل وحسب، بل يمثل كذلك مصدر الأدب العربي والإسلامي الذي أبدعه لأن الدين الذي أوحى به هو في أساس عدد كبير من المناهج الفكرية التي سوف يشتهر بها الكتاب .."(2).

[ 2 ]

"لقد أثبت التنزيل برفضه الفصل بين الروحي والزمني أنه دين ونظام اجتماعي.. ومن البديهي أن التنزيل والسبيل الذي ظن إمكان استخدامه فيه قد طبعا المجتمع بعمق.."(3).

[ 3 ]

".. إن القرآن لم يقدّر قط لإصلاح أخلاق عرب الجاهلية، إنه على العكس يحمل الشريعة الخالدة والكاملة والمطابقة للحقائق البشرية، والحاجات الاجتماعية في كل الأزمنة"(4).

[ 4 ]

".. يخلق الروح القرآني مناخ عيش ينتهي به الأمر إلى مناغمة التعبيرات الذهنية والمساواة بين العقليات والنظم الاجتماعية بأكثر مما تفترض التصريفات السياسية والطوابع الإيديولوجية التي تسند إلى الدول. ولا يكفي قط ما يتردد عن درجة تأثير القرآن الكبرى في (الذهنية الإسلامية) المعاصرة، فهو ما يزال مصدر الإلهام الفردي والجماعي الرئيسي، كما أنه ملجأ المسلمين وملاذهم الأخير"(5).

[ 5 ]

".. [ إن ] الأدوات التي يوفرها التنزيل القرآني قادرة ولا ريب على بناء مجتمع حديث.."(6).

______________________________________

(1) مارسيل بوازار M. Poizar

مفكر ، وقانوني فرنسي معاصر. أولى اهتمامًا كبيرًا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددًا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين. يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام)، الذي انبثق عن الاهتمام نفسه، علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام، بما تميز به من موضوعية، وعمق، وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى. فضلاً عن الكتابات الإسلامية نفسها.

(2) إنسانية الإسلام ، ص 52 – 53 .

(3) إنسانية الإسلام، ص 206 – 207 .

(4) إنسانية الإسلام، ص 109 .

(5) إنسانية الإسلام، ص 343 .

(6) إنسانية الإسلام، ص 345 .

بوتر(1)

[ 1 ]

".. عندما أكملت القرآن الكريم غمرني شعور بأن هذا هو الحق الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها. وأنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية. أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة"(2).

[ 2 ]

".. إن المضمون الإلهي للقرآن الكريم هو المسؤول عن النهوض بالإنسان وهدايته إلى معرفة الخلق، هذه المعرفة التي تنطبق على كل عصر.."(3).

[ 3 ]

".. كيف استطاع محمد [صلى الله عليه وسلم] الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها؟ لابدّ إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل"(4).

___________________________________

(1) ديبورا بوتر D. Potter

ولدت عام 1954، بمدينة ترافيرز، في ولاية متشيغان الأمريكية، وتخرجت من فرع الصحافة بجامعة متشيغان، اعتنقت الإسلام عام 1980، بعد زواجها من أحد الدعاة الإسلاميين العاملين في أمريكا، بعد اقتناع عميق بأنه ليس ثمة من دين غير الإسلام يمكن أن يستجيب لمطالب الإنسان ذكرًا كان أم أنثى.

(2) رجال ونساء أسلموا ، ص 8 / 100 .

(3) رجال ونساء أسلموا، ص 8 / 113 .

(4) رجال ونساء أسلموا، ص 8 / 109 .

بوكاي(1)

[ 1 ]

"لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم، وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة باحثًا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث. وكنت أعرف، قبل هذه الدراسة، وعن طريق الترجمات، أن القرآن يذكر أنواعًا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ولكن معرفتي كانت وجيزة. وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث وبنفس الموضوعية قمت بنفس الفحص على العهد القديم والأناجيل. أما بالنسبة للعهد القديم فلم تكن هناك حاجة للذهاب إلى أبعد من الكتاب الأول، أي سفر التكوين، فقد وجدت مقولات لا يمكن التوفيق بينها وبين أكثر معطيات العلم رسوخًا في عصرنا. وأما بالنسبة للأناجيل.. فإننا نجد نصّ إنجيل متى يناقض بشكل جلي إنجيل لوقا ، وأن هذا الأخير يقدم لنا صراحة أمرًا لا يتفق مع المعارف الحديثة الخاصة بقدم الإنسان على الأرض"(2).

[ 2 ]

"لقد أثارت الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية. فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحدّ من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع ومطابقته تمامًا للمعارف العلمية الحديثة، وذلك في نصّ كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام. وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم مسبق وبموضوعية تامة.."(3).

[ 3 ]

".. تناولتُ القرآن منتبهًا بشكل خاص إلى الوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية. لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي. أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرة والتي لم يكن ممكنًا لأي إنسان في عصر محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يكون عنها أدنى فكرة.."(4).

[ 4 ]

".. كيف يمكن لإنسان – كان في بداية أمره أمّيًا -.. أن يصرح بحقائق ذات طابع علمي لم يكن في مقدور أي إنسان في ذلك العصر أن يكونها، وذلك دون أن يكشف تصريحه عن أقل خطأ من هذه الوجهة؟"(5).

____________________________________

(1) د. موريس بوكاي Maurice Bucaille

الطبيب والعالم الفرنسي المعروف. كان كتابه (القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم) من أكثر المؤلفات التي عالجت موضوعًا كهذا، أصالة واستيعابًا وعمقًا. ويبدو أن عمله في هذا الكتاب القيم منحه قناعات مطلقة بصدق كتاب الله، وبالتالي صدق الدين الذي جاء به. دعي أكثر من مرة لحضور ملتقى الفكر الإسلامي الذي ينعقد في الجزائر صيف كل عام، وهناك أتيح له أن يطلع أكثر على الإسلام فكرًا وحياة.

(2) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150 .

(3) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145 .

(4) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 145 .

(5) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، ص 150 .

بيكارد(1)

[ 1 ]

".. ابتعت نسخة من ترجمة سافاري (Savary) الفرنسية لمعاني القرآن وهي أغلى ما أملك. فلقيت من مطالعتها أعظم متعة وابتهجت بها كثيرًا حتى غدوت وكأن شعاع الحقيقة الخالد قد أشرق علي بنوره المبارك(2).

___________________________________

(1) وليم بيرشل بشير بيكارد W. B. Beckard

إنكليزي، تخرج من كانتر بوري. مؤلف وكاتب مشهور. ومن بين مؤلفاته الأدبية بالإنكليزية (مغامرات القاسم) و(عالم جديد). شارك في الحرب العالمية الأولى وأسر. عمل فترة من الوقت في أوغندا. أعلن إسلامه عام 1922م.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 86 .

حتي(1)

[ 1 ]

"إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلّد. وهذا في أساسه، هو إعجاز القرآن.. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى"(2).

[ 2 ]

".. إن إعجاز القرآن لم يحل دون أن يكون أثره ظاهرًا على الأدب العربي. أما إذا نحن نظرنا إلى النسخة التي نقلت في عهد الملك جيمس من التوراة والإنجيل وجدنا أن الأثر الذي تركته على اللغة الإنكليزية ضئيل، بالإضافة إلى الأثر الذي تركه القرآن على اللغة العربية. إن القرآن هو الذي حفظ اللغة العربية وصانها من أن تتمزق لهجات"(3).

_______________________________________

(1) د. فيليب حتى P. Hitti

ولد عام 1886م ، لبناني الأصل، أمريكي الجنسية، تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت (1908م)، ونال الدكتوراه من جامعة كولومبيا (1915م)، وعين معيدًا في قسمها الشرقي (1915-1919)، وأستاذًا لتاريخ العربي في الجامعة الأمريكية ببيروت (1919-1925)، وأستاذًا مساعدًا للآداب السامية في جامع برنستون (1926-1929م)، وأستاذًا ثم أستاذ كرسي ثم رئيسًا لقسم اللغات والآداب الشرقية (1929-1954م)، حين أحيل على التقاعد، أنتخب عضوًا في جمعيات ومجامع عديدة.

من آثاره: (أصول الدولة الإسلامية) (1916م)، (تاريخ العرب) (1927م)، (تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين) (1951م)، (لبنان في التاريخ) (1961م)، وغيرها.

(2) الإسلام منهج حياة ، ص 62 .

(3) الإسلام منهج حياة، ص 287 - 288 .

حنا(1)

[ 1 ]

"إنه لابد من الإقرار بأن القرآن، فضلاً عن كونه كتاب دين وتشريع، فهو أيضًا كتاب لغة عربية فصحى. وللغة القرآن الفضل الكبير في ازدهار اللغة، ولطالما يعود إليه أئمة اللغة، في بلاغة الكلمة وبيانها، سواء كان هؤلاء الأئمة مسلمين أم مسيحيين. وإذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلاً ولا تحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضًا بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلاً أو موضوعًا، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة، كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة"(2).

______________________________________

(1) الدكتور جورج حنا G. Hanna (John)

مسيحي من لبنان ، ينطلق في تفكيره من رؤية مادية طبيعية صرفة، كما هو واضح في كتابه المعروف (قصة الإنسان).

(2) قصة الإنسان ، ص 79 – 80 .

داود(1)

[ 1 ]

".. تناولت نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، لأنني عرفت أن هذا هو الكتاب المقدس عند المسلمين، فشرعت في قراءته وتدبّر معانيه. لقد استقطب جل اهتمامي، وكم كانت دهشتي عظيمة حين وجدت الإجابة المقنعة عن سؤالي المحيّر: [الهدف من الخلق] في الصفحات الأولى من القرآن الكريم.. لقد قرآت الآيات (30-39) من سورة البقرة.. وهي آيات توضح الحقيقة بجلاء لكل دارس منصف، إن هذه الآيات تخبرنا بكل وضوح وجلاء وبطريقة مقنعة عن قصة الخلق.."(2).

[ 2 ]

".. إن دراستي للقرآن الكريم وضحت أمام ناظري العديد من الإشكالات الفكرية وصححت الكثير من التناقضات التي طالعتها في الكتب السماوية السابقة"(3).

_______________________________________

(1) عامر علي داود A. Ali David

ينحدر من أسرة هندية برهمية، تنصرت على أيدي المبشرين الذين قاموا مع طلائع الاستعمار، كان كثير القراءة للكتب الدينية، ولما أتيح له أن يطلع على القرآن الكريم كان الجواب هو انتماؤه للإسلام.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 116 – 118 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 118 .

درمنغم(1)

[ 1 ]

"للمسيح [عليه السلام] في القرآن مقام عالٍ، فولادته لم تكن عادية كولادة بقية الناس، وهو رسول الله الذي خاطب الله جهرًا عن مقاصده وحدث عن ذلك أول شخص كلمه، وهو كلمة الله الناطقة من غير اختصار على الوحي وحده.. والقرآن يقصد النصرانية الصحيحة حينما يقول: إن عيسى [عليه السلام] كلمة الله، أو روح الله، ألقاها إلى مريم وأنه من البشر.. وهو يَذمّ مذهب القائلين بألوهية المسيح [عليه السلام] ومذهب تقديم الخبز إلى مريم عبادة ثم أكله وما إلى ذلك من مذاهب الإلحاد النصرانية، لا النصرانية الصحيحة، ولا يسع النصراني إلا أن يرضى بمهاجمة القرآن للثالوث المؤلف من الله وعيسى ومريم"(2).

[ 2 ]

"سيكون القرآن حافزًا للجهاد يردده المؤمنون كما يردد غيرهم أناشيد الحرب، محرضًا على القتال جامعًا لشؤونه، محركًا لفاتري الهمم، فاضحًا للمخلّفين مخربًا للمنافقين، واعدًا الشهداء بجنات عدن"(3).

[ 3 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يعد نفسه وسيلة لتبليغ الوحي، وكان مبلغ حرصه أن يكون أمينًا مصغيًا أو سجلاً صادقًا أو حاكيًا معصومًا لما يسمعه من كلام الظل الساطع والصوت الصامت للكلام القديم على شكل دنيوي، لكلام الله الذي هو أم الكتاب، للكلام الذي تحفظه ملائكة كرام في السماء السابعة. ولابد لكل نبي من دليل على رسالته، ولابد له من معجزة يتحدى بها.. والقرآن هو معجزة محمد [صلى الله عليه وسلم] الوحيدة، فأسلوبه المعجز وقوة أبحاثه لا تزال.. إلى يومنا يثيران ساكن من يتلونه، ولو لم يكونوا من الأتقياء العابدين، وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] يتحدى الإنس والجن بأن يأتوا بمثله، وكان هذا التحدي أقوم دليل لمحمد على صدق رسالته.. ولا ريب أن في كل آية منه، ولو أشارت إلى أدق حادثة في حياة الخاصة، تأتيه بما يهزّ الروح بأسرها من المعجزة العقلية، ولا ريب في أن هنالك ما يجب أن يبحث به عن سرّ نفوذه وعظيم نجاحه"(4).

[ 4 ]

"كان لمحمد [صلى الله عليه وسلم] بالوحي آلام كبيرة.. وحالات مؤثرة كره أن يطلع الناس عليها، ولاحظ أبو بكر [رضي الله عنه] ذات يوم، والحزن ملء قلبه، بدء الشيب في لحية النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال له النبي: (شيّبتني هود وأخواتها: الواقعة والحاقة والقارعة). وكان النبي [صلى الله عليه وسلم] يشعر بعد الوحي بثقل في رأسه فيطبه بالمراهم، وكان يدثر حين الوحي فيسمع له غطيط وأنين. وكان إذا نزل الوحي عليه يتحدر جبينه عرقًا في البرد"(5).

[ 5 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم]، وهو البعيد من إنشاء القرآن وتأليفه ينتظر نزول الوحي إليه أحيانًا على غير جدوى، فيألم من ذلك، ويود لو يأتيه الملك متواترًا"(6).

____________________________________

(1) إميل درمنغم E. Dermenghem

مستشرق فرنسي، عمل مديرًا لمكتبة الجزائر، من آثاره: (حياة محمد) (باريس 1929) وهو من أدق ما صنّفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم، و(محمد والسنة الإسلامية) (باريس 1955م)، ونشر عددًا من الأبحاث في المجلات الشهيرة مثل: (المجلة الأفريقية)، و(حوليات معهد الدراسات الشرقية)، و(نشرة الدراسات العربية)... إلخ.

(2) حياة محمد ، ص 131 – 132 .

(3) حياة محمد ، ص 195 .

(4) حياة محمد ، ص 289 – 280 .

(5) حياة محمد ، ص 283 .

(6) حياة محمد ، ص 285 .

دي كاستري(1)

[ 1 ]

".. إن العقل يحار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظًا ومعنى. آيات لما سمعها عتبة بن ربيعة حار في جمالها، وكفى رفيع عبارتها لإقناع عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] فآمن برب قائلها، وفاضت "عين نجاشيّ الحبشة بالدموع لما تلا عليه جعفر بن أبي طالب سورة زكريا وما جاء في ولادة يحيى وصاح القسس أن هذا الكلام وارد من موارد كلام عيسى [عليه السلام].. لكن نحن معشر الغربيين لا يسعنا أن نفقه معاني القرآن كما هي لمخالفته لأفكارنا ومغايرته لما ربيت عليه الأمم عندنا. غير أنه لا ينبغي أن يكون ذلك سببًا في معارضة تأثيره في عقول العرب. ولقد أصاب (جان جاك روسو) حيث يقول: (من الناس من يتعلم قليلاً من العربية ثم يقرأ القرآن ويضحك منه ولو أنه سمع محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يمليه على الناس بتلك اللغة الفصحى الرقيقة وصوته المشبع المقنع الذي يطرب الآذان ويؤثر في القلوب.. لخر ساجدًا على الأرض وناداه: أيها النبي رسول الله خذ بيدنا إلى مواقف الشرف والفخار أو مواقع التهلكة والأخطار فنحن من أجلك نودّ الموت أو الانتصار).. وكيف يعقل أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ألف هذا الكتاب باللغة الفصحى مع أنها في الأزمان الوسطى كاللغة اللاتينية ما كان يعقلها إلا القوم العالمون.. ولو لم يكن في القرآن غير بهاء معانيه وجمال مبانيه لكفى بذلك أن يستولي على الأفكار ويأخذ بمجامع القلوب.."(2).

[ 2 ]

"أتى محمد [صلى الله عليه وسلم] بالقرآن دليلاً على صدق رسالته، وهو لا يزال إلى يومنا هذا سرًّا من الأسرار التي تعذر فك طلاسمها ولن يسبر غور هذا السر المكنون إلا من يصدق بأنه منزل من الله.."(3).

[ 3 ]

".. قد نرى تشابهًا بين القرآن والتوراة في بعض المواضع، إلا أن سببه ميسور المعرفة.. إذا لاحظنا أن القرآن جاء ليتممها، كما أن النبي [صلى الله عليه وسلم] خاتم الأنبياء والمرسلين"(4).

____________________________________

(1) الكونت هنري دي كاستري (1850-1927)

مقدم في الجيش الفرنسي، قضى في الشمال الأفريقي ردحًا من الزمن. من آثاره: (مصادر غير منشورة عن تاريخ المغرب) (1950)، (الأشراف السعديون) (1921)، (رحلة هولندي إلى المغرب) (1926)، وغيرهما.

(2) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 18 – 20 .

(3) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 20 .

(4) الإسلام : خواطر وسوانح ص 22 – 23 .

دينيه(1)

[ 1 ]

"لقد حقق القرآن معجزة لا تستطيع أعظم المجامع العلمية أن تقوم بها، ذلك أنه مكن للغة العربية في الأرض بحيث لو عاد أحد أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلينا اليوم لكان ميسورًا له أن يتفاهم تمام التفاهم مع المتعلمين من أهل اللغة العربية، بل لما وجد صعوبة تذكر للتخاطب مع الشعوب الناطقة بالضاد. وذلك عكس ما يجده مثلاً أحد معاصري (رابيليه) من أهل القرن الخامس عشر الذي هو أقرب إلينا من عصر القرآن، من الصعوبة في مخاطبة العدد الأكبر من فرنسيي اليوم"(2).

[ 2 ]

".. أحسّ المشركون، في دخيلة نفوسهم، أن قد غزا قلوبهم ذلك الكلام العجيب الصادر من أعماق قلب الرسول الملهم [صلى الله عليه وسلم] وكلهم كثيرًا ما كانوا على وشك الخضوع لتلك الألفاظ الأخاذة التي ألهمها إيمان سماوي، ولم يمنعهم عن الإسلام إلا قوة حبهم لأعراض الدنيا.."(3).

[ 3 ]

"إن معجزة الأنبياء الذين سبقوا محمدًا كانت في الواقع معجزات وقتية وبالتالي معرضة للنسيان السريع. بينما نستطيع أن نسمي معجزة الآيات القرآنية: (المعجزة الخالدة) وذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان وفي كل مكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة في كتاب الله، وفي هذه المعجزة نجد التعليل الشافي للانتشار الهائل الذي أحرزه الإسلام، ذلك الانتشار الذي لا يدرك سببه الأوروبيون لأنهم يجهلون القرآن، أو لأنهم لا يعرفونه إلا من خلال ترجمات لا تنبض بالحياة فضلاً عن أنها غير دقيقة"(4).

[ 4 ]

"إن كان سحر أسلوب القرآن وجمال معانيه، يحدث مثل هذا التّأثير في [نفوس علماء] لا يمتون إلى العرب ولا إلى المسلمين بصلة، فماذا ترى أن يكون من قوة الحماسة التي تستهوي عرب الحجاز وهم الذين نزلت الآيات بلغتهم الجميلة؟.. لقد كانوا لا يسمعون القرآن إلا وتتملك نفوسهم انفعالات هائلة مباغتة، فيظلون في مكانهم وكأنهم قد سمِّروا فيه. أهذه الآيات الخارقة تأتي من محمد [صلى الله عليه وسلم] ذلك الأمي الذي لم ينل حظًا من المعرفة؟.. كلا إن هذا القرآن لمستحيل أن يصدر عن محمد، وأنه لا مناص من الاعتراف بأن الله العلي القدير هو الذي أملى تلك الآيات البينات.."(5).

[ 5 ]

"لا عجب أن نرى النبي الأمي يتحدى الشعراء، ويعترف لهم بحق نعتهم له بالكذب، أن ائتوا بعشر سور من مثله، فقد آمن بعجزهم عن ذلك"(6).

____________________________________

(1) ايتين دينيه ( 1861 – 1929 ) Et. Dinet

تعلم في فرنسا، وقصد الجزائر، فكان يقضي في بلدة بوسعادة نصف السنة من كل عام، وأشهر إسلامه وتسمى بناصر الدين (1927)، وحج إلى بيت الله الحرام (1928).

من آثاره : صنف بمعاونة سليمان بن إبراهيم (محمد في السير النبوية)، وله بالفرنسية (حياة العرب)، و(حياة الصحراء)، و(أشعة خاصة بنور الإسلام)، و(الشرق في نظر الغرب)، و(الحج إلى بيت الله الحرام).

(2) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 35 .

(3) محمد رسول الله ، ص 106 .

(4) محمد رسول الله، ص 118 .

(5) محمد رسول الله، ص 119 – 121 .

(6) محمد رسول الله، ص 121 .

ديورانت(1)

[ 1 ]

".. ظل [القرآن] أربعة عشر قرنًا من الزمان محفوظًا في ذاكرة [المسلمين] يستثير خيالهم، ويشكل أخلاقهم، ويشحذ قرائح مئات الملايين من الرجال. والقرآن يبعث في النفوس أسهل العقائد، وأقلها غموضًا، وأبعدها عن التقيد بالمراسم والطقوس، وأكثرها تحررًا من الوثنية والكهنوتية. وقد كان له أكبر الفضل في رفع مستوى المسلمين الأخلاقي والثقافي، وهو الذي أقام فيهم قواعد النظام الاجتماعي والوحدة الاجتماعية، وحرّضهم على اتباع القواعد الصحية، وحرر عقولهم من كثير من الخرافات والأوهام، ومن الظلم والقسوة، وحسّن أحوال الأرقاء، وبعث في نفوس الأذلاء الكرامة والعزة، وأوجد بين المسلمين.. درجة من الاعتدال والبعد عن الشهوات لم يوجد لها نظير في أية بقعة من بقاع العالم يسكنها الرجل الأبيض.."(2).

____________________________________

(1) ول ديورانت W. Durant

مؤلف أمريكي معاصر، يعد كتابه (قصة الحضارة) ذو الثلاثين مجلدًا، واحدًا من أشهر الكتب التي تؤرخ للحضارة البشرية عبر مساراتها المعقدة المتشابكة، عكف على تأليفه السنين الطوال، وأصدر جزأه الأول عام 1935، ثم تلته بقية الأجزاء.

ومن كتبه المعروفة كذلك (قصة الفلسفة).

(2) قصة الحضارة ، ص 13 / 68 – 69 .

روزنثال(1)

[ 1 ]

"من الدوافع العملية لدراسة التاريخ توفر المادة التاريخية في القرآن مما دفع مفسريه إلى البحث عن معلومات تاريخية لتفسير ما جاء فيه. وقد أصبح الاهتمام بالمادة التاريخية، على مر الزمن، أحد فروع المعرفة التي تمت بالارتباط بالقرآن. وإذا كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد سمع بعض الأخبار والمعلومات التاريخية، فإن هذا لا يبرر الافتراض بأنه قد قرأ المصادر التاريخية كالتوراة في ترجماتها العربية. لقد وردت في القرآن معلومات تاريخية تختلف عما يدعي اليهود وجوده في التوراة. وقد ذكر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن اليهود والنصارى حرفوا التوراة، وتمسك المسلمون بما جاء في القرآن.. لقد أشار القرآن إلى كثير من الأحداث التي أحاطت بالرسول [صلى الله عليه وسلم].. وكان لذلك أهمية في التاريخ الإسلامي لأن الأحداث التي أشارت إليه الآيات صارت لها أهمية تاريخية كبرى للمسلمين، واستثارت البحوث التاريخية.."(2).

_______________________________________

(1) فرانز روزنثال F. Rosenthal

من أساتذة جامعة ييل.

من آثاره : العديد من الدراسات والأبحاث في المجلات الشهيرة مثل (الثقافة الإسلامية)، (الشرقيات)، (صحيفة الجمعية الأمريكية الشرقية). كما ألف عددًا من الكتب من أشهرها: (مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي)، و(علم التاريخ عند المسلمين).

(2) علم التاريخ عند المسلمين ، ص 41 – 42 .

ريسلر(1)

[ 1 ]

".. لما كانت روعة القرآن في أسلوبه فقد [أنزل] ليقرأ ويتلى بصوت عال. ولا تستطيع أية ترجمة أن تعبر عن فروقه الدقيقة المشبعة بالحساسية الشرقية. ويجب أن تقرأه في لغته التي كتب بها لتتمكن من تذوق جماله وقوته وسمو صياغته. ويخلق نثره الموسيقى والمسجوع سحرًا مؤثرًا في النفس حيث تزخر الأفكار قوة وتتوهج الصور نضارة. فلا يستطيع أحد أن ينكر أن سلطانه السحري وسموه الروحي يسهمان في إشعارنا بأن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان ملهمًا بجلال الله وعظمته"(2).

[ 2 ]

"كان في القرآن فوق أنه كتاب ديني خلاصة جميع المعارف.. وظل زمنًا طويلاً أول كتاب يتخذ للقراءة إلى الوقت الذي شكل فيه وحدة كتاب المعرفة والتربية. ولا يزال حتى اليوم النص الذي تقوم عليه أسس التعليم في الجامعات الإسلامية. ولا تستطيع الترجمات أن تنقل ثروته اللغوية (إذ يذبل جمال اللغة في الترجمات كأنها زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يجب أن يقرأ القرآن في نصه الأصلي"(3).

[ 3 ]

"إن القرآن يجد الحلول لجميع القضايا، ويربط ما بين القانون الديني والقانون الأخلاقي، ويسعى إلىخلق النظام، والوحدة الاجتماعية، وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات. إنه يسعى على الأخذ بيد المستضعفين، ويوصي بالبر، ويأمر بالرحمة.. وفي مادة التشريع وضع قواعد لأدق التفاصيل للتعاون اليومي، ونظم العقود والمواريث، وفي ميدان الأسرة حدد سلوك كل فرد تجاه معاملة الأطفال والأرقاء والحيوانات والصحة والملبس، إلخ.."(4).

[ 4 ]

".. حقًا، لقد ظلت شريعة القرآن راسخة على أنها المبدأ الأساسي لحياة المسلم ولم يتعرض ما جاء في القرآن من نظر وأخلاق ونظام لأية تغييرات ولا لتبديلات بعيدة الغور"(5).

[ 5 ]

"يظل القرآن طيلة القرون الأولى للهجرة من جهة المبدأ مصدر الإلهام لكل العقلية الإسلامية فهو يضم بين طرافة الأفكار والأحاسيس الضرورية والكافية لتزويد أعظم الدراسات في الفكر"(6).

____________________________________

(1) جاك . س . ريسلر J. S. Restler

باحث فرنسي معاصر، وأستاذ بالمعهد الإسلامي بباريس.

(2) الحضارة العربية ، ص 30 – 31 .

(3) الحضارة العربية ، ص 45 .

(4) الحضارة العربية ، ص 51 .

(5) الحضارة العربية ، ص 75 .

(6) الحضارة العربية ، ص 212 .

سارتون(1)

[ 1 ]

"[إن] لغة القرآن على اعتبار أنها اللغة التي اختارها الله جل وعلا للوحي كانت، بهذا التحديد، كاملة... وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة العربية إلى مقام المثل الأعلى في التعبير عن المقاصد،.. [وجعل منها] وسيلة دولية للتعبير عن أسمى مقتضيات الحياة"(2).

__________________________________

(1) جورج سارتون ( 1884 – 1956 ) G. Sarton

ولد في بلجيكا، وحصل على الدكتوراه في العلوم الطبيعية والرياضية (1911)، فلما نشبت الحرب رحل إلى إنكلترا، ثم تحول عنها إلى الولايات المتحدة، وتجنّس بجنسيتها فعين محاضرًا في تاريخ العلم بجامعة واشنطن (1916)، ثم في جامعة هارفارد (1917-1949). وقد انكب على دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية ببيروت (1931-1932) وألقى فيها وفي كلية المقاصد الإسلامية محاضرات ممتعة لتبيان فضل العرب على التفكير الإنساني، زار عددًا من البلدان العربية، وتمرس بالعديد من اللغات، ومنح عدة شهادات دكتوراه كما انتخب عضوًا في عشرة مجامع علمية وفي عديد من الجمعيات العالمية، وأشرف على عدد من المجلات العلمية.

من آثاره: خلف أكثر من خمسمائة بحث، وخير تصانيفه وأجمعها: (المدخل إلى تاريخ العلم) في خمسة مجلدات (1927، 1931، 1947).

(2) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 37 – 38 .

ستشيجفسكا(1)

[ 1 ]

"إن القرآن الكريم مع أنه أنزل على رجل عربي أمي نشأ في أمة أمية، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلا في أرقى الجامعات. كما نجد في القرآن حقائق علمية لم يعرفها العالم إلا بعد قرون طويلة"(2).

________________________________________

(1) بوجينا غيانة ستشيجفسكا Bozena – Gajane Stryzewska

باحثة بولونية معاصرة، درست الإسلام في الأزهر على يد أساتذة ومشرفين أخصائيين زهاء خمس سنوات (1961-1965)، تمكنت خلالها من اللغة العربية كذلك، وكانت قد أنهت دراساتها العليا في كلية الحقوق، وفي معهد اللغات الشرقية في بولونيا.

(2) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها ، ص 17 .

ستيفنز(1)

[ 1 ]

"في تلك الفترة من حياتي بدا لي وكأنني فعلت كل شيء وحققت لنفسي النجاح والشهرة والمال والنساء.. كل شيء، ولكن كنت مثل القرد أقفز من شجرة إلى أخرى ولم أكن قانعًا أبدًا. ولكن كانت قراءة القرآن بمثابة توكيد لكل شيء بداخلي كنت أراه حقًا، وكان الوضع مثل مواجهة شخصيتي الحقيقية"(2).

[ 2 ]

"القرآن الكريم يقرر الكثير عن الزواج، وعن العلاقة بين الرجل والمرأة، وعن أي موضوع آخر تقريبًا"(3).

______________________________________

(1) كات ستيفنز C. Stephens

المغني البريطاني – نمساوي الأصل – المشهور. بيع من أسطواناته ما يقدر بالمليون في الستينات وأوائل السبعينات، اعتنق الإسلام عام 1976 بعد أن تعرف على القرآن الكريم بواسطة شقيقه. يقضي الآن معظم وقته في المسجد ويلعب دورًا فعالاً في شؤون الجالية الإسلامية في لندن .

(2) رجال ونساء أسلموا ، 10 / 103 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 10 / 103 .

سلهب(1)

[ 1 ]

"إن الآية التي أستطيب ذكرها هي التي تنبع سماحًا إذ تقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت 46]. ذلك ما يقوله المسلمون للمسيحيين وما يؤمنون به لأنه كلام الله إليهم. إنها لعبارات يجدر بنا جميعًا، مسيحيين ومسلمين، أن نرددها كل يوم، فهي حجارة الأساس في بناء نريده أن يتعالى حتى السماء، لأنه البناء الذي فيه نلتقي والذي فيه نلقى الله: فحيث تكون المحبة يكون الله. والواقع أن القرآن يذكر صراحة أن الكتب المنزلة واحدة، وأن أصلها عند الله، وهذا الأصل يدعى حينًا (أم الكتاب) وحينًا آخر (اللوح المحفوظ) أو (الإمام المبين).."(2).

[ 2 ]

".. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب. فإذا بهذا الأمي يهدي إلى الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية، ذاك كان القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله على رسوله هدى للمتقين.."(3).

[ 3 ]

".. الإسلام ليس بحاجة إلى قلمنا، مهما بلغ قلمنا من البلاغة. ولكن قلمنا بحاجة إلى الإسلام، إلى ما ينطوي عليه من ثروة روحية وأخلاقية، إلى قرآنه الرائع الذي بوسعنا أن نتعلم منه الكثير"(4).

[ 4 ]

"لم يقدّر لأي سفر، قبل الطباعة، أيًا كان نوعه وأهميته، أن يحظى بما حظي به القرآن من عناية واهتمام، وأن يتوفر له ما توفّر للقرآن من وسائل حفظته من الضياع والتحريف، وصانته عما يمكن أن يشوب الأسفار عادة من شوائب"(5).

[ 5 ]

"تلك اللغة التي أرادها الله قمة اللغات، كان القرآن قمتها، فهو قمة القمم، ذلك بأنه كلام الله.."(6).

______________________________________

(1) نصري سلهب S. Salhab

مسيحي من لبنان ، يتميز بنظرته الموضوعية وتحريه للحقيقة المجردة، كما عرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في لبنان، - كما يزعم – إن على مستوى الفكر أو على مستوى الواقع. وعبر الستينات كتب العديد من الفصول وألقى العديد من المحاضرات في المناسبات الإسلامية والمسيحية على السواء، متوخيًا الهدف نفسه.

من مؤلفاته: (لقاء المسيحية والإسلام) (1970)، و(في خطى محمد) (1970).

(2) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 22 .

(3) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 22 .

(4) لقاء المسيحية والإسلام، ص 121 .

(5) لقاء المسيحية والإسلام، ص 337 .

(6) لقاء المسيحية والإسلام، ص 342 .

سوسه(1)

[ 1 ]

"يرجع ميلي إلى الإسلام.. حينما شرعت في مطالعة القرآن الكريم للمرة الأولى.. فولعت به ولعًا شديدًا.. وكنت أطرب لتلاوة آياته.."(2).

[ 2 ]

".. الواقع أن تحوير وتبديل مصاحف اليهود أثر أجمع عليه العلماء في عصرنا الحالي نتيجة الدرس والتنقيب وقد جاء ذلك تأييدًا علميًا للأقوال الربانية التي أوحيت قبل نيف وثلاثة عشر قرنًا على لسان النبي العربي الكريم صلى الله عليه وسلم. أما الفرقان المجيد.. فقد حافظ المسلمون عليه بحرص شديد وأمانة صادقة فهو حقًا الكتاب المقدس الفريد الذي أجمع الكل على سلامته وطهارته من التلاعب والتحوير، وما على القارئ إلا أن يطالع ما كتبه المستشرقون في هذا الباب.. الذين وصفوا كيفية جمعه وتدوينه، وهؤلاء أجانب غرباء كثيرًا ما يصوّبون أسهمهم الناقدة السامة نحو الإسلام. والواقع أن الدلائل التاريخية واضحة بأجلى وضوح مما لا يترك أي شك في أن الفرقان الكريم لم يطرأ عليه أي تحريف أو تحوير وقد جاء كلام الله بكامله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون أن يتغير فيه حرف واحد"(3).

[ 3 ]

"ورد في القرآن أنه جاء مهيمنًا على ما بين يديه من الكتاب، ويستدل من ذلك أن التعاليم الإلهية المقدسة الأصلية قد ضمن القرآن المحافظة عليها بما أوضحه من الحقيقة بإظهار الصحيح والدخيل في الكتب الرائجة في زمان نزوله، وعليه فيكون بهذا البيان والإيضاح قد جاء خير مهيمن على كتب الله الحقيقية وخير حافظ إياها من التلاعب"(4).

[ 4 ]

"الواقع أنه يتعذر على المرء الذي لم يتقن اللغة العربية ولم يضطلع بآدابها أن يدرك مكانة هذا الفرقان الإلهي وسموه وما يتضمنه من المعجزات المبهرة، ولما كان القرآن الكريم قد تناول كل أنواع التفكير والتشريع فقد يكون من العسير على إنسان واحد أن يحكم في هذه المواضع كلها. وهل من مناص للمرء من الانجذاب إلى معجزة القرآن بعد تمعنه في أميّة نبي الإسلام ووقوفه على أسرار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد جعل الله تعالى معجزة القرآن وأمّيّة محمد صلى الله عليه وسلم برهانًا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له.."(5).

[ 5 ]

"إن معجزة القرآن الكريم هي أكثر بروزًا في عصرنا الحالي، عصر النور والعلم، مما كانت عليه في الأزمنة التي سادها الجهل والخمول.."(6).

_______________________________________

(1) الدكتور أحمد نسيم سوسه Dr. A. N. Sousa

باحث مهندس من العراق، وعضو في المجمع العلمي العراقي، وواحد من أبرز المختصين بتاريخ الري في العراق، كان يهوديًا فاعتنق الإسلام متأثرًا بالقرآن الكريم، توفي قبل سنوات قلائل.

ترك الكثير من الدراسات في مختلف المجالات وخاصة في تاريخ الريّ، وفنّد في عدد منها ادعاءات الصهيونية العالمية من الناحية التاريخية، ومن مؤلفاته الشهيرة: (مفصل العرب واليهود في التاريخ)، و(في طريقي إلى الإسلام) الذي تحدث فيه عن سيرة حياته.

(2) في طريقي إلى الإسلام 1 / 51 .

(3) في طريقي إلى الإسلام ، ص 1 / 86 .

(4) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 87 .

(5) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 182 – 183 .

(6) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 185 .

سيديو(1)

[ 1 ]

"لا تجد في القرآن آية إلا توحي بمحبة شديدة لله.. وفيه حث كبير على الفضيلة خلال تلك القواعد الخاصة بالسلوك الخلقي.. وفيه دعوة كبيرة إلى تبادل العواطف وحسن المقاصد والصفح عن الشتائم، وفيه مقت للعجب والغضب، وفيه إشارة إلى أن الذنب قد يكون بالفكر والنظر، وفيه حض على الإيفاء بالعهود حتى مع الكافرين، وتحريض على خفض الجناح والتواضع، وعلى استغفار الناس لمن يسيئون إليهم، لا لعنهم ويكفي جميع تلك الأقوال الجامعة المملوءة حكمة ورشدًا لإثبات صفاء قواعد الأخلاق في القرآن.. إنه أبصر كلّ شيء.."(2).

[ 2 ]

".. صلح القرآن ليكون نموذجًا للأسلوب وقواعد النحو.. فأوجب ذلك نشوء علم اللغة، فظهور علم البيان الذي درس فيه تركيب الكلام ومقتضى الحال والبديع وأوجه البلاغة، وأضحى لصناعة قراءة القرآن وتفسيره أكثر من مئة فرع، فأدى هذا إلى ما لا حصر له من التأليف في كلّ منها، واغتنت اللغة العربية بتعابير جديدة كثيرة بعيدة من الفساد بمخالطة اللغة الأخرى.."(3).

[ 3 ]

"مما يجدر ذكره أن يكون القرآن، بين مختلف اللغات التي يتكلم بها مختلف الشعوب الإسلامية في آسيا حتى الهند، وفي أفريقية حتى السودان، كتابًا يفهمه الجميع، وأن يربط القرآن هذه الشعوب المتباينة الطبائع برابط اللغة والمشاعر.."(4).

_______________________________________

(1) لويس سيديو ( 1808 – 1876 ) L. Sedillot

مستشرق فرنسي عكف على نشر مؤلفات أبيه جان جاك سيديو الذي توفي عام 1832 قبل أن تتاح له فرصة إخراج كافة أعماله في تاريخ العلوم الإسلامية. وقد عين لويس أمينًا لمدرسة اللغات الشرقية (1931) وصنف كتابًا بعنوان (خلاصة تاريخ العرب) فضلاً عن (تاريخ العرب العام)، وكتب العديد من الأبحاث والدراسات في المجلات المعروفة.

(2) تاريخ العرب العام، ص 89 ، 98 – 99 ، 100 ، 117 .

(3) تاريخ العرب العام، ص 458 .

(4) تاريخ العرب العام ، ص 458 .

سيرويا(1)

[ 1 ]

".. القرآن من الله بأسلوب سام رفيع لا يدانيه أسلوب البشر، وهو في الوقت عينه، (ثورة عقيدية، هذه الثورة العقيدية لا تعترف – لا بالبابا ولا أي مجمع لعلماء الكهنوت والقساوسة)، حيث لم يشعر الإسلام يومًا بالخشية والهلع من قيام مبدأ التحكيم العقلي الفلسفي فإذا قارنا الإسلام باليهودية والمسيحية نجد بعض الخطوط المميزة والتي لا تبدو مطابقة تمامًا خاصة مع المسيحية.. فالنظام المسيحي اليهودي يخالف الإسلام حيث لا يوجد فراغ بين الخالق والخلق البشري، هذا الفراغ لدى اليهود والمسيحيين مليء بالواسطة.. ولا شيء من هذا يتفق مع الإسلام. فمحمد [صلى الله عليه وسلم] مع كون مبعوثًا ورسولاً من لدن الله لم يتظاهر بإنكار دعوات كل من موسى وعيسى، كل مجهوده انحصر في تنقيتهما على ما جاء في القرآن، الذي وضع في العام الأول مهاجمة مبدأ الثلاثية منبهًا إلى أن عيسى ليس سوى رجل ابن مريم وليس بابن الله والقول بأن الله له ولد، هذا شرك كبير تنشق له السماء وتنفتح له الأرض وتنسحق له الجبال. أما روح القدس فما هو إلا بمثابة ملاك مثل جبريل دوره هو أن ينقل إلى عيسى ومحمد [صلى الله عليه وسلم] الدعوة المقدسة، أما مريم فهي مريم العذراء وليست بأم الله.."(2).

_____________________________________

(1) هنري سيرويا H. Serouya

مستشرق فرنسي.

من آثاره: (موسى بن ميمون: ترجمته وآثاره وفلسفته) (1921)، (الصوفية والمسيحية واليهودية)، (فلسفة الفكر الإسلامي).

(2) فلسفة الفكر الإسلامي ، ص 32 – 33 .

شاد(1)

[ 1 ]

".. عندما آمنت بالتوحيد بدأت أبحث عن الحجج والبراهين التي تثبت أن القرآن هو كتاب الله تعالى وأنه آخر الكتب السماوية وخاتمها. وإنني أحمد الله إذ مكنني من حل هذه المسألة. فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يعترف بكافة الكتب السماوية الأخرى، بينما نجد أنها جميعًا يرفض بعضها بعضًا.. وهذه في الحقيقة هي إحدى خصائص ومميزات القرآن الكريم، آخر الكتب السماوية وخاتمها"(2).

[ 2 ]

".. إن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي يحفظه عن ظهر قلب ألوف مؤلفة من البشر في مختلف بقاع الأرض، بينما نجد أن الكتب المقدسة الأخرى محفوظة بالخط المطبوع فقط. ومن هنا لو حدث لسبب أو لآخر أن اختفت الكتب المطبوعة يظل القرآن هو كتاب الله الوحيد المحفوظ في الصدور. وهكذا يحق له أن يتباهى بأنه ظل في مأمن من التحريف لم ينقص منه حرف واحد ولم يزد فيه حرف واحد منذ أن نزل به الوحي على رسول الله [صلى الله عليه وسلم]. فليست هناك أية تناقضات ولا أخطاء من أي نوع في القرآن الكريم، هذا في الوقت الذي تعاني فيه الكتب السماوية الأخرى في نسختها الحالية من الكثير من التغيير والتبديل. وهذا سبب آخر جعلني أؤمن بالإسلام"(3).

________________________________________

(1) بشير أحمد شاد Basheer A. Shad

ولد عام 1928، لأسرة نصرانية هندية بقرية ديان جالو الهندية، كان أبوه ماتياس مبشرًا نصرانيًا ولذا حرص على تنشئة ابنه على ذات الطريق، في عام 1947 أكمل دراسته وبدأ يعمل مبشرًا في لاهور، لكنه مثل كثيرين غيره ما لبث أن فقد قناعاته – كلية – بالنصرانية وانتهى به الأمر بعد عشرين سنة من البحث والمعاناة إلى إعلان إسلامه، (حزيران عام 1968).

(2) رجال ونساء أسلموا ، ص 7 / 19 – 20 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، ص 7 / 20 .

فاغليري(1)

[ 1 ]

"إن معجزة الإسلام العظمى هي القرآن الذي تنقل إلينا الرواية الراسخة غير المنقطعة، من خلاله، أنباء تتصف بيقين مطلق. إنه كتاب لا سبيل إلى محاكاته. إن كلاً من تعبيراته شامل جامع، ومع ذلك فهو ذو حجم مناسب، ليس بالطويل أكثر مما ينبغي، وليس بالقصير أكثر مما ينبغي. أما أسلوبه فأصيل فريد. وليس ثمة أيما نمط لهذا الأسلوب في الأدب العربي تحدر إلينا من العصور التي سبقته. والأثر الذي يحدثه في النفس البشرية إنما يتم من غير أيما عوض عرضي أو إضافي من خلال سموه السليقي. إن آياته كلها على مستوى واحد من البلاغة، حتى عندما تعالج موضوعات لابد أن تؤثر في نَفَسها وجرسها كموضوع الوصايا والنواهي وما إليها. إنه يكرر قصص الأنبياء [عليهم السلام] وأوصاف بدء العالم ونهايته، وصفات الله وتفسيرها، ولكن يكررها على نحو مثير إلى درجة لا تضعف من أثرها. وهو ينتقل من موضوع إلى موضوع من غير أن يفقد قوته. إننا نقع هنا على العمق والعذوبة معًا – وهما صفتان لا تجتمعان عادة – حيث تجد كل صورة بلاغية تطبيقًا كاملاً فكيف يمكن أن يكون هذا الكتاب المعجز من عمل محمد [صلى الله عليه وسلم]، وهو العربي الأميّ الذي لم ينظم طوال حياته غير بيتين أو ثلاثة أبيات لا ينمّ أي منها عن أدنى موهبة شعرية؟"(2).

[ 2 ]

"لا يزال لدينا برهان آخر على مصدر القرآن الإلهي في هذه الحقيقة: وهي أن نصّه ظل صافيًا غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس هذا، وأن نصه سوف يظل على حاله تلك

من الصفاء وعدم التحريف، بإذن الله، مادام الكون"(3).

[ 3 ]

"إن هذا الكتاب، الذي يتلى كل يوم في طول العالم الإسلامي وعرضه، لا يوقع في نفس المؤمن أيما حسّ بالملل. على العكس، إنه من طريق التلاوة المكررة يحبب نفسه إلى المؤمنين أكثر فأكثر يومًا بعد يوم. إنه يوقع في نفس من يتلوه أو يصغي إليه حسًا عميقًا من المهابة والخشية. إن في إمكان المرء أن يستظهره في غير عسر، حتى إننا لنجد اليوم، على الرغم من انحسار موجة الإيمان، آلافًا من الناس القادرين على ترديده عن ظهر قلب. وفي مصر وحدها عدد الحفاظ أكثر من عدد القادرين على تلاوة الأناجيل عن ظهر قلب في أوروبا كلها"(4).

[ 4 ]

"إن انتشار الإسلام السريع لم يتم لا عن طريق القوة ولا بجهود المبشرين الموصولة. إن الذي أدى إلى ذلك الانتشار كون الكتاب الذي قدمه المسلمون للشعوب المغلوبة، مع تخييرها بين قبوله ورفضه، كتاب الله، كلمة الحق، أعظم معجزة كان في ميسور محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يقدمها إلى المترددين في هذه الأرض"(5).

[ 5 ]

"فيما يتصل بخلق الكون فإن القرآن على الرغم من إشارته إلى الحالة الأصلية وإلى أصل العالم.. لا يقيم أيما حدّ مهما يكن في وجه قوى العقل البشري، ولكنه يتركها طليقة تتخذ السبيل الذي تريد.."(6).

____________________________________

(1) لورا فيشيا فاغليري L. Veccia Vaglieri

باحثة إيطالية معاصرة انصرفت إلى التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا، وإلى فقه العربية وآدابها.

من آثارها: (قواعد العربية) في جزئين (1937 – 1941)، و(الإسلام) (1946)، و(دفاع عن الإسلام) (19529، والعديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة.

(2) دفاع عن الإسلام ، ص 56 – 57 .

(3) دفاع عن الإسلام ، ص 58 – 59 .

(4) دفاع عن الإسلام ، ص 59 .

(5) دفاع عن الإسلام ، ص 59 .

(6) دفاع عن الإسلام ، ص 60 .

فايس(1)

[ 1 ]

"هكذا، بإلماح إلى وعي الإنسان وعقله ومعرفته بدأ تنزيل القرآن.."(2).

[ 2 ]

"أصبحت إلسا (زوجتي)، شأني أنا، أكثر تأثرًا مع الوقت بذلك الالتئام الباطني بين تعاليم [القرآن] الأخلاقية وتوجيهاته العملية. إن الله بمقتضى القرآن، لم يطلب خضوعًا أعمى من جانب الإنسان بل خاطب عقله: إنه لا يقف بعيدًا عن مصير الإنسان بل إنه (أقرب إليك من حبل الوريد) إنه لم يرسم أي خط فاصل بين الإيمان والسلوك الاجتماعي"(3).

[ 3 ]

".. لقد عرفت الآن، بصورة لا تقبل الجدل، أن الكتاب الذي كنت ممسكًا به في يدي كان كتابًا موحى به من الله. فبالرغم من أنه وضع بين يدي الإنسان منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فإنه توقع بوضوح شيئًا لم يكن بالإمكان أن يصبح حقيقة إلا في عصرنا هذا المعقد، الآلي. لقد عرف الناس التكاثر في جميع العصور والأزمنة ولكن هذا التكاثر لم ينته قط من قبل إلى أن يكون مجرد اشتياق إلى امتلاك الأشياء وإلى أن يصبح ملهاة حجبت رؤية أيما شيء آخر.. اليوم أكثر من أمس وغدًا أكثر من اليوم.. لقد عرفت أن هذا(4) لم يكن مجرد حكمة إنسانية من إنسان عاش في الماضي البعيد في جزيرة العرب النائية فمهما كان هذا الإنسان على مثل هذا القدر من الحكمة فإنه لم يكن يستطيع وحده أن يتنبأ بالعذاب الذي يتميز به هذا القرن العشرون. لقد كان ينطق لي، من القرآن، صوت أعظم من صوت محمد"(5).

__________________________________

(1) ليوبولد فايس ( محمد أسد ) L. Weiss

مفكر، وصحفي نمساوي، أشهر إسلامه، وتسمى بمحمد أسد، وحكى في كتاب القيم (الطريق إلى مكة) تفاصيل رحلته إلى الإسلام. وقد أنشأ بمعاونة وليم بكتول، الذي أسلم هو الآخر، مجلة (الثقافة الإسلامية)، في حيدر آباد، الدكن (1927) وكتب فيها دراسات وفيرة معظمها في تصحيح أخطاء المستشرقين عن الإسلام.

من آثاره: ترجم صحيح البخاري بتعليق وفهرس، وألف (أصول الفقه الإسلامي)، و(الطريق إلى مكة)، و(منهاج الإسلام في الحكم)، و(الإسلام على مفترق الطرق).

(2) الطريق إلى مكة ، ص 303 .

(3) الطريق إلى مكة ، ص 318 .

(4) يشير إلى سورة التكاثر التي أخبرت بإعجاز عن أزمة القرن العشرين.

(5) الطريق إلى مكة ، ص 328 – 32 9 .

فيشر(1)

[ 1 ]

"إن القرآن كلام الله يشد فؤاد المسلم، وتزداد روعته حين يتلى عليه بصوت مسموع، ولكنه لا يفهم هذه الروعة كما لم يفهمها زملاؤه الذين سبقوه إلى الاعتراف ببلاغة القرآن، واعتمادًا على أثره البليغ في قلوب قرّائه وسامعيه، ثم يقفون عند تقرير هذه البلاغة بشهادة السماع"(2).

[ 2 ]

".. إن القرآن كتاب تربية وتثقيف، وليس كل ما فيه كلامًا عن الفرائض والشعائر، وإن الفضائل التي يحث عليها المسلمين من أجمل الفضائل وأرجحها في موازين الأخلاق، وتتجلى هداية الكتاب في نواهيه كما تتجلى في أوامره.."(3).

__________________________________

(1) الدكتور سدني فيشر Sydney Fisher

أستاذ التاريخ في جامعة أوهايو الأمريكية، وصاحب الدراسات المتعددة في شؤون البلاد الشرقية التي يدين الأكثرون من أبنائها بالإسلام. مؤلف كتاب (الشرق الأوسط في العصر الإسلامي) والذي يناقش فيه العوامل الفعالة التي يرجع إليها تطور الشعوب والحوادث في هذه البلاد وأولها الإسلام.

(2) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54 .

(3) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 54 .

جب(1)

[ 1 ]

"إذا رأى أحد أن إلحاح القرآن على فعل الخير غير كثير أثبتنا له بالحجة القاطعة خطأه وسقنا إليه ذلك التعريف الشامل للبر في تلك الآية العظيمة {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة 177]. فالبر إذن تاج الإيمان الحق، حين يدرك المؤمن أخيرًا أن الله شاهد أبدًا، ويستجيب لشهوده في كل أفكاره وأعماله"(2).

[ 2 ]

"هذه، إذن، هي الرسالة التي بلغها القرآن إلى الجيل الأول من المسلمين وظل يبلغها إلى جميع الأجيال منذ ذلك العهد. فالقرآن سجل لتجربة حية مباشرة في ميدان الألوهية، تجربة ذات طرفين: واحد مطلق وآخر متصل بشؤون الحياة العامة، ودعوة للمخلوق كي ينظم حياته ليتمكن من الأخذ بنصيب في تلك التجربة. وحين يتبع المسلم أوامر القرآن ويسعى ليستكنه روح تعاليمه، لا بفكره فحسب بل بقلبه وروحه أيضًا، فإنه يحاول أن يستملك شيئًا من الرؤى الحدسية ومن التجربة التي كانت للرسول الحبيب. ويعظم في عينيه مغزى كل آية فيه، لإيمانه بأنه كلام الله. ولو لم يكن هذا الإيمان شعبة من عقيدته لما تناقصت قيمته لديه من حيث هو منبع حي للإلهام والاستبصار الديني"(3).

[ 3 ]

"مهما يكن أمر استمداد الإسلام من الأديان التي سبقته فذلك لا يغير هذه الحقيقة أيضًا وهي: أن المواقف الدينية التي عبر عنها القرآن ونقلها إلى الناس تشمل بناء دينيًا جديدًا متميزًا"(4).

[ 4 ]

".. على الرغم مما قام به العلماء المتأخرون من تطوير لعلم كلام إسلامي منهجي، يبقى صحيحًا ما ذكرناه سابقًا وهو: أن جمهور الجماعة الإسلامية كان يتألف من شعوب أحدثت لديها ممارسة حقائق الدين ممارسة حدسية أثرًا أقوى وأسرع من كل اثر خلفه أي قدر من الجدل العقلي أو من حذاقته وبراعته"(5).

[ 5 ]

"إننا نخطئ خطأ فاحشًا إذا اقتصرنا على النظر إلى هذه العقيدة نظرتنا لمذهب لاهوتي أتقن بشكل وراثي من جيل إلى جيل منذ ألف وثلاثمائة سنة. إنها على العكس من ذلك يقين وإيمان حي يتجدد ويتأكد باستمرار في قلوب المسلمين وأرواحهم وأفكارهم، ولدى العربي بشكل خاص، حين يدرس النصّ المقدس. لقد عارض المذهب السني المتمسك بشكل عام ترجمة القرآن إلى اللغات الإسلامية الأخرى على الرغم من أن النص العربي يظهر في بعض الأحيان مقترنًا بترجمة تركية أو فارسية أو أُردية وغيرها من اللغات. إن هذا الموقف يستند على محاكمة شرعية متماسكة تصوغ حججها إلى حد ما بشكل عقلاني مستندة في ذلك على اعتبارات بعيدة عن هذا الشكل العقلاني. والواقع أن القرآن لا يمكن ترجمته بشكل أساسي كما هي الحال بالنسبة للشعر الرفيع. إذ ليس بالإمكان التعبير عن مكنون القرآن باللغة العادية، ولا يمكن أن يعبر عن صوره وأمثاله لأن كل عطف أو مجاز أو براعة لغوية يجب أن تدرس طويلاً قبل أن ينبثق المعنى للقارئ. والقرآن كذلك له حلاوة وطلاوة ونظم بديع مرتب لا يمكن تحديده لأنها تعد بسحرها أفكار الشخص الذي يصغي إلى القرآن لتلقي تعاليمه. ولا شك أن تأويل كلمات القرآن إلى لغة أخرى لا يمكن إلا أن يشوهها ويحول الذهب النقي إلى فخار.."(6).

___________________________________

(1) سير هاملتون الكساندر روسكين جب 1895 – 1967

يعد إمام المستشرقين الإنكليز المعاصرين، أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن سنة 1930، وأستاذ في جامعة أكسفورد منذ سنة 1937، وعضو مؤسس في المجمع العلمي المصري، تفرغ للأدب العربي وحاضر بمدرسة المشرقيات بلندن.

من آثاره: (دراسات في الآداب العصرية) (1926)، (الفتوحات الإسلامية في آسيا الوسطى وعلاقتها ببلاد الصين)، (رحلات ابن بطوطة)، (اتجاهات الإسلام المعاصرة)، وهو أحد محرري دائرة المعارف الإسلامية.

(2) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 254 .

(3) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 254 .

(4) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 254 – 255 .

(5) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 255 .

(6) الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، ص 30 – 31 .

كوبولد(1)

[ 1 ]

".. وذكرتُ أيضًا ما جاء في القرآن عن خلق العالم وكيف أن الله سبحانه وتعالى قد خلق من كل نوع زوجين، وكيف أن العلم الحديث قد ذهب يؤيد هذه النظرية بعد بحوث مستطيلة ودراسات امتدت أجيالاً عديدة"(2).

[ 2 ]

"إن أثر القرآن في كل هذا التقدم [الحضاري الإسلامي] لا ينكر، فالقرآن هو الذي دفع العرب إلى فتح العالم، ومكّنهم من إنشاء إمبراطورية فاقت إمبراطورية الإسكندر الكبير، والإمبراطورية الرومانية سعة وقوة وعمرانًا وحضارة.."(3).

[ 3 ]

"الواقع أن جمل القرآن، وبديع أسلوبه أمر لا يستطيع له القلم وصفًا ولا تعريفًا، ومن المقرر أن تذهب الترجمة بجماله وروعته وما ينعم به من موسيقى لفظية لست تجدها في غيره من الكتب. ولعل ما كتبه المستشرق جوهونسن بهذا الشأن يعبر كل التعبير عن رأي مثقفي الفرنجة وكبار مفكريهم قال: (إذا لم يكن شعرًا، وهو أمر مشكوك به، ومن الصعب أن يقول المرء بأنه من الشعر أو غيره، فإنه في الواقع أعظم من الشعر، وهو إلى ذلك ليس تاريخًا ولا وصفًا، ثم هو ليس موعظة كموعظة الجبل ولا هو يشابه كتاب البوذيين في شيء قليل أو كثير، ولا خطبًا فلسفية كمحاورات أفلاطون، ولكنه صوت النبوة يخرج من القلوب السامية، وإن كان عالميًا في جملته، بعيد المعنى في مختلف سوره وآياته، حتى إنه يردد في كل الأصقاع، ويرتل في كل بلد تشرق عليه الشمس"(4).

[ 4 ]

"أشار الدكتور مارديل المستشرق الفرنسي الذي كلفته الحكومة الفرنسية بترجمة بعض سور القرآن، إلى ما للقرآن الكريم من مزايا ليست توجد في كتاب غيره وسواه فقال: (أما أسلوب القرآن فإنه أسلوب الخالق عز وجل وعلا، ذلك أن الأسلوب الذي ينطوي عليه كنه الكائن الذي يصدر عنه هذا الأسلوب لا يكون إلا إلهيًا. والحق والواقع أن أكثر الكتاب ارتيابًا وشكًا قد خضعوا لتأثير سلطانه وسحره، وأن سلطانه على ملايين المسلمين المنتشرين على سطح المعمور لبالغ الحدّ الذي جعل أجانب المبشرين يعترفون بالإجماع بعدم إمكان إثبات حادثة واحدة محققة ارتد فيها أحد المسلمين عن دينه إلى الآن. ذلك أن هذا الأسلوب.. الذي يفيض جزالة في اتساق منسق متجانس. كان له الأثر العميق في نفس كل سامع يفقه اللغة العربية، لذلك كان من الجهد الضائع الذي لا يثمر أن يحاول المرء [نقل] تأثير هذا النثر البديع الذي لم يسمع بمثله بلغة أخرى.."(5).

[ 5 ]

"الواقع أن للقرآن أسلوبًا عجيبًا يخالف ما كانت تنهجه العرب من نظم ونثر، فَحُسنُ تأليفه، والتئام كلماته، ووجوه إيجازه، وجودة مقاطعه، وحسن تدليله، وانسجام قصصه، وبديع أمثاله، كل هذا وغيره جعله في أعلى درجات البلاغة، وجعل لأسلوبه من القوة ما يملأ القلب روعة، لا يمل قارئه ولا يخلق بترديده.. قد امتاز بسهولة ألفاظه حتى قلّ أن تجد فيها غريبًا، وهي مع سهولتها جزلة عذبة، وألفاظه بعضها مع بعض متشاكلة منسجمة لا تُحِسُّ فيها لفظًا نابيًا عن أخيه، فإذا أضفت إلى ذلك سموّ معانيه أدركت بلاغته وإعجازه"(6).

__________________________________

(1) اللادي ايفلين كوبولد

نبيلة إنكليزية، اعتنقت الإسلام وزارت الحجاز، وحجت إلى بيت الله، وكتبت مذكراتها عن رحلتها تلك في كتاب لها بعنوان: (الحج إلى مكة) (لندن 1934) والذي ترجم إلى العربية بعنوان: (البحث عن الله).

(2) البحث عن الله ، ص 45 .

(3) البحث عن الله ، ص 51 .

(4) نفسه، ص 111 – 112 .

(5) نفسه، ص 112 – 113 .

(6) نفسه ، ص 113 .

كويليام(1)

[ 1 ]

"من الوجه العلمي، بصرف النظر عن أنه كتاب موحى به، فالقرآن أبلغ كتاب في الشرق.. (وهو حافل بالمنجزات السامية مليء بالاستعارات الباهرة).."(2).

[ 2 ]

"أحكام القرآن ليست مقتصرة على الفرائض الأدبية والدينية.. إنه القانون العام للعالم الإسلامي، وهو قانون شامل للقوانين المدنية والتجارية والحربية والقضائية والجنائية والجزائية. ثم هو قانون ديني يدار على محوره كل أمر من الأمور الدينية إلى أمور الحياة الدنيوية، ومن حفظ النفس إلى صحة الأبدان، ومن حقوق الرعية إلى حقوق كل فرد، ومن منفعة الإنسان الذاتية إلى منفعة الهيئة الاجتماعية، ومن الفضيلة إلى الخطيئة، ومن القصاص في هذه الدنيا إلى القصاص في الآخرة.. وعلى ذلك فالقرآن يختلف ماديًا عن الكتب المسيحية المقدسة التي ليس فيها شيء من الأصول الدينية بل هي في الغالب مركبة من قصص وخرافات واختباط عظيم في الأمور التعبدية.. وهي غير معقولة وعديمة التأثير"(3).

"لقد عثرت في دائرة المعارف العامة popular Encyclopedia على نبذة نصها كما يأتي (أن لغة القرآن معتبرة بأنها من أفصح ما جاء في اللغة العربية فإن ما فيه من محاسن الإنشاء وجمال البراعة جعله باقيًا بلا تقليد ودون مثيل. أما أحكامه العقلية فإنها نقية زكية إذا تأملها الإنسان بعين البصيرة لعاش عيشة هنية).."(4).

[ 4 ]

"هذا القرآن الذي هو كتاب حكمة فمن أجال طرف اعتباره فيه وأمعن النظر في بدائع أساليبه وما فيها من الإعجاز رآه وقد مر عليه من الزمان ألف وثلاثمائة وعشرون سنة كأنه مقول في هذا العصر إذ هو مع سهولته بليغ ممتنع ومع إيجازه مفيد للمرام بالتمام. وكما أنه كان يرى مطابقًا للكلام في زمن ظهوره لهجة وأسلوبًا كذلك يرى موافقًا لأسلوب الكلام في كل زمن ولهجة، وكلما ترقّت صناعة الكتابة قدرت بلاغته وظهرت للعقول مزاياه. وبالجملة فإن فصاحته وبلاغته قد أعجزت مصاقع البلغاء وحيرت فصحاء الأولين والآخرين. وإذا عطفنا النظر إلى ما فيه من الأحكام وما اشتمل عليه من الحكم الجليلة نجده جامعًا لجميع ما يحتاجه البشر في حياته وكماله وتهذيب أخلاقه.. وكذا نراه ناهيًا عما ثبت بالتجارب العديدة خسرانه وقبحه من الأفعال ومساوئ الأخلاق.. وكم فيه ما عدا ذلك أيضًا ما يتعلق بسياسة المدن وعمارة الملك، وما يضمن للرعية الأمن والدعة من الأحكام الجليلة التي ظهرت منافعها العظيمة بالفعل والتجربة فضلاً عن القول.."(5).

[ 5 ]

"أن من ضمن محاسن القرآن العديدة أمرين واضحين جدًا أحدهما علامة الخشوع والوقار التي تشاهد دائمًا على المسلمين عندما يتكلمون عن المولى ويشيرون إليه.. والثاني خلوّه من القصص والخرافات وذكر العيوب والسيئات وإلى آخره، الأمر الذي يؤسف عليه كثيرًا لوقوعه بكثرة فيما يسميه المسيحيون (العهد القديم).."(6).

¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬_____________________________________

(1) عبد الله كويليام Kwelem

مفكر إنكليزي،ولد سنة 1856، وأسلم سنة 1887، وتلقب باسم: (الشيخ عبد الله كويليام). من آثاره: (العقيدة الإسلامية) (1988)، و(أحسن الأجوبة).

(2) العقيدة الإسلامية، ص 119 – 120 .

(3) نفسه، ص 122 – 123 .

(4) نفسه ، ص 138 .

(5) نفسه، ص 139 – 140 .

(6) أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبة، ص 23 – 26 .

لاندو(1)

[ 1 ]

"بسبب من أن مهمة ترجمة القرآن بكامل طاقته الإيقاعية، إلى لغة أخرى، تتطلب عناية رجل يجمع الشاعرية إلى العلم، فإننا لم نعرف حتى وقت قريب ترجمة جيدة استطاعت أن تتلقف شيئًا من روح الوحي المحمدي. والواقع أن كثيرًا من المترجمين الأوائل لم يعجزوا عن الاحتفاظ بجمال الأصل فحسب، بل كانوا إلى ذلك مفعمين بالحقد على الإسلام إلى درجة جعلت ترجماتهم تنوء بالتحامل والغرض. ولكن حتى أفضل ترجمة ممكنة للقرآن في شكل مكتوب لا تستطيع أن تحتفظ بإيقاع السور الموسيقي الآسر، على الوجه الذي يرتلها به المسلم. وليس يستطيع الغربي أن يدرك شيئًا من روعة كلمات القرآن وقوّتها إلا عندما يسمع مقاطع منه مرتلة بلغته الأصلية"(2).

[ 2 ]

".. كلف كاتب الوحي، زيد بن ثابت، جمع الآيات القرآنية في شكل كتاب وكان أبو بكر [رضي الله عنه] قد أشرف على هذه المهمة. وفيما بعد، إثر جهد مستأنف بذل بأمر من الخليفة عثمان [رضي الله عنه] اتخذ القرآن شكله التشريعي النهائي الذي وصل إلينا سليمًا لم يطرأ عليه أي تحريف"(3).

".. إن بين آيات قصار السور ترابطًا باهرًا له تأثيره الوجداني برغم أنه ليس ثمة أيما وزن نظامي. وفي الحق إن سماع السور تتلى في الأصل العربي، كثيرًا ما يخلف في نفس المرء تأثيرًا بليغًا. لقد أريد بالقرآن.. أن يتلى في صوت جهير. ويتعين على المرء أن يسمعه مرتلاً لكي يحكم عليه حكمًا عادلاً ويقدره حق قدره.. وبوصفه كلمة الله الحقيقية، كان معجزًا لا سبيل إلى محاكاته، ولم يكن ثمة، بكل بساطة، أيما شيء من مثله"(4).

_____________________________________

(1) روم لاندو R. Landau.

نحّات وناقد فني إنكليزي، زار زعماء الدين في الشرق الأدنى (1937)، وحاضر في عدد من جامعات الولايات المتحدة (1952-1957)، أستاذ الدراسات الإسلامية وشمالي أفريقيا في المجمع الأمريكي للدراسات الآسيوية في سان فرنسيسكو (1953).

من آثاره: (الله ومغامراتي) (1935)، (بحث عن الغد) (1938)، (سلم الرسل) (1939)، (دعوة إلى المغرب) (1950)، (سلطان المغرب) (1951)، (فرنسا والعرب) (19539، (الفن العربي) (1955).. وغيرها.

(2) الإسلام والعرب ، ص 36 – 37 .

(3) نفسه ، ص 296 .

(4) نفسه، ص 296 – 297 .

لوبون(1)

[ 1 ]

".. إن أصول الأخلاق في القرآن عالية علوّ ما جاء في كتب الديانات الأخرى جميعها، وإن أخلاق الأمم التي دانت له تحولت بتحول الأزمان والعروق مثل تحول الأمم الخاضعة لدين عيسى[ عليه السلام].. إن أهم نتيجة يمكن استنباطها هي تأثير القرآن العظيم في الأمم التي أذعنت لأحكامه، فالديانات التي لها ما للإسلام من السلطان على النفوس قليلة جدًا، وقد لا تجد دينًا اتفق له ما اتفق للإسلام من الأثر الدائم، والقرآن هو قطب الحياة في الشرق وهو ما نرى أثره في أدقّ شؤون الحياة"(2).

[ 2 ]

"إن هذا الكتاب [ القرآن ] تشريع ديني وسياسي واجتماعي، وأحكامه نافذة منذ عشرة قرون.."(3).

___________________________________

(1) كوستاف لوبون Dr. G. Lebon

ولد عام 1841م، وهو طبيب، ومؤرخ فرنسي، عني بالحضارات الشرقية.

من آثاره: (حضارة العرب) (باريس 1884)، (الحضارة المصرية)، و(حضارة العرب في الأندلس).

(2) حضارة العرب، ص 431 – 432 .

(3) النتائج الأولى للحرب (عن: محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، 1/74).

ليختنستادتر(1)

[ 1 ]

".. إن المسلم العصري يعتقد أن كتابه المنزل يسمح له، بل يوجب عليه، أن يعالج مشكلات عصره بما يوافق الدين ولا يضيع المصلحة أو يصد عن المعرفة كما انتهت إليها علوم زمنه.. وإن مزية القرآن – في عقيدة المسلم – أنه متمم للكتب السماوية ويوافقها في أصول الإيمان، ولكنه يختلف عنها في صفته العامة فلا يرتبط برسالة محدودة تمضي مع مضي عهدها ولا بأمة خاصة يلائمها ولا يلائم سواها. وكل ما يراد به الدوام، ينبغي أن يوافق كل جيل ويصلح لكل أوان"(2).

[ 2 ]

"إنه من الضروري لإدراك عمل القرآن من حيث هو كتاب ديني وكتاب اجتماعي أن ندرك صدق المسلم حين يؤكد أن القرآن يمكن أن يظل أساسًا لإدراك الحكم المعقدة التي تعالج مشكلات المجتمع الحديث. فإن النبي [صلى الله عليه وسلم] يرى أن القرآن هو حلقة الاتصال بين الإله في كماله الإلهي وبين خليقته التي يتجلى فيها بفيوضه الربانية وآيتها الكبرى الإنسان. وإن واجب الإنسان أن يعمل بمشيئة الله للتنسيق بين العالم الإلهي وبين عالم الخلق والشهادة، وخير ما يدرك به هذا المطلب أن تتولاه جماعة إنسانية تتحرى أعمق الأوامر الإلهية وألزمها وهي أوامر العدل للجميع والرحمة بالضعيف والرفق والإحسان. وتلك هي الوسائل التي يضعها الله في يد الإنسان لتحقيق نجاته، فهو ثم مسؤول عن أعماله ومسؤول كذلك عن مصيره"(3).

___________________________________

(1) الدكتورة إلس ليختنستادتر Ilse Lictenstadter

سيدة ألمانية، درست العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت، ثم في جامعة لندن، وأقامت زهاء ثلاثين سنة بين بلاد الشرقين الأدنى والأوسط، وعنيت عناية خاصة بدعوات الاجتهاد والتجديد والمقابلة بين المذاهب. من مؤلفاتها (الإسلام والعصر الحديث).

(2) الإسلام والعصر الحديث، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 19 .

(3) نفسه ، ص 19 .

مونتاي(1)

[ 1 ]

"إنني لا اشك لحظة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وأعتقد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأنه بعث للناس كافة، وأن رسالته جاءت لختم الوحي الذي نزل في التوراة والإنجيل. وأحسن دليل على ذلك هو القرآن المعجزة. فأنا أرفض خواطر بسكال العالم الأوروبي الحاقد على الإسلام والمسلمين إلا خاطرة واحدة وهي قوله: ليس القرآن من تأليف محمد [صلى الله عليه وسلم]، كما أن الإنجيل ليس من تأليف متّى"(2).

[ 2 ]

".. إن مثل الفكر العربي الإسلامي المبعد عن التأثير القرآني كمثل رجل أفرغ من دمه"(3).

________________________________

(1) فنساي مونتاي : المنصور بالله الشافعي F. Montague

فرنسي، رجل بحث وترحال، اختص بدراسة القضايا الإسلامية والغربية، عن كثب، قضى سنوات عديدة في المغرب والمشرق وانتهى الأمر به إلى إعلان إسلامه في صيف عام 1977.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 45 .

(3) نفسه ، ص 5 / 50 – 51 .

هوني(1)

[ 1 ]

".. لن أستطيع مهما حاولت، أن أصف الأثر الذي تركه القرآن في قلبي، فلم أكد أنتهي من قراءة السورة الثالثة من القرآن حتى وددتني ساجدة لخالق هذا الكون، فكانت هذه أول صلاة لي في الإسلام.."(2).

____________________________________

(1) عائشة برجت هوني Ayesha Bridget Honey

نشأت في أسرة إنكليزية مسيحية، وشغفت بالفلسفة، ثم سافرت إلى كندا لإكمال دراستها، وهناك في الجامعة أتيح لها أن تتعرف على الإسلام، وأن تنتهي إليه، وقد عملت مدرسة في مدرسة عليا في نيجيريا.

(2) رجال ونساء أسلموا ، ص 1 / 59 – 60 .

وات(1)

[ 1 ]

"يعتبر القرآن قلاقل العصر نتيجة أسباب دينية بالرغم من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وأنه لا يمكن تقويمها إلا باستخدام الوسائل الدينية مثل كل شيء. وإنه لمن الجرأة الشك في حكمة القرآن نظرًا لنجاح محمد [صلى الله عليه وسلم] في تبليغ الرسالة التي أمره الله بتبليغها.."(2).

[ 2 ]

"يجب علينا في رأيي، مهما كان موقفنا الديني، أن نعتبر رسالة القرآن انبثاقًا خلاقًا في الوضع المكي. ولا شك أنه كانت توجد مشاكل تتطلب الحلّ، وأزمات حاول البعض تخفيفها، ولكن كان يستحيل الانتقال من هذه المشاكل وتلك الأزمان إلى رسالة القرآن بواسطة التفكير المنطقي.. ولا شك أن رسالة القرآن تحل مشاكل اجتماعية وأخلاقية وفكرية، ولكن لا تحلّها جميعًا دفعة واحدة وليس بصورة بديهية. ولربما قال مؤرخ دنيوي أن محمدًا وقع صدفة على أفكار كانت بمثابة المفتاح لحل المشاكل الأساسية في زمان ليس هذا ممكنًا. ولا يمكن للمحاولات التجريبية ولا للفكر النافذ أن يفند لنا كما يجب رسالة القرآن"(3).

__________________________________

(1) مونتجومري وات Montgomery, Watt

عميد قسم الدراسات العربية في جامعة أدنبرا سابقًا.

من آثاره: (عوامل انتشار الإسلام)، (محمد في مكة)، (محمد في المدينة)، (الإسلام والجماعة الموحدة)، وهو دراسة فلسفية اجتماعية لردّ أصل الوحدة العربية إلى الإسلام (1961).

(2) محمد في مكة ، ص 135 .

(3) نفسه ، ص 135 – 136 .

الفصل الثاني محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

"إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.. إن هذا الاتحاد الفريد الذي لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخوّله أن يعتبر أعظم شخصية ذات تأثير في تاريخ البشرية".

(العالم الأمريكي مايكل هارث)

إبراهيم خليل أحمد

[ 1 ]

"هذه هي حقيقة يثبتها التاريخ: فبينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، نور وضاء أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام"(1).

[ 2 ]

"إن سيدنا عيسى عليه السلام يتنبأ عن الرسول الكريم محمد [صلى الله عليه وسلم] بقوله: (وأما متى جاء ذاك: روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية)(2) .."(3).

[ 3 ]

"يقول برنابا: (سيأتي مسيا (أي الرسول) المرسل من الله لكل العالم،.. وحينئذ يسجد لله في كل العالم وتنال الرحمة..)(4) .."(5).

[ 4 ]

".. كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى، ولعل هذا هو الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلام، أنه كان بشرى من الله للرحمة، وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي سيأتي للعالمين هدى ورحمة، ألا وهو الرسول الكريم سيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم]"(6).

[ 5 ]

"يقول عيسى [عليه السلام] في إنجيل برنابا: (لأن الله سيصعِّدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاي. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمنًا طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة)(7) .."(8).

___________________________________

(1) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 47 .

(2) إنجيل يوحنا ، 16 : 12 و .

(3) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 98 .

(4) إنجيل برنابا ، 82 : 16 – 18 .

(5) محمد في التوراة ، ص 105 .

(6) نفسه ، ص 114 .

(7) إنجيل برنابا ، 80112 - 16 .

(8) محمد في التوراة ، ص 141 .

آرنولد

[ 1 ]

".. لعله من المتوقع، بطبيعة الحال، أن تكون حياة مؤسس الإسلام ومنشئ الدعوة الإسلامية [صلى الله عليه وسلم]، هي الصورة الحق لنشاط الدعوة إلى هذا الدين. وإذا كانت حياة النبي [صلى الله عليه وسلم] هي مقياس سلوك عامة المؤمنين، فإنها كذلك بالنسبة إلى سائر دعاة الإسلام. لذلك نرجو من دراسة هذا المثل أن نعرف شيئًا عن الروح التي دفعت الذين عملوا على الاقتداء به، وعن الوسائل التي ينتظر أن يتخذوها. ذلك أن روح الدعوة إلى الإسلام لم تجئ في تاريخ الدعوة متأخرة بعد أناة وتفكر، وإنما هي قديمة قدم العقيدة ذاتها. وفي هذا الوصف الموجز سنبين كيف حدث ذلك وكيف كان النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] يعد نموذجًا للداعي إلى الإسلام.."(1).

[ 2 ]

".. من الخطأ أن نفترض أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] في المدينة قد طرح مهمة الداعي إلى الإسلام والمبلغ لتعاليمه، أو أنه عندما سيطر على جيش كبير يأتمر بأمره، انقطع عن دعوة المشركين إلى اعتناق الدين.."(2).

[ 3 ]

".. إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي [صلى الله عليه وسلم] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي [صلى الله عليه وسلم] بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه.."(3).

____________________________________

(1) الدعوة إلى الإسلام ، ص 34 .

(2) نفسه ، ص 54 .

(3) نفسه ، ص 55 عن: Muir (Sir Wiliam): Life of Mahomet, PP.107-8 (London, 1858-,1) .

واشنجتون إيرفنج

[ 1 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ليدعوا الناس إلى عبادة الله"(1).

[ 2 ]

"كانت تصرفات الرسول [صلى الله عليه وسلم] في [أعقاب فتح] مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"(2).

[ 3 ]

"لقي الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أجل نشر الإسلام كثيرًا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير في صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحًا كبيرًا، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة"(3).

[ 4 ]

"برغم انتصارات الرسول [صلى الله عليه وسلم] العسكرية لم تثر هذه الانتصارات كبرياءه أو غروره، فقد كان يحارب من أجل الإسلام لا من أجل مصلحة شخصية، وحتى في أوج مجده حافظ الرسول [صلى الله عليه وسلم] على بساطته وتواضعه، فكان يكره إذا دخل حجرة على جماعة أن يقوموا له أو يبالغوا في الترحيب به وإن كان قد هدف إلى تكوين دولة عظيمة، فإنها كانت دولة الإسلام، وقد حكم فيها بالعدل، ولم يفكر أن يجعل الحكم فيها وراثيًا لأسرته"(4).

[ 5 ]

"كان الرسول [صلى الله عليه وسلم] ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع في يديه من غنائم في سبيل انتصار الإسلام، وفي معاونة فقراء المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق في سبيل ذلك آخر درهم في بيت المال.. وهو لم يخلف وراءه دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا.. وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز الأرض في الدنيا وبين الآخرة فاختار الآخرة"(5).

____________________________________

(1) حياة محمد ، ص 72 .

(2) حياة محمد ، ص 72 .

(3) نفسه ، ص 300 .

(4) نفسه ، ص 302 – 303 .

(5) نفسه ، ص 303 .

بارت(1)

[ 1 ]

"كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به"(2).

[ 2 ]

"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد [صلى الله عليه وسلم] ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس"(3).

____________________________________

(1) رودي بارت Rudi, Part

عالم ألماني معاصر، اضطلع بالدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة علوم العربية والإسلام، وصنف فيها عددًا كبيرًا من الأعمال، منها ترجمته للقرآن الكريم التي استغرقت منه عشرات السنين وأصدرها بين عامي 1963 و1966، وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

(2) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 15 .

(3) نفسه ، ص 20 .

بروي(1)

[ 1 ]

"جاء محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم]، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبض النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."(2).

___________________________________

(1) إدوار بروي Edourd Perroy

باحث فرنسي معاصر، وأستاذ في السربون.

(2) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 112 .

بلاشير

[ 1 ]

".. إن معجزة النبي [عليه الصلاة والسلام] الحقيقية والوحيدة هي إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى عرب الحجاز في أوائل القرن السابع ؟ إن محمدًا [عليه الصلاة والسلام] لا يبدو في القرآن إطلاقًا، منعمًا عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع في نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هي حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ} [الكهف 110]. وهو لم يتلق أي قدرة على صنع المعجزات، ولكنه انتخب ليكون منذرًا ومبشرًا للكافرين. إن نجاح رسالته مرتبط إذن في قيمتها الإحيائية وإلى شكلها المنقطع النظير. ولم يكن محمد [عليه الصلاة والسلام] رغم ذلك، صاحب بيان ولا شاعرًا، فإن الأخبار التي روت سيرته لم تحسن الاحتفاظ بذكرى مفاخراته الشخصية، وثمة عوامل تحملنا على الشك فيما إذا كان عرف استعمال السجع، أو أنه تلقى من السماء فنّ ارتجال الشعر. وعندما قال عنه المكّيّون المشركون أنه شاعر، أو حين عرّضوا بأن مصدر الوحي جنّي معروف أزال الله عنه هذه التهمة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ، لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس 69–70]. وهكذا يطرح هذا الوحي البالغ جماله حد الإعجاز، الواثق بحمل الناس بقوة بيانه على الهداية، كظاهرة لا علاقة لها بالفصاحة ولا الشعر"(1).

[ 2 ]

".. أما عن انتصار الإسلام فثمَّة أسباب تداخلت وفي طليعتها القرآن والسنة وحالة الحجاز الدينية، ونصح وبيان وأمانة الرجل المرسل لإبلاغ الرسالة المنزلة عليه.."(2).

___________________________________

(1) تاريخ الأدب العربي ، 2 / 14 – 15 .

(2) نفسه ، 2 / 50 .

مارسيل بوازار

[ 1 ]

"سبق أن كتب كل شيء عن نبي الإسلام [صلى الله عليه وسلم]، فأنوار التاريخ تسطع على حياته التي نعرفها في أدق تفاصيلها. والصورة التي خلفها محمد [صلى الله عليه وسلم] عن نفسه تبدو، حتى وإن عمد إلى تشويهها، علمية في الحدود التي تكشف فيها وهي تندمج في ظاهرة الإسلام عن مظهر من مظاهر المفهوم الديني وتتيح إدراك عظمته الحقيقية.."(1).

[ 2 ]

"لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] على الصعيد التاريخي مبشرًا بدين وحسب بل كان كذلك مؤسس سياسة غيّرت مجرى التاريخ، وأثرت في تطور انتشار الإسلام فيما بعد على أوسع نطاق.."(2).

[ 3 ]

"منذ استقر النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان منظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.. وكما يظهر التاريخ الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائدًا عظيم ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله"(3).

[ 4 ]

".. لقد كان محمد [صلى الله عليه وسلم] نبيًا لا مصلحًا اجتماعيًا. وأحدثت رسالته في المجتمع العربي القائم آنذاك تغييرات أساسية ما تزال آثارها ماثلة في المجتمع الإسلامي المعاصر.."(4).

[ 5 ]

".. مما لا ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد اعتبر، بل كان في الواقع، ثائرًا في النطاق الذي كان فيه كل نبي ثائرًا بوصفه نبيًا، أي بمحاولته تغيير المحيط الذي يعيش فيه.."(5).

___________________________________

(1) إنسانية الإسلام ، ص 40 – 41 .

(2) نفسه ، ص 42 .

(3) نفسه ، ص 46 .

(4) نفسه ، ص 61 .

(5) نفسه ، ص 66 .

توينبي(1)

[ 1 ]

"لقد كرّس محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته لتحقيق رسالته في كفالة هذين المظهرين في البيئة الاجتماعية العربية [وهما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم]. وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة، بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي.."(2).

[ 2 ]

".. لقد أخذت سيرة الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بألباب أتباعه، وسمت شخصيته لديهم إلى أعلى علّيين، فآمنوا برسالته إيمانًا جعلهم يتقبلون ما أوحي به إليه وأفعاله كما سجّلتها السنة، مصدرًا للقانون، لا يقتصر على تنظيم حياة الجماعة الإسلامية وحدها، بل يرتب كذلك علاقات المسلمين الفاتحين برعاياهم غير المسلمين الذين كانوا في بداية الأمر يفوقونهم عددًا"(3).

___________________________________

(1) آرنولد توينبي Arnold Toynbee

المؤرخ البريطاني المعاصر، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها – ولا ريب – مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ. ولقد وضع المستر سومر فيل – تحت إشراف توينبي نفسه – مختصرًا في جزأين لهذا العمل الواسع بسط فيه جميع آراء المؤلف مستخدمًا عباراته الأصلية في معظم الأحيان، وحذف الكثير من الأمثلة والآراء دون إخلال بالسياق العام للكتاب، وهذا المختصر هو الذي ترجم إلى العربية في أربعة أجزاء، وهو الذي اعتمدناه هنا.

(2) مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381 .

(3) نفسه ، 3 / 98 .

فيليب حتي

[ 1 ]

"إن اللغة العربية هي لغة القرآن التي كانت الأساس الذي قامت عليه أمة جديدة أخرجت للناس، أمة جاءت بها بعثة محمد [صلى الله عليه وسلم] من قبائل متنافرة متنازعة لم يقدّر لها من قبل أن تجتمع على رأي واحد. وهكذا استطاع رسول الإسلام [صلى الله عليه وسلم] أن يضيف حدًا جديدًا (رابعًا) إلى المأثرة الحضارية ذات الحدود الثلاثة من الدين والدولة والثقافة، ذلك الحد الرابع الجديد كان (إيجاد أمة ذات لغة فوق اللغات).."(1).

[ 2 ]

"إن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان في الحقيقة عملاً جريئًا جديدًا قام به النبي العربي [صلى الله عليه وسلم].."(2).

[ 3 ]

"في الكتاب المعاصرين لنا نفرٌ يحاولون أن يكتشفوا الأعمال الباهرة (التي حققها محمد صلى الله عليه وسلم) أو أن يعالجوا حياته الزوجية على أساس من التحليل النفسي، فلا يزيدون على أن يضيفوا إلى أوجه التحامل وإلى الآراء الهوائية أحكامًا من زيف العلم.."(3).

[ 4 ]

"صفات محمد [صلى الله عليه وسلم] مثبتة في القرآن بدقة بالغة فوق ما نجد في كل مصدر آخر. إن المعارك التي خاضها والأحكام التي أبرمها والأعمال التي قام بها لا تترك مجالاً للريب في الشخصية القوية والإيمان الوطيد والإخلاص البالغ وغير ذلك من الصفات التي خلقت الرجال القادة في التاريخ. ومع أنه كان في دور من أدوار حياته يتيمًا فقيرًا، فقد كان في قلبه دائمًا سعة لمؤاساة المحرومين في الحياة"(4).

[ 5 ]

"إذا نحن نظرنا إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر"(5).

___________________________________

(1) الإسلام منهج حياة ، ص 19 – 20 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) نفسه ، ص 54 .

(4) نفسه ، ص 54 .

(5) نفسه ، ص 56 .

جورج حنا

[ 1 ]

".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يخرج من سويعات [لقائه مع جبريل عليه السلام] بآيات تنطق بالحكمة، داعيًا قومه إلى الرجوع عن غيّهم، والإيمان بالإله الواحد الكليّ القدرة، صابًا النقمة على الآلهة الصنمية، التي كان القوم يعبدونها فكان طبيعيًا أن يحقد عليه أشراف العرب ويضمروا له الشر، لما كان في دعوته من خطر على زعامتهم، وهي ما كانت قائمة إلا على التعبد للأصنام التي جاء هذا الرجل يدعو إلى تحطيمها. لكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يهادن في بث دعوته، ولم يكن يسكت عن اضطهاد أشراف قريش له، بل كان يتحداهم، فيزدادون حقدًا عليه وتآمرًا على حياته. فلم تلبث دعوته حتى تحولت من دعوة سلمية إلى دعوة نضالية. إنه لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]"(1).

[ 2 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أكثر اطمئنانًا على نفسه وعلى أتباعه ورسالته مما كان في مكة.. كانت يثرب مدينة العامة التابعة، لا مدينة الخاصة المتبوعة. والعامة دائمًا أقرب إلى اقتباس كلمة الحق من الخاصة، لا سيما إذا كانت كلمة الحق هذه، تحررها من عبوديتها للخاصة"(2).

[ 3 ]

"محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم] كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة"(3).

___________________________________

(1) قصة الإنسان ، ص 76 .

(2) نفسه ، ص 77 .

(3) نفسه ، ص 252 .

أميل درمنغم

[ 1 ]

".. إذا كانت كل نفس بشرية تنطوي على عبرة وإذا كان كل موجود يشتمل على عظة فما أعظم ما تثيره فينا من الأثر الخاص العميق المحرك الخصيب حياة رجل يؤمن برسالته فريق كبير من بني الإنسان!"(1).

[ 2 ]

".. ولد لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه كثيرًا ولحده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..) فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."(2).

[ 3 ]

".. تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة.."(3).

[ 4 ]

"[إن] محمدًا [صلى الله عليه وسلم] الذي خلق القيادة لم يطلب معاصريه بغير ما يفرض عليهم من الطاعة لرجل يبلّغهم رسالات الله، فهو بذلك واسطة بين الله رب العالمين والناس أجمعين.. وكان ينهى عن عدّه ملكًا.. ولقد نال السلطان والثراء والمجد، ولكنه لم يغتر بشيء من هذا كله فكان يفضل إسلام رجل على أعظم الغنائم، ومما كان يمضه عجز كثير من الناس عن إدراك كنه رسالته.."(4).

[ 5 ]

".. الحق أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أبصر، حين أفاض من جبل عرفات، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحسّ ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"(5).

___________________________________

(1) حياة محمد ، ص 8 .

(2) نفسه ، ص 318 .

(3) نفسه ، ص 359 .

(4) نفسه ، ص 360 .

(5) نفسه ، ص 368 – 369 .

دُرّاني(1)

[ 1 ]

"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [صلى الله عليه وسلم] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره"(2).

[ 2 ]

".. وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التي لم تنجب رجلاً عظيمًا واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"(3).

[ 3 ]

".. تحمل [صلى الله عليه وسلم] ثلاثة عشر عامًا كاملةً من المتاعب [في مكة] دون انقطاع، وثمانية سنوات [في المدينة] دون توقف، فتحمل ذلك كله، فلم يتزحزح شعرة عن موقفه، وكان صامدًا، رابط الجأش، صلبًا في أهدافه وموقفه. عرضت عليه أمته أن تنصبه ملكًا عليها وأن تضع عند قدميه كل ثروات البلاد إذا كف عن الدعوة إلى دينه ونشر رسالته. فرفض هذه الإغراءات كلها فاختار بدلاً من ذلك أن يعاني من أجل دعوته. لماذا؟ لماذا لم يكترث أبدًا للثروات والجاه والملك والمجد والراحة والدعة والرخاء ؟ لابدّ أن يفكر المرء في ذلك بعمق شديد إذا أراد أن يصل إلى جواب عليه"(4).

[ 4 ]

"هل بوسع المرء أن يتصور مثالاً للتضحية بالنفس وحب الغير والرأفة بالآخرين أسمى من هذا المثال حيث نجد رجلاً يقضي على سعادته الشخصية لصالح الآخرين، بينما يقوم هؤلاء القوم أنفسهم الذين يعمل على تحسين أحوالهم ويبذل أقصى جهده في سبيل ذلك يقومون برميه بالحجارة والإساءة إليه ونفيه وعدم إتاحة الفرصة له للحياة الهادئة حتى في منفاه، وأنه رغم كل ذلك يرفض أن يكف عن السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة السعي لخيرهم؟ هل يمكن لأحد أن يتحمل كل هذا العناء والألم من أجل دعوة مزيفة؟ هل يستطيع أي مدخول غير مخلص.. أن يبدي هذا الثبات والتصميم على مبدئه والتمسك به حتى آخر رمق دون أدنى وجل أو تعثر أمام الأخطار وصنوف التعذيب التي يمكن تصورها وقد قامت عليه البلاد بأكملها وحملت السلاح ضده؟"(5).

[ 5 ]

"إن هذا الإيمان وهذا السعي الحثيث وهذا التصميم والعزم الذي قاد به محمد [صلى الله عليه وسلم] حركته حتى النصر النهائي، إنما هو برهان بليغ على صدقه المطلق في دعوته. إذ لو كانت في نفسه أدنى لمسة من شك أو اضطراب لما استطاع أبدًا أن يصمد أمام العاصفة التي استمرّ أوارها أكثر من عشرين عامًا كاملة. هل بعد هذا من برهان على صدق كامل في الهدف واستقامة في الخلق وسموّ في النفس كل هذه العوامل تؤدي لا محالة إلى الاستنتاج الذي لا مفر منه وهو أن هذا الرجل هو رسول الله حقًا. هذا هو نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ كان آية في صفاته النادرة ونموذجًا كاملاً للفضيلة والخير، ورمزًا للصدق والإخلاص.. [إن] حياته وأفكاره وصدقه واستقامته، وتقواه وجوده، وعقيدته ومنجزاته، كل أولئك براهين فريدة على نبوته. فأي إنسان يدرس دون تحيّز حياته ورسالته سوف يشهد أنه حقًا رسول من عند الله، وأن القرآن الذي جاء به للناس هو كتاب الله حقًا. وكل مفكر منصف جاد يبحث عن الحقيقة لابدّ أن يصل إلى هذا الحكم"(6).

___________________________________

(1) الدكتور م. ج. دُرّاني Dr. M. H. Durrani

سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث جاءه الإسلام "كما يأتي فصل الربيع"، فعاد إلى دين آبائه وأجداده.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .

(3) نفسه ، 4 / 28 – 29 .

(4) نفسه ، 4 / 29 – 30 .

(5) نفسه ، 4 / 30 .

(6) نفسه ، 4 / 30 – 31 .

سانتيلانا(1)

[ 1 ]

"ما كان من محمد [صلى الله عليه وسلم] إلا أن تناول المجتمع العربي هدمًا من أصوله وجذوره وشاد صرحًا اجتماعيًا جديدًا.. هذا العمل الباهر لم تخطئه عين (ابن خلدون) النفاذة الثاقبة. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] هدم شكل القبيلة والأسرة المعروفين آنذاك، ومحا منه الشخصية الفردية Gentes والموالاة والجماعات المتحالفة. من يعتنق دين الإسلام عليه أن ينشئ روابطه كلها ومنها رابطة قرباه وأسرته، إلا إذا كانوا يعتنقون دينه (إخوته في الإيمان). فما داموا هم على دينهم القديم فإنه يقول لهم كما قال إبراهيم [عليه السلام] لأهله: (لقد تقطعت بيننا الأسباب.."(2).

[ 2 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى الشعوب الأخرى، كما كان رسول الله إلى العرب"(3).

____________________________________

(1) دافيد دي سانتيلانا ( 1845 – 1931 ) David de Santillana

ولد في تونس، ودرس في روما، أحرز الدكتوراه في القانون، فدعاه المقيم العام الفرنسي في تونس لدراسة وتدوين القوانين التونسية، فوضع القانونين المدني والتجاري معتمدًا بذلك على قواعد الشريعة الإسلامية ومنسقًا إياهما بحسب القوانين الأوروبية. كان على معرفة واسعة بالمذهبين المالكي والشافعي، وفي سنة 1910 عين أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وله محاضرات قيمة فيها. ثم استدعته جامعة روما لتدريس التاريخ الإسلامي.

من آثاره: (ترجمة وشرح الأحكام المالكية)، كتاب (الفقه الإسلامي ومقارنته بالمذهب الشافعي).. إلخ.

(2) تراث الإسلام ( إشراف سير توماس آرنولد )، ص 405 – 406 .

(3) نفسه ، ص 406 .

هنري دي فاستري

[ 1 ]

"إن أشد ما نتطلع إليه بالنظر على الديانة الإسلامية ما اختص منها بشخص النبي [صلى الله عليه وسلم] ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولاً في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية علّني أجد في هذا البحث دليلاً جديدًا على صدقه وأمانته المتفق تقريبًا عليها بين جميع مؤرخي الديانات وأكبر المتشيعين للدين المسيحي"(1).

[ 2 ]

"ثبت إذن أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يقرأ كتابًا مقدسًا ولم يسترشد في دينه بمذهب متقدم عليه.."(2).

[ 3 ]

".. ولقد نعلم أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون وكان بغضهما متمكنًا من قلبه وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [صلى الله عليه وسلم] ولعمري فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات (الله أحد الله أحد). كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.."(3).

[ 4 ]

".. لو رجعنا إلى ما وضحه الحكماء عن النبوة ولم يقبل المتكلمون من المسيحيين لأمكننا الوقوف على حالة مشيد دعائم الإسلام وجزمنا بأنه لم يكن من المبتدعين.. ومن الصعب أن تقف على حقيقة سماعه لصوت جبريل [عليه السلام].. إلا أن معرفة هذه الحقيقة لا تغير موضوع المسألة لأن الصدق حاصل في كل حال"(4).

[ 5 ]

"لا يمكن أن ننكر على محمد [صلى الله عليه وسلم] في الدور الأول من حياته كمال إيمانه وإخلاص صدقه، فأما الإيمان فلن يتزعزع مثقال ذرة من قلبه في الدور الثاني [الدور المدني] وما أُوتيه من نصر كان من شأنه أن يقويه على الإيمان لولا أن الاعتقاد كله قد بلغ منه مبلغًا لا محل للزيادة فيه.. وما كان يميل إلى الزخارف ولم يكن شحيحًا.. وكان قنوعًا خرج من [الدنيا] ولم يشبع من خبز الشعير مرة في حياته.. تجرد من الطمع وتمكن من نوال المقام الأعلى في بلاد العرب ولكنه لم يجنح إلى الاستبداد فيها، فلم يكن له حاشية ولم يتخذ وزيرًا ولا حشما، وقد احتقر المال.."(5).

____________________________________

(1) الإسلام: خواطر وسوانح ، ص 6 .

(2) نفسه ، ص 16 .

(3) نفسه ، ص 16 – 17 .

(4) نفسه ، ص 21 .

(5) نفسه ، ص 24 .

اينين دينيه

[ 1 ]

"إن الشخصية التي حملها محمد [صلى الله عليه وسلم] بين برديه كانت خارقة للعادة وكانت ذات أثر عظيم جدًا حتى إنها طبعت شريعته بطابع قوي جعل لها روح الإبداع وأعطاها صفة الشيء الجديد.."(1).

[ 2 ]

"إن نبي الإسلام هو الوحيد من بين أصحاب الديانات الذي لم يعتمد في إتمام رسالته على المعجزات وليست عمدته الكبرى إلا بلاغة التنزيل الحكيم.."(2).

[ 3 ]

".. إن سنة الرسول الغرّاء [صلى الله عليه وسلم] باقية إلى يومنا هذا، يجلوها أعظم إخلاص ديني تفيض به نفوس [مئات الملايين] من أتباع سنته منتشرين على سطح الكرة(3).

[ 4 ]

"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يعنى بنفسه عناية تامة، إلى حد أن عرف له نمط من التأنق على غاية من البساطة، ولكن على جانب كبير من الذوق والجمال، وكان ينظر نفسه في المرآة.. ليتمشط أو ليسوي طيات عمامته.. وهو في كل ذلك يريد من حسن منظره البشري أن يروق الخالق سبحانه وتعالى.."(4).

[ 5 ]

"لقد (دعا) عيسى [عليه السلام] إلى المساواة والأخوة، أما محمد [صلى الله عليه وسلم] فوفق إلى (تحقيق) المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته"(5).

____________________________________

(1) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 15 .

(2) نفسه ، ص 16 .

(3) محمد رسول الله ، ص 51 .

(4) نفسه ، ص 312 .

(5) نفسه ، ص 323 .

ول ديورانت

[ 1 ]

".. يبدو أن أحدًا لم يعن بتعليم [محمد صلى الله عليه وسلم] القراءة والكتابة.. ولم يعرف عنه أنه كتب شيئًا بنفسه.. ولكن هذا لم يحل بينه وبين قدرته على تعرف شؤون الناس تعرفًا قلّما يصل إليه أرقى الناس تعليمًا"(1).

[ 2 ]

"كان النبي [صلى الله عليه وسلم] من مهرة القواد.. ولكنه كان إلى هذا سياسيًا محنكًا، يعرف كيف يواصل الحرب بطريق السلم"(2).

[ 3 ]

"إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان من أعظم عظماء التاريخ، فلقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحًا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقلّ أن نجد إنسانًا غيره حقق ما كان يحلم به.. ولم يكن ذلك لأنه هو نفسه كان شديد التمسك بالدين وكفى، بل لأنه لم يكن ثمة قوة غير قوة الدين تدفع العرب في أيامه إلى سلوك ذلك الطريق الذي سلكوه.. وكانت بلاد العربي لما بدأ الدعوة صحراء جدباء، تسكنها قبائل من عبدة الأوثان قليل عددها، متفرقة كلمتها، وكانت عند وفاته أمة موحدة متماسكة. وقد كبح جماح التعصب والخرافات، وأقام فوق اليهودية والمسيحية، ودين بلاده القديم، دينًا سهلاً واضحًا قويًا، وصرحًا خلقيًا وقوامه البسالة والعزة القومية. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم"(3).

[ 4 ]

".. لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا فرض على الأغنياء من الضرائب ما فرضه عليهم محمد [صلى الله عليه وسلم] لإعانة الفقراء.."(4).

[ 5 ]

"تدل الأحاديث النبوية على أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان يحث على طلب العلم ويعجب به، فهو من هذه الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين.."(5).

____________________________________

(1) قصة الحضارة ، 13 / 21 – 22 .

(2) نفسه ، 13 / 38 .

(3) نفسه ، 13 / 47 .

(4) نفسه ، 13 / 59 .

(5) نفسه ، 13 / 167 .

رودنسن(1)

".. [بظهور عدد من المؤرخين الأوروبيين المستنيرين في القرن الثامن عشر] بدأت تتكامل معالم صورة هي صورة محمد [صلى الله عليه وسلم] الحاكم المتسامح والحكيم والمشرع"(2).

____________________________________

(1) مكسيم رودنسن

ولد عام 1915، من أساتذة مدرسة الدراسات العليا بباريس، ثم مديرها.

من آثاره: (مباحث في فن الطبخ عند العرب) (1949). ونشر عددًا من الدراسات في المجلات المعروفة من مثل (دانتي والإسلام)، و(حياة محمد والمشكلة الاجتماعية المتعلقة بأصول الإسلام)، و(دراسة الصلات بين الإسلام والشيوعية).

(2) تراث الإسلام ، (تصنيف شاخت وبوزوث)، 1 / 67 – 68 .

فرانز روزنثال

[ 1 ]

"إن أفكار الرسول [صلى الله عليه وسلم] التي تلقاها وحيًا أو التي أدى إليها اجتهاده نشّطت دراسة التاريخ نشاطًا لا مزيد عليه، فقد أصبحت أعمال الأفراد وأحداث الماضي وحوادث كافة شعوب الأرض أمورًا ذات أهمية دينية، كما أن شخصية الرسول [صلى الله عليه وسلم] كانت خطًا فاصلاً واضحًا في كل مجرى التاريخ، ولم يتخط علم التاريخ الإسلامي هذا الخط قط.."(1).

[ 2 ]

"تبقى حقيقة، هي أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه وضع البذور التي نجني منها اهتمامًا واسعًا بالتاريخ.. لقد كان التاريخ يملأ تفكير الرسول [صلى الله عليه وسلم] لدرجة كبيرة، وقد ساعد عمله من حيث العموم في تقديم نمو التاريخ الإسلامي في المستقبل، رغم أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] لم يتنبأ بالنمو الهائل للمعرفة والعلم الذي سيتم باسم دينه"(2).

____________________________________

(1) علم التاريخ عند المسلمين ، ص 40 .

(2) نفسه ، ص 45 .

جاك ريسلر

[ 1 ]

"القرآن يكمله الحديث الذي يعد سلسلة من الأقوال تتعلق بأعمال النبي [صلى الله عليه وسلم] وإرشاداته. وفي الحديث يجد المرء ما كان يدور بخلد النبي [صلى الله عليه وسلم]، العنصر الأساسي من سلوكه أمام الحقائق المتغيرة في الحياة، هذه الأقوال ، أو هذه الأحاديث التي يشكل مجموعها السنة دونت مما روي عن الصحابة [رضي الله عنهم] أو نقل عنهم مع التمحيص الشديد في اختيارها وهكذا جمع عدد كبير من الأحاديث.. والسنة هي المبينة للقرآن التي لا غنى عنها للقرآن.."(1).

[ 2 ]

".. كان لزامًا على محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبرز في أقصر وقت ممكن تفوّق الشعب العربي عندما أنعم الله عليه بدين سام في بساطته ووضوحه، وكذلك بمذهبه الصارم في التوحيد في مواجهة التردد الدائم للعقائد الدينية. وإذا ما عرفنا أن هذا العمل العظيم أدرك وحقق في أقصر أجل أعظم أمل لحياة إنسانية فإنه يجب أن نعترف أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يظل في عداد أعظم الرجال الذين شرف بهم تاريخ الشعوب والأديان"(2).

____________________________________

(1) الحضارة العربية ، ص 32 .

(2) نفسه ، ص 37 .

جورج سارتون

[ 1 ]

"صدع الرسول [صلى الله عليه وسلم] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة، وكان مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام] ولكن كان أفضل منهم بما لا نسبة فيه.. وكان زاهدًا وفقيهًا ومشرعًا ورجلاً عمليًا.."(1).

[ 2 ]

"إنه لم يتح لنبي من قبل.. أن ينتصر انتصارًا تامًا كانتصار محمد [صلى الله عليه وسلم].."(2).

[ 3 ]

".. لم يكن محمد [صلى الله عليه وسلم] نبي الإسلام فحسب، بل نبي اللغة العربية والثقافة العربية، على اختلاف أجناس المتكلمين بها وأديانهم"(3).

____________________________________

(1) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 29 – 30 – 31 .

(2) نفسه ، ص 43 .

(3) نفسه ، ص 43 .

نصري سلهب

[ 1 ]

"في مكة . . أبصر النور طفل لم يمرّ ببال أمة، ساعة ولادته، أنه سيكون أحمد أعظم الرجال في العالم بل في التاريخ، ولربما أعظمهم إطلاقًا.."(1).

[ 2 ]

"هنا عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم]. لقد استطاع، خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يحدث شريعة خلقية وروحية واجتماعية لم يستطعها أحد في التاريخ بمثل تلك السرعة المذهلة"(2).

[ 3 ]

".. هذا الرجل الذي ما عرف الهدوء ولا الراحة ولا الاستقرار، استطاع وسط ذلك الخضم الهائج، أن يرسي قواعد دولة، وأن يشرّع قوانين ويسنّ أنظمة، ويجود بالتفسير والاجتهادات.. ولم ينس أنه أب وجد لأولاد وأحفاد، فلم يحرمهم عطفه وحنانه، فكان بشخصيته الفذة الغنية بالقيم والمعطيات والمؤهلات، المتعددة الأبعاد والجوانب، الفريدة بما أسبغ الله عليها من نعم وصفات، وبما حباها من إمكانات، كان بذلك كله، عالمًا قائمًا بنفسه"(3).

[ 4 ]

"تراثك يا ابن عبد الله ينبغي أن يُحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، في ما يعاني البشر من أزمات وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة يلقى على منابرها كل يوم عظة ودرس. كل سؤال له عندك جواب. كل مشكلة مهما استعصت وتعقدت، نجد لها في آثارك حلاً"(4).

[ 5 ]

".. لم يكن النبي [صلى الله عليه وسلم] رسولاً وحسب، يهدي الناس إلى الإيمان، إنما كان زعيمًا وقائد شعب، فعزم على أن يجعل من ذلك الشعب خير أمة أخرجت للناس. وكان له ما أراد"(5).

____________________________________

(1) في خطى محمد ، ص 42 .

(2) نفسه ، ص 196 .

(3) نفسه ، ص 273 – 274 .

(4) نفسه ، ص 396 .

(5) نفسه ، ص 409 .

أحمد سوسة

[ 1 ]

".. أي غاية أسمى وأقرب إلى الإنسانية ودين الله من تلكم الغاية التي كان يرمي إليها الرسول [صلى الله عليه وسلم] في توحيد القلوب وإظهار الحقيقة ؟ لنتصور محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وهو يملي على أهل الكتاب وحي الله قائلاُ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران 64].."(1).

[ 2 ]

".. إن نبي الإسلام شخصية تاريخية مبجلة. ما حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية.."(2).

[ 3 ]

".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته"(3).

"إن التاريخ ينبئنا أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] ضحى بكل شيء من أجل رسالته إذ أتيحت له مرات فرصة الاختيار بين أمرين أولهما حياة راحة وهناء وغنى على أن ينبذ [دعوته] وثانيهما حياة عسر واضطهاد مقرونة بنشر رسالته، وقد فضل الأمر الثاني لأن إيمانه برسالته كان قويًا وكان قد أوحي إليه بأنه قد اختاره ربه لبث هذه الرسالة على الإنسانية جمعاء فكان ما أراد الله له"(4).

___________________________________

(1) في طريقي إلى الإسلام ، 1/72-73 .

(2) نفسه ، ص 1/174 .

(3) نفسه ، ص 1 / 174 – 175 .

(4) نفسه ، 2 / 130 .

لويس سيديو

[ 1 ]

"لقد حلّ الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة الأمر في زاوية من آسية فارتقت إلى أعلى مقام فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون . ومصدر هذه المعجزة هو رجل واحد، هو محمد [صلى الله عليه وسلم].."(1).

[ 2 ]

".. لم يعد محمد [صلى الله عليه وسلم] نفسه غير خاتم لأنبياء الله [عليهم السلام] وهو قد أعلن أن عيسى بن مريم كان ذا موهبة في الاتيان بالمعجزات، مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يعط مثل هذه الموهبة، وما أكثر ما كان يعترض محتجًا على بعض ما يعزوه إليه أشد أتباعه حماسة من الأعمال الخارقة للعادة!"(2).

[ 3 ]

".. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أثبت خلود الروح.. وهو مبدأ من أقوم مبادئ الأخلاق. ومن مفاخر محمد [صلى الله عليه وسلم] أن أظهره قويًا أكثر مما أظهره أي مشرّع آخر.."(3).

[ 4 ]

".. ما أكثر ما عرض محمد [صلى الله عليه وسلم] حياته للخطر انتصارًا لدعوته في عهده الأول بمكة، وهو لم ينفك عن القتال في واقعة أحد حتى بعد أن جرح جبينه وخده وسقطت ثنيتاه.. وهو قد أوجب النصر بصوته ومثاله في معركة حنين، ومن الحق أن عرف العالم كيف يحيي قوة إرادته ومتانة خلقه.. وبساطته، ومن يجهل أنه لم يعدل، إلى آخر عمره، عما يفرضه فقر البادية على سكانها من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما ناله من غنى وجاه عريض.. وكان [صلى الله عليه وسلم] حليمًا معتدلاً، وكان يأتي بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم طعامه، وكان يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. ودلّ [صلى الله عليه وسلم] على أنه سياسي محنّك.."(4).

[ 5 ]

"بدت في بلاد العرب أيام محمد [صلى الله عليه وسلم] حركة غير مألوفة من قبل، فقد خضعت لسلطان واحد قبائل العرب الغيرى على استقلالها والفخورة بحياتها الفردية، وانضم بعض هذه القبائل إلى بعض فتألفت أمة واحدة"(5).

____________________________________

(1) تاريخ العرب العام ، ص 15 .

(2) نفسه ، ص 90 .

(3) نفسه ، ص 93 .

(4) نفسه ، ص 102 – 103 .

(5) نفسه ، ص 123 .

هنري سيروي

[ 1 ]

"ومحمد [صلى الله عليه وسلم] لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب"(1).

[ 2 ]

"محمد [صلى الله عليه وسلم] شخصية تاريخية حقة، فلولاه ما استطاع الإسلام أن يمتد ويزداد، ولم يتوان في ترديد أنه بشر مثل الآخرين مآله الموت، وبأنه يطلب العفو والمغفرة من الله عز وجل. وقبل مماته أراد أن يظهر ضميره من كل هفوة أتاها فوقف على المنبر مخاطبًا: أيها المسلمون، إذا كنت قد ضربت أحدًا فهاكم ظهري ليأخذ ثأره، أو سلبته مالاً فمالي ملكه. فوقف رجل معلنًا أنه يدينه بثلاثة دراهم، فردّ الرسول [صلى الله عليه وسلم] قائلاً: أن يشعر الإنسان بالخجل في دنياه خيرٌ من آخرته. ودفع للرجل دينه في التو. وهذا التذوق والإحساس البالغ لفهم محمد [صلى الله عليه وسلم] لدوره كنبي يرينا بأن (رينان) كان على غير حق في نعته العرب قبل الإسلام بأنها أمة كانت تحيا بين براثين الجهل والخرافات.."(2).

[ 3 ]

"إن المحاولة الإسلامية في التاريخ ذات أثر كبير، والعبقرية العربية تجد في محمد [صلى الله عليه وسلم] منشئًا لحضارة التوحيد التي تعتبر ذات أهمية كبيرة، إذا فكرنا في القيمة الفلسفية للتوحيد، وفي تفوقها الكبير الذي جعل كل الشعوب الآرية تمارس أفكار تلكم الفلسفة. وهذه الثروة الروحية الغزيرة في الأمة العربية، راجعة إلى الغريزة النبوية والتي تعد واضحة لدى الشعوب السامية، فاليهود الذين يستطيعون الفخر بأنبيائهم الكبار، يقرون بأن روح النبوة قد اختفت لديهم بعد هدم معبدهم الثاني، وهذا ما يفسر بمعنى أكيد العداوة العنيفة والكثيرة التكرار في القرآن بالنسبة إليهم"(3).

[ 4 ]

".. إن الحضارة الفكرية الذهنية الحقيقية لم تظهر وتوجد – لدى العرب – إلا لدى وصول محمد [صلى الله عليه وسلم]"(4).

____________________________________

(1) فلسفة الفكر الإسلامي ، ص 8 .

(2) نفسه ، ص 17 .

(3) نفسه ، ص 31 .

(4) دفاع عن الإسلام ، ص 24 .

لورافيشيا فاغليري

[ 1 ]

".. كانت حملة كبيرة على سوريا.. رهن الإعداد، عندما أسكت الموت إلى الأبد صوت النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي كان قد أحدث هذه الهزة العميقة في تلك القلوب كلها، والذي كان مقدرًا له أن يستهوي عما قريب شعوبًا أخرى تقيم في مواطن أكثر إمعانًا في البعد. وكان في السنة الحادية عشرة من الهجرة"(1).

[ 2 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري"(2).

[ 3 ]

"حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله [صلى الله عليه وسلم] ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا كان قبل أن يستهل رسالته موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن عجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل كيف جاز أن يقوى محمد [صلى الله عليه وسلم] على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك [وحاشاه] رجلاً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه، وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة، حثًا موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا ، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد [صلى الله عليه وسلم] كان عميقًا وأكيدًا"(3).

[ 4 ]

"دعا الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] بصوت ملهم باتصال عميق بربه، دعا عبدة الأوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعًا مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى.."(4).

[ 5 ]

".. إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] طوال سنين الشباب التي تكون فيها الغريزة الجنسية أقوى ما تكون، وعلى الرغم من أنه عاش في مجتمع كمجتمع العرب، حيث كان الزواج، كمؤسسة اجتماعية، مفقودًا أو يكاد، وحيث كان تعدد الزوجات هو القاعدة، وحيث كان الطلاق سهلاً إلى أبعد الحدود، لم يتزوج إلا من امرأة واحدة ليس غير، هي خديجة [رضي الله عنها] التي كانت سنّها أعلى من سنّه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج كرة ثانية، وأكثر من مرة، إلا بعد أن توفيت خديجة، وإلا بعد أن بلغ الخمسين من عمره. لقد كان لكل زواج من زواجاته هذه سبب اجتماعي أو سياسي، ذلك بأنه قصد من خلال النسوة اللاتي تزوجهن إلى تكريم النسوة المتصفات بالتقوى، أو إلى إنشاء علاقات زوجية مع بعض العشائر والقبائل الأخرى ابتغاء طريق جديد لانتشار الإسلام وباستثناء عائشة [رضي الله عنها]، ليس غير، تزوج محمد [صلى الله عليه وسلم] من نسوة لم يكنّ لا عذارى، ولا شابات، ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية ؟ لقد كان رجلاً لا إلهًا. وقد تكون الرغبة في الولد هي التي دفعته أيضًا إلى الزواج من جديد، لأن الأولاد الذين أنجبتهم خديجة [رضي الله عنها] له كانوا قد ماتوا. ومن غير أن تكون له موارد كثيرة أخذ على عاتقه النهوض بأعباء أسرة ضخمة، ولكنه التزم دائمًا سبيل المساواة الكاملة نحوهن جميعًا، ولم يلجأ قط إلى اصطناع حق التفاوت مع أي منهن. لقد تصرف متأسّيًا بسنة الأنبياء القدامى [عليهم السلام]، مثل موسى وغيره، الذين لا يبدو أن أحدًا من الناس يعترض على زواجهم المتعدد. فهل يكون مرد ذلك إلى أننا نجهل تفاصيل حياتهم اليومية، على حين نعرف كل شيء عن حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] العائلية؟"(5).

____________________________________

(1) نفسه ، ص 33 .

(2) نفسه ، ص 73 .

(3) نفسه ، ص 37 – 38 .

(4) نفسه ، ص 43 .

(5) نفسه ، ص 99 – 100 .

ليوبولد فايس

[ 1 ]

".. إن العمل بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هو عمل على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وإن ترك السنة هو انحلال الإسلام. لقد كانت السنة الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وأنك إذا أزلت هيكل بناء ما، أفيدْهِشُك أن يتقوض ذلك البناء، كأنه بيت من ورق؟"(1).

[ 2 ]

".. إن السنة هي المثال الذي أقامه لنا الرسول [صلى الله عليه وسلم] من أعماله وأقواله. إن حياته العجيبة كانت تمثيلاً حيًا وتفسيرًا لما جاء في القرآن الكريم، ولا يمكننا أن ننصف القرآن الكريم بأكثر من أن نتبع الذي قد بلّغ الوحي"(2).

[ 3 ]

".. إنه على الرغم من جميع الجهود التي بذلت في سبيل تحدي الحديث على أنه نظام ما، فإن أولئك النقاد العصريين من الشرقيين والغربيين لم يستطيعوا أن يدعموا انتقادهم العاطفي الخالص بنتائج من البحث العلمي. وأنه من الصعب أن يفعل أحد ذلك، لأن الجامعين لكتب الحديث الأولى، وخصوصًا الإمامين البخاري ومسلمًا قد قاموا بكل ما في طاقة البشر عند عرض صحة كل حديث على قواعد التحديث عرضًا أشد كثيرًا من ذلك الذي يلجأ إليه المؤرخون الأوربيون عادة عند النظر في مصادر التاريخ القديم"(3).

[ 4 ]

".. إن رفض الأحاديث الصحيحة، جملة واحدة أو أقسامًا، ليس حتى اليوم.. إلا قضية ذوق، قضية قصرت عن أن تجعل من نفسها بحثًا علميًا خالصًا من الأهواء.."(4).

[ 5 ]

".. إن العمل بالسنة [يجعل] كل شيء في حياتنا اليومية مبنيًا على الاقتداء بما فعله الرسول [صلى الله عليه وسلم] وهكذا نكون دائمًا، إذا فعلنا أو تركنا ذلك، مجبرين على أن نفكر بأعمال الرسول وأقواله المماثلة لأعمالنا هذه وعلى هذا تصبح شخصية أعظم رجل متغلغلة إلى حد بعيد في منهاج حياتنا اليومية نفسه، ويكون نفوذه الروحي قد أصبح العامل الحقيقي الذي يعتادنا طوال الحياة.."(5).

____________________________________

(1) الإسلام على مفترق الطرق ، ص 87 .

(2) نفسه ، ص 88 .

(3) نفسه ، ص 92 .

(4) نفسه ، ص 97 .

(5) نفسه ، ص 109 .

كارلايل(1)

[ 1 ]

".. هل رأيتم قط .. أن رجلاً كاذبًا يستطيع أن يوجد دينًا عجبًا.. إنه لا يقدر أن يبني بيتًا من الطوب! فهو إذًا لم يكن عليمًا بخصائص الجير والجص والتراب وما شاكل ذلك فما ذلك الذي يبنيه ببيت وإنما هو تل من الأنقاض وكثيب من أخلاط المواد، وليس جديرًا أن يبقى على دعائمه اثني عشر قرنًا يسكنه مائتا مليون من الأنفس، ولكنه جدير أن تنهار أركانه فينهدم فكأنه لم يكن. وإني لأعلم أن على المرء أن يسير في جميع أموره طبق قوانين الطبيعة وإلا أبت أن تجيب طلبته.. كذب ما يذيعه أولئك الكفار وإن زخرفوه حتى تخيّلوه حقًا.. ومحنة أن ينخدع الناس شعوبًا وأممًا بهذه الأضاليل.."(2).

[ 2 ]

".. إن [محمدًا صلى الله عليه وسلم] لم يتلق دروسًا على أستاذ أبدًا وكانت صناعة الخطّ حديثة العهد آنذاك في بلاد العرب، ويظهر لي أن الحقيقة هي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن يعرف الخط والقراءة، وكل ما تعلم هو عيشة الصحراء وأحوالها وكل ما وفق إلى معرفته هو ما أمكنه أن يشاهده بعينيه ويتلقى بفؤاده من هذا الكون العديم النهاية.. أنه لم يعرف من العالم ولا من علومه إلا ما تيسّر له أن يبصره بنفسه أو يصل إلى سمعه في ظلمات صحراء العرب، ولم يضره.. أنه لم يعرف علوم العالم لا قديمها ولا حديثها لأنه كان بنفسه غنيًا عن كل ذلك. ولم يقتبس محمد [صلى الله عليه وسلم] من نور أي إنسان آخر ولم يغترف من مناهل غيره ولم يك في جميع أشباهه من الأنبياء والعظماء – أولئك الذين أشبههم بالمصابيح الهادية في ظلمات الدهور – من كان بين محمد [صلى الله عليه وسلم] وبينه أدنى صلة وإنما نشأ وعاش وحده في أحشاء الصحراء.. بين الطبيعة وبين أفكاره"(3).

"لوحظ على محمد [صلى الله عليه وسلم] منذ [صباه] أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة. وإني لأعرف عنه أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ.. وقد رأيناه طول حياته رجلاً راسخ المبدأ صارم العزم بعيد الهم كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ البشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة ولا هذبه معلم وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء"(4).

[ 4 ]

".. ومما يبطل دعوى القائلين أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يكن صادقًا في رسالته.. أنه قضى عنفوان شبابه وحرارة صباه في تلك العيشة الهادئة المطمئنة [مع خديجة رضي الله عنها] لم يحاول أثناءها إحداث ضجة ولا دوي، مما يكون وراءه ذكر وشهرة وجاه وسلطة.. ولم يكن إلا بعد أن ذهب الشباب وأقبل المشيب أن فار بصدره ذلك البركان الذي كان هاجعًا وثار يريد أمرًا جليلاً وشأنًا عظيمًا"(5).

[ 5 ]

".. لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير [صلى الله عليه وسلم] ابن القفار والفوات العظيم النفس، المملوء رحمة وخيرًا وحنانًا وبرًا وحكمة وحجى ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ ترى محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لم يرض أن يلتفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة وبحقائق الأمور والكائنات، لقد كان سرّ الوجود يسطع لعينيه بأهواله ومخاوفه ومباهره، ولم يكن هنالك من الأباطيل ما يحجب ذلك عنه، فكأنه لسان حال ذلك السرّ يناجيه: هاآنذا، فمثل هذا الإخلاص لا يخلو من معنى إلهي مقدس، وما كلمة مثل هذا الرجل إلا صوت خارج من صميم قلب الطبيعة، فإذا تكلم فكل الآذان برغمها صاغية وكل القلوب واعية. وكل كلام ما عدا ذلك هباء وكل قول جفاء.."(6).

[ 6 ]

"إني لأحب محمدًا [صلى الله عليه وسلم] لبراءة طبعه من الرأي والتصنّع. ولقد كان ابن القفار هذا رجلاً مستقل الرأي لا يعول إلا على نفسه ولا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبرًا ولكنه لم يكن ذليلاً، فهو قائم في ثوبه المرقع كما أوجده الله وكما أراده، يخاطب بقوله الحرّ المبين قياصرة الروم وأكاسرة العجم يرشدهم إلى ما يجب عليهم لهذه الحياة وللحياة الآخرة. وكان يعرف لنفسه قدرها.. وكان رجلاً ماضي العزم لا يؤخر عمل اليوم إلى غد.."(7).

____________________________________

(1) توماس كارلايل ( 1795 – 1881 ) Th. Carlyle

الكاتب الإنجليزي المعروف.

من آثاره: (الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً رائعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، (الثورة الفرنسية).. إلخ.

(2) الأبطال ، ص 43 .

(3) نفسه ، ص 5 .

(4) نفسه ، ص 50 – 51 .

(5) نفسه ، ص 51 .

(6) نفسه ، ص 51 – 52 .

(7) نفسه ، ص 64 .

كاهن(1)

[ 1 ]

"اصطبغت شخصية محمد [صلى الله عليه وسلم] بصبغة تاريخية قد لا تجدها عند أي مؤسس آخر من مؤسسي الديانات الكبرى"(2).

[ 2 ]

"يبدو للمؤرخ المنصف أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان في عداد الشخصيات النبيلة السامية التي سعت في كثير من الحماس والإخلاص إلى النهوض بالبيئة التي عاش فيها أخلاقيًا وفكريًا، كما استطاع في الوقت نفسه أن يكيف رسالته حسب طباع الناس وتقاليدهم بمزيد من الفهم والتنظيم بحيث كفل البقاء والخلود للرسالة التي بشر بها. وحتم علينا أن نلقى محمدًا [صلى الله عليه وسلم] بعواطف الإجلال والاحترام لما تحلى به من سمو الإلهام ومن قدرة على تذليل العقبات الإنسانية عامة والتغلب على مصاعبه الشخصية خاصة. وربما أثارت فينا بعض جوانب حياته شيئًا من الارتباك تبعًا لعقليتنا المعاصرة. فقد أكدت المهاترات على شهوات الرسول [صلى الله عليه وسلم] الدنيوية وألمحت إلى زوجاته التسع اللائي اتخذهن بعد وفاة خديجة [رضي الله عنه]. لكن الثابت أن معظم هذه الصلات الزوجية قد طبعت بطابع سياسي، وأنها استهدفت الحصول على ولاء بعض الأشراف وبعض الأفخاذ. ثم إن العقلية العربية تقرّ الإنسان إذا استخدم طبيعته على نحو ما خلقها الله"(3).

[ 3 ]

".. الحق أننا نتجاوز النقد العلمي الصحيح إذا نحن أنكرنا على كل حديث صحته أو قدمه. ولقد باشر العلماء بمثل هذا التمحيص منذ عهد بعيد فوجدوا أن التحريف أو التلفيق قد لا يعمّان على نسق واحد واستندوا في ذلك إلى بعض الأحاديث التي يمكن اعتبارها سابقة أو حجة يعتد بها. بمعنى أن الموقف النقدي مفروض على الباحث المنصف. وفقهاء المسلمين أنفسهم هم قدوة لنا في هذا المضمار لأنهم – على طريقتهم – قد التزموا بذلك الموقف منذ العصر الوسيط"(4).

____________________________________

(1) كلود كاهن Cl. Cahen

ولد عام 1909، وتخرج باللغات الشرقية من السوربون ومدرسة اللغات الشرقية ومدرسة المعلمين العليا، وعين محاضرًا في مدرسة اللغات الشرقية في باريس (1938)، وأستاذًا لتاريخ الإسلام في كلية الآداب بجامعة ستراسبورغ (1945)، وفي جامعة باريس.

من آثاره: عدد كبير من الدراسات والأبحاث في المجلات الشهيرة، وحقق العديد من النصوص التاريخية المهمة، كما أنجز عددًا من المؤلفات عن الحروب الصليبية.

(2) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 14 .

(3) نفسه ، 1 / 18 .

(4) نفسه ، 1 / 95 .

هاملتون كب

[ 1 ]

".. اقتضى الأمر نشوء علم جديد غايته جمع الحديث ونقده وتصنيفه وتنسيقه والحصول في النهاية – بقدر الإمكان – على مجموعة متفق عليها يتقبلها الجميع. وقد استأثرت هذه المهمة بالكثير من طاقات الفقهاء والعلماء في القرن الثالث، ولكن القائمين عليها أحرزوا نجاحًا حتى أصبح حديث الرسول [صلى الله عليه وسلم] يعتبر مرجعًا ثانيًا معتمدًا للفقه والعقيدة"(1).

[ 2 ]

".. يكاد يكون من المؤكد أن الآراء التي تعبر عنها الأحاديث [التي تم جمعها في القرن الثالث] تمثل تعاليم القرآن ومبادئه الخلقية تمثيلاً صادقًا"(2).

[ 3 ]

"إن بدايات التاريخ العلمي بالعربية تقترن بدراسة سيرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ودراسة أعماله. وعليه فإننا نجد مصدر هذه الدراسة في جمع الحديث النبوي وبخاصة الأحاديث المتعلقة بمغازي الرسول [صلى الله عليه وسلم]. وكان موطن هذه الدراسة هو المدنية.. ويفسر لنا ارتباط المغازي بالحديث، هذا الارتباط الذي ترك طابعًا لا يمحى في المنهج التاريخي باستخدام هذا المنهج للإسناد، ما طرأ من تغير هائل ظهر منذ هذه اللحظة في طبيعة الأخبار التاريخية عند العرب، ودقتها المؤسسة على النقد. ويمكننا أن نشعر لأول مرة بأننا نستند إلى أساس تاريخي قويم حتى وإن اعترفنا بوجود بعض العناصر المشكوك فيها في أخبار الفترتين، المدنية والمكية، من حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم]"(3).

[ 4 ]

"ومهما نقل في قوة النزعة الإسلامية نحو محمد [صلى الله عليه وسلم] وفي آثارها فإنا لا نوصف بالغلو. فقد كان إجلال الرسول [صلى الله عليه وسلم] شعورًا طبيعيًا محتومًا في عصره وفيما بعده، غير أن ما نومئ إليه شيء يتجاوز الإجلال. فإن العلاقات الشخصية من الإعجاب والحب اللذين بعثهما في نفوس صحابته ظل صداها يتردد خلال القرآن، والفضل في ذلك يعود إلى الوسائل التي أقرّتها الأمة لتستثير بهما مجددين في كل جيل"(4).

[ 5 ]

".. لولا الحديث لأصبح [لمحمد صلى الله عليه وسلم] في أقل تقدير صورة معممة – إن لم نقل بعيدة – في أصولها التاريخية والدينية. أما الحديث فقد صور وجوده الإنساني في مجموعة وفيرة من التفصيلات الحية المحسوسة، وبذلك قدم للمسلمين حين ربط بين المسلمين وبين نبيهم بنفسه الروابط الذاتية الوثيقة التي كانت تصله بأصحابه الأولين، وهي روابط نمت على مر القرون وكانت أقوى من أن تصاب بالضعف. ولم يصبح شخص محمد [صلى الله عليه وسلم] أبدًا ذا صبغة مرسومة مقررة، ويكاد لا يكون من الغلو أن نقول إن حرارة ذلك الشعور الشخصي نحو الرسول الحبيب [صلى الله عليه وسلم] كانت أبدًا أقوى عنصر حيوي في دين الجماهير الإسلامية أو كانت كذلك بين أهل السنة، على الأقل"(5).

".. ما تزال الاحتفالات العائلية تختم بأدعية وأناشيد في تمجيد الرسول [صلى الله عليه وسلم] وكل الأمة تراعيها وتشهدها بحماسة في ذلك اليوم المجيد، يوم مولد النبي [صلى الله عليه وسلم] في الثاني عشر من شهر ربيع الأول. هنالك ترى المجددين والمقلدين والصوفية والسلفية والعلماء وأفراد الجمهور يلتقون جميعًا معًا على بقعة واحدة، وقد يكون بين نزعاتهم العقلية تنوع واسع متباين، ولكنهم جميعًا وحدة متآلفة في إخلاصهم وحبهم محمد [صلى الله عليه وسلم]"(6).

___________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 20 .

(2) نفسه ، ص 21 .

(3) نفسه ، ص 147 .

(4) نفسه ، ص 257 .

(5) نفسه ، ص 257 – 258 .

(6) نفسه ، ص 259 .

ايقلين كوبولد

[ 1 ]

".. هذه هي مدينة الرسول [صلى الله عليه وسلم].. تعيد إلى نفسي ذكرى جهوده في سبيل لا إله إلا الله، وتلقي في روعي صبره على المكاره واحتماله للأذى في سبيل الوحدانية الإلهية"(1).

[ 2 ]

"كان العرب قبل محمد [صلى الله عليه وسلم] أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد [صلى الله عليه وسلم] بعث هذه الأمة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً.."(2).

[ 3 ]

".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر [الرسول صلى الله عليه وسلم] روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية"(3).

[ 5 ]

"لقد استطاع النبي [صلى الله عليه وسلم] القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفّق إلى خلق العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"(4).

[ 6 ]

"مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان سيد الجزيرة العربية.. فإنه لم يفكر في الألقاب، ولا راح يعمل لاستثمارها، بل ظل على حاله مكتفيًا بأنه رسول الله، وأنه خادم المسلمين، ينظف بيته بنفسه ويصلح حذاءه بيده، كريمًا بارًا كأنه الريح السارية، لا يقصده فقير أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه، وما لديه كان في أكثر الأحايين قليلاً لا يكاد يكفيه"(5).

___________________________________

(1) البحث عن الله ، ص 39 – 40 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) نفسه ، ص 52 .

(4) نفسه ، ص 66 – 67 .

(5) نفسه ، ص 67 .

كولد تسيهر(1)

[ 1 ]

".. إن محمدًا قد بشر بمذهبه للمرة الأولى بحماس لم يفترا ولم تعوزه المثابرة، وبعقيدة ثابتة بأن هذا المذهب يحقق صالح الجماعة الخاصة، وقد كان في ذلك كله مظهرًا لإنكار الذات برغم سخرية الجمهور"(2).

[ 2 ]

".. الحق، أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان بلا شك أول مصلح حقيقي في الشعب العربي من الوجهة التاريخية"(3).

[ 3 ]

"في هذا العصر نرى النبي [صلى الله عليه وسلم] يستخدم حنكته المفكرة ورويته الدقيقة وتبصره العالمي، في مقاومة خصومه الذين شرعوا في معارضة مقاصده وغاياته في داخل موطنه وخارجه"(4).

____________________________________

(1) كولد تسيهر (1850-1921م) Y. Gldziher

تخرج باللغات السامية على كبار أساتذتها في بودابست وليبزج وبرلين وليدن. ولما نبه ذكره عين أستاذًا محاضرًا في كلية العلوم بجامعة بودابست (1873) ثم أستاذ كرسي (1906). رحل إلى عدد من البلدان العربية وتضلع بالعربية على شيوخ الأزهر. انتخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية وحضر عددًا من المؤتمرات الاستشراقية.

من آثاره: كتب سيلاً من المقالات والأبحاث في المجلات الآسيوية والغربية بأكثر من لغة. وكتاب (العقيدة والشريعة في الإسلام) (باريس 1920)، و(درس في الإسلام) في جزأين كبيرين. كما حقق العديد من النصوص القديمة.

(2) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 12 – 13 .

(3) نفسه ، ص 13 .

(4) نفسه ، ص 21 – 22 .

عبد الله لويليام

[ 1 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] على أعظم ما يكون من كريم الطباع وشريف الأخلاق ومنتهى الحياء وشدة الإحساس.. وكان حائزًا لقوة إدراك عجيبة وذكاء مفرط وعواطف رقيقة شريفة. وكان على خلق عظيم وشيم مرضية مطبوعًا على الإحساس.."(1).

[ 2 ]

".. إن بعض كتاب هذا العصر الحاضر كادوا أن يعرفوا بأن الطعن والقدح والشتم والسب ليس بالحجة ولا البرهان فسلموا بذكر كثير من صفات النبي [صلى الله عليه وسلم] السامية وجليل أعماله الفاخرة.."(2).

[ 3 ]

".. ما اهتدى مئات الملايين إلى الإسلام إلا ببركة محمد [صلى الله عليه وسلم] الذي علمهم الركوع والسجود لله وأبقى لهم دستورًا لن يضلوا بعده أبدًا وهو القرآن الجامع لمصالح دنياهم ولخير أخراهم.."(3).

[ 4 ]

"لما شرف محمد [صلى الله عليه وسلم] ساحة عالم الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلاء النوع الإنساني وترقيه في درجات المدنية أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة. ومن نظر بعين البصيرة في حال الأنام قبله عليه الصلاة والسلام وما كانوا عليه من الضلالة.. ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظيمًا كما بين الثريا والثرى"(4).

[ 5 ]

".. امتدت أنوار المدنية بعد محمد [صلى الله عليه وسلم] في قليل من الزمان ساطعة في أقطار الأرض من المشرق إلى المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي الألباب. وما السبب في ذلك إلا كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى الحكمة"(5).

___________________________________

(1) العقيدة الإسلامية ، ص 96 – 97 .

(2) نفسه ، ص 113 – 114 .

(3) نفسه ، ص 38 (عن لوزون في خطبته المذكورة ).

(4) أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 21 – 22 .

(5) نفسه ، ص 22- 23 .

روم لاندو

[ 1 ]

".. لم ينسب محمد [صلى الله عليه وسلم] في أيّما يوم من الأيام إلى نفسه صفة ألوهية أو قوى أعجوبية. على العكس، لقد كان حريصًا على النص على أنه مجرد رسول اصطنعه الله لإبلاغ الوحي للناس"(1).

[ 2 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] تقيًّا بالفطرة، وكان من غير ريب مهيّأ لحمل رسالة الإسلام التي تلقاها.. وبالإضافة إلى طبيعته الروحية، كان في سرّه وجهره رجلاً عمليًا عرف مواطن الضعف ومواطن القوة في الخلق العربي، وأدرك أن الإصلاحات الضرورية ينبغي أن تقدم إلى البدو الذين لا يعرفون انضباطًا وإلى المدنيين الوثنيين، وفي آن معًا، على نحو تدريجي. وفي الوقت نفسه كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يملك إيمانًا لا يلين بفكرة الإله الواحد.. وعزمًا راسخًا على استئصال كل أثر من آثار عبادة الأصنام التي كانت سائدة بين الوثنيين العرب"(2).

[ 3 ]

"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هائلة. كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية (وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين الرسول العربي [صلى الله عليه وسلم] أن يرجو النجاح في تحقيقها بمجهوده الشخصي، إن الإخلاص الذي تكشف عنه محمد [صلى الله عليه وسلم] في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام، أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً"(3).

[ 4 ]

"كانت مهمة محمد [صلى الله عليه وسلم] هي القضاء على النظام القبلي القوي الذي كان مسؤولاً عن اندلاع نار الحرب، على نحو موصول تقريبًا، بين العرب، والاستعاضة عنه بولاء لله يسمو على جميع الروابط الأسرية والأحقاد الصغيرة. كان عليه أن يعطي الناس قانونًا كليًا يستطيع حتى العرب المتمردون قبوله والإذعان له، وكان عليه أن يفرض الانضباط على مجتمع عاش على العنف القبلي والثأر الدموي لضروب من المظالم بعضها واقعي وبعضها متوهم. كان عليه أن يحلّ الإنسانية محل الوحشية، والنظام محل الفوضى، والعدالة محلة القوة الخالصة"(4).

[ 5 ]

"عندما توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] عام 632م كان في نجاح الإسلام ما زكى إيمان خديجة [رضي الله عنها] بالوحي الذي تلقاه زوجها، وكانت العقيدة التوحيدية الجديدة في سبيلها إلى القيام بفتح روحي ومادي لا يضارعه أي فتح في التاريخ البشري"(5).

___________________________________

(1) الإسلام والعرب ، ص 32 .

(2) نفسه ، ص 33 .

(3) نفسه ، ص 33 – 34 .

(4) نفسه ، ص 34 .

(5) نفسه ، ص 35 .

لايتنر(1)

[ 1 ]

"بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد [صلى الله عليه وسلم] ليس اقتباسًا بل قد (أوحي إليه به) ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، والإيمان القلوب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [صلى الله عليه وسلم] وأنه قد أوحي إليه"(2).

[ 2 ]

"إن الديانة النصرانية التي ودّ محمد [صلى الله عليه وسلم] إعادتها لأصلها النقي كما بشر بها المسيح [عليه السلام] تخالف التعاليم السّرية التي أذاعها بولس والأغلاط الفظيعة التي أدخلها عليها شيع النصارى.. ولقد كانت آمال محمد [صلى الله عليه وسلم] وأمانيه أن لا تخصص بركة دين إبراهيم [عليه السلام] لقومه خاصة، بل تعم الناس جميعًا، ولقد صار دينه الواسطة لإرشاد وتمدن الملايين من البشر، ولولا هذا الدين للبثوا غرقى في التوحش والهمجية، ولما كان لهم هذا الإخاء المعمول به في دين الإسلام"(3).

[ 3 ]

".. لما بلغ [صلى الله عليه وسلم] السنة الخامسة والعشرين من العمر تزوج امرأة عمرها (أربعون عامًا، وهذه تشابه امرأة عمرها خمسون عامًا في أوربا، وهي أول من آمن برسالته المقدسة.. وبقيت خديجة (رضي الله عنها) معه عشرين عامًا لم يتزوج عليها قط حتى ماتت (رضي الله عنها). ولما بلغ من العمر خمسًا وخمسين سنة صار يتزوج الواحدة بعد الأخرى. لكن ليس من الاستقامة والصدق أن ننسب ما لا يليق لرجل عظيم صرف كل ذاك العمر بالطهارة والعفاف فلا ريب أن لزواجه بسن الكبر أسبابًا حقيقية غير التي يتشدق بها كتاب النصارى بهذا الخصوص، وما هي تلك الأسباب يا ترى ؟ ولا ريب هي شفقته على نساء أصحابه الذين قتلوا.."(4).

[ 4 ]

".. مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان [صلى الله عليه وسلم] كما يقول أغبياء النصارى بحقه لما كان لذاك الوحي من وجود"(5).

[ 5 ]

".. إني لأجهر برجائي بمجيء اليوم الذي به يحترم النصارى المسيح [عليه السلام] احترامًا عظيمًا وذلك باحترامهم محمدًا [صلى الله عليه وسلم]، ولا ريب في أن المسيحي المعترف برسالة محمد [صلى الله عليه وسلم] وبالحق الذي جاء به هو المسيحي الصادق"(6).

____________________________________

(1) لايتنر Lightner

باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها.

(2) دين الإسلام ، ص 4 – 5 .

(3) نفسه ، ص 5 .

(4) نفسه ، ص 12 – 13 .

(5) نفسه ، ص 132 – 133 .

(6) نفسه ، ص 6 .

غوستاف لوبون

[ 1 ]

"جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] قبل وفاته كلمة العرب، وبنى منهم أمة واحدة خاضعة لدين واحد مطيعة لزعيم واحد، فكانت في ذلك آيته الكبرى.. ومما لا ريب فيه أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أصاب في بلاد العرب نتائج لم تصب مثلها جميع الديانات التي ظهرت قبل الإسلام، ومنها اليهودية والنصرانية ولذلك كان فضله على العرب عظيمًا.."(1).

[ 2 ]

"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد [صلى الله عليه وسلم] من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمدًا [صلى الله عليه وسلم] مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله.."(2).

[ 3 ]

"استطاع محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يبدع مثلاً عاليًا قويًا للشعوب العربية التي لا عهد لها بالمثل العليا، وفي ذلك الإبداع تتجلى عظمة محمد [صلى الله عليه وسلم] على الخصوص.. ولم يتردد أتباعه في التضحية بأنفسهم في سبيل هذا المثل الأعلى.."(3).

[ 4 ]

".. لا شيء أصوب من جمع محمد [صلى الله عليه وسلم] لجميع السلطات المدنية والحربية والدينية في يد واحدة أيام كانت جزيرة العرب مجزأة ما استطعنا أن نقدر قيمة ذلك بنتائجه، فقد فتح العرب العالم في قرن واحد بعد أن كانوا قبائل من أشباه البرابرة المتحاربين قبل ظهور محمد [صلى الله عليه وسلم]"(4).

____________________________________

(1) دين الإسلام ، ص 16 .

(2) حضارة العرب ، ص 115 .

(3) نفسه ، ص 116 .

(4) نفسه ، ص 393 – 394 .

لوقا(1)

[ 1 ]

".. ما كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] كآحاد الناس في خلاله ومزاياه، وهو الذي اجتمعت له آلاء الرسل [عليهم السلام]، وهمة البطل، فكان حقًا على المنصف أن يكرم فيه المثل، ويحيّي فيه الرجل"(2).

[ 2 ]

"لا تأليه ولا شبهة تأليه في معنى النبوة الإسلامية.. وقد درجت شعوب الأرض على تأليه الملوك والأبطال والأجداد، فكان الرسل أيضًا معرضين لمثل ذلك الربط بينهم وبين الألوهية بسبب من الأسباب، فما أقرب الناس لو تركوا لأنفسهم أن يعتقدوا في الرسول أو النبي أنه ليس بشرًا كسائر البشر وأن له صفة من صفات الألوهية على نحو من الأنحاء. ولذا نجد توكيد هذا التنبيه متواترًا مكررًا في آيات القرآن، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر" {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف 110]، وفي تخير كلمة (مثلكم) معنى مقصود به التسوية المطلقة، والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة أو الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الأحوال. بل نجد ما هو أصرح من هذا المعنى فيما جاء بسورة الشورى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ} [الشورى 48]، وظاهر في هذه الآية تعمد تنبيه الرسول نفسه [صلى الله عليه وسلم] إلى حقيقة مهمته، وحدود رسالته التي كلف بها، وليس له أن يعدوها، كما أنه ليس للناس أن يرفعوه فوقها"(3).

[ 3 ]

".. رجل فرد هو لسان السماء. فوقه الله لا سواه. ومن تحته سائر عباد الله من المؤمنين. ولكن هذا الرجل يأبى أن يداخله من ذلك كبر. بل يشفق، بل يفرق من ذلك ويحشد نفسه كلها لحرب الزهو في سريرته، قبل أن يحاربه في سرائر تابعيه. ولو أن هذا الرسول [صلى الله عليه وسلم] بما أنعم من الهداية على الناس وما تم له من العزة والأيادي، وما استقام له من السلطان، اعتد بذلك كله واعتزّ، لما كان عليه جناح من أحد، لأنه إنما يعتد بقيمة ماثلة، ويعتز بمزية طائلة. يطريه أصحابه بالحق الذي يعلمون عنه، فيقول لهم: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد الله، فقولوا عبد الله ورسوله. ويخرج على جماعة من أصحابه فينهضون تعظيمًا له، فينهاهم عن ذلك قائلاً: لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا"(4).

[ 4 ]

"ماذا بقي من مزعم لزاعم؟ إيمان امتحنه البلاء طويلاً قبل أن يفاء عليه بالنصر وما كان النصر متوقعًا أو شبه متوقع لذلك الداعي إلى الله في عاصمة الأوثان والأزلام.. ونزاهة ترتفع فوق المنافع، وسمو يتعفف عن بهارج الحياة، وسماحة لا يداخلها زهو أو استطالة بسلطان مطاع. لم يفد. ولم يورث آله، ولم يجعل لذريته وعشيرته ميزة من ميزات الدنيا ونعيمها وسلطانها. وحرم على نفسه ما أحلّ لآحاد الناس من أتباعه، وألغى ما كان لقبيلته من تقدم على الناس في الجاهلية حتى جعل العبدان والأحابيش سواسية وملوك قريش. لم يمكن لنفسه ولا لذويه. وكانت لذويه بحكم الجاهلية صدارة غير مدفوعة، فسوّى ذلك كله بالأرض أي قالة بعد هذا تنهض على قدمين لتطاول هذ المجد الشاهق أو تدافع هذا الصدق الصادق؟ لا خيرة في الأمر، ما نطق هذا الرسول عن الهوى.. وما ضلّ وما غوى.. وما صدق بشر إن لم يكن هذا الرسول بالصادق الأمين.."(5).

[ 5 ]

"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من (أبي القاسم) [صلى الله عليه وسلم] الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام؟"(6).

[ 6 ]

"كان [محمد [صلى الله عليه وسلم]] يملك حيويته ولا تملكه حيويته. ويستخدم وظائفه ولا تستخدمه وظائفه. فهي قوة له تحسب في مزاياه، وليست ضعفًا يعد في نقائصه. لم يكن [صلى الله عليه وسلم] معطل النوازع ولكنها لم تكن نوازع تعصف به، لأنه يسخرها في كيانه في المستوى الذي يكرم به الإنسان حين يطلب ما هو جميل وجليل في الصورة الجميلة الجليلة التي لا تهدر من قدره بل تضاعف من تساميه وعفته وطهره. وبيان ذلك في أمر بنائه بزوجاته التسع [رضي الله عنهن].."(7).

___________________________________

(1) د. نظمي لوقا Dr. N. Luka

مسيحي من مصر. يتميز بنظرته الموضوعية وإخلاصه العميق للحق. ورغم إلحاح أبويه على تنشئته على المسيحية منذ كان صبيًا، فإنه كثيرًا ما كان يحضر مجالس شيوخ المسلمين ويستمع بشغف إلى كتاب الله وسيرة الرسول عليه السلام. بل إنه حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز العاشرة من عمره. ألف عددًا من الكتب أبرزها (محمد الرسالة والرسول)، و(محمد في حياته الخاصة).

(2) محمد الرسالة والرسول ، ص 28 .

(3) محمد الرسالة والرسول ، ص 85 – 86 .

(4) نفسه ، ص 179 – 180 .

(5) نفسه ، ص 183 – 186 .

(6) محمد في حياته الخاصة ، ص 12 .

(7) نفسه ، ص 39 – 40 ، ويمكن للقارئ أن يرجع للكتاب نفسه (محمد في حياته الخاصة)، فهو بمجمله يمكن أن يعدّ شهادة قيّمة على حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم] العائلية الخاصة.

ماسيه(1)

[ 1 ]

"بفضل إصلاحات محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"(2).

[ 2 ]

".. كان محمد [صلى الله عليه وسلم] هو المشرّع الملهم والمحرك الأول للوحدة الدينية بين جميع الأقوام، .. وكان بسيطًا وحازمًا.."(3).

____________________________________

(1) هنري ماسيه H. Masse

ولد عام 1886، عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعين أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في مجمع الكتابات والآداب وفي المجمع العلمي العربي بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين.

من آثاره: نشر كتابًا عن الشاعر (سعدي) (1919)، وصنف كتابًا بعنوان: (الإسلام) (1957)، كما ترجم وحقق العديد من النصوص العربية، ونشر العديد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة.

(2) الإسلام ، ص 55 .

(3) نفسه ، ص 59 .

مونته(1)

[ 1 ]

"إن طبيعة محمد [صلى الله عليه وسلم] الدينية تدهش كل باحث مدقّق نزيه المقصد بما يتجلى فيها من شدة الإخلاص. فقد كان محمد مصلحًا دينيًا ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيرًا وبلغ سن الكمال بهذه الدعوة العظيمة التي جعلته من أسطع الأنوار الإنسانية في الدين. وهو في قتاله الشرك والعادات القبيحة التي كانت عند أبناء زمنه كان في بلاد العرب أشبه بنبي من أنبياء بني إسرائيل الذين نراهم كبارًا جدًا في تاريخ قومهم. ولقد جهل كثير من الناس محمدًا [صلى الله عليه وسلم] وبخسوه حقه وذلك لأنه من المصلحين النادرين الذين عرف الناس أطوار حياتهم بدقائقها"(2).

[ 2 ]

"كان محمد [صلى الله عليه وسلم] كريم الأخلاق حسن العشرة، عذب الحديث، صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم وصراحة اللفظ، والاقتناع التام بما يعمله ويقوله"(3).

[ 3 ]

".. ندر بين المصلحين من عرفت حياتهم بالتفصيل مثل [محمد [صلى الله عليه وسلم]] وإن ما قام به من إصلاح أخلاق وتطهير المجتمع يمكن أن يعد به من أعظم المحسنين للإنسانية"(4).

[ 4 ]

"لا مجال للشك في إخلاص الرسول [صلى الله عليه وسلم] وحماسته الدينية التي تشبعت بها نفسه وفكره.."(5).

____________________________________

(1) مونته ( 1856 – 1927 ) Montet

أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف، من كتبه (محمد والقرآن)، وترجمة جيدة للقرآن، و(حاضر الإسلام ومستقبله).

(2) محمد والقرآن ، ص 18 ( عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي 1 / 32 ).

(3) نفسه ، ( عن ستودارد 1 / 32 ).

(4) حاضر الإسلام ومستقبله (عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية 1/67).

(5) نفسه ، 1 / 67 .

نهرو(1)

[ 1 ]

".. لربما خامرت هؤلاء الملوك والحكام [الذين تسلموا كتب الرسول [صلى الله عليه وسلم]] الدهشة من هذا الرجل البسيط الذي يدعوهم إلى الطاعة. ولكن إرسال هذه الكتب يعطينا صورة عن مقدار ثقة محمد [صلى الله عليه وسلم] بنفسه ورسالته. وقد هيأ بهذه الثقة وهذا الإيمان لأمته أسباب القوة والعزّة والمنعة وحوّلهم من سكان صحراء إلى سادة يفتحون نصف العالم المعروف في زمانهم.. وقد توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] بعد أن جعل من القبائل العربية المتنافرة أمة واحدة تتقد غيرة وحماسًا.."(2).

___________________________________

(1) جوار لال نهرو J. Lal Nahro

ولد في عام 1889، في مدينة الله آباد، في الهند، والتقى بغاندي في أوائل عام 1919، اعتقل عدة مرات، وانتخب رئيسًا لحزب المؤتمر الهندي الوطني عدة مرات، دخل الوزارة، وتولى الشؤون الخارجية، وأصبح نائبًا لرئيس المجلس التنفيذي، أول من تولى رئاسة الوزراء الهندية بعد استقلال الهند، له عدة مؤلفات في التاريخ والسياسة والشؤون الهندية، توفي عام 1964م.

(2) لمحات من تاريخ العالم ، ص 25 – 26 .

هارث(1)

[ 1 ]

"إن اختياري لمحمد [صلى الله عليه وسلم] ليكون رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، ربما أدهش كثيرًا من القراء،.. ولكن في اعتقادي أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي"(2).

[ 2 ]

"لقد أسس محمد [صلى الله عليه وسلم] ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام. ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنًا تقريبًا على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قويًا وعارمًا.."(3).

[ 3 ]

".. من وجهة النظر الدينية الصرفة يبدو أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] كان له تأثير على البشرية عبر التاريخ كما كان للمسيح (عليه السلام)"(4).

[ 4 ]

".. إن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يختلف عن المسيح بأنه كان زعيمًا دنيويًا فضلاً عن أنه زعيم ديني، وفي الحقيقة إذا أخذنا بعين الاعتبار القوى الدافعة وراء الفتوحات الإسلامية، فإن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] يصبح أعظم قائد سياسي على مدى الأجيال"(5).

[ 5 ]

".. إن هذا الاتحاد الفريد لا نظير له للتأثير الديني والدنيوي معًا يخول محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أن يعتبر أعظم شخصية مفردة ذات تأثير في تاريخ البشرية"(6).

___________________________________

(1) الدكتور مايكل هارث Michael Hart

أمريكي، حصل على عدة شهادات في العلوم وعلى الدكتوراه في الفلك من جامعة برنستون، عام 1972، عمل في مراكز الأبحاث والمراصد، وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء التطبيقية.

(2) دراسة في المائة الأوائل ، ص 19 .

(3) نفسه ، ص 19 .

(4) نفسه ، ص 23 .

(5) نفسه ، ص 24 .

(6) نفسه ، ص 25 .

مونتغمري وات

[ 1 ]

"منذ أن قام كارليل بدراسته عن محمد [صلى الله عليه وسلم] في كتابه (الأبطال وعبادة البطل) أدرك الغرب أن هناك أسبابًا وجيهة للاقتناع بصدق محمد. إذ إن عزيمته في تحمل الاضطهاد من أجل عقيدته، والخلق السامي للرجال الذين آمنوا به، وكان لهم بمثابة القائد، وأخيرًا عظمة عمله في منجزاته الأخيرة، كل ذلك يشهد باستقامته التي لا تتزعزع. فاتهام محمد [صلى الله عليه وسلم] بأنه دجال Imposteur يثير من المشاكل أكثر مما يحلّ. ومع ذلك فليس هناك شخصية كبيرة في التاريخ حط من قدرها في الغرب كمحمد [صلى الله عليه وسلم]. فقد أظهر الكتاب الغربيون ميلهم لتصديق أسوأ الأمور عن محمد [صلى الله عليه وسلم] وكلما ظهر أي تفسير نقدي لواقعة من الوقائع ممكنًا قبوله. ولا يكفي، مع ذلك، في ذكر فضائل محمد أن نكتفي بأمانته وعزيمته إذا أردنا أن نفهم كل شيء عنه. وإذا أردنا أن نصحح الأغلاط المكتسبة من الماضي بصدده فيجب علينا في كل حالة من الحالات، لا يقوم الدليل القاطع على ضدها، أن نتمسك بصلابة بصدقه. ويجب علينا أن لا ننسى عندئذ أيضًا أن الدليل القاطع يتطلب لقبوله أكثر من كونه ممكنًا وأنه في مثل هذا الموضوع يصعب الحصول عليه.."(1).

[ 2 ]

"هناك – على العكس – أسباب قوية تؤكد صدق (محمد) [صلى الله عليه وسلم] ونستطيع في مثل هذه الحالة الخاصة أن نبلغ درجة عالية من اليقين، لأن النقاش حول هذه المسألة.. يعتمد على وقائع ولا يمكن أن يتضمن خلافًا في التقدير حول الأخلاقية.."(2).

[ 3 ]

".. ليس توسع العرب شيئًا محتومًا أو آليًا وكذلك إنشاء الأمة الإسلامية. ولولا هذا المزيج الرائع من الصفات المختلفة الذي نجده عند محمد [صلى الله عليه وسلم] لكان من غير الممكن أن يتم هذا التوسع، ولاستنفذت تلك القوى الجبارة في غارات على سوريا والعراق دون أن تؤدي لنتائج دائمة. ونستطيع أن نميز ثلاث هبات مهمة أُوتيها محمد [صلى الله عليه وسلم]. وكانت كل واحدة منها ضرورية لإتمام عمل محمد [صلى الله عليه وسلم] بأكمله. لقد أوتي أولاً موهبة خاصة على رؤية المستقبل. فكان للعالم العربي بفضله، أو بفضل الوحي الذي ينزل عليه حسب رأي المسلمين، أساس فكري (إيديولوجي) حلت به الصعوبات الاجتماعية، وكان تكوين هذا الأساس الفكري يتطلب في نفسه الوقت حدسًا ينظر في الأسباب الأساسية للاضطراب الاجتماعي في ذلك العصر، والعبقرية الضرورية للتعبير عن هذا الحدس في صورة تستطيع إثارة العرب حتى أعمق كيانها.. وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] ثانيًا رجل دولة حكيمًا. ولم يكن هدف البناء الأساسي الذي نجده في القرآن، سوى دعم التدابير السياسية الملموسة والمؤسسات الواقعية. ولقد ألححنا خلال هذا الكتاب غالبًا على استراتيجية محمد [صلى الله عليه وسلم] السياسية البعيدة النظر على إصلاحاته الاجتماعية ولقد دلّ على بعد نظره في هذه المسائل الانتشار السريع الذي جعل من دولته الصغيرة إمبراطورية، وتطبيق المؤسسات الاجتماعية على الظروف المجاورة واستمرارها خلال أكثر من ثلاثة عشر قرنًا. وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] ثالثًا رجل إدارة بارعًا، فكان ذا بصيرة رائعة في اختيار الرجال الذين يندبهم للمسائل الإدارية. إذ لن يكون للمؤسسات المتينة والسياسة الحكيمة أثر إذا كان التطبيق خاطئًا مترددًا. وكانت الدولة التي أسسها محمد [صلى الله عليه وسلم] عند وفاته، مؤسسة مزدهرة تستطيع الصمود في وجه الصدمة التي أحدثها غياب مؤسسها، ثم إذا بها بعد فترة تتلاءم مع الوضع الجديد وتتسع بسرعة خارقة اتساعًا رائعًا"(3).

[ 4 ]

"كلما فكرنا في تاريخ محمد [صلى الله عليه وسلم] وتاريخ أوائل الإسلام، تملكنا الذهول أمام عظمة مثل هذا العمل. ولا شك أن الظروف كانت مواتية لمحمد فأتاحت له فرصًا للنجاح لم تتحها لسوى القليل من الرجال غير أن الرجل كان على مستوى الظروف تمامًا. فلو لم يكن نبيًا ورجل دولة وإدارة، ولو لم يضع ثقته بالله ويقتنع بشكل ثابت أن الله أرسله، لما كتب فصلاً مهمًا في تاريخ الإنسانية. ولي أمل أن هذه الدراسة عن حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] يمكنها أن تساعد على إثارة الاهتمام ، من جديد ، برجل هو أعظم رجال أبناء آدم"(4).

___________________________________

(1) محمد في مكة ، ص 94 .

(2) نفسه ، ص 497 – 498 .

(3) نفسه ، ص 510 – 511 .

(4) نفسه ، ص 512 .

ولز(1)

[ 1 ]

".. هل تراك علمت قط أن رجلاً على غير كريم السجايا مستطيع أن يتخذك صديقًا؟ ذلك أن من عرفوا محمدًا [صلى الله عليه وسلم] أكثر من غيرهم، كانوا أشد الناس إيمانًا به. وقد آمنت به خديجة [رضي الله عنها] كل حياته على أنها ربما كانت زوجة محبة. فأبو بكر [رضي الله عنه] شاهد أفضل وهو لم يتردد قط في إخلاصه. كان يؤمن بالنبي [صلى الله عليه وسلم] ومن العسير على أي إنسان يقرأ تلك الأيام إلا يؤمن بأبي بكر [رضي الله عنه]، وكذلك علي [رضي الله عنه] فإنه خاطر بحياته من أجل النبي [صلى الله عليه وسلم] في أحلك أيامه سوادًا.."(2).

[ 2 ]

"حجّ محمد [صلى الله عليه وسلم] حجة الوداع من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها"(3).

[ 3 ]

"لقد منح [ العرب ] العالم ثقافة جديدة، وأقاموا عقيدة لا تزال إلى اليوم من أعظم القوى الحيوية في العالم أما الرجل الذي أشعل ذلك القبس العربي فهو محمد [صلى الله عليه وسلم](4).

____________________________________

(1) هربرت جورج ولز (1866 – 1946) H. G. Wells

الكاتب والأديب البريطاني المعروف. حصل على بكالوريوس العلوم سنة 1888، تولى التدريس بضع سنين ثم انصرف للتأليف. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي من مثل (آلة الزمن) و(الرجل الخفي)، فضلاً عن رواياته النفسية والاجتماعية من مثل (ميكا فيللي الجديد) و(الزواج). ولم يغفل ولز البحث في التاريخ فأنجز عام 1920 (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) (1944). ولولز كتاب في السيرة الذاتية بعنوان: (تجربة في كتابة السيرة الذاتية).

(2) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 639 .

(3) نفسه ، 3 / 640 – 641 .

(4) موجز تاريخ العالم ، ص 200 – 201 .

الفصل الثالث الإسلام

"إذا كان هذا هو الإسلام، أفلا نكون جميعنا مسلمين؟".

(الأديب الألماني غوته)

إبراهيم خليل أحمد

[ 1 ]

"قرأت بتأمل وتفكر قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر 53]. وقارنت بين هذه الآية وما ورد في الإنجيل عن الغفران: (بدون سفك دم لا تحصل مغفرة) بالقول: (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الحبيب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية). قارنت بين العقيدتين الأولى: أنها مقيدة بقيود: من جانب الله ببذل ابنه الحبيب حسب ما يعتقدون، ومن جانب المرء بضرورة الإيمان بهذا الابن. ومن هذه العقيدة نشأت فريضة كنيسية تعرف بسرّ الشكر، وفيها يؤمن المسيحي باستحالة الخبز إلى جسد المسيح واستحالة الخمر إلى دم المسيح حقيقة، وبتناولهما تصير فيه حياة أبدية. ومن هذه العقيدة نشأت صكوك الغفران.. إنها بدعة وخروج عن الحق الإلهي الذي ندّد به زعماء الإصلاح في القرن الخامس عشر.. فحمدت الله على رحمته الواسعة ومغفرته اليقينية بدون قيد ولا شرط مادي، بل بتوبة صادقة وعزم على الحياة الطاهرة"(1).

[ 2 ]

"قرأت قول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات 13]، وقرأت ما جاء بالإنجيل: (إذن لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة) وزال عني العجب عن التفرقة العنصرية عند الأمريكيين في أيامنا هذه بين البيض والسود، وزاد إعجابي وإجلالي للمسلمين. أن سيد القوم يقف بجانب المواطن العامل والمزارع والتاجر والموظف كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا، راكعين ساجدين، يخشون ربهم ويرجونه الرضا والعفو، فأيقنت أن مجد الإسلام والمسلمين في هذا التساند الجميل والتآخي الحبيب.."(2).

[ 3 ]

"للمسلم أن يعتز بدينه، فهو كالشمس تشرق على المسلمين وغير المسلمين وللمسلم أن يعتز بإسلامه، فهو كالهواء النقي لا يستغني عنه الخلق ولا حياة لهم بدونه.."(3).

[ 4 ]

".. إن الإسلام دين المنطق والعقل، لم يجعل وساطة بين الله والإنسان، ولم يترك مقادير الناس تحت رحمة نفر منهم يلوحون لهم بسلطان الكنيسة.."(4).

[ 5 ]

"استوقفني كثيرًا نظام التوحيد في الإسلام، وهو من أبرز معالم الإسلام.. أن التوحيد يجعلني عبدًا لله وحده لست عبدًا لأي إنسان، التوحيد في الإسلام يجرّد الإنسان ويجعله غير خاضع لأي إنسان، وتلك هي الحرية الحقيقية، فلا عبودية إلا لله وحده"(5).

____________________________________

(1) محمد في التوراة ، ص 10 – 11 .

(2) محمد في التوراة ، ص 11 .

(3) نفسه ، ص 32 .

(4) نفسه ، ص 173 .

(5) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 92 .

أرشر(1)

[ 1 ]

"إن بحثي لنيل إجازة الدكتوراه كان عن التربية وبناء الأمة. ومن هنا عرفت ما تحتاج إليه الأمم لبنائها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وكذلك البناء الروحي واكتشفت أن أركان الإسلام الأساسية تقدم أساسًا عظيمًا وقاعدة قيمة لإعادة بناء الأمة اجتماعيًا واقتصاديًا وروحيًا. ولذلك فإذا سألتني لماذا اعتنقت الإسلام ؟ سأقول لك لأن الإسلام هو دين فريد من نوعه تشكل فيه أركانه الأساسية قاعدة للحكم تهدي كلا من الضمير وكذلك حياة المؤمنين به على حدّ سواء"(2).

[ 2 ]

"إن تعاليم الإسلام هي تعاليم عملية تقدم نموذجًا لبناء الأمم، كمايمنح الإسلام للضالين إحساسًا بالأمل والاتجاه. ويمكن الفرد المسلم من فهم واجباته نحو الله ونحو بني الإنسان بصورة أفضل"(3).

[ 3 ]

"في الوقت الذي تتحدث فيه الأديان الأخرى عن إله واحد، إلا أنها تعبد ربّين أو ثلاثة. أما المسلمون فيعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئًا. وهنا شعور قوي بالأخوة الإسلامية في العالم الإسلامي وخاصة بين أولئك الذين يؤمنون بالإسلام حقًا ويطبقونه بصدق"(4).

___________________________________

(1) الدكتور دوغلاس أرشر : عبد الله أرشر Douglas Archer

شاب من جامايكا، في منتصف العقد الخامس من العمر، يعمل مديرًا للمعهد التربوي في منطقة الكاريبي، جامايكا، كان بروتستانتيًا، وبعد أن انتمى للإسلام قدم استقالته من عمله كأستاذ لعلم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تخصص هناك، وعاد إلى بلاده لكي يسهم في دعوة أبناء وطنه إلى الإسلام.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 56 .

(3) نفسه ، 5 / 56 .

(4) نفسه ، 5 / 56 .

سير توماس آرنولد

[ 1 ]

".. نرى من أسباب الترحيب الحار الذي لقيه محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة أن الدخول في الإسلام، قد بدا للطبقة المستنيرة من أهالي المدينة علاجًا لهذه الفوضى التي كان المجتمع يقاسيها، وذلك لما وجدوه في الإسلام من تنظيم محكم للحياة، وإخضاع أهواء الناس الجامحة لقوانين منظمة قد شرعتها سلطة تسمو على الأهواء الفردية"(1).

[ 2 ]

".. لا يغرب عن البال كيف ظهر جليًا أن الإسلام حركة حديثة العهد في بلاد العرب الوثنية، وكيف كانت تتعارض المثل العليا في هذين المجتمعين تعارضًا تامًا. ذلك أن دخول الإسلام في المجتمع العربي لم يدل على مجرد القضاء على قليل من عادات بربرية وحشية فحسب، وإنما كان انقلابًا كاملاً لمثل الحياة التي كانت من قبل.. وأصبح النبي [صلى الله عليه وسلم] بذلك رمزًا لأسلوب جديد.."(2).

".. يعبر الشطر الأول من هذه العقيدة [لا إله إلا الله، محمد رسول الله] عن مبدأ يكاد يقبله جميع الناس على أنه فرض لابد منه، على حين يقوم الشطر الثاني منها على فكرة علاقة الناس بالله وهي مسألة تكاد تكون عامة شاملة كذلك بمعنى أن الله تعالى، في فترات من تاريخ العالم، قد وهب بعض تجليه على الخلق، على لسان أنبياء ملهمين. ولا يستطيع أي فرد أن يوضح الطابع العقلي للعقيدة الإسلامية، وما جنته من هذا الطابع من الفائدة في نشر الدعوة، توضيحًا يبعث على الإعجاب، بأكثر مما وضحه البروفيسور مونتيه في العبارات التالية: (الإسلام في جوهره دين عقلي، بأوسع معاني هذه الكلمة من الوجهتين الاشتقاقية والتاريخية. فإن تعريف الأسلوب العقلي Rationalism بأنه طريقة تقيم العقائد الدينية على أسس من المبادئ المستمدة من العقل والمنطق، ينطبق عليها تمام الانطباق.. إن [للإسلام] كل العلامات التي تدل على أنه مجموعة من العقائد التي قامت على أساس المنطق والعقل. وتتلخص العقيدة الإسلامية من وجهة نظر المؤمنين في الاعتقاد بوحدانية الله ورسالة نبيه [صلى الله عليه وسلم]، أما من وجهة نظرنا نحن الذين نحلل عقائده تحليلاً لا روح فيه، فنعتقد في الله وفي الحياة الآخرة، وهذان المبدآن هما أقل ما ينبغي للاعتقاد الديني، وهما أمران يستقران في نفس الرجل المتدين على أساس ثابت من العقل والمنطق، ويلخصان كل تعاليم العقيدة التي جاء بها القرآن، وأن بساطة هذه التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق من أظهر القوى الفعالة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى الإسلام.. وعلى الرغم من التطور الخصب، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، لتعاليم النبي [صلى الله عليه وسلم] حفظ القرآن منزلته من غير أن يطرأ عليه تغيير أو تبديل، باعتباره النقطة الأساسية التي بدأت منها تعاليم هذه العقيدة، وقد جهر القرآن دائمًا بمبدأ الوحدانية في عظمة وجلاء وصفاء لا يعتريه التحول، ومن العسير أن نجد في غير الإسلام ما يفوق تلك المزايا. وأن هذا الإخلاص لمبدأ الدين الأساسي، والبساطة الجوهرية في الصورة التي يصاغ فيها هذا الدين والدليل الذي كسبه هذا الدين من اقتناع الدعاة الذين يقومون بنشره اقتناعًا يلتهب حماسة وغيرة، إن هذا كله يكون الأسباب الكثيرة التي تفسّر لنا نجاح جهود دعاة المسلمين. وكان من المتوقع لعقيدة محدودة كل التحديد خالية كل الخلوّ من جميع التعقيدات الفلسفية، ثم هي تبعًا لذلك في متناول إدراك الشخص العادي، أن تمتلك - وإنها لتمتلك فعلاً - قوة عجيبة لاكتساب طريقها إلى ضمائر الناس"(3).

[ 3 ]

"كذلك نجد أداء الصلوات الخمس كل يوم على جانب عظيم من التأثير سواء في جذب الناس، أو الاحتفاظ بالمسلمين منهم. وقد أحسن منتسكيو في قوله: [في كتابه المعروف: روح القوانين]: (أن المرء الأشد ارتباطًا بالدين الحافل بكثير من الشعائر، منه بأي دين آخر أقل منه احتفالاً بالشعائر، وذلك لأن المرء شديد التعلق بالأمور التي تسيطر دائمًا على تفكيره). إن دين المسلم يتمثل دائمًا في مخيلته، وفي الصلوات اليومية، يتجلى هذا الدين في طريقة نسكية خاشعة مؤثرة لا تستطيع أن تترك العابد والمشاهد كليهما غير متأثرين.. فإذا استطاع رينان أن يقول: (ما دخلت مسجدًا قط، دون أن تهزني عاطفة حادة، أو بعبارة أخرى، دون أن يصيبني أسف محقق على أنني لم أكن مسلمًا)(4)، كان من اليسير أن ندرك كيف أن منظر التاجر المسلم في صلاته، وسجداته الكثيرة، وعبادته للإله الذي لا يراه، في سكينة واستغراق، قد يؤثر في الأفريقي الوثني الذي وهب إدراكًا قويًا للقوى الخفية.. وقد يحفز حب الاستطلاع على البحث بطبيعة الحال.."(5).

[ 4 ]

"إن هؤلاء المسلمين يعنون بتلك الفرائض وغيرها من الشعائر الدينية ولكن من غير أن يثقلوا بها كواهلهم، أو تجعلهم مغمورين في الحياة، نجد أركان العقيدة الإسلامية تلقى دون انقطاع تعبيرًا ظاهرًا في حياة المؤمن، ومن ثم نجدها، بعد أن أصبحت متشابكة مع نظام حياته اليومية، تشابكًا لا سبيل إلى الفكاك منه، تجعل المسلم الفرد إمامًا ومعلمًا لعقيدته، أكثر إلى حد بعيد مما هي الحال مع أنصار معظم الديانات الأخرى. إن تحدد هذه الطقوس وواقعيتها ودقتها ليدع المؤمن لا يتخالج في نفسه الشك فيما هو مكلف بأدائه، فإذا أدى هذه الواجبات، اطمأن وجدانه إلى أنه قد أنجز كل أوامر الشرع. وقد نجد إلى حد بعيد، في هذه الوحدة التي تربط بين النظامين العقلي والطقسي في هذا الدين، سرّ السيطرة التي أحدثها الإسلام على عقول الناس. (فإذا أردت أن تجذب إليك جماهير كبيرة من الناس، لقنهم الحقيقة في صورة حماسية، دقيقة واضحة، وفي أسلوب مرئيّ محسن.."(6).

___________________________________

(1) الدعوة إلى الإسلام ، ص 43 عن: Caetani (Leone): Annaii dell'islam

(2) نفسه ، ص 61 .

الدعوة إلى الإسلام ، ص 454 – 456 . أما عبارات مونتيه (Montet) فيستمد المؤلف من كتاب :

(3) La propagande chretienne et ses adversaires musulmans, pp. 17-18 (Paris, 1890). .

(4) Emest Renan: L'islamisme et la Science, p. 19 (Paris, 1883). .

(5) الدعوة إلى الإسلام ، ص 458 – 460 .

(6) نفسه ، ص 460 ، والعبارة الأخيرة ينقلها عن : B. Kuenen: National Religions and universal Religions, p. 25, (London, 1882). .

إنجرام(1)

[ 1 ]

"إني أعتقد أن الإسلام هو الدين الذي يدخل السلام والسكينة إلى النفس ويلهم الإنسان العزاء وراحة البال والسلوى في هذه الحياة. وقد تسرب روح الإسلام إلى نفسي فشعرت بنعمة الإيمان بالقضاء الإلهي وعدم المبالاة بالمؤثرات المادية من لذة وألم.. لقد درست الدين الإسلامي مدة سنين، ولم أتخذه دينًا إلا بعد بحث قلبي عميق، وتحليل نفسي طويل، لم أغير ديني إلا لكي أجد الراحة من ضجيج الحياة الجنوني، ولأنعم بالسكينة في ظلال الهدوء والتأمل بعيدًا عن متاعب الهموم والمحن التي يسببها التكالب على الكسب والتهالك على المال، الذي أصبح اليوم معبود البشر وإلههم، ولأخلص نفسي من براثن الأغراء وخدع الحياة الباطلة، والشراب والمخدرات وجنون فرقة الجاز. أسلمت لكي أنقذ ذهني وعقلي وحياتي من الهدم والتدمير"(2).

[ 2 ]

"أنا اليوم ابن الإسلام وإني سعيد أكثر مما كنت في أي يوم من أيام حياتي، وفي مدنيتي الغربية ومع ثيابي الغربية. سعيد كمؤمن يدين بالإسلام الخالد الذي هو أكمل دين سماوي ارتضاه الله للبشرية"(3).

___________________________________

(1) ركس انجرام R. Ingram

ولد في اسكتلندا، في أواخر القرن الماضي، وشارك في الحرب العالمية الأولى، ثم رحل إلى العديد من بلاد الشرق، ودرس لغاتها وأديانها، وانتهى به المطاف مصورًا سينمائيًا في هوليود. اعتنق الإسلام بعد أن وجد فيه ضالته المنشودة.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 1 / 32 .

(3) نفسه ، 1 / 34 .

أوليفر(1)

[ 1 ]

"بعد أن درست الأديان المختلفة في العالم توصلت إلى الاستنتاج بأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يؤثر في أولئك الذين يؤمنون به وكذلك الذين لا يؤمنون به على حدّ سواء. فأعظم فضيلة للإسلام أنه يأسر قلوب البشر بصورة تلقائية ومن أجل هذا تجد في الإسلام سحرًا غريبًا وجاذبية عظيمة تجتذب إليها ذوي العقليات المتفتحة من غير المسلمين"(2).

[ 2 ]

"إن أهم الجوانب، في الإسلام التي أثرت في نفسي هي بساطة تعاليمه وطريقة الحياة البسيطة المستقيمة التي يحياها المسلمون المتمسكون بتعاليم الإسلام [كما] أن الإسلام لا يعتبر أحدًا خاطئًا منذ ولادته والإسلام هو دين السلام فهو يدعو إلى إشاعة السلام والانسجام بين المسلمين، وليس ذلك فحسب بل يضع المسؤولية على عاتق المسلمين لإقامة السلام في العالم كله"(3).

[ 3 ]

".. إن كل من يؤمن بصدق وإخلاص بهذا الدين يسعى إلى تحرير نفسه من الذنب والخطيئة، ويعمل على أن تكون حياته تجسيدًا وتعبيرًا صادقًا عن كافة الفضائل وهذه الرغبة من جانب المسلم تورث الانسجام والاعتدال في المجتمع الإنساني وهذا الاعتدال بدوره يمهد السبيل نحو تقدم الأفراد والمجتمع.."(4).

[ 4 ]

".. الإسلام، على عكس الهندوكية والنصرانية، لا يحتفظ بأي جزء من تعاليمه ويجعله حكرًا لطبقة خاصة من الناس. بمعنى أنه في الإسلام لا يوجد كهنوت ولا رجال دين كطبقة منفصلة متميزة لها امتيازاتها.. فالتعاليم الإسلامية موجهة إلى كافة البشر وهي بسيطة سهلة يستطيع كل إنسان أن يفهمها بكل يسر. فالإسلام يؤكد في تعاليمه أن على الناس أن يفكروا وأن يستخدموا عقولهم في الأمور الدينية.."(5).

___________________________________

(1) ماري أوليفر Mary Oliver

مسيحية لم تستطع عقيدتها أن تمنحها القناعة، فأخذت تدرس البوذية والهندوسية وإذ لم تجد فيها ما كانت تبحث عنه، انتهى بها المطاف إلى الإسلام، حيث اعتنقته مؤمنة بأنه الدين الوحيد الذي يستجيب لمطالب الإنسان.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 142 .

(3) نفسه ، 4 / 142 – 143 .

(4) نفسه ، 4 / 144 .

(5) نفسه ، 4 / 144 – 145 .

واشنجتون إيرفنج

[ 1 ]

"ينهى الإسلام عن الوثنية تمامًا في جميع صورها. فقد نهى الإسلام عن جميع الطقوس الدينية في الجاهلية التي تتعلق بالوثنية، ودعا إلى توحيد الله، ولكنه احتفظ من بين هذه الطقوس بما هو بعيد عن الوثنية، مثل الحج إلى مكة والطواف بالكعبة.."(1).

[ 2 ]

"عند قدوم محمد [صلى الله عليه وسلم] إلى المدينة اعتنق بعض أهلها من المسيحيين الإسلام. فقد وجدوا تشابهًا بين التعاليم الإنسانية في كل من الإسلام والمسيحية، ولم يلمسوا أي تعارض بين الدينين، وبخاصة أن الإسلام يضع المسيح [عليه السلام] في مقدمة الأنبياء [عليهم السلام]. أما باقي المسيحيين فلم يُبدوا أي عداء للإسلام فقد اعتبروه أفضل بكثير من الوثنية. ولا شك أن الخلافات العديدة التي كانت قد نشبت بين الطوائف المسيحية في الشرق قد مهدت الطريق أمام المسيحيين ليعتنقوا الإسلام"(2).

___________________________________

(1) حياة محمد ، ص 75 .

(2) نفسه ، ص 133 – 134 .

باتيل(1)

[ 1 ]

"لقد أيقنت أن الإسلام هو المنهج الذي يحقق غاية [الوجود الإنساني] فهو يمتاز بالبساطة والواقعية والاستعلاء والحساسية والشمول. فالإسلام يحترم كافة الأديان ويوقر جميع الأنبياء.. قال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة 116]. فهل هناك أبلغ من هذا الدليل على شمول الإسلام وعقيدته وإيمانه بالله الواحد الأحد؟"(2).

[ 2 ]

".. إن قوة الإسلام في ذاته، في خصائصه الروحية وشموله. وهذا هو سرّ غلبته في النهاية.."(3).

___________________________________

(1) بشير أحمد عبد الرحمن باتيل B. A. Pattel

ولد في الهند عام 1929م، في أسرة هندوكية عريقة، ولم يجد في دين آبائه ما يمنحه القناعة الكافية، فانقلب إلى الشيوعية، فلم تلبّ مطالبه هي الأخرى، فنقّب بين الأديان وأخيرًا وجد مستقره في الإسلام، وهو الآن يعمل رئيسًا لقسم اللغة الإنكليزية والتاريخ في إحدى المدارس الثانوية في دار السلام، عاصمة تنزانيا.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 1 / 19 .

(3) نفسه ، 1 / 21 .

رودي بارت

[ 1 ]

"إن العالم الواسع المترامي الأطراف ما كان ليحس بالعرب لو لم يتحولوا بفضل صلتهم بالإسلام إلى عامل من عوامل القوة السياسية، ويصبحوا بذلك ذوي أهمية إن صح هذا التعبير"(1).

[ 2 ]

"إن الشريعة الإسلامية بمعناها الواسع الذي يشمل تنظيم الشعائر كذلك، هي المضمون الحقيقي للروح الإسلامية الأصيلة، وهي التعبير الحاسم عن التفكير الإسلامين إنها النواة الجوهرية للإسلام على الإطلاق"(2).

___________________________________

(1) الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 20 .

(2) نفسه ، ص 49 . والعبارة المذكورة وردت في مقدمة كتاب جوتتهلف برحبشتر (المميزات الأساسية للشريعة الإسلامية)، (برلين، 1935م).

بالتودانو(1)

[ 1 ]

".. على العكس من الديانة الكاثوليكية التي تدعو إلى السموّ الروحي عن طريق المعاناة فإن الإسلام يحض الناس على مقاتلة الطغيان. إن النصرانية تجنح إلى اتخاذ موقف سلبي تجاه الحياة، بينما يتصدى الإسلام لمشكلات الحياة بشجاعة"(2).

[ 2 ]

".. الحضارة المادية عليلة مملة، فالمرء يدور فيها في شبه دوّامة، والتحديات فيها قليلة، وحتى عند وقوعها لا يكاد يوجد صراع. فالحياة تنتهي بالتسويات وأنصاف الحلول. إنك لا تنمو، فالمرء لا ينمو إلا في ظل التحدّي، والإسلام هو أعظم تحدٍّ في حياة الإنسان! وهكذا قررت أن أكون مسلمة"(3).

___________________________________

(1) مرسيدس بالتودانو : فاطمة بالتودانو M. Paltodano .

(2) رجال ونساء أسلموا ، 8 / 52 .

(3) نفسه ، 8 / 53 – 54 .

بيرغ(1)

[ 1 ]

"لا حاجة بنا إلى الإطناب في بيان المميزات الخاصة بالإسلام ولا في بيان اختلافه العظيم عن الهندوكية.. إن نظام الطوائف الذي تحيا به الهندوكية أو تموت لا أثر له في الإسلام، دين الديمقراطية، وقد استمد قوته على الدوام من حبّ الجماهير له حبًا حماسيًا. إن الإسلام يعرف كيف يجعل له في قلوب الناس مكانًا وأن معتنقيه ليفخرون به.. وليس هناك كاهن يشرف على الحياة الدينية. وإن إجماع المسلمين على اختلاف الرأي رحمة من الله، هذا الإجماع الذي يستلفت النظر بلينه وتسامحه ويبرهن لنا برهانًا جديرًا بالذكر على حاجة المسلمين السائدة إلى توحيد الكلمة، يؤيده عدم وجود سلطة معينة ترغم الناس على رأيها"(2).

[ 2 ]

".. إن الحج المفروض على كل مسلم أن يقوم به مرة في حياته إن استطاع إليه السبيل.. وأثر اللغة العربية في العمل على الوحدة، وتشابه طرق التعليم في كل العالم الإسلامي، كل هذه العوامل جعلت فكرة الوحدة الإسلامية باقيةً في المكان الأول، حتى بعد أن تم تمزق إمبراطورية الخلفاء إلى ولايات مختلفة.."(3).

[ 3 ]

".. إن النزعة التي تصبغ كل شيء بصبغة الدين والتي امتاز بها الإسلام منذ أيامه الأولى، جعلته مدة تزيد على اثني عشر قرنًا دينًا متمكنًا في إمبراطوريات انمحت فيها القوميات وكان هو فيها أكبر قوة تعمل على تماسكها.. لقد حاز الإسلام فضلاً لا سبيل لإنكاره بأنه عمل على حل مشكلة التفاهم بين الأمم وهو فضل لا يجحده حتى غير المسلم ممن يتبع دينًا آخر ويعتنق فكرة أخرى في الحياة.."(4).

___________________________________

(1) ج . ك . بيرغ J. K. Birge

عمل أستاذًا في جامعة ليدن، وانصب اهتمامه على تاريخ الصوفية في الإسلام، وكتب أبحاثًا عديدة عن جلال الدين الرومي وغيره.

(2) وجهة الإسلام ( بإشراف كب ). ص 160 – 161 .

(3) نفسه ، ص 161 .

(4) نفسه ، ص 199 – 200 .

بنكمرت(1)

[ 1 ]

"الإسلام دين السلامة والمساواة والحرية، والإخاء والكرامة والعزة، يظهر ذلك جليًا في أحكامه ومبادئه وآدابه. فالصوم في الإسلام ليس كالصوم في الأديان الأخرى، لأن مشكلة الإنسان ليست في أن يكبت مطالب جسده، وأن يتخلى عنها حتى تكون أقرب إلى العدم منها إلى الوجود. فهذا أمر ممكن بالمران والتعود.. مثلما يفعل الرهبان حتى يصير جسد الواحد منهم أشبه بهيكل عظمي متحرك. ولكنهم مع ذلك لم يتركوا أي أثر لهم في الحياة كبشر درجوا على وجه هذه البسيطة وعمروا ما أمكنهم عمرانه فيها، بل انصرفوا عن ذلك في عجز وحسرة. لذلك فالإسلام، الذي هو دين الفطرة، لم يرض للمؤمنين بهذا السلوك السلبي الانعزالي ولم يشرعه لهم، بل عدل مطالب الجسد وهذبها ولم يكبتها، ونمى الغريزة وعلاّها ولم يستأصلها، ورسم الطريق السوي للسير بها نحو الكمال. فالصوم في الإسلام تعويد للنفس على الصبر والجهاد ضد الشهوات الآثمة المحرّمة، ومراقبة الله في السرّ والعلن، واستشعار لطعم الحرمان والجوع كي يعطف الصائم على المحرومين. كما أن في الصوم فرصة لإعطاء الجسم راحة من التخمة. فالصوم مفيد للشخص في صحته وروحه وعقله، وللمجتمع في تقاربه وتعاونه واتحاده.."(2).

[ 2 ]

"لم أجد دينًا وضع للزكاة تشريعًا شاملاً كالإسلام. والمجتمع الإسلامي الذي يحرص على إخراج الزكاة يخلو من الفقر والحرمان والتشرد.. إنني أتصور لو أن العالم كله اهتدى إلى الإسلام لما بقي على ظهر الأرض جائع أو محروم. والمجتمع المسلم الذي يلتزم بأحكام الإسلام وآدابه مجتمع نظيف سعيد تنعدم فيه الجرائم بكافة ألوانها.."(3).

__________________________________

(1) بريشا بنكمرت : عثمان عبد الله Berisha Bankmart

من رجال التربية والتعليم،بمملكة تايلاند، نشأ في أسرة بوذية، يتمسك أفرادها بتعاليم وفلسفة بوذا، لكنه لم يطمئن إليها، وراح يبحث، بعد إكمال دراسته، عن دين يجدر أن يكون "دين البشرية ودين الحياة"، كما يصفه، وفي مطلع عام 1971 أعلن إسلامه، وغير اسمه إلى عثمان عبد الله.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 3 / 114 .

(3) نفسه ، 3 / 115 .

بنوا(1)

[ 1 ]

"تمسكت بالإسلام، بادئ ذي بدء، لأسباب وراء الطبيعة. ولكن أسبابًا أخرى أيضًا دفعتني إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، كنت أرفض ما يزعمه الرهبان لأنفسهم بأنهم يملكون صلاحية الغفران للذنوب نيابة عن الله سبحانه وتعالى.."(2).

[ 2 ]

".. إن أساس الصلاة والعبادة بصورة عامة في الدين الإسلامي النظافة أو الطهارة الحسية والمعنوية. وهذه في الحقيقة هي إحدى خصائص هذا الدين العظيم المميزة له عن سائر الأديان.. إن استخدام الماء في عملية الوضوء قبل الصلاة يجعل المسلم في قمة النشاط في جسمه وعقله.. فإذا تذكرنا أن المسلم يؤدي خمس صلوات كل يوم، نجد أنه يغسل يديه ووجهه وقدميه ضمن عملية الوضوء، خمس مرات يوميًا، فهل هناك وسيلة أفضل من هذه لتحقيق النظافة"(3).

[ 3 ]

"إن السكوت عن طهارة الجسد نجده في الأديان الأخرى غير الإسلام، بل يخالطه كذلك شعور بالعداوة فيما يتعلق بالحياة الجسدية للإنسان، بينما اتضح لي أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتمشى مع الفطرة الإنسانية"(4).

[ 4 ]

"إنني الآن سعيد جدًا بديني الجديد، وإنني أعلن مرة أخرى: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله"(5).

___________________________________

(1) الدكتور علي سلمان بنوا Dr. Ali Selman Benoist

طبيب فرنسي من أسرة كاثوليكية، قرأ كثيرًا عن الإسلام بعد اهتزاز قناعاته بمعطيات المسيحية، ثم أعلن إسلامه في شباط من عام 1953م.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 6 .

(3) نفسه ، 6 / 7 – 8 .

(4) نفسه ، 6 / 9 .

(5) نفسه 6 / 11 .

مارسيل بوازار

[ 1 ]

".. إن من حق المؤرخ أن يعرف أسس ثقافة دينية المرتكز وسمت تطور الإنسانية بميسمها، ولم تزل حتى اليوم مرجعًا خلقيًا وسياسيًا لملايين البشر. ومن الأهمية بمكان تحليل أفكارها الأساسية وتطور هذه الأفكار المحتمل، والكشف عن الطريقة التي حدّد بها ذلك الدين العالمي الطموح مكانة الفرد في المجتمع وتصوّر تنظيم العلاقات بين الشعوب.. إن تقديم الإسلام على أنه مجرد خصم متصارع من النظريات والبنى التشريعية المعاصرة، أمر غير معقول"(1).

[ 2 ]

".. لا تمييز في العقيدة الإسلامية بين الموجب القانوني والواجب الخلقي.. وهذا الجمع المحكم بين القانون والخلق يؤكد قوة النظام منذ البداية.."(2).

".. أليس من الواقعية والتقدمية أن يؤمن المرء بقيمة الإنسان وحريته وإرادته، وأن يتخيل إنشاء قانون تستطيع كل الشعوب الانضواء تحت لوائه؟ لسوف يسهم الإسلام في إنشاء ذلك القانون"(3).

[ 3 ]

".. إن القضية تتمثل في استرجاع فكرة صلاح الإسلام لكل حين من خلال تجلياته الأبدية والماضية والمستقبلية"(4).

[ 4 ]

"لم يكن من ضمن رسالة [محمد صلى الله عليه وسلم] أن يبطل ما أنزل من قبله، بل أن يصدّقه ناقضًا ما لحق الكتب السماوية من تحريف وانتهاك. وكلف تطهير تعاليم الرسل السابقين [ عليهم السلام] من كل مخالفة، والتوسع فيها وتتميمها لتغدو ملائمة للبشرية جمعاء في كل زمان ومكان.."(5).

"من نوافل الأمور رفض الادّعاء المتكرر آلاف المرات في الغرب عن عجز الإسلام عن تنمية نظام سياسي داينامي. فالتاريخ يكذبه تكذيبًا مرًا وقاطعًا.."(6).

_________________________________

(1) إنسانية الإسلام، ص 14 ، 15 .

(2) نفسه ، ص 18 ، 19 .

(3) نفسه ، ص 24 .

(4) نفسه ، ص 28 .

(5) نفسه ، ص 43 .

(6) نفسه ص 365 ، ونكتفي بهذا القدر من أقوال (بوازار) عن (الإسلام) تجاوزًا لتضخّم المادة، فالكتاب كله (إنسانية الإسلام)، إذا أردنا الحق، يعد بمثابة واحدة من أكثر الشهادات الغربية عمقًا وموضوعية ووضح رؤية للإسلام، ويستحسن أن نحيل القارئ إلى صفحات أخرى تضمنت المزيد من المعطيات (الإيجابية) بحق الإسلام وهي: 25 – 26 ، 33، 35، 45-46، 56-59، 64-66، 68-71، 74، 86-88، 92-99، 101-104، 106، 107-108، 116-117، 119-123، 124، 125، 127، 128-130، 131-132، 133-142، 145-147، 150-151، 153، 155-164، 167، 170-173، 178-183، 205-206، 208-210، 217، 220-222، 227-230، 232-233، 240، 243، 244-247، 250-251، 256-257، 259-260، 267، 274-275، 287-293، 343، 347، 361، 363-367، 372-373، 422-423، 428-429.

ديبورا بوتر

[ 1 ]

"لقد تعرضت في السنوات الأخيرة لفلسفات مختلفة وخضت تجارب من الإيحاء الفردي كانت تكشف لي عن جزء من الحقيقة. أما الآن فقد تجلى لي بوضوح أن هذه التجارب هي جزء لا يتجزأ من النظام الشامل للكون وأنها بعزلتها تصبح قطعًا متناثرة من اللغز الكبير. هذا اللغز المتكامل هو الإسلام الذي أحدث ثورة في العالم بما قدم له من نظام شامل للحياة الخلقية والاجتماعية ونظام الحكم والنظام الروحي للإنسان"(1).

[ 2 ]

".. الإسلام الذي هو قانون الله، نجده واضحًا في الطبيعة من حولنا، فبأمر الله وحده تسير الجبال والبحار والكواكب والنجوم وتهتدي في مساراتها، فهي خاضعة لأمر الله خالقها كما تخضع الشخصيات في رواية من الروايات، ولله المثل الأعلى، فهي لا تنطق ولا تفعل إلا ما يقرره الكاتب. وهكذا فكل ذرة في هذا الكون – حتى الجماد منه – هو أيضًا مسلم. ولكن الإنسان مستثنى من هذه القاعدة فقد منحه الله حرية الاختبار فله أن يستسلم لأمر الله، أو يضع قانونه لنفسه ويسير على دينه الذي يرتضيه، وقد اختار مع الأسف الطريق الثاني في معظم الأحوال"(2).

[ 3 ]

".. الإسلام ليس دينًا جديدًا من عند محمد [صلى الله عليه وسلم] ولكنه عندما انتشر في الأرض بعد مضي ستمائة عام على صعود المسيح [عليه السلام] إلى السماء، نشر ثانية الوحي الذي تجسد في الأديان السماوية السابقة، وأعاده إلى أصله النقي الصافي. فجميع الأنبياء الذين أرسلهم الله [عليهم السلام] كانوا مسلمين ورسالتهم كانت واحدة دائمًا.."(3).

[ 4 ]

"الإسلام نظام عالمي ودين كوني جاء لجميع الناس في كل العصور. ولم يحدث أن أقر الإسلام أية تفرقة بسبب العرق أو الوطن أو الثقافة أو الطبقة فكلّ مؤمن بالحقيقة مسلم يتمتع بالأخوة الإسلامية مع كافة الناس في كل عصر ومصر. وهذا هو سرّ قوة الإسلام"(4).

[ 5 ]

".. [إن] الناس في أوروبا وأمريكا يقبلون على اعتناق الإسلام بأعداد [كبيرة].. لأنهم متعطشون للراحة النفسية والاطمئنان الروحي [بل] إن [عددًا] من المستشرقين والمبشرين النصارى الذين بدؤوا حملتهم مصممين على القضاء على الإسلام وإظهار عيوبه المزعومة، أصبحوا هم أنفسهم مسلمين، وما ذلك إلا لأن الحق حجته دامغة لا سبيل إلى إنكارها"(5).

___________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 8 / 100 .

(2) نفسه ، 8 / 100 – 101 .

(3) نفسه ، 8 / 101 .

(4) نفسه ، 8 / 102 .

(5) نفسه ، 8 / 114 .

تزفسكن(1)

[ 1 ]

"لم يتبيّن لي الفرق الشاسع بين تعاليم الإسلام وبين كثير من العادات الشرقية إلا عندما دخلت عالم الإسلام الروحي عن طريق القرآن والكتابات الإسلامية.. فشعرت ببطء كيف يجذبني الإسلام. وكانت تعاليمه تخاطب عقلي وفطرتي. وكان من أهم ما شدّني إلى النظام الاجتماعي المثالي في الإسلام، تساوي جميع الأجناس، والتسامح الذي لا حدّ له، والحرية التامة في جميع المجالات الدنيوية والروحية، وكذلك الاعتراف بالحياة الدنيا من غير مبالغة، والاجتهاد في طلب العلم الذي يعتبر فريضة على كل مسلم ومسلمة.. وأخيرًا وليس آخرًا أعجبت بالعلاقة المباشرة بين العبد وربه"(2).

[ 2 ]

".. لقد بدا لي، وأنا أتلو كتاب الله، أن الإسلام وحده هو الطريق الذي علمه الله للناس منذ بدء الخليقة وأنه هو الحق"(3).

[ 3 ]

"يصعب عليّ أن أحدّد نواحي معينة أعجبت بها من بين تعاليم الإسلام. إذ من العسير على المرء أن يفهم تفصيلات الإسلام وجزئياته ما لم يكن قد أحاط به بصفة كلية. فكل شيء في الإسلام وثيق الصلة بالآخر. ولذا فإن المسلم المؤمن لا يمكن أن يركز كل اهتمامه في موضوع واحد فحسب.."(4).

[ 4 ]

".. أما ما يتعلق بي شخصيًا فأكثر ما يهمني من تعاليم ديني هي تلك المعلومات والقواعد التي تعينني على تحقيق التكامل الروحي والعقلي.."(5).

___________________________________

(1) فاطمة تزفسكن Fatima Zuesken

فتاة من تشيكوسلوفاكيا كانت تحمل اسم (مونيكا). ولدت عام 1943م، وتخصصت في الرسم الهندسي. قرأت كثيرًا واتصلت بعدد من المسلمين الألمان، وبعد أن اقتنعت بالإسلام دينًا، أعلنت انتماءها إليه عام 1963م.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 98 – 99 .

(3) نفسه ، 2 / 99 .

(4) نفسه ، 2 / 99 .

(5) نفسه ، 2 / 100 .

آرنولد توينبي

[ 1 ]

"ما هو سر قوة الإسلام على البقاء، بقاؤه بعد وفاة رسوله، ثم زوال بناة إمبراطوريته من العرب، وانهيار من حلوا محلهم من الإيرانيين وانهزام الخلافة العباسية، وتداعي الدول التي قامت فترة على أنقاض الخلافة العباسية، يكمن التفسير في التجربة الروحية التي مرّ بها المهتدون إلى الإسلام من رعايا الخلافة الأموية من غير العرب لقد تأصلت جذور الإسلام في قلوبهم فأولوه أهمية تفوق نظرة العرب إليه. وإن كان منهم من أقبل على اعتناقه في بداية الأمر، تحقيقًا لمنافع عاجلة. ولا جرم أن عقيدة دينية توفق التوفيق كله تحت تأثير فضائلها الذاتية في الفوز بولاء الناس لها، عقيدة لا يستند بناؤها (أو زوالها) على أهواء تلك النظم السياسية التي تنشد استغلال العقيدة لتحقيق غايات تجافي مبادئها، ليعتبر انتصارها الروحاني، أعجب مثال يبين أنه وإن حلّت الكوارث بالأديان العالمية الأخرى التي سمت إلى تحقيق غايات سياسية، إلا أن الإسلام – عكسها – لم يؤثر فيه هذا الاتجاه، وهذا ما يبديه استقراء اتجاهه السياسي منذ عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] نفسه ثم في عهد خلفائه [رضي الله عنهم] من بعده. فإن هجرة النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] من مكة إلى المدينة، قد جعلت منه سياسيًا ناجحًا لامعًا، عوضًا عن بقائه بمكة.. قليل الحظ من الأتباع والأنصار"(1).

[ 2 ]

".. إن الإسلام قد أعاد توكيد وحدانية الله، في مقابل الضعف البادي في تمسك المسيحية بهذه الحقيقة الجوهرية.."(2).

[ 3 ]

"في غضون القرن السابع الميلادي، جدّ في النقاش عامل جديد، كأنه ممثل جديد ظهر على مسرح الأحداث التاريخية على نحو رائع ومثير. فقد نشأ حينئذ دين جديد مكتمل النموّ. كان الإسلام يتعصب للتوحيد ويناهض التصوير مثلما يبتغي أي يهودي، وبفضل ما حققه أنصاره في الميدان الحربي من نجاح متوال – وبعد ذلك بقليل في المجال التبشيري كذلك – واجه المسيحيون أمرًا خطيرًا جديدًا يشغل تفكيرهم.. إن انتصارات العرب المسلمين الأولين قد ألقت وقودًا جديدًا على المجادلات التي ظلت تدور أمدًا طويلاً حول (وثنية) المسيحية.."(3).

___________________________________

(1) مختصر دراسة التاريخ ، 3 / 54 – 55 .

(2) نفسه ، 3 / 164 .

(3) نفسه ، 4 / 64 .

جابا(1)

[ 1 ]

".. [لقد] تأثرت على وجه الخصوص ببساطة المجتمع الإسلامي وإحساسه بكرامته، وبالحب الإنساني المتبادل بين أفراده، كما شدّني إليه ذلك الاحترام ومبدأ المساواة المطبق فيه. وظلت شعلة الإيمان بالإسلام متقدة في قرارة نفسي بشكل مضطرد وبطيء، وأخيراً نجحت هذه النار في كسبي نهائيًا إلى الإسلام وهكذا فإن كلاً من قلبي وعقلي اليوم هما بفضل الله يشرقان بحقيقة الإسلام"(2).

".. [كنت] كلما مررت بأحد المساجد للمسلمين في الهند أفعم قلبي الإحساس بعظمة هذا المكان وقدسيته.. كان قلبي يريد الانضمام إلى جماعة المؤمنين في المسجد، وكان النداء والدافع قويًا إلى درجة أنني لم أتمالك نفسي من الدخول إلى المسجد والوقوف في صف المصلين. والحقيقة أنني لم أستطع مقاومة ذلك وظللت أفعله فترة طويلة من الزمن"(3).

[ 3 ]

"إذا أراد الناس أن يعرفوا لماذا فضلت الإسلام على سائر الأديان الأخرى بما فيها دين آبائي وأجدادي فسوف أقول لهم: أن أول ما جذبني إلى الإسلام هو بساطته وصراحته التامة. ونحن بطبيعة الحال لا نستطيع أن نعدد على أصابعنا كافة المميزات والخصائص العظمى لهذا الدين الحنيف.."(4).

[ 4 ]

".. إن مبدأ المساواة في الإسلام لا يوجد له مثيل، لا في البلشفية ولا في أي من المبادئ الأخرى.. كما أن المساواة الإسلامية تغاير تمامًا الأديان الأخرى التي تجعل للسود أماكن مستقلة للعبادة.. أما في الإسلام فالناس جميعًا سواسية كأسنان المشط.. وهم يقفون كتفًا إلى كتف في صف واحد مستقيم بين يدي الله سبحانه وتعالى في المسجد.. يعبدون ربًا واحدًا لا شريك له.."(5).

___________________________________

(1) كوفهي لال جابا : خالد لطيف جابا K. Lal Gaba

رجل سياسي ومؤلف وصحفي، ولد في مدينة لاهور، منحدرًا من أسرة هندوكية عظيمة الثراء، عالية التعليم، لها مكانتها بين الهندوس. وبعد أن أعلن إسلامه انتقل للحياة في بومبي. ومن أشهر مؤلفاته كتاب: (الأصوات العامرة)، وآخر بعنوان: (رسول الصحراء).

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 95 .

(3) نفسه ، 6 / 96 .

(4) نفسه ، 6 / 96 .

(5) نفسه ، 6 / 97 – 98 .

جاوبا(1)

[ 1 ]

"إن أول شيء شدني إلى هذا الدين هو بساطته ووضوحه التام المطلق.. والصفة الثانية التي جذبتني إلى الإسلام العظيم تلك الروح الديمقراطية الأصيلة التي يتميز بها. فالمساواة في الإسلام تختلف عنها في البلشفية التي تعمل على سحق الأغنياء لصالح الفقراء، ولا هي كالمساواة عند النصارى حيث يجلد الرجل الزنجي لا لشيء إلا لأنه وقع بصره على امرأة بيضاء. ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض. أما في الإسلام فجميع المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنيًا كان أم فقيرًا، أسودَ كان أو أبيضَ، ملكًا كان أو عبدًا. وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية راسخة بين المسلمين. ومن أجل ذلك فإن الدين الإسلامي لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في الإسلام كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضوًا في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعًا في الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة.. وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوة الإسلامية"(2).

[ 2 ]

".. إن الأمر [الآخر] الذي من أجله اخترت الإسلام هو قدرة الإسلام على التلاؤم والتكيف مع متطلبات الحياة الحاضرة، فليس هناك أي دين من الأديان المعاصرة يتمتع بمثل هذه المقدرة على حل المشكلات الحاضرة التي تواجه الإنسان في هذا الزمان.."(3).

___________________________________

(1) ك . ل . جاوبا K. L. Gauba

هندوكي مثقف، ومحامي كبير بالمحاكم العليا، درس الإسلام، ولم يرض أن يظل على دينه الذي ورثه عن آبائه وأجداده، وأخذ يقارن بين الأديان، وانتهى الأمر به إلى اعتناق الإسلام.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 3 / 83 – 84 .

(3) نفسه ، 3 / 85 .

فيليب حتّي

[ 1 ]

"الإسلام منهج حياة. وهو – بهذا النظر – يتألف من ثلاثة جوانب أساسية، الجانب الديني والجانب السياسي والجانب الثقافي. هذه الجوانب الثلاثة تتشابك وتتفاعل، وربما انقلب بعضها إلى بعض مرة بعد مرة من غير أن نلحظ ذلك"(1).

[ 2 ]

"الإسلام – بما هو دولة – وحدة سياسية تضمّ مجموعًا من المؤسسات القائمة على الشريعة، على المبادئ القرآنية، أنشأها محمد [صلى الله عليه وسلم] في المدينة، ثم تطورت في أيام خلفائه [رضي الله عنهم] على أنقاض الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) ثم بلغت هذه الدولة الإسلامية ذروة لم تبلغ إليها دولة في العصور الوسطى، ولا في العصور القديمة.."(2).

[ 3 ]

"لا سبيل إلى الموازنة بين محمد رسول الإسلام [صلى الله عليه وسلم] وبين عيسى [عليه السلام] مؤسس النصرانية (في رأي النصارى). إن محمدًا لم يكن فيه صفة ذاتية غير طبيعية ولا جاء مسيطرًا على البشر بقوة خارقة، ولكنه كان مبلغًا لرسالة ربه. ويجب أن نذكر أن هذا الرأي هو الرأي الشرعي العلمي في الإسلام.. من أجل هذا كله نجد المسلمين يأبون أن يسموا (محمديين) بالمعنى الذي يسمى به النصارى (مسيحيين)، وهؤلاء المستشرقون المتأخرون الذين لا يزالون يطلقون هذه التسمية غير المقبولة (الخاطئة) على المسلمين إطلاقًا هينًا يجب أن يعلموا أنه لا يحق لهم أن يسمّوا أمة باسم لا تحبه. إن المسلم، في اللغة، هو الذي (أسلم نفسه لله) (خضع لإرادة الله)، فالإسلام – من أجل ذلك – ليس دينًا محمديًا ولكنه دين التسليم بإرادة الله.."(3).

[ 4 ]

"الشريعة [الإسلامية] لا تفرّق بين ما هو ديني وبين ما هو دنيوي. إنها تنص على صلات الإنسان بالله وعلى واجباته نحو الله وتنظّمها كما تفعل في شأن صلات الإنسان بأخيه الإنسان. وجميع أوامر الله ونواهيه – فيما يتعلق بالأمور الدينية والمدنية وسواها – مثبتة في القرآن. وفي القرآن ستة آلاف آية أو تزيد يتعلق نحو ألف آية منها بالتشريع.."(4).

[ 5 ]

"الفقه يمكن أن ينظر إليه على أنه علم إسلامي خالص. وهو – بخلاف عدد كبير من العلوم كالرياضيات والطب والفلسفة – كله نتاج البيئة الإسلامية نفسها. ثم إننا لا نكاد نلحظ في تطوره أثرًا من الفكر الهندي الإيراني أو الفكر الهندي الأوروبي. ومؤسس علم الفقه في الإسلام لم يلتفت إلى الاستعانة بالقانون الروماني ولا بالفلسفة اليونانية.."(5).

___________________________________

(1) الإسلام منهج حياة ، ص 9 .

(2) نفسه ، ص 10 .

(3) نفسه ، ص 53 .

(4) نفسه ، ص 95 – 96 .

(5) نفسه ، ص 100 – 101 .

عامر علي داود

[ 1 ]

".. بفضل دراستي الحرّة البعيدة عن كل تعصّب مقيت أصبح إيماني بهذا الدين [الإسلام] قويًا راسخًا. لقد آمنت برسالة القرآن، وأحسست أن الإسلام هو دين الفطرة والكمال، أنزله الله على قلب آخر الأنبياء وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم. لقد اكتشفت أن الإسلام يخاطب الناس مباشرة ودون أية واسطة من أي نوع. من أجل ذلك كان هذا الدين متمشيًا مع الفطرة البشرية"(1).

[ 2 ]

"إن الإسلام يخاطب الإنسان الكامل. وهكذا أيقنت أن هذا الدين هو خير الأديان جميعًا. لقد شرعت في التحدث عن معتقداتي الجديدة، حول الإسلام والنصرانية وصارحت بها العديد من العلماء المرموقين والقسس المعروفين، وكنت صريحًا وصادقًا في مناقشاتي معهم. لقد سألت القسس لماذا يخدعون الناس بإخفاء الحقيقة ولا يخبرونهم بوضوح وصدق أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله ؟ ولما سمعوا مني ذلك غضبوا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحيروا جوابًا"(2).

___________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 118 .

(2) نفسه، 7 / 118 – 119 .

اميل درمنغم

[ 1 ]

"إن الذي أدى إلى تنافر الإسلام والنصرانية وتغلّب الإسلام على النصرانية هو ما كانت عليه النصرانية من الفساد في القرن السابع من الميلاد، وفرق النصرانية الضالة هي التي كان محمد [صلى الله عليه وسلم] شاهدًا عليها، وهو الذي لم يعرف غيرها، والمسائل المشكوك فيها الكثيرة التي مصدرها ما أدخله اليهود على التلمود وغيره.."(1).

[ 2 ]

"كان للدعوة المحمدية في جزيرة العرب أثر عظيم ثابت في تقدم الأسرة والمجتمع وفي تقدم الصحة أيضًا، فقد حسن بها مصير المرأة، وحرّم بها الزنا والمتعة وحياة الغرام، ومنع بها إكراه القيان على البغاء لإثراء سادتهن. والإسلام، وإن أباح الرق، نظم أحكامه فعدّ فك الرقاب من الحسنات ومكفرًا لبعض السيئات.."(2).

[ 3 ]

".. تُعارض الآداب الإسلامية بالنسك النصراني أحيانًا معارضة مصنوعة فالإسلام وإن بدا أكثر تسامحًا في الميل الجنسي، لم يكلف نفسًا إلا وسعها ويرى كمال العبادة في نيل الجسم حقه الشرعي، ولكن زهد الصوفية المسلمين يعدل زهد نساك جميع الأديان، ولكن الإسلام حرم الخمر وفرض الصوم الصارم الذي لم تعرف مثله ديانة أخرى، ولكن المسلمات ملزمات بهندام وزي يبتعدان كثيرًا عن الأزياء الأوروبية العصرية، فمن العبث إذن أن يزعم وجود فروق كبيرة بين الأدبين مع اختلاف في النظر والعمل وتباين في النظريات نفسها.."(3).

[ 4 ]

"كان كثير من المسلمين يكثرون من التوبة والاستغفار والصلاة والصوم، فرأى محمد [صلى الله عليه وسلم] أن القصد أولى من الإفراط. فأشار بالاعتدال في التقشف وبترك كل ما يميت النفس، وحدث أن بعضهم قادوا أنفسهم إلى الحج بربط أنوفهم بأرسان الجمال فقطع محمد [صلى الله عليه وسلم] هذه الأرسان لأن الله ليست له حاجة بجدع الأنوف"(4).

[ 5 ]

"على ما تراه في دعوة النبي [صلى الله عليه وسلم] من المبادئ الأخروية لم يأل النبي جهدًا في تنظيم المجتمع الإسلامي تنظيمًا عمليًا، فكان القرآن كتاب شريعة كما كان مثل كتاب الزبور"(5).

___________________________________

(1) حياة محمد ، ص 137 .

(2) نفسه ، ص 290 .

(3) نفسه ، ص 292 .

(4) نفسه ، ص 297 – 298 .

(5) نفسه ، ص 297 – 298 .

م. ح . دُرّاني

[ 1 ]

"أكثر ما استهواني إلى الإسلام كان ولا يزال جوانبه العملية. فإذا أردت أن تشاهد علاقة الحب الحقيقية التي تقول (أحبب جارك مثلما تحب نفسك) فستجدها في أخوة الإسلام لا في الكنيسة حيث يسعى الباب والمطارنة والأساقفة وغيرهم وراء السلطة مستخدمين اسم الله كمبرر لما يفعلون"(1).

[ 2 ]

"الإسلام لديه النظام والقانون والأخلاق جميعًا، فالطقوس الدينية المفروضة على الأشخاص لها هدف خلقي.. فهي تهدف إلى تنظيم الفرد خلقيًا وروحيًا بطريقة معقولة، كما تهدف إلى تطهير عقله وتنقيته وكذلك تقويته كي يؤدي واجباته تجاه الآخرين الذين يعيشون معه. فالإسلام هو الدين الوحيد من حيث كونه نظريًّا وعمليًّا، لا يطلب من المرء أن يؤمن بمبادئ هامدة وأسرار غامضة كما هو الحال في الديانة النصرانية. إذ أن الإسلام يتقبل جوانب الحياة الروحية والمادية على حدّ سواء، ويضع كلاً في موضعه اللائق به، ويقيم فلسفته على أساس أن تغطي كافة جوانب السلوك الإنساني"(2).

[ 3 ]

".. الإسلام، بادئ ذي بدء، يركز أعظم تركيز على النظافة الشخصية والصحية لا نظافة المناسبات والمراسيم، فالاستحمام الإسلامي كما هو معروف، يختلف كثيرًا الاستحمام لدى الآخرين. والمسلمون يمتنعون عن أطعمة معينة تبعًا لأثرها الضار بأخلاق الناس، ويحرم الإسلام المشروبات المسكرة لأنها تحيل الإنسان إلى وحش. والصلوات الخمس اليومية تنأى بالمرء عن الخبث والآثام. ثم هناك شهر للصوم يمتنع المسلم فيه عن الطعام والشراب وحتى التدخين طوال النهار، وهو دورة رائعة للنظام يتدرب فيه المسلم ويقوي نفسه للصمود في وجه الشدائد.. ويصير سيدًا لشهواته ونزواته، فالرجل الذي تعلم أن ينتصر على شهواته ورغباته وأن يقود نفسه هو رجل قوي.."(3).

[ 4 ]

"على صعيد القانون، في مجال العدل والإنسانية، وفي مجال الحكمة والشفقة، فإن قانون الإسلام لا مثيل له بين أديان العالم. فهو يحدد واجبات الفرد تجاه أقاربه وذويه وجيرانه وعائلته وتجاه المجتمع والأمة التي ينتمي إليها. والقانون في الإسلام واسع اتساعًا لا سبيل معه إلى شرحه في بضعة سطور. وسأكتفي بإبراز صفتين من صفاته تحققان الغرض المطلوب في هذه العجالة. فالدعامة الأولى للقانون الإسلامي تتمثل في أنه يقوم على أساس من المساواة والضمير الحيّ وليس على أي اعتبارات عقلية غريبة عليه. وهذا يعني تناسبه وانسجامه مع تغير الزمان وصلاحيته لكل وقت. وهذا صفة كامنة فيه وبذلك فهو جديد وحديث لا يبلى بمرور الزمان ولا يمكن أن يصبح قديمًا أو أن يعفي عليه الدهر. وأما الصفة الثانية فهي أن القانون الإسلامي لا يقيم وزنًا للأشخاص والذوات الشخصية، ولا يعترف بأية امتيازات أو طبقات أو تمييز بسبب المولد أو الغنى أو المكانة. فالملك والفلاح والسائل والعريض الثراء، كل هؤلاء يقفون على قدم المساواة أمام القانون الإسلامي. وهنا أيضًا لا يوجد أي قانون حتى في القرن العشرين يمكن أن يضاهي القانون الإسلامي. فهناك مئات الشواهد التي يزخر بها التاريخ الإسلامي والتي تذكر لنا كيف كان الملوك المسلمون يأتون مذعنين لأوامر القضاة.. والوقوف مع خصومهم جنبًا إلى جنب للدفاع عن أنفسهم في قضايا شتى. حتى إن النبي الكريم نفسه صلى الله عليه وسلم أعلنها ذات مرة بقوله: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها" "(4).

___________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 31 .

(2) نفسه ، 4 / 33 .

(3) نفسه ، 4 / 33 – 34 .

(4) نفسه ، 4 / 34 – 35 .

دافيد دي سانتيلانا

[ 1 ]

"ذلكم هو شكل النظام الجديد الذي دعا إليه محمد [صلى الله عليه وسلم].. ونحن نجد في ظله أن قيمة الفرد بدأت تتضح وكينونته البشرية أخذت تبرز إلى عالم الوجود فصار يستمد حقوقه وواجباته من إيمانه ويستقيها من معين دينه لا من روابطه الاجتماعية والعرفية. فمن جماعة المؤمنين هؤلاء تكون المجتمع الإسلامي"(1).

[ 2 ]

".. إن أساس الوحدة الاجتماعية يمثله (الله) في الإسلام. فالله هو الاسم الذي يطلق على السلطة العاملة في حقل المصلحة العامة. وعلى هذا المنوال يكون بيت المال هو (بيت مال الله)، والجند هم (جند الله)، حتى الموظفون العموميون هم (عمال الله) وليست العلاقة بين الله والمؤمن بأقل قوة من ذلك ولا يوجد بين المؤمن وربه (وسيط)، وما دام الإسلام لا يقرّ بسلطان كنسي وكهنوتي ولا يعترف بأسرار كنيسة مقدسة، فأي فائدة ترتجى من الوسيط بين الإنسان وبين خالقه الذي كان يعرفه قبل أن يبدعه والذي هو {أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق~ 6]. إن الله بعد أن أرسل إلى البشر خاتمة أنبيائه وكلمته النهائية، لم يعد ثم من ينطق بلسانه أو يعرف عن إرادته. الإنسان وحده ماثل أمام الله في حياته وموته وله أن يخاطبه رأسًا بلا وسيط، أو شفاعة أو (إجراءات).. والإنسان من فجر حياته حتى موته تحت أنظار الله وهو وحده يمثل أمام الله يوم الحشر.. إن اشد المذاهب البروتستانتية صرامة إنما تكاد تكون مذهبًا كهنوتيًا صرفًا إذا ما قورنت بعقيدة التوحيد الراسخة التي لا تلين ولا تتزعزع ولا تسمح بالتدخل بين الخالق والمخلوق.."(2).

[ 3 ]

"إن مبادئ [الإسلام] القانونية على تعدد أشكالها، تؤول إلى غاية واحدة هي الرفاه العام (المصلحة). لذلك فليس لهذا القانون: الإلهي مصدرًا والبشري هدفًا، إلا سعادة البشر ورفاهه. والعين النافذة لا يمكن أن تخطئ رؤية هذه الغاية وإن شق عليها أن تتبينها لأول وهلة. لأن الله لا يمكن أن يعمل شيئًا لا تتجلى فيه الحكمة والرأفة اللتان هما باعثاه الأساسيان. لما كان البشر من روح وجسد فلابد أن يكون للمرء اتجاهان في الحياة: اتجاه روحي واتجاه جسدي (مادي ومعنوي) وعلى هذا الأساس كانت القواعد (الحدود) الإلهية التي وضعها الله لتدبير البشر منقسمة إلى قسمين: ما يتعلق منها بالروح وما يختص منها بالجسد. فالدين والقانون هما نظامان متباينان لكنهما متلاحمان يتم أحدهما الآخر باتحادهما في المصدر والغرض وهو سعادة البشر ورفاهه"(3).

[ 4 ]

"عبثًا نحاول أن نجد أصولاً واحدة تلتقي فيها الشريعتان الشرقية والغربية (الإسلامية والرومانية) كما استقر الرأي على ذلك. إن الشريعة الإسلامية ذات الحدود المرسومة والمبادئ الثابتة لا يمكن إرجاعها أو نسبتها إلى شرائعنا وقوانيننا لأنها شريعة دينية تغاير أفكارنا أصلاً.."(4).

"لما كان الشرع الإسلامي يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلافًا لشريعتنا من بعض الوجوه. ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي.. وتستند إلى اللغة.. إنها ليست جامدة، ولا تستند إلى مجرد العرف والعادة، ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا الرأي. فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست بالشيء الجامد الذي لا يقبل التغيير. إنها لا تشبه قواعد النحو والمنطق. ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة عامة.. إن المنفعة هي مبدأ الفقهاء والمشرعين، ولقد أدرك العرب بوضوح تام سرّ هذه المرونة وهو الاستعمال بلا ريب.. أن هذا التفاعل المستمر [للفقه] في الحياة يمكن تتبعه في مسالك التاريخ الإسلامي.."(5).

___________________________________

(1) تراث الإسلام ، ( إشراف سيرتوما آرنولد )، ص 406 .

(2) تراث الإسلام ، ص 409 – 410 .

(3) تراث الإسلام ، ص 413 – 414 .

(4) نفسه ، ص 431 .

(5) نفسه ، ص 433 – 434 .

هنري دي كاستري

[ 1 ]

".. وجعلتُ أشاهد حركات المصلين وأسمعهم يكررون بصوت مرتفع الله أكبر، الله أكبر، فكان هذا الاسم الإلهي يأخذ من ذهني مأخذًا لم يوجده فيه درس الموحدين ومطالعة كتب المتكلمين.. وكنت أشعر بأنهم في صلاتهم [تلك] أرفع مني مقامًا وأعزّ نفسًا.. وهم يكررون إلى ربهم صلوات خاشعة تصدر عن قلوب ملئت صدقًا وإيمانًا.. فأحسست أنني منجذب بحلاوة الإسلام كأنني أول مرة شاهدت في الصحراء قومًا يعبدون خالق الأكوان.."(1).

[ 2 ]

".. (لا إله إلا الله) ذلك هو أصل الاعتقاد بإله فرد ورب صمد منزه عن النقائص يكاد العقل يتصوره وهو اعتقاد قوي يؤمن به المسلمون على الدوام ويمتازون به على غيرهم من القبائل والشعوب، أولئك حقًا هم المؤمنون.. ولقد يستحيل أن يكون هذا الاعتقاد وصل إلى النبي [] من مطالعته التوراة والإنجيل، إذ لو قرأ تلك الكتب لردّها لاحتوائها على مذهب التثليث وهو مناقض لفطرته مخالف لوجدانه، فظهور هذا الاعتقاد بواسطته دفعة واحدة هو أعظم مظهر في حياته وهو بذاته أكبر دليل على صدقه في رسالته وأمانته في نبوته"(2).

[ 3 ]

"إن دين الأنبياء [عليهم السلام] كان كله واحدًا فهم متحدون في المذهب منذ آدم إلى محمد [عليهما السلام] وقد نزلت ثلاثة كتب سماوية وهي الزبور والتوراة والقرآن. والقرآن بالنسبة إلى التوراة كالتوراة بالنسبة إلى الزبور وإن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] بالنظر إلى عيسى كعيسى بالنظر إلى موسى [عليهما السلام] ولكن الأمر الذي تهم معرفته هو أن القرآن آخر كتاب سماوي ينزل للناس وصاحبه خاتم الرسل فلا كتاب بعد القرآن ولا نبي بعد محمد [صلى الله عليه وسلم] ولن تجد بعده لكلمات الله تبديلاً. إذا تقرر هذا لم يعد هنالك وجه للاستغراب من وجود بعض التشابه بين القرآن والتوراة، فمحمد [صلى الله عليه وسلم] كعيسى [عليه السلام] قال إنه بعث ليتم رسالة من قبله لا ليبيدها فلم يكن من أمره الابتعاد عمن تقدمه ولذلك كان يصرح على الدوام بأنه يعيد على الناس ما نزل على الأنبياء من قبله.. على أن بعض المشابهات لا تحتاج إلى مثل هذا التفسير إذ نفس محمد [صلى الله عليه وسلم] كانت متأثرة بما تأثرت به نفوس الأنبياء من بني إسرائيل، وكان يعبد الله الذي عبدوه فلا عجب أن تشابهت ألفاظ التضرّعات وتجانست أصوات الدعاء"(3).

[ 4 ]

"لقد كان فكر النبي [صلى الله عليه وسلم] في الألوهية من أرفع الأفكار وأسماها، ولكنه تسامح للناس كثيرًا في رغباتهم وما كانوا إليه يميلون. نعم يجب على الرجل أن يعتقد ويعبد الله، ولكن لا يجب عليه أن يحارب نفسه ويعذبها العذاب الأليم ليقهرها.. ومع ذلك فمن الشهوات ما نهى النبي [صلى الله عليه وسلم] عنه وأمر بمجاهدة النفس فيه. فقد حرم على المسلمين شرب الخمر وكل شراب يؤثر مثله، وقد بالغ المسلمون في العمل بهذا النهي، فكان من وراء ذلك أن نجت الأمم الإسلامية من مرض المسكرات وهي الداهية التي تفجع اليوم أممًا كثيرة من المسيحيين، وكانت إحدى الأسباب في اضطراب المجتمع الإنساني وظهور مذهب الفوضويين مما تجهله الأمم الإسلامية. هكذا جذب الإسلام قسمًا عظيمًا من العالم بما أودع فيه من إعلاء شأن النفس بتصور الذات الإلهية على صفات فوق صفات البشر تذكرها خمس مرات في كل يوم، وبما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر حيث أتاح للناس شيئًا مما يشتهون"(4).

[ 5 ]

".. إن الرابط عند المسلمين هي أشد قوة منها لدى غيرهم من الأمم التي تدين بدين واحد، لأن القرآن شريعة دينية وقانون مدني وسياسي.."(5).

___________________________________

(1) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 2 – 3 .

(2) نفسه ، ص 17 – 18 .

(3) نفسه ، ص 23 – 24 .

(4) نفسه ، ص 13 .

(5) نفسه ، ص 105 – 106 .

إيتين دينيه

[ 1 ]

".. إن الأمم الإسلامية على اختلاف جنسياتها وبلدانها قد طبعها الإسلام بطابعه الواضح المحسوس. بل إن آثاره لا تزال باقية في أهل أسبانيا وإن كانوا قد ارتدوا عنه منذ خمسة قرون"(1).

[ 2 ]

"إن الإسلام [هو] عقيدة التوحيد الإلهية العليا، وله تلك المبادئ السامية التي تقوم عليها تلك العقيدة.. [ونحن نطلب] من خصومنا أن يدلونا عليها في الإنجيل أو في كتاب مقدس آخر إن كانوا صادقين"(2).

[ 3 ]

".. إن الإسلام منذ البداية في أيامه الأولى قد أخذ في محاربة الخرافات والبدع، وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا هذا"(3).

[ 4 ]

"كما أن الإسلام قد صلح منذ نشأته لجميع الشعوب والأجناس فهو صالح كذلك لكل أنواع العقليات وجميع درجات المدنيات.. وبينما تجد الإسلام يهيج من نفسه الرجل العملي في أسواق لندن حيث مبدأ القوم (الوقت من ذهب) إذ هو يأخذ بلب ذلك الفيلسوف الروحاني، وكما يتقبله عن رضا ذلك الشرقي ذو التأملات.. إذ يهواه ذلك الغربي الذي أفناه الفن وتملكه الشعر"(4).

[ 5 ]

"عندما رفع الله إليه مؤسس الإسلام [صلى الله عليه وسلم] كان هذا الدين القويم قد تمّ تنظيمه نهائيًا، وبكل دقة، حتى في أقل تفاصيله شأنًا"(5).

___________________________________

(1) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 15 .

(2) نفسه ، ص 15 .

(3) نفسه ، ص 18 .

(4) نفسه ، ص 38 .

(5) نفسه ، ص 315 .

ول ديورانت

[ 1 ]

"تلك بلا مراء عقيدة نبيلة سامية ألفت بين الأمم المتباينة المنتشرة في قارات الأرض فجعلت منها شعبًا واحدًا، وهي لعمري أعظم معجزة للمسيحية والإسلام"(1).

[ 2 ]

".. إن الذين يجهلون الإسلام هم وحدهم الذين يظنون أنه دين سهل من الوجهة الأخلاقية.. وليس في التاريخ دين غير دين الإسلام يدعو أتباعه على الدوام إلى أن يكونوا أقوياء، ولم يفلح في هذه الدعوة دين آخر بقدر ما أفلح فيها الإسلام.."(2).

[ 3 ]

".. كانت مبادئ [المسلمين] الأخلاقية، وشريعتهم، وحكومتهم، قائمة كلها على أساس الدين. والإسلام أبسط الأديان كلها وأوضحها، وأساسه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.."(3).

[ 4 ]

".. أُحِلّ للمسلمين أن يستمتعوا بالحلال من طيبات الحياة على شريطة ألا يسرفوا فيها. ولكن الإسلام كغيره من الأديان يدعو المسلمين إلى الصوم ليقوى بذلك إرادتهم من جهة، ولتصحّ به أجسامهم من جهة أخرى.."(4).

[ 5 ]

"لفريضة [الحج] العظيمة أغراض وفوائد كثيرة. فهي تقوي إيمان المسلمين واستمساكهم بدينهم، وتمكن الصلة بهذا العمل العاطفي الجماعي بين المسلم ودينه وبينه وبين إخوانه المؤمنين.. فالحج وما ينطوي عليه من مناسك التقى والورع يجمع أبناء الشعوب الإسلامية كافة، يرتدون كلهم ثيابًا بسيطة واحدة، ويتلون كلهم أدعية واحدة بلغة واحدة وهي اللغة العربية، ولعل هذا هو السبب في ضعف حدة الفوارق العنصرية في الإسلام.."(5).

____________________________________

(1) قصة الحضارة ، 13 / 66 .

(2) نفسه ، 13 / 67 – 68 .

(3) نفسه ، 13 / 116 .

(4) نفسه ، 13 / 123 .

(5) نفسه ، 13 / 127 – 128 .

راموني(1)

[ 1 ]

"لم يكن لي خيار من المقارنة بين مبدأ توحيد الله في التصور القرآني وبين اعتقادي في الثالوث كمسيحي. فوجدت أن المبدأ الأخير أدنى بكثير من المبدأ الإسلامي. ومن تلك البقعة بالذات بدأت أفقد الثقة في الديانة المسيحية على اعتبار أن الإيمان بالله هو أول وأهم مبدأ في أي دين من الأديان فإذا كان إيماني بالله خاطئًا بالمفهوم الديني الصحيح، فمعنى ذلك أن كل نشاط آخر يصبح عبثًا لا جدوى منه ولا معنى له"(2).

[ 2 ]

".. إنني على يقين تام من أن الإسلام يعزز مبادئه وتعاليمه بالحجج المنطقية على النقيض من الأديان الأخرى. وهكذا فعلى الرغم من الجهود الضخمة التي تبذلها الأديان المختلفة الأخرى فقد عجزت تمامًا عن منافسة الإسلام، ناهيك عن سبقه إلى قلوب الناس.. كما أن الملاحظ أن جميع الدعوات الأخرى في انحسار دائم أمام عظمة الإسلام"(3).

[ 3 ]

"إن الإسلام هو أعظم الأديان ملاءمة لجيلنا المتحضر ولكل جيل. فالإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا بحيث تتحول الحياة إلى طريقين مختلفين تمامًا، وهذا يشكل خلاصة الأزمة المعاصرة للإنسان. لقد اعتنقت الإسلام لأنه دين طبقات الناس جميعًا، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، دين الأحرار والعبيد، والسادة والمسودين"(4).

___________________________________

(1) ناجيمو راموني Najimu Ramoni

من غانا، بإفريقية الغربية، ولد لأبوين مسيحيين، عضوين في كنيسة البعثة المعمدانية، وتلقى تعليمه في المدارس التبشيرية، ولما بلغ العشرين بدأ مهمته كمبشر متحمّس، لكنه عثر يومًا على كتاب عن الإسلام قدمه إليه أحد أصدقائه فاهتزّت قناعاته بالنصرانية أمام صدق الإسلام ووضوحه ودقته المعجزة، واستمر في طريق البحث عن الحق حتى خريف عام 1963 حيث أعلن إسلامه.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 9 / 54 – 55 .

(3) نفسه ، 9 / 57 .

(4) نفسه ، 9 / 57 – 58 .

ركويل(1)

[ 1 ]

"لقد جذبني إلى الإسلام عوامل كثيرة لا أستطيع حصرها أو الوقوف عليها جميعًا، لأن منها الظاهر الجليّ الذي لا يماري فيه إنسان، ومنها الباطن الخفي الذي يغوص في أعمال الروح ويكمن في خبايا الضمير. لقد قرأت عن الإسلام وقرأت عن القرآن وشيئًا من سيرة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام فلفت نظري الشيء الكثير. لفت نظري بساطة العقيدة الإسلامية وسهولتها، فليست هناك أسرار ولا ألغاز تؤمن بها ولا تناقشها ، بل مردّ الإيمان إلى العقل والنظر في ملكوت الله ، وما في الكون من نظام بديع يهدي ضرورة إلى وجود إله معترف له الخلق والأمر"(2).

[ 2 ]

".. إذا عرفت الله وآمنت بوجوده فالإسلام يقول لك إن الله أقرب إليك من حبل الوريد.. فلا ضرورة إذن للوسيط بينك وبين خالقك، ولا حاجة إلى كاهن تعترف له فيقبل التوبة منك، أو هيكل لا تتم العبادة إلا فيه.."(3).

[ 3 ]

".. أن الجانب الإنساني في الإسلام واضح ملموس، فالناس سواء أمام الله، وإن اختلفوا في حظوظ الدنيا ومتاعها، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.."(4).

___________________________________

(1) دونالد ركويل : محمد عبد الله D. Rikwell

من مواليد تيلور فيل، بالولايات المتحدة الأمريكية، تلقى تعليمه في مدرسة سبرنج فيلد العليا بواشنطن، ثم أتم دراساته في جامعات واشنطن وكولومبيا، حيث نال جوائز علمية كثيرة. وهو شاعر، وناقد أدبي، وكاتب صحفي، اعتنق الإسلام بعد أن لم تقنعه عقيدته النصرانية.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 9 .

(3) نفسه ، 7 / 9 – 10 .

(4) نفسه ، 7 / 10 .

رودريك(1)

[ 1 ]

".. لم يمض وقت طويل حتى أيقنت أن هذا الدين – الإسلام – هو الدين الحق بالمقارنة بكافة الأديان الأخرى"(2).

[ 2 ]

".. الاعتقاد الإسلامي بوحدانية الله، وهو حجر الزاوية بالنسبة للإسلام، أقرب إلى العقل والمنطق من مبدأ التثليث مثلاً. إذ أن فطرتي استساغت الإيمان بالله الواحد.."(3).

[ 3 ]

".. لقد أعجبني كثيرًا موقف الإسلام من الأديان الأخرى [حيث] نجد أن الإسلام ينظر إلى الأديان الكبرى في العالم بأن لها أصلاً سماويًّا واحدًا، وهذا نوع من الاعتراف والتقدير للأديان الأخرى، وهو أقرب إلى المنطق والتسامح من الموقف النصراني الذي يصف كافة الديانات الأخرى غير النصرانية بالوثنية.."(4).

[ 4 ]

"[إن تعاليم الإسلام الخلقية تحقق امتزاجًا تامًا بين المثالية والواقعية، فيستطيع الإنسان بفضلها أن يتعرف إلى الله، ويصبح ربانيًا، بينما يكون منهمكًا في شؤون حياته اليومية.. وليس في الإسلام أي فصل بين الدين والسياسة، فمن واجب الدولة المسلمة أن تراعي معاملاتها نفس المبادئ الخلقية المفروضة على الأفراد. فالسياسة في الإسلام أخلاق أولاً وقبل كل شيء. وهذا ينعكس بالطبع على موقف الدولة المسلمة الحقة من الناس جميعًا ومن الدول الأخرى من حولها وهكذا فليس في الإسلام أي مجال للظلم أو الاستغلال من أي نوع، كما أنه لا سبيل إلى قيام شيء يشبه الاستعمار أو الرأسمالية أو الاغترار بالقوة الباغية ولا مجال لقيام صراع طبقي أو حرب جائرة معتدية.."(5).

[ 5 ]

"لقد تأثرت أعظم التأثر بمبدأ الأخوة في الإسلام الذي يشمل كافة بني البشر بصرف النظر عن اللون أو العنصر أو المعتقد. فالإسلام هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يحقق هذا المبدأ العظيم في الواقع العملي، فالناس جميعًا متساوون ومبدأ الأخوة مقدم على كل اعتبار آخر"(6).

___________________________________

(1) بيجي رودريك Peggy Raderik

شاب هندي، نشأ في ظل الاستعمار البريطاني للهند، وكان نصرانيًا فأسلم في منتصف الأربعينات رغم التربية التبشيرية التي تلقاها على يد النصارى الذين كانوا منتشرين في شبه القارة الهندية.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 112 .

(3) نفسه ، 6 / 112 .

(4) نفسه ، 6 / 112 – 113 .

(5) نفسه ، 6 / 114 .

(6) نفسه ، 6 / 116 .

مكسيم رودنس

[ 1 ]

"أصبح الناس – في الوقت الذي نتكلم عنه – يستطيعون رؤية الدين الذي كان ينافس المسيحية، بنظرة محايدة بل بشيء من التعاطف، ولعلهم كانوا يبحثون فيه بصورة لا شعورية (ويجدون فيه بالطبع) نفس قيم الاتجاه العقلاني الجديد الذي كان مخالفًا للمسيحية. ففي القرن السابع عشر انبرى كثير من الكتاب للدفاع عن الإسلام ضد الإجحاف الذي ناله في العصور الوسطى وضد مجادلات المنتقصين من قدره، وأثبتوا قيمة وإخلاص التقوى الإسلامية.. وانتقل الجيل التالي من الموضوعية إلى مرحلة الإعجاب.. فكان ينظر إلى الإسلام كدين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل.. ثم إنه وفق بين الدعوة إلى حياة أخلاقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة في المجتمع. وخلاصة القول فهو كدين كان قريبًا جدًا من الدين الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم (رجال عصر التنوير).."(1).

[ 2 ]

".. ظهر الإسلام لبعض أولئك [اليساريين الأوربيين] على أنه في جوهره عامل (تقدمي) بطبيعته، بل اعتنق بعضهم ذلك الدين الإسلامي.."(2).

[ 3 ]

"في أكتوبر 1965 أشاد مجلس الفاتيكان المسكوني (بالحقائق) التي جاء بها الإسلام والتي تتعلق بالله وقدرته ويسوع ومريم والأنبياء والمرسلين [عليهم السلام].. ولقد أعجب بعض المسيحيين بالقيمة الروحية الدينية الإسلامية وأزعجتهم مواقف الظلم التاريخية التي وقفتها شعوبهم من الإسلام.."(3).

___________________________________

(1) تراث الإسلام (تصنيف شاخت وبوزوث)، 1 / 64 – 66 .

(2) نفسه ، 1 / 94 .

(3) نفسه ، 1 / 95 .

فرانز روزنثال

[ 1 ]

"عندما ظهر الرسول [صلى الله عليه وسلم] كانت اليهودية والنصرانية منتشرين في الجزيرة ولهما آراء متشابهة في التفسير التاريخي للحياة الإنسانية غير أن الدين الإسلامي الذي بشر به الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان يتميز بالوضوح والقدرة على تفهم أسس هذا الوجود بصورة واضحة جدًا ومن غير تعسّف. والواقع أن مفاهيم الإسلام أوضح وأقل جمودًا من ناحية العقيدة، ومن مفاهيم اليهود والنصارى الدينية"(1).

___________________________________

(1) علم التاريخ عند المسلمين ، ص 39 .

جاك ريسلر

[ 1 ]

".. إن هذا الكتاب يمكن أن يتيح لمن يتصفحونه أن يدركوا على أفضل وجه ما الروح الإسلامية، وكيف صيغت هذه الروح على مر العصور. لقد وقف الرجل الغربي تجاه العالم العربي في حيرة وكأنه أمام سرّ غامض، فلم يكن مألوفًا له أي رد فعل من ردود الفعل الإسلامية، ولم يدرك كل نهج في وجود هذه الروح وفي الإحسان بها وفي قوتها الدافقة"(1).

[ 2 ]

"في سعي الإسلام إلى (المطلق) نبذ - لشدة عنايته بوحدة الله ووحدانيته - عقيدة الثالوث المقدس مبتعدًا في ذلك عن المسيحية التي كان يتهمها بنوع من الشرك لاعتقادها في ألوهية ثلاثة أشخاص. ولقد احترم الإسلام احترامًا نادر المثال تاريخ الأديان فاعترف بأن الكتب المقدسة لليهود والنصارى منزلة [قبل أن يمسها التحريف].. وقد أشار النبي [صلى الله عليه وسلم] للدلالة على صدق رسالته إلى ما بين القرآن والكتاب المقدس من توافق وحَثّ بكل تسامح وقوة إدراك في الوقت نفسه، اليهود على إطاعة شريعتهم، والمسيحيين على إطاعة أناجيلهم، وعلى أن يرتضوا القرآن، خاتم الكتب المقدسة والدين الإسلامي خاتم الأديان المنزلة"(2).

[ 3 ]

"كانت الزكاة قبل كل شيء عملاً تعاونيًا حرًا وإداريًا ينظر إليه على أنه فضيلة كبرى. وفي تنظيم جماعة (المدينة) اعتد النبي [صلى الله عليه وسلم] هذا العمل الخير كضريبة شرعية إجبارية لصالح الفقراء والمعوزين. وسيتحول فيما بعد هذا النظام وسيتولد عنه هيئة من موظفين وبيت مال.. لكن إذا كانت الدولة قد صنعت هذا العمل الخيّر مصدرًا لمواردها، فإن مبدأ الزكاة ظل – بفضل القرآن – فضيلة مارسها المسلمون تلقائيًا بوصفه واجبًا دينيًا. وينبغي أن نزجي الثناء لمحمد [صلى الله عليه وسلم] فقد كان أول من شرع ضريبة تجبى من الأغنياء للفقراء، هكذا أوجد القرآن الرحمة الإجبارية"(3).

[ 4 ]

".. الدين الإسلامي ليست له قرابين مقدسة ولا طقوس، والصلاة صلته المباشرة بين الله والمؤمنين.. وفي المسجد ينبض قلب الإسلام.. وفي أرجائه يحس المرء إحساسًا حيًا أنه بحضرة الله . الحق أنه لا شيء في المسجد إلا البساطة.. والجمال والتجانس.."(4).

[ 5 ]

".. على الرغم من تنوع الأجناس والشعوب التي تشكل الإسلام، كان المسلمون يبينون سلفًا عن خصائص متشابهة، وعلى الرغم من كل ما يمكن أن يفرّق بين حضر وبدو، أغنياء وفقراء، كانوا يسلكون تقريبًا مسلكاً واحدًا. ذلك أن أية عقيدة تقوم على أسس ثابتة تحدث ردود فعل مماثلة عند أقوام متفاوتة. وقد وضع روح القرآن قواعد التصرفات اليومية للناس، وخلق الجو المعنوي للحياة، حتى تغلغل شيئًا فشيئًا في الأفكار فانتهى بتشكيل متناسق للعقليات والأخلاق. كما كان تأثير الدين عظيمًا بسبب انتشار اللغة، وبسبب نتائج السياسة الخارجية المشتركة، وكذلك بسبب نتائج نظام اجتماعي معمّم"(5).

[ 6 ]

".. إن اسم الإسلام يمكن أن يؤخذ على ثلاثة معان مختلفة: المعنى الأول دين، والثاني دولة، والثالث ثقافة، وبالاختصار حضارة فريدة"(6).

___________________________________

(1) الحضارة العربية ، ص 1 (مقدمة الكتاب).

(2) نفسه ، ص 7 – 8 .

(3) نفسه ، ص 34 .

(4) نفسه ، ص 36 .

(5) نفسه ، ص 50 .

(6) نفسه ، ص 67 .

جورج سارتون

[ 1 ]

".. [ثمة] حادثة واحدة من أخصب الحوادث نتائج في تاريخ الإنسانية ألا وهي ظهور الإسلام.."(1).

[ 2 ]

"كانت الهجرة حدًا فاصلاً في حياة الرسول [صلى الله عليه وسلم]، وفي تاريخ الدين الجديد. إنها البدء الرسمي للإسلام كدين ودولة معًا.."(2).

[ 3 ]

"ليس في أركان الإسلام [الخمسة] شيء ينفر منه غير المسلم وعلى الرغم من بساطة هذه الفروض وقلة عددها فإنه لم يكن بالإمكان إدخال إصلاح ما عليها يقود إلى أن تثبت العقيدة الإسلامية في نفسه كل مسلم أو تقوى بعد ثبوتها ثم يسهل انتشارها فوق ما ثبتت وقويت وانتشرت فعلاً. إن القيمة العملية للعقيدة الإسلامية لها دليل ذاتي من قوتها ورسوخها وانتشارها.."(3).

[ 4 ]

".. إن فرض الصيام في كل نهار من مطلع الفجر إلى غياب الشمس شهرًا كاملاً كان امتحانًا قاسيًا لكل مسلم.. ولكنه كان وسيلة بارعة لسبر غور الإيمان في صدر كل مسلم ولتثبيت ذلك الإيمان أيضًا.. ولقد أدرك الإسلام الحاجة إلى تنظيم شديد كيما يقوى إيمان المسلمين وتتطهر قلوبهم. من أجل ذلك كان شهر الصيام والحج من التمارين التي تحمل على هذا التنظيم وتقوم به أحسن قيام، إن كثيرًا من كنائسنا نحن قد ضعفت إلى درجة التفاهة لتساهلها ولفقدان التنظيم فيها ولقلة ما تفرضه على أتباعها. إن اتباع هذه الكنائس إذا دفعوا اشتراكاتهم (بدل جلوسهم على مقاعد الكنيسة) عدوا من المؤمنين حقًا. إن مثل هذه الكنائس قد تكون غنية، ومع ذلك فإنها، من حيث التأثير، في حكم المفقودة. فإذا كنتم تريدون أتباع كنائس ذوي إيمان فعليكم أن تفرضوا عليهم نظامًا شديدًا وأن تطلبوا منهم تضحيات حقيقية. ولقد عرف محمد [صلى الله عليه وسلم] ذلك جيدًا، وهذه علامة [أخرى] من علامات عبقرية النبوة فيه"(4).

[ 5 ]

".. [ما تميز به الإسلام] من السماحة والبساطة والاعتدال، يسرّ لأي إنسان في أي موطن، أن يتقبله وينفذ إلى روحه وجوهره منذ اللحظة الأولى.."(5).

[ 6 ]

".. كان النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] أشمل في دعوته وأعمق من كل من سواه من الأنبياء"(6).

[ 7 ]

".. حرم الإسلام الخمر في مطلع دعوته، وها نحن اليوم بعد أن انتشرت الخمور وزادت نسبة الكحول فيها إلى درجة فتاكة ندرك حكمة الإسلام وبعد نظره.."(7).

___________________________________

(1) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 28 .

(2) نفسه ، ص 30 .

(3) نفسه ، ص 32 .

(4) نفسه ، ص 40 – 42 .

(5) الشرق الأدنى : مجتمعه وثقافته ( بإشراف كويلر يونغ )، ص 140 .

(6) نفسه ، 140 .

(7) نفسه ، ص 140 .

يوجينا ستشيجفسكا

[ 1 ]

"ليس معنى الإيمان بالقضاء والقدر أن يترك المسلم العمل لأن القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم أمرا بالعمل والاجتهاد في كل شيء . وقال الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة 105].."(1).

[ 2 ]

"فرض الله سبحانه وتعالى على المسلم خمس صلوات في اليوم ليكون دائم الاتصال بالله، وقبل أن يدخل المسلم الصلاة لابدّ أن يكون طاهرًا ونظيفًا فالإسلام دين النظافة"(2).

[ 3 ]

"كان تاريخ التشريع في عهد الخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم] يعتمد على الشورى، وأساسها قول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران 159]، وكذلك فعل الرسول [صلى الله عليه وسلم] مع أصحابه، فقد كان يستشيرهم في الأمور التي لم ينزل فيها عليه وحي"(3).

[ 4 ]

"كان الفقه مدار سياستهم وروح حياتهم وبه تدبير ملكهم . وكانت حركة الإسلام سريعة الانتشار حتى عمت المشارق والمغارب لأن الإسلام يأمر أهله بالوقوف عند حدود الشريعة وبصيانة حقوق الخلق أجمعين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين . فكان للفقه (علم التشريع) زمان الخلفاء مكانة أعظم مما عليه علم الحقوق الآن عند الأمم المتمدنة، وكان الفقهاء هم أرباب الشريعة والشورى (نواب الأمة) وبيدهم تدبير كل الأمور ولا يصدر عمل عظيم أو حقير إلا وفاقًا للتشريع وعلى مقتضى الحق"(4).

[ 5 ]

"كان للأمة الحرية المطلقة والرقابة على أعمال الخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم] ومدى موافقتها لنصوص الشريعة وخضوعها لآراء الفقهاء، وسيرهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء. ولم ينقل أحد من المؤرخين سواء كانوا عربًا أم غيرهم انتقادًا للخلفاء بظلم أو سوء تصرف، بل اعترف الكل بأن عدلهم وحسن سلوكهم وصراحة طريقتهم قد حببت فيهم غيرهم من الشعوب، حتى أسقطوا عروش ملوكهم وخربوا دولهم وأسسوا بدلاً منها دولة الإسلام الذي عشقوه لعدل قوانينه، ونزاهة حكامه وعفتهم ورفقهم واتباعهم لشرعهم لا يتعدونه ، وكانت نصوص الشريعة واضحة لم يدخلها تأويل ولا شبهات"(5).

___________________________________

(1) تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها ، ص 19 .

(2) نفسه ، ص 20 .

(3) تاريخ الدول الإسلامية وتشريعها ، ص 39 .

(4) نفسه ، ص 67 .

(5) نفسه ، ص 68 .

ستودارد(1)

[ 1 ]

"كاد يكون نبأ نشوء الإسلام النبأ الأعجب الذي دوّن في تاريخ الإنسان. ظهر الإسلام في أمة كانت من قبل ذلك العهد متضعضعة الكيان، وبلاد منمطة الشأن، فلم يمضِ على ظهوره عشرة عقود حتى انتشر في نصف الأرض ممزقًا ممالك عالية الذرى مترامية الأطراف، وهادمًا أديانًا قديمة كرت عليها الحقب والأجيال، ومغيرًا ما بنفوس الأمم والأقوام، وبانيًا عالمًا حديثًا متراص الأركان، هو عالم الإسلام"(2).

[ 2 ]

"كلما زدنا استقصاء باحثين في سرّ تقدم الإسلام وتعاليمه، زادنا ذلك العجب العجاب بهرًا فارتددنا عنه بأطراف حاسرة عرفنا أن سائر الأديان العظمى إنما نشأت ثم أنشأت تسير في سبيلها سيرًا بطيئًا ملاقية كل صعب، حتى كان أن قيض الله لكل دين منها ما أراده له من ملك ناصر وسلطان قاهر انتحل ذلك الدين ثم أخذ في تأييده والذب عنه حتى رسخت أركانه.. إنما ليس الأمر كذلك في الإسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية تجوب فيافيها شتى القبائل الرحالة التي لم تكن من قبل رفيعة المكانة والمنزلة في التاريخ، فلسرعان ما شرع يتدفق وينتشر وتتسع رقعته في جهات الأرض مجتازًا أفدح الخطوب وأصعب العقبات دون أن يكون له من الأمم الأخرى عون يذكر ولا أزر مشدود. وعلى شدة هذه المكاره فقد نصر الإسلام نصرًا مبينًا عجيبًا، إذ لم يكد يمضي على ظهوره أكثر من قرنين، حتى باتت راية الإسلام خفاقة من (البرانس) حتى (هملايا) ومن صحاري أواسط آسيا حتى صحاري أواسط أفريقيا"(3).

[ 3 ]

"الجامعة الإسلامية بمعناها الشامل ومفهومها العام إنما هي الشعور بالوحدة العامة والعروة الوثقى لا انفصام لها في جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي. وهي قديمة بأصلها ومنشئها منذ عهد صاحب الرسالة [صلى الله عليه وسلم] أي منذ شرع الرسول يجاهد فالتف حوله المهاجرون والأنصار معتصبين معه بعصبة الإسلام لقتال المشركين. وقد أدرك محمد [صلى الله عليه وسلم] خطورة الجامعة وعلو منزلتها في المسلمين حق الإدراك، وعلم كل العلم ما لها من عظم الشأن.. فغرس غرستها بيديه في نفوسهم، فنمت وتغلغلت وامتدت جذورها وبسقت أغصانها.. فقد كرّ عليها أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فما أوهن كرور هذه القرون من الجامعة الإسلامية جانبًا ولا ضعضع لها كيانًا، بل كلما تقادم عليها العهد ازدادت شدة وقوة ومنعة واعتزازًا. حقًا أن الجامعة اليوم بين المسلم والمسلم لأقوى منها بين النصراني والنصراني.. ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده الإسلام من غرض الجامعة وغايتها فلينظر إلى حال المسلمين اليوم وإلى تيار هذا التعاطف والتشاكي يعلم سرّ الجامعة ومكانتها في نفوس المسلمين وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروقها كدين الإسلام.."(4).

[ 4 ]

"الإسلام في عهده الأول، إنما كانت شمس الحرية مشرقة وهاجة، ودينًا تجلت فيه المنازع الحرة الشريفة، وليس ما طرأ على العالم الإسلامي فيما بعد من الوهن والتدني بحاجب المنصف عن جوهر الإسلام وحقيقة صفائه، فالشريعة الإسلامية كما قال العلامة ليسبار: (إنما هي ديمقراطية شورية جوهرًا وأصلاً، وعدو شديد للاستبداد). وقد أجمل قامباري هذه الحقيقة في شأن الإسلام بقوله: (ليس الإسلام ولا تعاليمه السبب المفضي بآسيا الغربية إلى هذه الحالة المشهودة من التضعضع واختلال الشؤون، ولكن السبب كل السبب في ذلك إنما هو استبداد أمراء المسلمين وحكامهم الذين التووا عن الصراط المستقيم.. وتنكبوا عن طريق صاحب الرسالة والخلفاء الراشدين.. وناصبوا المذاهب الشورية والأصول الحرة العداء).."(5).

[ 5 ]

".. ليست الولادة في البلاد ولا التجنّس على الأصول الرسمية شرطًا لمن يريد أن يكون فردًا من أفراد الأمة الإسلامية في قطر من الأقطار، متمتعًا حق التمتع بحقوق الجنسية الإسلامية. فوطن المسلم هو العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه لذلك يستطيع الهابط أية بلاد إسلامية أن ينال للحال أي وقتًا شاء حقوق الوطني المكرم ذي المقام والمنزلة بين ظهراني القوم. فالعبارة (مصر للمصريين) مثلاً لا تعني ذلك المعنى بعينه الذي نتصوره نحن في الجاري المعتاد. فإذا ما أقام مسلم جزائري أو دمشقي في القاهرة فليس هناك من حائل يحول دون تصرفه وسلوكه واعتباره (مصريًا وطنيًا حرًا) بصحيح معنى العبارة. والسبب في ذلك أن من منازع الإسلام على الدوام صيانة الوحدة بين المسلمين والوحدة الدينية والجغرافية الإقليمية. فجميع الأقطار والممالك والبلدان الإسلامية معروفة عند المسلمين (بدور الإسلام) وضدها (دار الحرب) وهي المواطن التي يقطنها مسلمون يجب عليهم باعتبارهم أمة واحدة متحدة، الذبّ عن سياجها والذود عن حياضها، وهذا هو السبب في أننا نرى أنه كلما أصاب اعتداء أجنبي طرفًا من العالم الإسلامي، هاج الطرف الآخر واضطرب وقام وقعد، على غير أن يكون هناك اشتراك في المصلحة المادية يحمله على ذلك، كأنما المعمور الإسلامي جسم واحد باعتلال عضو منه تتأثر وتعتل سائر الأعضاء"(6).

___________________________________

(1) لوثروب ستودارد Lothrop Stoddard

مؤلف أمريكي يتميز بسعة اطلاعه على معطيات العالم الإسلامي الحديث. ويعد كتابه: (حاضر العالم الإسلامي) من أهم المؤلفات الحديثة التي عالجت قضايا هذا العالم ومجريات أحداثه عبر النصف الأول من هذا القرن. وقد زادته قيمة علمية، التعليقات والإضافات الخصبة التي ألحقها الأمير شكيب أرسلان بطبعته العربية .

(2) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 1 .

(3) نفسه ، 1 / 1 – 2 .

(4) نفسه ، 1 / 287 – 288 .

(5) نفسه ، 4 / 43 – 44 .

(6) نفسه ، 4 / 122 .

ستوك(1)

[ 1 ]

".. إن المبادئ الإسلامية التي استوقفت نظري واستقطبت جل اهتمامي أكثر من غيرها.. حين أقبلت على الإسلام، هي أن المسيحية كثيرًا ما تترك جوانب (باهتة) غامضة في التصور الاعتقادي يملؤها الشك والريب. نقاط سكت عنها الدين المسيحي ولم أكن أدري ماذا أفعل تجاهها أما الإسلام فكل شيء فيه واضح لا لبس فيه ولا غموض، وهو يستغرق كافة جوانب الحياة الإنسانية، ويشملها فلا أحس بأدنى شك أو ارتياب، كما لا أشعر في ظله أنني تائه أو ضال بل أعتقد من صميم قلبي أن الإسلام منهج كامل للحياة يغاير المسيحية والحق أن الإسلام هو الدين الكامل الوحيد. كما أن الإسلام يستقطب العقل والقلب فليس فيه أية أسرار أو طلاسم لا سبيل إلى استيعابها بل كل شيء معروض للاستفسار والسؤال عن حكمته وعلة تحريمه أو تشريعه وكل شيء يعتبر محلاً لإعمال الفكر وإنعام النظر قبل اعتناق الإسلام. كما أن فكرة الإسلام عن التوحيد أقرب إلى المنطق والفطرة السليمة من مبدأ التثليث عند النصارى لأن مبدأ التثلث يسهل دحضه وإثبات بطلانه بقليل من التأمل وسعة الأفق. كما أن الإسلام لا يسمح بفصل الدين عن الدنيا، وإنما يزود المرء المسلم بهداية شاملة كاملة تملأ حياته الدنيا وتعده بالأمان والفوز بالجنة في الدار الآخرة"(2).

___________________________________

(1) فرانك ستوك F. Stock

شاب كاثوليكي، أمريكي، من إنديانا، أتيح له الاحتكاك بأفراد الجالية الإسلامية، بنيويورك، وإنديانا، فشرح الله صدره للإسلام بعد أن استوعب مذاهب النصرانية استيعابًا جيدًا، وكان كاثوليكيًا متعصبًا، وكان انتماؤه للإسلام عام 1967م، عمل على أثره أمينًا لسرّ الدائرة الإسلامية في جامعة إنديانا.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 3 / 79 – 80 .

نصري سلهب

[ 1 ]

"انطلاقًا من وجوب قول الحقيقة، أرى لزامًا عليّ أن أعلن أننا - نحن المسيحيين بصورة عامة - نجهل الإسلام كل الجهل، دينًا وحضارة"(1).

[ 2 ]

"ليس كالإسلام دين يكرم الأنبياء والرسل الذين سبقوا النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، وهو يفرض على المؤمنين به إكرام هؤلاء والإيمان بهم، وليس كالإسلام دين يحترم الأديان الأخرى المنزلة الموحى بها التي سبقته في النزول والوحي.."(2).

[ 3 ]

"أولى الآيات البيّنات.. كانت تلك الدعوة الرائعة إلى المعرفة، إلى العلم عبر القراءة.. (اقرأ).. وقول الله هذا لم يكن لمحمد [صلى الله عليه وسلم] فحسب، بل لجميع الناس، ليوضح لهم، منذ الخطوة الأولى، بل منذ الكلمة الأولى أن الإسلام جاء يمحو الجهل وينشر العلم والمعرفة.."(3).

[ 4 ]

"الإسلام دين الأزمنة جميعها، وقد أعدّ لجميع الشعوب. فهو ليس للمسلمين فحسب، ولا لعرب الجزيرة الذين عايشوا النبي [صلى الله عليه وسلم] وعاصروه فحسب، وليس النبي نفسه صلى الله عليه وسلم نبي العرب والمسلمين فحسب، بل هو نبي كل مؤمن بالله واليوم الآخر والنبيين والكتب المنزلة"(4).

[ 5 ]

"في الدين الإسلامي من الشمول والرحب ما يجعله يفتح ذراعيه لجميع البشر دون أن يؤثر في قوميتهم وولائهم لأمة إليها ينتسبون"(5).

___________________________________

(1) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 20 .

(2) نفسه ، ص 28 .

(3) نفسه ، ص 92 .

(4) نفسه ، ص 403 .

(5) نفسه ، ص 403 .

سمث(1)

[ 1 ]

".. كل إنسان ذو أخلاقية حرة، وهو مسؤول أمام الله عن أفكاره وأحكامه وأعماله.. والله يرشد الإنسان عن طريق الوحي إلى مبادئ أخلاقية عامة منبعثة عن إرادته الأبدية المقدسة. إلا أن في الإنسان قوة كامنة، إذ أن في استطاعته أن يتقبل هدى الله أو يتحول عنه. وهناك آية هامة: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} [الأحزاب 72]. لا يتحقق معناها إلا على أساس التسليم بالحرية الإنسانية، فقد عرض الله على جميع مخلوقاته مسؤولية المحافظة على الإيمان، وإدارة العالم باسم الله، فقبل الإنسان أن يحمل هذا العبء، على حين رفضته سائر المخلوقات خوفًا وإشفاقًا. ومع أن الإنسان لم يرع ذلك الإيمان، ولم يدر العالم إدارة ذات قيمة، وسلك مسلك الظلم والجهل، فإن في هذا سر عظمته وخطيئته جميعًا. فلو لم يكن الإنسان حرًا ما ارتكب الخطيئة، ولو لم يكن حرًا ما ساغ أن يحمل الأمانة"(2).

[ 2 ]

".. لما تطور التشريع، وجد مبدأ يمكن أن يكون له القدرة على إخماد النزعات الاستبدادية لبعض الحكام أو الفقهاء، ذلك هو مبدأ الإجماع الذي يعتبر مظهرًا للإرادة العامة. وعلى الرغم من أن الإجماع، في نظر الدقة الفقهية، مقصور على ذوي الدراية من الفقهاء، إنه يحمل في طواياه بذرة مبدأ ديمقراطي، وكان له أحيانًا عند التطبيق.. أثر كبير في التعبير عن إجماع أعم من إجماع صفوة قليلة. أما ما يقع من الأفراد من إساءة استعمال للقوانين، أو من عثرات أخلاقية، فإن الإرادة العامة تقومه، أو من شأنها أن تقومه مع مرور الزمن"(3).

[ 3 ]

"يعد الفرد [في الإسلام] مهمًا لأنه وحدة من القوة الأخلاقية وفي العرف الإسلامي تصور آخر يتعلق بالفرد في الجماعة ويمنح الناس وسيلة للترابط، وإحساسًا بالاتحاد لا يوجد أحيانًا في التصورات الغربية الحديثة للإنسان. هذه الشخصية المتحدة يعمل على تكوينها التصور الخاص (بدار الإسلام) أي تآخي المؤمنين. وليس هذا التصور مجرد تفكير نظري، إنه واقع غير محسوس يضفي على كل مسلم شعورًا بالترابط الوجداني في سمع كل مسلم آخر، كما يهبه إحساسًا بالأمن. فهو ينتمي إلى كل يعلو على فروق اللون، والطبقة، والجنسية (بالمعنى الغربي للكلمة)، ونظم الدولة. إنه يستطيع أن يحس بأنه في داره في أرض شاسعة متناثرة من الساحل الأطلنطي لأفريقيا إلى قلب المحيط الهادي، حيثما كان الإسلام هو الدين السائد والثقافة الغالبة. كل هذا يخلق، أو هو قادر على أن يخلق، روحًا جماعيًا، ووحدة بين شعوب لها أهمية بالغة.. وينبغي أن نذكر أن هذه الأخوة تظهر أقوى ما تظهر عندما يهدد العالم الإسلامي، أو أي قسم من أقسامه، مصدر غير إسلامي.. إن هذه الرابطة قوة حقيقة وفي الإمكان أن تصبح عامل تقوية في العالم الإسلامي كله"(4).

[ 4 ]

"أن الإسلام لا يمكن إطلاقًا أن يتفق والجبرية الاقتصادية أو التفسير المادي للتاريخ.. فالإنسان لا تتحكم فيه المادة أو القوى الاقتصادية، إذ إنه في جوهره موجود روحي، ذو صلة بالله، ومن ثم كان كائنًا أخلاقيًا حرًا. وأن الله – لا المادة – هو المتصرف في الحركات التاريخية"(5).

[ 5 ]

"إن في التصور الإسلامي للإنسان اتجاهًا جمعيًا. فإدراك الإنسان أنه ينتمي إلى كل أكبر، وارتباطه بغيره ممن ينتمون إلى نفس الجماعة التي تؤمن إيمانه، يهيئان للحياة الفردية وضعًا اجتماعيًا ليس له في الغالب وجود في الغرب الذي ينزع إلى الفردية. فالأخوة في الإسلام تهب قوة، وأمنًا ومجالاً من الوعي المشترك قد ينتج عنها ذلك النوع من الترابط الذي يتجاوز حدود الأوطان والأجناس، والذي يعمل الناس متلهفين في سبيل تحقيقه في سائر بلاد العالم.."(6).

___________________________________

(1) د. هارولد ب. سمث Harold B. Smith

أستاذ، ونائب رئيس قسم الديانات بكلية (ووستر)، بولاية أوهايو، وكان رئيسًا لقسم الفلسفة والأخلاق (بالجامعة الأمريكية) بالقاهرة.

(2) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ، ص 60 – 61 .

(3) نفسه ، ص 63 .

(4) نفسه ، ص 63 – 64 .

(5) نفسه ، ص 75 .

(6) نفسه ، ص 75 .

سميث(1)

[ 1 ]

".. أنه ما من دين استطاع أن يوحي إلى المتديّن به شعورًا بالعزة كالشعور الذي يخامر المسلم في غير تكلف ولا اصطناع، وأن الفخر بالعربية قد يمازج هذا الشعور أحيانًا.. ولكن اعتزاز المسلم بدينه يعم المسلمين على اختلاف القومية واللغة، وكون الإنسان مسلمًا باعث من بواعث الحمد تسمعه من جميع المسلمين"(2).

[ 2 ]

".. إن الغربي لا يفهم الإسلام حق فهمه إلا إذا أدرك أنه أسلوب حياة تصطبغ به معيشة المسلم ظاهرًا وباطنًا وليس مجرد أفكار أو عقائد يناقشها بفكره أو يتقبلها بغير مناقشة، فليس التفكير بنافع شيئًا إن لم يكن مصحوبًا بتطور المعيشة وتطور أسلوب الحياة الظاهر والباطن في المجتمع الإسلامي.."(3).

___________________________________

(1) ولفريد كانتويل سميث W. C. Smith

أستاذ الدراسات الإسلامية، بجامعة مونتريال، وقد أقام زمنًا في باكستان، وساح في بلاد الشرق الأوسط، وبعض البلاد الإسلامية، في القارتين الآسيوية والأفريقية، ومن أشهر مؤلفاته: (الإسلام في التاريخ الحديث).

(2) الإسلام في التاريخ الحديث، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 78 .

(3) نفسه ، ص 79 .

سورديل(1)

[ 1 ]

"الإسلام، هو دين التوحيد الذي بشر به محمد بن عبد الله [صلى الله عليه وسلم] في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، ثم انتشر عبر العصور في جميع أقطار المعمورة. والمسلمون هم الذين يدينون بهذا الدين، والحضارة الإسلامية هي الحضارة التي انبثقت عنه"(2).

[ 2 ]

"الله واحد أزلي ليس كمثله شيء وقادر على كل شيء. ويؤكد القرآن هذه الوحدانية في آيات عدة، لكنها تظهر بصورة أوضح في السورة (112) الشهيرة التي كثيرًا ما اعتبرت أقدم السور: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.. والإيمان بإله واحد هو ما يميز في أعين المسلمين دينهم عن الديانات الأخرى تمييزًا جذريًا، حتى عن المسيحية التي يعتبر اعتقادها بالثالوث مسًا بالوحدانية ويصبغها بصبغة الشرك"(3).

[ 3 ]

"لا سبيل إلى إنكار كون الإسلام قد مارس فضائل حقيقية، لا سيما الفضائل ذات القيمة الاجتماعية. وهي تتجاوب مع دعوة من القرآن نستطيع أن نجد فيما عناه (أوامر)، وتبدو امتدادًا للتقوى كما تحددها الآية (177) من سورة البقرة.. فالتعاون وحسن الضيافة والكرم والوفاء بالعهود مع أفراد الأمة، والاعتدال في الرغائب والقناعة، تلك هي الفضائل التي تميز المسلمين حتى يومنا هذا.."(4).

[ 4 ]

".. ظلت الشريعة دائمًا المصدر الرئيسي لتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية. لذلك نستطيع القول بأن الإسلام، وإن كان دينًا، فهو في الآن ذاته أمة تحدد فيها الصلة الدينية لكل فرد ولجميع الأفراد معًا شروط الحياة وقواعدها والخير المباشر للحياة الأرضية، والخير المباشر لكل مؤمن في الحياة الآخرة، كل ذلك يشكل وحدة، إن لم يكن الإسلام قد أوجدها في جميع تفاصيلها، فإن الإسلام قد تسرب إليها ونفخ الحياة في جميع تفاصيلها"(5).

__________________________________

(1) دومينيك سورديل D. Sourdel

ولد عام 1921، حقق الكثير من النصوص العربية، كان أبرزها (الأعلاق الخطيرة)، لابن شداد، فضلاً عن عدد من الأبحاث في المجلات المعروفة.

(2) الإسلام ، ص 5 .

(3) نفسه ، ص 33 – 34 .

(4) نفسه ، ص 54 .

(5) نفسه ، ص 68 .

أحمد سوسة

[ 1 ]

".. على المرء الذي وقف على حقيقة الإسلام أن يعترف بأن الإسلام هو في الحقيقة دين الحرية والفطرة بعيدًا عن قيود الكنيسة واستبدادها في المسيحية وغريبًا عن العصبية وتقاليدها الثقيلة في اليهودية.."(1).

".. أن المرء الذي تغلغل في أعماق الحضارة [الغربية] وأدرك منطوياتها ومحصها تمحيصًا دقيقًا نظريًا وعمليًا لابد له من الانقياد بقوة نفسية كمينة إلى منهل العقيدة الإسلامية ليروي غليله منها.."(2).

[ 2 ]

".. ما أعظم سروري الآن حين جاء الاستدلال العلمي الصحيح مؤيدًا للميل الفطري فانتميت إلى الدين الإسلامي بدافع طبيعي غريزي وبتأييد علمي تمحيصي فأصبحت بذلك مسلمًا شعورًا وموطنًا ودينًا"(3).

[ 3 ]

"جاء الإسلام بعد الديانتين التوحيديتين منقحًا موضحًا للحقيقة، معترفًا بجوهر الديانتين السابقتين، مشيرًا إلى التحوير والأخطاء التي طرأت عليهما.. مضيفًا كثيراً من الإرشادات والتعاليم الروحية التي أرادها الله لعباده المؤمنين.. [واضعًا] شريعة تحتوي على كل ما يتعلق بالمجتمع من أمور اجتماعية دينية اقتصادية سياسية. ومن ذلك يتضح أن الإسلام لم يظهر لهداية القبائل الوثنية فحسب وإنما جاء أيضًا لتوحيد الأديان ورفع الشكوك والارتباكات التي انطوت عليها الديانتان اليهودية والمسيحية وإرشاد أتباعهما إلى الدين الجديد. ولكن تأصل جذور الديانتين ونفوذ الأحبار والساسة والعصبية اليهودية بصورة خاصة كل هذه كانت من العوامل التي حالت دون تحقيق التوحيد المنشود. ولو أن هؤلاء كانوا من المهتدين إلى [الإسلام] دين الحقيقة لكان انقشع ضباب الضلال والكراهية والارتباط وانبثق نور السعادة على البشرية جمعاء في جو مشبع بالصفاء والولاء"(4).

"الواقع أنه ليس من دين من أديان العالم البشري حافظ على جوهره وقاعدة تعاليمه كالدين الإسلامي، وهذا ما يمتاز به الإسلام عن الديانتين اليهودية والمسيحية.."(5).

".. إذا كان يصح ما يقال بأن خير الأمور أوسطها، فإن الديانة الإسلامية هي التي تستحق أن تحتل المكانة السامية بين الديانات العالمية لأنها جاءت مشبعة بروح الطبيعة والفطرة معتدلة في طقوسها.. متوسطة في مسلكها.. فهي الشريعة الوسط التي تدعو إلى العمل للدنيا والآخرة في آن واحد.."(6).

".. إن الإسلام هو الدين الصافي الذي أراده الله للإنسانية، صفي بمصفاة وحيه الإلهي ليكون دينًا صالحًا لكل إنسان ولكل زمان ومكان.."(7).

[ 4 ]

"لو أدرك هذا العالم التائه جوهر المبادئ الإسلامية لوجد فيها خير كفيل لحلّ معظم الأدواء البشرية الحالية ولما احتاج إلى عصبة أمم أو نظائرها من الاتجاهات لنشر مبادئ السلم والتعاون لأن الإسلام يضم بين تعاليمه أنبل مبدأ وأمتن أساس لتوطيد عرى العلاقات السلمية بين الأمم.."(8).

___________________________________

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 52 .

في طريقي إلى الإسلام ، ص / 52 – 53 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 55 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 71 – 72 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 74 – 75 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 77 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 80 .

في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 69 .

لويس سيديو

[ 1 ]

"من شأن مبدأ التوحيد الجليل، الذي نشر بين قوم وثنيين، أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن، وإليه يعود إبداعه، ويجعل محمد [صلى الله عليه وسلم] هذا المبدأ أساس دينه، وإليه يرجع سبب سموّه على جميع الأديان. ويبدو هذا التوحيد المحض جازمًا تجاه علم اللاهوت الذي تورّط في الفرق النصرانية بعد أن زاد عددها بفعل البدع، ولا مراء في أن عظمة الله العلي وقدرته وحكمته وعدله وحمله أمور تستوقف أنظار ذوي النفوس المثقلة بالأباطيل، و(أحد، أحد) كان وعي المسلمين ببدر، ولا تخلو سورة في القرآن من قول: .. بالتوحيد: (1).

[ 2 ]

".. إن المبدأ الذي يحتويه [القرآن] لم يكن من نوع قضاء القدماء، ولا من نوع قدر بعض المذاهب الحديثة، فليس في القدر الإسلامي ما يميت شجاعة المسلم أو يؤدي إلى فتور همته، فهذا القدر مرادف لسنة الكون التي تهيمن على جميع الناس وتضع حدًا لأعمالنا.. وهنالك من المبادئ ما يؤدي إلى أسوأ النتائج عند سوء فهمها، فما أعظم الفرق بين تأثير مبدأ القضاء والقدر في قوم حطهم الاستعباد وتأثيره في قوم حمس مقاديم لا يبتغون غير الحرب والفتوح"(2).

[ 3 ]

".. الصلاة تمسك الإسلام بغير هياكل وتضمن دوامه بغير كهّان"(3).

[ 4 ]

".. لا ترى [في الإسلام] سلسلة مراتب ولا طوائف كهنوتية ولا طبقات ذات امتيازات"(4).

[ 5 ]

".. اختار [المسلمون بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم] زعيمًا ليحمل الناس على احترام الشريعة فأبدعوا سلطانًا ساميًا خضع له العرب بلا جدال. ولا يعني هذا أن العرب أحدثوا نظامًا استبداديًا يقوم به فرد، وإنما أقاموا حكومة شعبية مستندة إلى شريعة إلهية يديرها ولي أمر منتخب مقيد في سلطته، فحُصر عمل ولي الأمر هذا في وضع نظم للأمن ولوظائف الدولة وواجباتها ولشؤون الحرب دون سنّ القوانين ما دام القرآن قد قيد أمراء المسلمين بربطه النظام الاجتماعي بالدين"(5).

___________________________________

(1) تاريخ العرب العام ، ص 88 .

(2) تاريخ العرب العام ، ص 92 .

(3) تاريخ العرب العام ، ص 104 .

(4) تاريخ العرب العام ، ص 117 .

(5) تاريخ العرب العام ، ص 123 – 124 .

شاخت(1)

[ 1 ]

"من أهم ما أورثه الإسلام للعالم المتحضّر قانونه الديني الذي يسمى (بالشريعة) والشريعة الإسلامية تختلف اختلافًا واضحًا عن جميع أشكال القانون إلى حدّ أن دراستها أمر لا غنى عنه لكي نقدر المدى الكامل للأمور القانونية تقديرًا كافيًا.. إن الشريعة الإسلامية شيء فريد في بابه، وهي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها، وهي تشتمل على أحكام خاصة بالعبادات والشعائر الدينية كما تشتمل على قواعد سياسية وقانونية.."(2).

[ 2 ]

"تعتبر الشريعة الإسلامية مثالاً له مغزاه على نحو خاص لما يمكن أن يسمى قانونًا دينيًا. بل إن التشريعين المقدسين الآخرين اللذين يعتبران نماذج من القانون الديني، وهما أقرب ما يكونان إلى الشريعة الإسلامية من الناحيتين التاريخية والجغرافية، وهما الشريعة اليهودية والقانون الكنسي، يختلفان عن الشريعة الإسلامية اختلافًا ملموسًا. ذلك لأن الشريعة الإسلامية أكثر تنوعًا في صورتها مما في التشريعين المذكورين، لأنها جاءت نتيجة نظر وتدقيق من الناحية الدينية في موضوعات للقانون كانت بعيدة عن أن تتخذ صورة واحدة.."(3).

[ 3 ]

".. في الطرف المقابل من البحر المتوسط نجد التشريع الإسلامي قد أثّر تأثيرًا عميقًا في جميع فروع القانون.. وهناك تأثير التشريع الإسلامي على قوانين أهل الديانات الأخرى من اليهود والنصارى الذين شملهم تسامح الإسلام وعاشوا في الدولة الإسلامية.. وليس هناك شك في أن الفرعين الكبير للكنيسة المسيحية الشرقية وهما اليعاقبة والنسطوريون لم يترددوا في الاقتباس بحرية من قواعد التشريع الإسلامي وهذا الاقتباس كان في كل تلك الموضوعات التي يمكن أن يتصور المرء أنها تدخل في نظر القاضي المسلم.."(4).

[ 4 ]

"في منتصف القرن الثاني للهجرة تقريبًا أخذ القانون الديني الإسلامي شكله الجوهري وقد أصبح على ما هو عليه الآن ليس مجرد تلك الطريقة الآلية في إدخال اعتبارات مادية ذات صفة خلقية أو دينية في ميدان القانون ولكن بعدّه عملية أخرى ألطف وأدق، وهي تنظيم هذا الميدان وترتيبه بعدّه جزءًا من الواجبات الدينية للمسلمين. وتحوي الشريعة مبدءًا موحدًا فرض نظامًا تركيبيًا عقليًا على مختلف المواد الأولية التي بني منها، غير أن هذا المبدأ غير شكلي أو مستقل، أنه هو مادي إسلامي"(5).

___________________________________

(1) جوزيف شاخت J. S. Shecht

ولد عام 1902، وتخرج من جامعتي برسلا وليبزج، وعين أستاذًا في عدد من الجامعات الألمانية (1927-1934)، وفي الجامعة المصرية (1934)، ومحاضرًا للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد (1948)، وليدن (1954)، وكولومبيا (1957-1958)، وانتخب عضوًا في عدد من المجامع والجمعيات العلمية. وقد اشتهر بدراسة التشريع الإسلامي وبيان نشأته وتطوره.

من آثاره: حقق العديد من النصوص الفقهية، وألف عددًا من المصنفات مثل: (دين الإسلام) (1931)، و(نشأة الفقه في الإسلام) (1950)، و(خلاصة تاريخ الفقه الإسلامي) (1952).

(2) تراث الإسلام (تصنيف شاخت وبوزورث)، 3 / 9 .

(3) تراث الإسلام (تصنيف شاخت وبوزورث)، 3 / 10 .

(4) تراث الإسلام (تصنيف شاخت وبوزورث)، 3 / 27 – 29 .

(5) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية، (تحرير كرونبادم)، ص 107 .

صديق(1)

[ 1 ]

".. إن شكل الصلاة [الإسلامية] هي التي جعلتني أفكر في الإسلام، فقد أردت أن أعرف لماذا يقوم هؤلاء الناس بالصلاة بهذه الكيفية، فاستنتجت أنها خير سبيل يختاره الإنسان لعبادة خالقه، فبدأت وأنا مازلت بروتستانتيًا في أداء الصلاة بالكيفية الإسلامية.. كنت أبحث عن الحقيقة والمعرفة، فبدأت أدرس الأديان بصفة عامة والإسلام على وجه الخصوص، فأيقنت في غضون دراستي أن دنيا تفكيري وإحساسي أقرب للإسلام منها للمسيحية، وبالتدريج اكتشفت أن الإسلام كمنهج حياة كان ينسجم من كافة الوجوه مع فطرتي البشرية. وأستطيع هنا أن أضرب مثالاً نظريًا وآخر عمليًا. فمثلاً عندما درست نصوص الشريعة الإسلامية حول النبي عيسى عليه السلام عرفت أنني لم يحدث قط أن آمنت بأن عيسى عليه السلام ابن الله، كما عرفت فيما بعد من أستاذ بروتستانتي أن عددًا كبيرًا من المسيحيين – حوالي 80% منهم – أقرب إلى الإسلام منهم إلى المسيحية في هذه الناحية على الأقل من عقيدتهم. أما من الناحية العملية فحتى قبل إسلامي كنت أنفر من الخمور والرقص وما شابه ذلك من الأمور التي عرفت فيما بعد أنها محرمة في الإسلام. وهكذا كان الإسلام بالنسبة لي كعملية اكتشافي لفطرتي {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم 30].."(2).

___________________________________

(1) محمد صدّيق

ولد عام 1944، في برلين، بألمانيا الغربية، أنهى دراسته الثانوية، وعمل كاتبًا في أحد المصارف، اعتنق الإسلام عام 1962 .

(2) رجال ونساء أسلموا، 1 / 24 – 25 .

لورافيشيا فاغليري

[ 1 ]

"نشأ الإسلام، مثل ينبوع من الماء الصافي النمير، وسط شعب همجي يحيا في بلاد منعزلة جرداء بعيدة عن ملتقى طرق الحضارة والفكر الإنساني. وكان ذلك الينبوع غزيرًا إلى درجة جعلته يتحول، وشيكًا، إلى جدول، ثم إلى نهر، ليفيض آخر الأمر فتتفرع منه آلاف القنوات تتدفق في البلاد. وفي تلك المواطن التي ذاق فيها القوم طعم تلك المياه الأعجوبية سويت المنازعات وجمع شمل الجماعات المتناحرة. وبدلاً من الثأر الذي كان هو القانون الأعلى والذي كان يشد العشائر المنحدرة من أصل واحد في رابطة متينة، ظهرت عاطفة جديدة، هي عاطفة الأخوة بين أناس تشد بعضهم إلى بعض مثل عليا مشتركة من الأخلاق والدين. وما إن أمسى هذا الينبوع نهرًا لا سبيل إلى مقاومته حتى طوق تياره الصافي العنيف ممالك جبارة تمثل حضارات قديمة. وقبل أن توفق شعوب تلك الممالك إلى إدراك مغزى الحدث الحقيقي داهمها ذلك التيار، قاهرًا البلاد، محطمًا الحواجز، موقظًا بصخبه عقولاً وسنى، منشئاً من أكبر عدد من الشعوب المتباينة، مجتمعًا موحدًا"(1).

[ 2 ]

"أن الآية القرآنية التي تشير إلى عالمية الإسلام بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه [صلى الله عليه وسلم] (رحمة للعالمين)(2) هي نداء مباشر للعالم كله. وهذا دليل ساطع على أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] شعر في يقين كلّي أن رسالته مقدر لها أن تعدو حدود الأمة العربية وأن عليه أن يبلغ (الكلمة) الجديدة إلى شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة، وتتكلم لغات مختلفة.."(3).

[ 3 ]

"بفضل الإسلام هزمت الوثنية في مختلف أشكالها. لقد حرّر مفهوم الكون، وشعائر الدين، وأعراف الحياة الاجتماعية من جميع الهولات أو المسوخ التي كانت تحط من قدرها، وحررت العقول الإنسانية من الهوى. لقد أدرك الإنسان آخر الأمر، مكانته الرفيعة.. لقد حررت الروح من الهوى، وأطلقت إرادة الإنسان من القيود التي طالما أبقته موثقًا إلى إرادة أناس آخرين، أو إلى إرادة قوى أخرى يدعونها خفية. لقد هوى الكهان، وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان والذين اعتقدوا بالتالي أن سلطتهم فوق إرادات الآخرين، لقد هوى هؤلاء كلهم عن عروشهم. إن الإنسان أمسى خادم الله وحده، ولم تعد تشده إلى الآخرين من الناس غير التزامات الإنسان الحرّ نحو الإنسان الحرّ. وبينما قاسى الناس في ما مضى مظالم الفروق الاجتماعية، أعلن الإسلام المساواة بين البشر، لقد جُعل التفاضل بين المسلمين، لا على أساس من المحتد أو أي عامل آخر غير شخصية المرء، ولكن على أساس من خوف الله، وأعماله الصالحات، وصفاته الخلقية والفكرية ليس غير.."(4).

___________________________________

(1) دفاع عن الإسلام ، ص 21 – 22 .

(2) سورة الأنبياء، الآية 107، وانظر سورة يوسف، الآية 104، سورة ص، الاية 87، سورة القلم، الآية 52، سورة التكوير، الآية 27 .

(3) عن الإسلام ، ص 24 – 25 .

(4) عن الإسلام ، ص 45 – 47 .

ليوبولد فايس

[ 1 ]

".. إن أي إنسان لديه قسط من العلم – حتى ولو كان سطحيًا يسيرًا – عن تعاليم الإسلام، يعرف أن هذه التعاليم لا تقف عند حد تنظيم العلاقة بين الإنسان وخالقه، ولكنها تتعدى ذلك إلى وضع نظام محدد للسلوك الاجتماعي يجب على المسلم اتباعه كأثر من آثار تلك العلاقة وكنتيجة لها.."(1).

[ 2 ]

"إن علينا ألا ننسى أبدًا أن رسالة الإسلام رسالة خالدة، كما أننا كلما ازدادت ثقافتنا وانداحت دائرة علومنا استطعنا أن نفهم بصورة أوضح من ذي قبل كنوز الحكمة التي ينطوي عليها القرآن الكريم وأسوة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك فإن حقنا في الاجتهاد المستقل على ضوء القرآن والسنة ليس مسموحًا به فحسب بل نحن منتدبون لأدائه في كل الأمور.. التي اكتفت الشريعة بوضع مبادئ عامة لها"(2).

[ 3 ]

".. إن الإسلام دعوة خالدة إلى التقدم المطرد في كل نواحي الحياة الفكرية والروحية والسياسية على حد سواء"(3).

[ 4 ]

"إن دفع الظلم عن الناس وإقامة معالم العدل في الأرض هي الغاية النهائية التي تستهدفها رسالة الإسلام الاجتماعية. وعلى هذا المثل الأعلى للعدالة – مع المسلمين وغير المسلمين على حد سواء – يتوقف قيام الدولة الإسلامية وسقوطها، هذه الدولة التي ليست هي في الحقيقة سوى الجهاز السياسي لتحقيق هذا المثل الأعلى"(4).

[ 5 ]

".. من الأرض اليباب الميتة، من وسط الوديان الرملية والتلال الجرداء انبثق أعظم دين مؤكد للحياة في تاريخ الإنسان"(5).

___________________________________

(1) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 17 .

(2) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 60 – 61 .

(3) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 63 – 64 .

(4) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 72 .

(5) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 400 .

ونكتفي بهذا القدر من أقوال (ليوبولدفايس) عن الإسلام، تجاوزًا لتضخم المادة، فكتاب: (الطريق إلى مكة) كله يعد بمثابة واحدة من أكثر الشهادات الغربية عمقًا وأصالة في إدراك الإسلام، ويستحسن أن نحيل القارئ إلى صفحات أخرى تضمنت المزيد من المعطيات عن الموضوع وهي: 19-20، 123، 168-171، 178، 184-185، 235-236، 306، 312-315، 318، 321-323، 325-326، 349، 350، 381-382، 396-402.

سيدني فيشر

[ 1 ]

"إن الوحدانية المنزهة هي أجل مطالب الإيمان عند النبي [صلى الله عليه وسلم] ويوصف الإله مع الوحدانية بصفات العلم المحيط والقدرة المحيطة والرحمة والكرم والغفران.. إن توكيد صفات البأس والجبروت في كتاب الإسلام إنما تقدم في أوائل الدعوة التي واجه بها النبي [صلى الله عليه وسلم] جماعة الكفار الملحدين من الملأ المكي المتغطرس المستطيل بالجاه والعزة، ولكن المسلم يعلم من صفات الله أنه واسع الرحمة، وأنه أقرب إلى الإنسان من حبل وريده، وأنه هو نور السماوات والأرض، وهي الصفة.. التي كان لها أبعد الأثر في اجتذاب العقول إلى معانيه الخفية"(1).

[ 2 ]

".. إننا إذا نظرنا إلى مجال الإسلام الواسع في شؤون العقائد الدينية والواجبات الدينية والفضائل الدينية، لم يكن في وسع أحد إلا أن يحب محمدًا [عليه السلام] نبيًا مفلحًا جدًا ومصلحًا موفقًا لأنه كما قال بعض الكتاب وجد مكة بلدة مادية تجارية تغلب عليها شهوة الكسب المباح وغير المباح ويمتلئ فراغ أهلها بمعاقرة الخمر والمقامرة والفحشاء، ويعامل فيها الأرامل واليتامى وسائر الضعفاء كأنهم من سقط المتاع. فإذا بمحمد – عليه السلام – وهو فقير من كل ما يعتز به الملأ قد جاءهم بالهداية إلى الله وإلى سبل الخلاص، وغيّر مقاييس الأخلاق والآداب في أرجاء البلاد العربية"(2).

___________________________________

(1) الشرق الأوسط في العصر الإسلامي ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 54 .

(2) نفسه ، ص 54 – 55 .

فيلويز(1)

[ 1 ]

".. الإسلام يحقق الانسجام التام مع الحياة في هذا العالم. فهو دين سهل لا التواء فيه ولا تعقيد، مباشر، مجرد من كافة الافتراضات التي لا سبيل إلى الإيمان بها. وأشكال العبادة في الإسلام تعكس كل صدق وإخلاص وأمانة"(2).

[ 2 ]

".. [إن] المنجزات العلمية تتفق تمامًا مع مبادئ الإسلام، لأن الإسلام هو دين العلم"(3).

[ 3 ]

".. أصبحت مسلمًا لأن الإسلام هو الدين الحق الوحيد نظريًا وعمليًا ومن كافة الوجوه. وسرعان ما تتبدد الشكوك والشبهات دفعة واحدة عندما تجيش نفسي بشعور قوي يتملكها وهو أن الإسلام هو الصراط المستقيم"(4).

__________________________________

(1) ح. ف. فيلويز F. Filweas

ضابط بحرية بريطاني، شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، نشأ في بيئة نصرانية، تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق، ومع ذلك فقد هداه الله إلى الإسلام بعد أن اطلع على القرآن الكريم وقرأ عددًا من المؤلفات الإسلامية، وذلك عام 1924.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 54 .

(3) نفسه ، 6 / 61 .

(4) نفسه ، 6 / 62 .

قرار(1)

[ 1 ]

".. تأثرت كثيرًا بدافع المساواة بين المسلمين، كما أعجبني أن يكون الإسلام دينًا عالميًا، فقد وجدت في الإسلام دينًا يوحد جميع الأديان والألوان في ظل نظام ديني فريد. فهناك أخوة حقيقية بين المسلمين لا ولم يعرف مثلها المجتمع المادي الغربي على الإطلاق، كما لا تستطيع العبارات الجوفاء كالشيوعية مثلاً أن تقدم مثلها أبدًا"(2).

[ 2 ]

".. شعرت أنني كمسلمة يمكنني أن أحيا حياة كاملة جديرة بالحياة، وأن الإسلام يجعل المرء يشبع حاجاته الروحية والمادية على حد سواء في توازن يضمن تطور عقلية ثقافية مبدعة، ويحقق اجتهادًا دائبًا لتحسين الوضع المادي للإنسان على أساس من العلاج لا للإنسان وحده بل لجميع الخلائق"(3).

[ 3 ]

".. أن الإسلام قد أحدث تغييرًا في حياتي كلها، إذ حرّرني من اليأس العنيد والتذمر والاستسلام وهي نتائج نجمت عن النظرة المادية التي تهيمن على كثير من الناس في المجتمعات الغربية.."(4).

___________________________________

(1) جميلة قرار Jamila Qarar

ولدت في النمسا، عام 1949، لأبوين ملحدين، وحاولت أن تكون مسيحية إلا أن النصرانية لم تستطع إقناعها، فيممت شطر الإسلام وسمعت وقرأت عنه، وما لبثت أن اعتنقته وهي في العشرين من عمرها.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 106 – 107 .

(3) نفسه ، 4 / 107 .

(4) نفسه ، 4 / 107 .

قرة العين(1)

[ 1 ]

".. كنت مهتمة بدراسة الأديان، فلمست السماحة والمنطق في الدين الإسلامي.. ووجدت أن اهتمامي بالإسلام تجاوز مرحلة مجرد الاطلاع أو القراءة أو الاستماع إلى مرحلة الارتباط بهذا الدين. ووجدت نفسي سعيدة لأنني أخيرًا وجدت الدين الذي يمكنني من التعامل مع نفسي وربي أولاً على أساس سليم مما ينعكس في تعامل صحي وأخلاقي مع باقي أفراد المجتمع"(2).

[ 2 ]

"كنت أشعر أن شيئًا ما فيما أقرأ يقنعني عقليًا ويملأ فراغًا روحيًا من قلبي كذلك، كنت أشعر والحمد لله بأنني اقرأ عن دين جديد وليس بجديد على نفسي. كانت القراءة تجيب بالمنطق والحجة على تساؤلات كثيرة كانت تدور داخلي من قبل ولم أكن أجد لها إجابة. باختصار وجدت في الإسلام الرضا الذي كنت أنشده من قبل عندما كنت مسيحية أبحث عن الحقيقة فلا أهتدي إليها"(3).

[ 3 ]

".. الإسلام [هو] دين العقل والإقناع"(4).

___________________________________

(1) قرّة العين Q. Al-Aine

سيدة أمريكية، تنحدر من أسرة مسيحية متدينة، وفي نيويورك مدينة ناطحات السحاب والمادية والجريمة كان الرّد: هو الإسلام. وقد تسمّت باسمها الجديد بعد إسلامها، تخرجت من جامعة بنسلفانيا، وكانت لديها رغبة جارفة للقراءة والبحث، وبخاصة في مجال الأديان حيث وجدت الجواب على تساؤلاتها كافة في الإسلام.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 10 / 110 .

(3) نفسه ، 10 / 111 .

(4) نفسه، 10 / 114 .

توماس كارلايل

[ 1 ]

"لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا [صلى الله عليه وسلم، وحاشاه] خدّاع مزور، وأن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول [صلى الله عليه وسلم] ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرنًا لنحو مائتين مليون من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا. أفكان أحدكم يظن أن هذه الرسالة التي عاش بها ومات عليها هذه الملايين الفائقة الحصر والإحصاء، كذبة وخدعة ؟ أما أنا فلا أستطيع أن أرى هذا الرأي أبدًا، ولو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج ويصادفان منهم مثل ذلك التصديق والقبول، فما الناس إلا بله ومجانين وما الحياة إلا سخف وعبث وأضلولة كان الأولى بها ألا تخلق"(1).

[ 2 ]

".. (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له) هو الحق، وكل ما خلاه باطل، خلقنا ويرزقنا.. إن الإسلام هو أن نسلم الأمر لله، ونذعن له، ونسكن إليه، ونتوكل عليه، وأن القوة كل القوة هي في الاستقامة لحكمته، والرضا بقسمته أيًا كانت في هذه الدنيا وفي الآخرة، ومهما يصبنا به الله ولو كان الموت الزؤام فلنتلقه بوجه مبسوط ونفس مغتبطة راضية ونعلم أنه الخير وأن لا خير إلا هو. ولقد قال شاعر الألمان (غيته): (إذا كان ذلك هو الإسلام فكلنا إذن مسلمون). نعم كل من كان فاضلاً شريف الخلق فهو متخلق بأخلاق الإسلام، وإن لم يكن مسلمًا.. إن من السخف أن يجعل الإنسان من دماغه الضئيل ميزانًا للعالم وأحواله. بل عليه أن يعتقد أن للكون قانونًا عادلاً، وإن غاب عن إدراكه، وأن الخير هو أساس الكون والصلاح روح الوجود.. عليه أن يعرف ذلك ويعتقده ويتبعه في سكون وتقوى.."(2).

[ 3 ]

"في الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلّها وهي التسوية بين الناس. وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي. فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء. والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سنة محبوبة بل يجعلها فرضًا حتمًا على كل مسلم، وقاعدة من قواعد الإسلام ثم يقدرها بالنسبة إلى ثروة الرجل.. جميل والله هذا، وما هو إلا صوت الإنسانية، صوت الرحمة والإخاء والمساواة.."(3).

[ 4 ]

".. هذا الدين [الإسلام] فيه للمبصرين أشرف معاني الروحانية وأعلاها، فاعرفوا له قدره ولا تبخسوه حقه. ولقد مضى عليه مئتان وألف عام وهو الدين القويم الصراط المستقيم لخمس العالم. وما يزال فوق ذلك دينًا يؤمن به أهله من حبّات أفئدتهم. ولا أحسب أن أمة من النصارى اعتصموا بدينهم اعتصام المسلمين بإسلامهم، إذ يوقنون به كل اليقين ويواجهون به الدهر والأبد.. وأن كلمة التوحيد والتكبير والتهليل لترنّ آناء الليل وأطراف النهار في إرواء تلك الملايين الكثيفة. وأن الفقهاء ذوي الغيرة في الله والتفاني في حبه ليأتون شعوب الوثنية بالهند والصين والمالاي [ماليزيا] فيهدمون أضاليلهم ويشيدون مكانها قواعد الإسلام، ونعم ما يفعلون"(4).

[ 5 ]

"لقد أخرج الله العرب بالإسلام من الظلمات إلى النور وأحيا به من العرب أمة هامدة.. وهل كانت إلا فئة من جوالة الأعراب خاملة فقيرة تجوب الفلاة منذ بدء العالم لا يسمع لها صوت ولا تحس منها حركة فأرسل الله لهم نبيًا بكلمة من لدنه ورسالة من قبله فإذا الخمول قد استحال شهرة والغموض نباهة والضعة رفعة والضعف قوة والشرارة حريقًا، ووسع نوره الأنحاء.. وعقد شعاعه الشمال بالجنوب والمشرق بالمغرب، وما هو إلا قرن بعد هذا الحادث حتى أصبح لدولة العرب رجل في الهند ورجل في الأندلس، وأشرقت دولة الإسلام حقبًا عديدة ودهورًا مديدة بنور الفضل والنبل والمروءة والبأس والنجدة، ورونق الحق والهدى على نصف المعمورة. وكذلك الإيمان عظيم وهو مبعث الحياة ومنبع القوة، ومازال للأمة رقي في درج الفضل.. مادام مذهبها اليقين ومنهاجها الإيمان.."(5).

___________________________________

(1) الأبطال ، ص 42 – 43 .

(2) نفسه ، ص 53 – 54 .

(3) نفسه ، ص 65 .

(4) نفسه ، ص 66 .

(5) نفسه ، ص 66 – 67 .

جارودي(1)

[ 1 ]

"إن الإسلام لم يعد ذلك (الكافر) في زمن الصليبيين أو الـ(إرهابي) في حرب التحرير الجزائرية، ولم يعد ذلك الأثر في المتحف الذي يتفحصه المستشرق بعين العالم الاختصاصي بعاديات الحضارات، انطلاقًا من الحكم السبقي بامتيازية الغرب.. بل لم يعد أكثر من هذا، ذلك الانفجار العلمي المذهل الذي كان، عند الخروج من العصور الوسطى قد فتح الطريق ببساطة لعلومنا (الحديثة).. إنما الإسلام هو تلك الرؤية لله وللعالم وللإنسان، التي تنيط بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم إلهي وإنساني لا انفصام فيه باقتضاء البعدين الأعظمين، المفارقة والجماعة، التسامي والأمة"(2).

[ 2 ]

"أن الله أكبر من أعظم الملوك، وإليه وحده يدان بالإجلال المطلق، فها هنا المبدأ بحق لا يجوز التصرف فيه، بالصمود في وجه كل طغيان وبمعارضة كل سلطة، الأساس الإلهي للمساواة بين جميع الناس من وراء أي تسلسل في المراتب الاجتماعية.."(3).

[ 3 ]

"سوف يكون غريبًا اعتبار عقيدة قادت المسلمين في غضون ثلاثة أرباع القرن، إلى تجديد أربع حضارات كبرى وإلى الإشعاع على نصف العالم، عقيدة قدرية، منقادة. هذه الدينامية في الفكر والعمل هي عكس القدرية: لقد اقتادت ملايين الناس إلى التأكد من أنه كان يمكنهم أن يعيشوا على نحو آخر"(4).

[ 4 ]

".. بفضل مبدأي الإسلام الأساسيين: مبدأ السلطة لله وحده وهو الذي يجعل كل سيادة اجتماعية نسبية، ومبدأ الشورى الذي يستبعد أية وساطة بين الله والشعب، يزال، في آن واحد، أي استبداد مطلق يضفي القداسة على السلطة، ويصبو إلى أن يجعل من القائد إلهًا على الأرض.."(5) .

[ 5 ]

"أن الجهاد الأكبر [في الإسلام] هو كفاح ضد الذات، ضد الميول التي تجذب الإنسان بعيدًا عن مركزه. وهو ما يقوده، باجتذابه نحو رغبات جزئية، إلى أن يصطنع لنفسه (أوثانًا) وبالنتيجة يمنع عن الاعتراف بوحدانية الله. والانتصار على هذه (الوثنية) الداخلية أصعب كثيرًا أيضًا من الانتصار على المشركين في الخارج. ومازلنا نجد اليوم في هذا درسًا عظيمًا لكثير من (الثوريين) الذين يطمعون بتغيير كل شيء إلا أنفسهم. كما كان، فيما مضى، شأن الكثير من (الصليبيين)، الذين كانوا في القدس وفي أسبانيا (المراد استردادها)، أو ضد هنود أمريكا، يريدون أن يفرضوا على الآخرين مسيحية يهزؤون منها بكل عمل من أعمالهم"(6).

___________________________________

(1) روجيه جارودي Roger Garandy

المفكر الفرنسي المعروف، وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي، سابقًا، تتميز ثقافته بالعمق والشمولية، والرغبة الجادة في البحث عن الحق مهما كان الثمن الذي يكلفه. أتيح له منذ مطلع الأربعينات أن يحتك بالفكر الإسلامي والحياة الإسلامية. وازداد هذا الاحتكاك بمرور الوقت، وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى خط الإيمان، الأمر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي، كما قاده في نهاية الأمر (أواخر السبعينات) إلى اعتناق الإسلام، حيث تسمى بـ(رجاء جارودي).

كتب العديد من المؤلفات منها: (حوار الحضارات)، (منعطف الاشتراكية الكبير)، (البديل)، (واقعية بلا ضفاف)، وبعد إسلامه أنجز سيرة ذاتية خصبة وعددًا من المؤلفات، أبرزها: (وعود الإسلام)، فضلاً عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد.

(2) دعوة الإسلام ، ص 22 .

(3) نفسه ، ص 31 .

(4) نفسه ، ص 30 – 33 .

(5) نفسه ، ص 36 .

(6) نفسه ، ص 45 .

كالفرلي(1)

[ 1 ]

"يفصل كثير من الناس، بتأثير ميراثهم الثقافي وظروفهم الاجتماعية وتعليمهم، بين الدين والدولة، ويأخذ البروتستانت الغربيون هذا الفصل قضية مسلمة. ولكن الواقع أن هذا الفصل بين الدين والدولة أمر جديد في المسيحية ابتدعته فيها أقلية مذهبية، ولم يعرف الإسلام أو سواه من الأديان العالمية مبدأ الفصل.."(2).

[ 2 ]

"لنضرب مثلاً على الدراسة [النزيهة] بمقال كتبه الأستاذ آرثر جيفري –Arthur Jeffery في مجلة العالم الإسلامي، عدد يناير، سنة 1940، يعرف فيه [إحدى] الترجمات الإنجليزية للقرآن.. فقد اعترف اعترافًا صريحًا بالقيم الروحية الممتازة في دين لا يدين هو به.."(3).

___________________________________

(1) ادوين كالفرلي E. Calverley

ولد عام 1882م، تخرج باللغات الشرقية من جامعة برنستون، وعين عضوًا في البعثة العربية التي نظمتها الكنيسة في الولايات المتحدة (1909-1930)، ومحاضرًا في مدرسة كنيدي للبعثات (1930-1932) وأستاذًا للعربية والإسلاميات فيها (1932-1951) ومحررًا لمجلة عالم الإسلام، (1947-1952) وأستاذًا زائرًا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (1944-1945).

من آثاره: (القرآن) (1924)، (العبادة في الإسلام) (1925)، (محمد) (19369، (الإسلام (1938).. إلخ.

(2) الشرق الأدنى: مجتمعة وثقافية (بإشراف كويلر يونغ)، ص 173 .

(3) نفسه ، ص 186 .

كلود كاهن

[ 1 ]

".. تملي شريعة الإسلام فرائض على الناس تجاه خالقهم، وتجاه أنفسهم فيما بينهم. فهي إذن – على حد تعبيرنا الحديث – شريعة دينية اجتماعية، والتمييز بين الدين والدنيا أمر غريب على الإسلام. على أن أهم فريضة تجاه الخالق هي الإيمان به والإذعان لمشيئته وذلك هو المقصود من كلمة (الإسلام). والمسلم هو من يدين بالإسلام. كذلك أوجب على الناس أعمالاً محددة لا قيمة لها إلا بالنية الحسنة.."(1).

[ 2 ]

"من المقتضيات الأساسية للمجتمع الإسلامي إنشاء نظام اجتماعي يقوم على أساس مستمد من الشريعة الإلهية.. بمعنى أن الإسلام لم يعهد مبدئيًا ذلك المفهوم الروماني – الذي قبلت به المسيحية – قبولاً جزئيًا – والذي يعترف بشرعية دولة قائمة بحدّ ذاتها تملك القدرة على التشريع تشريعًا قيمًا مقبولاً – ولو تحت إشراف من الإله – دون اللجوء في كل حالة من الحالات إلى توجيه إلهي. فالقاعدة الثابتة – من حيث المبدأ – هي الشرع الحنيف الذي أوحي به للناس دفعة واحدة ولابد من وضعه موضع التنفيذ. بل إن الخليفة لا يملك سلطة معنوية إلا بقصد تطبيق هذا الشرع.."(2).

[ 3 ]

".. قد ندعو [علماء الكلام المسلمين] بعلماء الدين مع تحفظ واحد وهو أن ندرك أن الإيمان عند المسلم – ومن الناحية المبدئية – أمرٌ عقلي صرف، فلم يوجد إذن نظريًا انفصام يباعد بين الإيمان والعقل على نحو ما عهدته مثلاً الفلسفة المسيحية"(3).

[ 4 ]

"إن الإسلام لا يعترف بأي تمييز بين الأفراد. ولا يخص المدينة – بوصفها مجموعة – بأي خاصة نوعية، كما لا يقر أي نظام لسكانها (البورجوازيين).."(4).

[ 5 ]

"نشأ الرسول [صلى الله عليه وسلم] في مجتمع بلا دولة، فكان، على نحو لا تتبينه إلا العقول العصرية مبشرًا بدين، ومنظمًا لمجتمع دنيوي. ونتج عن ذلك أن القانون الاجتماعي صار جزءًا متماسكًا مع القانون الديني، كما كان احترام القانون الاجتماعي جزءًا مكملاً لطاعة الله تعالى. كان الوحي بذاته – إذن – هو الأساس المشترك للعقيدة وللتنظيم الزمني. فكان المجتمع نفسه هو الدولة والدين، ولم يتسنّ لأحدهما أن يبقى وحده نظامًا قائمًا بذاته.. لقد كان هذا التوجيه حاسمًا، ولم تستطع العقول أن تتخلى عنه إلى مدة غير قصيرة، وكان من نتائجه في العصور التالية أن الرجل المسلم أصبح يطلب من نظامه السياسي أن يكون على جانب من الكمال، فإن فقد ذلك فقد أيضًا مبدأ الطاعة المحتمة عليه إزاء هذا النظام.."(5).

___________________________________

(1) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 19 .

(2) نفسه ، 1 / 91 .

(3) نفسه ، 1 / 104 .

(4) نفسه ، 1 / 188 .

(5) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 200 – 201 .

هاملتون كب

[ 1 ]

"كانت التعاليم الاجتماعية التي جاء بها محمد [صلى الله عليه وسلم] في أساسها، إعادة لإحقاق المبادئ الأخلاقية التي تشترك فيها ديانات التوحيد، فازداد ترسيخ معنى الأخوة بين جميع أفراد الجماعة الإسلامية، وأنهم سواسية من حيث القيمة الشخصية الفطرية دون نظر إلى ما في مكانتهم الدنيوية ووظائفهم وثرواتهم من تباين واختلاف. وتعمقت جميع العلائق الواجبات المتبادلة التي تستتبعها هذه المبادئ. وقد تم ترسيخ ذلك كله وتعميقه حين وضعه الإسلام على أساس من الولاء الخفي والخضوع العلني لإله واحد.. وكانت لتعاليم الرسول [صلى الله عليه وسلم] نتائج اجتماعية ملموسة تحدّدت صيغتها كما هو الحال في جميع الحركات الدينية بما تركته من آثار في البيئة التاريخية الواقعية"(1).

"ومنذ البداية نشأ تيار [فقهي] يعارض بعض مظاهر المفهوم الرسمي، ويعارض سيطرة الدولة على الأمور الدينية، كما تجلى إصرار الفقهاء على أن الفقيه مسؤول تجاه نفسه فقط. وقد وقع النزاع علنًا عندما قام المأمون وخلفاؤه يحاولون فرض المبادئ ذات الصبغة اليونانية التي نادى بها فريق المعتزلة (مذهبًا رسميًا)، ويضطهدون زعماء السنة المعارضين. وانتهى الصراع بانتصار السنة، وكان برهانًا قاطعًا على استقلال النظام الديني الإسلامي عن الخلافة وغيرها من المؤسسات السياسية، وعلى أن الحكام السياسيين لا يستطيعون الإشراف على مصادر سلطان الدين لأنها ملك للجماعة ولا علاقة لأحد بها، وأن الخلافة ذاتها نابعة من ذلك السلطان وأنها رمز سياسي له. وكانت هذه الأحداث ذات أهمية أساسية في مستقبل الإسلام كله، ذلك أنها حاولت دون أن يرتبط بأي نظام سياسي، وأمدت النظام الديني والجماعة معه بالحرية اللازمة للتطور على أسس ما يحويه الإسلام من طبيعة ومنطق ذاتيين.."(2).

[ 2 ]

"أن الفكر الإسلامي يأبى أن يقيد بقيود الصيغ الخارجية. ويظل هذا الفكر يحدث ضغطًا مستمرًا يظهر أثره في تجديد التشكيل للنظرية على نحو هادئ، وهذا التشكيل المتجدد، تحت ذلك الظاهر المتشدد، هو الذي يميز كل ضروب النشاط التأملي في الإسلام، حيث ظل الإسلام بناء دايناميًا حيًا"(3).

[ 3 ]

"ومظهر [آخر] بارز يميز التشريع الإسلامي، وهو أن مهمة التعريف والتصنيف استغرقت، خلال القرون الثلاثة الأولى، الطاقات الفكرية لدى الأمة الإسلامية، إلى حد لا نظير له. إذ لم يكن المسهمون في هذا الميدان هم علماء الكلام والمحدثين والإداريين فحسب، بل إن علماء اللغة والمؤرخين والأدباء أسهموا بأنصبة في هذه المجموعة من المؤلفات التشريعية، وفي مناقشة القضايا التشريعية، وقلما تغلغل الشرع في حياة أمة وفي فكرها هذا التغلغل العميق مثلما فعل في الأدوار الأولى من المدنية الإسلامية"(4).

[ 4 ]

".. أن المبدأ المحوري في القرآن هو – يقينًا – مبدأ وحدة لا هوادة فيها، وهو يرفض فكرة وجود وسطاء بين الله والإنسان، على الأقل في هذا العالم. فالإسلام حين وضع الإنسان أمام الله دون عناصر وسائطية روحية كانت أول شخصية أكد بالضرورة مدى التباين بين الله والإنسان. وعلى الرغم من وجود آيات قرآنية ذات حدس روحي، فإن العنصر العقائدي المستمد من القرآن لا يستطيع إلا أن يصدر من افتراض التعارض بين الألوهية والإنسانية ومن تساوي الناس جميعًا (وهذه نتيجة ضرورية للموقف الأول) في علاقتهم بالله من حيث إنهم مخلوقات. وفي هذه المفارقة الكلية يقع التوتر الديني الذي يمثل – في الواقع – المظهر الأصيل المميز للإسلام"(5).

[ 5 ]

"جدير بالقول أن الإسلام.. يتمتع بخاصة جوهرية هامة، وهي تسامحه في وجود وجهات مختلفة ضمن الطائفة، بل إنه يستمد من ذلك مجده وفخره. وأبرز مثل على هذا التسامح هو وجود المدارس المذهبية باسم فقهاء القرنين الثاني والثالث الهجريين.."(6).

___________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 6 .

(2) نفسه ، ص 15 .

(3) نفسه ، ص 195 .

(4) نفسه ، ص 263 .

(5) نفسه ، ص 270 .

(6) نفسه ، ص 40 .

كرونباوم(1)

[ 1 ]

"جعل [الإسلام] الفرد مسؤولاً عن مصيره في الدار الآخرة، فأكمل مجرى حركة الفردية الشرعية والخلقية أو قدمها تقدمًا خطيرًا. وفضلاً عن ذلك فقد جعل الإسلام كل لحظة في حياة المؤمن ذات أهمية كبرى مستديمة، فالجهد الذي يبذله للفوز بالنجاة لا ينبغي أن يتراخى"(2).

[ 2 ]

"أن الإسلام بتأكيده: أن لا غنى عن الجماعة للقيام ببعض الفرائض الأساسية المطلوبة من الفرد المسلم أكد ضرورة التنظيم السياسي. وبينما كان العربي في الجاهلية يفكر بمفاهيم العشيرة والقبيلة فإن المسلم أصبح يفكر بمفاهيم المجتمع السياسي القائم من منطلق الإيمان، ولهذا كان مقدرًا في آخر الأمر أن يسيطر على العالم. فلم يعد البشر منقسمين إلى قبائل مختلفة بل إلى مؤمنين وكفار، وكان لابد لهذا الانقسام أن يستمر حتى بعد الموت"(3).

[ 3 ]

"أن النجاح المحدود الذي صادفته المحاولات السابقة للإسلام لتأسيس دولة يرجع في بعضه في الأقل إلى فقدان (الإيديولوجي) الذي ينبغي أن تمثله أو تحققه الدولة المقترحة. أما الدولة الإسلامية فكان عليها – مقابل ذلك – أن تطبق تعاليم الدين وتيسر الظروف الممكنة والضمانات الكافية للقيام بها في مواعيدها. ولذا كان تنظيمها وسياستها معتمدين على اعتبارات دينية في شكلها المثالي"(4).

[ 4 ]

"أن ما حققه الإسلام من تغيير الثقافة العربية المتوارثة عن السلف يمكن تلخيصه في أربع تغييرات أساسية:

أ- توسيع المشاعر الإنسانية وتنقيتها.

ب- توسيع نطاق العالم الفكري والوسائل التي تمكن الإنسان من السيطرة عليه.

ج- إبداع نظام سياسي لم يسبق إليه في محل نشأته، مقبول من الوجهة الخلقية وفعال في الوقت نفسه.

د- تصوير أسلوب جديد (مقرر) للحياة، ومعنى ذلك إيجاد مثل أعلى جديد للبشر ونموذج مفصل لتحقيقه في حياة نموذجية تمتد من الحمل إلى ما بعد يوم القيامة.."(5).

[ 5 ]

".. أن الهوّة الموجودة في حضارتنا (الغربية) بين الميادين السياسية والميادين الدينية لا توجد إلى هذا الحدّ أبدًا في العالم الإسلامي.."(6).

___________________________________

(1) الدكتور كوستاف فون كروبنام G. E. Von Grunebaum

نمساوي الأصل، تخرج من جامعتي فينّا، وبرلين، وعين أستاذًا مساعدًا للدراسات العربية والإسلامية، في جامعة نيويورك (1938-1942)، وفي جامعة شيكاغو (1943-1949) وأستاذًا فيها (1949-1957)، وأستاذًا لتاريخ الشرق الأدنى في جامعة كاليفورنيا (1957)، ثم رئيسًا لقسم دراسات الشرق الأدنى فيها.

من آثاره: (الشعر العربي) (1935)، (دراسات عربية) (1937)، (التفسير الحديث للإسلام) (1947)، (الإسلام في العصر الوسيط) (1945)، والعديد من الأبحاث في المجلات المعروفة.

(2) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كروبناوم)، ص 35 .

(3) نفسه ، ص 35 – 36 .

(4) نفسه ، ص 36 .

(5) نفسه ، ص 37 .

(6) نفسه ، ص 69 – 70 .

كلايتون(1)

[ 1 ]

".. بعد أن نفهم حقيقة الإسلام يسهل علينا أن نعرف السبب الذي يجذب الإنسان للانضواء تحت لوائه. فكل مسلم يعرف أن الإسلام معناه الخضوع والإذعان الكامل لمشيئة الله. فعندما نولد نكون مسلمين. ولكننا بعد ذلك نترك سبيل الله ونتبع السبل المضلّة المفرّقة، والإسلام دين الفطرة. وكل مولود يولد على الفطرة قبل أن يشب عن الطوق لنفرض عليه عقيدة أخرى تتنافى وإرادة الله. ويمكن القول بأن الصخور والشجر مسلمة لأنها تخضع لسنة الله في الخلق. ومن ذلك نعلم أننا إذا سعينا إلى صرف المسلم عن عقيدته ودينه وشدّه إلى أية ملّة أخرى فمعنى ذلك أننا نتدخل ضد سنة الله الفطرية. ولابد للفطرة أن تنتقم {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم 30].."(2).

[ 2 ]

"كان الناس يخلعون أحذيتهم أو نعالهم وينتظمون في صفوف طويلة الواحد منها وراء الآخر. وقد أثار دهشتنا ونحن نرقبهم في صمت أنه لا توجد فوارق من أي نوع بين أفراد هذا الاجتماع. فلقد كان البيض والصفر والسود، على جانب الفقراء والأغنياء والشحاذين والتجار يقفون جنبًا إلى جنب دون أدنى التفات إلى العنصر أو المكانة الاجتماعية في الحياة.. إن روح الأخوة التي تجلت في ذلك الجمع المتباين من الناس قد تركت انطباعًا لا يمكن أن يمحى من نفسي ما حييت.."(3).

___________________________________

(1) توماس محمد كلايتون Thomas M. Clayton

مسيحي أمريكي لم تمنحه المسيحية القناعات الكافية فانشق عليها، وحدث أن عثر يومًا على ترجمة لمعاني القرآن الكريم، ففتحت أمامه الطريق إلى الحقيقة، فازداد انكبابًا على دراسة المؤلفات الإسلامية والاتصال بعدد من الدعاة، الأمر الذي انتهى به إلى اعتناق الإسلام عام 1947.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 3 / 101 .

(3) نفسه ، 3 / 103 .

إيفلين كوبولد

[ 1 ]

"سألني كثيرون كيف ومتى أسلمت؟ وجوابي على ذلك أنه يصعب عليّ تعيين الوقت الذي سطعت فيه حقيقة الإسلام أمامي فارتضيت الإسلام دينًا. ويغلب على ظني أنني مسلمة منذ نشأتي الأولى. وليس هذا غريبًا إذا ما راح المرء يفكر بأن الإسلام هو الدين الطبيعي الذي يتقبله المرء فيما لو ترك لنفسه ولم يفرض عليه أبواه الدين الذي يعتنقانه فرضًا. ألم يصف أحد مشاهير النقاد في أوروبا: (بأنه دين العقل والإنسانية)؟"(1).

[ 2 ]

"الإسلام كلمة تعني التسليم لله، وهي تعني السلام أيضًا، ويعرف المسلم بأنه الرجل الذي يسير في حياته وفاقًا لمشيئة خالقه وأوامره والذي يعيش بسلام مع الله وعباده. ولعل أجمل ما في الإسلام ما يضطرب فيه من وحدانية إلهية، وأخوة إنسانية، وخلوه عن التقاليد والبدع والتصاقه اللصوق كله بما في الحياة من أمور عملية.. والإيمان في القرآن إنما يقوم على العمل الصالح وليس هناك في الإسلام إيمان دون ما عمل صالح أبدًا.."(2).

"من فوائد الحج أنه يوطد الوحدة الإسلامية ويغذي الأخوة التي أنشأها محمد [صلى الله عليه وسلم] وهو يدعو المسلمين في كل عام مرة واحدة إلى التعارف والتقارب والتحدث فيما بينهم.. فالحج والحالة هذه ليس فرضًا دينيًا فحسب، وإنما هو إلى ذلك كله، جمعية أمم عظمى. ولقد أشار إلى هذه الظاهرة الخطيرة الأستاذ سنوك [هيروغرنجه المستشرق الهولندي] فقال: (لقد سبق الإسلام الحكومات الأوروبية في التوحيد بين الأمم والتقارب بين الشعوب بما أقره من وجوب الحج على كل مسلم يستطيع إلى الحج سبيلاً، ولعمري إن هذه الديمقراطية والأخوة التي أقرها الإسلام وجعلها عامة بين أتباعه لما يخجل الجماعات الأخرى التي لم تفطن لها ولا دعت إليها"(3).

[ 3 ]

"من المعلوم أنه لا كهنوت في الإسلام، وليس هناك واسطة بين المسلم وربّه.."(4).

[ 4 ]

".. إذا لم يكن في الإسلام إلا هذه الأخوة التي قتلت التفرقة وجعلت من الإنسانية شخصًا واحدًا لا يعلو واحدها على رفيقه إلا بالتقوى والعمل الصالح، لكفى ولكان الإسلام خير الأديان وأقربها إلى الله وأرفعها درجات. ولقد أشار المستر بيكتول الكاتب الإنكليزي، إلى هذه الظاهرة الغريبة الفذة في تاريخ الإنسانية، وراح يضرب الأمثال بهذا الاختلاف العظيم يعمّ الغرب من أقصاه إلى أقصاه ويفصل بين المرء وولده وشقيقه ونسيبه وجاره، وكيف أن الإسلام يقف وحيدًا في هذه الظاهرة حيث تقوم الأخوة الإسلامية فيه مقام العصبية والجوار وغيرها من الصلات.."(5).

[ 5 ]

".. أن الإسلام دين حي، حي في قلوب أتباعه ومريديه، وهو دين كلما تقدمت به الأيام زادت حيويته وقوي أمره وتبسط سلطانه وفشت دعوته ولولا ذلك لما أمكنه أن يعيش وأن يظل محتفظًا بقوته وتأثيره وحب أتباعه له"(6).

[ 6 ]

"أن روحانية الإسلام قوية شديدة، فهي أبدًا تدفع المسلمين بعضهم إلى بعض وتجعل منهم قوة إنسانية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر مما لا يوجد مثله في العالم الحاضر"(7).

___________________________________

(1) البحث عن الله ، ص 9 .

(2) نفسه ، ص 12 .

(3) نفسه ، ص 13 .

(4) نفسه ، ص 13 .

(5) نفسه ، ص 13 .

(6) نفسه ، ص 13 .

(7) نفسه ، ص 13 .

كولد تسيهر

[ 1 ]

"علينا إن أردنا أن نكون عادلين بالنسبة إلى الإسلام، أن نوافق على أنه يوجد في تعاليمه قوة فعالة متجهة نحو الخير، وأن الحياة طبقًا لتعاليم هذه القوة يمكن أن تكون حياة طيبة لا غبار عليها من الوجهة الأخلاقية. هذه التعاليم تتطلب رحمة جميع خلق الله، والأمانة في علاقات الناس بعضهم ببعض، والمحبة والإخلاص، وقمع غرائز الأثرة، كما تتطلب سائر الفضائل التي أخذها الإسلام عن الأديان السابقة، والتي يعترف محمد [صلى الله عليه وسلم] بأنبيائها [عليهم السلام] أساتذة له، ونتيجة هذا كله أن المسلم الصالح يحيا حياة متفقة مع أدق ما تتطلبه الأخلاق"(1).

[ 2 ]

"وقد اقتنع هؤلاء الرجال [الفقهاء] العمليون من أول الأمر بأنهم جميعًا على الحق، وأنهم يخدمون مبدءًا واحدًا، وعلى هذا الأساس كانوا يتبادلون الاحترام الواجب.. ولم يظهر التعصب المذهبي إلا عندما ازداد العجب عند الفقهاء، الأمر الذي كان موضع لوم أهل الجد منهم.. وقد بقي إلى يومنا هذا الاعتقاد السائد بأن الأعمال المخالفة للمذاهب الفقهية يجب الاعتراف بأنها كلها مستحقة للتصديق على التساوي ما دامت ترجع إلى تعاليم الأئمة وأعمالهم، أولئك الذين أجمع المسلمون على الاعتراف بإمامتهم وحدها.."(2).

[ 3 ]

"وسنلاحظ حقًا أن هذا المبدأ [الفقهي وهو الإجماع] بالنسبة للإسلام يحمل في طياته بذور التحرر والتطورات المستطاعة، فهو يقدم، ضد ديكتاتورية الجمود وقتل الشخصية، قوة للتعادل، وقد حقق على الأقل في الماضي كعامل مهم مطابقة الإسلام للعصر وقتئذ، فماذا عسى يمكن أن يكون باستعماله في المستقبل؟ وفي الحق أن هذا المبدأ المتبع ملحوظ عند مجددي الإسلام في عصرنا، فهو الباب الذي يجب بواسطته أن تنفذ إلى بناية الإسلام عوامل القوى الشابة"(3).

[ 4 ]

"والحياة في الفقه ليست مقصورة على أمور العبادات وحدها، فالفقه الإسلامي ضمّ فروع الحياة والحقوق المدنية والسياسية والعقوبات. ولا يفلت فصل من فصول الفقه من أن يدخل تحت قاعدة مبنية على أساس ديني، وكل الأمور المتعلقة بالحياة الشخصية أو العامة داخلة في الواجبات الدينية وبواسطة هذا يعتقد الفقهاء أن كل حياة المؤمنين موافقة لطلبات الدين"(4).

[ 5 ]

"ومعرفة الأقوال المتفرعة الكثيرة في دائرة الفقه الإسلامي، من الأدلة التي يسوقها أصحاب المذهب لتأييد مذاهبهم عند الاختلاف في الرأي أو العمل في مذهب آخر، وكذلك نقد هذه الأدلة من وجهة نظر المذهب نفسه، كل ذلك يصور لنا فراغًا عاليًا من الفقه في الإسلام، ويقدم فرصة دائمة لمعرفة الذكاء العلمي في هذه الدائرة التي هي للإسلام في أوطانه ذات فائدة وأهمية خاصة، نظرًا لأهمية هذه الأبحاث، في هذه الدائرة، قد ظهرت فيها منذ العصور القديمة للمدارس الفقهية كتب كثيرة"(5).

___________________________________

(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 29 .

(2) نفسه ، ص 59 .

(3) نفسه ، ص 63 .

(4) نفسه ، ص 65 .

(5) نفسه ، ص 66 .

عبد الله كويليام

[ 1 ]

".. أنه ليس بين الأديان أقرب للفهم من الدين الإسلامي للذين يفقهونه، كما أنه ليس بينها أثبت ولا أرفق منه. فهو بقاعدتيه: وحدانية الله والجزاء الآجل، يمنح القلوب حقوقها من السكينة والارتياح ويذهب بالإرادة المذهب الذي يلائمها وتحتاج إليه بدون أن تسوم العقل قيود هو بالطبع يأباها. وليس في الاكتشافات العلمية الحديثة، ولا في المسائل التي انتهى حلها والتي تحت الحلّ ما يغاير مثل هذه الحقائق الإسلامية الوضاءة والسهلة المأخذ. ولهذا فإن التوفيق الذي نبذل كل جهدنا معاشر المسيحيين لإيجاده بين العقل والاعتقاد في ديننا المسيحي هو سابق موجود في الديانة الإسلامية. وإنني بكلامي هذا عن الدين المسيحي إنما أشير إلى تلك الزيادات الموافقة وغير الموافقة التي أدخلت على نصرانية الإنجيل التي هي في الحقيقة كإسلام القرآن"(1).

[ 2 ]

".. أن الشريعة المحمدية تشمل الناس جميعًا في أحكامها، من أعظم ملك إلى أقلّ صعلوك فهي شريعة حيكت بأحكم وأعلم منوال شرعي لا يوجد مثله قط في العالم"(2).

[ 3 ]

"إن الأساس المهم والمبدأ العظيم في الإسلام هو الاعتقاد بإله واحد في وحدانيته ونبذ الخرافات بأي وجه كانت..".

[ 4 ]

".. مهما ارتقى العقل في درجات الكمال فليرتقِ فإنه لا يخرج عن حدّ تلك الأحكام الجليلة، أعني الأحكام التي انطوت عليها الشريعة الإسلامية، فاتباعها في كل زمان ضروري لا محيص للعقل عنه"(3).

___________________________________

(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 62 ، ( عن لوازون في خطبته المذكورة ).

(2) نفسه ، ص 123 ، ( عن كتاب شكوى وارن هاسنتج ، لادماند بورك ).

(3) نفسه ، ص 129 - 30 .

كوينج(1)

[ 1 ]

"يحدثنا القرآن الكريم عن الإنسان ومحاولته الوصول إلى خالقه في هذه الآيات البينات {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة 164]، ويحدثنا الكتاب المقدس عن هذا المعنى في هذه العبارة: (أن قدرة الله الأزلية وألوهيته منذ خلق العالم، تتجلى في مخلوقاته بنور الفكر الإنساني).."(2).

[ 2 ]

".. أن تاريخ الدين بوجه عام وتاريخ التوحيد على وجه خاص يظهرنا على أن الإيمان بالله وحده هو الجواب الشافي الوحيد عن كل سؤال عن أصل الكون والإنسانية والغاية من وجودهما فلا يمكن أن يكون للحياة الإنسانية من هدف إلا الله وحده وكل تديّن في الإنسان مرده في الأصل – عن إدراك أو بغير إدراك واع – إلى الإيمان بإله واحد، ولقد كان هناك توحيد حين ظهر الإسلام واتخذ الإسلام التوحيد سبيلاً لأتباعه المؤمنين. ولا شك أن الغزالي على حق يقرر أن الإيمان بالله وحده هو المقصد الأسمى للقرآن الكريم.."(3).

[ 3 ]

".. لنقلها إذن في صراحة ووضوح: أن التوحيد عدو لكل من نصب نفسه معيارًا للحياة الإنسانية في هذه الأرض، وهذه الحقيقة هي التي ترسم لنا حدود مسؤولياتنا.. وليكن همنا في هذه الأيام العصيبة أن نعين الناس على أن يستجيبوا لأمر الله فيقيسوا حياتهم وفق أمره ومشيئته وفي هذه الاستجابة لنداء الفطرة (كما يدعوها المسلمون) المستكنة في قلب كل بشر، جوهر الإيمان بالله الحق المبين. ولعلنا بذلك نخطو الخطوة الحاسمة في إقرار التوحيد بين البشر"(4).

__________________________________

(1) الكاردينال كوينج Quenge

رئيس أساقفة النمسا.

(2) عقيدة التوحيد في العالم المعاصر ، ص 10 .

(3) نفسه ، ص 15 – 16 .

(4) نفسه ، ص 17 .

كيبون(1)

[ 1 ]

"أن ما يثير دهشتنا هو ثبات الإسلام لا انتشاره، فإن نفس الطابع النقي الكامل، الذي كان له في مكة والمدينة، ما زالت تجيش به صدور المسلمين في الهند وأفريقيا وتركيا"(2).

[ 2 ]

"أن في عبقرية النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، وفي خلال أمته وفي روح دينه، أسباب انحلال الدولة [الرومانية] الشرقية وسقوطها، وأن أبصارنا لتتجه دهشة إلى ثورة من أعظم الثورات التي طبعت أمم الأرض بطابع خالد"(3).

___________________________________

(1) إدوارد كيبون (1737 – 1794 ) Edward Gilbbon

ولد في بلدة بتني بجنوب إنكلترا، من أسرة غنية، كان أبوه عضوًا في البرلمان الإنكليزي، درس في جامعة أكسفورد، وفي لوزان بسويسرا سافر إلى أكثر من بلد، وفاز بمقعد في مجلس العموم البريطاني. يعد كتابه: (اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها) الذي صدر في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، واحدًا من أهم الأسفار التاريخية. وقد أعيد طبعه مرارًا، وترجم إلى معظم اللغات الأوروبية.

(2) اضمحلال الإمبراطورية الرومانية، ( عن محمد عبد الله عنان: مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام، ص 11 ).

(3) نفسه ، ص 12 .

كيمن(1)

[ 1 ]

".. حينما اكتشفت أوروبا مرة أخرى فكرة الفصل بين الكنيسة والدولة وجدت قوّتها، لم يستطع الإسلام أن يقوم بعمل من هذا القبيل، لأن ذلك غير معروف في تاريخه مطلقاً"(2).

[ 2 ]

".. أن الفقهاء في العهد العباسي لم يكتبوا مؤلفاتهم وهم بمعزل تام عن محيطهم، ولا شك في أنهم اشتغلوا بتكوين الآراء النظرية، كما فعل المشرعون الأوروبيون، ولكنها كانت نظريات دعا إليها الواقع بحيث أن أصحاب المذاهب المختلفة استطاعوا مثلاً أن يؤلفوا رسائل في القانون العام تكاد تكون متطابقة تمامًا"(3).

___________________________________

(1) جاك دوشين كيمن J. Duchessne Gnillemin

ولد عام 1911 متخصص بالدراسات الإيرانية، وأستاذ في جامعة ليينج، وله مباحث في أسماء الأعلام الإيرانية وفي دين زرادشت.

(2) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية ( تحرير كرونباوم )، ص 18 .

(3) نفسه ، ص 18 – 19 .

كين(1)

[ 1 ]

".. كنت أنطوي على نفسي وأقرأ في شغف وفهم كل ما تصل إليه يدي من كتب الأديان المختلفة، وأتعمق في هذه القراءات التي استمرت عشر سنوات كاملة. وأخيرًا وصلت إلى نتيجة هامة وبلغت الحقيقة التي ظللت أبحث عنها طويلاً، وهي أنني سأعتنق الإسلام وأكون مسلمًا.. لقد انتهيت في يقين إلى أن الدين الإسلامي هو دين العقل والمنطق، وهو دين الحياة الدنيا والآخرة، وهو أيضًا دين المادة والروح معًا"(2).

[ 2 ]

".. لقد بحثت طويلاً في سرّ الوجود وتعمقت في أبحاثي بحكم دراساتي للفلسفة وعلم النفس، ورأيت أن الإسلام هو أقرب الأديان إلى السماء وإلى النفس الإنسانية فتأكد يقيني بأنه الدين الكريم الذي أرتضيه وأؤمن به.."(3).

___________________________________

(1) الدكتور آرثر كين: علي عمر كيم Dr. A. Keen

فيلسوف أميركي، اشتغل بالصحافة، ثم اتجه إلى الكتابات الاجتماعية، والفلسفية، ثم تفرغ للتأليف، فألف عدة كتب في علم النفس العلاجي وشن هجمات مركزة ضد التدخين والخمور، قرأ كثيرًا ، وانتهى إلى أن الإسلام هو الطريق الوحيد، فأعلن إسلامه عام 1961 بمدينة نيويورك، وزار القاهرة، وأعلن شهادته مرة أخرى أمام شيخ الجامع الأزهر محمود شلتوت – رحمه الله – وحينذاك "امتلأت نفسه بالطمأنينة والراحة" و"أصبح الإسلام جزءًا لا يتجزأ من حياته".

(2) رجال ونساء أسلموا ، 9 / 155 .

(3) نفسه ، 9 / 155 – 156 .

لامير(1)

[ 1 ]

"لقد جاءني الإسلام كما يأتي النبع الدافئ إلى الأرض الباردة بعد الشتاء المظلم، فأدفأ روحي وسربلني بثوب من تعاليمه القشيبة. فما أوضح تعاليم الإسلام وأعذبها، وما أعظم منطقها!"(2).

[ 2 ]

"لا أستطيع أن أسجل مدى فرحتي بهذا الدين الذي أخذ ينفرج أمام نظري، فقد أحسست أن هذا هو الدين الذي كنت أنتظره وأنه الدين الذي آمنت به. لقد كان إعلان دخولي في الإسلام ترجمة ظاهرة لصوت ضميري. فهل يمكن أن يكون هناك أي شيء أعظم حجة من العقيدة الإسلامية"(3).

[ 3 ]

"أن الإسلام هو أقدم وأول الأديان جميعًا، وهو بتصوره الشامل للحياة قد أثر في ثقافة جل بلاد العالم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبصفة كلية أو جزئية. وسبب ذلك أنه دين يساير الفطرة"(4).

[ 4 ]

"في الوقت الذي تهاوت فيه تعاليم الأديان الأخرى ومبادئها أمام جبروت العلم أخذ علماء الدنيا في الوقت الحاضر يتطلعون إلى الإسلام طالبين السلوى، لأن تعاليمه أقرب إلى العلم من أي دين آخر. بل إن الإسلام يحض على العلم. وهو دين تقدمي يناسب كافة المناخات والبلاد، كما يصلح لجميع العصور"(5).

[ 5 ]

"أإه دين زاخر بالحياة والحركة. وإنه من واجب جميع المثقفين أن يملأوا الفراغ الروحي بالإسلام.. أن الإسلام لديه رسالة لابد أن يقدمها للعالم. إنه نور بوسعه أن ينير العالم أجمع.."(6).

___________________________________

(1) فاطمة سي لامير F. Lamear

ألمانية، لم تقنعها الديانة النصرانية، فأخذت تتصل منذ مطلع عام 1951، عن طريق المراسلة، بعدد من المسلمين الذين شرحوا لها مبادئ الإسلام، فانشرح صدرها له وانتمت إليه.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 3 / 93 .

(3) نفسه ، 3 / 95 .

(4) نفسه ، 3 / 95 .

(5) نفسه ، 3 / 95 – 96 .

(6) نفسه ، 3 / 96 .

روم لاندو

[ 1 ]

".. حين يكون صيام رمضان في البلاد العربية الحارة صيفًا، يصبح الامتناع عن الطعام والشراب خلال ساعات النهار الطويلة امتحانًا حقيقيًا للإيمان.. أن الصوم ولّد ضبطًا ذاتيًا عند شعب كان بطبيعته انفعاليًا شديد العناد"(1).

[ 2 ]

".. أن التوكيد النصراني التاريخي على الألم وإماتة الجسد يكاد يكون مفقودًا بالكلية في الإسلام. والثنائية المسيحية، ثنائية الجسد والروح، هي في نظر المسلم شيء غير معقول، أو في أحسن الأحوال شيء غير واقعي.."(2).

[ 3 ]

"الإسلام في أساسه دين عملي. فالقواعد والأنظمة التي ينصّ عليها القرآن ليست جامدة، ولقد كيّفت وفقًا لما قضت به الأحوال والظروف. وهذه السياسة إنما يؤيدها كثير من المسلمين عندما يستشهدون بالآية القرآنية التي مفادها أن الله يريد أن ييسّر السبيل للناس. إن المسلم ليجد أن في ميسوره التزام أحكام دينه، وهكذا ينعم بالأمن وطمأنينة النفس.. أن هدف النصرانية الممعن في الروحية، ذلك الهدف الذي هو الانتصار على ضعف الجسد، يكاد يكون متعذر التحقيق في هذه الحياة، ولولا محبة الله إذن لكان خليقًا بحياة المسيحي أن تكون سلسلة من ضروب الإخفاق والخيبة التي لا سبيل إلى التغلب عليها. إن في إمكان المسلم أن يبلغ مثل دينه الأعلى هنا على سطح الأرض، ولكن النصراني يتطلع إلى الاتحاد بالمسيح [عليه السلام] في المستقبل بوصفه غاية الغايات في حياته الدينية"(3).

[ 4 ]

".. في الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني"(4).

[ 5 ]

"العلم الإسلامي لم ينفصل عن الدين قط. والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية) ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها.. إن المسلمين وفّقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين وحقائق وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح لا عامل تعويق وإحباط"(5).

___________________________________

(1) الإسلام والعرب ، ص 49 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) نفسه ، ص 52 .

(4) نفسه ، ص 246 .

(5) نفسه ، ص 280 – 281 .

لايتنر

[ 1 ]

"كل مسلم قيم ومهيمن على دينه مباح له التكلم بخصوص الأمور الدينية فليس هو رقيقًا للمشايخ. يعبد الله وحده لا يحتاج إلى وسيط، وإنما كان متى أدركته أوقات الصلاة فهنالك محل لعبادته، ولعلماء المسلمين الحرية التامة للاحتراف والاشتغال ولكن أكثر علمائهم يتعاطون تعليم الدين للناس. وأي مسلم يستطيع أن يقول: (إني بتسليم نفسي لإرادة الله) نائب عن الدين الذي علمه محمد [صلى الله عليه وسلم]. والحق يقال بأن كافة المسلمين في الدنيا مرشدون بهذا الهدى الاجتماعي.."(1).

[ 2 ]

".. الصلاة عمادها الطهارة والنظافة، ومعلوم أن النظافة من الإيمان والوضوء والصلاة لهما أعمال دقيقة جدًا وليس بإمكان أحد القسيسين أن يقول بحق أحد النصارى بأننا نستطيع تعلمها من أي مسلم نصادفه. وأما الزكاة فيحق لها أن تدعى (الصلاة النقدية).. ولكي تكون مقبولة عند الله فمن الواجب على المزكين أن يبيّنوا ملكيتهم لما وهبوه شرعًا ولا يجوز أن يكون فيه ما حرم كسبه.. وكل من يعطي فوق فريضة الزكاة فأجره على الله. والحج إلى مكة (المشرفة) مهم جدًا لأنه يتكون منه اجتماع المسلمين من كافة أقطار العالم ويتأتى عنه التعارف والاتحاد، وهذا شيء ليس للنصارى فيه من نصيب. وفوق هذا فإنه من أقوى العوامل والأسباب على نشر العلم والآداب.. أما الصوم فهو تمرين يعتاده الإنسان وله نفع عظيم، كما أن الطهارة والنظافة معقولان، كذلك الصوم المتمّم للأحوال الصحية التي يطلبها الطبيب"(2).

[ 3 ]

".. إنا نرى الأغبياء من النصارى يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد حضّ على عتق الرقاب وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة"(3).

[ 4 ]

"الحق يقال إن الامتناع عن أكل لحم الخنزير وشرب المسكر واللحم الذي لم يحسن ذبحه، وإزالة كل مضرّ، وغير ذلك من الأشياء التي نهى عنها الإسلام، لمن أعظم الأمور النافعة للعاملين بها وليست لإتعابهم"(4).

[ 5 ]

"في المساجد ترى المساواة التامة بين المصلين فلا يوجد فيها مقاعد خاصة بأحد، وأي إمام يمكنه أن يؤم المصلين. ولا يوجد منظر أبهج من منظر جماعة المسلمين يصلون وهم خاشعون صامتون"(5).

___________________________________

(1) دين الإسلام ، ص 6 .

(2) نفسه ، ص 7 – 8 .

(3) نفسه ، ص 7 .

(4) نفسه ، ص 8 .

(5) نفسه ، ص 9 .

كوستاف لوبون

[ 1 ]

".. أن الإسلام يختلف عن النصرانية في كثير من الأصول، ولا سيّما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، وذلك أن الإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شيء ولا تحفّ به الملائكة والقديسون وغيرهم ممن يفرض تقديسه، وللإسلام وحده أن يباهي بأنه أول دين أدخل التوحيد إلى العالم. إن سهولة الإسلام العظيمة تشتق من التوحيد المحض، وفي هذه السهولة سرّ قوة الإسلام، والإسلام، وإدراكه سهل، خال مما نراه في الأديان الأخرى ويأباه الذوق السليم، غالبًا، من المتناقضات والغوامض، ولا شيء أكثر وضوحًا وأقل غموضًا من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله.. وأنك، إذا ما اجتمعت بأي مسلم من أية طبقة، رأيته يعرف ما يجب عليه أن يعتقد ويسرد لك أصول الإسلام في بضع كلمات بسهولة، وهو بذلك عكس النصراني الذي لا يستطيع حديثًا عن التثليث والاستحالة وما ماثلهما من الغوامض من غير أن يكون من علماء اللاهوت.."(1).

[ 2 ]

".. الإسلام [يعدّ] من أشد الأديان تأثيرًا في الناس، وهو مع مماثلته لأكثر الأديان في الأمر بالعدل والإحسان والصلاة.. إلخ، يعلّم هذه الأمور بسهولة يستمرئها الجميع، وهو يعرف، فضلاً عن ذلك، أن يصبّ في النفوس إيمانًا ثابتًا لا تزعزعه الشبهات"(2).

[ 3 ]

"الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والتسامح.."(3).

[ 4 ]

"تأثير دين محمد [صلى الله عليه وسلم] في النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال الأعراف المختلفة التي اتخذت القرآن مرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر قرنًا.."(4).

[ 5 ]

"ليس المسلمون أجانب في نظر بعضهم إلى بعض مهما اختلفت الشعوب التي ينتسبون إليها، ولا فرق في دار الإسلام بين الصيني المسلم والعربي المسلم في التمتع بجميع الحقوق، وبهذا تختلف الحقوق الإسلامية عن الحقوق الأوروبية اختلافًا أساسيًا"(5).

__________________________________

(1) حضارة العرب ، ص 125 .

(2) نفسه ، ص 125 – 126 .

(3) نفسه ، ص 126 .

(4) نفسه ، ص 417 .

(5) نفسه ، ص 389 .

نظمي لوقا

[ 1 ]

"ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} [المائدة 8]، فأي إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تساميًا واستقامة ؟"(1).

[ 2 ]

"عقيدة [الإسلام] عقيدة واحدة بسيطة يقطع الإيمان بها الطريق على كل حيرة وخوف، ويبعث الطمأنينة في كل نفس. وباب هذه العقيدة مفتوح لكل إنسان، لا يصدّ عنها أحد بسبب جنسه أو لونه.. وهكذا يجد كل إنسان له مكانًا في ظل هذه العقيدة الإلهية على أساس من المساواة العادلة، التي لا تفاضل معها إلا بالتقوى، تقوى الله رب (العالمين).."(2).

[ 3 ]

"كان لابدّ من عقيدة ترفع عن كاهل البشر لعنة [الخطيئة الأولى]، وتطمئنهم إلى العدالة التي لا تأخذ البريء بالمجرم، أو تحمّل الولد وزر الوالد، وتجعل للبشرية كرامة مضمونة. ويحسم القرآن هذا الأمر.. حين يجعل المسؤولية أساس الكرامة الإنسانية، وأساس كل حرية، وكل أخلاق ممكنة. وهذا ما قطع به الإسلام ووضع به حجر الأساس لكرامة بني آدم.. والحق أنه لا يمكن أن يقدر قيمة عقيدة خالية من أعباء الخطيئة الأولى الموروثة إلا من نشأ في ظل تلك الفكرة القاتمة، التي تصبغ بصبغة الخجل والتأثم كل أفعال المرء، فيمضي في حياته مضيّ المريب المتردّد، ولا يقبل عليها إقبال الواثق بسبب ما أنقض ظهره من الوزر الموروث. إن تلك الفكرة القاسية تسمّم ينابيع الحياة كلها. ورفعها عن كاهل الإنسان منّة عظمى، بمثابة نفخ نسمة حياة جديدة فيه، بل هو ولادة جديدة حقًا، وردّ اعتبار لا شك فيه. إنه تمزيق صحيفة السوابق، ووضع زمام كل إنسان بيد نفسه.."(3).

[ 4 ]

"هكذا يكون الإنسان [في الإسلام] متكامل الجوانب، لا يشكو [فصام] الروح والجسد، ذلك الفصام الذي عانى منه الكثيرون. ولا يعرف (الفصم) إلا من يكابده. وبهذا يكون الإنسان سيد الأرض حقًا، لا ينظر إلى طيّباتها نظرة الحسير، ولا يمشي في جنباتها مشية الأسير، ولا يثقل كاهله الخزي من نوازعه، في يده زمام نفسه. وقد أحل له ما لم يرد فيه تحريم، تقرّ به عينه في غير حرج ولا غضاضة"(4).

[ 5 ]

"نظام واحد يمسك الدين والدنيا، ويسلك المعاش والعبادة والمعاد، ولهذا قلما يرد ذكر الصلاة في القرآن من غير آثارها العملية.. إن الصلاة التي تتكرر في اليوم جملة مرات، لا يلهي عنها بيع ولا شراء، سبب قوي بين الإنسان والله.. ولكن أين تكون تلك الصلاة؟ هل لابدّ فيها من وساطة رجال الدين؟ هنا تبرز خصوصية الإسلام.. فكل مكان في أرض الله الطاهرة يصلح مسجدًا ومحرابًا لا هياكل ولا كهانة ولا وسطاء بين الله والإنسان بعد اليوم! ولا وصاية على ضمائر الناس! فكلهم أمام الرحمن سواء. والصلة بينهم وبين ربهم صلة مباشرة لا أمت فيها ولا التواء.. وليس من حق أحد كائنًا من كان أن يتدخل بين المرء وربه، أو يدعي لنفسه القوامة على ضميره وعقيدته.."(5).

___________________________________

(1) محمد الرسالة والرسول ، ص 26 .

(2) نفسه ، ص 72 – 73 .

(3) نفسه ، ص 76 – 78 .

(4) نفسه ، ص 84 .

(5) نفسه ، ص 147 – 149 .

لويس(1)

[ 1 ]

"لم تنشأ أمام محمد [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه مشكلة الاختيار بين الله وقيصر، أعني ذلك الفتح الذي لم يقع المسيح [عليه السلام] به وإن وقع في حبائله الكثير من المسيحيين. ففي الإسلام لا يوجد (قيصر) بل يوجد الله وحده، وكان محمد [صلى الله عليه وسلم] رسوله الذي يعلم ويحكم باسمه. فكانت السلطة نفسها، الصادرة عن المصدر نفسه، تدعم الرسول [صلى الله عليه وسلم] في كلتا المهمتين (مهمة الدين والدولة) وكان الوحي ذاته يقدم محتوى المهمة الأولى وأساس الثانية. وعندما توفي محمد [صلى الله عليه وسلم] كانت مهمته الروحية والنبوية – وهي نشر رسالة الله – قد تمت، وبقي عمله الديني، ومعه العمل السياسي. وكان قوام هذا العمل هو نشر شريعة الله بين البشر وذلك عن طريق توسيع عضوية وسلطة الجماعة التي تعترف بذلك القانون وتؤيده. وكان لابد من وكيل أو خلف للرسول [صلى الله عليه وسلم] لقيادة هذه الجماعة. وتجمع الكلمة العربية (الخليفة) بين المعنيين"(2).

[ 2 ]

"أصبح من التجديدات الشائعة حديثًا التمييز بين (نظام الحكم) و(النظام الديني) في الإسلام. ولكن مهما كان مدى انطباق هذا التمييز على الإمبراطورية الإسلامية اللاحقة – وحتى هذا كان موضع تساؤل – فإنه لم يكن على الإطلاق منطبقًا على صدر الإسلام. ففي عهد الخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم] نجد أن الحكومة هي المؤسسة الدينية ولا يوجد غيرها.. والواقع أنه لم يكن يوجد في المفهوم الإسلامي مقابل حقيقي لمثل تلك الأضداد: ديني ودنيوي، روحي وزمني، كهنوتي وعلماني، وحتى المقدس المدنّس، ولم يظهر مثل هذا التضاد إلا بعد وقت طويل جدًا، حيث استحدثت كلمات جديدة للتعبير عن مفاهيم جديدة، أما في العهد الأول للإسلام فلم تكن الثنائية التي تدل عليها تلك الكلمات المعروفة لذا لم يكن هنالك من كلمات للتعبير عنها. ولقد قيل إن الخليفة يجمع في آن واحد بين شخصيتي الباب والإمبراطور، على أن التشبيه مضلّل. فلم تكن للخليفة وظائف بابوية أو حتى كهنوتية، ولم يكن يتلقى التعليم الرسمي لرجال الدين من العلماء. ولم يكن واجبه عرض الدين ولا تفسيره بل كان واجبه هو دعمه وحمايته، وإيجاد الظروف التي من شأنها أن تمكن الناس من العيش حياة إسلامية صالحة في هذه الدنيا وبذلك يعدون أنفسهم ضمن حدود الإسلام، وأن يدافع عن هذه الحدود ضد الهجمات الخارجية. وكان من واجبه – ما أمكنه ذلك – توسيع تلك الحدود، حتى يصل العالم كله، عندما يحين الوقت، إلى اعتناق الإسلام"(3).

[ 3 ]

"رغم زوال الخلافة وتجزئة عالم الإسلام إلى عدد كبير من الكيانات السياسية المستقلة المنفصلة والمتحاربة في كثير الأحيان، فقد بقي الشعور بالهوية والتماسك، وبأن المسلمين (أمة واحدة من دون الناس) قويًا وفعالاً.."(4).

___________________________________

(1) برنارد لويس B. Lewis

ولد عام 1916، وتخرج من جامعتي لندن وباريس، وعين معيدًا للتاريخ الإسلامي في جامعة لندن (1938)، والتحق بوزارة الخارجية (1941-1954)، وعمل أستاذًا لتاريخ الشرقين الأدنى والأوسط في جامعتي لندن (1949)، وكاليفورنيا (1955-1956).

(2) تراث الإسلام ، ( تصنيف شاخت وبوزورث ) 1 / 230 .

(3) نفسه ، 1 / 232 – 233 .

(4) نفسه ، 1 / 252 .

الس لينحتنستادتر

[ 1 ]

".. أن تاريخ الحكم الإسلامي يدحض ظنون [بعض الغربيين من أن الإسلام لا يصلح لإقامة دولة تساس فيها الأمور على قواعد المصلحة الاجتماعية وحسن العشرة بين المسلمين وغير المسلمين]، وأن مفكري الإسلام في جميع العصور بحثوا قواعد الحكم والعرف من الوجهة الفلسفية وأخرجوا لأممهم مذاهب في السياسة والولاية تسمو إلى الطبقة العليا.."(1).

___________________________________

(1) الإسلام والعصر الحديث ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 23 – 24 .

ليون(1)

[ 1 ]

"من روائع الإسلام أنه يقوم على العقل وأنه لا يطالب أتباعه أبدًا بإلغاء هذه الملكة الربانية الحيوية. فهو على النقيض من الأديان الأخرى التي تصرّ على أتباعها أن يتقبلوا مبادئ معينة دون تفكير ولا تساؤل حرّ، وإنما تفرض هذه المبادئ فرضًا بسلطان الكنيسة. أما الإسلام فإنه يعشق البحث والاستفسار ويدعو أتباعه إلى الدراسة والتنقيب والنظر قبل الإيمان.. أن الإسلام يؤيد الحكمة القائلة: برهن على صحة كل شيء ثم تمسّك بالخير. وليس هذا غريبًا، إذ أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. فالإسلام دين العقل والمنطق.. لذلك نجد أن أول كلمة نزلت على النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] كلمة اقرأ، كما نجد أن شعار الإسلام هو الدعوة إلى النظر والتفكر قبل الإيمان.. فالإسلام هو الحق وسلاحه العلم، وعدوه اللدود هو الجهل.."(2).

[ 2 ]

".. أن كلمة إسلام ترادف كلمة (حق) وكلمة (حقيقة)، وأنه في ظل شمس الإسلام الرائعة الدائمة الإشراق والتي تستضيء بنور العقل والمعرفة يتم التوصل إلى الحق، ولكن لابد لتحقيق ذلك من أن يستخدم الإنسان فكره ويقدح زناد عقله الذي وهبه الله إياه. [وهكذا] فإن من أهم مصادر التشريع في الإسلام: الاجتهاد الذي يعتمد على النظر والدراسة وإعمال الفكر.."(3).

___________________________________

(1) البروفيسور هارون مصطفى ليون P. H. M. Lyon

إنكليزي، اعتنق الإسلام عام 1882، وكان زميلاً وعضوًا فخريًا في العديد من الجمعيات الدينية في أوروبا وأميركا، وكان أستاذًا قديرًا في علم اللغويات، وهو عالم جيولوجيا له مكانته، وقد تلقى العديد من الأوسمة الفخرية، أحدها من السلطان عبد الحميد الثاني – رحمه الله -.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 6 – 7 .

(3) نفسه ، 7 / 8 .

مارسيه(1)

[ 1 ]

".. أن الحج المتوجب على كل مسلم يستطيع إليه سبيلاً أن يؤديه مرّة في حياته، لا يقل أهمية عن المبادلات التجارية في ترابط أبعد أجزاء العالم الإسلامي.. أما الصلاة، وهي فعل العبادة وخضوع الإنسان لخالقه، فيؤديها المؤمن خمس مرات يوميًا وفي ساعات معينة بعد أن يطهر نفسه بالوضوء، متوجهًا نحو مكة المكرمة، حيث الكعبة المشرفة، مرددًا الصيغ الدينية، وهو يقوم بحركات السجود والركوع المنتظمة بدقة. ويمكن تأدية الصلاة بصورة منفردة وفي أي مكان يجد المرء نفسه فيه، على أن تكون الأرض بعيدة عن كل نجاسة، على أن صلاة الجماعة هي المستحبة.. وتكون الصلاة المشتركة في المسجد، والمسجد أساسًا هو بيت الصلاة، ومخطط بنائه منسجم مع ممارسة العبادة، فمن أجل الصلاة يقف المسلمون جنبًا إلى جنب يؤلفون جبهة عريضة وتنتظم خلف هذا الصف صفوف أخرى بنفس النظام، ويقف الإمام الذي يؤم الصلاة في مقدمة المصلين، وقد أدار ظهره لهم ووجهته ووجهة المصلين، الذين يقومون بنفس الحركات التي يقوم بها ويرددون التلاوات نفسها، هي القبلة، أي اتجاه مكة، حيث الكعبة قطب الإسلام وبيت الله على الأرض"(2).

[ 2 ]

".. على أية حال، يكاد لا يوجد في البلاد الإسلامية منشآت عامة أو خاصة لا تحمل طابع الدين. فلقد تغلغل الإسلام في الحياة البيتية كما دخل حياة المجتمع وصاغت الطبائع التي نشرها شكل البيوت والنفوس.."(3).

[ 3 ]

".. أن العقيدة الأساسية في الإسلام هي الوحدانية المطلقة، فلا إله إلا الله ولقد ظهرت تعاليم الرسول محمد [صلى الله عليه وسلم] كرد فعل قوي ضد تعدّد الأرباب والأنصاب التي كان يقدسها العالم العربي، وضد الوثنية الإغريقية الرومانية ولمجابهة الثالوث الذي يؤمن به المسيحيون ليس لله شريك ولم يلد ولم يولد، لا يمكن أن يشبه بأي مظهر إنساني، ولئن كان القرآن قد حرم عبادة الأصنام بجمال، فإن الحديث الشريف (السّنّة) فعّل ذلك وتوسّع فيه.. وليس من الممكن أن ننكر أن هذا المنع احتفظ بكل قوته في تزيينات العمارة الدينية ولوازم العبادة، وأنه أثر على تطور الفن الإسلامي بأسره.. وهكذا فإن الإسلام وضع طابعه على إطار الحياة اليومية. وحتى عندما يكون الفن مطبقًا في أمور دنيوية فإن من البلاد الإسلام يبقى فنًا مسلمًا"(4).

___________________________________

(1) جورج مارسيه (1905-1946) G. Marcy

مستشرق فنرسي، كتب العديد من الدراسات والأبحاث في الشريعة واللغة، نشرها في عدد من المجلات الشهيرة مثل (المجلة الجزائرية)، و(المجلة الأفريقية)، و(حولية معهد الدراسات الشرقية)، وغيرها.

(2) الفن الإسلامي ، ص 12 – 13 .

(3) نفسه ، ص 15 .

(4) نفسه ، ص 16 – 17 .

هنري ماسيه

[ 1 ]

"في القرآن يظهر إبراهيم [عليه السلام] عدة مرات مع عنوان الحنيف، ويبدو أن هذه العبارة السابقة لعصر محمد [صلى الله عليه وسلم] كانت تدل على أناس لا يعتنقون المسيحية ولا اليهودية ، ويتطلعون بغموض إلى دين أكثر تجردًا من العقائد والمذاهب، إلى توحيد كامل.. [ولكن محمد صلى الله عليه وسلم] سينتهي إلى التوحيد، إلى دين أساسي وفطري ليست الأديان الأخرى سوى دلالات عليه، توحيد يبلور نهائيًا أحلام الحنفاء الغامضين، بحيث يجب أن نرى بهم مبشرين بمحمد [صلى الله عليه وسلم]"(1).

[ 2 ]

"تضاعفت فجأة أهمية النصوص المقدسة لأن دراستها لم تكن قضية تديّن فقط بل قضية تطبيق عملي. وبدأ الفقه ينتظم ولكن بوفاق تام مع القانون السماوي.."(2).

___________________________________

(1) الإسلام ، ص 39 – 40 .

(2) نفسه ، ص 123 .

متز(1)

[ 1 ]

"جرت العادة منذ العصر الأول للإسلام بأن لا يسمى العبيد عبيدًا، بل يسمى العبد فتى والأمة فتاة؛ وقد نسب هذا – كما نسب كثير غيره إلى أمر النبي [صلى الله عليه وسلم]. وكان من التقوى وشرف النفس ألا يضرب الرجل عبده، ويروى عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال: "شر الناس من أكل وحده ومنع رفده وضرب عبده". وهذا الشعور نبيل عبر عنه أبو الليث السمرقندي (المتوفى سنة 387هـ-997م) بروايته هذا الحديث. وفي القرن الرابع الهجري اتخذ بعضهم من قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات 10]. نقدًا يوجهونه لمن يضرب عبده.."(2).

[ 2 ]

"كان في الإسلام مبدأ في مصلحة الرقيق، وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع أن يشتري حريته بدفع قدر من المال، وقد كان للعبد أو الجارية الحق في أن يشتغل مستقلاً بالعمل الذي يريده.. وكذلك كان من البر والعادات المحمودة أن يوصي الإنسان قبل مماته بعتق بعض العبيد الذين يملكهم"(3).

[ 3 ]

"كان المسلم يستطيع أن يرتحل في داخل حدود المملكة (الإسلامية) في ظل دينه وتحت رايته، وفيها يجد الناس يعبدون الإله الواحد الذي يعبده، ويصلون كما يصلي، وكذلك يجد شريعة واحدة وعرفًا واحدًا، وعادات واحدة. وكان يوجد في هذه المملكة الإسلامية قانون عملي يضمن للمسلم حق المواطن، بحيث يكون آمنًا على حريته الشخصية أن يمسّها أحد، وبحيث لا يستطيع أحد أن يسترقّه على أي صورة من الصور. وقد طوّف (الرحالة المعروف) ناصر خسرو في هذه البلاد كلها في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) دون أن يلاقي من المضايقات ما كان يلاقيه الألماني الذي كان ينتقل في ألمانيا في القرن الثامن عشر للميلاد"(4).

___________________________________

(1) آدم متز (1869-1917) A. Metz

تخرج من جامعات ألمانيا، وعين أستاذًا للغات السامية، في جامعة بازل بسويسرا، وقد تخصص بالأدب العربي في العصر العباسي.

من آثاره: (أبو القاسم وتقاليد بغداد في عصره) (1902)، (نهضة الإسلام في القرن الرابع الهجري) (1922)، وقد ترجم إلى العربية بعنوان: (الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري).

(2) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري 1 / 288 – 289 .

(3) نفسه ، 1 / 290 .

(4) نفسه ، 1 / 4 .

فنساي مونتاي

[ 1 ]

".. إذا اعتنق الإنسان الإسلام، فإنه يكون قد اختار دينًا، أعني اختار طريقًا فيه تجاوز للذات، أي أنه اتخذ لنفسه تصورًا للكون ومنهجًا للحياة، والتحق بصفة واضحة بأمة وتوحدها عقيدة.."(1).

[ 2 ]

"في الوقت الذي نرى فيه العالم المعاصر يجعل من التقنية غاية تبرر الواسطة، ويا للأسف، فإن الالتجاء إلى الإسلام يجعل المرء يرفض هذا المفهوم ويتمسك بقيم أسمى.. إن انتمائي للإسلام يمثل بالنسبة لي تحقيق ما في أعماق نفسي ونهاية المطاف المنطقية لوجودي.."(2).

[ 3 ]

"إن الإسلام لم يناد بالخطيئة الأولى.. وبناءً عليه فإننا لا نجد في الإسلام أي شعور بالذنب في مفهومه الإنكلوسكسوني وهو مصدر العصاب المسيحي حسب تعبير الدكتور صولينياك الطبيب الكاثوليكي. ومن جهة أخرى فإن الصفة والزهد في نظر الإسلام ليسا مثلاً بعيدة المنال بالنسبة للبشر.."(3).

[ 4 ]

".. تجوّلت في الأرض [الإسلامية] فوجدت نفس المنهج في الحياة ونفس العقيدة وقد حق للكاتب الفرنسي لوي ماسنيون أن يسمي الإسلام (تيوقراطية المساواة) وكان يرى في المجتمع الإسلامي مجتمع الشجاعة والبساطة وعدم الكلفة دون إفراط في الزهد"(4).

[ 5 ]

".. أركان الإسلام الخمسة تتمثل، بالإضافة إلى الالتزام الشخصي، تضامنًا في الشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج.."(5).

_________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 41 .

(2) نفسه ، 5 / 41 – 42 .

(3) نفسه ، 5 / 46 – 47 .

(4) نفسه ، 5 / 50 .

(5) نفسه ، 5 / 50 .

مونته

[ 1 ]

"أن الديانة الإسلامية كعقيدة توحيد، ليس فيها شيء مجهول في ديانات التوحيد الأخرى إلا أن ظهورها في جزيرة العرب بروح عربية عالية جعل لها طابعًا جديدًا باهرًا. وقد [سميت] الإسلام إشارة إلى تمام الانقياد لإرادة الله، وهي في هذه العقيدة مشابهة للمسيحية إلا أنها تتجلى في القرآن بقوة لا تعرفها النصرانية.. ولقد منع القرآن الذبائح البشرية، ووأد البنات والخمر والميسر، وكان لهذه الإصلاحات تأثير غير متناه في الخلق بحيث ينبغي أن يعدّ محمد [صلى الله عليه وسلم] في صف أعاظم المحسنين للبشرية. أن حكمة الصلاة خمس مرات في اليوم هي إبقاء الإنسان من الصباح إلى المساء تحت تأثير الديانة، ليكون دائمًا بعيدًا عن الشر، وحكمة الصيام تعويد المؤمن غلبة شهوات الجسم وزيادة القوة الروحية في الإنسان، وحكمة الحج هي توطيد الإخاء بين المؤمنين وتمكين الوحدة العربية. فهذا هو البناء العظيم الذي وضع محمد [صلى الله عليه وسلم] أساسه، وثبت ولا يزال ثابتًا بإزاء عواصف الدهور"(1).

[ 2 ]

"لما كان الإسلام دينًا من الأديان أصبح قوة أدبية عظيمة جدًا جديرة بالاحترام من وراء الغاية، ولذا تقضي الحال بأن تقوم الصِلات مع أهله على أساس الإخاء والحب، وأهم الشروط في هذه الروابط الحسنة احترام الإسلام احترامًا مطلقًا. وأن هذا الدين بفضل ما نشره بعض الباحثين من العلماء المجردين عن الأغراض، وما وقف عليه بعض أرباب الرحلات قد أصبح معروفًا في أوروبا معرفة تامة، وغدًا يقدر قدره أكثر من قبل"(2).

________________________________

(1) محمد والقرآن ، ص 22 ، (عن ستودارد: حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 32 – 33).

(2) الإسلام ، ( عن محمد كرد علي : الإسلام والحضارة العربية 1 / 72 ).

ميليما(1)

[ 1 ]

".. أن الإسلام ليس فقط مجموعة من الشرائع والقوانين.. بل أن الفضائل الخلقية تأتي أولاً، وأن العلم لابد أن يؤدي إلى الإيمان"(2).

[ 2 ]

"ما هو جمال الإسلام في نظري، وما الذي شدني بالذات إلى هذا الدين؟ لقد أحببت الإسلام لأنه يؤمن بإله خالق واحد من اليسير على كل إنسان الإيمان به. الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. الله الحكيم، القوي، الجميل الذي لا تحد إحسانه ورحمته حدود.. وهناك تلك العلاقة المباشرة بين خالق هذا الكون وبين مخلوقاته وخاصة الإنسان الذي سخر له الله كل ما في الأرض جميعًا منه. فالمؤمن ليس بحاجة إلى وسيط، لأن الإسلام لا يعترف بالقسس ورجال الدين، والاتصال بالله في الإسلام يعتمد على الإنسان نفسه.. وهو مسؤول عن عمله، ولا يمكن التكفير عن خطاياه بتضحية بديلة يتقدم بها إنسان آخر.."(3).

[ 3 ]

".. المسلم مأمور أن يبحث عن الحقيقة في كل مكان، وحيثما وجدها فهو أحق الناس بها، وهو مدعو للإعراب عن تقديره واحترامه للخصائص الطيبة الخيرة في الأديان الأخرى"(4).

[ 4 ]

".. أن مبدأ الأخوة الإسلامية الذي يضم تحت جناحه كافة البشر بصرف النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد، هذا المبدأ هو الذي جعل الإسلام الدين الوحيد القادر على تطبيق الأخوة في حيز الواقع لا في المجال النظري فحسب. فالمسلمون في كل مكان من العالم يعرفون أنهم جميعًا إخوة في الله.."(5).

[ 5 ]

".. لقد أعجبني اهتمام الإسلام بالمادة والروح باعتبارهما قيمتين أساسيتين، فالتطور العقلي والروحي للإنسان مرتبط في الإسلام وفي الفطرة على السواء ارتباطًا وثيقًا لا سبيل إلى فصله بحاجات الجسد، وعلى المرء أن يتصرف بطريقة تجعل المادة تحت سلطان الروح والعقل فيه.. أن أعظم العبادات في الإسلام هي ما يكون في خضم الحياة.."(6).

________________________________

(1) الدكتور ر. ل. ميليما Dr. R. L. Mileama

رئيس القسم الإسلامي في المتحف الاستوائي بأمستردام في هولندا، وهو مؤلف عدد من الكتب الإسلامية بالهولندية ومتضلع في العديد من اللغات. انتمى للإسلام عام 1955 خلال رحلة له إلى باكستان بعد تأمل وبحث طويلين.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 121 .

(3) نفسه ، 6 / 121 .

(4) نفسه ، 6 / 123 .

(5) نفسه ، 6 / 124 .

(6) نفسه ، 6 / 124 – 125 .

جواهر لال نهرو

[ 1 ]

"إن الإسلام هو الباعث والفكرة لليقظة العربية بما بثه في أتباعه من ثقة ونشاط.. [ولقد] كانت ثقة العرب وإيمانهم عظيمين. وقد أضاف الإسلام إليهما رسالة الأخوة والمساواة والعدل بين جميع المسلمين. وهكذا ولد في العالم مبدأ ديمقراطي جديد. و[أية] مقارنة بين رسالة الأخوة الإسلامية وحالة النصرانية المنحلّة تجعل المرء [يدرك] مقدار سحر هذه الرسالة وتأثيرها لا على العرب وحدهم ولكن على جميع شعوب البلدان التي وصل إليها العرب!"(1).

[ 2 ]

".. كان للدين الذي بشر به محمد [صلى الله عليه وسلم]، بما فيه من سهولة وصراحة وإخاء ومساواة، تجاوب لدى الناس في البلدان المجاورة، لأنهم ذاقوا الظلم على يد الملوك الأوتوقراطيين والقساوسة المستبدين. لقد تعب الناس من النظام القديم وتاقوا إلى نظام جديد فكان الإسلام فرصتهم الذهبية لأنه أصلح الكثير من أحوالهم ورفع عنهم كابوس الضيم والظلم"(2).

_________________________________

(1) لمحات من تاريخ العالم ، ص 24 ، 26 .

(2) لمحات من تاريخ العالم ، ص 27 .

هاريس(1)

[ 1 ]

"أن المسيحية والإسلام في عالم العقيدة هما الديانتان الجديرتان بالعناية، وكل ما عداهما فهو بربرية"(2).

_________________________________

(1) الدكتور ليندون هاريس L. Haris

علم من أعلام التبشير في القارة الأفريقية. مؤلف كتاب (الإسلام في أفريقيا الشرقية) والذي يتناول فيه أحوال الإسلام والمسلمين في هذه المنطقة لغرض اطلاع العاملين في التبشير على حقيقة الموقف للاستعداد لها بما يصلح من أساليب العمل.

(2) الإسلام في أفريقيا الشرقية ، عن: العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 65 . والعبارة المذكورة اقتبسها المبشر هاريس عن الحكيم الإنكليزي الدكتور صمويل جونسون .

هاملتون(1)

[ 1 ]

"لقد ظل جمال الإسلام ونقاؤه البسيط يشدّني إليه دائمًا منذ أن بلغت سن الرشد.."(2).

[ 2 ]

"يعترف الإسلام بالعبقرية والنبوغ والتميز الشخصي. فهو دين بناء وعمارة لا دين تخريب. فإن كان هناك على سبيل المثال رجل يملك أرضًا وهو على جانب من الثراء فلا يحتاج إلى فلاحة أرضه وقد تركها بورًا فإذا انقضت مدة معينة على ذلك الحال تنتقل ملكيتها بصورة طبيعية إلى الأراضي العامة، وتنص الشريعة الإسلامية على أن ملكيتها تنتقل إلى يد أول رجل يقوم بزراعتها"(3).

[ 3 ]

"الإسلام يحظر على معتنقيه لعب الميسر والانخراط في أية صفقة من صفقات اليانصيب كما يحرم كافة المشروبات الروحية ويمنع الربا الذي كان في حالات كثيرة سببًا في الشقاء الذي أصاب بني الإنسان. لذلك فالإسلام يحول دون أي نوع من الاستغلال الديني قد يقترفه أحد الناس ضد التعساء"(4).

[ 4 ]

"بينما نجد أن الإسلام يهدي البشرية في حياتها العملية اليومية، فإن ما يسمى بالنصرانية المعاصرة تعلم أتباعها بصفة غير مباشرة وفي مجال الواقع أن يعبدوا الله في أيام الآحاد فحسب وأن يفترسوا عباده ومخلوقاته في بقية أيام الأسبوع"(5).

________________________________

(1) عبد الله أرشيبالد هاملتون A. A. Hamilton

عرف قبل إسلامه بلقب سير شارلز إدوارد أرشيبالد، اعتنق الإسلام عام 1923، وكان سياسيًا إنكليزيًا معروفًا.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 79 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 80 .

(4) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 81 .

(5) رجال ونساء أسلموا ، 2 / 82 .

هاو(1)

[ 1 ]

"لقد وجدت في الدين الإسلامي الإجابات الشافية [عن معضلة الروح والمادة]، فعلمت أن للجسد حقًا علينا كالروح تمامًا. وأن الحاجات الجسدية هي في نظر الإسلام غرائز طبيعية تستحق الإشباع وليست أمورًا شريرة مستقذرة، بل لابدّ من إشباعها من أجل أن يعيش الإنسان قويًا منتجًا فعالاً. إلا أن الإسلام قد وضع قواعد أساسية لإشباع هذه الحاجات على أسس سليمة تحقق الرضا للنفس وتلتزم بأوامر الله. فالزواج في الإسلام مثلاً هو الطريقة الوحيدة المشروعة لإشباع الغريزة الجنسية، والصلاة والصوم والتعبد والإيمان بالله هي الأخرى وسائل لإشباع الجانب الروحي من الإنسان، وبذلك يتحقق التوازن الذي لابدّ منه لحياة إنسانية كريمة"(2).

[ 2 ]

".. [لقد] أردت أن أكون مسلمة بعد أن اقتنعت تمامًا بالدين الإسلامي. وأحب أن أضيف هنا أنه في ممارسة تعاليم الدين الإسلامي يكتشف الإنسان طبيعته البشرية وشخصيته الإنسانية الحقيقية، ويعرف ذاته. إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي قدم لي الإجابات المقنعة على أسئلتي الحائرة"(3).

________________________________

(1) روز ماري : مريم هاو R. Mary Howe

صحفية إنكليزية، نشأت في عائلة نصرانية متديّنة، لكنها مع بلوغها مرحلة الوعي بدأت تفقد قناعاتها الدينية السابقة وتتطلع إلى دين يمنحها الجواب المقبول. وفي عام 1977 أعلنت إسلامها، وهي تعمل الآن في صحيفة (العرب تايمز) اليومية الكويتية التي تصدر بالإنكليزية.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 8 / 19 – 20 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 8 / 22 .

هونكه(1)

[ 1 ]

"لقد أوصى محمد [صلى الله عليه وسلم] كل مؤمن رجلاً كان أو امرأة بطلب العلم، وجعل من ذلك واجبًا دينيًا. وكان يرى في تعمق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها وسيلة التعرف على قدرة الخالق. وكان يرى أن المعرفة تنير طريق الإيمان.. ويلفت أنظارهم إلى علوم كل الشعوب، فالعلم يخدم الدين والمعرفة من الله وترجع إليه، لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها أيًا كان مصدرها ولو نطق بالعلم كافر. وعلى النقيض تمامًا يتساءل بولس الرسول Paulus مقرًا: (ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة)؟ مفهومان مختلفان، بل عالمان منفصلان تمامًا، حدّدا بهذا طريقين متناقضين للعلم والفكر في الشرق والغرب وبهذا اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة والمعرفة السطحية المعاصرة في أوروبا حيث لا قيمة لمعرفة الدنيا كلها.."(2).

[ 2 ]

"لم تلبث الديانة [الإسلامية] الفتية السائرة في طريقها بعزم وثبات، أن اصطدمت بالديانات الأخرى في كل مكان. فهنا يقف رجال المذاهب المسيحية وجهًا لوجه أمام رجال المذاهب الإسلامية على أتم استعداد للمجادلة، وهنا تقسم هذه المجادلات واختلاف وجهات النظر المسلمين أنفهسم إلى مدارس ومذاهب، وكان من الممكن أن يؤدي هذا إلى نهاية النهضة العربية الإسلامية وهي في مهدها. ولكن ما حدث كان على خلاف ذلك تمامًا، فإن إكراه الإسلام للفتى على أن يجرب قواه الفكرية مع ديانات وفلسفات أخرى في محاجات فكرية وفلسفية قد أفاده أكبر إفادة وأكسبه خبرة ومرانًا"(3).

[ 3 ]

"الإسلام لا يعرف وسيطًا بين العبد والرب.. ولم يكن لديه طبقة من الكهنة.. وعلى العموم فإن مجال حرية الرأي كان أوسع [مما هو عليه الحال في الديانات الأخرى..].."(4).

[ 4 ]

".. لم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب، بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف، كما ارتفعت فيها كلمات الرسول [صلى الله عليه وسلم] فوق مجد التديّن الأعمى. ألم يقل [صلى الله عليه وسلم] أقوالاً، كان يكفي لأن يقولها في روما حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة؟ أو ليس هو القائل بأن حبر الطالب أقدس من دم الشهيد؟"(5).

[ 5 ]

".. لم يكن المسجد تقليدًا للكنيسة بالمرة، حتى ولو ارتفعت سقوفه فوق عمد، كانت يومًا ما، تحمل سقف كنيسة. فمفهوم المسجد يختلف عند المسلمين تمام الاختلاف منذ البداية عن مفهوم المسيحيين للكنيسة. فليس المسجد بيت الله المقدس الذي يتقرب فيه المؤمن من الله عن طريق وساطة الكاهن. فمن قبيل التبرك، أصبح بناء الكنيسة يرمز حرفيًا، وليس معنويًا، إلى مملكة السماء التي يحكمها المسيح [عليه السلام] وإلى البيت المقدس الذي هبط من السماء إلى الأرض. وظلت الكنيسة تحمل هذا المعنى على مر العصور.. أما المسجد فقد تحرر من تلك الأفكار، وكان هدفه بسيطًا واقعيًا. فالعالم كله مسجد كبير بني لله.. ولم يفرض عليه الإسلام ضرورة الصلاة في مسجد أو معبد. وعبادته ليست مرتبطة بوجود كاهن مبارك يمثل دور الوسيط بينه وبين ربّه، فكل إنسان في نظره عبد لله قادر على أن يؤم المصلين في المسجد.. فالجامع هو الذي يجمع المسلمين. وهو ليس بالمكان الخاص الذي يرتفع ببركاته وقدسيته، كالكنيسة، على بقية منازل الناس ومساكنهم. ولهذا لم يهتمّ المسلمون كثيرًا بمظهر المساجد الخارجي. والصلاة للجميع على قدم المساواة فيقف العالم بجوار السقاء وقائد الجيش بجوار الجندي، والإمام بملابسه العادية لا يميزه شيء عن الآخرين.. فالكل سواسية كأسنان المشط. وقد كان هذا الأساس الديمقراطي للإسلام هو الذي جعل المساجد تتسع ولا ترتفع لتضم مزيدًا من الأروقة للمؤمنين المتساوين في الحقوق والواجبات.. والمسجد لا يحاول التأثير على الفرد موضوعيًا أو حسيًا فهو بيت الله، والله واحد لا شريك له ولم يكن له كفوًا أحد"(6).

________________________________

(1) دكتورة زيغريد هونكه Dr. Sigrid Hunke

مستشرقة ألمانية معاصرة، وهي زوجة الدكتور شولتزا، المستشرق الألماني المعروف الذي تعمق في دراسة آداب العرب والاطلاع على آثارهم ومآثرهم. وقد قضت هونكه مع زوجها عامين اثنين في مراكش، كما قامت بعدد من الزيارات للبلدان العربية.

من آثارها: (أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية) وهو أطروحة تقدمت بها لنيل الدكتوراه من جامعة برلين، و(الرجل والمرأة) وهو يتناول جانبًا من الحضارة الإسلامية (1995)، و(شمس الله تسطع على الغرب) الذي ترجم بعنوان: (شمس العرب تسطع على الغرب)، وهو ثمرة سنين طويلة من البحث والدراسة.

(2) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 369 .

(3) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 372 .

(4) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 373 .

(5) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 396 .

(6) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 477 – 479 .

عائشة برجت هوني

[ 1 ]

".. الإسلام في تصوري وكما يراه أحد الأوربيين المسلمين كمثل نموذج هندسي بديع كامل يكمل كل جزء من أجزائه بقية الأجزاء الأخرى ويكمن سرّ جماله في انسجام هذه الأجزاء وتلاؤمها. وهذه الخاصية الإسلامية هي التي تمارس تأثيرها العميق في النفس الإنسانية. فإذا تأملنا تصور الإسلام العميق لعموم الأشياء والأهداف والدوافع والأفعال وتفسيراتها للحكمة الإسلامية فإن ذلك يثير دهشتنا. وإذا نظرت إلى أحكام الإسلام وتفصيلاته وجدت فيها خير هاد لحياة اجتماعية نظيفة تنبثق من قيم خلقية صحيحة. فالمسلم مثلاً يذكر اسم الله في مبدأ كل عمل. ومن هنا يتمّ الترابط بين حياته اليومية ودينه فتتزن الحياة وتنسجم"(1).

_________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 1 / 60 .

هيمز(1)

[ 1 ]

".. الحقيقة الأساسية في الإسلام هي الوحدانية، الله واحد ومحمد رسول الله، أما الشرك فقد وضع جانبًا. فلا أب ولا ابن ولا فصل بين ما هو مقدس وما هو دنيوي وما هو شرقي وما هو غربي. فهناك عالم واحد ودين واحد وإنسانية واحدة. لهذا تجد تركيزًا شديدًا على أخوة الإنسان في الإسلام. وليس هذا من الأمثلة التي لم تحقق بعد، بل هو حقيقة واقعة مشهودة. ولا سبيل إلى التفرقة العنصرية في ظل هذه الأخوة وسواء كانت بشرة الإنسان بيضاء أو صفراء أو حمراء أو برونزية أو سوداء، فليس لذلك أدنى اعتبار أو وزن.."(2).

[ 2 ]

".. المسئولية الكاملة [في الإسلام] تقع على عاتق الفرد.. دون أدنى وساطة من قسّيس بينه وبين الله.."(3).

[ 3 ]

"هذه بعض الأمور التي تجذبني إلى الإسلام: فهناك فكرة التوحيد بأن الله واحد لا يشبهه شيء، والاعتراف بالأنبياء السابقين كموسى وعيسى [عليهم السلام] الذين جاءوا بالدين نفسه، وعدم وجود رجال الدين أو صور وهي أمور تخلق فجوة مصطنعة بين السماء والأرض، وهناك توكيد على نظام محدّد للأخلاق.."(4).

[ 4 ]

".. الإسلام يعلم الناس أن من واجبهم أن يجعلوا الدنيا مكانًا أفضل لحياتهم بدلاً من أن يطالبهم بهجر الدنيا والانزواء في ركن منها وفي عيونهم الدموع. وهذا هو الجهاد الحق، ومعناه الحق ضد الأنانية والجهل والألم. فإذا قيل إن الإسلام ليس مجرد دين بل هو بالإضافة إلى ذلك نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي هذا القول ليس انتقادًا للإسلام بل هو اعتراف بفكرة التوحيد فيه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم أن الله حكيم عليم (له مقاليد السماوات والأرض) فكيف إذن نفصل جزءًا من الحياة عن الجزء الآخر ونقول إن الدين يتعلق فقط بأزمنة وأمكنة"(5).

[ 5 ]

".. أن الإسلام يشدني إليه – كذلك – لأنه يقدم لنا فلسفة كاملة للحياة"(6).

________________________________

(1) ميخائيل هيمز Heimes

إنكليزي، قادته نقاط الجذب والإشعاع في الإسلام إلى انتمائه إليه بعد فترة طويلة مع انحرافات النصرانية.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 55 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 56 .

(4) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 60 .

(5) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 59 – 60 .

(6) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 60 – 61 .

مونتكومري وات

[ 1 ]

"أن فكرة (الأمة) كما جاء بها الإسلام هي الفكرة البديعة التي لم يسبق إليها ولم تزل إلى هذا الزمن ينبوعًا لكل فيض من فيوض الإيمان يدفع بالمسلمين إلى (الوحدة) في (أمة) واحدة تختفي فيها حواجز الأجناس واللغات وعصبيات النسب والسلالة. وقد تفرد الإسلام بخلق هذه الوحدة بين أتباعه فاشتملت أمته على أقوام من العرب والفرس والهنود والصينيين والمغول والبربر والسود والبيض على تباعد الأقطار وتفاوت المصالح، ولم يخرج من حظيرة هذه الأمة أحد لينشق عليها ويقطع الصلة بينه وبينها، بل كان المنشقّون عنها يعتقدون أنهم أقرب ممن يخالفونهم إلى تعزيز وحدتها ولمّ شملها ونفي الغرباء عنها"(1).

[ 2 ]

"أن عقيدة الإسلام تزوّد أبناءه في كل عصر (بالصورة المحركة) التي ينظرون إليها ويترسّمونها (Dynamic Image) أي الطيف أو المثال الذي يحفز السائر إلى الحركة والتقدم ويهوّن عليه مشقة الطريق.. وسرّ هذه القوّة في العقيدة الإسلامية أنها منحت الفرد مقياسًا للحياة أرفع وأسلم من مقياس العصبية والمنعة وهو مقياس الضمير المستقل عن أصحاب السيادة، وأنها – مع هذا الاستقلال الفردي – لم تترك الجماعة بغير وجهة تصمد عليها، فأبدعت لها فكرة (الأمة) وحررت هذه الفكرة من ربقة العصبية وحدود الوراثة، فأصبح معنى (الأمة) قابلاً للتطور مع الحوادث و(الظروف).."(2).

________________________________

(1) الإسلام والجماعة المتحدة ، عن: العقاد ، ما يقال عن الإسلام ، ص 183 .

(2) الإسلام والجماعة المتحدة ، عن: العقاد ، ما يقال عن الإسلام ، ص 184 .

واجنر(1)

[ 1 ]

".. {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران 19]، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ 28]، لقد تركت هذه الآيات العظيمة أثرًا بالغًا في نفسي لأن فيها دليلاً على ذلك الطابع العالمي الذي يتميز به الإسلام، فضلاً عما يمتاز به من النظم والتشريعات الأخرى، وبيانه الكامل لحقيقة سيدنا عيسى عليه السلام. فهل هناك أقوى وأصدق من تلك التعاليم المتحررة التي توصينا باحترام كل ما جاء به جميع الرسل والأنبياء؟ لا شك أن الدين الإسلامي هو دين الحق والصدق والبرهان"(2).

[ 2 ]

".. الإسلام دين العلم ويكفي أن أول آية في القرآن أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، هي قوله تعالى: {اقْرَأْ}.. وهذا اتجاه فريد يصعب وجوده في تاريخ الكنائس والأديان الأخرى. ولهذا تجدني وصلت من خلال الدراسات الإسلامية وما قرأته في كتاب الله تعالى الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وصلت إلى ما أبغيه لنفسي من الاستقرار والأمان.."(3).

[ 3 ]

".. هل هناك أهدى من هذا الكتاب [القرآن الكريم] الذي يشتمل على حلّ لكل مشاكل الحياة بكل ما تشتمل عليه من نظم دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية؟ إن من يقف على تلك التعاليم السامية يجزم بأنها بمثابة روح الحياة ونعيمها وأنها بعينها الحقيقة الخالدة التي لا مواربة فيها ولا التواء. ولهذا جاء اقتناعي بهذا الدين بعد الدراسة والبحث والتأمل والتفكير.."(4).

________________________________

(1) واجنر م. ( فيصل محمد ) Wagner M. (Faisal Muhammed)

شاب هولندي، أشهر إسلامه في كانون الأول من عام 1952، بعد دراسة مستفيضة شغلت كل وقته وتفكيره. وهو دائم الاطلاع على المؤلفات الإسلامية، كما أنه يقوم بتأليف بعض الكتب التي تفنّد أضاليل الغربيين عن الإسلام فضلاً عن المحاضرات التي يتحدث فيها عن مزايا الإسلام.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 36 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 37 .

(4) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 37 – 38 .

هـ. ج. ولز

[ 1 ]

".. ناهض الإسلام مسيحية القرن السابع الفاسدة، وتقاليد المجوس الزرادشت المنحلّة.. فلا مجال هناك لإنكار أن الإسلام يتميز بصفات كثيرة نبيلة"(1).

[ 2 ]

"هذا الإلحاح على الرفق والرعاية في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل الإسلام الكبرى بيد أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه. ويعادل هذا في الأهمية التوحيد الذي لا هوادة فيه، والذي يتجرد من كل اعتزال يهودي، وهو توحيد يدعمه القرآن الكريم. وكان الإسلام منذ البداية قوي المقاومة إلى حدّ بعيد لعمليات الصقل والتفاخر اللاهوتية التي أربكت المسيحية وفرقت كلمتها وقضت على روح عيسى [عليه السلام] وكان مصدر قوته الثالث في وصفه الدقيق لطرائق الصلاة والعبادة وبيانه الصريح عن المغزى المحدود العرفي للأهمية المنسوبة إلى مكة. وأقفل دون المؤمنين باب كل قربان، ولم يترك سم خياط مفتوحًا ينفذ منه كاهن القربان في الغفران القديم إلى مسرح العقيدة الجديدة.. ولا يزال للإسلام حتى يومنا هذا فقهاء ومعلمون ووعاظ، ولكن ليس له كهنة ولا قساوسة"(2).

[ 3 ]

"كان [الإسلام] مليئًا بروح الرفق والمساحة والأخوة، وكان عقيدة سهلة يسيرة الفهم.. وقد وقفت ضده اليهودية وهي التي أخذت من الرب كنزًا تكتنزه بيمينها، ثم المسيحية، وهي تتكلم وتبشر آنذاك وبلا نهاية بالتثليث والمبادئ والهرطقات التي لم يكن ليستطيع أي رجل عادي أن يميز فيها الرأس من الذنب، كما حاربته المزدكية نحلة المجوس الزرادشتيين الذين أوحوا بصلب ماني. ولم تكن كتلة الناس الذين جاءتهم دعوة الإسلام وتحديه، يهتمون إلا بشيء واحد هو أن ذلك الرب (الله) [سبحانه]، الذي كان يبشر به الرسول [صلى الله عليه وسلم]، كان بشهادة الضمير المنطوية عليه قلوبهم، رب صلاح وبرّ وأن القبول الشريف لمبادئه وطريقته يفتح الباب على مصراعيه – في عالم تقلقل وخيانة وانقسامات لا تسامح فيها – على أخوة عظيمة متزايدة من رجال جديرين بالثقة في الأرض.. وقد أوصل محمد [صلى الله عليه وسلم] مبادئه الجذابة إلى سويداء قلوب البشرية، دون أي رمزية مبهمة ودون أي تعتيم للهياكل ولا ترتيل للقسوس"(3).

[ 4 ]

"يحتوي الإسلام.. الشيء الكثير من القوة والإلهام. فمن خصائصه التوحيد الذي لا هوادة فيه، وإيمانه البسيط المتحمّس بحكم الله للناس.. وخلوه من التعقيدات اللاهوتية. ومن خصائصه كذلك أنه منفصل تمام الانفصال عن كاهن القرابين ومعبدها، وهو بمأمن حصين من كل انزلاق نحو القرابين الدموية. والقرآن حين يذكر طبيعة الحج إلى مكة بصورة محددة واضحة الشعائر، إنما يجعلها بمأمن من كل احتمال للنزاع في شأنها. كما أن النبي [صلى الله عليه وسلم] اتخذ كل احتياط ليحول دون تأليهه بعد مماته. وثمة عنصر ثالث للقوة يكمن في إصرار الإسلام على أن المؤمنين جميعًا متساوون تمامًا أمام الله، مهما اختلفت ألوانهم أو أصولهم أو مراكزهم. هذه هي الأمور التي جعلت الإسلام قوة فعالة في الشئون الإنسانية.."(4).

________________________________

(1) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 640 .

(2) معالم تاريخ الإنسانية ، ص 3 / 642 .

(3) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 642 .

(4) موجز تاريخ العالم ، ص 202 .

وليامز(1)

[ 1 ]

"إن هذه التقاليد [الإسلامية] تشمل مبادئ المساواة بين الأرواح الإنسانية أمام الله وتقرر أواصر الأخوة العالمية بين جميع المؤمنين بغير نظر إلى العنصر أو اللون، كما تقرر فريضة الدفاع عن الضعيف وحمايته ممن يجورون عليه، وإغاثة المعوزين والمحرومين وبذل الحياة نفسها في سبيل الصراط المستقيم.."(2).

[ 2 ]

".. أن النظريات [الإسلامية] لا تعارض نظامًا من الأنظمة الدستورية في الأمم الديمقراطية، على اختلاف هذه الأنظمة في أساليب الإدارة وتوزيع السلطة على طريقة الجمهوريات الرئاسية أو النيابية، وأن الحاكم لا يملك أن يستأثر بالسلطة على أي وجه من الوجوه مستندًا إلى نصوص القرآن"(3).

________________________________

(1) البروفيسور رشبروك وليامز Rushbrook Williams

صاحب الدراسات الواسعة في شؤون الشرق الأوسط وشؤون الهند والباكستان. من مؤلفاته (دولة الباكستان).

(2) دولة الباكستان ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 137 .

(3) دولة الباكستان ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 138 .

وود(1)

[ 1 ]

".. أن الإسلام يحتم على سائر الحكام أن يفعلوا كل ما يدعو إلى حسن توزيع العدل والإنصاف في الحكم والتجرد من شوائب الأغراض والحظوظ الشخصية، وفي الحديث النبوي ما يدل على أن في التحلّي بهذه النعوت فخر الدين ورسوخ الملك وحفظ أمان الأمة.. وهذا شيء معروف وراسخ في الإسلام. وهذه سيرة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي [رضي الله عنهم] فإن زهدهم بالدنيا وإعراضهم عن أعراضها دليل على أن العمل بالشرع الإسلامي يأتي بالنتائج الحسنة"(2).

_________________________________

(1) السر ريشار وود R. Wood

قائد عسكري، ورجل دبلوماسي بريطاني، عمل قنصلاً لدولته في دمشق في ستينات القرن الماضي، ثم نقل إلى تونس لكي يكون وكيل بلاده السياسي هناك، كانت له صلات عديدة بعلماء المسلمين وشيوخهم.

(2) الإسلام والإصلاح ، ص 15 – 16 ، 16 – 17 .

يول(1)

[ 1 ]

"أن بساطة الإسلام والتأثير القوي للمساجد وجدية المؤمنين المتمسكين به، هذه العوامل هي التي جذبت انتباهي منذ البداية. إلا أنني عندما عزمت على الدخول في هذا الدين واتباع تعاليمه وجدت أسبابًا أكثر عمقًا مما أكد عزمي وشدّ من أزري. فالنظرة الواقعة إلى الحياة، والمشورة الصادقة، والدعوة إلى الإحسان والرحمة والنزعة الإنسانية الخيرة العريقة – هذه وغيرها من العوامل كانت بالنسبة لي أعظم دليل على صدق هذا الدين.."(2).

[ 2 ]

"جاءنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنظام ديني يصلح للتطبيق في الحياة العادية ولم يقدم لنا عقيدة عمياء تحميها قوة غيبية بالرغم من إهمالنا الذاتي، فالثقة في الإسلام عبارة عن ثقة في أننا إذا فعلنا كل شيء على أحسن وجه ممكن عندها يمكننا أن نثق فيما يأتي به الإرادة الإلهية"(3).

[ 3 ]

".. أن التسامح الواسع الأفق الذي يتسم به الإسلام في معاملة الأديان الأخرى يجعله محبّبًا لدى جميع من يحبّون الحرّية.. وهذا موقف كريم بكل تأكيد حقق سبقًا كبيرًا على موقف الأديان الأخرى. كما أن تحرر الإسلام الكامل وخلوّه من عبادة الأوثان يعتبر علامة واضحة على قوة العقيدة الإسلامية ونقائها التام"(4).

[ 4 ]

"أن الاعتدال والتوسط في كل شيء هما الفكرة الأساسية للإسلام.."(5).

[ 5 ]

".. عندما توقفت في المساجد الرائعة في أسطنبول، دمشق، القدس، القاهرة، الجزائر، طنجة وفارس وغيرها من المدن أحسست بشعور قوي بمدى الرفعة التي يحققها الإسلام للبشر دون الاستعانة بأي زخارف أو صور أو تماثيل أو موسيقى أو مراسم وتراتيل. فالمسجد عبارة عن مكان للتأمل الهادئ وإنكار الذات أمام الحقيقة الأولى وهي الله الواحد.. والمسلم لا يقبل وساطة أي إنسان بينه وبين ربه مهما كان ذلك الإنسان"(6).

________________________________

(1) علي يول Ali Yol

شاب دانمركي، تعرف على الإسلام عام 1973 خلال إحدى رحلاته إلى المغرب، وبعد عدد من اللقاءات مع بعض المسلمين هناك عبر أكثر من رحلة أعلن انتماءه للإسلام، وهو الآن يعيش في كوبنهاجن العاصمة.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 127 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 127 .

(4) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 127 – 128 .

(5) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 128 .

(6) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 128 .

يونغ(1)

[ 1 ]

".. أن الإسلام قد أسهم بصفة فعالة في تقدم الجماعة الإنسانية، وقد استبدل بالنظام القبلي الذي ورثه – والذي يقوم على رابطة الدم – نظام الجماعة المشتركة في العقيدة والتي يقوم ترابطها الاجتماعي على أساس من الأخوة والمساواة.."(2).

[ 2 ]

"أن النظرية القانونية الإسلامية وما جرى عليه العمل في صدر الإسلام يستمد قاعدة الوحدة والنظام من الله لا من (المدينة) ولا من الدولة والمسلم إلى اليوم يحسّ إحساسًا واضحًا بحكم الله في الحياة اليومية.."(3).

[ 3 ]

".. الإسلام يختلف عن المسيحية الرومانية في أنه لا يتخذ لنفسه نظم الكنيسة والقسيسين والقرابين. ولقد تبدو البروتستانتية الخالصة دينًا كهنوتيًا إذا وازناها بالإسلام الذي يحرص على التوحيد الخالص والذي لا يحتمل أي تدخل بين الإنسان وخالقه"(4).

[ 4 ]

".. أن المسلم [يملك] المقدرة على استعمال طريقة التجربة في كل الأوضاع الممكنة لنموذج ما، ليأخذ من الحياة أقصى ما تستطيع أن تعطيه.."(5).

_________________________________

(1) كويلر يونغ Prof. T. Guyler Young

أستاذ العلاقات الأجنبية بجامعة برنستون، ورئيس قسم اللغات والآداب الشرقية بها، كان مساعد أستاذ اللغات السامية بجامعة تورنتو. من أهم مؤلفاته: Near Eastern Culture and Society, 1951 .

(2) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، 242 – 243 .

(3) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 243 .

(4) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 243 .

(5) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 257 .

يونغ(1)

[ 1 ]

"لقد كان ظهور الإسلام في الجزيرة العربية خيرًا عظيمًا ساقه الله إلى العرب قاطبة. ولكنه لم يشكل انفصالاً عن ماضي هذه الجزيرة. لقد غير في ثقافة معاصريه بشكل فوري، ولكنه لم يطمس تمامًا تلك الثقافة"(2).

[ 2 ]

"فجر الإسلام في العرب طاقات حماس كامنة، وجدت متنفسها في إقامة إحدى الإمبراطوريات العظمى في العالم"(3).

[ 3 ]

"بدأ القانون كتطبيق عملي للدين وللعلاقات الاجتماعية التي سنها النبي محمد [صلى الله عليه وسلم]، وهي لا تفرق بين موضوعي الدين والدنيا، ودراسة القانون عند المسلمين تعرف بالفقه (حرفيًا:الفهم). وتعتمد هذه الدراسة أساسًا على القرآن، ثم الحديث (كلام النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] وأفعاله) ويصف السير هاملتون جب(4) بنيان هذا القانون بأنه (أحد الأبحاث الفذة للفكر البشر).."(5).

____________________________________

(1) د. لويس يونغ Lewis Young

باحث إنكليزي، معاصر، وأستاذ جامعي، له العديد من المؤلفات والأبحاث، أبرزها كتاب: (العرب وأوروبا).

(2) العرب وأوروبا ، ص 29 – 30 .

(3) العرب وأوروبا ، ص 32 .

(4) Mohammedanism, P. 90 (London,, 1953) .

(5) العرب وأوروبا، ص 37 – 38 .

الفصل الرابع انتشار الإسلام ومعاملة غير المسلمين

"كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام، من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".

(المؤرخ البريطاني توماس آرنولد)

سير توماس آرنولد

[ 1 ]

"أن الذي دفع المسلمين إلى أن يحملوا رسالة الإسلام معهم إلى شعوب البلاد التي دخلوها، وجعلهم ينشدون لدينهم بحق مكانًا بين ما نسميه أديان الرسالة لهي حماسة من ذلك النوع، من أجل صدق عقيدتهم. وليس موضوع هذا الكتاب: (الدعوة إلى الإسلام)، إلا صورة من تاريخ ظهور هذه الحماسة في تبليغ الدعوة ودواعي وألوان نشاطها. وأن انتشار مائتي مليون من المسلمين في الوقت الحاضر(1) لهو الشاهد على ما كان لهذه الحماسة من أثر خلال الثلاثة عشر قرنًا التي تلت ظهور الإسلام"(2).

[ 2 ]

"يرجع انتشار هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة من الأرض إلى أسباب شتى: اجتماعية وسياسية ودينية، على أن هنالك عاملاً من أقوى العوامل الفعالة التي أدت إلى هذه النتيجة العظيمة، تلك هي الأعمال المطردة التي قام بها دعاة المسلمين، وقفوا حياتهم على الدعوة إلى الإسلام، متخذين من هدي الرسول [صلى الله عليه وسلم] مثلاً أعلى وقدوة صالحة"(3).

[ 3 ]

".. أن ما أحرزته سيوف المسلمين من نجاح واسع النطاق، منقطع النظير، قد زعزع عقيدة الشعوب المسيحية التي أصبحت تحت حكمهم، ورأت أن هذه الفتوح قد تمت بعون من الله، وأن المسلمين قد جمعوا بين النعيم في الدنيا وبين التوفيق الإلهي، وأن [الله] لم يجعل النصر إلا في أيدي عباده المختارين. وهكذا ظهر نجاح المسلمين دليلاً على صدق دينهم"(4).

[ 4 ]

".. لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي. ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرود وإيزابلا دين الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهبًا يعاقب عليه متّبعوه في فرنسا أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنكلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة. وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالاً تامًا عن سائر العالم المسيحي الذي لم يوجد في جميع أنحائه أحد يقف إلى جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين. ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن يحمل في طياته الدليل القوي على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم"(5).

_________________________________

(1) كان ذلك زمن تأليف توماس آرنولد لكتابه (الدعوة إلى الإسلام) في أواخر القرن الماضي، أما الآن فقد زاد هذا العدد إلى أربعة، وربما، خمسة أضعافه.

(2) الدعوة إلى الإسلام ، ص 25 .

(3) الدعوة إلى الإسلام ، ص 27 .

(4) الدعوة إلى الإٍسلام ، ص 94 .

(5) الدعوة إلى الإٍسلام ، ص 98 – 99 .

الدورمييلي(1)

[ 1 ]

"في عصر الانحطاط العميق بالبلدان التي كانت من قبل تعد قسمًا من إمبراطورية دقلديانوس القديمة، نهض فجأة في قلب الصحاري العربية خصم من الخصوم تابع تلك الإمبراطورية العجوز المترنحة، كما هو من ألدّ خصوم الممالك الجديدة التي كانت ناشئة في الغرب. وظل هذا الخصم يزداد عظمة في مرأى العين، كما لو كانت عناية الله الدائمة هي التي تقود عساكره المخلصين إلى الجهاد والنصر المبين، حتى تلا فتح سورية ومصر بعد قليل تقوّض إمبراطورية الساسانيين، وأصبح أخلاء قسطنطين – الذين اقتطعت منهم فعلاً أقاليم كثيرة – مهددين بمثل ذلك المصير"(2).

[ 2 ]

".. بباعث من تلك الدوافع القوية التي تشمل أحيانًا جميع الناس، وتكاد تبدو متعذرة الفهم للمراقب الخارج عن دائرتها أو الذي لم شهد مثلها من قبل، فاض أولئك العرب.. من شبه الجزيرة، التي هي موطنهم الأول فأسسوا الإسلام، أو أقاموا سلطان الإسلام على قسم عظيم من العالم المتحضر القديم، تحدوهم رغبة جدّ عنيفة في الدعوة الدينية.."(3).

[ 3 ]

".. أن السكان الساميين في سوريا ومصر، الذين قاسوا كل صنوف الضغط والهول – على الأخص بسبب الضرائب – من قبل الحكومات الأجنبية التابعة للدولة البيزنطية أو المملكة الساسانية، لم يستطيعوا أن يروا في العرب إلا محررين مخلصين، كما أن المسيحيين القائلين بوحدة الطبيعة (طبيعة المسيح) [عليه السلام] في الشرق استطاعوا أن يعتمدوا على التسامح الإسلامي، بعد أن كانوا يخشون الاضطهاد من قبل نصارى القسطنطينية.."(4).

[ 4 ]

".. كانت شروط الفتح الإسلامي تسمح ببقاء بذور الحضارات [القديمة] عند طوائف كبيرة من الأهالي، الذين واصلوا التمتع بعاداتهم، وقوانينهم، ولغاتهم، على شريطة أن يعطوا بانتظام قيم الجزية المفروضة على من لا يدخل في جماعة المسلمين. وكان طبيعيًا مع ذلك أن تتأسس الروابط والعلاقات بين الفاتحين وأهل البلاد في وقت مبكر، سواء أكان ذلك بسبب الجوار، أم بسبب اعتناق الأهالي كثيرًا وقليلاً للإسلام بوجه خاص.."(5).

"التسامح العظيم الذي تحلى به الخلفاء الأمويون، وملوك الطوائف.. لم يمتد لواؤه على ما حكموه من شعوب، أو على المسلمين القادمين من إفريقية والمشرق فحسب، بل انبسط ظله أيضًا على العلماء المسيحيين الذين أقبلوا مهطعين من أبعد الأقطار لتلقي العلوم في المدن المزدهرة التي لا تحصى، في ذلك القطر الساحر [الأندلس] الآخذ بمجامع الألباب"(6).

________________________________

(1) الدو مييلي A. Mieli

مستشرق فرنسي، تفرغ لتاريخ العلوم. تولى وكالة المجمع الدولي لتاريخ العلوم وأسس مجلة (آركيون) التي تسجل نشاطه.

من آثاره: (تاريخ العلوم) (باريس 1935)، (العلم العربي وأثره في التطوير العلمي العالمي) (1938)، (علم الفلك في العالم الإسلامي) (1941)، (علم النبات عند العرب) (1941)، (علم الجغرافيين العرب) (1941)، (العلم الإسلامي) (19429، (الرياضيات العربية) (1942)، (التشريح العربي) (1942). وغيرها.

(2) العلم عند العرب ، ص 74 .

(3) العلم عند العرب ، ص 75 .

(4) العلم عند العرب ، ص 81 .

(5) العلم عند العرب ، ص 123 .

(6) العلم عند العرب ، ص 454 .

أندرسن(1)

[ 1 ]

"لقد تكررت ملاحظة الآثار العميقة التي أحدثها مجيء الإسلام في حياة الزنوج في أفريقيا وفي ثقافتهم. وهكذا يذهب (ميك) إلى حد القول: أنه (يعني الإسلام) لم يؤدّ إلى تغييرات عميقة في التركيب الجنسي لهذه الشعوب فحسب، وإنما أتى معه بحضارة جديدة، أعطت الأجناس الزنجية المولدة الطابع الثقافي المميز الذي يحملونه اليوم ومازال مسيطرًا على حياتهم السياسية ومؤسساتهم الاجتماعية.. أن الإسلام جاء بالحضارة إلى القبائل البربرية (الهمجية) وحول جماعات منفصلة من الوثنيين إلى أمم أنه جعل الخطوة مع العالم الخارجي ممكنة، أنه وسع النظر، ورفع مستوى المعيشة بإنشائه جوًا اجتماعيًا راقيًا، وأسبغ على أتباعه الوقار، واحترام النفس، واحترام الناس. أن الإسلام أدخل فن القراءة والكتابة، وبفضله تم تحريم تعاطي المسكرات.. والثأر والعادات البربرية الأخرى وجعل من الزنجي السوداني مواطنًا عالميًا"(2).

[ 2 ]

"هناك مدارس في كل بلدة مسلمة [في نيجيريا الشمالية] يقوم بها المعلمون (المالام) خاصة فيرسل الوالدون أطفالهم في سن مبكرة جدًا.. وفي المراكز الكبرى يحضر الأطفال إلى الصف ساعة في الصباح وساعة في المساء. والإناث يتلقين التعليم أيضًا.."(3).

_________________________________

(1) ج. ن. د. اندرسن S. N. D. Anderson

مستشرق بريطاني. من آثاره: (الشرع والفقه الإسلامي)، (صحيح القانون المقارن، 1949)، و(جريمة القتل في الإسلام، 19519. وغيرها.

(2) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 405 – 406 عن:

C. K. Meek: the Notyhern Tribes of Nigeria I/I, 4, 5 (London, 1925).

(3) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 407 – 408 ، عن المرجع السابق 2 / 8 .

بارتولد(1)

[ 1 ]

"كانت في بلاد الخلافة الممتدة من رأس سان فنسنت الواقعة جنوبي البرتغال إلى سمرقند مؤسسات مسيحية غنية، قد حافظت على أملاكها غير المنقولة الموقوفة عليها. وكان نصارى بلاد الخلافة يتعاملون مع عالم النصرانية بدون مشقة، ويتمكنون من أن يتلقوا منهم إعانات لمؤسساتهم الدينية وكان في المؤتمر الديني الذي انعقد في القسطنطينية سنة 680-681م مندوب من القدس أيضًا. ثم أن المسيحيين المقيمين ببلاد الخلافة كانوا مرتبطين بعضهم ببعض ارتباطًا وثيقًا.."(2).

[ 2 ]

"انتشر الدين الإسلامي في القرن الرابع للهجرة في قبائل الترك الرحل وفي بعض مدن التركستان الصينية بواسطة التجارة وبدون استخدام أي سلاح فكان الأتراك الذين استولوا على البلاد الإسلامية في القرن الرابع الهجري مسلمين"(3).

_________________________________

(1) ف بارتولد (1879 – 1930) V. Barghold

تخرج من جامعة بطرسبرغ (1891)، وعين أستاذًا لتاريخ الشرق الإسلامي فيها (1901)، فكان أول من درس تاريخ آسيا الوسطى. وعني بالشرق الإسلامي وحقق المصادر العربية المتعلقة به وتخرج عليه عدد من المستشرقين. وقد انتخب عضوًا في مجمع العلوم الروسي (1912) ورئيسًا دائمًا للجنة المستشرقين فيه بعد الثورة البلشفية حتى وفاته.

تربو آثاره على الأربعمائة، أشهرها: (تركستان عند غزو المغول لها) في مجلدين (1898-1909)، (تاريخ دراسة الشرق في أوروبا وآسيا) (1911)، (حضارة الإسلام) (1918)، (تاريخ تركستان) (1922)، (مغول الهند) (1928)، (تاريخ أتراك آسيا الوسطى) (19349. وغيرها.

(2) تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 54 .

(3) تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 122 .

بروفنسال(1)

[ 1 ]

"أن الهدف الذي نبتغيه هو إلقاء الضوء على تداخل Interpenetration الإسلام والمسيحية في شبه الجزيرة الإيبيرية وهو تداخل حقيقي مستمر في إسبانيا في العصور الوسيطة سواء في داخل الحدود الإسلامية أم في خارجها. وكذلك هو في أن نظهر الأندلس على أنها لم تكن حتى في ذات الوقت الذي تعرف بأنها لا تقهر، لتمتشق الحسام في وجه جيرانها، وإنما كانت هناك سنوات طويلة لهدنات حقيقية أعطت الأندلس خلالها أكثر مما أخذت، كما برهنت في أغلب الأحيان على عقل متسامح إزاء رعاياها المسيحيين لم يعد أحد يماري فيه اليوم"(2).

[ 2 ]

"ما من مكان كانت العلاقات الدائمة ضرورية فيه بين الإسلام والمسيحية، أكثر منها في أسبانيا العربية، فإن معظم سكانها قد احتفظوا، على الأقل في القرن الأول من حكم الإسلام، بالديانة القديمة في دولة الفيزيقوت [القوات الغربيون]، وفيما بعد، حتى عقب اعتناق أعداد غفيرة من الرعايا النصارى أهل الذمة للإسلام، للاستفادة من نظام مالي أفضل، بقيت نسبة ضخمة من الرعايا المسيحيين تشكل في المدن الأندلسية وحدات مزدهرة، لها كنائسها وأديرتها ورئيسها المسؤول (Depensar) وجابيها الخاص (Censor) وقاضيها الذي يطبق في محكمته، تحت إشراف الإدارة الأموية، القانون القوطي القديم من Liber Judicrum أما الاضطهادات التي عانتها فقد كان يسببها دومًا مسيحيون متهوّسون يرفضون أن يتراجعوا عن القدح في معتقد سادة البلاد.. وكان أمراء الأندلس وخلفاؤها يقرون بصورة دائمة تقريبًا اختيار أصحاب الرتب الكهنوتية: مطران طليطلة وأسقف قرطبة. حتى إنهم كانوا يستعملون هؤلاء الأحبار في سفارات أومهمات سياسية سرية في الوقت المناسب. فلم تكن رؤية الإيكليريكيين الأسبان يتضلعون في معرفة اللغة العربية وآدابها من الأمور النادرة مطلقًا. وهذا ما يجعلنا نفترض وجود اختلاط ودّي، واثق ومتصل بين مختلف عناصر السكان. بل نملك على هذه الناحية شهادة معاصرة لا نستطيع الارتياب في قيمتها، ذلك لأنها صادرة عن واحد من أنشط أبطال المقاومة ضد الإسلام في شبه الجزيرة في القرن التاسع ألا وهو الفارو القرطبي Le Cardouan Alvaro . فبينما يحزن لفتور مسيحيي أسبانيا وجهلهم باللاتينية، نراه يمجد بفصاحة نادرة الثقافة الإسلامية الإسبانية التي كانت في طور التكوين.."(3).

__________________________________

(1) ليفي بروفنسال (1894-1956) F. Levi – Proven Cal

ولد في الجزائر ونال الليسانس من كلية الآداب فيها (1913) واشترك في الحرب. وفي سنة 1919 انتدب للعمل في معهد الدراسات العليا المغربية في الرباط. وعين أستاذًا فيه (1920)، ثم مديرًا له (1926-1935) وفي تلك الأثناء قدم رسالة دكتوراه. وفي سنة 1928 انتدبته كلية الآداب بالجزائر أستاذًا لتاريخ العرب والحضارة الإسلامية. كما كان يحاضر في السوربون. وتقلب في الوظائف العلمية والإدارية والسياسية، وشارك في الحرب الثانية، وأنشأ مجلة أرابيكا Arabica للدراسات العربية عام 1954. وقد عد المرجع الأول في الغرب لتاريخ الأندلس، وانتخب عضوًا في عدد من المجامع العلمية.

كتب المئات من الأبحاث والدراسات، نشر بعضها في مصنّفات مستقلة، ونشر بعضها الآخر في أشهر المجلات والحوليات الاستشراقية، وانصبّ معظمها على تاريخ وحضارة المغرب والأندلس.

(2) حضارة العرب في الأندلس ، ص 70 – 71 .

(3) حضارة العرب في الأندلس ، ص 71 – 72 .

أدوار بروي

[ 1 ]

"بين أوروبا الغربية الآخذة مدنيتها بالقهقرى، وبين العالم الآسيوي الذي يستجمع بعد نشاطه ويسترجع عافيته.. ظهر الإسلام كالشهاب الساطع، فحيّر بفتوحاته السريعة القاصمة، وباتساع رقعة الإمبراطورية الجديدة التي أنشأناها نحن أمام شعب كان للأمس الغابر مجهول الاسم، مغمور الذكر، فإذا به يتّحد ويتضامّ في بوتقة الإسلام، هذا الدين الجديد الذي انطلق من الجزيرة العربية اكتسحت جيوشه ببضع سنوات الدولة الساسانية وهدت منها الأركان، ورفرفت بنوده فوق الولايات التابعة للإمبراطورية البيزنطية في آسيا وأفريقيا ولم تلبث جيوشه أن استولت بعد قليل على معظم إسبانيا وصقلية، وأن تقتطع لأمد من الزمن، يقصر أو يطول، بعض المقاطعات الواقعة في غربي أوروبا وجنوبها ودقت جيوشه بعنف شديد أبواب الهند والصين والحبشة والسودان الغربي وهددت فرنسا والقسطنطينية.. وقد تهاوت الدول أمام الدفع العربي الإسلامي كالأكر، وتدحرجت التيجان عن رؤوس الملوك كحبات سبحة انفرط عقدها النظيم وذابت الأديان التي سيطرت على الشعوب والأقوام كما يذوب الشمع أمام النار بعد أن أطلّ على الدنيا دين جديد.."(1).

[ 2 ]

"قلما عرف التاريخ والحق يقال، فتوحات كان لها، في المدى القريب، على الأهلين، مثل هذا النزر الصغير من الاضطراب يحدثه الفتح العربي لهذه الأقطار فمن لم يكن عربيًا من الأهلين لم يشعر بأي اضطهاد قط. فاليهود والنصارى الذين هم أيضًا من أهل الكتاب، حق لهم أن يتمتعوا بالتساهل وأن لا يضاموا. وكان لابدّ من الوقوف هذا الموقف نفسه من الزرادشتية والبوذية والصابئة.. وغيرها من الملل والنحل الأخرى. والمطلوب من هؤلاء السكان أن يظهروا الولاء للإسلام ويعترفوا بسيادته وسلطانه، وأن يؤدوا له الرسوم المترتبة على أهل الذمة تأديتها.. وفي نطاق هذه التحفظات التي لم يكن لتؤثر كثيرًا على الحياة العادية، تمتع الزمن بكافة حرياتهم.."(2).

[ 3 ]

"انتظمت العلاقات بين الدولة وسكان البلاد الأصليين بسهولة كلية وفقًا لروح القانون المعمول به في البلاد.. وبقيت كل ملة أو طائفة محتفظة بقانونها الخاص وبالموظفين الذين يسهرون على الشؤون الدينية عندها باستثناء ما كان منها تابعًا للحق العام.. ونلاحظ تطورًا ملحوظًا يطرأ على وضع النصارى بعد أن احتفظت بيعهم بجانب من ممارسة العدالة في الأمم الخاصة.. وهكذا برز البطاركة والأساقفة، الرؤساء الأعلون لطوائف تعلو سلطتهم سلطة الموظفين الإداريين المحليين، حتى إن اليهود أنفسهم لم يجدوا بأسًا في الاحتفاظ برؤسائهم الدينيين وبربابنتهم وبحاخامهم الأكبر"(3).

[ 4 ]

".. انتشرت، حوالي السنة 1000م، عادة القيام بالحج، تزايد السفر إلى الأرض المقدسة لأنه اعتبر أعظم الممارسات [النصرانية] نفعًا للخلاص الأبدي، وقلما ضايقه العرب، الذين كانوا متساهلين جدًا، كما يبدو من جهة ثانية أن الغزو التركي لم يجعل الدخول إلى معابد فلسطين أكثر صعوبة إلا أن فرسان الغرب، وقد تمكنت منهم فكرة الحرب المقدسة، أخذوا في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، يؤدون فريضة الحج جماعات صغيرة مسلحة كما أخذوا بعد عودتهم يبسطون شعورهم بأن الفتح ليس أمرًا مستحيلاً.. وجاء الاندماج التركي أخيرًا يهدد بيزنطية آنذاك تهديدًا جديًا خطيرًا، ففكر الغرب بوجوب وقاية المسيحية من جهة الشرق.."(4).

[ 5 ]

".. ما لابدّ من التنويه به عاليًا أن هؤلاء السلاطين [العثمانيين] لم يظهروا أي تحرج أو تعصب تجاه المسيحيين، في وقت وزمان كان فيه ديوان التفتيش يبطش بالناس بطشًا وينزل بهم الهلع.. وفي عهد كان اليهود والمسلمون يطردون، دونما رحمة أو شفقة، من إسبانيا.. وبالرغم من إسكان عدد كبير من الجاليات الإسلامية في البلقان، واعتناق بعض الجماعات البلقانية الإسلام فلم يأت العثمانيون شيئًا مهمًا ليمنعوا السواد الأكبر من سكان البلاد البلقانية من الاحتفاظ بنصرانيتهم.."(5).

_________________________________

(1) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 109 .

(2) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 116 .

(3) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 116 .

(4) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 312 .

(5) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 589 – 590 .

مارسيل بوازار

[ 1 ]

"لقد أظهرت الرسالة القرآنية وتعاليم النبي [صلى الله عليه وسلم] أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسّر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال القرون الأولى من تاريخه"(1).

[ 2 ]

"فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب.. لكنه بدا أنه يرفض الحوار في الوقت ذاته على الصعيد اللاهوتي حين.. أزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفًا مخالفًا للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة. وأتاح منطق تعاليمه القوي وبساطة عقيدته وما يرافقها من تسامح، أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية تفوق بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية نفسها.."(2).

[ 3 ]

".. لقد تألفت (أمم) من نوع معين، واتحدت، وخضعت لنظامها الديني الخاص وانخرطت في البنية الاجتماعية للمجتمع الإسلامي الذي يحميها"(3).

[ 4 ]

".. حاول الإسلام منذ القرن السابع للميلاد أن يقدم حلاً لمشكلة الأقليات فريدًا في نوعه. وتستحق جماعة غير المسلمين على أرض الإسلام أن تتناول بالتحليل، لأنه ثبت أنها نهج لا مثيل له، في الوقت الذي كان فيه الغرب على أهبة الخروج من العصور الوسطى وإدراك ضرورة وضع الأنظمة المحدودة للعلاقات مع الغرباء"(4).

".. منذ بدء الفتح العربي الإسلامي، كان المحاربون المسلمون قد فرضوا على أنفسهم روحًا من التسامح مع غير المسلمين ومع الشعوب المغلوبة. وفي زمن لم يكن فيه العنف يعرف شرعًا ولا عاطفة، أصدر أبو بكر [رضي الله عنه]: أول خليفة للنبي [صلى الله عليه وسلم] إلى جنوده التعليمات المشهورة المرنة كثيرًا التي تختصر الروح الخلقي للقانون الإسلامي.."(5).

_________________________________

(1) إنسانية الإسلام ، ص 74 .

(2) إنسانية الإسلام ، ص 184 .

(3) إنسانية الإسلام ، ص 186 .

(4) إنسانية الإسلام ، ص 187 .

(5) إنسانية الإسلام ، ص 278 .

ترند(1)

[ 1 ]

".. في القرن العاشر [الميلادي] تردّى معظم أوروبا في همجية ووحشية مريعة، على حين أن المسلمين في إسبانيا ضربوا مثلاً رائعًا بما كفلوه لغيرهم من ذوي العقائد المخالفة لمذهبهم من سعة العيش والتسامح.."(2).

[ 2 ]

"آثر الغزاة المسلمون أن يشتروا من السكان المسيحيين بقرطبة جانبًا من الكاتدرائية القديمة. ورأوا أن ذلك خير لهم من أخذها عنوة واغتصابًا، وهذا شاهد ينطق بما اشتهروا به من التسامح مع أصحاب العقائد المخالفة لعقيدتهم"(3).

[ 3 ]

".. أن العرب المتنصرين التعساء المعروفين بالموريسكو Moriscos لقوا من المسيحيين من المعاملة السيئة مالا يقابله إلا ما لقيه المسيحيون من المسلمين من التسامح في مرحلة سابقة من تاريخ إسبانيا الإسلامية والمسؤول عن كل ذلك الأمر من بدايته إلى نهايته هم رجال الكنيسة.."(4).

_________________________________

(1) جون براند ترند (1887 – 1958) J. Brand Trend

رائد من رواد تاريخ إسبانيا. أستاذ في جامعة كمبردج. قام بعدة رحلات في إسبانيا والبرتغال ومراكش ومكسيكو واشتغل في معهد الدراسات الشرقية بلندن.

من آثاره (صورة لإسبانيا الحديثة)(1921)، (موسيقى تاريخ إسبانيا) (1925)، (لغة إسبانيا وتاريخها) (1953)، وكثير من الكتب الأخرى في هذا المجال.

(2) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، المجلد الخامس ، ص 29 .

(3) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، 5 / 737 .

(4) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن)، 5 / 755 .

تريتون(1)

[ 1 ]

"أما النواحي الشرقية القصوى من الدولة الإسلامية فإن الشعوب المحكومة كانت تعامل معاملة تنطوي على مثل هذا العطف [الذي حظيت به في النواحي الأخرى].."(2).

[ 2 ]

"ولما تدانى أجل (عمر بن الخطاب) أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله: (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، وأن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم)(3) وفي الأخبار النصرانية شهادة تؤيد هذا القول، وهي شهادة (عيثويابه) الذي تولى كرسي البطريركية من سنة 647 على 657م إذ كتب يقول: (أن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم يعاملوننا كما تعرفون، أنهم ليسوا بأعداء للنصرانية بل يمتدحون ملّتنا ويوقرون قسيسينا وقدّيسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا). والظاهر أن الاتفاق الذي تم بين (عيثويابه) وبين العرب كان من صالح النصارى، فقد نصّ على وجوب حمايتهم من أعدائهم، وألا يحملوا قسرًا على الحرب من أجل العرب، وألا يؤذوا من أجل الاحتفاظ بعاداتهم وممارسة شعائرهم، وألا تزيد الجزية المجباة من الفقير على أربعة دراهم، وأن يؤخذ من التاجر والغني اثنا عشر درهما، وإذا كانت أمة نصرانية في خدمة مسلم فإنه لا يحق لسيدها أن يجبرها على ترك دينها أو إهمال صلاتها والتخلي عن صيامها"(4).

[ 3 ]

"كان العرب في أيامهم الأولى يلتزمون جادة الصبر والأناة، إذ كثيرًا ما نقرأ عن مدن استسلمت بشروط، ثم ثارت وتمردت على العرب، ثم استسلمت مرة أخرى فأعادوا لها عهودها الأولى"(5).

[ 4 ]

"ومن الأدلة الطيبة على ما كانت تسترشد به الحكومة الإسلامية في معاملتها الذميين ما جاء في الأمر الذي وجد بين أوراق البردي اليونانية المحفوظة في (المتحف البريطاني)، وعلى الرغم من فساد قسم منه فقد جاء في الباقي "خوفًا من الله، وحفظًا للعدالة والحق في توزيع القدر المفروض عليهم.. ولكن تجب معاملة الجميع بالعدل، وأخذ الشيء من كل منهم بقدر طاقته".."(6).

________________________________

(1) آرثر ستانلي تريتون A. S. Tritton

ولد عام 1881 وتعلم في عدد من الكليات البريطانية وعين مساعد أستاذ للعربية في أدنبرا (1911) وكلاسكو (1919) وأستاذ في عليكرة في الهند (1921) ومدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن (1931-38-47) وقد وجه جل اهتمامه إلى الفقه وطوّف في عدد من البلدان العربية.

من آثاره: (أئمة الزيدية بصنعاء واليمن) (1925)، (الخلفاء ورعاياهم من غير المسلمين) (1930)، (علم الكلام في الإسلام) (1947)، (الإسلام إيمان وشعائر) (1950)، (مواد في التربية الإسلامية) (1957). كما نشر عددًا من الأبحاث في المجلات الاستشراقية وبخاصة (مجلة الجمعية الملكية الآسيوية).

(2) أهل الذمة في الإسلام ، ص 43 .

(3) يحيى بن آدم: كتاب الخراج ، ص 54 .

(4) أهل الذمة في الإسلام ، ص 158 – 159 .

(5) أهل الذمة في الإسلام ، ص 160 .

(6) أهل الذمة في الإسلام ، ص 163 – 164 .

أرنولد توينبي

[ 1 ]

"في القرن السابع الميلادي حرّر العرب المسلمون سلسلة من الدول الشرقية من سطوة إغريقية – رومانية مسيحية: من سوريا شرقًا إلى إسبانيا غربًا عبر شمال أفريقيا، وكانت هذه الدول تحت حكم يوناني أو روماني مدة ألف عام تقريبًا.. بعد ذلك، وبالتحديد ما بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر [الميلاديين] استمر الفتح الإسلامي متدرجًا فشمل تقريبًا جميع بلاد الهند وانتشر الإسلام بصورة سلمية في مناطق أبعد وأوسع، في إندونيسيا والصين شرقًا، وفي أفريقيا الإستوائية شرقًا وجنوبًا، وكذلك روسيا خضعت، وقتيًا، في أواخر القرون الوسطى، وكل ما تبقى من العالم المسيحي الأرثوذكسي الشرقي في آسيا الوسطى وجنوب شرقي أوروبا خضع في القرنين الرابع والخامس عشر [الميلاديين] لحكم المسلمين العثمانيين، وحاصر الأتراك فيينا للمرة الثانية في أواخر القرن السابع عشر (1682-1683م)، ورغمًا عن أن فشل هذا الحصار أرّخ بداية تحول في التيار لمصلحة الغرب ومواجهته للدولة العثمانية الغازية، فقد بقي علم (الهلال) يرفرف فوق السواحل الشرقية (لبحر الأدرياتيك) مقابل (كعب) إيطاليا حتى عام 1912م"(1).

[ 2 ]

".. أصبحت يثرب بعد انقضاء ثلاثين سنة على الهجرة، عاصمة إمبراطورية شملت لا مجرد الممتلكات الرومانية في سوريا ومصر، بل ضمت كذلك أملاك الإمبراطورية الساسانية بأسرها.. وتستمد يثرب حقها في بقائها مقر الحكومة إلى كونها النواة التي انبثقت منها إمبراطورية العالم العربي في اندفاع جارف يوحي حقًا بأنه من الأفعال الربانية.."(2).

[ 3 ]

"ثمة حالة.. نابهة الذكر لهذا التسامح المنشود، يفرضها نبي على أتباعه وهو في موضعه الجليل. فإن محمدًا [صلى الله عليه وسلم] قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيًا للحكم الإسلامي. فقدم محمد [صلى الله عليه وسلم] بذلك لقاعدة التسامح، تفسيرًا قوامه أن أفراد هاتين الجماعتين الدينيتين غير المسلمتين، هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسهم. وليس أدل على روح التسامح التي بعثت الحياة في الإسلام منذ بدايته، من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني على أتباع زرادشت الذي خضعوا للحكم الإسلامي وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه"(3).

[ 4 ]

".. لم يكن الاختيار بين الإسلام أو القتل، ولكن بين الإسلام أو الحرية وتلك سياسة مستنيرة، أجمعت الآراء على امتداحها.. لقد [سلك] الإسلام طريقة بين رعايا الخلافة غير العرب، مستندًا على مزاياه وفضائله الذاتية، وكان انتشارًا بطيئًا، لكنه كان مؤكدًا.. ويحتمل أن الهداية إلى الإسلام بصورة جماعية لم تبدأ قبل القرن التاسع الميلادي – أو تصل نهايتها – حتى حلول فترة اضمحلال الإمبراطورية العباسية من القرن الثالث عشر. ويمكن القول بالتأكيد، أن هذه الغلات التي حصدت من حقل التبشير الإسلامي، كانت حصيلة حركة شعبية تلقائية، ولم تنجم قط عن ضغط سياسي.."(4).

[ 5 ]

"أن المسلمين قد سبقوا بناة الإمبراطورية من الإسبانيين والبرتغاليين في إظهار إخلاصهم لمعتقداتهم الدينية. فإن المسلمين قد تزاوجوا منذ البداية مع من تولوا هدايتهم إلى دينهم، دون اعتبار لاختلاف الجنس. بل أنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك. فإن المجتمع الإسلامي قد ورث عن نص وارد في القرآن، إقرارًا بطائفة من الأديان (عدا الإسلام) هي – رغم ما بها من قصور - أديان سماوية أصيلة، نزل بها الوحي، وهذا الإقرار، أسبغ على اليهود والمسيحيين أولاً، ثم اتسع فشمل بعد ذلك الزرادشتيين والهندوس.."(5).

________________________________

(1) الإسلام والغرب والمستقبل ، ص 16 – 17 .

(2) مختصر دراسة التاريخ ، 3 / 73 – 74 .

(3) مختصر دراسة التاريخ ، 3 / 42 .

(4) مختصر دراسة التاريخ ، 2 / 355 ، 356 ، 357 .

(5) مختصر دراسة التاريخ ، 3 / 418 .

فيليب حتي

[ 1 ]

".. من المدهش حقًا أن دولة تدعو إلى دين غريب تظهر في شبه جزيرة العرب التي كانت مغمورة في التاريخ، استطاعت أن تجرد إحدى الإمبراطوريات العالميتين من أغنى مقاطعاتها في آسيا وأفريقيا، وأن تقضي على الأخرى، قضاء مبرمًا، في مدى عشر سنين.. أما كيف اتفق هذا الحدث المذهل ولماذا اتفق، فذلك لأن وراءه قصة من أروع القصص في العصور الوسطى كلها"(1).

[ 2 ]

"[أن] أبرز ما يلفت النظر في الفتوح العربية ليس تلك السرعة وذلك النظام اللذين تمت بهما – بغير دمار لا مبرر له إلا قليلاً – ولكن تلك السهولة التي انتقلت بها البلاد المفتوحة من حال الحرب إلى حال السلم، ومن التغلّب إلى الإدارة.."(2).

________________________________

(1) الإسلام منهج حياة ، ص 153 – 154 .

(2) الإسلام منهج حياة ، ص 162 .

جورج حنا

[ 1 ]

".. أن المسلمين العرب لم يعرف عنهم القسوة والجور في معاملتهم للمسيحيين بل كانوا يتركون لأهل الكتاب حرية العبادة وممارسة طقوسهم الدينية، مكتفين بأخذ الجزية منهم.."(1).

[ 2 ]

".. لم يرو المؤرخون المسيحيون أنفسهم مثل هذه الوحشية [التي مارسها الصليبيون] على المسلمين. لم يكن هؤلاء وحشيين في معاملة الأسرىالأهلين المسيحيين. فإذا انتصروا كانوا يكتفون بضرب الجزية على أعدائهم ولا يفظّعون بهم. بعد معركة طبرية التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي على خصمه الملك (غي ده لوسينيان).. عف صلاح الدين عن التفظيع بالأسرى الذين نجوا من الموت المريع أثناء المعركة، وجردهم من السلاح وضرب عليهم الجزية وأطلق سراحهم مع قائدهم الملك (غي). وليست هذه الحادثة وحدها هي الدليل على الفرق الكبير بين معاملة الغزاة لأعدائهم، وبين معاملة أعدائهم.. هي واحدة من المئات التي جاءت في كتب التاريخ عن الحروب الصليبية ومعظمها من تأليف المؤرخين المسيحيين من الفرنج بالذات"(2).

________________________________

(1) قصة الإنسان ، ص 89 – 90 .

(2) قصة الإنسان ، ص 92 – 93 .

إميل درمنغم

[ 1 ]

".. كانت الفتوح الإسلامية جزاءً مقدرًا وخزيًا كبيرًا على النصرانية الشرقية المتفرقة المنحطة.. وكان سلطان العرب غلاً أكرهت به أوروبا على الصواب، فكان ظهور العرب ووعيدهم حافزين للنصرانية إلى سلوك سبيل الإصلاح والترقي"(1).

[ 2 ]

"لم يشرع الجهاد لهداية الناس بالسيف، ففي القرآن: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة 256]، والقرآن يأمر المسلمين بالاعتدال وبأن لا يبدؤوا بالاعتداء.."(2).

[ 3 ]

"كتب الفوز للعرب لأنهم كانوا أهلاً للفوز، وتمّ النصر للإسلام لأنه عنوان رسالة كان الشرق كثير الاحتياج إليها، واحتمل المسلمون ضروب العذاب قبل الهجرة ولم يستطيعوا لها ردًا، فلما كانت الهجرة وكان ما أبدوه من المقاومة، والنصر، اتخذوا التسامح الواسع دستورًا لهم. أجل لم يبق للمشركين مقام في دار الإسلام، ولكنه أصبح لأهل الكتاب من اليهود والنصارى فيها حق الحماية وحرية العبادة وما إليهما وصاروا من المجتمع إذا ما أعطوا الجزية. قال النبي [صلى الله عليه وسلم]: (من آذى ذميًا فأنا خصمه)، وما أكثر ما في القرآن والحديث من الأمر بالتسامح، وما أكثر عمل فاتحي الإسلام بذلك ولم يرو التاريخ أن المسلمين قتلوا شعبًا، وما دخول الناس أفواجًا في الإسلام إلا عن رغبة فيه، وهنا نذكر أن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] لما دخل القدس فاتحًا أمر بأن لا يمسّ النصارى بسوء وبأن تترك لهم كنائسهم، وشمل البطرك بكل رعاية رفض الصلاة في الكنيسة خوفًا من أن يتخذ المسلمين ذلك ذريعة لتحويلها إلى مسجد. وهنا نقول ما أعظم الفرق بين دخول المسلمين القدس فاتحين ودخول الصليبيين الذين ضربوا رقاب المسلمين فسار فرسانهم في نهر من الدماء التي كانت من الغزاة ما بلغت به ركبهم. وعقد النية على قتل المسلمين الذين تفلتوا من المذبحة الأولى"(3).

________________________________

(1) حياة محمد ، ص 144 .

(2) حياة محمد ، ص 196 .

(3) نفسه ، ص 369 – 370 ، وانظر المرجع نفسه ص 370 ، هامش رقم 1 .

هنري دي كاستري

[ 1 ]

"أن [أتباع] محمد [صلى الله عليه وسلم] هم وحدهم الذين جمعوا بين المحاسنة ومحبة انتشار دينهم وهذه المحبة هي التي دفعت العرب في طريق الفتح وهو سبب لا حرج فيه، فنشر القرآن جناحيه خلف جيوشه المظفرة إذا أغاروا على الشام وساروا سير الصواعق إلى أفريقيا الشمالية من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلنطي ولم يتركوا أثرًا للتعسف في طريقهم إلا ما كان لابد منه في كل حرب وقتال، فلم يقتلوا أمة أبت الإسلام.. فكلما التقى المسلمون بأمة خيروها بين واحد من ثلاثة الإسلام أو الجزية أو تحكيم الحرب حتى تضع أوزارها. هكذا كانت الأوامر التي زود بها أبو بكر الصديق خالد بن الوليد [رضي الله عنهما] من أنفذه إلى الشام"(1).

[ 2 ]

"إذا انتقلنا من الفتح الأول للإسلام إلى استقرار حكومته استقرارًا منظمًا رأيناه أكثر محاسنة وأنعم ملمسًا بين مسيحيي الشرق على الإطلاق. فما عرض العرب أبدًا شعائر الدين المسيحي بل بقيت روما نفسها حرّة في المراسلات مع الأساقفة الذين ما زالوا يرعون الأمة الخالية.. وكان الوئام مستحكمًا بين المسلمين والمسيحيين.. ومع هذه المسالمة العظيمة من جانب المنتصر مع المغلوب، ضعفت الديانة النصرانية جدًا ثم زالت بالمرة من شمال أفريقيا.. ولم يكره أحد على الإسلام بالسيف ولا باللسان بل دخل القلوب عن شوق واختيار وكان نتيجة ما أودع في القرآن من مواهب التأثير والأخذ بالألباب. نعم قد اعتنق الإسلام قوم مشوا وراء منافعهم ولكنهم قليلون بجانب من أسلم عن اعتقاد صادق وميل صحيح.. وصار من اللازم أن يثبت الإسلام لمن أراده على يد القاضي ويحرر بذلك محضر يذكر فيه أن المسيحي اعتنق الإسلام عن اعتقاد تام غير خائف ولا مكره، إذ لا يجوز أن يكره أحد على تغيير دينه"(2).

[ 3 ]

".. قرأت التاريخ وكان رأيي بعد ذلك أن معاملة المسلمين للمسيحيين تدل على ترفع في المعاشرة عن الغلظة وعلى حسن مسايرة ولطف مجاملة وهو إحساس لم يشاهد في غير المسلمين آن ذاك.."(3).

[ 4 ]

".. أن الدين الإسلامي لم ينتشر بالعنف والقوة بل الأقرب للصواب أن يقال أن كثرة مسالمة المسلمين ولين جانبهم كانا سببًا في سقوط المملكة العربية. ومن المظنون أن المسلمين لو عاملوا الأندلسيين مثل ما فعل المسيحيون بالأمم الساكسونية، لأخلدت إلى الإسلام واستقرت عليه، لأنها مع تمتعها بحرية دينها المسيحي كانت كثيرة الانشقاق والأحزاب. وما لنا ولهذه الظنون والتخمينات وأمامنا أمر واحد ينبغي الوقوف عنده وهو أن ديانة القرآن تمكنت من قلوب جميع الأمم اليهودية والمسيحية والوثنية في أفريقيا الشمالية وفي قسم عظيم من آسيا حتى إنه وجد في بلاد الأندلس من المسيحيين المتنورين من تركوا دينهم حبًا في الإسلام كل هذا بغير إكراه، إلا ما كان من لوازم الحروب وسيادة حكومة الفاتحين ومن دون أن يكون للإسلام دعاة وقوّام مخصصون وهو ما يقنعنا بأن للإسلام جاذبية وقوة انتشار.. لأنه لا يزال ينتشر حتى الآن.."(4).

[ 5 ]

".. إننا نعتقد أن استطلاع حال هذا الدين في العصر الحاضر لا يبقي أثرًا لما زعموه من أنه إنما انتشر بحدّ الحسام. ولو كان دين محمد [صلى الله عليه وسلم] انتشر بالعنف والإجبار للزم أن يقف سيره بانقضاء فتوحات المسلمين مع أننا لا نزال نرى القرآن يبسط جناحيه في جميع أرجاء المسكونة.."(5).

_________________________________

(1) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 35 – 36 .

(2) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 39 – 40 .

(3) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 44 .

(4) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 86 .

(5) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 48 – 50 .

اتيين دينيه

[ 1 ]

".. من الحقائق التاريخية أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أعطى أهل (نجران) المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية. وها نحن أولاً نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم لا يفعلون مثل ما يفعل المسيحيين في الدعوى إلى دينهم، ولا يتبعون تلك الطرق المستغربة التي لا تتحملها النفس والتي يحبها الذوق السليم. وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه (سياحة دينية في الشرق) حيث يقول: إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم"(1).

[ 2 ]

"ليس من فخار المسيحية أن تضم في تعدادها أولئك الذين يباعون لها من ولدان العبيد ولا أولئك اليتامى الذين ينشأون في مهادها نشأة دينية مسيحية. أما الذين يعتنقون الإسلام في وقتنا هذا من المسيحيين وغيرهم فإنما هم الخاصة سواء كانوا من الهيئات الاجتماعية الأوروبية أو الأمريكية، كما أن إخلاصهم في ذلك لا شك فيه لأنهم أبعد ما يكونون عن الأغراض المادية"(2).

[ 3 ]

".. أن الإسلام بلغ من تماسك بنائه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلاً، ففي أقل من مائة عام، ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم.. أن يستولوا على أغلب بقاع العالم المتحضر القديم: من الهند إلى الأندلس"(3).

[ 4 ]

"المسلمون، على عكس ما يعتقده الكثيرون، لم يستخدموا القوة أبدًا خارج حدود الحجاز.. لإكراه غيرهم على الإسلام. وإن وجود المسيحيين في أسبانيا لدليل واضح على ذلك، فقد ظلوا آمنين على دينهم طوال القرون الثمانية التي ملك فيها المسلمون بلادهم وكان لبعضهم مناصب رفيعة في بلاط قرطبة. ثم إذا بهؤلاء المسيحيين أنفسهم يصبحون أصحاب السلطان في هذه البلاد فكان أول هم لهم أن يقضوا قضاء تامًا على المسلمين"(4).

[ 5 ]

"إن القدوة الحسنة التي لا تقترن بمحاولة التبشير المتعصبة، لهي أقوى أثرًا في النفوس التقية من مضايقات القسس المبشرين. ولقد اضطر العالم (دوزي) – رغم تعصبه ضد الإسلام – إلى الاعتراف بأن الكثير من المسيحيين الذين كانوا في إسبانيا (اعتنقوا الإسلام عن عقيدة).."(5).

"... وكيف لا يكون المسلم متسامحًا وهو يجل الأنبياء الذين يجلّهم اليهود والنصارى فموسى بالنسبة إليه (كليم الله) وعيسى (روح الله) يجب تبجيله كما يبجل محمد (حبيب الله): {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة 285].."(6).

___________________________________

(1) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 18 – 19 .

(2) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 39 .

(3) محمد رسول الله ، ص 315 .

(4) محمد رسول الله ، ص 332 .

(5) محمد رسول الله ، ص 333 .

(6) محمد رسول الله ، ص 333 .

ول ديورانت

[ 1 ]

".. الحق أن حادث [الفتوحات] الجلل الذي تمخضت عنه جزيرة العرب، والذي أعقبه استيلاؤها على نصف عالم البحر المتوسط ونشر دينها الجديد في ربوعه، لهو أعجب الظواهر الاجتماعية في العصور الوسطى"(1).

[ 2 ]

".. كان أهل الذمة المسيحيون، والزردشتيون، واليهود، والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم.. وكانوا يتمتعون بحكم ذاتي يخضعون فيه لزعمائهم وقضاتهم وقوانينهم.."(2).

[ 3 ]

"على الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون أو بسبب هذه الخطة، اعتنق الدين الجديد معظم المسيحيين، وجميع الزردشتيون والوثنيين إلا عددًا قليلاً جدًا منهم، وكثيرون من اليهود.. وحيث عجزت الهلينية عن أن تثبت قواعدها بعد سيادة دامت ألف عام، وحيث تركت الجيوش الرومانية الآلهة الوطنية ولم تغلبها على أمرها، وفي البلاد التي نشأت فيها مذاهب مسيحية خارجة على مذهب الدولة البيزنطية الرسمي، فإن هذه الأقاليم كلها انتشرت فيها العقائد والعبادات الإسلامية، وآمن السكان بالدين الجديد وأخلصوا له، واستمسكوا بأصوله إخلاصًا واستمساكًا أنسياهم بعد وقت قصير آلهتهم القدامى، واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلاد الممتدة من الصين وحتى الأندلس، وتملك خيالهم وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث فيهم آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها، وأوحى إليهم العزة والأنفة، حتى بلغ عدد من يعتنقونه ويعتزون به في هذه الأيام [مئات الملايين] من الأنفس، يوحد هذا الدين بينهم، ويؤلف قلوبهم مهما يكن بينهم من الاختلافات والفروق السياسية"(3).

[ 4 ]

".. في وسعنا أن نحكم على ما كان للدين الإسلامي من جاذبية للمسيحيين من رسالة كتبت في عام 1311م تقدر عدد سكان غرناطة المسلمين في ذلك الوقت بمائتي ألف، كلهم ما عدا 500 منهم من أبناء المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام. وكثيرًا ما كان المسيحيون يفضلون حكم المسلمين على حكم المسيحيين"(4).

[ 5 ]

".. إن المسلمين – كما يلوح – كانوا رجالاً أكمل من المسيحيين، فقد كانوا أحفظ منهم للعهد، وأكثر منهم رحمة بالمغلوبين، وقلما ارتكبوا في تاريخهم من الوحشية ما ارتكبه المسيحيون عندما استولوا على بيت المقدس في عام 1099م.."(5).

________________________________

(1) قصة الحضارة ، 13 / 7 .

(2) قصة الحضارة ، 3 / 130 – 131 .

(3) قصة الحضارة ، 13 / 133 .

(4) قصة الحضارة ، 13 / 297 .

(5) قصة الحضارة ، 13 / 383 .

بيجي رودريك

[ 1 ]

".. انظر إلى أي مدى يحترم الإسلام والأديان الأخرى ويوقّرها ويسمح في ظل الدولة المسلمة بممارسة كافة الشعائر الدينية.. فالنصارى واليهود هم أهل ذمة عند المسلمين ما لم يحاربوهم، وقد تمتعوا عبر التاريخ الإسلامي الطويل بكافة امتيازات المواطنين ولم يحدث أن سمعوا كلمة يسيء إليهم"(1).

[ 2 ]

".. ما إن كان الإسلام يدخل بلدًا من البلدان المفتوحة حتى يقبل أهلها جميعًا على اعتناقه ويعاملون معاملة الفاتحين سواء بسواء، ومن احتفظ منهم بدينه لقي أكرم معاملة. فمصر وشمال أفريقيا والصومال وبلاد أخرى كثيرة هي أمثلة على البلاد التي فتحها المسلمون العرب فأسلم أهلها وحملوا الإسلام إلى غيرهم وعاشوا أعزة مكرمين في ظل دولة إسلامية مئات من السنين. فلا مجال إذن للمقارنة بين الفتوحات الإسلامية وبين الاستعمار البغيض الذي يسلب الشعوب كل شيء.."(2).

[ 3 ]

".. قوانين الجهاد في الإسلام تعتبر أكثر القوانين إنسانية ورأفة، فهي تضمن السلامة التامة للنساء والولدان والشيوخ وجميع غير المحاربين فليس هناك في نظر الإسلام أبشع من جريمة قصف المستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومساكن المدنيين في المنطقة المعادية. وإنما يجعل الإسلام لهذه المرافق الإنسانية قدسيتها ويحذر من المساس بها فهذه هي الوصية التي كان يوصي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قادة المسلمين، وكذلك كان موقف الخلفاء الراشدين من بعده [رضي الله عنهم] بل لقد ظلت هذه سمة بارزة في جميع الحروب الإسلامية على مر العصور.."(3).

[ 4 ]

"الإسلام أذن لرسوله بالجهاد لرفع الظلم والاضطهاد.. ولإزالة العقبات التي تقف في وجه الدعوة للإسلام، تلك الدعوة التي لا تكره أحدًا على الدخول في هذا الدين وإنما تدعو الناس إليه وتترك لهم الحرية الكاملة للاختيار. ولذلك ما إن يدخل الناس في الإسلام حتى يتمسكوا به، ويستميتوا في الدفاع عنه.. إن الإسلام هو دين السلام، السلام مع الله والسلام مع الناس جميعًا"(4).

_______________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 113 – 114 .

(2) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 114 – 115 .

(3) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 115 .

(4) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 116 .

جاك ريسلر

[ 1 ]

"قامت الانتصارات المدوية للعرب على أسباب متنوعة يتجلى أهمها في الخلق السامي الذي كان قد تشرّبه العرب عن الدين الجديد، فقد طبعهم هذا الخلق على جرأة واحتقار للموت، جعلهم لا يغلبون.."(1).

[ 2 ]

".. كان الفتح العربي يملك الرضا الضمني من السكان الذين كانوا يكرهون الإغريق والفرس ويكرهون استبدادهم الديني والسياسي، ونظام ضرائبهم الفادحة ولم يعد الوطنيون قادرين على أن يتحملوا أخيرًا هذا الاستبداد المتغطرس من حكام أصبح تفوقهم ضربًا من الذكريات. تلك هي الأسباب التي من أجلها استقبلت هذه الشعوب المتاخمة جيرانها ذوي التاريخ الطويل كأنهم ذوو قربى قد أقبلوا لتحريرهم من ظلم الغاصبين الأجانب الممقوت.."(2).

[ 3 ]

"لا نزاع في أن اللغة والدين اللذين انتشرا معًا قاما بدور خطير في هذا العمر الضخم لتقريب هذه الإمبراطورية الشاسعة وتحويل أبنائها إلى الإسلام. وحطمت هاتان القوتان الحواجز التي كانت تفرق بين الفاتحين وأهل البلاد وحولوا بعض الأجانب إلى عقيدتهم أكثر مما كان لروما في العصر القديم في هذا الميدان والأنجلوساكسون في الفترة المعاصرة. فالذي كان يدين بالإسلام وكان يتحدث ويكتب اللغة، يسمح له أن يعد عربيًا، وهذا حدث خطير في تاريخ الحضارة الإسلامية. ولقد ألغت تلك القوة الموحدة بهذا الأسلوب الحدود السياسية، ومنحت بنحو ما شكلاً موحدًا لبلاد مترامية الأطراف في ثلاث قارات وأصبحت فيما بعد خالية من القيود. وكان المسلم يجد في كل مكان نفس الدين ونفس الصلوات، ونفس الشرائع".

[ 4 ]

".. أن المنتصرين سيعتنقون دين المغلوبين الذين نهكوهم، وسوف يجعل من أنفسهم مدافعين بحماسة عن هذا الدين. وتثير هذه الظاهرة العجب، لكنها ليست من الندرة في تاريخ العالم الإسلامي. لقد كان هذا بالنسبة للأتراك السلجوقيين ثم بالنسبة لأبناء عمومتهم المغول بعد ذلك في القرن الثالث عشر [الميلادي] وأخيرًا بالنسبة للأتراك العثمانيين في القرن الرابع عشر، وسيظفر الدين الإسلامي بألمع انتصار طيلة الأزمنة الممعنة في ظلال الفشل والغزو.."(3).

[ 5 ]

"كانت جميع الأديان لها حق الممارسة المطلقة في عبادتها، وكان اليهود المطارد لديهم مطلق الحرية في اقتناء الثروات ووصلوا أحيانًا إلى مراكز سامية، واختلط المسيحيون مع المسلمين.. ونحدث أنهم احتفلوا بأعيادهم معًا في المسجد وفي الكنيسة، ونتيجة لهذه الحرية البالغة أقصى حد شوهد بعض المسيحيين يتخذون لأنفسهم أكثر من زوج على الرغم من تحريم الكنيسة.."(4).

_________________________________

(1) الحضارة العربية ، ص 39 .

(2) الحضارة العربية ، ص 39 – 40 .

(3) الحضارة العربية ، ص 241 .

(4) الحضارة العربية ، ص 154 .

جورج سارتون

[ 1 ]

".. أن الفاتحين العرب كانوا بلا ريب أميين، ولكنهم كانوا موحدين تمامًا، وكان يعمر قلوبهم إيمان وطيد. وفي هذه أيضًا انتصر النبي [صلى الله عليه وسلم] انتصارًا بيّنًا. أن الفتوح العربية لم تكن نتيجة صراع بين برابرة جياع وبين سكان مدن أخذوا يتقهقرون في سلّم المدنية، بل كان في الأكثر صراعًا بين دين جديد وثقافة جديدة ناشئة في المحل الأول، ثم بين ثقافات منحلة متعادية قلقة في المحل الثاني.."(1).

[ 2 ]

"أن تفاصيل تلك الجهود المدهشة في الفتح الإسلامي تهم المؤرخين السياسيين ولكن الحالة النفسية للأسس التي تقوم عليها تلك الفتوح فيما يتعلق بالجانبين (بالعرب ثم بالروم والفرس) هي ذات أهمية كبرى لمؤرخي العلم. لقد سبق للإيمان المسيحي أن تزلزل بالمنازعات اللاهوتية التي امتدت قرونًا عديدة، والحرمانات المتبادلة، فقاد ذلك إلى أن استقبل النصارى في الشرق الأوسط جيوش الفاتحين المسلمين على أنها منقذة لهم من استبداد الكنيسة الأرثوذكسية ثم أن الإسلام.. كان لا يزال غضًا موحدًا، كما أن المجاهدين المسلمين كانت تملك عليهم لبّهم آمال عظام.. وكان الإيمان في الإسلام بسيطًا، كريمًا ومعتدلاً، ومن ذلك فقد كان بالإمكان أن تشيع فيه الحماسة حين البأس على حد بعيد فينقلب المجاهدون حينئذ ذوي حمية إما أن يبلغوا بها الظفر أو أن يسقطوا دونه شهداء. لقد كان الظفر والاستشهاد عندهم سِيَّين.."(2).

وبمساعدة هذه المؤثرات العجيبة، كان يشعر المسلم في كل مكان بأنه في بلده، سواء أكان في رحلاته خارج الحدود أم في معاملاته مع تجار البلاد الأجنبية"(3).

________________________________

(1) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 46 .

(2) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 47 .

(3) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 47 .

لوثروب ستودارد

[ 1 ]

"كان لنصر الإسلام هذا النصر الخارق عوامل ساعدت عليه، أكبرها أخلاق العرب، وماهية تعاليم صاحب الرسالة [صلى الله عليه وسلم] وشريعته والحالة العامة التي كان عليها الشرق المعاصر في ذلك العهد.. لقد استطاع محمد، وهو يبشر بالوحدانية تبشيرًا عاريًا عن زخارف الطقوس والأباطيل أن يستثير حق الاستثارة من نفوس العرب الغيرة الدينية الكامنة.. وإذ هبوا لنصرة دعوة ابن عبد الله - من بعد ما ذهبت من صدورهم الأحقاد المزمنة والعداوات الشديدة التي كان من شأنها من قبل الذهاب بحولهم وقوتهم - وانضم بعضهم على بعض كالبنيان المرصوص تحت لواء الرسالة في رأسها نور للناس وهدى للعالمين، أخذوا يتدفقون تدفق السيل من صحاريهم في شبه الجزيرة ليفتحوا بلاد الإله الواحد.."(1).

[ 2 ]

".. لم يمض سوى اليسير من الزمن حتى كان السواد الأعظم من الأمم المغلوبة قد دخل في دين النبي العربي أفواجًا، إيثارًا له.. على ذينك الدينيين الذين صارا غاية في الانحطاط والتدنّي.. ولم يكن العرب قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا، على الضدّ من ذلك، أمة موهوبة جليلة الأخلاق والسجايا.."(2).

[ 3 ]

".. كان الخليفة عمر [رضي الله عنه] يرعى حرمة الأماكن المقدسة النصرانية أيما رعاية، وقد سار خلفاؤه من بعده على آثاره، فلا ضيّقوا على النصارى ولا نالوا بمساءة طوائف الحجاج الوافدين كل عام إلى بيت المقدس من كل فج من فجاج العالم النصراني.."(3).

[ 4 ]

"لا شيء أدل على هذه النهضة الإسلامية الحديثة الكبرى من هذه اليقظة الروحانية الدينية التبشيرية، الناشئة والمنتشرة خلال مئة السنة الأخيرة ولا غرابة في ذلك فقد كان الإسلام على الدوام دين هداية للناس وإخراجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، هذا التاريخ شاهد حق على ما قام به المبشرون المسلمون في أول عهد الإسلام من الأعمال الجليلة التي لم يقم بمثلها غيرهم من المبشرين. ولا ننسى أن روح التبشير ونشر الدعوة في سبيل الرسالة لم تبرح حية على الدوام، على انحطاط الممالك الإسلامية وتدنيها. فلذلك ما انفك الإسلام طيلة القرون الوسطى ينتشر في الهند والصين، وبينما كانت الرسالة المحمدية تنتشر في نائي تلك الأصقاع، كان الترك ينشرونها ويرفعون أعلامها في شبه جزيرة البلقان، وبين القرنين الرابع عشر والسادس عشر كان المبشرون المسلمون يفتحون بلاد غربي أفريقيا، وجزائر الهند الهولندية، وجزائر الفيلبين فتحًا دينيًا مبينًا"(4).

[ 5 ]

".. عند اعتبار شأن انتشار الإسلام هذا الانتشار يجب أن تعلم العلم اليقين أن كل مسلم هو بغريزته وفطرته مبشر بدينه، ناشر له بين الشعوب غير المسلمة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وعلى ذلك أن نشر الرسالة المحمدية لم يقم به رجال التبشير وحدهم.. بل شاركهم فيه جماعات عديدة من السياح والتجار والحجاج على اختلاف الأجناس. ولا يؤخذن من هذا أن لم يقم في المسلمين مبشرون ارتشفوا كؤوس الحمام في سبيل الدعوة الإسلامية فعدد المبشرين الذين هم على هذا الطراز كثير، وذلك ظاهر بين في أمر الطرق الدينية مما لا يحتاج إلى برهان.. وهذه الأعمال التي قام بها المبشرون المسلمون في غربي أفريقية وأوسطها خلال القرن التاسع عشر إلى اليوم لعجيب من العجائب الكبرى، وقد اعترف عدد كبير من الغربيين بهذا الأمر. فقد قال أحد الإنكليز في هذه الصدد منذ عشرين سنة (إن الإسلام ليفوز في أواسط أفريقية فوزًا عظيمًا حيث الوثنية تختفي من أمامه اختفاء الظلام من حلول الصباح، وحيث الدعوة النصرانية باتت كأنها خرافة من الخرافات). وقال مبشر بروتستنتي فرنسي (ما برح الإسلام [يتقدم] منذ نشوئه حتى اليوم فلم يعثر في سبيله إلا القليل، وما زال يسير في جهات الأرض حتى بلغ قلب أفريقية مذللاً أشق المصاعب ومجتازًا أشد الصعاب، غير واهن العزم فالإسلام حقًا لا يرهب في سبيله شيئًا، وهو لا ينظر إلى النصرانية، منازعته الشديدة، نظرة المقت والازدراء، فلهذا هو حقيق بالظفر والنصر، إذ بينما كان النصارى يحلمون بفتح أفريقية في نومهم، فتح المسلمون جميع بقاع القارة في يقظتهم).."(5).

________________________________

(1) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 2 .

(2) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 3 – 4 .

(3) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 13 - 14 .

(4) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 300 – 301 .

(5) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 301 – 302 .

نصري سلهب

[ 1 ]

".. أن المسيح [عليه السلام] وأمه والمسيحيين يحتلون في آيات القرآن الكريم منزلة فريدة [وبالتالي] في نفوس المسلمين وقلوبهم. ذلك أن المسلمين يحفظون كلام الله في كتابه ويؤمنون به كل الإيمان، وربما كانوا في إيمانهم العميق هذا أكثر تكريمًا للمسيح ولأمه من بعض المسيحيين أنفسهم، وإذا كان التاريخ قد سجل في صفحاته نزاعات وحروبًا مؤسفة وقعت بين مسيحيين ومسلمين، فليس من المحتوم أن تكون الأسباب العميقة والخفية لتلك الحروب ذوات طابع ديني.. ومهما يكن من أمر فإن حروبًا أخرى أوسع نطاقًا وأعمق أثرًا وأكثر عددًا وأبلغ ضرراً قد وقعت مسيحيين ومسيحيين، وهي - كما لا نجهل - أفظع الحروب على إطلاقها وأكثرها هولاً.."(1).

[ 2 ]

".. خاضت المسيحية الحروب الصليبية ضد الإسلام لإنقاذ الأماكن المقدسة كما يحلو للمؤرخين أن يرددوا، والحروب الصليبية هذه كانت إحدى الأخطاء التاريخية العظمى.. فالأماكن المقدسة لم تكن في خطر ولم يحاول واحد من الحكام المسلمين أن يمحوها أو أن يزيلها من الوجود. بل على العكس من ذلك فقد تجنب الخليفة عمر [رضي الله عنه]، في فجر الإسلام، الصلاة في كنيسة القيامة بغية الحفاظ على طابعها المسيحي. وكذلك فعل الآخرون، على مرّ الزمن"(2).

[ 3 ]

"العهدة العمرية [التي منحها ابن الخطاب رضي الله عنه لأهل بيت المقدس] هل تعدلها عهدة في التاريخ نبلاً وعدلاً وتسامحًا: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل القدس من أمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم.. لا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم..). أي خاسر حربًا من حروب التاريخ حظي بمثل هذه العهدة من غالب منتصر؟.. ويبقى المسلمون في الشرق، وفي فلسطين بالذات، ثلاثمائة سنة وألفًا، فلا يمس فيها للمسيحي أثر، بل تستمر الكنائس والأماكن المقدسة في حرمة ومنعة.."(3).

________________________________

(1) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 41 .

(2) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 54 .

(3) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 331 .

أحمد سوسه

[ 1 ]

".. يستحسن بأتباع موسى وعيسى [عليهما السلام] أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة عامة. ويثبت لنا التاريخ عدا ذلك أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم مس الأطفال والنساء والشيوخ بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين.."(1).

[ 2 ]

".. وجد اليهود تحت راية الإسلام أمنًا وعدلاً اتقوا به شر الاضطهاد والاعتداء، وقد مضت عليهم قرون عديدة وهم في خير وثراء.."(2).

[ 3 ]

".. من جملة ما حمله [الصليبيون إلى بلادهم] تلك الخلة [الإسلامية] الشريفة، خلة احترام الأديان وإطلاق الحرية لأهل الدين في تأدية فرائضهم مع احترام ما يجلّونه من العادات والتعاليم الروحية.."(3).

[ 4 ]

".. أن الإسلام شريعة العدل والإنسانية وأنه ينطوي على مبادئ تفوق السيف في قوتها واستقامتها، وأن منهج اللطف في دعوته إلى حقيقة التوحيد يجتذب القلوب ويسحر العقول ويأسر الناس بلا سيف ولا قتال"(4).

________________________________

(1) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 94 .

(2) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 130 .

(3) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 133 .

(4) في طريقي إلى الإسلام ، 2 / 38 .

بشير أحمد شاد

[ 1 ]

".. السؤال الذي كان يقلقني هو أننا نحن النصارى نزعم أن الإسلام.. انتشر بحدّ السيف. فقلت لنفسي: فلماذا تقبل الناس الإسلام ولا يزالون يعتنقونه في كل ركن من العالم؟ لماذا يهتدي الناس في كل بلد إلى هذا الدين كل يوم دون إكراه أو جبر من أي نوع؟"(1).

[ 2 ]

"لم يحدث قط في حياتي أن لقيت أو سمعت عن رجل واحد من غير المسلمين أكره على الدخول في الإسلام قسرًا. وهذا ينطبق على الناس في الهند وباكستان وفي بقية أجزاء العالم. ففي الهند مثلاً ظل الحكام المسلمون سادة القارة وحكامها لعدة قرون ورغم ذلك بقي الهندوس يشكلون دائمًا أغلبية السكان. فقد سمح لهم، كما سمح لكافة الطوائف الأخرى بممارسة شعائرها الدينية بكل حرية في ظل الحكم الإسلامي. كما لم يحدث قط أن نزل جندي مسلم واحد على أرض إندونيسيا أو ماليزيا.. ومع ذلك فالغالبية العظمى من الشعب الإندونيسي هم من المسلمين. وأكثر من نصف سكان [ماليزيا] مسلمون. فكيف يزعمون أن الإسلام قد انتشر بالسيف؟ لقد وجدت، على العكس من ذلك، أن الإسلام هو دين الرحمة والحب والتعاطف الإنساني. وهذه كلها اتهامات جائرة ومفتريات لا أساس لها من الصحة. وهذه نقطة أخرى من أجلها اعتنقت الإسلام"(2).

________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 17 – 18 .

(2) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 21 – 22 .

شبولر(1)

[ 1 ]

"أن المسيحية والإسلام يقفان موقفين مختلفين في موضوع الأقليات الدينية. أن المسيحية لم تسمح بوجود الأديان الغريبة في أراضيها (باستثناء الدين اليهودي) أما في الإسلام فكان يوجد تبادل ثقافي بين المسلمين وغير المسلمين.. وهذا الفرق الملحوظ يمكن تفسيره بأن المسيحية شهدت قيام دين منافس لها (وهو الإسلام الذي كان ظهوره، إذا تكلمنا من الناحية الواقعية مناقضًا لادعاء المسيحية بأنها آخر وحي منزل). أما الإسلام فقد اعترف نظامه الديني منذ البداية بالعقائد الأخرى التي كانت تعيش معه جنبًا إلى جنب.. وبهذه الطريقة أصبح من الممكن أن ينقل النساطرة الثقافة الكلاسسيكية وأن يقوم اليهود بدورهم في بلاد الأندلس الإسلامية"(2).

_________________________________

(1) بارتولد شبولر b. Spuler

تخرج من الجامعات الألمانية، وعين معيدًا للدراسات الإسلامية دفعة لغات الشرق الأدنى (1939) في جامعة جوتنجن، وأستاذ كرسي في جامعة ميونخ (1942) وعدد من الجامعات الأخرى كما عمل أستاذًا زائرًا في جامعتي أنقرة واستنبول (1955-19569 يجيد العديد من اللغات، وتخرج عليه عدد من المتخصصين من البلدان الإسلامية.

من آثاره: (مغول إيران) (1939) و(المغول في روسيا) (1943) و(تاريخ البلدان الإسلامية) (1952-1953).

(2) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 239 .

لورافيشيا فاغليري

[ 1 ]

"أن التاريخ لم يشهد، قط، ظاهرة مثل [ظاهرة الفتوحات] هذه من قبل ومن العسير على المرء أن يقدر السرعة التي حقق بها الإسلام فتوحه، والتي تحوّل بها من دين يعتنقه بضعة نفر من المتحمسين إلى دين يؤمن به ملايين الناس. ولا يزال العقل البشري يقف ذاهلاً دون اكتشاف القوى السّرّيّة التي مكنت جماعة من المحاربين.. من الانتصار على شعوب متفوقة عليه تفوقًا كبيرًا في الحضارة، والثروة، والخبرة، والقدرة على شن الحرب. ومن أدعى الأمور إلى الدهشة أن نلاحظ كيف استطاع أولئك الناس أن يحتلوا تلك المناطق كلها، وأن يثبتوا بعد ذلك فتوحهم على نحو جعل حتى الحروب المتعاقبة قرنًا بعد قرن عاجزة عن إخراجهم منها، وكيف استطاعوا أن يلهبوا نفوس أتباعهم بتلك الحماسة الفائقة لمثلهم العليا، وأن يحتفظوا بحيوية نابضة لم تعرفها الأديان الأخرى حتى بعد انقضاء عشرة قرون على وفاة محمد [صلى الله عليه وسلم]، وأن يفرغوا في عقول أتباعهم، على الرغم من انتسابهم إلى عصر وثقافة مختلفين كل الاختلاف عن عصر المسلمين الأولين وثقافتهم إيمانًا متقدًا لا يحجم عن القيام بأيما تضحية مهما غلت"(1).

[ 2 ]

".. لقد تحرك الجيش [الإسلامي] في سرعة، وتتابعت المعارك، وبدا النجاح وكأنه قد جعل لأقدام الفاتحين أجنحة: فقد ترددت في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان [رضي الله عنهم] أصداء الأنباء البهيجة الحاملة بشائر الانتصارات الرائعة. وقد اتبعت هذه الانتصارات بتنظيم البلدان المفتوحة وتوطيد أقدام العرب فيها. ولم يكن هذا الصنيع أقل إعجازًا من الفتوح نفسها. لقد قوضت حضارتان وزعزع دينان، وإذا بفيض جديد من حياة عارمة يتدفق في عروق تلك الشعوب الخائرة القوى. لقد تجلى أمام عيون العالم المندهش دين جديد، بسيط، سهل، يخاطب القلب والعقل جميعًا، وأقيم شكل جديد من أشكال الحكومة كان أسمى إلى حد بعيد – في خصائصه ومبادئه الأخلاقية – من تلك المعروفة في ذلك العصر. وبدأ الذهب الذي كان مخبوءًا في صناديق السراة ينتقل إلى أيدي الفقراء، مستهلاً نظامًا في التداول السليم كرة أخرى وفي ظل من حكومة تسيّرها مثل عليا ديمقراطية أمينة، وجد الرجال المثقفون البارعون الأذكياء تشجيعًا من النظام الجديد، فاستطاعوا أن يبلغوا أسمى المناصب العامة. ومن الممكن القول، في اطمئنان، أن البلاد المفتوحة عرفت – على الرغم من بعض الحالات المحتومة النادرة التي تجاوز فيها الجند حدودهم أثناء الفتح – عهدًا من الرخاء والازدهار، وشهدت غنى لم تشهده آسيا منذ قرون طويلة. وإلى هذا فقد نعمت حياة الشعوب المغلوبة وحقوق المدنية وأموالها بدرجة من الحماية تقارب تلك التي نعم بها المسلمون أنفسهم"(2).

[ 3 ]

"أزعج التحول السياسي والديني العميق [الذي أحدثته الفتوحات] طائفة من الناس فراحوا يتساءلون ما الذي أدى إلى حدوثه، ولكن كثيرًا منهم كان عميًا، أو كانوا يغمضون أعينهم عمدًا هائمين طويلاً وعلى نحو يائس في متاهة التخمينات الخاطئة. إنهم لم يستطيعوا أن يدركوا أن القوة الإلهية وحدها كان في ميسورها أن تقدم الحافز الأول لمثل هذه الحركة الواسعة. إنهم لم يريدوا أن يعتقدوا أن حكمة الله وحدها كانت مسؤولة عن رسالة محمد [صلى الله عليه وسلم]، آخر الأنبياء الكبار حملة الشرائع [عليهم السلام] والنبي الذي ختم سلسلتهم إلى الأبد. أن مثل هذه الرسالة كان يتعين عليها أن تكون رسالة عالمية لجميع أفراد الجنس البشري من غير تمييز وعلى اختلاف الجنسيات والأوطان والأعراق. لقد كان أولئك إما عميًا وإما غير راغبين في أن يروا.."(3).

[ 4 ]

".. كان العرب المنتصرون مستعدين دائمًا – حتى وهم في أوج قوتهم وانتصارهم – لأن يقولوا لأعدائهم: (ألقوا السلاح وادفعوا جزية يسيرة نسبغ عليكم حماية كاملة. أو اتخذوا الإسلام دينًا وادخلوا في ملتنا تتمتعوا بالحقوق نفسها التي نتمتع بها نحن). وإذا نظرنا إلى ما أوحي إلى محمد [صلى الله عليه وسلم] أو إلى الفتوح الإسلامية الأولى سهل علينا أن نرى مدى الخطأ الذي ينطوي عليه الاتهام القائل بأن الإسلام فرض بالسيف وأن انتشاره السريع الواسع لا يمكن تفسيره إلا بهذه الوسيلة"(4).

[ 5 ]

"كان المسلمون لا يكادون يعقدون الاتفاقات مع الشعوب حتى يتركوا لها حرية المعتقد، وحتى يحجموا عن إكراه أحد من أبنائها على الدخول في الدين الجديد. والجيوش الإسلامية ما كانت تتبع بحشد من المبشرين الملحاحين غير المرغوب فيهم، وما كانت تضع المبشرين في مراكز محاطة بضروب الامتياز لكي ينشروا عقيدتهم أو يدافعوا عنها. ليس هذا فحسب. بل لقد فرض المسلمون، في فترة من الفترات، على كل راغب في الدخول في الإسلام، أن يسلك مسلكًا لا يساعد من غير ريب على تيسير انتشار الإسلام. ذلك أنهم طلبوا إلى الراغبين في اعتناق الدين الجديد أن يمثلوا أمام القاضي ويعلنوا أن إسلامهم لم يكن نتيجة لأي ضغط، وأنهم لا يهدفون من وراء ذلك إلى أي كسب دنيوي. والواقع أن اليهود والنصارى لم يمنحوا حرية المعتقد الديني فحسب، بل عهد إليهم في تولّي المناصب الحكومية حين كانت مؤهلاتهم الشخصية من القوة بحيث تلفت انتباه الحاكمين.."(5).

_________________________________

(1) دفاع عن الإسلام ، ص 22 .

(2) دفاع عن الإسلام ، ص 26 – 28 .

(3) دفاع عن الإسلام ، ص 28 .

(4) دفاع عن الإسلام ، ص 32 .

(5) دفاع عن الإسلام ، ص 35 – 36 .

روجيه جارودي

[ 1 ]

"أسطورة أخرى ينبغي القضاء عليها: تلك التي أراد الاستعمار الفرنسي فرضها حين صوّر التوسع العربي بدءًا من القرن الميلادي الثامن على أنه تدفق (الهمجية الآسيوية) على الغرب"(1).

[ 2 ]

"أن ما يطلقون عليه اسم (غزو إسبانية) لم يكن غزوًا عسكريًا. لقد كان عدد سكان إسبانية في ذلك الحين زهاء عشرة ملايين نسمة ولم يزد عدد الفرسان العرب في الأراضي الإسبانية البتة على سبعين ألفًا وإنما لعب التفوق الحضاري دورًا حاسمًا"(2).

[ 3 ]

"أن ما حققه العرب في إسبانيا يجعلنا نفكر في الحرب الثورية التي نهض بها ماو [في الصين] فقد جلبوا معهم نظامًا اجتماعيًا أعلى جدًا من النظام الراهن، وسرعان ما ظهروا بمظهر محررين. أولاً بإنقاذ الأقنان من وصاية ملوك [القوط] في عصر انحطاطهم. ثم بعدم امتلاكهم الأراضي – والقرآن يمنع ذلك – ولكن بالاكتفاء بالخراج"(3).

[ 4 ]

".. لماذا هبّ هذا "الإعصار" القادم من الشرق وانتشر بمثل هذه السرعة العظمى من بحر الصين إلى المحيط الأطلسي؟ إن العامل الحاسم هو أن (العربي) قد جلب معه أشكالاً أعلى في مجالات التنظيم الاجتماعية وحتى الاقتصادية، ولذا نجده يحظى بقبول الجماهير في عالم يقر نظام الرق وهو في حالة تفسّخ تام"(4).

[ 5 ]

".. حدثني مبشر في [كميرون] وهو يائس فقال: (إن بعثاتنا تقدم المسيحية على نحو كما لو أن الله لم يظهر في صورة إنسان وإنما ظهر في صورة غربي). فكيف ندهش أمام تقدم الإسلام المذهل في أفريقية السوداء في عصر الاستقلال إعرابًا عن رفض المستعمر؟"(5).

__________________________________

(1) حوار الحضارات ، ص 96 .

(2) حوار الحضارات ، ص 97 .

(3) حوار الحضارات ، ص 97 .

(4) حوار الحضارات ، ص 101 .

(5) حوار الحضارات ، ص 267 .

ادوين كالغرلي

[ 1 ]

".. لم يحمل المسلمون أثناء غزواتهم المنتصرة أحدًا يجبر المسيحيين أو اليهود على اعتناق الإسلام. فقد أقر الإسلام لأهل الكتاب بحرية ممارسة شعائر دينهم بشرط دفع الجزية. وكل ما طالبهم به هو أن يسلموا للدين الجديد بالسيادة المدنية والسياسية التي تمثلت في الدولة الإسلامية.."(1).

[ 2 ]

".. احتفظ المسلمون للأقليات غير المسلمة في البلاد [التي فتحوها] بحقوقهم وامتيازاتهم الدينية.."(2).

[ 3 ]

".. في القرآن آية كريمة تفيض بالصدق والحكمة يعرفها المسلمون جميعًا ويجب أن يعرفها غيرهم، وهي تقول بأن: {لا إكراه في الدين} [البقرة 256].."(3).

_____________________________________

(1) الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته (بإشراف كويلر يونغ)، ص 163 – 164 .

(2) نفسه ، ص 164 .

(3) الشرق الأدنى ، ص 182 .

كلود كاهن

[ 1 ]

"يبدو لنا نشوء الإسلام مع فتوحاته الخاطفة وكأنها من الأمور الخارقة. ثمة شعب خامل الذكر – حتى تلك الفترة من الزمن – استطاع أن يجمع كلمته بدافع عقيدة جديدة. وما هي إلا سنوات حتى بسط سلطانه على الإمبراطورية الساسانية قاطبة وكذلك على جميع الأقاليم الآسيوية والأفريقية التابعة للدولة البيزنطية باستثناء غربي آسيا الصغرى، ثم لم يلبث أن ضمّ إليه الجزء الأكبر من إسبانيا بالإضافة إلى جزيرة صقلية، واستولى مؤقتًا على مواقع أخرى في قارة أوروبا. وهو في الوقت نفسه قد طرق أبواب الهند والصين والحبشة والسودان الغربي وبلاد غالية ومدينة القسطنطينية. فتداعت أمامه أعرق الدول، وخضعت لهذا الدين الجديد جميع الديانات التي استقرت في البلاد المترامية الأطراف من نهر سيحون حتى السنغال"(1).

[ 2 ]

".. حافظت الأقوام المغلوبة على حرية إقامة شعائرها لا يحدّها في ذلك سوى الامتناع عن تلك التظاهرات العامة التي تؤذي المسلمين في المناطق الآهلة بهم. كما حافظت تلك الأقوام على شرائعها الخاصة.. ورأى المسلمون في أداء الضريبة لهم اعترافًا بالسيادة العليا للأمة الإسلامية ولقاء ذلك استبقى الأهالي ما يملكون من عقارات ونزل العرب خارج ممتلكاتهم.. وكان على المغلوبين أيضًا واجب الوفاء والإخلاص للفاتحين، وبخاصة في فترات الحروب كإيواء المسلمين وتزويدهم بالأخبار والامتناع عن إفشاء المعلومات للعدو.."(2).

[ 3 ]

"حقيق بنا أن نبدد بعض الأخطاء التي دامت قرونًا عديدة. فقد قاتل الصليبيون الأتراك في العهود اللاحقة ونظمت في الغرب الدعوة لمكافحتها فاستنتجوا من ذلك أن النظام السياسي [السلجوقي] الجديد قد وصم بتعصب من نوع خاص، وهذا أمر باطل.. [لأن] الاضطهاد الوحيد الذي سجله التاريخ وقتئذ هو ذلك الذي أمر به الخليفة (الحاكم) في مصر. وهو حادث شاذ تم خارج الإمبراطورية التركية وقبل قيامها. ولم يميّز المؤرخون الغربيون بين آسيا الصغرى (وفيها كان التركمان سببًا في قيام الاضطراب..) وبين كافة العالم السلجوقي. وبين أيدينا العديد من الشهادات والقرائن التي تنهض دليلاً على أن المسيحيين من أهل البلاد كانوا على العكس من ذلك قد هلّلوا فرحًا لحكومة السادة الجدد عقب عودة النظام [بمجيء السلاجقة] ولم يخطر لهم مطلقًا أن يستنجدوا بالغرب لينقذوهم"(3).

[ 4 ]

"لا تعني السمة الإسلامية الواضحة للدول السلجوقية أنها تضم فقط الرعايا المسلمين، كما لا تعني أن الذميين قد ضاقوا بها ذرعًا. وحقيق بنا – هنا أيضًا أن نبدد كثيرًا من الأخطاء الصادرة أحيانا عن نية حسنة. قلنا إن الفتح التركماني كان قاسيًا وإنه أدى في بعض الظروف إلى كوارث فاجعة. لكن الوضع القانوني للنصارى المحليين لم يختلف عما كان عليه في الدول الإسلامية العريقة بعد أن استقر النظام السياسي في البلاد، ولو أن المناوشات استمرت على الحدود بصورة متقطعة، بل غالبًا ما كان وضعهم في آسيا الصغرى أفضل من الناحية الفعلية بحكم غالبيتهم العددية الثابتة. وهكذا تقدم لنا الدولة السلجوقية تداخلاً لعناصر متباينة جدًا، ولا نرى فيها أناسًا متذمرين حقًا، أو أناسًا يعاودهم الحنين فعلاً إلى استرجاع الماضي أو استعادة السيادة البيزنطية مثلاً، وهي لم تترك في أذهان الناس ذكريات سعيدة فقط في مجال الفدائية والمنازعات الطائفية.."(4).

[ 5 ]

"استطاع الإسلام أن يعوض عن الخسائر التي تكبدها في البحر المتوسط بمكاسب حصل عليها في أفريقيا السوداء وآسيا الجنوبية الشرقية. ففي السودان كانت القوافل المغربية قد نشرت الإسلام منذ زمن بعيد.. أما الزعماء الزنوج المحليون فقد وجدوا في الإسلام مبادئ وتعاليم تساعدهم على إنشاء مؤسسات سياسية أرسخ بنيانًا من تلك التي عهدوها قديمًا في بلادهم. وامتدت سيادة إمبراطورية (مالي) (القرن الرابع عشر) مع حاضرتها (تومبوكتو) في المركز، وكذلك سيادة إمبراطورية (غاوا) التي خلفتها في القرن الخامس عشر من الغابات العذراء حتى الواحات الصحراوية المغربية. وانتشرت الثقافة الإسلامية في تلك البقاع على يد العلماء المغاربة ومختلف النازحين (الأندلسيين). وفي بلاد (تشاد) التقت تأثيرات مغربية ومصرية. ثم لم يلبث أن قدم النخاسون الأوربيون فأوقفوا هذا التقدم الثقافي الذي أحدثه الإسلام – ولو من بعض الوجوه – قبل مجيء الغربيين بأمد بعيد"(5).

______________________________________

(1) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 5 – 6 .

(2) نفسه ، 1 / 28 .

(3) نفسه ، 1 / 355 .

(4) نفسه ، 1 / 367 .

(5) نفسه ، 1 / 404 .

هاملتون كب

[ 1 ]

"انبثق الإسلام انبثاقًا مفاجئًا في بلاد العرب، وأقام بسرعة تكاد تعزّ على التصديق، في أقل من قرن من الزمن، إمبراطورية جديدة في غربي آسيا وشواطئ البحر المتوسط الجنوبية والغربية"(1).

[ 2 ]

"لقد تمت الفتوحات [الإسلامية] دون أن تزعزع اقتصاديات البلاد المفتوحة، وعلى أثرها أقام الفاتحون توًا سلطة مركزية منظمة"(2).

[ 3 ]

"في التاريخ أمثلة على توسّع الدول لا سبيل إلى تعليلها، لكن ليست هناك سوى أمثلة قليلة جدًا على دولة تكونت على هذا النحو واستطاعت أن تبلغ مابلغته الدولة الإسلامية من استمرار واستقرار نسبيين"(3).

[ 4 ]

"لنأخذ بعين الاعتبار المظاهر الخارجية للحيوية التي برهن عليها الإسلام خلال الحقبة [التالية] من الزمن مثل قيام الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأدنى وإمبراطورية المغول في الهند.. ازدهار إندونيسيا، ماليزيا، ازدياد عدد المسلمين في الصين، طرد الإسبانيين والبرتغاليين من مراكش، امتداد المنطقة الإسلامية في أفريقيا الغربية والشرقية. كان من السهل واليسير على المؤرخين القدامى أن ينظروا إلى جميع هذه الأحداث أو أغلبها نظرتهم إلى حركات عسكرية صرفة. ولا يمكن بالطبع أن يغيب عن الذهن هذا العنصر المتعلق بالقوة العسكرية الغازية التي وضعها الإسلام بتلك الفترة. ومع ذلك فإن أية عقيدة غازية تنمو وتمتد هي عقيدة حية. إنها تبين منذ ذلك الوقت أنها أكثر من مجموعة من المعتقدات والتطبيقات الجافة. نحن كذلك نعرف في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى الإيمان الذي تلعبه هذه العقيدة الحية التي مهدت الطريق بل كل شيء لهذه القوة العسكرية وساعدتها بعد ذلك على التشكل وتكييف التركيب الداخلي وتنظيم الإمبراطورية، كما ساعدت على ترميم التخريبات الناتجة عن الحروب، وإعادة تنظيم التركيب الاجتماعي.."(4).

____________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 4 .

(2) نفسه ، ص 8 .

(3) نفسه ، ص 45 .

(4) الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، ص 28 – 29 .

كرامرز(1)

[ 1 ]

"لو رسمنا خريطة تبين الأحوال السياسية الأوروبية والأفريقية وغربي آسيا في حوالي منتصف القرن العاشر [الميلادي] لوجدنا أن القسم الأعظم من العالم المسكون كان مسكونًا بأمم تخضع للحكم الإسلامي وتسودها الحضارة الإسلامية. إنها لم تكن في ذلك الزمن وحدة سياسية متينة العرى، بل كانت مرتبطة فيما بينها برباط قوي من الدين والحضارة، حتى إن سكانها – مع أنهم لم يكونوا من المسلمين فقط – كانوا يشعرون بأنهم رعايا دولة إسلامية مترامية الأطراف مركزها الديني مكة ومحورها السياسي بغداد. هذه الإمبراطورية العظيمة نمت وبلغت أشدها في القرون الثلاثة الأولى من تاريخ الإسلام، بسلسلة من الفتوحات ابتدأت بالمدينة المنورة، وكان ميدانها ومركز ثقلها شبه جزيرة العرب.. ومع أن الأقاليم [التي فتحها الإسلام] تختلف إذا قورنت بالبلاد التي يسكنها المسلمون الآن فضلاً عن أنها أوسع رقعة، فالحقيقة التي لا يمكن دحضها أنها كانت تؤلف كتلة دينية واحدة فضلاً عن وحدة سياسية متينة العرى متراصة البنيان جمعت بينها قوة السلاح وجعلت سكانها يقفون في العالم كأعظم قوة مركزية متحدة عرفها البشر.."(2).

[ 2 ]

".. إن أورشليم [القدس] المركز الديني الأسمى لأوربا النصرانية دخلت منذ السنة 638م في حوزة الإسلام. إلا أن الفتح الإسلامي لم يمنع من زيارة القبر المقدس أو يحول بين الأوربيين المسيحيين وبين إنجاز هذه الفريضة الدينية.."(3).

_____________________________________

(1) البروفيسور جي. م. ج كرامرز Prof. J. M. Kramers

ولد بهولندة، سنة 1891، وكان أستاذًا للتركية والفارسية في جامعة ليدن حتى سنة 1939، اشتغل من 1915 حتى 1921 مترجمًا للسفارة الهولندية في الأستانة. كان أحد المساهمين في كتابة كثير من الموضوعات في دائرة المعارف الإسلامية، وألف كتاب: (فن التاريخ عند الأتراك العثمانيين) (1944).

(2) تراث الإسلام ، ( إشراف سيرتوماس ارنولد )، ص 127 – 128 .

(3) نفسه ، ص 129 .

جوليفيه كستلو

[ 1 ]

".. ما كان الحكم التركي الذي امتد ظله إلى المجر ظالمًا ولا قاسيًا، فقد كان العثمانيون يرعون أديان الشعوب المحكومة ويحترمون عاداتها وظلت تركية متمسكة بهذه القاعدة إلى القرن العشرين، وما تعمدت قط أن تتمثل العناصر بل اكتفت بفرض الضرائب عليهم. وقد رأينا الشعوب التي خضعت لحكم السلطنة أضاعت قوميتها وكانت مع هذا أيام استعبادها أسعد حالاً من العصور المضطربة المحاربة أيام استقلالها، وربما لم تربح إلى اليوم من هذا التبدل في الحكم.."(1).

__________________________________

(1) قانون التاريخ، ( عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية )، 2 / 496 – 497 .

كمبل(1)

[ 1 ]

".. لا يقتصر نفور [الأفريقي] من السير على المنهاج الغربي، بل يتعداه إلى وجوب البحث عن منهاج آخر أوفق للعقل الأفريقي والظروف الأفريقية، مع تفضيل الإسلام – لتسليمه بمواطن الضعف الإنساني وإغضائه عن فوارق الألوان – على المسيحية بما تدعو إليه من الدقة وتشتمل عليه من الكهنوتية المعقدة والاعتراف بالفوارق الكثيرة، فضلاً عن الارتباط بين وجودها ووجود الطبقات الحاكمة.."(2).

_____________________________________

(1) جورج كمبل G. Kimble

رئيس قسم الجغرافية بجامعة إنديانا الأمريكية، مؤلف كتاب (أفريقية الاستوائية) في مجلدين.

(2) أفريقية الاستوائية ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ص 112 – 113 .

ايفلين كوبولد

[ 1 ]

".. إن الإسلام لا يعرض لمعتنقي الأديان الأخرى بسوء وهو لا يحملهم على قبول دينه والنزول تحت شرعته.. كما أنه لم يحارب الذين لم يعتنقوا دينه، ولا عمل على قتلهم وحرقهم وتعذيبهم كما فعل غيره وسواه، وآية القرآن الكريم ظاهرة بينة {لا إكراه في الدين} [البقرة 256].."(1).

[ 2 ]

"هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل بيت المقدس فاتحًا ظافرًا.. أدركته الصلاة وكان في داخل كنيسة القيامة، فخرج منها وصلى خارجها. ولما سأله البطريرك عن سبب ذلك قال له: أخشى أن يتخذ المسلمون بعدي من صلاتي هذه في الكنيسة حجة لقلبها إلى مسجد فيخرقون المعاهدة بذلك.. وبذلك حفظ الفاروق للمسيحية كنيستهم الأولى.."(2).

[ 3 ]

"لما استرجع السلطان صلاح الدين بيت المقدس بعد معارك عديدة، وطرد الصليبيين من البلاد أظهر في حروبه ومعاركه كل ألوان الرفق والرحمة والعطف والعفو عند المقدرة، وقد حفظ له كثير من كتاب الغرب هذه الصفات، ولم يتأخروا من المجاهرة بها والإقرار بأنه كان أشرف الأعداء وأطهر الفاتحين"(3).

[ 4 ]

"مما يجدر ذكره أن صلاح الدين لما افتتح القدس وكانت أفعال الصليبيين الدامية بأهلها لا تزال ملء السمع والبصر، وأبى أن يعامل المغلوبين إلا بالحسنى والرفق، ورفض الانتقام من الذين أساءوا وأحرقوا ودمروا وزاد ندى فسمح لجميع المسيحيين بمغادرة المدينة تحت رعاية رجاله ومحافظة قواده"(4).

____________________________________

(1) البحث عن الله ، ص 93 .

(2) نفسه ، ص 94 .

(3) نفسه ، ص 95 .

(4) نفسه ، ص 95 – 96 .

كولدتسيهر

[ 1 ]

".. أنه مما لا يمكن إنكاره أن الأوامر القديمة التي وضعت للمسلمين الفاتحين إزاء أهل الكتاب الخاضعين لهم، أثناء هذه المرحلة الأولى من التطور الفقهي كانت قائمة على روح (التسامح) وعدم التعصب. وأن ما يشاهد اليوم مما يشبه أن يكون تسامحًا دينيًا في علاقات الحكومات الإسلامية، ونجد ظواهر هذا التشريع في الإسلام في كتب الرحالة في القرن الثامن عشر، يرجع إلى ما كان في النصف الأول من القرن السابع من مبادئ الحرية الدينية التي منحت لأهل الكتاب في مباشرة أعمالهم الدينية"(1).

[ 2 ]

"روح التسامح في الإسلام قديمًا، تلك الروح التي اعترف بها المسيحيون المعاصرون أيضًا، كان لها أصلها في القرآن: {لا إكراه في الدين} [البقرة 256]..، وقد جاءت الأخبار عن السنين العشر الأولى للإسلام بمثل للتسامح الديني للخلفاء، إزاء أهل الأديان القديمة، وكثيرًا ما كانوا يوصون في وصاياهم للفاتحين بالتعاليم الحكيمة، ومن المثل لذلك عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] مع نصارى نجران، الذي حوى احترام منشآت النصارى، ثم هذه القواعد التي أعطاها لمعاذ بن جبل عند ذهابه إلى اليمن (لا يزعج يهودي في يهوديته). وفي هذه الدائرة العالية كانت أيضًا عهود الصلح التي أعطيت للنصارى الخاضعين للدولة البيزنطية التي اندمجت في الإسلام وبموجبها كانوا – في مقابل دفع الجزية – يستطيعون مباشرة شؤونهم الدينية من غير إزعاج لهم.."(2).

[ 3 ]

"وكما أن مبدأ التسامح كان جاريًا في الأعمال الدينية، كذلك من جهة أخرى كان يراعى فقهيًا، فيما يتعلق بالمعاملات المدنية والاقتصادية بالنسبة لأهل الكتاب مبدأ الرعاية والتساهل، فظلم أهل الذمة، وهم أولئك المحتمون بحمى الإسلام من غير المسلمين، كان يحكم عليه بالمعصية وتعدي الشريعة. ففي بعض المرات عامل حاكم إقليم لبنان الشعب بقسوة عندما ثار ضد ظلم أحد عمال الضرائب، فحكم عليه بما قاله الرسول [صلى الله عليه وسلم]: (من ظلم معاهدًا، وكلفه فوق طاقته فأنا حجيجه يوم القيامة). وفي عصر أحدث من هذا ما رواه بورتر Porter في كتابه (خمس سنين في دمشق) من أنه رأى بالقرب من بصرى (بيت اليهود) وحكى أنه كان في هذا الموضع مسجد هدمه عمر [رضي الله عنه] لأن الحاكم قد اغتصبه من يهودي ليبني عليه هذا المسجد"(3).

_____________________________________

(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 45 .

(2) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 46 .

(3) نفسه ، ص 46 – 47 .

عبد الله كويليام

[ 1 ]

"إن سرعة انتشار الإسلام [في العصر الحديث] يرجع إلى عدم الخلط والخبط في أصوله وبنيانه الأمر الذي جعل له مكانًا ثابتًا في قلوب أهله وكل من تدين به بخلاف النصرانية فإنها مزعزعة الأركان قلّما يكون لها ثبات عند الإنسان لما فيها من التبديل والتغيير والتحريف والتحوير.. لقد أفاد الإسلام التمدن أكثر من النصرانية ونشر راية المساواة والأخوة، وهذه الأدلة نذكرها نقلاً عن تقارير الموظفين من الإنكليز. وعن ما كتبه أغلب السيّاح عن النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي، فإنه عندما تتدين به أمة من الأمم السودانية [الأفريقية] تختفي من بينها في الحال عبادة الأوثان واتباع الشيطان والشرك، وتحرم أكل لحم الإنسان وقتل الرجال ووأد الأطفال وتضرب عن الكهانة، ويأخذ أهلها في أسباب الإصلاح وحبّ الطهارة اجتناب الخبائث والرجس، والسعي نحو إحراز المعالي وشرف النفس، ويصبح عندهم قِرى الضيف من الواجبات الدينية وشرب الخمر ولعب الميسر من المحرمات، والرقص القبيح ومخالطة النساء دون تمييز منعدمة، يحسبون عفة المرأة من الفضائل ويتمسكون بحسن الشمائل"(1).

[ 2 ]

"[زعم عدد من الكتاب الغربيين] أن الإسلام في شرقي أفريقيا قائمة قواعده الأساسية على التجارة في الرقيق وجميع وسائل القسوة والانحطاط. إن روايات كهذه مجردة بالمرة عن الحقيقة، لا يمكن تصديقها وتصور وقوعها وإني بدون تردد أثبت وأقول عن سعة خبرة واطلاع عن شرقي أفريقيا وأواسطها بما ليس في إمكان [أولئك الكتاب] أن يأتوا بمثله: أنه لو كان للنخاسة وجود في هذه البقاع فما ذلك إلا لأن الإسلام لم يدخل فيها وبرهان ذلك أن الإسلام من خصائصه إبطال النخاسة إبطالاً دائمًا"(2).

[ 3 ]

"لنزدلف الآن إلى غربي أفريقيا والسودان الأوسط – حيث أتاحت لي الفرص زيارة هذه الجهات – فأقول إننا إذا قلبنا الطرق وأجلنا النظر نجد الإسلام كجسم قوي تدب فيه روح الحياة والنشاط وتتحرك فيه عوامل الحماسة والإقدام كما كان في أيامه الأولى. فترى الناس تدخل فيه أفواجًا أفواجًا وتقبل عليه بإقبال عجيب يشبه أيامه السالفة.. وأن دعاة الدين المسيحي يحاولون قلب الحقائق وإلقاء تبعة آثام النخاسة على عاتق الإسلام.. وتراهم لقصورهم عن إدراك مزايا هذا الدين المبين يصفون انتشاره بداهية دهماء على الأفريقيين ويقولون – كما لقن إليهم في حداثتهم – بأن دين محمد [صلى الله عليه وسلم] لم تقم له قائمة إلا بقوة النار [والسيف].. هذه هي التخيلات المطبوعة في أذهانهم والتي يشيعونها عن انتشار الإسلام، وهي على ما أظن تصورات توارثوها جيلاً عن جيل"(3).

[ 4 ]

".. على هذا المنوال انغرست بذور المدنية بين عدة قبائل همجية [في أفريقيا] ونما فيه الإسلام نموًا هائلاً إلى حد رنّ فيه صدى هذه البلاد وملأ الآفاق، وهاهو يقام فيها في الصباح والظهر وما يلي ذلك من الأوقات كلمة النداء في الإسلام – الأذان – فبعد ما كان الناس يسجدون للأشجار ويعبدون الأحجار صاروا يسجدون الآن لله الواحد القهار.."(4).

_____________________________________

(1) العقيدة الإسلامية ، ص 15 – 17 عن: (كانن إسحاق تيلي في خطبة له بمؤتمر الكنيسة الإنكليزية بتاريخ 7 أكتوبر سنة 1887، نشرت بجريدة التايمس في اليوم التالي).

(2) نفسه ، ص 26 – 27 عن: _المستر جوزيف تومبسن J. Tompson الرحالة الإنكليزي الشهير، جريدة التايمز، 14 نوفمبر 1887).

(3) نفسه ، ص 29 – 30 (عن مقال تومبسن المذكور).

(4) نفسه ، ص 32 – 33 ( عن مقال تومبسن المذكور ).

جاك كيمن

[ 1 ]

"إن الشريعة الإسلامية، امتزجت بعناصر وطنية أفريقية، تؤلف عاملاً من عوامل التوحيد. ولما كانت الوثنية بين زنوج أفريقيا تتميز في جوهرها بالشعور الإقليمي الضّيق كان لابدّ من اتساع نطاق الإسلام في هذا العصر الذي تزايدت فيه المواصلات، وتضاعفت الاتصالات. وقد احتفظ الإسلام في المناطق التي نفذ إليها قبل المسيحية والأوربيين، بتأثيره الموحد. أما في غير ذلك من الأماكن فقد ظل منافسًا للمسيحية لأنه أسهل اعتناقًا إن الإسلام قد رفع مستوى الحضارة لدى الزنوج.."(1).

_____________________________________

(1) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونباوم)، ص 26 .

روم لاندو

[ 1 ]

"في عصر كان (السلب والنهب) هو القاعدة التي يتبعها كل جيش منتصر لدى دخوله مدينة ما، يبدو العهد الذي أعطاه خالد بن الوليد [رضي الله عنه] لأهل دمشق إنسانيًا إلى أبعد الحدود ومعتدلاً إلى أبعد الحدود. ويبدو جليًا، في الواقع، أن الكتائب العربية اعتبرت نفسها محررة للشعب المضطهد وحاملة رسالة الإسلام إليه في آن معًا. وقد اتخذ من شروط الاستسلام هذه نموذج احتذي في ما بعد عند فتح المدن السورية والفلسطينية الأخرى"(1).

[ 2 ]

"إذا اعتبرت القرون الوسطى عصر إيمان وحرب فالحرب الصليبية هي أكمل تعبير عنها وأشنعه. والذي لا ريب فيه أن العقل الأوروبي الوسيطي Medieval قد اعتبر الحروب الصليبية حروبًا مقدسة من أجل قضية مقدسة. ففي الإسلام لم يعلن أي (جهاد) عام ضد الصليبيين، ولم يوجّه الخليفة، دفّة هذه الحروب. أما في الغرب فقد فني الباب في تلك القضية واعتبرها قضيته الذاتية. والواقع أن الحروب الصليبية، كحركة دينية كشفت – من طريق التعصب والتطرف الدينيين – عن أسوأ مظاهر النصرانية الوسيطية كلها. لقد نجحت الحروب المقدسة في خلق شقة واسعة تفصل ما بين الشرق والغرب بدلاً من أن يعيد تدعيم الجسر الرابط ما بين ثقافتين تجمع ما بينهما في نهاية المطاف مفاهيم إيمانية مشتركة، ومصالح ثقافية تمتنع على الإحصاء.."(2).

[ 3 ]

"على نقيض الإمبراطورية النصرانية التي حاولت أن تفرض المسيحية على جميع رعاياها فرضًا، اعترف العرب بالأقليات الدينية وقبلوا بوجودها. كان النصارى واليهود والزرادشتيون يعرفون عندهم بـ (أهل الذمة)، أو الشعوب المتمتعة بالحماية. لقد ضمنت حرية العبادة لهم من طريق الجزية.. التي أمست تدفع بدلاً من الخدمة العسكرية. وكانت هذه الضريبة مضافًا إليها الخراج، اقل في مجموعها من الضرائب التي كانت مفروضة في ظل الحكم البيزنطي. كانت كل فرقة من الفرق التي تعامل كملّة، أي كطائفة نصف مستقلة استقلالاً ذاتيًا ضمن الدولة. وكانت كل ملّة تخضع لرئيسها الديني.."(3).

[ 4 ]

"من وجهة نظر منطقية وعقلانية نستطيع أن نفترض أنه كان خليقًا بالنصارى أن يتحالفوا مع المسلمين النّزاعين إلى الوفاء بالمعاهدات لكي يدفعوا عن الإنسانية بلاء المغول. والواقع أنه كان في ميسورهم أن ينهجوا هذا النهج ومع ذلك فنحن نجد أن ما حدث كان هو العكس تقريبًا. فقد وجه زعيم العالم المسيحي، الباب أنوسنت الرابع، بعثتين إلى منغوليا. وكان القديس لويس الورع، قد أبى على نحو موصول أن يتفاوض مع المسلمين بأية حال، ومع ذلك فإنه لم يجد أية غضاضة على معتقداته الدينية أن يوجه موفدين لمفاوضات المغول الوثني"(4).

[ 5 ]

"كان الإسبان قد نعموا، في ظل الحكم الإسلامي، بمعاملة متسامحة تحررية، ولكنهم لم يكونوا الآن [بعد انتصارهم النهائي] في وضع نفسي يساعدهم على تبني السياسة المتدينة نفسها فراحوا يحنثون، في حرارة دينية متعصبة، بالعهود الغليظة التي أخذوا على أنفسهم باحترام الدين الإسلامي والممتلكات الإسلامية. فإذا بهم يحرقون الكتب العربية ويلقون معظم الآثار التي كانت عنوان تفوق الثقافة الإسلامية. وفي عام 1499م دشن الكاردينال كزمينز برنامجًا للتنصير الإجباري شعاره: إما المعمودية وإما الإخراج من البلاد. ونشطت محاكم التفتيش نشاطًا رهيبًا. وأكره كثير من المسلمين واليهود على مغادرة إسبانيا. وعام 1556م أجبر الملك فيليب الثاني من بقي من المسلمين في البلاد على التخلي عن لغتهم ودينهم ومؤسساتهم. حتى إذا كانت سنة 1609 أمضي مرسوم ملكي نهائي إلى ترحيلهم ترحيلاً كاملاً. ودوّن المؤرخون عدد المسلمين الذين أبعدوا أو قتلوا، ما بين سقوط غرناطة ومطلع القرن السابع عشر، بثلاثة ملايين ونيف"(5).

_____________________________________

(1) الإسلام والعرب ، ص 60 .

(2) نفسه ، ص 115 .

(3) نفسه ، ص 119 .

(4) نفسه ، ص 130 .

(5) نفسه ، ص 180 .

كوستاف لوبون

[ 1 ]

"ثبتت أصول شريعة الرسول [صلى الله عليه وسلم] وفنون العرب ولغتهم أينما حلت، ولم يدر في خلد أحد من الفاتحين الكثيرين الذين قهروا العرب إقامة حضارة مقام حضارة العرب، وانتحلوا كلهم دين العرب وفنونهم، واتخذ أكثرهم العربية له لغة، وتقهقرت أمام الإسلام في الهند ديانات قديمة، وجعل الإسلام مصر الفراعنة القديمة، التي لم يكن للفرس واليونان والرومان فيها سوى نفوذ قليل، عربية تامة العروبة، وعرفت أقوام الهند والفرس ومصر وأفريقية لهم سادة غير أتباع محمد [صلى الله عليه وسلم] فيما مضى ولم يعرفوا لهم سادة غير المسلمين بعد أن رضوا بالإسلام دينًا"(1).

[ 2 ]

"ساعد وضوح الإسلام البالغ وما أمر به من العدل والإحسان كل المساعدة على انتشاره في العالم، ونفسر بهذه المزايا سبب اعتناق كثير من الشعوب النصرانية للإسلام، كالمصريين الذين كانوا نصارى أيام حكم قياصرة القسطنطينية فأصبحوا مسلمين حين عرفوا أصول الإسلام، كما نفسر السبب في عدم تنصّر أي أمة بعد أن رضيت بالإسلام دينًا، سواء أكانت هذه الأمة غالبة أم مغلوبة"(2).

[ 3 ]

".. أن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارًا في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعض الأقوام النصرانية الإسلام واتخذوا العربية لغة لهم فذلك لما رأوا من عدل العرب الغالبين ما لم يروا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم يعرفوها من قبل"(3).

[ 4 ]

".. لو وفق موسى بن نصير [في اجتياز أوربا] لجعل أوربا مسلمة، لحقق للأمم المتمدنة وحدتها الدينية، ولأنقذ أوربا، على ما يحتمل، من دور القرون الوسطى الذي لم تعرفه إسبانية بفضل العرب"(4).

_____________________________________

(1) حضارة العرب ، ص 27 .

(2) نفسه ، ص 125 .

(3) نفسه ، ص 127 – 128 .

(4) نفسه ، ص 267 .

برنارد لويس

[ 1 ]

"الواقع أن الذي غزا أتراك آسيا الوسطى، لم يكن المسلمين بل كان الإسلام ذاته. فقد كان المتصرفون والمبشرون المتجولون.. يتنقلون بين القبائل التي لم يتم إخضاعها فيما وراء النهر، ينشرون الدين البسيط، دين الكفاح الذي ازداد على الحدود بين الإسلام والوثنية"(1).

[ 2 ]

".. هروب اليهود الإسبان إلى تركيا معروف للجميع، لكنه ليس الحالة الوحيدة على الإطلاق. وعندما انتهى الحكم العثماني في أوروبا، كانت الأمم المسيحية التي حكمها العثمانيون خلال عدة قرون لا تزال هناك، بلغاتها وثقافاتها ودياناتها – إلى حد ما – بمؤسساتها.. أما إسبانيا وصقلية فليس فيها اليوم مسلمون أو ناطقون باللغة العربية.."(2).

[ 3 ]

"لم يكن اللاجئون المسلمون واليهود، ولا المسيحيون من ذوي الآراء الدينية والسياسية المنشقة، هم الأوربيين الوحيدين الذين استفادوا من الحكم العثماني إذ إن الفلاحين في المناطق التي غزيت قد تمتعوا – بدورهم – بتحسّن كبير في أوضاعهم. فقد جلبت الحكومة الإمبراطورية العثمانية الوحدة والأمن مكان الصراع والفوضى.. [وأصبح] الفلاحون يتمتعون بقدر من الحرية في حقولهم أكبر بكثير من ذي قبل، وكانت الضرائب التي يدفعونها تقدّر بصورة مخففة وتجمع بطريقة إنسانية، وذلك بالمقارنة بما كان يجري في أنظمة الحكم السابقة والمجاورة.. فحتى القرن التاسع عشر كان الأوربيون الذين يزورون البلقان يعلقون على أوضاع فلاحي البلقان الحسنة وعلى رضاهم عن هذه الأوضاع، وكانوا يجدونه أفضل من الأوضاع السائدة في بعض أنحاء أوروبا المسيحية. وكان الفرق أوضح بكثير في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، في عصر حركات التمرد الكبيرة التي كان يقوم بها الفلاحون في أوروبا. وحتى عملية الداوشرمة Deushrime وهي عملية الجمع القسري للأولاد من بين الفلاحين المسيحيين من أجل تجنيدهم في الجيش العثماني وفي خدمة الدولة لم تخل من نواح إيجابية. فبهذه الوسيلة كان أقل القرويين شأنًا يستطيع أن يرتقي إلى أعلى المراكز وأكثرها نفوذًا وقد ارتقى الكثيرون بالفعل وأحضروا أسرهم معهم، وهو شكل من أشكال المرونة الاجتماعية كان مستحيلاً في المجتمعات الأرستقراطية للعالم المسيحي المعاصر للعثمانيين"(3).

_____________________________________

(1) تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزورث 1 / 279 ).

(2) نفسه ، 1 / 286 – 287 .

(3) نفسه ، 1 / 287 – 288 ، وانظر المرجع نفسه 1 / 288 .

الس ليختنستادتر

[ 1 ]

"لقد جسمت العداوة المسيحية خطر الحرب المقدسة في إخضاع البلاد التي لا تدين بالإسلام للسيطرة الإسلامية، إذ أن القتال لم يكن له كل هذا العمل في انتشار الفتوح حتى في إبان القرن الأول بعد الدعوة، وإنما تم معظم هذا الفتوح بالتسليم ومعاهدات الصلح، ووردت في هذه المعاهدات فقرات تبيح لأهل الكتاب من أبناء البلاد المفتوحة أن يحتفظوا بعقائدهم وشعائرهم بشروط ليس على الجملة بالمرهقة. فليست فكرة النار والمدن بالفكرة الصحيحة التي يؤيدها الواقع، ومن الميسور كما يقول المؤرخ توينبي أن يسقط الدعوة التي شاعت بين جوانب العالم المسيحي غلوًا في تجسيم أثر الإكراه في الدعوة الإسلامية، إذ لم يكن التخيير ببلاد الروم والفرس بين الإسلام والسيف وإنما كان تخييرًا بين الإسلام والجزية وهي الخطة التي استحقت الثناء لاستنارتها حين اتبعت بعد ذلك في البلاد الإنجليزية على عهد الملكة اليصابات.."(1).

_____________________________________

(1) الإسلام والعصر الحديث ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 22 – 23 .

آدم متز

[ 1 ]

"إن أكبر فرق بين الإمبراطورية الإسلامية وبين أوروبا التي كانت كلها على المسيحية في العصور الوسطى وجود عدد هائل من أهل الديانات الأخرى بين المسلمين وأولئك هم (أهل الذمة) الذين كان وجودهم من أول الأمر حائلاً بين شعوب الإسلام وبين تكوين وحدة سياسية.. واستند أهل الذمة إلى ما كان بينهم وبين المسلمين من عهود وما منحوه من حقوق فلم يرضوا بالاندماج في المسلمين وقد كان وجودهم سببًا لظهور مبادئ التسامح التي ينادي بها المصلحون المحدثون وكانت الحاجة إلى المعيشة المشتركة وما ينبغي أن يكون فيها من وفاق مما أوجد من أول الأمر نوعًا من التسامح الذي لم يكن معروفًا في أوروبا في العصور الوسطى ومظهر هذا التسامح نشوء علم مقارنة الأديان، أي دراسة الملل والنحل على اختلافها، والإقبال على هذا العلم بشغف عظيم"(1).

[ 2 ]

"ولم يكن في التشيع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكان قدمهم راسخًا في الصنائع التي تدرّ الأرباح الوافرة، فكانوا صيارفة وتجارًا وأصحاب ضياع وأطباء. بل إن أهل الذمة نظموا أنفسهم بحيث كان معظم الصيارفة والجهابذة في الشام مثلاً يهودًا، على حين كان أكثر الأطباء والكتبة نصارى. وكان رئيس النصارى في بغداد هو طبيب الخليفة، وكان رواد اليهود وجهابذتهم عنده.."(2).

[ 3 ]

"كانت حياة الذمي عند أبي حنيفة وابن حنبل تكافئ حياة المسلم، ودية المسلم، وهي مسألة مهمة جدًا من حيث المبدأ.. ولم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحض مواكبهم وأعيادهم ويأمر بصيانتهم.. وكذلك ازدهرت الأديرة بهدوء.."(3).

[ 4 ]

"ومن الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال والمتصرّفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية.."(4).

[ 5 ]

"[كان تسامح المسلمين في حياتهم مع اليهود والنصارى، وهو التسامح الذي لم يسمع بمثله في العصور الوسطى، سببًا في أن لحق بمباحث علم الكلام شيء لم يمكن قط من مظاهر العصور الوسطى، وهو علم مقارنة الملل.."(5).

_____________________________________

(1) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع ، 1 / 57 .

(2) نفسه ، 1 / 68 – 69 .

(3) نفسه ، 1 / 69 – 70 .

(4) نفسه ، 1 / 87 .

(5) نفسه ، 1 / 366 .

جواهر لال نهرو

[ 1 ]

"المدهش حقًا أن نلاحظ هذا الشعب العربي الذي ظل منسيًا أجيالاً عديدة بعيدًا عما يجري حوله قد استيقظ فجأة ووثب بنشاط فائق أدهش العالم وقلبه رأسًا على عقب. وأن قصة انتشار العرب في آسيا وأوروبا وأفريقيا، والحضارة الراقية والمدنية الزاهرة التي قدّموها للعالم هي أعجوبة من أعجوبات التاريخ"(1).

[ 2 ]

"سار العرب من فتح إلى فتح، وكثيرًا ما ربحوا الحروب بدون قتال. وفي غضون خمسة وعشرين عامًا من وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم]، فتح العرب جميع بلاد فارس وسوريا وأرمينية وجزءًا من أواسط آسيا الشرقية ومصر وجزءًا من شمال أفريقيا. وقد سلمت لهم مصر بسهولة لأنها كانت قد قاست كثيرًا من استبداد الإمبراطورية الرومانية ومن الحروب الطائفية.."(2).

[ 3 ]

".. أن العرب كانوا في بداية يقظتهم متقدين حماسًا لعقيدتهم وأنهم كانوا مع ذلك قومًا متسامحين لأن دينهم يأمر في مواضع عديدة بالتسامح والصفح. وكان عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] شديد الحرص على التسامح عندما دخل بيت المقدس، أما مسلمو إسبانيا فإنهم تركوا للجالية المسيحية الكبيرة هناك حرية العبادة.. والواقع أن أبرز ما يميز هذه الفترة من التاريخ هو الفرق الشاسع بين العرب المسلمين وتعصب النصارى الأوربيين!"(3).

[ 4 ]

".. كانت حياة العرب في زمن محمد [صلى الله عليه وسلم] غريبة، وكانت عزيمتهم تختلف عن عزيمة الجنود والجيوش التي كان يعتمد عليها الملوك. لقد برز هؤلاء العرب بعقيدة متوقدة قهرت الجبال ونشرت الإسلام في الآفاق كما تنتشر النار في الهشيم.. برزوا شامخين في عالمهم فدانت أمام زحفهم المظفر الجيوش الجرارة كانت الشعوب الأخرى متململة من أمرائها، فلاح العرب كبارقة الأمل لهذه القوة التي كانت ترقب الفرج والثورة الاجتماعية"(4).

[ 5 ]

"إذا عدت النظافة عيبًا في العرب، فقد أسند إليهم عيب آخر ألا وهو التسامح الديني ويكاد المرء لا يصدق أن ذلك هي التهمة الرئيسية الموجهة للعرب في كتاب رئيس أساقفة فالنسيا الذي وضعه في عام 1602 بعنوان (إلحاد العرب وخياناتهم) وطالب فيه بإقصاء العرب عن إسبانيا. وقد قال: (أن العرب يحبذون جدًا حرية الضمير في الشؤون المتعلقة بالدين، شأنهم في ذلك شأن الأتراك والمسلمين الذين تركوا لأتباعهم الحرية الدينية). ولعمري ما أجمل هذا المدح الذي قصد به ذم مسلمي إسبانيا الذين يمتازون بتسامحهم الديني في الوقت الذي استرسل فيه المسيحيون الأوروبيون في التعصب والغلظة"(5).

_____________________________________

(1) لمحات ، ص 23 .

(2) نفسه ، ص 27 .

(3) نفسه ، ص 31 .

(4) نفسه ، ص 33 .

(5) نفسه ، ص 48 .

ليندون هاريس

[ 1 ]

"أن ابن القبيلة الأفريقي يلمح نظافة المسلم شخصًا وبزة، كما يلمح المكانة التي يكسبها بأدب (الحشمة) الاجتماعية وتتعلق مكانة الرجل الأفريقي بهذه الحشمة والمصطلح عليها، وهي مكانة ذات شأن حيث يعيش الناس على مرأى بعضهم من بعض في حيزهم المحدود فلا جرم أن يعتز المسلم بهذه الحشمة فوق اعتزازه بكل شيء لأنها مقياس خلقه وحياته، وبها يستدعي المناظرة ومحاولة التشبه به من أبناء البلاد الأصلاء"(1).

_____________________________________

(1) الإسلام في أفريقيا الشرقية ، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 69 – 70 .

زيغريد هونكه

[ 1 ]

"لعلّ من أهمّ عوامل انتصارات العرب ما فوجئت به الشعوب من سماحتهم فما يدعيه بعضهم من اتهامهم بالتعصب والوحشية إن هو إلا مجرد أسطورة من نسج الخيال تكذبها آلاف من الأدلة القاطعة عن تسامحهم وإنسانيتهم في معاملاتهم مع الشعوب المغلوبة. والتاريخ لا يقدم لنا في صفحاته الطوال إلا عددًا ضئيلاً من الشعوب التي عاملت خصومها والمخالفين لها في العقيدة بمثل ما فعل العرب. وكان لمسلكهم هذا أطيب الأثر مما أتاح للحضارة العربية أن تتغلغل بين تلك الشعوب بنجاح لم تحظ به الحضارة الإغريقية ببريقها الزائف ولا الحضارة الرومانية بعنفها في فرض إرادتها بالقوة"(1).

[ 2 ]

" {لا إكراه في الدين} [البقرة 256] هذا ما أمر به القرآن الكريم، وبناء على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام. فالمسيحيون والزرادشتيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها، سمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم، بممارسة شعائر دينهم. وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى. أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الإسبان واضطهادات اليهود؟ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية. فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع [الميلادي] لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: (أنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف)"(2).

[ 3 ]

".. أن الإنسانية والتسامح العربي هما اللذان دفعا الشعوب ذات الديانة المختلفة إلى أن تعيش في انسجام مدهش.. وأن تبدأ نموها وتوسعها وازدهارها ولأول مرة يتحرر أصحاب المذاهب المسيحية.. من اضطهاد كنيسة الدولة فتنتشر مذاهبهم بحرية ويسر.. واستطاع العربي بإيمانه العميق أن يكون أبلغ سفير وداعية لديانته، لا بالتبشير وإيفاد البعثات وإنما بخلقه الكريم وسلوكه الحميد. فكسب بذلك لدينه عددًا وفيرًا لم تكن أية دعاوى مهما بلغ شأوها لتستطيع أن تكسب مثله"(3).

[ 4 ]

"أن الأديرة المسيحية في سورية، التي كادت أن تنمحي في عصر الحكم المسيحي وصلت إلى ذروة عظمتها في الدولة الإسلامية، أو ليس هذا بغريب؟"(4).

[ 5 ]

"أو ليس من العجيب أن نتساءل لماذا نفسر كما يحلو لنا، والعرب المسلمون قد فتحوا فعلاً جزءًا من أوروبا هو الأندلس، فلم يقضوا على المسيحية التي يزعمون أن شار مارتل قد حماها، ولم يقضوا على المدنية الغربية التي لم يكن لها وجود؟!.."(5).

_____________________________________

(1) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 357 – 358 .

(2) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 364.

(3) نفسه ، ص 366 – 367 .

(4) نفسه ، ص 368 .

(5) نفسه ، ص 540 – 541 .

مونتكومري وات

[ 1 ]

"يعني التأكيد – على إخضاع مشركي الجزيرة للإسلام – أن الإسلام قد انتشر بحدّ السيف. حقًا أن القبائل الوثنية في الجزيرة العربية كان عليها أن تختار الإسلام أو السيف، إلا أن تعامل المسلمين كان مختلفًا تجاه اليهود والمسيحيين والزرادشتيين وغيرهم ممن اعتبرت دياناتهم شقيقة للإسلام، رغم الدعوى القائلة بأن الأتباع المعاصرين لتلك الديانات قد ابتعدوا عن جوهرها. ومهما كان الأمر فقد كان بالإمكان قبولهم نوعًا من الحلفاء للمسلمين في معظم الأقطار التي فتحتها العرب. لذلك فإن غرض الجهاد لم يكن يهدف إلى تحويل أولئك السكان نحو الإسلام بقدر ما كان يهدف إلى اعترافهم بالحكم الإسلامي وبمنزلة أناس يحميهم الإسلام. وبعامة فإنهم (أهل الذمة)، وكانت الطائفة الذمية مجموعة من الناس تعتنق ديانة واحدة لها استقلالها الداخلي برعاية رئيس ديني كالبطريك أو الرابي، وكان على كل فرد من أفراد المجموعة الذمية دفع ضريبة شخصية إلى الحاكم المسلم، إضافة على مبالغ مختلفة أخرى تحدد استنادًا على شروط الاتفاقية مع المجموعة. وكانت تلك الضرائب أحيانًا أقل وطأة من الضرائب التي كانت تدفع للحكام السابقين. وكانت حمايتهم بصورة فعالة بالنسبة للدولة الإسلامية تمثل كلمة شرف تلتزم بها الدولة وتنفذها ثم إن وضع أهل الذمة لم يكن سيئًا رغم بعض القيود المفروضة عليهم.."(1).

[ 2 ]

".. كانت هناك مناطق مثل شرق أفريقيا وجنوب شرق آسيا انتشر الإسلام فيها نتيجة نشاط رجال الأعمال إذ لم يكن للمسلمين في تلك المناطق الوثنية أية سرية في ممارسة الصلاة خمس مرات يوميًا، وأن إخلاص هؤلاء المسلمين والتزامهم المتزن بالإسلام الحنيف أذهل الوثنيين الذين كانت لهم علاقات تجارية مع المسلمين مما أدى إلى اعتناق الإسلام والاختلاط عن طريق الزواج إلى تكوين مجتمعات إسلامية صغيرة وسط المناطق الوثنية ونمت تلك المجتمعات بصورة تدريجية.."(2).

_____________________________________

(1) تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى ، ص 13 – 14 .

(2) نفسه ، ص 30 .

هـ. ج. ولز

[ 1 ]

".. أنشأ أبو بكر [رضي الله عنه]، بذلك الإيمان الراسخ الذي يزحزح الجبال ينصب نفسه في بساطة وحسن تبصّر، لتنظيم إخضاع العالم بأسره لله، بجيوش صغيرة من ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف عربي، بناء على تلك الرسائل التي بعث بها النبي [صلى الله عليه وسلم] من المدينة إلى ملوك العالم.. والحملات العسكرية التي بدأت عند ذاك، من ألمع ما خلد تاريخ العالم.. وكان [المسلمون] في كل مكان يخيرون الناس بين أشياء ثلاثة: فإما أن تدفع الجزية، وإما أن تسلم بالله الحق وتنضمّ إلينا، وإما أن تقاتل.. ولم يحدث في أي مكان شيء اسمه المقاومة الشعبية.. فإن فاضل الناس بين البلاط الفارسي وبين العرب، كان العرب - أعني عرب السنين العظيمة - أنظف الطرفين وأطهرهما بشكل ظاهر، وكانوا أكثر عدالة وأوسع رحمة. وانضم العرب المسيحيون دون تردد إلى الغزاة كذلك انضم إليهم كثير من اليهود. وكما كان الحال في الغرب كان كذلك في الشرق إذا استمر الجهاد الإسلامي لنشر الإسلام"(1).

[ 2 ]

".. استطاع الجنس السامي في بضع سنين باسم الله ورسوله [صلى الله عليه وسلم] أن يسترد تقريبًا كل الأملاك التي خسرها للفرس الآريين قبل ذلك بألف سنة، وسقط بيت المقدس مبكرًا.. وكان النصارى ينعمون بالتسامح في مقابل دفع الجزية فقط، وتركت الكنائس بأسرها والآثار المقدسة بأجمعها في حوزتهم"(2).

[ 3 ]

".. لقد ساد الإسلام لأنه كان خير نظام اجتماعي وسياسي استطاعت الأيام تقديمه. وهو قد انتشر لأنه كان يجد في كل مكان شعوبًا بليدة سياسيًا، تسلب وتظلم وتخوّف ولا تعلم ولا تنظم، كذلك وجد حكومات أنانية سقيمة لا اتصال بينها وبين أي شعب أصالة. كان أوسع وأحدث وأنظف فكرة سياسية اتخذت سمة النشاط الفعلي في العالم حتى ذلك اليوم، وكان يهب بني الإنسان نظامًا أفضل من أي نظام آخر. وكان النظام الرأسمالي الاسترقاقي في الإمبراطورية الرومانية، والأدب والثقافة والتقاليد الاجتماعية في أوروبا قد انحلت انحلالاً تامًا وانهارت قبل أن ينشأ الإسلام.."(3).

_____________________________________

(1) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 643، 644 – 645 .

(2) نفسه ، 3 / 647 .

(3) نفسه ، 3 / 649 .

ريشار وود

[ 1 ]

"ميز صاحب الشريعة الإسلامية [صلى الله عليه وسلم] بين أهل الكتاب – وهم النصارى واليهود – وبين المشركين من العرب الذين تعرضوا لما أنزل الله على رسوله [صلى الله عليه وسلم]. ولقد وقع بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] وبين بطريق بيت المقدس اتفاق يضمن حماية النصارى ومنحهم امتيازات، وفى بها. ثم تولى الأمر بعده خلفاؤه إلى زمن السلاطين الآن. وبهذا بقيت طوائف نصرانية متعددة آمنة نامية مترفهة تحت حكم المسلمين، بل كانت في بعض الأحيان تمتاز حالتها الاجتماعية على حالة مواطنيها من المسلمين"(1).

[ 2 ]

"أن الذي يبحث بحثًا دقيقًا عن أسباب الفتن التي سفكت فيها الدماء في المشرق يعلم أن الباعث الوحيد على حدوثها هو إصبع السياسة الأجنبية التي تنتهز الفرص لإيقاد نار الفتنة بين ذوي الأحقاد، ولم يكن أولئك المفسدون يحسبون أن هذه الفتن تجر إلى القتل والفظائع. ومن هذا القبيل واقعة الدروز والموارنة، وواقعة الصقالبة والبلغاريين، فقد تبين أن الاعتداء إنما كان يبتدئ من جانب النصارى"(2).

[ 3 ]

".. أن القرآن قد سمح للذميين بحرية ممارسة شعائر دينهم، وأوجب مساواتهم في الحقوق المدنية والجنائية مع سائر الأهالي، ولم يمنع من استشارتهم في مصالح الوطن"(3).

[ 4 ]

".. أن النصارى [في الدولة العثمانية] متمتعون بالحرية التامة.. ونحن لم ننفرد بهذا القول فإن كثيرين من علماء الإنكليز والروس ألفوا كتبًا أكدوا فيها أن أرباب الفلاحة خارج البلاد العثمانية يحسدون البلغار العثمانية على حسن حالهم وأمنهم في منازلهم وبساتينهم الخصبة وما تحت يدهم من الأطيان والمواشي، وصوامع كنائسهم مشرفة على كل الجهات. بل يقول هؤلاء المؤلفون أن البلغار العثمانيين أحسن حظًا من المسلمين العثمانيين"(4).

[ 5 ]

".. للرؤساء الروحيين والأساقفة [في الدولة العثمانية] أن يتوسطوا لدى رجال الحكومة في حماية أبناء طوائفهم، وهذا زيادة في الاحتياط لكيلا ينال غير المسلمين حيف أو ظلم.. وقد زالت تمامًا الموانع التي كانت موجودة في سبيل تشييد الكنائس والمجامع اليهودية، وأبيح لغير المسلمين من عثمانيين وأجانب إنشاء ما يشاءون من المعابد. والواقع أن الكنائس كثر عددها جدًا وقد اعترف بذلك القسس الأميركيون. ومما يبرهن على تساهل الحكومة العثمانية في ذلك إعفاؤها كل ما يجيء برسم الكنائس والأديار والمستشفيات وغيرها من الضريبة الجمركية.. وهذا أمر لا نعلم أنه يوجد في بلاد أخرى. وزيادة في عناية الدولة العثمانية بحماية غير المسلمين صدر أمر سلطاني ينذر بالعقاب كل من يصدّهم عن عبادتهم.. ولا ريب في أن الدولة العثمانية قد صرفت جهد الطاقة لإرضاء رعاياها النصارى واليهود، وإزالة الفروق التي كانت موجودة بينهم وبين المسلمين، ومشاركتهم في الإدارة العامة، وتقليدهم المناصب الرفيعة، وإعلاء شأنهم وإثبات حقوقهم. وفوق ذلك كله فهي قد أذنت لهم بعقد جمعيات تتفاوض فيما تراه صالحًا لدينهم ودنياهم.. حتى صار النصارى يتعلمون من دولة إسلامية ما يرمي إليه الدين من الحضّ على الرفق واللين والتساهل والصبر.. أما اعتراض المعترضين بأن المساواة بين الطوائف غير كاملة – ما دام النصارى لم يشتركوا في الجندية العثمانية – فجوابنا عليه أن الذنب في ذلك على النصارى أنفسهم لا على الباب العالي، إذ النصارى مع حرصهم على نوال كل الحقوق لم يقبلوا أن يدخلوا تحت ما يقابلها من الواجبات"(5).

_____________________________________

(1) الإسلام والإصلاح ، ص 19 – 20 .

(2) نفسه ، ص 20 .

(3) نفسه ، ص 21 .

(4) نفسه ، ص 22 .

(5) نفسه ، ص 25 – 27 .

لويس يونغ

[ 1 ]

"على الرغم من سجل أوروبا الطافح بالتزمت الفكري واللاتسامح الديني، على النقيض من المسلمين، فإنها ظلت ترفض الاعتراف بما للعرب من يد طولى على حضارتها وتتجاهل دورهم الحضاري وتقلل من شأنه"(1).

[ 2 ]

".. أن التسامح الديني الذي مارسه الإسلام في القرون الوسطى، يفوق التسامح الديني الذي مارسته المسيحية في القرون الوسطى، حيث كاد ألا يكون هناك أي تساهل ديني مع اليهود أو المسلمين والآخرين الذين خضعوا لسلطان المسيحية"(2).

[ 3 ]

"في القرنين الحادي عشر والثاني عشر [الميلاديين] نشأ مظهر آخر للتمثيل الدبلوماسي بين العرب وأوروبا تجلى في منح الامتيازات وحق السكن للأجانب، وليس هذا بغريب على العرب. وكان هؤلاء الأجانب يستثنون من الأنظمة والقوانين المعمول بها محليًا. كما يسمح لهم بالعيش وفق أنظمتهم في بلادهم. يقولون إن القانون يطبق على الأفراد وليس بحسب وجودهم في الأرض الإسلامية وإنما بحسب انتمائهم القومي والديني. فالشريعة الإسلامية تطبق على المسلمين. وهذا ما يفسر التسامح الديني للمسلمين تجاه الأقلية المسيحية واليهودية التي سمح لها بممارسة حياتها الخاصة"(3).

[ 4 ]

"أن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية منها نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون"(4).

_____________________________________

(1) العرب وأوروبا ، ص 9 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) نفسه ، ص 161 .

(4) نفسه ، ص 10 .

الفصل الخامس الحضارة الإسلامية

"حضارة الإسلام – التي سيطرت على العالم مئات خمسًا من السنين – كانت وليدة الإيمان، والإيمان وحده".

(الباحث والأديب العربي اللبناني نصري سلهب)

إبراهيم خليل أحمد

[ 1 ]

"كان للفتوحات الإسلامية الأثر البعيد في البلاد التي دخلت تحت لواء الإسلام، وظهر هذا الأثر بوضوح في شمال أفريقيا، إذ تحول مصر بأكملها من الحضارة اللاتينية إلى الحضارة العربية.."(1).

[ 2 ]

"أن أثر العرب والإسلام في تاريخ العصور الوسطى لا يقف عند حدّ التغييرات السياسية التي أحدثوها في أوضاع العالم المعروف، بل يبدو هذا الأثر أشد ما يكون وضوحًا في الميدان الحضاري"(2).

[ 3 ]

"أن العرب لم يغرقوا في نشاطهم الحضاري بين المسلمين وغير المسلمين بل سمحوا للنصارى واليهود بالتتلمذ عليهم والاستفادة منهم، فأقبل الأوربيون في الأندلس وصقلية، والآسيويون في الشام وغيرها، على دراسة المعارف الإسلامية وترجمتها، مما ساعد على نهضة أوروبا في العصور الوسطى"(3).

______________________________________

(1) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 205 .

(2) نفسه ، ص 207 .

(3) نفسه ، ص 211 .

سير توماس آرنولد

[ 1 ]

"أدخل العرب الظافرون الإسلام في أسبانيا سنة 711م وفي سنة 1502م أصدر فردناند وإيزابيلا مرسومًا يقضي بإلغاء شعائر الدين الإسلامي في جميع أنحاء البلاد. ولقد كتبت إسبانيا الإسلامية في القرون التي تقع بين هذين التاريخين، صفحة من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى. وقد امتد تأثيرها من ولاية بروفانس Provance إلى الممالك الأوروبية الأخرى، وأتت بنهضة جديدة في الشعر والثقافة، ومنها تلقى طلاب العلم المسيحيون من الفلسفة اليونانية والعلوم ما أثار في نفوسهم النشاط العقلي حتى جاء عصر النهضة الحديثة.."(1).

______________________________________

(1) الدعوة إلى الإسلام ، ص 154 .

وعن إنجازات المسلمين في ميدان الفنون انظر: تراث الإسلام (إشراف سير توماس آرنولد)، ص 223 – 226 .

الدومييلي

[ 1 ]

"أن مقام العلم العربي.. لهو بالمكانة الأولى من الأهمية في تاريخ العلوم، لأن هذا العلم العربي يكوّن حلقة الاتصال والاستمرار بين الحضارة القديمة وبين العالم الجديد. وإذا نحن لم نواجه ذلك العلم العربي ولم نتفهمه فسنجد فراغًا يتعذر تفسيره بين الحضارات القديمة وبين حضارتنا الحديثة. وإذن ينبغي أن نجتهد في دراسته بعناية.."(1).

[ 2 ]

"ينبغي ألا نظن أن العرب لم يضيفوا شيئًا جديدًا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه. بل على النقيض من ذلك، وإذا كانت خطوات التنمية والإنتاج التي خطوها في هذا السبيل، كثيرًا ما ضاعت وتفرقت في الحشد الكبير من الكتب التي تركوها، فليست تلك الخطوات أقل أصالة وأبعد عن الواقع من أجل ذلك. وليس لأحد أن يقول – كما يقرر ذلك بعض المؤلفين – أن دور العرب ينحصر ببساطة في المزج والنقل لمعارف الأقدمين التي لولاها لذهبت أدراج الرياح (الأمر الذي هو في ذاته عنوان فخر عظيم، وشرف لا يستهان به).."(2).

[ 3 ]

"ترك كتاب (المناظير) لابن الهيثم تأثيرًا عميقًا، بل كان – فيما بعد – باعثًا إلى البحوث والأعمال التي قام بها روجير بيكون Roger Bacon .. ولعل الأثر الذي تركته مؤلفات هذا العالم العربي في البصريات والذي يبدو في أعمال بيكون.. هو السبب في أن كتب ابن الهيثم لم تنشر مبكرة في عصر النهضة، كما أنها بعد ذلك لم تنشر كثيرًا.."(3).

[ 4 ]

"على الرغم من أن البناء على أسس [المعارف اليونانية واللاتينية القديمة] لم يكن أمرًا مستحيلاً، وأنه قد حصلت [في الغرب] فعلاً محاولات في هذه النواحي فإن هذا البناء لم يتحقق مع ذلك، لأن العالم الغربي كان في ذلك العصر على اتصال بالعالم العربي بوساطة طرق كثيرة الاختلاف، وكان يستطيع أن يغترف منه المادة العلمية، ويستمد النواة الروحية التي سرعان ما حملت عجيب الثمار"(4).

[ 5 ]

"أن ذلك العمل، [ أي الترجمة عن العربية] الذي يعد بحقّ نتاجًا عظيمًا بالغ الأهمية من قبل المترجمين [الأوروبيين] جعل أصول العلم العربي تنفذ إلى أوساط العالم المسيحي في الغرب، كما لقح العلم الحديث الذي أخذ في التولد والنشوء.."(5).

______________________________________

(1) العلم عند العرب ، ص 10 – 11 .

(2) نفسه ، ص 144 .

(3) نفسه ، ص 206 – 207 .

(4) نفسه ، ص 424 .

(5) نفسه، ص 479، وعن الترجمة من العربية والتأثيرات العميقة التي أحدثتها في الغرب انظر: المرجع نفسه ، الصفحات: 457-464، 468-469، 477، 479-484. وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة والتطبيقية والإنسانية انظر: المرجع نفسه: الرياضيات والفلك، ص 153-158، 160-161، 167-170، 189، 193-194، 209-215، 217-223، 297، 299-300، 351، 365، 367، 383-385، 410، 412-413، 454-455، الكيمياء ص263-265، 271، التطبيقات ص194-195، 206-209، الميكانيك ص297-298، 301، 304-306، 309، 311-312، 314-315، 317-318، 351، 359، 362، الطب والصيدلية والنبات والجغرافية ص151، 165، 171-177، 189، 200، 233-234، 236، 238-246، 250-254، 299، 320، 322-323، 325-326، 353-354، 360، 367، 386-390، 392-394، 401، 414-416، 418، 429، 432-435، الملاحة ص532-533، 540-542، الآداب والفنون ص405، 407، 438، 446-447، 453-454.

ف بارتولد

[ 1 ]

"حضارة الإسلام، أو حضارة العرب، اسم لحضارة الشرق في القرون الوسطى ولم يكن العرب وحدهم مبتكري هذه الحضارة ولكن جميع سكان الشرق الأدنى، وقسم من أفريقية، الذين ظلوا مدة طويلة منفصلين عن الحضارة الأوروبية، آخى بينهم الإسلام، دين الدولة؛ واللغة العربية، لغة العلم والأدب"(1).

[ 2 ]

"مما هو جدير بالملاحظة أن ابن خلدون وهو عربي، يدعي بأن الحضارة الإسلامية نتيجة مشتركة لجميع العالم الإسلامي، ويجعل الحضارة الإسلامية، وهو جد محق في هذا، فوق ما سبقتها من الحضارات"(2).

[ 3 ]

"أن القول بأن العالم الإسلامي (كان في نوم عميق) قبل أن يأخذ في النهوض بتأثير أوروبا في القرن التاسع عشر، مبالغ فيه كثيرًا. وحق أن الظروف الملائمة التي أنتجت الحضارة الإسلامية لم تبق.."(3).

______________________________________

(1) تاريخ الحضارة الإسلامية ، ص 35 .

(2) نفسه ، ص 94 .

(3) نفسه ، ص 152 – 153 .

باركر(1)

[ 1 ]

".. وصلت حضارة [المسلمين] درجة متقدمة في إسبانيا وصقلية لا بل تسامت إلى الجوزاء، حتى انتقل تأثيرها منهما إلى فرنسا وإيطاليا. وامتدت فلسفة قرطبة وعلى رأسها معلمها الأعظم (ابن رشد) حتى دخلت جامعة باريس، وازّيّنت بالرموز بمعان: عربية وحفلت بجغرافيين وشعراء عرب إبان حكم ملوكهم النورمان.. قصد القائل أن ثمار الثقافة التي كسبها الغرب من العناصر الإسلامية التي لم تبق طويلاً كانت، على الأقل، تعادل بأهميتها التأثير الذي خلفه الشرق في الغرب أثناء الحروب الصليبية.."(2).

[ 2 ]

".. علينا أن نذكر ونعيد القول بأن الإسلام قد سبق فثبتت أصوله في الغرب واستطاع أن يخلف آثاره في إسبانية وصقلية.. وبالإمكان أن نرى أن تأثير الإسلام في الغرب المسيحي في قاعدتيه [هاتين] كان أشد مما هو في مراكزه (الموصل وبغداد والقاهرة).."(3).

[ 3 ]

"الحق يقال إن الغرب ما زال يستخدم مصطلحات عربية في عالم التجارة.. وكذلك ثبتت مصطلحات بحرية ملاحية [وأخرى] منزلية.. هذه الكلمات مازالت تستعمل أو أنها كانت دارجة الاستعمال فيما مضى.."(4).

[ 4 ]

"كان عرب إسبانيا.. هم الذين أهدوا إلى الغرب اللاتيني هباتهم النفسية في ميادين العلم والفلسفة.. وكان الطب كالرياضيات ومن مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة.."(5).

______________________________________

(1) سرارنست باركر (1874-1960) Prof. Sir Ernest Barker

من كبار الباحثين، كان أستاذًا للعلوم السياسية في كمبردج 1928-1939، وأستاذًا لنفس المادة في جامعة كولون 1927-1928 .

من آثاره: (الفكر السياسي لأفلاطون وأرسطو) (1906)، (الفكر السياسي في إنكلترا منذ أيام هربرت سبنسر حتى الآن) (19159)، (نظرات في الحكم) (1942)، (مبادئ النظرية الاجتماعية والسياسية) (1951)، (التراث الأوروبي).. إلخ.

(2) تراث الإسلام (إشراف سير توماس آرنولد)، ص 79 .

(3) نفسه ، ص 91 .

(4) نفسه ، ص 97 – 98 .

(5) نفسه ، ص 105 .

بانرث(1)

[ 1 ]

"أن العرب لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية، بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها. ونرى هنا أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية منذ عصر الأمويين والعباسيين بواسطة المترجمين، وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية الإسلام بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الأفكار العليا والتي لا تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا. ولا أراني بحاجة إلى ذكر أسماء الفلاسفة الذين فتحوا آفاقًا جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود، وما يهمنا هنا هو استعداد العرب لاستعمال الطرق العلمية التي تعلموها من أرسطو طاليس. والتي كانت أولاها: مراقبة الطبيعة والتجربة، وثانيتها: قواعد المنطق الشديدة. ولا شك أن الحضارة الإسلامية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينته إليه قوم آخرون. ولا يخفى أن هذا الاعتلاء كان ثمرة الاجتهاد في كل نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية. وأما الغرب الأوروبي فلم يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها. وكذلك دولة بيزنطية فقد تجمدت، والآن نرى كيف تعجبت الأقوام الأوروبية من جمال الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال البرانس"(2).

[ 2 ]

".. كان أول من قلد العرب في التجربة الراهب (روجر بيكون) في إنكلترا. وحتى الآن يشكر علماء الطبيعة في أوروبا العرب على إدخال طريقة التجربة العلمية التي دلّت على التطور الحديث في جميع الميادين.."(3).

[ 3 ]

"لم يزل العلماء يواصلون الكشف عن العناصر العربية المؤثرة في الفكر الأوروبي خلال القرون الوسطى، وفي كل سنة تظهر آثار منشورة تشهد بأننا لا نقدر الآن ما أخذه الأوروبيون من العرب"(4).

[ 4 ]

"[انتشرت] في أوروبا الرغبة العظيمة لدراسة اللغة اليونانية منذ تعرفوا على الفلسفة اليونانية بواسطة العرب، وأدى هذا الاهتمام الجديد بالتدريج إلى تلك الحركة الثقافية في أوروبا في القرن الخامس عشر المسماة بحركة إحياء العلوم القديمة (Renaissance) ولم يزل الاهتمام في أوروبا بعلوم العرب خلال تلك الدورة، بل لقد أدى إلى الاشتغال بالعربية من جديد في القرن السابع عشر.."(5).

______________________________________

(1) ارنست بانرث E. Baunerth.

ولد في مدينة ليبزج، سنة 1895، ودرس اللاتينية واليونانية ثم العربية، كما تعلم الفارسية والتركية، أسره الإنكليز في الجبهة سنة 1917، وانتقل إلى الهند فاستقر فيها حتى عام 1925، وتعلم الأردية، ثم عاد إلى ألمانيا، فتابع دروسه ونال الدكتوراه في اللغات الإسلامية من جامعة فينا. وعين أستاذًا للفلسفة والتاريخ والآداب الألمانية. وقد تولى مناصب عديدة وطوف في عدد من البلدان.

من آثاره: (الإسلام اليوم وغدًا) (1958)، (التفاهم بين الشرق والغرب) (بتكليف من اليونسكو)، وله دراسات عن الفلاسفة المسلمين، كما حقق العديد من النصوص، وكتب العديد من الأبحاث في المجلات المختلفة.

(2) تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي ، ص 8 – 9 .

(3) نفسه ، ص 10 – 11 .

(4) نفسه ، ص 11 .

(5) نفسه ، ص 11 .

برنشفك(1)

[ 1 ]

".. أن تأثير الدين الإسلامي تتجلى قوته.. في عدد كبير من عناصر الثقافة الإنسانية: في اللغة والفنون والأدب والأخلاق والسياسة والتركيب الاجتماعي ونشاطه والقانون، بحيث لا نستطيع إذا أخذنا الوضعية كلاً، أن نرفض ملاحظة مدنية مستقلة فيها، لا تتميز (بالعنصر الإسلامي) فحسب، بل (بالعامل) الإسلامي أيضًا"(2).

[ 2 ]

".. أصبحت العقيدة الإسلامية خلال القرنين الثاني والثالث [الهجريين] نظامًا نما بصورة واسعة في نواح مختلفة، وكان شديد الرغبة في إظهار تماسكه في كل مدرسة أو نزعة تتضح في نطاقه.. وهكذا أخذ الإسلام مكانه عملية قدرت له في عدة ميادين ثقافية، وهو دور المؤثر والمتأثر، وهو مظهر مزدوج لا يصح الفصل بين جزئيه غالبًا إلا بطريقة مصطنعة"(3).

[ 3 ]

".. من الأصحّ دون ريب أن نعتبر العقيدة الإسلامية عاملاً، لا في الحالات التي يحدث أن تستمد منها حلاً جديدًا من مواردها الخاصة بها فحسب، أو تأتي بحل جديد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولكن في كل حالة تستوعب فيها حلاً داخليًا أو أجنبيًا في نظامه ويلوّنه بطريقته الخاصة وبذلك تساعد على اقتباسه أو الاحتفاظ به. فكم من عمل لم تكن به من ناحية المبدأ صبغة إسلامية، طبعه الإسلام بطابعه إلى الحدّ الذي أصبح فيه عملاً مميزًا للإسلام، وذلك بفضل إسناد التربية الإسلامية المأثورة.. ومن الممكن أن الصفة الإسلامية الخاصة لعنصر ثقافي في أكثر من حالة واحدة، لا يدين بشيء إلى الأصل الذي نشأت عنه بل يعبر فقط عن الحقيقة أن الإسلام باقتباسه العنصر المذكور طبعه بطابعه أو أراد اقتباسه وتمثيله"(4).

______________________________________

(1) روبرت برنشفك R. Brunschvig

ولد عام 1901، أستاذ اللغة والحضارة العربيتين بجامعة بوردو ثم في كلية الآداب بجامعة باريس (1955)، وتولى مع شاخت الإشراف على مجلة الدراسات الإسلامية Studia Islamica .

نشر عدد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة، كما ألف (بلاد البربر الشرقية تحت حكم الحفصيين) في جزأين (باريس 1940).

(2) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية ، ( تحرير كرونباوم )، ص 74 .

(3) نفسه ، ص 79 – 80 .

(4) نفسه ، ص 80 – 81 .

ميلر بروز

[ 1 ]

"في العصر الذهبي للثقافة الإسلامية، حينما كان علماء المسلمين يفهمون أسس العلم الحديث، كان المفكرون من المسلمين والمسيحيين يبحثون معًا معضلاتهم الفلسفية واللاهوتية المشتركة، ويفيد بعضهم من بعض كثيرًا من ضروب المعرفة.."(1).

[ 2 ]

".. هل يستطيع العلم حقيقة أن يخدم أغراض الدين؟ صحيح أن العلم قد قام بنصيب كبير في إسعاد الإنسان، ويظهر هذا أكثر ما يظهر في ذلك العلم الذي خدمه علماء الإسلام خدمة ظاهرة، وهو علم الطب.."(2).

______________________________________

(1) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ، ص 42 .

(2) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ، ص 51 .

ليفي بروفنسال

[ 1 ]

"إن تعبير (الغرب الإسلامي) قد لا يجد خصومًا له من أجل تعريفه الخاص فحسب، بل إن له خصومًا آخرين، مازالوا كثيرين جدًا في أوروبا، حتى بين الأخصائيين المرموقين في دراسات العصور الوسطى. يرون أن أفريقيا الصغرى وإسبانيا، كليهما، لا يشكلان مطلقًا سوى امتدادات شاسعة وظلال شاحبة للشرق الإسلامي، هذا الشرق الذي يجب الاعتراف بأنهم لا يزالون يجهلونه تمام الجهل ولا يقدرون حق التقدير الدور الراجح الذي لعبه خلال العصور في اقتصاد حوض البحر الأبيض المتوسط منذ انهيار العالم القديم حتى الفترة التي شهدت غروب القرون الوسطى وأولى تباشير النزعة الإنسانية الناشئة. وترى أن الحكم السابق نفسه الذي كان يجعل مؤرخين كثيرين جدًا يقدرون بيزنطة (بالمقارنة بذكريات روما المظفرة) يدفع هؤلاء المؤرخين إلى أن لا يروا في المغرب والأندلس، في العصر الوسيط، سوى استمرار هزيل، في انحطاط سياسي عميق، لعصر الإسلام الذهبي في الشرق الذي دونت وقائعه في سوريا ومصر وبلاد ما بين النهرين. ولا يخطر لهؤلاء المؤرخين لحظة واحدة، لا سيما فيما يتعلق بإسبانيا، أن يحاولوا إظهار قسطها الهائل في تطور العالم الأوروبي الغربي، منذ القرن الحادي عشر، وفي تحسين بعض نواحي الحياة المادية، وبخاصة فيما فرضت عليه رويدًا رويدًا، من شعور بجمال للحياة جديد، هذه الحياة التي كانت تسيطر عليها حتى ذلك الحين، وفي رهبة المجهول، صوفية ثقيلة التشاؤم"(1).

[ 3 ]

"أن دراسة الاستعارات (اللغوية) التي تنفح القشتالية والبرتغالية والقطالونية وهي اللغات القومية الحالية في شبه الجزيرة عبيرًا من العربية جد نفاذ ومدعاة للبحث، هذه الدراسة لا تقدم لنا قيمة في فقه اللغة فحسب بل إنها تكتسي طابع الأهمية الخاصة حالما نتوسع فيها لتشمل وقائع الحضارة التي بردت هذه الاستعارات اللغوية، فهي تقدم الدليل الضمني، ولكن الذي لا جدال فيه، على الأثر العميق الذي مارسته الثقافة العربية الأندلسية على السكان المسيحيين في الكتلة الإيبيرية بكاملها.. لقد وجد هؤلاء أنفسهم مضطرين لأن يأخذوا عن العربية كل ما كان ينقصهم حتى ذلك الوقت للتعبير عن المفاهيم الجديدة وبخاصة في مضمار المؤسسات والحياة الخاصة. وهذا التحقق هو غني بالمعلومات بصورة فريدة"(2).

[ 5 ]

"على الرغم من أن فرنسا كانت في العصور الوسطى في عزلة عميقة بسبب من وضعها الجغرافي، إلا أن هذا، مع ذلك، لم يحل دون معاناتها من بعض النواحي، عاقبة تلك المؤثرات التي أثرتها حضارة الإسلام في الأندلس على الممالك المسيحية في شمال إسبانيا.. وقد رأينا أن غالبية الكلمات المشتقة من العربية في اللغة الفرنسية قد دخلت إليها عن طريق الإسبانية. ومن المحتمل أن يكون هذا هو شأن كثير من المؤثرات التي قدرت فرنسا على تقبلها من الإسلام قبل زمن من الحملات الصليبية إلى الشرق أو حتى أثناء هذه الحملات.. وقد أخذ ذهاب [الرهبان الفرنسيين] وإيابهم المتواتر بين أديرتهم وبين طليلطة، يزيد أيضًا في تسهيل التبادل الثقافي بين البلدين"(3).

[ 6 ]

"يجب أن نبادر في الحال إلى استبعاد بعض الإثباتات لأنها نفسها تستحق ذلك إذ أنها لا تعتمد فيما تزعم على مستندات خالية الغرض دائمًا، لا سيما وأن لهجتها الخشنة، الحاقدة معًا، تجعلها في محل شبهة إلى حد بعيد منذ البداية.. وهي تصدر من ناحية أخرى عن كتاب ليسوا من الأسبان كما أنهم ليسوا مؤرخين أو مختصين بإسبانيا، وأكثر من هذا كله فإنهم غير مختصين بالإسلام. فإنهم يلقون على المسلمين تبعة (إجداب) إسبانيا و(إخلائها) من السكان وأنهم جعلوها (صحراء مثل أفريقيا الشمالية). ويقسم المرء لدى قراءته ما كتبوا على أنهم لم يسمعوا أبدًا خرير نوافير الماء في قصر الحمراء ولم يستنشقوا أبدًا العبير الرقيق المعطر في الكزار إشبيلية. وهم يرون، وأنا أنقل هنا حرفيًا رأيهم، بأنه (أقل ما يمكن أن يقال هو أن السيطرة الإسلامية كانت مصابًا جسيمًا حل على إسبانيا). فما من أحد مثقف في إسبانيا اليوم يجرؤ على أن يكون حكمًا مفرطًا في المبالغة إلى هذا الحد.. ولكن إسبانيا قد عرفت أن تعيد إلى إسلام الأندلس ألقابه في مراتب الشرف وادعت وهي مرفوعة الرأس علنًا بأنه يعتبر زهرة في تراثها التاريخي والفكري"(4).

[ 7 ]

"كان العالم السياسي الإسباني السيد Cl. Sanchez-Albornoz رئيسًا لجامعة مدريد فسفيرًا لبلاده ثم وزيرًا لشؤونها الخارجية، إلا أنه كان ويبقى، قبل كل شيء، مؤرخًا على مستوى عالٍ.. أنه يعرف، أكثر من أي شخص آخر، كيف أشرف الإسلام على هذه البلاد وماذا كان تراثه الرئيسي فيها: تأثير عميق على الفكر الإسباني لا يمكن إنكاره.. لنترك له الكلام ونردد معه كلمة هذا الاعتراف المؤثر العضوي: (المسألة اليوم ليست مسألة ظلمات العصور الوسطى، ولكن علينا أن نرى مقابل أوروبا التي تنمو في التعاسة والانحطاط، حضارة إسبانيا المسلمة الرائعة. فإن أساتذة الدراسات العربية يفتحون لنا كل مرة آفاقًا جديدة عن مدى تألّق هذه الثقافة الإسبانية المغربية وعمقها. فقد ادعوا أن لها مقامًا حاسمًا في تكوين الفلسفة والعلم والشعر وجميع ثقافة أوروبا المسيحية. وبرهنوا على أن تأثيرها قد بلغ حتى ذرى الفكر الوسيط. بلغ القديس توماس ودانتي. كثيرون ولا شك، في كل ناحية من ناحيتي جبال البيرنيه والبحر المتوسط الذين ينفرون حتى الآن من الإقرار لها بهذا التفوق وذلك الدور الموجه. ومع ذلك فإن براهين وافية للغاية تؤكد ذلك منذ الآن. ومن يوم على يوم تنبجس أخرى جديدة. وقد انقضت عدة قرون قبل أن تعمل النهضة من جديد على تفجير ينابيع كادت تنضب، كان نهر الحضارة الذي ينهمر في قرطبة يحفظ جوهر الفكر القديم وينقله إلى العالم الجديد"(5).

______________________________________

(1) حضارة العرب في الأندلس ، ص 8 – 9 .

(2) نفسه ، ص 80-81، وعن حشود المفردات العربية التي اقتبسها الإسبان في مجالات النظم العسكرية والمدنية، وأسماء الأمكنة، والأنشطة الزراعية والصناعية وغيرها، انظر المرجع نفسه ، ص 81-85، وانظر – كذلك – عبارة المؤلف التي تحمل دلالتها في هذا المجال: "لو أمعنّا في هذه الاستقصاءات حتى تشمل مفردات الحياة اليومية لأصبحت إسهابًا طويلاً ، بل ومن المحتمل أن تصبح مملة..". نفسه ص 82 .

(3) نفسه ، ص 87 – 88 .

(4) نفسه ، ص 99 – 100 .

(5) نفسه ، ص 102-103، وعن الدور الذي لعبته الترجمة إلى اللغات الإسبانية في نقل مؤثرات الحضارة الإسلامية إلى المغرب، انظر: المرجع نفسه ص 96 – 97 . وعن إنجازات المسلمين في الآداب والفنون انظر المرجع نفسه، ص 88-90، 97-98.

ادوار بروي

[ 1 ]

".. انجلى غبار الفتح [الإسلامي] عن إمبراطورية جديدة ولا أوسع، وعن حضارة ولا أسطع، وعن مدنية ولا أروع، عول عليها الغرب في تطوره الصاعد ورقيه البناء، بعد أن نفخ الإسلام في قسم موات من التراث الإنساني القديم روحًا جديدة عادت معه إلى الحياة، فنبض وشع وأثرى. ولهذه الأسباب، كان لابدّ أن يحتل تاريخ العالم الإسلامي محلاً مرموقًا في ثقافة رجل العصر، كما كان لابدّ لرجل العصر هذا من أن يفهم جيدًا أن المدنية لا يقتصر مدلولها على شعب أو بلد متحيز في الزمان، وأن يعرف جيدًا أن قبل توما الإكويني الذي رأى النور في إيطاليا، طلع ابن سينا المولود في إحدى مقاطعات التركستان، وأن مساجد دمشق وقرطبة ارتفعت قبابها قبل كاتدرائية نوتردام في باريس بزمان، وألا ينتقص من شأن العالم الإسلامي اليوم في ما يعاني من غمرة ستنقشع بأسرع مما يظن، وألا ينظر إلى التاريخ الإسلامي من خلال مرئيات ألف ليلة وليلة.. بل علينا اعتبار هذا التاريخ قطعة من صميم التاريخ الإنساني المتنوع بتنوع الأزمنة والأمكنة، والذي لا يزال، بالرغم من جزئياته وخصوصياته، تاريخ هذه البشرية الواحدة الجمعاء"(1).

[ 2 ]

"في هذا العالم الإسلامي القلق، الجيّاش بعظائم الأحداث.. ليس ما يلفت النظر ويستبد بالخواطر مثل الرواج الذي بلغته الآداب، والازدهار الذي آلت إليه الحركة الفكرية.. واتساع هذه الحركة التي عمت مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، فتحت الباب على مصراعيه أمام التنوع لظهور مجار فكرية عامة وتلقيح الأفكار والأذهان في كل مكان.. وقد بلغ من غنى التأليف في العالم الإسلامي ما جعل الناس يشعرون بحاجة ماسة لمن ينهض ويعرف به في فهارس علمية.. وقامت في بعض حواضر البلاد الإسلامية الكبرى دور للكتب غصّت بعشرات الألوف من الكتب جرى تصنيفها على نظم فنية خاصة روعي فيها تصنيف العلوم على أبواب ومطالب، وقام على خدمتها جيش من النساخ والوراقين.. كل هذا كان يفترض عددًا كبيرًا من القراء والمطالعين وطائفة كبيرة من الكتاب وحملة الأقلام والمفكرين"(2).

[ 3 ]

"أفضت الحملات الصليبية بسرعة أخيرًا، بإقامة الروابط المتينة مع البلدان المتقدمة ثقافيًا، إلى تهذيب أخلاق الفرسان، ونشر استعمال الطرائق والسلع الغريبة وإدخال التقنيات الجديدة.. وإطلاع رجال الفكر على بعض مظاهر العلم والفلسفة والفن والآداب في العالمين العربي واليوناني: فجاءت هذه الأشكال والمفاهيم والطرائق والعادات، التي حصل عليها أحيانًا في إمارات فلسطين وإيطاليا الجنوبية، وشبه الجزيرة الإيبرية، وانتشرت بفضل العائدين من الحج، تنمي التراث الثقافي في أوروبا المسيحية.."(3).

[ 4 ]

"امتدت الثقافة الإسبانية إلى ما وراء حدود السيطرة الإسلامية المنكمشة. ففي صقلية المخصصة للنورمنديين، حيث عومل المسلمون المقيمون بتساهل قل نظيره، تألق مركز إشعاع ثان، دون إسبانيا شأنا، على أنه أعظم أهمية، على حد بعيد، من الشرق اللاتيني، انتقلت بواسطته الثقافة الإسلامية إلى الغرب.."(4).

[ 5 ]

".. بعد زمن قصير توقفت حركة التطور في البلدان [الأفريقية] على أثر العبث الذريع الذي أحدثه في تلك الأرجاء تجار النخاسة والرق من الأوربيين هذه الحركة التطورية التي بعثها الإسلام في تلك البلاد، قبل أن تطأ أقدام البرتغاليين، بزمن طويل"(5).

______________________________________

(1) تاريخ الحضارات العام ، 3 / 109 – 110 .

(2) نفسه ، 3 / 224 – 225 .

(3) نفسه ، 3 / 315 .

(4) نفسه ، 3 / 335 .

(5) نفسه ، 3 / 564 . وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة والتطبيقية والإنسانية ، انظر: المرجع نفسه 3/131-132، 195-196، 228-229، 325-326، 334، 562-563 .

بلسنر(1)

[ 1 ]

".. لا يكاد يوجد شيء من جهود المسلمين في ميدان العلوم لم يتأثر به الغرب بطريق أو بآخر"(2).

[ 2 ]

"أصبح تأثير العلوم عند المسلمين على الغرب ممكنًا في المقام الأول نتيجة للفتوح العربية في غرب البحر الأبيض المتوسط. فقد ترك وجود العرب حوالي ثمانمائة عام في شبه جزيرة إيبريا علامات لا تمحى على الأرض الإيبرية وعلى الفنون، واللغات التي يتكلمها الناس هناك.. وبالرغم من أن فترة حكم العرب في صقلية وأجزاء من جنوب إيطاليا كانت قصيرة، وأن استمرار التأثير الثقافي للعرب كان أقصر عمرًا، فإن هذا التأثير لم يكن في جملته، أقل شدة مما كان عليه في شبه جزيرة إيبريا.."(3).

[ 3 ]

"لم تكن علوم المسلمين بطبيعة الحال العامل الوحيد الذي أدى إلى إحياء العلم في الغرب، فتقاليد العلوم القديمة لم تتلاش تمامًا وسط الفوضى التي عمّت خلال عصر غزوات البرابرة لأوروبا. ومع ذلك فمن الصحيح أن علماء المسلمين أعطوا العلم الأوروبي قوة دفع جديدة. والأهم من ذلك أن هذا العلم الغربي قد اكتسب مادة أدّت إلى إثرائه بدرجة لا نظير لها بفضل الترجمات العربية عن الإغريق، وكذلك بفضل الإنتاج العلمي المستقلّ للمسلمين أنفسهم.."(4).

[ 4 ]

".. أضحت اللغة العربية أداة العلم الإسلامي الرئيسية وقامت في المشرق بالدور الذي قامت به اللغة اللاتينية في الغرب.. ولم تحتل اللغة العربية هذه المكانة الرفيعة بذاتها ولكن الموقع المركزي لها بوصفها لغة الدين الإسلامي والإدارة هو الذي أدى إلى تطويعها لتلائم المتطلبات العلمية.."(5).

______________________________________

(1) مارتن بلسنر M. Plessner

محاضر في معهد العلوم الشرقية بجامعة فرانكفورت. وقد وقف نشاطه على إحصاء ما عرّب من الأدب والفلسفة والعلوم الطبيعية لدى اليونان في العصور الوسطى.

من آثاره: كتب العديد من الدراسات في المجلات الاستشراقية المعروفة ومنها (المخطوطات العربية في استنبول وقونية ودمشق) و(ترجمة العلوم اليونانية إلى العربية) كما كتب العديد من المفردات في دائرة المعارف الإسلامية.

(2) تراث الإسلام ، ( تصنيف شاخت وبوزوث )، 3 / 79 .

(3) نفسه ، 3 / 79 .

(4) نفسه ، 3 / 81 .

(5) نفسه ، 3 / 82 ، وعن إنجازات المسلمين في ميدان الطب والصيدلية، انظر: المرجع نفسه 3/100-102، 118-119، 121-128، 141-148 .

مارسيل بوازار

[ 1 ]

".. أن الموضوعية التاريخية – بل مجرد العدل – تدفع إلى التذكير بأن الحضارة التي تعهّدت الثقافة المتوسطة خلال القرون السبعة التي تتألف منها العصور الوسطى، كانت الحضارة الإسلامية ويعترف معظم المؤلفين اليوم بهذا الواقع.."(1).

[ 2 ]

".. ألم يكن العالم الإسلامي هو الذي جمع أعمال العصور القديمة وترجمها وعلّق عليها تاركًا في أثنائها بصمات عبقريته الخاصة، قبل أن ينقلها إلى الغرب المسيحي؟ ألم يكن ابن رشد وابن سينا وغيرهما أساتذة الفكر لعدّة أجيال أوروبية؟ ألم تتخلص الفلسفة العبرية على يد الثقافة الإسلامية، من وطأة العقيدة التلمودية التي كانت قد سحقتها زمنًا طويلاً؟.."(2).

[ 3 ]

".. يبدو الإسلام واقعًا سياسيًا واجتماعيًا متناغمًا، وظاهرة تاريخية جديرة بالملاحظة، وبالاختصار حضارة قدّمت مفهومًا خاصًا بالفرد، وبيّنت مكانته في المجتمع، ودفعت قدمًا ببعض المسلّمات التي تنظم اتصال الشعوب بعضها ببعض. ولم يكن من شأن هذه الحضارة، من جهة ثانية، أن أسهمت إسهامًا تاريخيًا في الثقافة الكونية وحسب، بل كان أن طمحت كذلك، وبحق، إلى تقديم حلول لأهم المعضلات الفردية والاجتماعية والدولية التي تزعج العالم المعاصر وتقلقه"(3).

[ 4 ]

"يدل التاريخ على وجود ثابتة مطلقة في الحضارة الإسلامية كانت متمحورة منذ البدء تمحورًا تامًا حول الله، وما تزال كذلك. وهذه الظاهرة التي غالبًا ما تخفى على الفكر والتحليل الغربيين الحديثين تضفي على الإسلام طابع الديمومة.."(4).

[ 5 ]

".. ما كان الإسلام يستقر، متأثرًا بالمبادئ القرآنية الخلقية الجوهرية ومفيدًا من الثقافة المرهفة لبعض الشعوب المفتوحة بلادها، حتى ظهر على أنه مشعل حضارة.."(5).

______________________________________

(1) إنسانية الإسلام ، ص 12 .

(2) نفسه ، ص 12 – 13 .

(3) نفسه ، ص 33 .

(4) نفسه ، ص 36 – 37 .

(5) نفسه ، ص 253 .

ديبورا بوتر

[ 1 ]

"لقد جاء الإسلام بعصر التنوير الحقيقي في المجالات العلمية والثقافية والفنية بصورة لم يسبق لها مثيل في عظمتها إلى يوم الناس هذا.. فبين عام 700 و1400 بعد الميلاد وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق في عصور الظلام المسماة بالعصور الوسطى، كان العلماء المسلمون قد توصلوا إلى المنهج التجريبي في البحث الذي حلّ محل المنهج المنطقي العقيم الذي كان سائدًا عند الإغريق قبل ذلك.. لقد أنتجت هذه الحقبة من الزمان للدنيا رجالاً عظماء.. ساهموا مساهمة عظيمة في تشييد صرح الحضارة الإنسانية وكانوا يستلهمون هديهم من القرآن الكريم في جميع نشاطاتهم.."(1).

[ 2 ]

"لقد انتشر روح الاستفسار والتساؤل الإسلامية وتفشّت في أوروبا.. وأصبحت إسبانيا المركز الفكري لأوروبا كلها، وقدمت للعالم أفضل الأساتذة والمعلمين.. لقد كان الأوروبيون يستخدمون مادة العلم [الإسلامي] في مؤلفاتهم واستفادوا من كثير من الإنجازات والاكتشافات الإسلامية ونسبوها لأنفسهم. واليوم نجد المؤرخين ينسبون للمسلمين المزيد مما يسمى بالمخترعات الأوروبية والأعمال الأدبية العظمى.."(2).

[ 3 ]

"أنه لا روجر بيكون ولا من جاء بعده من الأوروبيين له أي فضل في اختراع الطريقة التجريبية. فلم يكن روجر بيكون إلا تلميذًا من الذين نهلوا من العلوم الإسلامية واقتبسوا طريقتها وكانوا رسلها إلى أوروبا المسيحية، وكان لا يفتأ يعلن أن الإلمام باللغة العربية والعلوم العربية هو السبيل الوحيد لمعاصريه نحو المعرفة الصحيحة"(3).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 8 / 1108 – 109 .

(2) نفسه ، 8 / 110 – 111 .

(3) نفسه ، 8 / 111 .

موريس بوكاي

[ 1 ]

".. أن الإسلام قد اعتبر دائمًا أن الدين والعلم توأمان متلازمان. فمنذ البدء كانت العناية بالعلم جزءًا لا يتجزأ من الواجبات التي أمر بها الإسلام. وأن تطبيق هذا الأمر هو الذي أدى إلى ذلك الازدهار العظيم للعلوم في عصر الحضارة الإسلامية، تلك التي اقتات منها الغرب نفسه قبل عصر النهضة في أوروبا.."(1).

[ 2 ]

".. في الإسلام كان الموقف إزاء العلم مختلفًا [عن المسيحية] إذ ليس هناك أوضح من ذلك الحديث الشهير للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "اطلب العلم من المهد إلى اللحد". أو ذلك الحديث الآخر الذي يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". هناك أمر رئيسيّ: القرآن، إلى جانب أنه يدعو إلى المواظبة على الاشتغال بالعلم، فإنه يحتوي أيضًا على تأملات عديدة خاصة بالظاهرات الطبيعية وبتفاصيل توضيحية تتفق تمامًا مع معطيات العلم الحديث"(2).

[ 3 ]

".. علينا أن نتذكر أنه في عصر عظمة الإسلام، أي بين القرن الثامن والقرن الثاني عشر من العصر المسيحي، وعلى حين كانت تفرض القيود على التطور العلمي في بلداننا المسيحية، أنجزت كمية عظيمة من الأبحاث والاكتشافات بالجامعات الإسلامية. في ذلك العصر كان الباحث بهذه الجامعات يجد وسائل ثقافية عظيمة. ففي قرطبة كانت مكتبة الخليفة تحتوي على أربعمائة ألف مجلد.. [وكان] الكثيرون يسافرون من مختلف بلاد أوروبا للدراسة فيها. ولكن كم هي كثيرة تلك المخطوطات القديمة التي وصلت إلينا بواسطة الأدباء العرب ناقلة بذلك الثقافة إلى البلاد المفتوحة ولكم نحن مدينون للثقافة العربية في الرياضيات (فالجبر عربي) وعلم الفلك والفيزياء (البصريات) والجيولوجيا وعلم النباتات والطب إلى غير ذلك. لقد اتخذ العلم لأول مرة صفة عالمية في جامعات العصر الوسيط الإسلامية. في ذلك العصر كان الناس أكثر تأثرًا بالروح الدينية مما هم عليه في عصرنا، ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يكونوا في آن واحد مؤمنين وعلماء. كان العلم الأخ التوأم للدين. لكم كان ينبغي على العلم ألا يكف عن أن يكون كذلك"(3).

______________________________________

(1) دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة ، ص 14 .

(2) نفسه ، ص 140 .

(3) نفسه ، ص 140 – 141 .

جون براند ترند

[ 1 ]

".. الشيء الذي لا يمكن نكرانه هو أن عرب إسبانيا خلقوا مدنية زاهرة وأتقنوا تنظيم الحياة الاقتصادية في الوقت الذي كانت تنوء أغلب أصقاع أوروبا تحت نير الشقاء والأغلال مادية كانت أم روحية. أجل فقد لعب عرب إسبانيا دورًا خطيرًا في تقدم الفن والفلسفة والشعر حتى ارتفع تأثيرها إلى أعلى قمم الفكر المسيحي في القرن الثالث عشر بظهور توما الأكويني ودانتي"(1).

[ 2 ]

"إن قرطبة فاقت كل حواضر أوروبا مدنية أثناء القرن العاشر، كانت في الحقيقة محط إعجاب العالم ودهشته. وكان السياح القادمون من الشمال يسمعون بما هو أشبه بالخشوع والرهبة عن تلك المدينة التي تحوي سبعين مكتبة وتسعمائة حمام عمومي. فإن أدركت الحاجة حكام ليون أو النافار أو برشلونة إلى جراح أو مهندس معماري أو خائط ثياب أو موسيقي فلا يتوجهون بمطلبهم إلا إلى قرطبة"(2).

[ 3 ]

"ترينا أسماء الأمكنة والألفاظ الشائعة التي بقيت في اللغة الإسبانية حتى الآن مدى تأثيرها باللغة العربية في خير أوقات نموّها. إذ ما أهل القرن العشر، حتى كانت بسائط الحياة الإسبانية قد تأثرت بالإسلام أعمق تأثير. هذا التأثير امتد بسقوط طليطلة فشمل سائر أنحاء أوروبا.. ثم وإن كان بلاط الملك الفونسو بلاطًا مسيحيًا بالاسم « كما تأثر خطاه في هذا المضمار بلاط فردريك الثاني في بالرمو بعد ذلك الزمن بمائتي عام تقريبًا) فقد كانت مسحة المدنية الإسلامية تغلب عليه.. ولقد كانت مدارس طليطلة تجتذب طلاب العلم من جميع أنحاء أوروبا، وبضمنها إنكلترا.."(3).

[ 4 ]

"يذهب الناس أحيانًا إلى أن تراث العصور الوسطى ليس إلا تراثًا مسيحيًا خالصًا، وأن المسيحية.. إنما هي السبيل الوحيد لتعرف تاريخ العصور الوسطى. على أن هذا القول ينطوي على إغفال أهم ما ظفرت به النهضة الأوروبية من أثر هام قام بالجانب الأكبر منه مسلمو إسبانيا، ولم يكن حظ مسلمي صقلية وبلاد البرتغال منه قليلاً.."(4).

[ 5 ]

"اجتذبت مدارس طليطلة إليها الدارسين من سائر أنحاء أوروبا، واستطاع هؤلاء الدارسون بفضل ما تعلموه من اللغة العربية.. أن يتوفروا على ترجمة الكتب من العربية إلى اللاتينية فأسهموا بذلك في تقديم الحركة العلمية في العالم.. فمن مدارس سالرنو وبغداد ودمشق وقرطبة وغرناطة ومالقة تلقى العالم ثقافة المسلمين وعلومهم.."(5).

______________________________________

(1) تراث الإسلام ، ( إشراف سير توماس ارنولد )، ص 22 .

(2) نفسه ، ص 27 .

(3) نفسه ، ص 54 – 55 .

(4) تاريخ العالم، ( نشره السير جون. أ. هامرتن )، المجلد الخامس ، ص 729 .

(5) نفسه ، 5/759، وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة والتطبيقية والإنسانية، انظر: المرجع نفسه، 5/730، 745-746، 749-752، 758-759 .

أرنولد تويبني

[ 1 ]

"لقد أسر الإسلام (المغلوب [في الحروب الصليبية] (غالبيه)، وأدخل فنون الحضارة إلى حياة العالم المسيحي، وقد كانت حياة (لاتينية) صدئة وفي بعض حقول النشاط الإنساني، كهندسة البناء مثلاً، تغلغل التأثير الإسلامي في العالم المسيحي كله طيلة قرونه الوسطى، أما في صقلية والأندلس، فقد كان تأثر الدولة الغربية الجديدة فيهما بالإمبراطورية العربية القديمة أوسع شمولاً وأبعد غورًا"(1).

[ 2 ]

"وفّق الإسلام فيما فضل فيه سابقوه، لأنه استكمل عملية طرد الهلينية من العالم السوري. كما عاد فأدمج في الخلافة العربية، الدولة العالمية السورية التي اختزل الإسكندر الأكبر حياتها بقسوة قبل أن تستكمل رسالتها.. وأخيرًا منح الإسلام المجتمع السوري بعد طول الانتظار، عقيدة دينية عالمية أصيلة. فعاود بذلك المجتمع السوري – بعد انقضاء قرون من توقف حيويته – على أن يسلم الروح وهو متأكد أنه لن يزول دون أن يخلف عقبا. إذ غدت العقيدة الإسلامية اليرقة التي بزغت عنها في حينها الحضارتان العربية والإيرانية"(2).

[ 3 ]

".. ساهم علماء إسبانيا الإسلامية – عن غير قصد – في تشييد الصرح الفلسفي الذي أقامه فلاسفة المسيحية الغربية المدرسيون إبان العصور الوسطى. كما وصلت بعض مؤلفات الفيلسوف الهليني أرسطو، العالم المسيحي الغربي للمرة الأولى، عن طريق التراجم العربية. وصحيح كذلك أن كثيرًا من المؤثرات الشرقية على الثقافة الغربية.. إنما وفدت في الحقيقة من إيبريا الإسلامية"(3).

[ 4 ]

".. أننا لنجد للتقويم المسيحي وقت كتابة هذه السطور، السيادة على جميع العالم، ولا ينازعه مكانته سوى منافس خطير هو التقويم الهجري الإسلامي وما يزال اليهود بعنادهم المعروف يحسبون تقويمهم رسميًا على أساس تقديرهم بداية الخليفة"(4).

[ 5 ]

".. لعلنا نعجب لهذه الدرجة من الاحترام المتبادل التي أصبح كل من المتحاربين من الفريقين [الإسلامي والمسيحي] يكنها للآخر. كما نعجب لهذا القدر من الزاد الثقافي الذي نشر به مسيحيو الغرب الوسيط عن هذا الطريق السوري.. [حيث أصبحت فتوحات الصليبيين الموقتة في سوريا، وفتوحاتهم الدائمة في صقلية والأندلس – على حساب دار الإسلام – محطات (إرسال) متعددة، أمكن عن طريقها نقل الكنوز الروحية إلى العالم المسيحي الغربي في العصور الوسطى. إن الجو النظيف القائم على التسامح الديني والتطلع الفكري الذي أسر – بعض الوقت – ألباب فاتحي بالرمو وطليطلة من مسيحيي الغرب، بمقارنته بروح التعصب التقليدية فيهم، هذا الجو النظيف، كان أصيلاً في الإسلام في عهده الأول.. لقد تلقى مسيحيو القرون الوسطى في الغرب من معاصريهم علماء المسلمين، نتائج البحث الإسلامي.."(5).

______________________________________

(1) الإسلام والغرب والمستقبل ، ص 34 .

(2) مختصر دراسة للتاريخ ، 1 / 241 .

(3) نفسه ، 1 / 266 – 267 .

(4) نفسه ، 3 / 104 .

(5) نفسه، 3 / 354، 355، 356 .

فيليب حتي

[ 1 ]

"لقد ساعد فتح البلاد الإسلامية ودخول عدد كبير من سكان البلاد المفتوحة في الإسلام على ازدهار العلم وزيادة ثقافته. وقد امتازت هذه الثقافة بأنها ظلت منذ أواسط القرن الثامن للميلاد (الثلث الأول من القرن الثاني للهجرة) إلى آخر القرن الثاني عشر للميلاد (وآخر القرن السادس للهجرة) لا تدانيه ثقافة أخرى في الازدهار ولا يفوقه في النتاج الأدبي والعلمي والفلسفي نتاج آخر"(1).

[ 2 ]

"أن فترة النقل تلك (في العصر العباسي) قد استمرت نحو قرن من الزمن وانتهت في نحو عام 850 للميلاد (236هـ). ولكن تبعها دور من الابتكار، دور عبر فيه العرب عن فكرهم الأصيل وازدهر في بغداد ثم امتد قرنين كاملين. وكثر الابتكار في عدد من ميادين المعرفة كعلم الكلام والفقه وفقه اللغة والبحوث اللغوية الأخرى والفلسفة والطب والعلوم الطبيعية. ذلك كان دورًا لا مثيل له في جميع أدوار التاريخ العربي. بل أن بإمكاننا أن نقول أكثر من ذلك: أننا على ثقة من أن العلماء الذين برعوا في الرياضيات والفلك، والأطباء من الذين عاشوا في بغداد في القرنين التاسع والعاشر للميلاد (الثالث والرابع للهجرة) لم يكن لهم مثيل (يومذاك) في قارتي أوروبة وآسيا. لقد جعل هؤلاء من مدينتهم عاصمة للعلم في العالم، كما كانت (من قبل) أثينا عاصمة الفلسفة ورومية عاصمة التشريع والقدس عاصمة الأديان.. وخلقوا حضارة ذات هبات غنية يغلب فيها عنصر الابتكار، وأقاموا في الإسلام عصرًا ذهبيًا (في العلوم الكونية).."(2).

[ 3 ]

"لم يدرك العرب وجود المعارف العلمية إلا بعد أن جاءهم الإسلام وبعد أن احتكوا بأهل الثقافات القديمة. أن الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام هي التي أدّت إلى هذا الاحتكاك الحيوي للعرب بالتراث الثقافي النفيس الذي خلّفه اليونان والسريان والفرس والمصريون القدماء.. لقد كان من أفضال [العرب] أنهم شجعوا كل جماعة من رعاياهم على أن تحافظ على تراثها القومي وعلى أن توسعه ما دام هذا التراث ليس مخالفًا للإسلام.."(3).

[ 5 ]

"فيما كان بناء المساجد ينتشر شرقًا حتى بلغ الصين وغربًا حتى وصل إلى الأندلس كان نمط البناء يتأثر بعناصر محلية من غير أن تتبدل خطته الأساسية تبدلاً يذكر. وبما كان المسجد مكانًا للعبادة فإن بناءه عمومًا ظل على بساطة وجلال. ومع أنه استعار من أنماط البناء الأخرى فإنه ظل معبرًا عن الإسلام تعبيرًا عظيمًا. وأما في أثناء تطوره في التاريخ، من ناحية العمارة، فإنه كان صورة مصغرة لتطور الثقافة الإسلامية: تلك الثقافة التي كان المسجد تعبيرًا صحيحًا عنها – فيما يتعلق بالأمم المختلفة وبأعراق البشر المختلفة – إذ هو يمثل بصورة ملموسة ذلك التفاعل بين الإسلام وبين جيرانه. والمؤمن ذو الاتجاه الروحي، على كل حال، لا يقلقه ذلك التطور. أنه ما يكاد يدخل الصحن الذي ينكشف للسماء والذي تحيط به الأروقة حتى يجد في نفسه ميلاً شديدًا إلى الانعتاق من البيئة المادية التي حوله ثم نزوعًا، في الوقت نفسه، إلى السّموّ نحو الملأ الأعلى. وهذه المئذنة الطويلة الرشيقة فإنها أشبه بالإصبع التي تنتصب مشيرة إلى السماء وأما في جوف المسجد فإن القبة المتلألئة بالمصابيح تبدو وكأنها صورة منقولة عن قبة السماء. وكذلك المحراب المزخرف (بالأشكال والأغصان والمزين بالآيات الكريمة) فإنه يوجه القلب إلى مصدر الهدى والإيمان. والأعمدة التي تتوالى في صفوف لا تكاد العين أن ترى آخرها توحي بأنها لا تتناهى. وهؤلاء المصلون حولك (معًا أو فرادى، في كل مكان من المسجد) يولّدون في النفس شعورًا بمشاركة في أخوة تسع العالم كله"(4).

[ 6 ]

".. أنه جاء يوم بلغت فيه الثقافة الإسلامية درجة من السّموّ والتقدم لم يقابلها فيها غيرها من الثقافات الهندية والصينية في الشرق أو اليونانية واللاتينية في الغرب. والذي نعنيه بالثقافة الإسلامية تلك المجموعة من العلوم والفنون والفلسفات التي نشأت في ظل الإسلام.. تمتعت هذه الثقافة بعصرها الذهبي من منتصف القرن الثامن للميلاد إلى مطلع القرن الثالث عشر يوم كانت اللغة العربية أداة التعبير عنها، ويوم كانت الشعوب العربية اللسان – وبينهم السوري والعراقي والمصري والفارسي والتركي وغيرهم – في مقدمة مشعل الحضارة في العالم قاطبة، وجاء عدد المؤلفات في هذه اللغة في تلك الحقبة، المؤلفات الفلسفية والطبية والتاريخية والفلكية والجغرافية والرياضية واللغوية، أكثر من عددها بأي لغة أخرى من آسيوية أو أوروبية. والغريب في أمر العربية التي كانت إلى أواسط القرن الثامن لغة شعر ودين فحسب، أنها في خلال قرن واحد تطورت وتقدمت إلى أن أصبحت أداة صالحة لنقل دقائق الفلسفة وحقائق العلوم ومصطلحات الفنون. وربما لم يكن من مثيل لهذه الظاهرة الغربية في تاريخ نشوء اللغات وبفضل جهود أبناء هذه اللغة.. تسنى لعلوم الأقدمين، من هنود وساميين ويونان ولاتين، مضافًا إليها ما ابتكره هؤلاء الأبناء، على اختلاف عناصرهم القومية، أن تنتهي بعد أجيال عديدة إلى غربي أوروبا، وذلك عن طريق سورية الصليبية وصقلية وإسبانيا المسلمتين، فتصبح أساس العرفان الذي دان له الفكر الأوروبي في القرون الوسطى، ورائد السبل لنشوء النهضة الحديثة في أوروبا الغربية التي لا يزال إلى اليوم أبناء أوروبا وأمريكا ينعمون ببركاتها فبينا كان الأوروبي يتخبط في ديجور العصور – التي أطلقوا عليها بحق العصور المظلمة – كان كتبة العربية – وهم يومئذ يشملون معظم المجتمع الإسلامي – يرتعون في عصرهم العلمي الذهبي"(5).

______________________________________

(1) الإسلام منهج حياة ، ص 10 – 11 .

(2) نفسه ، ص 189 .

(3) نفسه ، ص 209 – 210 .

(4) نفسه ، ص 306 – 308 .

(5) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، جمع وتقديم، محمد خلف الله، ص550-551. وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة، انظر: الإسلام منهج حياة، ص 211-220، 224-231، وفي الآداب والفنون، ص 264، 286-287، 294-296، 322-323، 335، 336.

جورج حنا

[ 1 ]

"لم تنحصر الفتوحات العربية في الناحية العسكرية فقط، بل تعدّتها إلى الناحية الثقافية. لقد كان في العرب علماء وفلاسفة وحكماء، درسوا الفلسفة اليونانية وعلومها ونبشوا منها ما كان الحكم الروماني قد أقفل عليه الأبواب. فكان للعلماء والفلاسفة العرب الفضل في إعادة الثقافة اليونانية إلى رونقها. فعندما كانت السلطات الغربية في القرون الوسطى المظلمة، في خضوعها المطلق للكنيسة الرومانية، تنصاع، مسيّرة أو مخيّرة لأحكامها، وتنفذ إرادة الكنيسة دونما بحث أو جدل، وعندما كانت محاكم التفتيش تحكم بالموت والإحراق والتشريد على كل من نازع السلطة البابوية تعاليمها وعقائدها. وعندما كان الجهل مخيّمًا على ربوع وحياة الغرب، كان علماء العرب يبحثون عن المعرفة أينما وجدت. وكان خلفاء العرب يسهّلون لهؤلاء العلماء مهماتهم، ويقدمون لهم المساعدات. فعكف الباحثون على إخراج العلوم اليونانية من مدفنها ونقولها إلى العربية، وزادوا عليها من اختباراتهم ونظرياتهم ومشاهداتهم، ووضعوا كتبًا قيمة في الفلسفة والطب والجبر والكيمياء والرياضيات والفلك، وقام منهم رحالون إلى بلاد المغرب والشرق، ودرسوا اللغات المنتشرة فيها وترجموا من كتبها ما لا يزال إلى يومنا هذا يدرس للطلاب.."(1).

[ 3 ]

"لولا العرب لبقيت الثقافة اليونانية مطموسة، ولما أخرجت هذه الثقافة من مدفنها الذي زجها فيها الرومانيون.. فما إن أخذت الإمبراطورية الرومانية في الانحلال حتى عادت الثقافة اليونانية إلى الظهور مرة ثانية، ولم يكن ظهورها في الغرب بل في الشرق.. وإذا كان النسطوريون هم الذين كشفوا عنها الغطاء فالعرب هم الذين نشروها في الشرق ثم بعثوها إلى الغرب"(2).

[ 4 ]

"أن الحقبة التاريخية الواقعة بين القرن العاشر والقرن الثالث عشر [الميلادي] هي بحق عصر العرب الذهبي. ففي هذه الحقبة كان العرب حاملي مشعل الثقافة الوحيدين. وعلى الرغم من أن فتوحات العرب العسكرية نحو الغرب، لم تمتد إلى أكثر من مائة سنة، وانتهت بهزيمتهم في موقعة (بواتييه) على يد شارل مارتل فإن التوسع الثقافي العربي استمر في امتداده نحو الغرب، وبقي الفكر العربي يصدر إنتاجه الخصب من الأندلس وشواطئ أفريقيا إلى سواحل أوروبا الجنوبية، ومن هناك يغزو أوروبا كلها، ويضع أساسًا لنهضتها"(3).

[ 5 ]

"لا يسعنا إلا أن نسجل استغرابنا مما يدّعيه بعض المكابرين، الذين ينكرون قيام حضارة عربية في التاريخ، فإذا كانت البحوث العلمية والفلسفية والثقافية مضافًا إليها الأعمال الفنية، وما تنطوي عليه كل هذه الشؤون من قيم، لا تشكل حضارة ذات شأن، فماذا تكون إذن الدعائم التي تقوم عليها الحضارات؟ صحيح أن العرب نقلوا عن اليونان والفرس والهنود والرومان، ولكن هل ينكر عليهم ما رادوه على ذلك باكتشافاتهم في الطب والكيمياء والجبر والفلك والرياضيات، وفي الفن أيضًا؟ وهل من الإنصاف أن ينكر على فلاسفتهم وحكمائهم، نظرياتهم في الاجتماع والاقتصاد والإدارة؟ ثم ماذا يضير العرب إذا كانوا نبشوا ما كان دفينًا من فلسفة اليونان وحضارتهم وأظهروه إلى النور؟ إن من يطالع الكتب الغربية التي أنتجها عصر النهضة، يجد فيها أثر علماء العرب واضحًا فما جاء به (مونتسكيو) و(باكون) وعلماء الاجتماع في القرن السادس عشر والسابع عشر، تجده، أو تجد له تمهيدًا على الأقل، في مقدمة ابن خلدون، هذه المقدمة التي لم تترك حقلاً من حقول البحث الاجتماعي إلا وطرقته، حتى شهد علماء الغرب أنفسهم أنها أعظم مؤلف علمي واجتماعي. وكتب الفلك الغربية محشوة بالكلمات العربية التي لم يجد علماء الفلك الغربيون بدًا من تبنيها.. والأرقام الغربية ليست إلا أرقامًا عربية. كل هذا إنما يدل على مدى اقتباس العلوم الغربية من العلوم العربية. إن ما تحويه المؤلفات العلمية والفلسفية الغربية من أمثال هذه الشواهد لدليل على أن النضج الفكري والعلمي الذي نقرأ عنه في عصر النهضة الغربية وبعدها، إنما كان متأثرًا إلى حد بعيد بالنضج الفكري والعلمي عند العرب، بل كان مؤسسًا عليه ومقتبسًا منه.."(4).

[ 6 ]

"لقد دهش الصليبيون من التقدم العلمي والفكري في الشرق. فكانوا عندما يعودون إلى بلادهم، يروون لمواطنيهم الروايات المختلفة عنه، ويشوقونهم للاقتداء بالنهضة الفكرية فيه.. وعندما عاد الإمبراطور [النورماني] فردريك الثاني إلى بلاده، أسس جامعة نابولي وجامعة ساليرنو الطبية، واعتمد في هاتين الجامعتين الدروس التي وضعها ابن سيناء والرازي وابن رشد وابن خلدون وسائر أقطاب العلم والفلسفة العرب.. وهو الذي أدخل الأرقام العربية وعلم الجبر إلى أوروبا. إن جامعتي نابولي وساليرنو كانتا النافذة الأولى التي تسرّبت منها النهضة الفكرية إلى أوروبا، ووضعت أساسًا للنهضة الفكرية فيها، في العهد الذي عرف بعهد الانبعاث"(5).

______________________________________

(1) قصة الإنسان ، ص 81 .

(2) نفسه ، ص 83 .

(3) نفسه ، ص 84 .

(4) نفسه ، ص 86 – 87 .

(5) نفسه ، ص 96 .

اميل درمنغم

[ 1 ]

"إن العرب إذ صار لهم سيد دان له الجميع.. وصارت لهم روح عامة ومبدأ واحد، أصبحوا من القوة ما استطاعوا به أن يكونوا ذوي شأن في العالم.. وكانوا مستعدين ليرثوا الدول العالمية المتحضرة. [وهم] على خلاف الجرمان والوندال والبرابرة بدوا وارثين مستعدين لتمثيل دورهم في التاريخ والصعود توًا في سلّم الحضارة. وكان ظهورهم في الوقت المناسب.. فأنقذوا العالم من الانهيار، وأخذوا المصباح من أيدي البيزنطيين والفرس العاجزة فكان دور خلفاء بني أمية وبني العباس الذي يعد من أنضر أدوار التاريخ، وذلك قبل أن ينتقل هذا المصباح في القرن الثالث عشر إلى ما بين البارتنون وشارتر. والعرب لو تركت حبالهم على غواربهم ما قاموا بغير التخريب.. ولكنهم جلبوا معهم الإسلام والمروءة حين قبضوا على زمام المدنيات القديمة التي كادت تنحلّ فازدهرت بفضلهم"(1).

______________________________________

(1) حياة محمد ، ص 369 .

دريو(1)

[ 1 ]

"في الزمن الذي كانت فيه إيطاليا تتخبط في دياجي الحروب، ولا سيما على عهد برابرة المملكة المقدسة. كان الفتح العربي في طرفي البحر المتوسط أعظم وأخصب من الفتح الروماني، وقد دامت ممالكه قرونًا، وكانت مصانعه أعظم أثرًا من مصانع روميه، وما هي إلا عنوان ثقافة عالية جدًا. وقد كان لهم الأثر المشهود في إسبانيا إلى آخر القرن الخامس عشر"(2).

______________________________________

(1) إي . دريو E. Driauit

مؤرخ فرنسي، عني بالشئون الشرقية.

من آثاره: (المسألة الشرقية منذ نشأتها حتى عام 1920) (1921) و(الحملة الفرنسية وحكم محمد علي). كما نشر عددًا من الدراسات في التاريخ الحديث.

(2) المسألة الشرقية ( عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية 1/20 ).

ايتين دينيه

[ 1 ]

"إن الفروسية ونبالة قصدها لم يكن يعرفها الأقدمون من اليونان والرومان ولكنها كانت معروفة عند العرب أيام جاهليتهم ثم هذبها الإسلام وطهرها تطهيرًا. وعلى يده دخلت أوروبا ووصلت إلينا نحن الغربيين. ولم يبق أحد اليوم ينكر نسبتها إلى العرب.."(1).

[ 2 ]

".. نستطيع أن نبرهن على أن المحاولات الأولى في السعي إلى تحرير الفكر كانت أثرًا منطقيًا للمبادئ التي جاء بها محمد [صلى الله عليه وسلم] فإلى الفيلسوف المسلم ابن رشد يرجع الفضل في إدخال حرية الرأي (التي يجب أن لا نخلط بينها وبين الإلحاد) في أوروبا. وقد عارض ابن رشد وحدة الوجود القديمة والتجسيم المسيحي بعقيدة الإيمان بالله وحده في الإسلام، وتحمس أحرار الفكر في العصر الوسيط الأوروبي لشروحه لأرسطو، وإن كان هذه الشروح مصبوغة بصبغة إسلامية قوية. ويمكن أن نعتبر – بحق – أن التيار الفكري الذي نشأ عن هذا التحمس لابن رشد كان أصل التفكير المنطقي الحديث فضلاً عن كونه من أصول الإصلاح الديني"(2).

______________________________________

(1) أشعة خاصة بنور الإسلام، ص 28 .

(2) محمد رسول الله ، ص 324 .

ول ديورانت

[ 1 ]

".. أن الخلفاء الأولين من أبي بكر [رضي الله عنه] إلى المأمون قد وضعوا النظم الصالحة الموفقة للحياة الإنسانية في رقعة واسعة من العالم، وأنهم كانوا من أقدر الحكام في التاريخ كله. ولقد كان في مقدورهم أن يصادروا كل شيء أو أن يخربوا كل شيء، كما فعل المغول أو المجر أو أهل الشمال من الأوروبيين لكنهم لم يفعلوا هذا.. كانت العراق قبل الفتح الإسلامي صحراء جرداء فاستحالت أرضها بعده جنانًا فيحاء، وكان كثير من أرض فلسطين قبيل الفتح رملاً وحجارة، فأصبحت خصبة غنية عامرة بالسكان.. لقد أمن الخلفاء الناس إلى حد كبير على حياتهم وثمار جهودهم، وهيأوا الفرص لذوي المواهب، ونشروا الرخاء مدى ستة قرون في أصقاع لم تر قط مثل هذا الرخاء بعد عهدهم، وبفضل تشجيعهم ومعونتهم انتشر التعليم، وازدهرت العلوم، والآداب، والفلسفة، والفنون ازدهارًا جعل آسيا الغربية مدى خمسة قرون أرقى أقاليم العالم كله حضارة"(1).

".. في وسع القارئ أن يحكم على ثراء الأدب الإسلامي إذا عرف أن الكتب التي ذكرها – ابن النديم في الفهرست – على ما نعلم لم يبق منها الآن واحد في الألف"(2).

[ 2 ]

".. أن العلوم العربية نمّت في علم الكيمياء الطريقة التجريبية العلمية وهي أهم أدوات العقل الحديث وأعظم مفاخره. ولما أن أعلن روجر بيكون هذه الطريقة إلى أوروبا بعد أن أعلنا جابر [ابن حيان] بخمسمائة عام كان الذي هداه إليها هو النور الذي أضاء له السبيل من عرب الأندلس وليس هذا الضياء نفسه إلا قبسًا من نور المسلمين في الشرق"(3).

[ 3 ]

".. ليس هذا الجزء الباقي [من تراث المسلمين] إلا قسمًا ضئيلاً مما أثمرته قرائحهم، وليس ما أثبتناه في هذه الصحف إلا نقطة من بحر تراثهم. وإذا كشف العلماء عن هذا التراث المنسي فأكبر ظنّنا أننا سنضع القرن العاشر من تاريخ الإسلام في الشرق بين العصور الذهبية في تاريخ العقل البشري"(4).

______________________________________

(1) محمد رسول الله ، ص 13 / 170 – 171 .

(2) نفسه ، 13 / 172 .

(3) نفسه ، 13 / 196 .

(4) نفسه ، 13 / 213 .

مكسيم رودنسن

[ 1 ]

"هكذا أظهرت الترجمات اللاتينية [لمؤلفات المسلمين] تدريجيًا وانتشرت ثروة العرب العلمية بحيث وصلت إلى إنجلترا واللورين وساليرنو وخصوصًا إلى إسبانيا حيث كان الاتصال يجري بسهولة أكثر.."(1).

[ 2 ]

"في عام 1180م، اكتملت المجموعة الأولى من مؤلفات ابن سينا الفلسفية وأخذت تروج في أوروبا وكان تأثيرها بالغًا، وتبعها ترجمات لفلاسفة آخرين بتلاحق سريع.. وقد أخذت تتشكل في أذهان المفكرين الغربيين صورة أخرى للعالم الإسلامي بوصفه مهدًا لفلاسفة عظام. وكان تلك صورة مضادة تمامًا للصورة السابقة، صورة الكيان السياسي الذي يسيطر عليه دين معاد ومغلوط، وهي الصورة التي خلقتها الخرافات السخيفة والكريهة في أذهان الناس.. واستطاع علماء اللاهوت الفلاسفة أن ينقلوا إلى المسيحية ما كان يذكره ابن سيناء عن الحضارة الإسلامية.. بل لقد جاء وقت كان لفظ (الفيلسوف) يعني فعليًا (المسلم).."(2).

[ 3 ]

"من وجهة النظر الفكرية نجد أن كبار المؤلفين المسلمين الذين كان اكتشافهم قوة تجديدية أصبحوا يتمثلون (ويهضمون) بصورة تدريجية ويدمجون ضمن الثقافة العامة. وخلال عدة قرون نجد أن ابن سينا وابن رشد والغزالي في الفلسفة، وابن سيناء وعلي بن العباس والرازي في الطب، ومؤلفين آخرين [في العالم الإسلام] نجد هؤلاء يقلدون وتعاد طباعة أعمالهم ويعلق عليها وتدرس.."(3).

______________________________________

(1) تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزورث) 1 / 36 .

(2) نفسه ، 1 / 40 – 41 .

(3) نفسه ، 1 / 52 .

فرانز روزنثال

[ 1 ]

"أن نمو المدنية الإسلامية من أروع الأحداث في تاريخ الفكر الإنساني وسيبقى مثار أعظم الإعجاب. ولكن لا يمكن اعتبار هذه المدنية أمرًا غامضًا أو معجزة، ولعلها كانت معجزة من حيث حدوثها بسرعة عجيبة لدرجة أنها كملت بعد بدئها بوقت قصير. وقد يمكن أن نعتبرها غامضة من حيث أن كل عمل من الإبداع الفكري، وكل ازدهار في أية مدنية هما أمران لا يحصرهما الإدراك الإنساني التام، أما في الإسلام فإننا نجد أن الأسباب والظروف التي أوجدت المدنية الإسلامية أشد وضوحًا من الأسباب والنتائج التي أوجدت معظم المدنيات الأخرى.."(1).

[ 2 ]

"لقد استطاع الإسلام بفضل الله ثم بفضل أنظمته العسكرية والظروف التاريخية الملائمة أن يكتسح في زمن قصير بلادًا كانت تتمثل فيها جميع المنجزات الفكرية القائمة آنذاك، وسرعان ما أخذت حضارته تتبنى لنفسها هذه المنجزات بقيامها بحركة ترجمة واسعة واقتباس كبير. ونظرًا لأنها حركة روحية جديدة فقد اضطرت إلى عرض معتقداتها لخصومها، وإلى أن تدافع عن علّة وجودها وكان عليها باعتبارها طريقة جديدة في الحياة، أن تصلح المؤسسات الإدارية التي وجدتها في مختلف الأقاليم، وفوق كل هذا فبتقدم الإسلام تهاوت الحواجز القديمة من اللغة والعادات، وتوفرت فرصة نادرة لجميع الشعوب والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديدة على أساس المساواة المطلقة وبروح من المنافسة الحرّة. وقد تمت في القرن التاسع الميلادي الفترة التكوينية لهذه العمليات وصار كل فرع من فروع المعرفة في الإسلام تتحكم فيه منذ ذلك الوقت قوانين وتقاليد المدنية الإسلامية المستقلة"(2).

[ 3 ]

"يقول فون كريمر عند وصفه النشاط العلمي عند المسلمين: (أن أعظم نشاط فكري قام به العرب يبدو لنا جليًا في حقل المعرفة التجريبية ضمن دائرة ملاحظاتهم واختباراتهم. فإنهم كانوا يبدون نشاطًا واجتهادًا عجيبين حين يلاحظون ويمحّصون وحين يجمعون ويرتبون ما تعلموه من التجربة أو أخذوه من الرواية والتقليد. ولذلك فإن أسلوبهم في البحث أكبر ما يكون تأثيرًا عندما يكون في نطاق الرواية والوصف. ولذا يحتل التاريخ والجغرافيا المقام الأول في أدبهم وبصفتهم أصحاب ملاحظة دقيقة، وبصفتهم مفكرين مبدعين فإنهم قد أتوا بأعمال رائعة في حقلي الرياضيات والفلك. وللسبب ذاته نجح العرب في التشريع وفي وضع قواعد اللغة من صرف ونحو في شكل شامل محكم.."(3).

[ 4 ]

"وكثيرًا ما يشوه آراء الغربيين في البحث العلمي عند المسلمين شعورهم بالتفوق والعلوّ شعورًا لا يرتكز على منطق. فمن العجيب حقًا أن نسمع عالمًا أوروبيًا يقول عن ياقوت الذي يرفض تصديق [إحدى القصص]: (يندر جدًا أن يبدو ياقوت بهذا التعقل وهذه الرصانة) في الوقت الذي نعلم فيه أن هذا المؤلف الغربي، بقطع النظر عن مؤهلاته العلمية، يبدو قزًمًا إذا ما قيس بياقوت [الحموي].."(4).

[ 5 ]

"كانت المكتبة الخاصة، بالنسبة للعالم المسلم، أعزّ ما يملكه، وكان فقدها كارثة تترك في نفسه ألمًا أشد من اللم الذي يشعر به عالم اليوم إذا ما فقد كتبه"(5).

______________________________________

(1) علم التاريخ عند المسلمين ، ص 45 – 46 .

(2) نفسه ، ص 46 .

(3) مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ، ص 15 ، عن بحث فوق كريمر:

Culturgeschichte des Orients II, 466 (Vienna, 1875-7). .

(4) مناهج العلماء المسلمين في البحث العلمي ، ص 18 – 19 .

(5) نفسه ، ص 49، ومن إنجازات المسلمين في ميدان (المنهج) انظر: المرجع نفسه، ص 14-15، 17، 19، 55، 62-64، 72-74، 92-93، 115-123، 151-153، 187-188 .

جاك ريسلر

[ 1 ]

"سيطر الإسلام أثناء خمسمائة عام من 700 إلى 1200م على العالم بالقوة وبالعلم، وبتفوق حضارته"(1).

[ 2 ]

"لقد ورث الإسلام تراث اليونان من الفلسفة والعلوم، ثم بعد أن نمّاها، نقلها إلى أوروبا الغربية. كما أنه استطاع أن يوسع الأفق الفكري للعصر الوسيط وأن ينفذ بعمق إلى الفكر والحياة الأوروبيتين"(2).

[ 3 ]

"أن ما يشاهده المرء من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر لم يكن له مثيل قبل ذلك. ففي كل مكان كلف لا حدّ له بالكتب. وآلاف المساجد تهتز بفصاحة العلماء ومائة بلاط رائع تدوي بمباريات شعرية أو فلسفية، وطرقات غاصة بعلماء الجغرافية، وعلماء التاريخ، وعلماء الدين للبحث عن المعرفة. وهذه أهم يقظة فكرية في التاريخ الإسلامي"(3).

[ 4 ]

".. عندما بهرت الحضارة [الإسلامية] المشرقة بعض رجال الدين والعلمانيين من أوروبا المسيحية كلها، أخذوا يزحفون، حبًا في الحرية [التي تميزت بها هذه الحضارة] إلى قرطبة وطليطلة وإشبيلية، لكي يحضروا دروس الجامعات الإسلامية ومحاضراتها"(4).

[ 5 ]

"لكي نقيم حسابًا كاملاً لإسهامات الشرق الفكرية تجاه الغرب، كان يجدر بنا أيضًا أن ننسب إلى العرب ما للعرب من تطبيقات صناعية نجمت عن المعرفة الإسلامية.. ويكفي أن يتصور المرء القارة الأوروبية في فجر العصور الحديثة من غير أن تملك تحت تصرفها هذه الهبات الثلاث: البارود، والبوصلة، والكتاب، رمز المعاونة الإسلامية في بناء الإنسانية"(5).

______________________________________

(1) الحضارة العربية ، ص 82 .

(2) نفسه ، ص 83 .

(3) نفسه ، ص 100 .

(4) نفسه ، ص 154 .

(5) نفسه ، ص 191 – 192 .

جورج سارتون

[ 1 ]

".. [أن إدراك الفاتحين لضرورة الأخذ عن ثقافات الشعوب المفتوحة] قد فسح المجال لما يجوز أن نسميه معجزة العلم العربي، آتين بكلمة معجزة لترمز إلى تفسير ما بلغ إليه العرب في الثقافة والعلم مما يخرج تقريبًا عن نطاق التصديق وليس لذلك شبه في تاريخ العالم كله ما عدا حسن اكتساب اليابانيين للعلم الحديث وللبراعة الفنية في أثناء العصر الميجي [1868-1912م]. إن هذه الموازنة مفيدة، لأن الموقف كان في الحالين واحدًا. إن قادة الثقافة بين العرب قد أدركوا الحاجة الماسة إلى العلم اليوناني بقدر ما أدرك اليابانيون في الجيلين السابقين حاجتهم إلى العلم الأوروبي الحديث. ولقد كان خير المعلمين لكلتا الأمتين الحاجة، الحاجة الملحة. على أن تينك الأمتين قد اتصفتا بالإرادة وبنوع من النشاط الروحي الذي يتغلب على المصاعب الشاقة.."(1).

[ 2 ]

".. أن غرابة العلم العربي وخصبه معًا يرجعان في الحقيقة إلى أن ذلك العلم قد جمع العناصر اليونانية إلى العناصر الشرقية وخلق منها مركبًا جديدًا، أو أنه جعل خلق هذا المركب ممكنًا في المستقبل. ولقد كان بالإمكان أن ينتقل العلم اليوناني على يد أوروبا اللاتينية لو لم تكن النصرانية الكاثوليكية مفصولة تمامًا عن النصرانية الأرثوذكسية بجدار من التعصب وسوء الظن والبغض. وبما أن هذا الجدار كان لسوء الحظ موجودًا، فإنه لم يكن من سبيل إلى اتصال العلم اليوناني السابق بالمستقبل التالي إلا من طريق المنحنى العربي. وإذا نحن نظرنا إلى العلم العربي من وجهة نظر التطور الإنساني عمومًا، وجدنا أن الثقافة العربية الإسلامية كانت ذات أهمية بالغة، ذلك لأنها تؤلف الصلة الأساسية بين الشرق الأدنى وبين الغرب، ثم بين الشرق الأوسط وبين آسيا البوذية"(2).

[ 3 ]

"إن الأهمية العظمى التي يتمتع بها الشرق الأوسط على أنه مهد للثقافة الغربية قد قام البرهان عليه.. ولكن حب الحقيقة يحملنا على أن نبدي تحفظًا.. أن الثقافة العربية التي كانت الثقافة الزعيمة منذ القرن التاسع إلى القرن الحادي عشر ثم بقيت على غاية من الأهمية ثلاثة قرون أخر (ولنذكر أن ستة قرون ليست شيئًا يسيرًا) قد درجت من ذلك المهد، لا شك في ذلك. ولكن الفتوح الإسلامية قد مدّتها شرقًا إلى الهند وأواسط آسيا حتى الصين ثم غربًا إلى إسبانيا ومراكش، أي إلى طرف العالم. فإذا نحن سمينا هذه الثقافة إذن ثقافة الشرق الأوسط فحسب فإننا نكون قد جئنا شيئًا غريبًا، إذ أن تلك الثقافة كانت قد امتدت في العصور الوسطى من الشرق الأقصى إلى المغرب الأقصى.."(3).

[ 4 ]

"أن المآثر التي قامت بها الشعوب التي تتكلم اللغة العربية – وذلك بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر [للميلاد]- كانت عظيمة إلى درجة تخمل أفهامنا. على أن التأخر الذي أصاب المسلمين والعرب كان مستغربًا جدًا في سرعته واكتماله كما كانت نهضتهم الرائعة مستغربة جدًأ أيضًا. وسيحاول العلماء الدارسون أبدًا تعليل ذلك، ولكن بلا جدوى من الناحية العملية على الأقل، ذلك لأن أشباه هذه المسائل معقدة جدًا، ولأن الإجابة عليها بالأساليب العادية تقع في نطاق المستحيل"(4).

[ 5 ]

".. مرة أخرى نستعمل كلمة (معجزة) لأن ما تحقق على أيدي العرب في ميدان العلوم لا يكاد يصدّق. ولم يحدث قط في تاريخ الإنسانية أن تمكن قوم من العلم هذا التمكن السريع، إلا في حالة واحدة أخرى هي ما حققه عصر [الإمبراطور] موتسوهيتو Mutsuhito [1868-1912] لليابان من علم وفن حديث. والحق أن بين هاتين الحالتين من النهضة الإنسانية شبهًا أساسيًا"(5).

______________________________________

(1) الثقافة العربية في رعاية الشرق الأوسط، ص 49 .

(2) نفسه ، ص 57 .

(3) نفسه ، ص 57 – 58 .

(4) نفسه ، ص 61 .

(5) الشرق الأدنى : مجتمعه وثقافته ( بإشراف كويلي يونغ )، ص 136 .

لوثروب ستودارد

[ 1 ]

".. العرب لم يكونوا قط أمة تحب إراقة الدماء وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا، على الضدّ من ذلك، أمة موهوبة جليلة الأخلاق والسّجايا توّاقة إلى ارتشاف العلوم، محسنة في اعتبار نعم التهذيب، تلك النعم التي قد انتهت إليها من الحضارات السالفة. وإذ شاع بين الغالبين والمغلوبين التزاوج وتلقيح الأفكار، كان اختلاط بعضهم ببعض سريعًا وعن هذا الاختلاط نشأت حضارة جديدة – الحضارة العربية، وهي جماع متجدد للتهذيب اليوناني والروماني والفارسي، ذلك الجماع الذي نفخ فيه العرب روحًا جديدة، فنضر وأزهر، وألفوا بين عناصره ومواده بالعبقرية العربية والروح الإسلامية، فاتحد وتماسك بعضه ببعض فأشرق وعلا علوًا كبيرًا. وقد سارت الممالك الإسلامية القرون الثلاثة الأولى من تاريخها (650-1000م) أحسن سير، فكانت أكثر ممالك الدنيا حضارة ورقيًا، وتقدمًا وعمرانًا، مرصعة الأقطار بجواهر المدن الزاهرة والحواضر العامرة، والمساجد الفخمة، والجامعات العلمية المنظمة، وفيها مجموع حكمة القدماء ومختزن علومهم، يشعان إشعاعًا باهرًا. طول هذه القرون الثلاثة ما انفك الشرق الإسلامي يضيء على الغرب النصراني نورًا.."(1).

[ 2 ]

"الإسلام، وهو هذا الدين البيّن الصريح، ما كان ليقيّد عقل العربي ويلقي عليه سجوفًا فوق سجوف. والعربي كان قد أدرك حالاً ثار فيه جده واشتعلت غيرته، فبات توّاقًا إلى اقتباس العلوم واجتناء ثمراتها والتبسط في شؤون الحياة وتوفير أحوالها، والتكيف على حديث مقتضياتها، والخروج بها عما ألفه أزمانًا في فيافي الصحراء.. لهذا لما نشر العرب فتوحهم ومدوا سلطانهم على الأقطار الأجنبية لم يقصروا نفوسهم على التنعّم بالنعم المادية واستلذاذ الترف ورخاء العيش فحسب، بل عكفوا جادين على ترقية الفنون والعلوم والآداب وآراء الحضارات القديمة. فنشأ عن جميع هذا الجد والترقيات أن أخرج للناس تهذيب عربي سام. فأضاءت العقول وازدهرت ازدهارًا كان فخر الحضارة العربية ودرة تاجها. وكان ردح من الزمن كانت فيه الحضارة مشرقة الشموس، يانعة الثمار، وارفة الظلال. فسادت الحرية العقلية، وابتكرت الآراء والأفكار العلمية، ووضعت القواعد والأصول، واستنبطت الأحكام. بيد أن هذا لم يكن من صنع العرب وحدهم، بل شاركهم فيه كثير ممن كانوا متظللين ظل دولتهم من النصارى واليهود والفرس الذين كانوا في عهد ملوكهم قبل الفتح الإسلام يذوقون الأمرّين، ويسامون خسفًا شديدًا في سبيل آرائهم ومعتقداتهم الدينية التي كانوا يخالفون فيها النصرانية البيزنطية والمجوسية الفارسية.."(2).

[ 3 ]

".. أن الشعوب الآسيوية التي يتألف منها سواد المسلمين.. ذات حضارة بديعة حية منذ القرون الخوالي، حضارة هي نتاج إسلامي صرف، متكون من صنع المسلمين وثمرات جهودهم. ومتى أخذنا نعتبر ما قد استطاعته هذه الشعوب الإسلامية من تشييد المعالي، وبلوغ ذروات المجد فيما مضى، أمنّا الخطل بقولنا الآن أننا نستبين خلال هذا الغليان الهائل في العالم الإسلامي تجددًا حقيقيًا، صحيحًا رائعًا، ولا غرابة في ذلك أن عاد الإسلام يستعيد من عزّه الغابر وعلاه السالف، وهذا تاريخه المجيد شاهد له على ما كان عليه المسلمون قبلاً من الحضارة والعمران"(3).

______________________________________

(1) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 3 – 4 .

(2) نفسه ، 1 / 8 .

(3) نفسه ، 4 / 2 .

نصري سلهب

[ 1 ]

".. [لابد من الإشارة] إلى المداميك الكثيرة التي رصفها الإسلام في بناء الحضارة وبتعبير آخر إلى إسهام الإسلام في تراث البشرية الحضاري، في حقلي الفكر والعلم بمختلف فروعهما من فلسفة وشعر وموسيقى وطب وكيمياء وفيزياء ورياضيات وهندسة إلى آخر سلسلة معطيات وعناصر جعلت الإنسانية ترتفع إلى مستوى خليق بها وجعلتها تنعم بما تنعم به اليوم. إن ذلك ضروري.. لأن كثيرين من المسيحيين يجهلون مدى وأهمية إسهام الإسلام، كدين ودولة، في الحضارة.. وأن الغرب فيما ينعم به اليوم من أسباب الحضارة والرقي والتفوق مدين به لنفسه، أي للفكر الغربي دون سواه. وذلك خطأ كبير.. لأن الغرب مدين لهذا الشرق – وبتعبير آخر – أن المسيحية مدينة للإسلام بأشياء كثيرة مهمة، وأن الشرق اليوم ليس سوى دائن يستوفي دينه من مدين قديم.. تلك إرادة الله وسنة الوجود"(1).

[ 2 ]

"فيما كان البيروني، في نهاية القرن العاشر [الميلادي] يضع مؤلفاته في علوم الرياضيات والفلك والطب والتقاويم والتاريخ والفلسفة، وينشئ النظريات العلمية ويقوم بالاختراعات، كانت أوروبا، مذعورة قلقة، خائفة، تنتظر نهاية العالم في حلول العام الألف!"(2).

[ 3 ]

"متى ذكرنا أن عشرات الكلمات الفرنسية هي من أصل عربي صريح، بل تكاد تكون منقولة بحرفيّتها، فيصبح باستطاعتنا أن ندرك تأثير الإسلام في الغرب.. وتلاحظ أن هذه الكلمات لها طابع علمي أو فكري، وهي، على كل حال، لم تنتقل إلى أوروبا كمجرد كلمات فقط بل كأسماء لمسميات انتقلت هي أيضًا معها"(3).

[ 4 ]

".. أية قمة شماء بلغ إليها العقل الإسلامي والعربي في حقبة من حقب تاريخه، بل من حقب التاريخ على إطلاقه؟ ذلك كله كان نتيجة طبيعية محتومة لما أوصى به القرآن الكريم.. ومحمد [صلى الله عليه وسلم] رسول الله إلى العالمين"(4).

[ 5 ]

"حضارة الإسلام – التي سيطرت على العالم مئات خمسًا من السنين – كانت وليدة الإيمان، والإيمان وحده"(5).

______________________________________

(1) لقاء المسيحية والإسلام ، ص 44 .

(2) نفسه ، ص 50 .

(3) نفسه ، ص 51052، وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم المعرفية والتطبيقية والإنسانية، انظر: المرجع نفسه ص 48-53.

(4) في خطى محمد ، ص 469 .

(5) نفسه ، ص 470 .

دومينيك سورديل

[ 1 ]

"في ظل الإسلام نمت مجموعة من العلوم ولم يكتف العرب والفرس من نقل التراثين الفكريين الإغريقي والهندي إلى أوروبا الغربية بل أضافوا إليهما ملاحظات عديدة واكتشافات مهمة"(1).

[ 2 ]

"يستحق [الفن الإسلامي]، من الوجهتين التاريخية والجغرافية، على الرغم من نزعته التجريدية، التي تدين للإسلام وللإسلام وحده بوحدته، أن يتوّج الثقافة الإسلامية الضخمة، التي تتصف بدورها بالوحدة على الرغم من نزعاتها المتباينة. ومن ثم فلا يبدو لنا الإسلام دينًا [فحسب]، ولا أمة [فحسب]، بل ركنا لحضارة ينعش مظاهرها الدينية والفكرية والفنية، أو يكيفها على الأقل. لكن هذه الحضارة منذ القرن السادس عشر توقفت عن الإشعاع.."(2).

______________________________________

(1) الإسلام ، ص 95 – 96 .

(2) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 175 .

أحمد سوسة

[ 1 ]

"للإسلام فضل كبير على التاريخ نفسه من غير الوجهة الدينية. ذلك أنه جاء موضحًا بعض الحوادث التاريخية الغامضة بحيث فتح بابًا واسعًا للتدقيق والبحث بل جاء حافزًا للعلماء للتنقيب وسبر أغوار البحوث التاريخية لاستنباط الحقائق التي أوردها القرآن الكريم. ومن ثم فإن خدمة الإسلام للتاريخ والعلم بل خدمته للإنسانية بصورة عامة بتشجيعه العلم الصحيح ونبذ التقليد الأعمى مما يسجلها له التاريخ ما دام تاريخ في الوجود"(1).

[ 2 ]

"إن النزعة العامة للكنيسة المسيحية تجاه الفلسفة والعلم هي نزعة عدائية.. ويرجع الفضل للإسلام في محافظته على الروح العلمية الفلسفية وإرجاعها إلى المجتمع الأوروبي، إذ كان الإسلام حاميًا للكثير من المعلمين والفلاسفة الذين هجروا أوطانهم بنتيجة اضطهاد المسيحية إياهم. والواقع أن العلم لم يرجع إلى أوروبا إلا بواسطة الإسلام الذي امتد سلطانه إلى الأندلس.. وأن هذا العلم الذي انتشر في أوروبا عن طريق الإسلام أخذ يعمل في عقول المفكرين شيئًا فشيئًا حتى كانت النتيجة أن أحدث صراعًا عنيفًا بين الكنيسة وساسة الشعوب المفكرين فكان نصيب الكنيسة التسليم بمعظم ما كانت تتمتع به من سلطان"(2).

[ 3 ]

"لا يخفى أن الحضارة الإسلامية أنتجت ضحى التبصير والتيقظ نابذة التقليد ومتجنبة الظن فكانت التجربة والبرهان قاعدة البحث فيها وبذلك تمّ للمسلمين وضع الأسس الثابتة للعلوم الصحيحة فجعلوا التجربة والملاحظة أساس المباحث العلمية ودعامة التنقيب الأمر الذي لم يكن قد اهتدى إليه اليونان مدى اشتغالهم بالبحث والفلسفة، فكوّن المسلمون بذلك ثقافة خاصة بهم وفلسفة إسلامية مستقلة بعد أن اقتبسوا محسنات ما في الفلسفة اليونانية ونبذوا الآراء الوثنية منها كما أنهم وضعوا الأسس للعلوم الطبيعية والرياضية بأنواعها المختلفة ومن طريقهم وصلت هذه العلوم إلى أوروبا"(3).

[ 4 ]

"تمتاز الحضارة الإسلامية في كونها تخضع في معظم إنتاجها إلى التعاليم الإسلامية فالقيام بالصناعات والأخذ بالعلوم متصل بروح الأمة وعقيدتها، لأن العمل بذلك في نظر الإسلام فرض على الأمة وهذا نظام يربط الإنتاج البشري بالدين.. وذلك بخلاف المدنية الغربية فإنها جعلت القيام بشؤون الحياة من اختصاص الاقتصاد المادي وحده، فأمست مدنية مادية محضة لا يعين الفرد فيها صاحبه ولا ينصر أحد رفيقه.."(4).

[ 5 ]

".. يجب أن لا يغرب عن البال أن المدنية الغربية الحديثة خابت في إرضاء النفوس وأخفقت في إيجاد السعادة البشرية فهبطت بالناس في هاوية الشقاء والارتباك لأن جهود العلم الحديث موجهة إلى التدمير والإفناء.. فهو بعيد والحالة هذه من أن يتصف بالكمال أو أن يكون واسطة لخدمة الإنسانية كما كان في عهد الإسلام.."(5).

______________________________________

(1) في طريقي إلى الإسلام ، ص 102 .

(2) نفسه ، هامش 1، 1 / 188 – 189 .

(3) نفسه ، 2 / 112 .

(4) نفسه ، 2 / 112 – 113 .

(5) نفسه ، 2 / 114 .

لويس سيديو

[ 1 ]

".. أن مغازي العرب وإقامتهم بين القرنين الثامن والحادي عشر [الميلاديين] بجنوب فرنسة أسفرت، لا ريب، عن آثار لا تزول من لغتنا، وأن نفوذ العرب كان باديًا في مختلف أدوار تاريخنا، لا فرق في ذلك بين زمن الغزوات الأولى وزمن الحرب الصليبية.. وأن لهجات هذه الولايات مملوءة بالكلمات العربية وأن أسماء الأعلام فيها تبدي شكلاً عربيًا في كل خطوة كما تبديه اصطلاحاتنا العلمية أيضًا، وما يأتيه علماء اللغة المعاصرون عندنا من اشتقاقات يقف لها شعر الرأس!.. ولا ينكر فضلاً عن ذلك، أن الخلفاء كانوا في القرن التاسع من الميلاد سادة إمبراطورية واسعة رائعة لامعة مدهشة، وأن خلفاء بغداد كانوا يرسلون وفودًا وهدايا إلى الإمبراطور شارلمان وإلى عاهل الصين وأنهم كانوا مثال العظمة الحقيقة بنظمهم الصالحة وعنايتهم بالآداب والعلوم، وأن ما شيد من المدارس في أرجاء دولتهم كان يوقد مصباح الحضارة فيما بين الشرق الأقصى وعمد هركول [على الساحل الأطلسي] ناشرًا آثار الفن العربي الرائعة في كل مكان، عاملاً على تجديد الدم في عروق العالم الهرم"(1).

[ 2 ]

"لم يكن [هيّنًا]، في تقدم العلوم، تأثير مدرسة بغداد التي كانت متوسطة بين مدرسة الإسكندرية والمدرسة الحديثة، فهيأت لهذه المدرسة الحديثة اكتشافاتها ونحن مدينون للعرب في الحقل العلمي، ونعترف، مع ذلك، بأن مترجمينا كانوا يتلهون بتشويه ما يقتبسونه من التعابير تشويهًا غريبًا فينمّ ما اتخذ من الاصطلاحات على الجهل والارتباك.."(2).

[ 3 ]

"وظاهرة مدرسة بغداد في بدء أمرها هي الروح العلمية التي كانت سائدة لأعمالها، فكانت مبادئ أساتذتها تقوم على الانتقال من المعلوم إلى المجهول، وعلى ملاحظة الحوادث ملاحظة وثيقة لمجاوزة المعلولات إلى العلل، وعلى عدم التسليم بما لا يستند إلى التجربة، وكان العرب في القرن التاسع [الميلادي] أصحابًا لهذا المنهاج الخصيب فأضحى، بعد زمن طويل، أداة بيد علماء الزمن الحديث للوصول إلى أجمل اكتشافاتهم"(3).

".. نحن إذ نرى شوق العرب إلى العلم قد حفزهم إلى النهوض بمختلف فروع المعارف البشرية طلبًا للحقيقة وحدها لا يسعنا سوى الإعجاب المطلق بجهود الشعب العربي الذي أدى بمثاله النبيل إلى بعث الآداب والفنون في أوروبا"(4).

"حقًا إنه لمنظر رائع أن نرى انتصار سلطان حضارة العرب على همجية [المغول] أولئك الذين انقضوا على آسيا الغربية والجنوبية"(5).

".. قدّر تأثير مدرسة بغداد البالغ في المشرق والمغرب، وكان عند العرب معظم الأفكار والمبادئ التي تباهي بها أوروبا الحديثة، والعرب، فضلاً عن ذلك، ربطوا دورين كبيرين أحدهما بالآخر: ربطوا عصر اليونان بعصر النهضة محافظين على تراث الدور الأول معدّين ظهور الدور الثاني، ووجد من حاولوا خفض منزلة العرب، بيد أن الحقيقة تبدو يومًا بعد يوم، ولابد من حلول الزمن العاجل أو الآجل الذي ينصفون فيه فيستردون حقهم"(6).

[ 4 ]

"هكذا تجلى تأثير العرب في جميع فروع الحضارة الأوروبية الحديثة، وظهرت، بين القرن التاسع والقرن الخامس عشر [الميلادي]، آداب تعد من أعظم ما عرف، وتشهد الإنتاجات المتنوعة والاختراعات المهمة على ما كان يتصف به عرب ذلك الزمن من النشاط العجيب، وبما كان لهم من الأثر البالغ في أوروبا النصرانية فجاء هذا مسوّغًا للرأي القائل إن العرب كانوا أساتذة لنا، وما أتى به العرب من الموارد التي لا تقدر بثمن عن تاريخ القرون الوسطى ومن كتب الرحلات ومعاجم تراجم الأحوال من ناحية، وما جاءوا به من صناعة منقطعة النظير ومن مبانٍ دالة على تفكير عظيم وتنفيذ جسيم، ومن اكتشافات مهمة في الفنون من ناحية أخرى، كلها أمور يجب أن ترفع في أعيننا شأن الأمة العربية.."(7).

______________________________________

(1) تاريخ العرب العام ، ص 12 – 14 .

(2) نفسه ، ص 14 .

(3) نفسه ، ص 392 .

(4) نفسه ، ص 403 .

(5) نفسه ، ص 408 .

(6) نفسه ، ص 480 .

(7) نفسه ، ص 490 – 491 .

لورافيشيا فاغليري

[ 1 ]

"كيف نستطيع أن نقول إن الإسلام عاق نموّ الثقافة في القرون السالفة ونحن نعلم أن بلاطات الإسلام ومدارسه كانت آنذاك منارات ثقافة لأوروبا الغارقة في ظلمات القرون الوسطى، وأن أفكار الفلاسفة العرب بلغت آنذاك منزلة رفيعة جعلت العلماء الغربيين يقتفون آثارهم، وأن هارون الرشيد أصدر أمره آنذاك بأن يلحق بكل مسجد مدرسة يتلقى فيها الطلاب مختلف العلوم، وأن المكتبات الحافلة بمئات الآلاف من الكتب كانت مشرعة الأبواب آنذاك في وجه العلماء والدارسين في طول العالم الإسلامي وعرضه؟ ألم يكن العرب أول من اصطنعوا الطرائق التجريبية قبل أن يعلن بيكون ضرورتها بزمن طويل؟ وتطور الكيمياء، وعلم الفلك، ونشر العلم الإغريقي، وتعزيز دراسة الطب، واكتشاف مختلف القوانين الفيزيائية، أليست هذه من مآثر العرب؟"(1).

_______________________________________

(1) دفاع عن الإسلام ، ص 130 – 131 .

ليوبولد فايس

[ 1 ]

".. أن الحضارة الإسلامية أتم ما عرفه التاريخ من أشكال الدولة الإلهية. فالاعتبار الديني، أو وجهة النظر الدينية، يسود هنا كل شيء ويظهر في أساس كل شيء ولو أننا وازنا بين هذا الاتجاه وبين اتجاه الحضارة الغربية لعجبنا من هذا الاختلاف العظيم في استشرافها الأمور"(1).

[ 2 ]

"أن أثر النفوذ [الحضاري الإسلامي] في أوروبا كان عظيمًا. لقد بزغ، مع اقتراب الحضارة الإسلامية، نور عقلي في سماء الغرب ملأها بحياة جديدة وبتعطش إلى الرقي. ولم يأت التاريخ الأوروبي بأكثر من اعتراف عادل بقيمة الحضارة الإسلامية حينما سمى عصر التجديد الذي نشأ من الاحتكاك الحيوي بالثقافة الإسلامية (عصر البعث) فإنه كان في الحقيقة ولادة لأوروبا، ولم يكن أقل من ذلك"(2).

[ 3 ]

".. أن (النهضة) أو إحياء الفنون والعلوم الأوروبية، باستمدادها الواسع من المصادر الإسلامية والعربية على الأخص، كانت تعزى في الأكثر إلى الاتصال المادي بين الشرق والغرب. لقد استفادت أوروبا أكثر مما استفاد العالم الإسلامي، بل كان الأمر على العكس فإن تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن ثم استحالت عادة.."(3).

[ 4 ]

".. أن التاريخ يبرهن وراء كل إمكان للريب أنه ما من دين أبدًا حث على التقدم العلمي كما حث عليه الإسلام. وأن التشجيع الذي لقيه العلم والبحث العلمي من الدين الإسلامي انتهى إلى ذلك الإنتاج الثقافي الباهر في أيام الأمويين والعباسيين وأيام دولة العرب في الأندلس. وإن أوروبا لتعرف ذلك حق المعرفة لأن ثقافتها هي نفسها مدينة للإسلام بتلك النهضة على الأقل بعد قرون من الظلام الدامس. نحن لا نقول ذلك إعجابًا منا بتلك الذكريات المجيدة في زمن هجر العالم الإسلامي فيه تقاليده الخاصة وانتقل إلى العماية وإلى الفقر الفكري، إذ لا يحق لنا في بؤسنا الحاضر أن نفتخر بالأمجاد الماضية"(4).

[ 5 ]

"لقد جاء حين كانت مدنية المسلمين أقوى وأمضى من مدنية أوروبا. فنقلت إلى أوروبا كثيرًا من الاختراعات الصناعية والفنية ذات الطبيعة الثورية، وأكثر من هذا، مبادئ تلك (الطريقة العلمية) نفسها التي يرتكز عليها العلم الحديث والمدنية الحديثة.."(5).

______________________________________

(1) الإسلام على مفترق الطرق ، ص 32 .

(2) نفسه ، ص 43 .

(3) نفسه ، ص 59 .

(4) نفسه ، ص 70 – 71 .

(5) الطريق إلى مكة ، ص 375 .

فورغ(1)

[ 1 ]

".. أن إسبانية.. أرض قائمة بنفسها لها مزاياها وخصائصها، وهي تمتاز بميزات لا يشاركها فيها غيرها، وأن فيها قوة حيوية قومية غير معهودة لكثير من الأمم، وأن لتلك الأدمغة الحارة من سرعة الفكر.. ما يجعل هذه الأمة فريدة في بابها. ولأجل أن نفهم هذه الحالة النفسية عند الإسبانيول وجب علينا أن نفهم هذه الحقيقة التاريخية وهي استيلاء العرب على إسبانيا.. [التي بقيت تحت حكمهم] زهاء ثمانية قرون. وهكذا يمكن قياس درجة اتصال الأمة الإسبانية بالمدنية الإسلامية هذه المدنية التي كانت حلقة الاتصال بين العالم الإسلامي وأوروبة الغربية. قال ليبري Libri : احذف العرب من التاريخ يتأخر عصر التجدد في أوروبا عدة قرون إلى الوراء.."(2).

[ 2 ]

".. كانت طليطلة قد عادت للإسبانيول سنة 1085م فصارت مركز الاتصال بين المدنيتين الإسلامية والمسيحية. وسنرى مقدار تأثير هذه البلدة كمركز تبادل للبضائع العقلية وكمكتب للترجمة يحج إليه طلاب العلوم من كل فجّ.. وفي يناير سنة 1492 كان سقوط غرناطة وجلاء العرب الأخير فتركوا.. من قصر الحمراء بقية باهرة تتأمل فيه القرون والحقب دهرًا طويلاً، كما أن طليطلة بقيت خزانة كتب تغذّي بترجمتها الفكرة البشرية عصورًا مديدة. لا جرم أن هناك تاريخًا نادر المثال لم ينقصه شيء لا من العظمة ولا من طول المدة.."(3).

[ 3 ]

".. إنك ترى شعبًا من القبائل الرحل، رعاة الإبل، بسائق دعوة دينية يحملون على الأمم فيفتحون نصف العالم في مدة قرن واحد. ثم يكون أعظم همهم، بعد أن وطّدوا هذا الملك الطويل العريض، أن يضمّوا إلى عظمة الفتح عظمة العلم.."(4).

_______________________________________

(1) البروفيسور فورغ Prof. Forgue

جراح فرنسي شهير، يعد من اشهر جراحي فرنسا في النصف الأول من هذا القرن، إن لم يكن أشهرهم. وله اهتمامات بتاريخ الطب.

(2) مجلة المستشفيات الفرنسية Gazette des Hopilaux عدد 19 مارس، 1932، عن (حاضر العالم الإسلامي 1/128-129).

(3) نفسه ، 1 / 129 .

(4) نفسه ، 1 / 130 .

فيرنيه(1)

[ 1 ]

".. في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي، اكتسبت حركة الترجمة قوة غير عادية، إذ أصبح عدد الكتب المترجمة في صقلية وبخاصة في إسبانيا، يثير الإعجاب، وتدفق علم الإغريق والرومان على الأديرة الأوروبية من خلال العقول العربية، وأدمجت الكشوف التي توصل إلى العرب ضمن رصيد من الثقافة الغربية.. وتوافد على (طليطلة) عدد كبير من العلماء الأوروبيين المتلهفين إلى الحصول على المعارف العلمية الشرقية.. وبالرغم من أن هؤلاء العلماء لم يعملوا معًا كأصحاب مدرسة إلاّ أن إنتاجهم المكثف والغزير قد غيّر شكل المجتمع الأوروبي لكن أولئك العلماء وإن كانوا قد استطاعوا أن يتمثلوا بسهولة النصوص التي وصلت إليهم، أخفقوا في إدخال أي تطوير يذكر عليها.."(2).

[ 2 ]

".. في بداية القرن العشرين بدأت حقبة جديدة من الترجمات العلمية تقدم من العالم الغربي إلى عالم الإسلام، شأنها شأن تلك الحركة التي قدمت من القرن الثاني إلى القرن الرابع الهجري (الثامن إلى العاشر الميلادي).."(3).

______________________________________

(1) جوان فيرنيه J. Gines Vernet

تخرج من جامعة برشلونة، وسمي أستاذًا للعربية فيها عام 1954م.

من آثاره: ترجم القرآن الكريم إلى الإسبانية (1953)، و(الف ليلة وليلة)، وحقق عددًا من النصوص، كما كتب العديد من المقالات في الفلك والجغرافية.

(2) تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزوث ) 3 / 214 – 215 .

(3) نفسه ، 3/218، وعن إنجازات المسلمين في ميادين الرياضيات والفلك والبصريات، انظر: المرجع نفسه 3/168، 170، 172-174، 176-183، 188-194، 196-213، 216-218.

كابرييلي(1)

[ 1 ]

".. أنها القوة العجيبة التي تشع من العقيدة الجديدة، ومن الدولة التي أقامتها هذه العقيدة، والتي نمت في كل اتجاه وأنتجت حضارة موحدة إلى حدّ يدعو إلى الدهشة، وذلك رغم الاختلاف الشديد بين البيئات والمستويات الثقافية التي ازدهرت عليها.."(2).

[ 2 ]

".. أن الاتصالات بين العالم المسيحي، الذي كان مهلهلاً محصورًا، وبين الإسلام الغازي في منطقة البحر المتوسط، كانت على ما يبدو متكررة ومثمرة.. [لقد] تسرّب (تراث) الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى إلى الغرب وتغلغل فيه"(3).

[ 3 ]

".. أن ما خلفته الحضارة العربية الإسلامية لإسبانيا في المجالات الثقافية والأدبية والفنية خلفته أيضًا لأوروبا بوصفه عنصرًا خصبًا من العناصر المكونة للحضارة الغربية.."(4).

[ 4 ]

"من الواضح أننا نعني بالإسلام هنا كل (الحضارة الإسلامية) التي تطورت بما لها من مظهر خاص، من آسيا الوسطى إلى المحيط الأطلسي والتي قامت على الإيمان برسالة الرسول محمد [صلى الله عليه وسلم].. ولا ريب أن العقيدة الدينية قد زودت هذه الحضارة ليس بعاملها المشترك فحسب، بل بمحورها ومظهرها الأساسي أيضًا. وأن كل مظاهر الحياة الأخرى من مادية وروحية ومن سياسية وأدبية واقتصادية واجتماعية، تحمل طابع هذا العنصر الديني يعكس عليها ألوانه، وتنمو وتتسع تحت تأثيره. وقد قال أحدهم إن الإسلام دين (عالمي شامل) أكثر من أي دين آخر، ويشمل تأثيره الإنسان بأكمله وليس شعوره الديني وحده"(5).

[ 5 ]

"[أن] الطابع الإسلامي إذا غلب على أمة من الأمم، لا يمكن محوه البتة وأن كبار [الشعراء] حتى حينما يعالجون موضوعات سابقة للإسلام وخارجة عنه يطبعونه بالطابع الإسلامي أيضًا(6).

______________________________________

(1) فرانشيسكو كابرييلي Francesco, Gabrieli

ولد عام 1904، كبير أساتذة اللغة العربية وآدابها في جامعة روما، برز في دراسة الشعر العربي من الجاهلية حتى العصر الحديث وفي تحقيق التاريخ الإسلامي، وانتخب عضوًا في عدد من المجامع والجمعيات العلمية.

من آثاره: ألف العديد من الأبحاث والمصنفات منها: (تاريخ المسلمين للحروب الصليبية) (1929)، و(العصبية لدى ابن خلدون) (1930)، و(عمر الخيام) (1930)، و(ابن المقفع)، و(العيد الألفي للمتنبي) (1936)، و(أصل الخوارج) (1942)، وغيرها.

(2) تراث الإسلام ( تصنيف شاخت وبوزورث 1/101 ).

(3) نفسه ، 1 / 109 .

(4) نفسه ، 1 / 143 .

(5) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية ( تحرير كرونباوم )، ص 123 .

(6) نفسه ، ص 141 .

كارادي فو(1)

[ 1 ]

".. أنجز العرب أعظم المكتشفات العلمية فعلاً. فعلمونا استعمال الصفر وجعلوا (الجبر) علمًا متقنًا وتقدموا به، ووضعوا أسس علم الهندسة التحليلية وهم بلا منازع موجدو علمي المثلثات المستوية والكروية اللذين لم يكن للإغريق فضل في وجودهما إذا ما توخينا الحقيقة والإنصاف كما أنهم عملوا في الفلك أرصادًا عديدة قيّمة، وحفظوا لنا بترجماتهم عددًا كبيرًا من كتب الإغريق التي ضاعت أصولها.. والسبب الآخر لاهتمامنا بعلم العرب هو تأثيره العظيم على الغرب. إن العرب ارتفعوا بالحياة العقلية والدراسة العلمية إلى المقام الأسمى في الوقت الذي كان العالم المسيحي يناضل نضال المستميت للانعتاق من أحابيل البربرية وأغلالها. ووصلوا إلى قمة نشاطهم (الذي استمر حتى القرن الخامس عشر) في القرنين التاسع والعاشر. ومن القرن الثاني عشر فصاعدًا كانت مراكش والشرق محط أنظار كل غربي يميل إلى العلم ويتذوقه. في هذه الفترة شرع أبناء أوروبا يترجمون آثار العرب كما كان العرب قد ترجموا آثار الإغريق. وهكذا كانوا همزة وصلٍ بين الثقافة القديمة والمدنية الجديدة، عندما عادت النفس الإنسانية في عهد الإحياء العلمي لتمتلئ ثانية بحب المعرفة والاستقصاء ولتتنبه بوميض من العبقرية العلمية. فإن هي أفلحت في سلوك السبيل الأقوم للعمل، وإن أتيح لها الإنتاج والابتكار فما ذلك إلا لأن نفسية العرب قد حفظت وأكملت مختلف فروع العلم وصانت روح البحث العلمي حيّة تائقة للتحرر والحركة، متهيئة للمكتشفات المقبلة.."(2).

______________________________________

(1) البارون كارادي فو (1868 – 1930) Baron Carra De Vaux

مستشرق فرنسي معروف من المعهد الكاثوليكي بباريس، درس العربية ودرّسها في المعهد المذكور، وألف في الرياضيات والفلسفة كما حقق عددًا من المصادر. ومن أشهر مؤلفاته ما كتبه عن ابن سينا (1900) والغزالي (1902) و(مفكرو الإسلام) في خمسة أجزاء (1921-19269. كما ترجم كتبًا عديدة أخرى.

(2) تراث الإسلام، (إشراف سير توماس أرنولد)، ص 563-565. وعن إنجازات المسلمين في ميدان الفلك والرياضيات والعلوم التطبيقية، انظر: المرجع نفسه، ص563-565، 569-571، 573-580، 582، 584-592.

روجيه جارودي

[ 1 ]

"افترى الاستعمار الإنكليزي والإسباني والفرنسي، بنتيجة الدور الذي قام به في أرض الإسلام خلال أكثر من قرن، افتراءً منهجيًا لإساءة سمعة إسهام الحضارة العربية"(1).

[ 2 ]

"يقول (أناتول فرانس) في (الحياة الجميلة) : سأل السيد (دوابوا) السيدة (نوزير) عن أشأم يوم في تاريخ فرنسة. ولكن السيدة (نوزير) لم تكن تعرف. فقال السيد (دوبوا) : أنه يوم معركة (بواتيه) عندما تراجع العلم العربي، والفن العربي، والحضارة العربية، سنة 732/ أمام همجية الفرنجة).."(2).

[ 3 ]

"إن ذاكرتي ستحتفظ دومًا بهذا النصّ الذي سبّب طردي من (تونس) سنة 1945 بذريعة الدعاوة المضادة لفرنسة! فقد كان من المحظور تأكيد أن الحضارة العربية كانت تسيطر إلى حدّ كبير على الحضارة الأوروبية حتى القرن الرابع عشر"(3).

[ 4 ]

"إننا نصطدم براي مبيّت استعماري قديم وجدت خلاصة كاريكاتورية عنه في كتاب كان متوافرًا في جميع مكتبات الجزائر سنة 1945 وعنوانه: (كتاب السياسة الإسلامية)، وهو أشبه شيء بكتاب صلاة كامل للمستعمرين ومما جاء فيها خاصة: (أن العلم العربي الذي بلي ومات ميتة لا رجعة لها إنما قام على اقتباسات من مؤلفات يونانيين اختارها يهود في العصر الوسيط!.."(4).

"يوضح الكاتب (بلاسكو إيبانز) في كتابه (في ظل الكاتدرائية) أن انتعاش إسبانية لم يأت من الشمال، حيث القبائل البربرية، بل من الجنوب مع العرب الغزاة.. لقد استولى العرب خلال سنتين على ما بذل الآخرون لاسترجاعه منهم سبعة قرون. إن ذلك لم يكن فتحًا يفرض ذاته بقوة السلاح، بل كان مجتمعًا جديدًا يمدّ من كل جانب جذوره القوية"(5).

[ 5 ]

"إنما يدين (الغرب) بعصر النهضة للـ(غزو) العربي الذي عرف كيف يخلق الشروط الفكرية اللازمة لتفتحه. وهذا الغزو قد جعل من الممكن، أولاً، ابنثاق الثقافات القديمة بدءً من الثقافة الهلينية.. بيد أن العرب لم يقتصروا على [ذلك] وإنما أسهموا إسهام إبداع ضخم في الثقافة العالمية.."(6).

______________________________________

(1) حوار الحضارات ، ص 96 .

(2) نفسه ، ص 98 .

(3) نفسه ، ص 99 .

(4) نفسه ، ص 101 .

(5) نفسه ، ص 102 – 103 .

(6) نفسه ، ص 103 .

إدوين كالفرلي

[ 1 ]

"لقد رأينا كيف أن الإسلام أمدّ أوروبا الجنوبية الغربية بالعلم والثقافة وكيف أن ترجمة القرآن إلى اللاتينية، ودراسة اللغة العربية مكنتا دول أوروبا الغربية من الوصول إلى المعرفة الدقيقة بالدين الإسلامي ولكن المسيحيين قد أخذوا عن المسلمين أمورًا كثيرة أخرى.. فقد كانت الثقافة الإسلامية والعربية الغذاء الأول للعلماء المسيحيين في القرون الوسطى.. ولم يمضِ حين قليل [على حركة الترجمة] حتى ظهر علماء وأساتذة مسلمون تمثلوا الثقافة الإغريقية وجعلوها جزءًا لا ينفصل من ثقافة المسلمين وحضارتهم. وقد نقل كل ذلك فيما بعد إلى الغرب. ومما يعنينا في هذا الصدد عناية خاصة أن نذكر أن المسلمين قد هضموا العلم والفلسفة الهيلينية ثم حوروا فيهما ليلائموا بين معرفتهم الجديدة وبين روح العقيدة القرآنية.."(1).

[ 2 ]

"أخذ المسلمون [عقيدتهم] معهم حيثما استقر بهم غزواتهم. وفي البلاد الجديدة التي استوطنوها علموا ما اكتسبوا من معارف وعلوم انتقلت فيما بعد إلى أوروبا الغربية وسواها من أقطار الأرض وكانت النتيجة أن أصبح علم العرب والإسلام لباب الثقافة في أوروبا.."(2).

[ 3 ]

".. من الطبيعي أن يحاول بعض علماء المسيحية اليوم، أن يقلل من أهمية تأثير التفكير الفلسفي الديني الإسلامي في علم اللاهوت المسيحي. والحق أن محاولتهم هذه هي في ذاتها دليل على وجود هذا التأثير وعلى أهمّيته"(3).

______________________________________

(1) الشرق الأدنى: مجتمعه وثقافته (بإشراف كويلر يونغ)، ص 174 – 175 .

(2) نفسه ، ص 175 – 176 .

(3) نفسه ، ص 176 .

كلود كاهن

[ 1 ]

"أما الحضارة الجديدة التي انبثقت عن هذه الفتوح [الإسلامية] فقد كانت من أزهى الحضارات، فهي قد أفادت الغرب من علومها وفي شتى الميادين، بعد أن حضنت النصيب الأكبر من التراث القديم وأمدته بالحياة. ثم امتزج التاريخ الإسلامي منذ ثلاثة عشر قرنًا بالتاريخ الغربي امتزاجًا مستمرًا سواء في الحرب أم في السلم، ونهلت الحضارتان من معين واحد. ولئن تطورتا فيما بعد وتباعدتا تباعدًا عميقًا، فلا بد أن تعيننا الموازنة بينهما على الوصول إلى تفاهم أفضل. ولا يسع المرء في القرن العشرين أن يبقى بمعزل عن أي أسرة من الأسر التي يتألف منها المجتمع الإنساني.. لهذه الأسباب جميعًا كان خليقًا بتاريخ العالم الإسلامي أن يشغل مكانة مرموقة في ثقافتنا الغربية. وكان حقيقًا بنا أن نطرح جانبًا تلك الفكرة الخاطئة التي تجعل الحضارة ملكًا لبعض الشعوب وبعض الأقاليم المنفردة بمثل هذا الامتياز، حتى ندرك أن ابن سينا المولود في آسيا الصغرى قد وجد قبل القديس توما المولود في إيطاليا، وأن مساجد دمشق وقرطبة قد أنشئت قبل كاتدرائيات فرنسا وألمانيا. وبالتالي لا مناص لنا من التخلي عن هذا الازدراء الذي نبديه للشعوب الإسلامية المعاصرة لنا بحكم تضاؤل شخصيتها تضاؤلاً قد يكون عابرًا أمام قارة أوروبية استطاعت أن تخطو خطوات حثيثة في مضمار الثقافة والسلطان.."(1).

[ 2 ]

"كان العرب، بطبيعة الحال، ينظرون فيما يترجمون، بل كانوا يترجمون بغية النظر في هذه الكتب.."(2).

[ 3 ]

"تقوم الأهمية التاريخية للعلوم العربية على احتضانها التراث القديم، مما أتاح للغرب أن يتقبل هذا التراث بدوره وفي عهد لاحق. لكنه من الحيف أن نقصر هذه الأهمية على مجرد دور الوسيط السلبي. ولعلنا لا نشاهد مطلقًا في التاريخ مثل ذلك الحماس الفكري الذي نشاهده عند العرب، ولم تتجمع قط المعلومات المتوفرة لأمة من الأمم بمثل ذلك الاتساع. فقد أضافوا إلى العلم الإغريقي كل ما أسهمت فيه المدنيات الشرقية الأخرى. وتيسر عرض ذلك في لغة ذات حضارة واحدة. وإن صحّ أنهم انطلقوا من النصوص القديمة، فإنهم قاموا بمقارنة هذه النصوص وانتقادها وضبطها، ولابد من أن ينجم عن ذلك كله تقدم على أقل تقدير في بعض الميادين. وإذا كان علماء المسلمين – رغم نزعتهم الفكرية – أقل قوة في التجريد من اليونان، لكنهم عوّضوا عن ذلك بميلهم الشديد إلى التجربة. ولقد بين التقدم العلمي اللاحق أهمية هذا الميل. فالعلم الذي خلفه العرب هو علم مارسوه في حياتهم اليومية، ولهذا السبب ظل على قيد الحياة وقدّر له البقاء. وكان الرازي (وهو أحد كبار العلماء) قد عبر تعبيرًا واضحًا جدًا عن إمكانية استمرار التقدم العلمي، وذلك مبدأ غريب على معظم مفكري العصر الوسيط الذين نأوا بعبء الحكمة القديمة"(3).

[ 4 ]

".. لا بدّ لنا من القول بأن المؤلفات [العربية]، رغم ما نلحظ فيها من تكرار، تشهد على حيوية فكرية بالغة. وهي إذا قورنت بالمؤلفات الأوروبية الصادرة بعد العهد (الكارولنجي)، أو بالآثار التي وضعت إبان النهضة البيزنطية، أثارت في نفوسنا الدهشة والإعجاب"(4).

[ 5 ]

"لا يسع المؤرخ أن ينفض يده من حضارة في حال انحطاطها دون أن تعتريه عاطفة من الكآبة التي لا تتنافى مع الموضوعية. فقد كانت هذه الحضارة مدة طويلة من الزمن ورغم اضطراباتها ونقاط الضعف فيها، إنجازًا رائعًا من منجزات الإنسان، وفترة حاسمة من وجوده.. إن الحضارات جميعًا عرضة للفناء. ذلك أمرٌ لا ريب فيه. لكنها تنهض دليلاً على أن الشعوب التي أوجدت هذه الحضارات قادرة على إبداع غيرها أو بعثها من جديد. ومهما يكن من أمر، فإن الغرب لا يسعه أن يتجاهل بأنه أخذ العلم والتفكير عن ابن سينا وابن رشد، وأنه لولا مسجد قرطبة لما شيدت كاتدرائية (بوي) بالذات في قلب فرنسا على النحو الذي شيدت به"(5).

______________________________________

(1) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 6 .

(2) نفسه .

(3) نفسه ، 1 / 329 – 330 .

(4) نفسه ، 1 / 336 .

(5) نفسه ، 1 / 405 – 406 .

هاملتون كب

[ 1 ]

"ظهرت للإسلام ملامح مختلفة في مختلف الأزمنة والأمكنة بتأثير العوامل المحلية الجغرافية والاجتماعية والسياسية فيه، وبقوة استجابته لها. ولنمثل على ذلك بما تم في الغرب. أعني في شمال غربي أفريقيا وفي إسبانيا أثناء العصور الوسطى. ففي تلك المناطق اتخذ الإسلام لنفسه خصائص فارقة على الرغم من الصلة الوثيقة بين تلك المناطق وقلب العالم الإسلامي في غرب آسيا، وعلى الرغم من أن الثقافة فيها كانت فرعًا من الثقافة السائدة في قلب العالم الإسلامي. وكان لبعض تلك الخصائص الفارقة أثرها في الإسلام نفسه في غربي آسيا. ومثل هذا نفسه تم أيضًا في مناطق أخرى جغرافية واسعة قليلة الاتصال بغيرها كشبه القارة الهندية وإندونيسيا وأراضي السهوب الممتدة في جنوبي روسيا إلى تخوم الصين. ففي تلك المناطق أنتجت العوامل المشابهة أشكالاً وصورًا مميزة فارقة. على أن هذه المناطق تحتفظ مجتمعة ومنفردة، بطابع إسلامي معين مشترك يمكن تبيّنه بسهولة"(1).

[ 2 ]

".. أن العرب والمسلمين بصورة عامة اضطروا إلى الحذر من المفاهيم العامة الشاملة المجردة مثل مفهوم (قانون الطبيعة) أو (العدالة) المثالي وقد اتهموا هذه المفاهيم (وهم في ذلك على صواب) بأنها مستمدة من (الفلسفة الازدواجية) أو من (المادية) التي ترتكز على طرائق مغلوطة في التفكير لا ينتج عنها سوى قليل من الخير وكثير من الشر.. وعلى الرغم من أن أنصار المدرسة الإسلامية اعتبروا بعض العلوم مساعدة مفيدة، كالمنطق والرياضيات، وتبنوا بهذا المقدار طريقة التفكير (العلمي) وشجعوه، فإنهم تمسكوا بإعطائها دورًا ثانويًا. وإذا أتيح لي أن أستطرد في القول فإني أقول بأن تمركز التفكير العربي حول الأحداث الفردية حمل العلماء المسلمين إلى توسيع الطريقة التجريبية العلمية إلى أبعد مما فعل أسلافهم اليونان وعلماء الإسكندرية.. وأعتقد أن الجميع متفقون بصورة عامة على الاعتراف بأن الملحوظات التفصيلية للباحثين المسلمين أسهمت ماديًا في تقدم المعرفة العلمية، وأنهم أصحاب الفضل في إدخال أو إعادة اعتبار الطريقة التجريبية في أوروبا خلال القرون الوسطى.."(2).

_______________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 3 – 4 .

(2) الاتجاهات الحديثة في الإسلام، ص 34-35، وعن إنجازات المسلمين في ميدان الآداب انظر: تراث الإسلام (إشراف سير توماس ارنولد)، ص 261-266، 269-297، 300-302.

جي. ج. كرامرز

[ 1 ]

".. أن اكتشاف النقود الإسلامية في بقعة عظيمة الرقعة [من آسيا وأوروبا] ينهض دليلاً على مدى انتشار الثقافة الإسلامية، ويقوم برهانًا على أن المسلمين كانوا يستبضعون مختلف السلع من الشعوب الشمالية الغربية.."(1).

[ 2 ]

".. أن الغنم الثقافي الذي نالته أوروبا من العالم الإسلامي في صعيدي الجغرافية والتجارة لم يكن ثمرة ساعة واحدة. إنما قام على العلاقات المتبادلة التي ظلت متواصلة منذ مطلع القرن الحادي عشر [الميلادي] حتى الآن، فوصلت إلى ذروة مجدها أثناء حكم المغول في القرن الثالث عشر. كذلك يجب أن نضع نصب أعيننا حقيقة واحدة وهي أن الحضارة الإسلامية بنموها وازدهارها عن طريق الدول التي أعقبتها في الحكم كتركيا وإيران وشعوب الهند المسلمة وسكان جزر الهند الشرقية المسلمين، جعلت كثيرًا من الآراء والعادات الإسلامية معروفة مطبقة في البلاد الأوروبية. ولكن لم يبد من فترة تاريخية تفوق ساحق عظيم للشعوب الإسلامية على العالم المسيحي كفترة القرن العاشر، أعني عندما وصل الإسلام إلى أوج السؤدد والتقدم، وعندما كانت أوروبا المسيحية في ركود وظلام حالك"(2).

______________________________________

(1) تراث الإسلام، (إشراف سير توماس ارنولد)، ص 156 .

(2) نفسه ، ص 164. وعن إنجازات المسلمين في ميدان الجغرافية والتجارة، انظر: المرجع نفسه، ص 105-106، 130-131، 142-143، 146-148، 152-153، 157-158، 161-164.

كوستاف فون كرونباوم

[ 1 ]

"كانت الحضارة التي جاء بها العرب الفاتحون من جزيرة العرب هي في حدّ ذاتها نتيجة الاندماج الأولى بين عناصر الثقافة المحلية للعرب وعناصر مستمدة من التقاليد اليهودية والمسيحية والتقاليد الهلينية.. وبين رسالة الإسلام التي كانت عنصرًا آخر وعاملاً من عوامل تبلور الحضارة الجديدة. وهذا التكامل الإسلامي الأول هو الذي فرض نفسه على نسبة كبيرة نوعًا ما من الشعوب المغلوبة في الوقت الذي كان يجري فيه كفاح شديد بينها وبين الحضارات القديمة المتأصلة في تلك البلاد. وكانت نتيجة هذه الخصومة والتنازع أن خرجت إمكانيات الإسلام الفلسفية والعملية إلى حيّز الفعل"(1).

[ 2 ]

"التفكير الإداري والسياسي من فارس، والطرائق الهلنستية في التفلسف والعلم، والطب والرياضيات من الهند، كل ذلك قد تمثله [المسلمون] واستوعبوه بغير عناء. وأن التعريب اللغوي لكل ما اقتبسوه من هذه الأمور ساعد على تمثلها. وحينما توضح وجهة النظر الأجنبية في داخل إطار إسلامي وبتعابير إسلامية يكون الإحساس بها إسلاميًا صادقًا، ومن جهة أخرى فإن التوضيح التدريجي بحقائق الدين الأولى ولما تشتمل عليه من ملابسات ثقافية، أخذ يساعد على توسيع الأساس الذي يقوم عليه التبادل بين الحضارات. وهكذا نجد أن ازدهار الحضارة العباسية بين 760-840م إنما يمثل امتزاجًا ثانيًا للحضارة الإسلامية، وقد فسحوا المجال فيها للتقاليد (المحلية) التي استمدوا جزءًا منها من الكتب، إلا أن معظمها دخل في التركيب الجديد على سبيل حقائق التعايش الفعلي"(2).

[ 3 ]

"إن ثقافة الإسلام العامة تملك تحت تصرفها وسائل متعددة تساعد على التوفيق بين الثقافات المحلية. ومن هذه الوسائل التي يتميز بها الإسلام في الأخص الإجماع. فهذا الإجماع الذي هو عنصر في Consensus Prudentium له سلطة الفصل في شرعية أي عمل أو عقيدة أخذتها الجماعة.."(3).

______________________________________

(1) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية، ( تحرير كرونباوم)، ص 38 .

(2) نفسه ، ص 38 – 39 .

(3) نفسه ، ص 53 .

جوليفيه كستلو

[ 1 ]

"كان التقدم العربي بعد وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم] عظيمًا، جرى على أسرع ما يكون، وكان الزمان مستعدًا لانتشار الإسلام فنشأت المدنية الإسلامية نشأة باهرة، قامت في كل مكان مع الفتوحات بذكاء غريب ظهر أثره في الفنون والآداب والشعر والعلوم. وقبض العرب بأيديهم، خلال عدة قرون، على مشعل النور العقلي، وتمثلوا جميع المعارف البشرية.. فأصبحوا سادة الفكر، مبدعين ومخترعين، ولا بالمعنى المعروف، بل بما أحرزوه من أساليب العلم التي استخدموها بقريحة وقادة للغاية. وكانت المدنية العربية قصيرة العمر، إلا أنها باهرة الأثر، وليس لنا إلا إبداء الأسف على اضمحلالها"(1).

[ 2 ]

".. أن أوروبا لمدينة للحضارة العربية بما كتب لها من ارتقاء، من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، وعنها أخذت الفكرة الفلسفية العلمية التي سرت إليها سريانا بطيئًا ناقصًا في القرون الوسطى، وإن أوروبا لتتجلى لنا منحطة جاهلة أمام المدنية العربية وأمام العلم العربي والآداب والفنون العربية. وأوروبا تدين بالهواء النافع الذي تمتعت به في تلك العصور للأفكار العربية، وقد انقضت أربعة قرون ولا حضارة فيها غير الحضارة العربية وعلماؤها هم حملة لوائها الخفاق"(2).

[ 3 ]

".. أن تبادل الأفكار بين الشرق والغرب قد نتج من الاحتكاك بين عرب إسبانيا والأوروبيين.. وأن أوروبا مدينة كثيرًا للحضارة العربية والتركية أكثر مما تدين الحضارة العربية للحضارة المنحطة في الغرب بين القرن الحادي عشر والثالث عشر"(3).

______________________________________

(1) قانون التاريخ ، ( عن محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية ، 1 / 56 ).

(2) نفسه ، 2 / 544 .

(3) نفسه ، 2 / 555 .

ايفلين كوبولد

[ 1 ]

".. ليس من يجهل خدمات العرب للعلم والمعرفة في أيام حضارتهم وعزّهم وكيف أنهم أنشأوا المدارس وعنوا بالمستشفيات، وعززوا المعارف وأجازوا أهل العلم والعرفان، وعملوا على نشر الكتب وترجمة المؤلفات في كل الأقطار التي امتدت حضارتهم إليها واستقام حكمهم فيها حتى أصبحت بغداد في عصرها الزاهر مدينة العلم والفلسفة، وأوروبا لا تزال حتى يومنا هذا مدينة للإسلام بهذه الشعلة العلمية التي حملها العرب في أيام حضارتهم وحافظوا عليها كل المحافظة حتى أخذتها أوروبا منهم"(1).

[ 2 ]

".. جاء العرب إلى أوروبا ومعهم شعلة العلم في ذلك الزمان الماضي، وهو ما يحملنا أن نبكي مصرع الأندلس لأن مصرعها كان ضربة على الحضارة الحديثة والعمران القديم"(2).

[ 3 ]

".. أصيب العالم والحضارة من سقوط العرب وانهيار سلطانهم بخسارة لا تعوض"(3).

[ 4 ]

".. (اطلبوا العلم ولو في الصين) هذه كلمة النبي العربي [صلى الله عليه وسلم] إلى المؤمنين، أوجب عليهم فيها طلب العلم من أقصى الأرض إلى أقصاها وهي كلمة ألقاها وأمر بها منذ مئات السنين.. ولكن العلم الأوروبي لم يتفهم خطورتها ولا اتبعها حتى القرن الثالث عشر وبعد سبعة قرون من صدورها"(4).

[ 5 ]

".. أن الإسلام كان يقف شعلة للمعرفة والعلوم.. ولقد عرف كلومبوس في جامعات إسبانيا الإسلامية أن الأرض مدورة.. وكانت هذه الجامعات ترحب بطلاب المعرفة من اليهود والنصارى.. الذين انتظموا فيها ونالوا شهاداتها وتلقوا معارفها.."(5).

______________________________________

(1) البحث عن الله ، ص 50 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) نفسه ، ص 51 – 52 .

(4) نفسه ، ص 91 .

(5) نفسه ، ص 92 .

عبد الله كويليام

[ 1 ]

"أضاء نور [الحضارة الإسلامية] على العالم من سماء بغداد ومن قرطبة. إذ من المعلوم أنه في ذلك العهد الذي بلغت فيه [تلك] الحضارة إلى الغاية التي لا تدرك كانت أوروبا في دياجي الجهالة وكان الرهبان يرحلون لأخذ العلم بالبلاد الأندلسية.. وبالجملة فديانة الرجل الذي يقول (اطلب العلم ولو في الصين) تحرص على السعي.. لا على السكون.."(1).

[ 2 ]

"هاهي الحوادث والأحوال قد برهنت على ما للقرآن أمام أعين الذين يفقهونه من صفات القابلية للعلم والترقي والحضارة حيث قامت في العالم الإسلامي حضارات فاخرة باهرة مثل حضارة بغداد وتمدن قرطبة الذي فات بكثير ما كان يعاصره من تمدن الغرب إن صحّ أن لا نسمّي ما كانت عليه حالة الغرب وقتئذ بالهمجية. وحينذاك لم يهدم المسلمون آثار اليونان العلمية بحريق مكتبة الإسكندرية الموهوم، بل هم نقلوا إلى لغتهم آثار أرسطو التي عادت بأحسن الفوائد على مدارسنا الغربية في القرون الوسطى التي لم تصلنا إلا بواسطة المسلمين وعن أيديهم فضلاً عن أن علماء العرب كانوا أساتذتنا في سائر أنواع المعارف من الجبر (والاسم نفسه يرشد لذلك) إلى الطب، حتى إن أحد أعاظم باباواتنا (سلفستر) رحل إلى الأندلس فحصل فيها من العلوم والمعارف ما أدهش وبهر سائر معاصريه"(2).

_______________________________________

(1) العقيدة الإسلامية، ص 40 ، عن (لوازون في خطبة ألقاها بتونس ونشرت بجريدة الحاضرة التي تصدر في تونس بتاريخ 3 ديسمبر سنة 1895).

(2) نفسه ، ص 62 – 63 .

روم لاندو

[ 1 ]

".. على الرغم من أن أثر الشرق الأدنى اليومي بعيد المدى إلى حد بالغ، فالواقع أن الإسلام على العموم، والحضارة الإسلامية (أو العربية) على الخصوص، يتمتعان بأهمية أعظم بكثير. أن الحضارة الغربية – ابتداءً من الفلسفة والرياضيات إلى الطب والزراعة – مدينة لتلك الحضارة بشيء كثير إلى درجة نعجز معها عن فهم الأولى (الغربية) إذا لم تتمّ لنا معرفة ما بالأخرى (الإسلامية أو العربية)"(1).

[ 2 ]

"بينما كانت سائر بلدان أوروبا تتمرغ في القذر والحطة نعمت إسبانيا بمدن نظيفة منظمة ذات شوارع معبدة ومضاءة. وكان في ميسور قرطبة وحدها أن تعتز بنصف مليون من السكان، وسبعمائة مسجد، وثلاثمائة حمام عمومي، وسبعين مكتبة عامة، وعدد كبير من دكاكين الورّاقين (المكتبات التجارية)"(2).

[ 3 ]

"حين نتذكر كم كان العرب بدائيين في جاهليتهم يصبح مدى التقدم الثقافي الذي أحرزوه خلال مئتي سنة انقضت على وفاة الرسول [صلى الله عليه وسلم] ليس غير، وعمق ذلك التقدم، أمرًا يدعو إلى الذهول حقًا. ذلك بأن علينا أن نتذكر أيضًا أن النصرانية احتاجت إلى نحو من ألف وخمسمائة سنة لكي تنشئ ما يمكن أن يدعى حضارة (مسيحية)، فما هي إذن الدوافع الرئيسية إلى منجزات العرب العلمية؟ إن في استطاعتنا أن نلخص هذه الدوافع فيما يلي: رغبة متقدة في اكتساب فهم أعمق للعالم كما خلقه الله، قبول للعالم المادي، لا بوصفه دون العالم الروحي شأنًا ومقامًا، ولكن بوصفه صنوًا له في الصحة والرسوخ؛ واقعية قوية تعكس في صدق وإخلاص طبيعة العقل العربي اللاعاطفي، وأخيرًا فضولهم النهم الذي لا يعرف الشبع. كان كل ما في الوجود صادرًا عن الله، ابتداء من الاستغراق في العبودية لله إلى حنان الأم وحبها، إلى انطلاق السهم والطاعون الذي يقضي على بلاد برمتها وقرصة البعوضة. إن كلاً من هذه ليكشف عن قدرة الله، ومن هنا فهو جدير بالتأمل والدرس. ففي الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة. لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني"(3).

[ 4 ]

"منذ عصر النهضة انفصل العلم في الغرب، انفصالاً أشد وضوحًا عن الدين، أو بتعبير آخر، تابع العلم سبيله غير ملتفت إلا قليلاً إلى مطالب الأخلاق وعلم الأخلاق. ففيما كان الإنسان في الغرب يكتسب معرفة متنامية أبدًا بالكون الطبيعي وسيطرة متعاظمة عليه كان تقدمه الأخلاقي يتخلف متلكئًا. وبتحرير العلم في القرون الوسطى من سلطان الكنيسة، لم يفصل الغرب العلم عن العقائد الدينية فحسب بل فصله عن مفاهيم الإيمان والقيود الأخلاقية الملازمة لها أيضًا. أما العلم الإسلامي فلم ينفصل عن الدين قط. والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية)، ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها. ومن هنا فليس عجيبًا أن يكون العلم الإسلامي لم يجرّد في أيما يوم من الأيام من الصفات الإنسانية – كما حدث في الغرب – ولكنه كان دائمًا في خدمة الإنسان. وبينا أكره العلم الغربي في عهد مبكر نسبيًا على اتخاذ سبيل التخصص، بحيث أمسى كل فرع من فروعه يعمل – كثيرًا أو قليلاً – في عزلة، ظل العلم الإسلامي شموليًا، يجهد من أجل الوحدة، وهي وحدة يلعب فيها كل من الكون المادي والله والإنسان دوره الحاسم"(4).

[ 5 ]

".. والحقيقة التاريخية التي لا ريب فيها هي أن المسلمين وفقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين وحقائقه، وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح، لا عامل تعويق وإحباط.."(5).

______________________________________

(1) الإسلام والعرب ، ص 9 .

(2) نفسه ، ص 177 .

(3) نفسه ، ص 246 .

(4) نفسه ، ص 280 – 281 .

(5) نفسه ، ص 281 .

وعن إنجازات المسلمين في ميادين العلوم الصرفة والتطبيقية والإنسانية، انظر: المرجع نفسه: الرياضيات، ص246-254، الكيمياء والفيزياء والأدوية والزراعة والميكانيك ص271-280، 333، الطب، ص258-269، الجغرافيا، ص 254-258، الفلسفة، ص144، 213-218، 223، 227، 230-232، 236، 238، الفن واللغة والأدب، ص289-291، 297-298، 302، 307-309، 315-318، 322-332، 336-340.

كوستاف لوبون

[ 1 ]

"كلما أمعنا في درس حضارة العرب وكتبهم العلمية واختراعاتهم وفنونهم ظهرت لنا حقائق جديدة وآفاق واسعة، ولسرعان ما رأينا أن العرب أصحاب الفضل في معرفة القرون الوسطى لعلوم الأقدمين، وأن جامعات الغرب لم تعرف لها، مدة خمسة قرون، موردًا علميًا سوى مؤلفاتهم، وأنهم هم الذين مدّنوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقًا، وأن التاريخ لم يعرف أمة أنتجت ما أنتجوه في وقت قصير، وأنه لم يفقهم قوم في الابتداع الفني"(1).

[ 2 ]

"تأثير العرب عظيم في الغرب، وهو في الشرق أشد وأقوى، ولم يتفق لأمة ما اتفق للعرب من النفوذ، والأمم التي كانت لها سيادة في العالم، كالآشوريين والفرس والمصريين واليونان والرومان، توارت تحت أعفار الدهر ولم تترك لنا غير أطلال دارسة، وعادت أديانها ولغاتها وفنونها لا تكون سوى ذكريات. والعرب، وإن تواروا أيضًا، لم تزل عناصر حضارتهم، وإن شئت فقل ديانتهم ولغتهم وفنونهم، حية.."(2).

[ 3 ]

"وسّعت دائرة التعليم العام، واستدعي الأساتذة من مختلف أقطار العالم، وبلغ علم الفلك درجة رفيعة من التقدم، وانتهى إلى نتائج لم ينته إليه الأوروبيون إلا في العصر الحاضر.. ونقلت إلى العربية كتب علماء اليونان واللاتين وصارت تدرس في جميع المدارس، وبحث العرب في آثار القدماء فسبقوا الأوروبيين إلى ذلك ببضعة قرون. وأقدم العرب على تلك المباحث، التي لم يكن لهم عهد بها، بشوق: ونشاط، وأكثروا من إنشاء المكتبات العامة والمدارس والمختبرات في كل مكان، وكانت لهم اكتشافات مهمة في أكثر العلوم.."(3).

[ 4 ]

"كلما تقدمنا في الكتاب بدا لنا، بوضوح، أمران جوهريان.. وهما: أن العرب استطاعوا أن يبدعوا حضارة جديدة مستعينين بما استعاروا من الفرس واليونان والرومان، وأن حضارة العرب كان لها من المناعة ما استطاعت أن تهيمن به على البرابرة الذين حاولوا هدمها. وقد ظهر لنا أن جميع أمم الشرق الكثيرة.. أعانت بلا استثناء على نشر نفوذ العرب، وأن أممًا قديمة قدم العالم، كالمصريين والهنود، اعتنقت ما جاءها به العرب أو ورثتهم من الحضارة والدين واللغة"(4).

[ 5 ]

"لنفرض جدلاً أن النصارى عجزوا عن دحر العرب [في جنوب فرنسا] فماذا كان يصيب أوروبا؟ كان يصيب أوروبة النصرانية المتبربرة مثل ما أصاب إسبانية من الحضارة الزاهرة تحت راية النبي العربي [صلى الله عليه وسلم]، وكان لا يحدث في أوروبة التي تكون قد هذبت ما حدث فيها من الكبائر كالحروب الدينية ومظالم محاكم التفتيش، وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرّجت أوروبة بالدماء عدة قرون. ويجب أن يكون المرء جاهلاً تاريخ حضارة العرب جهلاً مطبقًا ليوافق على ما زعمه المؤرخ [هنري مارتن في كتابه عن (تاريخ فرنسة الشعبي)] من (أن أوروبة والدنيا كانت تخسران مستقبلهما). فمزاعم مثل هذه ليست مما يقف أمام سلطان النقد عندما يُعلم أن التمدن اللامع حلّ بالبلاد التي خضعت لأتباع الرسول [صلى الله عليه وسلم] محل الهمجية، وأن النشاط الذي يحفز الإنسان إلى التقدم لم يكن قويًا في أمة مثل قوته في العرب"(5).

______________________________________

(1) حضارة العرب ، ص 26 .

(2) نفسه ، ص 26 – 27 .

(3) نفسه ، ص 173 .

(4) نفسه ، ص 27 .

(5) نفسه ، ص 180 .

لين. بول(1)

[ 1 ]

".. لم يحدث في تاريخ المدنية حركة أكثر روعة من ذلك الشغف الفجائي بالثقافة الذي حدث في جميع أنحاء العالم الإسلامي. فكان كل مسلم، من الخليفة إلى الصانع، يبدو كأنما قد اعتراه فجأة شوق إلى العلم وظمأ إلى السفر وكان ذلك خير ما قدّمه الإسلام من جميع الجهات. وكان تهافت طلاب العلم على مركز مثل بغداد، ومن بعدها على المراكز الأخرى التي كانت مهدًا للآداب والعلوم، شبيهًا بذلك التيار الحديث من العلماء الأوروبيين الذين كانت تموج بهم الجامعات بحثًا وراء العلم الجديد بل لقد كان أكثر منه روعة!"(2).

[ 2 ]

"أما المساجد، وهي التي كانت – ومازال بعضها – جامعات الإسلام، فإنها عجّت بالطلبة الذين ملأتهم الرغبة في العلم وقد جاءوا للاستماع إلى محاضرات العلماء في علوم الدين والشريعة والفلسفة والطب والرياضة. وقد جاء العلماء أنفسهم من جميع أرجاء العالم الذي كان يتكلم باللغة العربية.. وكان يرحب بكل طالب مهما كانت جنسيّته.."(3).

[ 3 ]

".. كان كل ما عرفته أوروبا في العصور الوسطى من فلسفة إغريقية ومن علوم رياضية وكيمياء وفلك وطب مأخوذًا في الأصل من المؤلفات والرسائل العربية المترجمة إلى اللغة اللاتينية وقد احتفظت هذه المؤلفات بمكانتها في المدارس الأوروبية حتى القرن السادس عشر بل والسابع عشر كذلك"(4).

[ 4 ]

"إن القوة الموحدة للغة واحدة وديانة واحدة قد جعلت من الممكن أن يحفظ العصر الذهبي لثقافة العرب تراث الإغريق والرومان وينقله إلى العالم الحديث. إن اللغة العربية أدبها الهائل الخالد، إلا أن فضلها الكبير على العالم يتركز فيما قدمته له من خدمة جليلة في حفظ الحضارة العظيمة القديمة ونشرها في وقتٍ كانت فيه أوروبا تتخبط في ظلمات الجهل والأمية. إن سحر اللغة العربية وحماسة طلابها هما اللذان مهدا الطريق لحركة إحياء العلوم"(5).

______________________________________

(1) د. ستانلي لين – بول (1832-1895) Stanley Lane - Pool

أستاذ اللغة العربية في كلية ترينتي بدبلن (1898-1904). عالم في الآثار المصرية. عين سنة 1877 حافظًا للنقود في المتحف البريطاني حتى وفاته.

من آثاره: (فهرس النقود الشرقية في المتحف البريطاني) (1875-1890) في عشرة أجزاء، (الخلافة في الشرق)، (الأسر الصغيرة الحاكمة في الشرق)، (المغول)، (العثمانيون)، (صلاح الدين وسقوط مملكة القدس)... إلخ.

(2) تاريخ العالم (نشره السير جون. أ. هامرتن) المجلد 4 ، ص 607 .

(3) نفسه ، 4 / 607 – 608 .

(4) نفسه ، 4 / 608 – 609 .

(5) نفسه ، 4 / 618 .

مايرهوف(1)

[ 1 ]

".. كانت حرية التعليم مكفولة مؤمنة للجميع في معاهد بغداد ومساجدها.. وكان لكل مسجد كبير وما يزال، مكتبته الخاصة لا في المواضيع الدينية وحدها بل في الأبحاث الفلسفية والعلمية أيضًا.. وكان الحج إلى مكة المكرمة فريضة على كل مسلم مما ساعد على انتشار العلم، إذ لا مفرّ للتلاميذ القادمين من الهند وإسبانيا وآسيا الصغرى وأفريقية من المرور ببلاد مختلفة فتتاح لهم زيارة المسجد والمعاهد العلمية والاتصال بمشاهير العلماء.. وكانت الطريقة العملية في التدريس آنذاك شبيهة بالطريقة المتبعة اليوم.."(2).

[ 2 ]

".. أن عظمة العلم الإسلامي تتجلى في ميدان البصريات. ها هنا نكشف مقدرة (ابن الهيثم وكمال الدين) الرياضية ضياء (بطليموس وإقليدس). أن هذا النوع من العلوم مدين للمسلمين بتقدم حقيق باقٍ مقرون إلى اسمهم على مر الدهور"(3).

[ 3 ]

".. في عام 1085م سقطت طليطلة أعظم مركز للثقافة الإسلامية في الغرب بأيدي الإسبان المسيحيين وصار تلاميذ اللاتين يفدون إلى العاصمة الجديدة ليظهروا إعجابهم بما يرون من بقايا حضارة المغرب ولكي يدرسوا الفنون العربية.."(4).

[ 4 ]

".. ثمة تراجم عديدة [عن العربي] استخدمت بصورة واسعة في التدريس الجامعي على الأخص في فرنسا وشمالي إيطاليا. بهذا الطريق انتقلت مئات من تراجم التراث العربي – الإغريقي العلمي إلى تربة أوروبا المجدبة وكانت النتيجة زخات من المطر الوابل أحيا تلك الأرض الموات.."(5).

[ 5 ]

".. كانت العلوم الإسلامية وهي في أوج عظمتها تضيء كما يضيء القمر فتبدّد غياهب الظلام الذي كان يلف أوروبا في القرون الوسطى.. ولما كان لتلك العلوم سهمها الأوفى في توجيه عهد (إحياء العلوم) وحث خطواته، فعلينا أن نقرّ مذعنين بأن التراث العربي الإسلامي مازال يعيش في علومنا حتى الآن"(6).

______________________________________

(1) د. ماكس مايروهوف Dr. Max Meyerhof

مستشرق ألماني وكحال شهير، مارس طبه في مصر زهاء ربع قرن، ثم ألم بجانب مهم من اللغات، واطلع خلال إقامته الطويلة في الشرق على كنوز المخطوطات، ونشر وأحيا عددًا من المصادر العربية، هذا علاوة على العديد من الرسائل بالفرنسية والإنكليزية في مواضيع تاريخ الطب العربي نشرها في مختلف المجلات العلمية المشهورة.

(2) تراث الإسلام، (إشراف سير توماس ارنولد)، ص 458، 482 – 483 .

(3) نفسه ، ص 494 .

(4) نفسه ، ص 496 .

(5) نفسه ، ص 502 .

(6) نفسه ، ص 506 .

جواهر لال نهرو

[ 1 ]

"إننا لنجد أن الأسلوب العلمي لم يكن مطبقًا في بلدان العالم القديم مثل مصر والصين والهند، ونجد القليل منه في اليونان، ولا نجده في روما. ولكن العرب امتازوا بهذه الروح العلمية الاستطلاعية مما يجعلهم يدعون بجدارة آباء العلم الحديث.. لقد بنى العرب على الأساس العلمي الذي استقوه من غيرهم أبحاثًا عظيمة وتوصلوا إلى اكتشافات عظيمة. لقد صنعوا أول مكبر، وصنعوا أول بوصلة، وكان أول أطبائهم وجراحيهم ذوي شهرة عالمية طبقت آفاق أوروبا. وكانت بغداد مركز لهذا الإشعاع الفكري. وكانت قرطبة عاصمة إسبانيا العربية مثيلة بغداد في دنيا الغرب. وكانت في العالم العربي مراكز علمية أخرى ازدهرت فيها العلوم، ومنها القاهرة والبصرة والكوفة. ولكن بغداد.. فاقت هذه المراكز جميعًا. وكان عدد سكانها يربو على مليون نسمة، أي أكثر بكثير من سكان كلكتا أو بومبي في يومنا هذا"(1).

[ 2 ]

"أن حكم العرب لأجزاء من إسبانيا مدة 700 سنة أمر يدعو إلى الإكبار، ويزيدنا إكبارًا لهم تلك المدنية الرفيعة والثقافة العربية الراقية التي وصفها أحد المؤرخين بقوله: (لقد نظم المغاربة مملكة قرطبة العظيمة التي كانت مفخرة العصور الوسطى والتي حملت نبارس العلوم والحضارة الزاهرة على العالم الغربي الذي كان مغمورًا في الجهل والوحشية). وكتب مؤرخ آخر يقول: (بينما كان معظم الناس في قرطبة يقرأون ويكتبون، كان أهل أوروبا المسيحيون في جهل مطبق اللهم إلا رجال الدين منهم، ولم ينج من هذا الجهل حتى أعلى الطبقات الأوروبية).. لقد طارت شهرتها في أرجاء الدنيا حتى سماها الكتاب الألمان بزينة الدنيا، وقد أم جامعتها الطلاب من جميع أنحاء الدنيا، وشعت منها الفلسفة العربية حتى وصلت جامعات أوروبا الكبرى كجامعة باريس وأكسفورد وشمال إيطاليا.."(2).

[ 3 ]

".. اكتسب الصليبيون [من عالم الإسلام] الفنون والصناعة والترف والعلوم وحب الاستطلاع العلمي. وهذه هي الأشياء عينها التي كان بطرس الناسك [داعية الحرب الصليبية] وأمثاله أبعد الناس عن احترامها وتقديرها"(3).

[ 4 ]

".. لنذكر أن صلاح الدين [الأيوبي] نفسه لم تشغله مهام الحرب عن إنشاء المعابد والكليات والمستشفيات وغيرها من مظاهر الرقي والمدنية. غير أن القدر يشاء أن تتعرض هذه الحياة السامية إلى جحافل المغول الزاحفين من الشرق"(4).

_______________________________________

(1) لمحات ، ص 35 .

(2) نفسه ، ص 45 – 46 .

(3) نفسه ، ص 54 .

(4) نفسه ، ص 54 .

يزغريد هونكه

[ 1 ]

".. يخيّل إليّ أن الوقت قد حان للتحدث عن شعب قد أثّر بقوة على مجرى الأحداث العالمية، ويدين له الغرب، كما تدين له الإنسانية كافة بالشيء الكثير. وعلى الرغم من ذلك فإن من يتصفح مائة كتاب تاريخي، لا يجد اسمًا لذلك الشعب في ثمانية وتسعين منها"(1).

[ 2 ]

"إن في لغتنا كلمات عربية عديدة، وإننا لندين – والتاريخ شاهد على ذلك – في كثير من أسباب الحياة الحاضرة للعرب. وكم أخذنا عنهم من حاجات وأشياء زينت حياتنا بزخرفة محببة إلى النفوس، وألقت أضواء باهرة جميلة على عالمنا الرتيب، الذي كان يومًا من الأيام قاتمًا كالحًا باهتًا وزركشته بالتوابل الطيبة النكهة، وطيّبته بالعبير العابق، وأحيانًا باللون الساحر، وزادته صحة وجمالاً وأناقة وروعة"(2).

[ 3 ]

"أن أرقام العرب وآلاتهم التي بلغوا بها حدًا قريبًا من الكمال وحسابهم وجبرهم وعلمهم في المثلثات الدائرية، وبصرياتهم الدقيقة، كل ذلك أفضال عربية على الغرب ارتقت بأوروبة إلى مكانة، مكنتها عن طريق اختراعاتها واكتشافاتها الخاصة، من أن تتزعم العالم في ميادين العلوم التطبيقية منذ ذلك التاريخ حتى أيامنا هذه"(3).

[ 4 ]

".. أن التأثير العربي في [أوروبا] ظل [حتى القرن التاسع عشر] وإن اختفى شكلاً، فتغلغل في أعماق الحياة الأوروبية، ورآه من يرغب في رؤيته، وأغفله من حجب بصره كره أرعن أو تعصب أعمى"(4).

______________________________________

(1) شمس العرب تسطع على الغرب، ص 10 .

(2) نفسه ، ص 20 .

(3) نفسه ، ص 163 .

(4) نفسه ، ص 334 .

مونتكومري وات

[ 1 ]

"درس الباحثون مختلف الطرق التي أثر العالم الإسلامي من خلالها على أوروبا في العصور الوسطى، وقد نشرت نتائج دراساتهم هذه في العديد من المقالات والكتب العلمية، إلا أنه من النادر أن نجد محاولة للنظر في التأثير الإسلامي هذا بصورة إجمالية ولتقييم أهمية أثره على أوروبا ومدى استجابة أوروبا له. لذلك فإن الغرض من هذه السلسلة من المحاضرات هو إعطاء نظرة شاملة لهذه التأثيرات ولردود الفعل عليها.. إن وجهة نظري ستختلف عن وجهة نظر المؤرخ الأوروبي، فأنا لا أفكر في المسلمين كأجانب غزوا أوروبا بل سأنظر إليهم باعتبارهم أصحاب حضارة ذات إنجازات عظيمة عمت بفضلها جزءًا كبيرًا من العالم وامتدت فوائدها إلى الأقاليم المجاورة.."(1).

[ 2 ]

"إنه لمن المناسب أن تصدر دراسة عن التأثيرات الإسلامية على أوروبا في هذا الوقت الذي يزداد فيه ترابط المسلمين والمسيحيين العرب مع الأوروبيين في هذا العالم الواحد. وقد لوحظ في وقت ما أن الكتاب المسيحيين في أوروبا خلال العصور الوسطى قد كونوا صورة مشوهة عن الإسلام من عدة جوانب إلا أنه بفضل محاولات الباحثين في القرن الماضي، بدأت تتكون صورة أكثر موضوعية في أذهان الغربيين إذ ليس لدينا نحن الأوربيين – على أية حال – القدرة على استيعاب فضل المسلمين على ثقافتنا، إذ أننا نقلّل أحيانًا من قيمة التأثيرات الإسلامية ومقدار أهميتها على تراثنا وأحيانًا نغض الطرف عنه كليًا. ومن أجل علاقات طيبة مع العرب والمسلمين علينا الاعتراف بكامل فضل المسلمين علينا، أما محاولاتنا إنكار ذلك فما هو إلا علامة من علامات الغرور الكاذب"(2).

[ 3 ]

"أن تشويه صورة الإسلام بين الأوروبيين كان ضروريًا لتعويضهم عن الشعور بالتّخلّف.."(3).

______________________________________

(1) تأثير الإسلام على أوروبا في العصور الوسطى ، ص 5 .

(2) نفسه ، ص 5 – 6 .

(3) نفسه ، ص 131 .

هـ. ج. ولز

[ 1 ]

".. كان الذهن العربي قبل محمد [صلى الله عليه وسلم] ببضعة أجيال متّقدًا بنار تسري تحت الرماد، فكان يخرج الشعر والشيء الكثير من الجدل الديني، وما لبث ذلك العقل.. حتى تأجّج في تألق لا يفوقه إلا ما كان للإغريق في أزهى عصورهم. فأحيا من جديد تأثر الإنسان للعلم. فلئن كان الإغريقي أبًا للطريقة العلمية، فقد كان العربي "شبينًا" لها وشريكًا له في أبوّتها. فمن العرب، وليس بوساطة الأرومة اللاتينية، تلقى العالم العصري تلك المنحة من النور والقوة"(1).

[ 2 ]

".. جاء من الصحراء العقل العربي الغفل، متوقّدًا مستطلعًا، فاستوعب كثيرًا ورفع قيمة ما تعلم بزيادته قدرًا وتحسينه نوعًا. تعلم كثيرًا واستوعب كثيرًا"(2).

[ 3 ]

"سبق العالم الإسلامي الغرب بقرن أو ما يقاربه، إذ نمت به سلسلة من الجامعات العظيمة، فأضاء نورها تلك الجامعات خارج العالم الإسلامي إلى مسافات بعيدة، واجتذب إليها الطلاب من الشرق والغرب.."(3).

[ 4 ]

".. لقد قذفت المقادير بالذكاء العربي في طول العالم وعرضه بصورة أسرع وأروع مما فعلت بالعقل اليوناني قبل ذلك بألف سنة خلت. لذا عظمت إلى أقصى حدّ الاستثارة الفكرية التي أحدثها وجودهم للعالم أجمع غربي بلاد الصين، كما اشتدّ تمزيق الأفكار القديمة وتطور أخرى جديدة.. وكان العلم يثب على قدميه وثبًا في كل موضع وطئته قدم الفاتح العربي.."(4).

[ 5 ]

".. عثر علماء [العرب من الكيميائيين] على مناهج العلم التجريبي الذي يوشك في خاتمة المطاف أن يمنح الإنسان سلطانًا لا حدّ له على العالم كله، بل وعلى مصائره هو نفسه"(5).

______________________________________

(1) معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 662 .

(2) نفسه ، 3 / 663 .

(3) نفسه ، 3 / 664 .

(4) نفسه ، ص 209 .

(5) موجز تاريخ العالم ، ص 206 .

كويلر يونغ

[ 1 ]

"كلمة (الإسلام) [ثقافيًا] تستعمل بالمعنى الواسع لتدل على تلك المدنية المتجانسة – رغم تنوعها – والتي وجهها وسيطر عليها الدين الإسلامي منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا.."(1).

[ 2 ]

".. عندما انتقلت عاصمة الإسلام إلى بغداد في منتصف القرن الثامن الميلادي كان عصر الفتوح قد انتهى، وأصبح ما جاء به القرآن من لغة وقانون ودين يحكم من حدود الصين على أعمدة (هرقل). وفي خلال خمسمائة السنة التي حكم فيها العباسيون نمى الإسلام نظامه الفكري وثقافته المتجانسة على أساس من الإحياء البارع للمعارف الكلاسيكية في القرنين التاسع والعاشر الميلادي وهو (الرنيسانس) الشرقي. هذا الإحياء الثقافي في ذنيك القرنين – وفي القرن الذي تلاهما حيث بلغت الثقافة الإسلامية قمة تطورها – هو الذي نقل إلى العالم اللاتيني.. وأصبح أساس (الرنيسانس) الغربي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر"(2).

".. كان الفارابي وابن سينا معروفين جيدًا في أوروبا، وكان (بيكون) يستشهد بأقوالهما.."(3).

".. ليس هناك من شك في أن روح البحث العلمي الجديد وطريقة الملاحظة والتجربة اللذين أخذت بهما أوروبا إنما جاءا من اتصال الطلاب الغربيين بالعالم الإسلامي"(4).

[ 3 ]

"عندما جاء محمد [عليه السلام] وظهر الإسلام تحول التيار [الثقافي] إلى عكس الاتجاه الذي كان يسير فيه. وقد بدأ هذا التحول مفاجئًا في مظهره بالرغم من أنه يمكن للمؤرخ أن يتعرف على الأسباب التي تجمعت رويدًا رويدًا حتى أنتجت هذا الانعكاس في اتجاه التيار الثقافي. ومن جزيرة العرب اندفعت حماسة هؤلاء الساميين بهم، ومعهم دينهم ولغتهم إلى حدود الصين في الشرق وإلى جبال البرانس في المغرب. وفي العصر الإسلامي الذهبي، عصر العباسيين، آتت البذور الثقافية التي جلبها العرب من الإغريق والفرس والهند أكلها، وخلقوا هم أنفسهم ثقافة حية، سيطرت وسادت في العصور الوسطى، وكان لها تأثيرها الواضح في أنحاء أوروبا المختلفة، فنهضت بها على مر الزمن.. وظل تيار الثقافة في العصور الوسطى مندفعًا من الشرق إلى الغرب فبلغ قمته في القرن الثالث عشر.."(5).

[ 4 ]

"لقد قدم العلم الإسلامي للإنسانية خدمات عظيمة، وأضاف إلى تراثها الثقافي القديم والكلاسيكي الشيء الكثير، وظل يلعب دوره حتى تسلّم العلم الغربي منه القيادة.."(6).

______________________________________

(1) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ، ص 232 .

(2) نفسه ، ص 234 .

(3) نفسه ، ص 242 .

(4) نفسه ، ص 247 .

(5) الشرق الأدنى : مجتمعه وثقافته (بإشراف كويلر يونغ)، ص 7 .

(6) نفسه ، ص 10 .

لويس يونغ

[ 1 ]

"نحن حينما نسلم اليوم أن آسيا وأفريقيا تتمثلان أوروبا قدوة لهما، يجب ألا ننسى الوجه الآخر للصورة في العصور الوسطى عندما عكفت أوروبا على علوم العرب من طب وفلسفة وطبيعة واستمر ذلك لفترة طويلة. حتى إذا كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطيقية، وفي القرن التاسع عشر سلبتهم أراضيهم، ثم بترولهم في القرن العشرين"(1).

[ 2 ]

"ما الذي تركته حضارة العرب والمسلمين في أوروبا؟ لقد تركت بصماتها على جميع المستويات ابتداء بالفولكلور.. وانتهاء بالعلوم حيث يستخدم ملاحو الفضاء اصطلاحات عربية مثل السمت Asimuth وسمت الرأس Senith . وهناك في خرائط القمر أكثر من موقع أطلق عليها أسماء لبعض العلماء العرب كالزركلي والبستاني وأبي الفداء. إن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية"(2).

[ 3 ]

".. نفذ المسلمون بمعارفهم عن العالم القديم إلى الأوروبيين ونقلوا إليهم كشوفهم واختراعاتهم التي أضافوها إلى تلك المعارف.."(3).

[ 4 ]

"إن تطوير المسلمين للتراث اليوناني هو واحد من أهم حلقات التاريخ الثقافي في العالم. وليس معنى ذلك أن الحضارة الإسلامية كانت مجرد تقليد أو انعكاس للحضارة اليونانية القديمة. ويجب ألا تغيب عن ذهننا – إذ نناقش ونقيم الحضارة الإسلامية – تلك الأفكار المبدعة التي جاءت من الجزيرة العربية مع الإسلام وقبله، واستطاع المسلمون أن يمزجوا بها التراث اليوناني فيصنعوا من ذلك لونًا جديدًا سبّاقًا فريدًا"(4).

[ 5 ]

"هناك أدلة واضحة تشير إلى أن مؤسسة (الجامعة) هي من المبتكرات الخالصة للحضارة العربية، وخلافًا لهذه الأدلة يحجم الكثير من المؤرخين الغربيين عن الإقرار بأن وجود الشبه بين الجامعات في البلاد العربية وأوروبا لم يكن مجرد صدفة. رغم أن أحدًا منهم لا يجادل في الحقيقة الثابتة القائلة بأن أكثر الكتب الجامعية التي كانت تدرس في جامعات أوروبا إنما هي كتب مترجمة عن العربية في القرون الوسطى. وإذا لم يكن هناك برهان آخر على التأثير الثقافي للحضارة الإسلامية في أوروبا المسيحية فيكفي أن ننوّه بالارتباط الوثيق جدًا بين الجامعات الأوروبية نفسها وبين الثقافة الإسلامية، تلك الثقافة التي أمدت الجامعات الأوروبية بالكتب الدراسية. وتدل بعض الحقائق على أن القرون الوسطى للإسلام مهّدت لنشوء الجامعات في أوروبا الوسطى. فقد نشأت الجامعات العربية وعملت قبل قيام الجامعات في أوروبا بأكثر من قرن.. وقد لعبت [الأخيرة] حين ظهورها دورًا مماثلاً لمثيلاتها في البلاد العربية.. ومازالت بقايا [هذا النظام الجامعي] متبعة في جامعات أوكسفورد ولينكن واستر وهارتفورد.. إلخ.. ووجه الشبه الآخر بين الجامعات العربية والأوروبية تمثل في التقليد القاضي بلباس أردية خاصة للأساتذة خلال المحاضرات، أو لبعض الأعمال الإدارية، وأن الرداء الجامعي المميز عادة متبعة في أهم مراكز التعليم في البلاد العربية قبل أن يصبح عادة في الجامعة الأوروبية.."(5).

________________________________________

(1) العرب وأوروبا ، ص 9 .

(2) نفسه ، ص 10 .

(3) نفسه ، ص 12 .

(4) نفسه ، ص 36 .

(5) نفسه ، ص 130 – 131 .

الفصل السادس المرأة والأسرة

"في ما يتصل بالزواج لا تطالب السنة الإسلامية بأكثر من حياة أمينة إنشائية يسلك فيها المرء منتصف الطريق، متذكرًا الله من ناحية، ومحترمًا حقوق الجسد والأسرة والمجتمع وحاجاتها من ناحية ثانية...".

(المستشرقة الإيطالية لورافيشيا فاكليري)

مارسيل بوازار

[ 1 ]

".. كانت المرأة تتمتع بالاحترام والحرية في ظل الخلافة الأموية بإسبانيا، فقد كانت يومئذ تشارك مشاركة تامة في الحياة الاجتماعية والثقافية، وكان الرجل يتودّد لـ(السيدة) للفوز بالحظوة لديها.. إن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا عبر إسبانيا احترام المرأة.."(1).

[ 2 ]

"إن الإسلام يخاطب الرجال والنساء على السواء ويعاملهم بطريقة (شبه متساوية)، وتهدف الشريعة الإسلامية بشكل عام إلى غاية متميزة هي الحماية، ويقدّم التشريع للمرأة تعريفات دقيقة عما لها من حقوق ويبدي اهتمامًا شديدًا بضمانها. فالقرآن والسنة يحضّان على معاملة المرأة بعدل ورفق وعطف، وقد أدخلا مفهومًا أشد خلقية عن الزواج، وسعيًا أخيرًا إلى رفع وضع المؤمنة بمنحها عددًا من الطموحات القانونية. وتشمل حقوق المرأة – وهي (مقدسة) وفقًا لحديث نبوي – بشكل أساسي: المساواة أمام القانون و الملكية الخاصة الشخصية، والإرث"(2).

[ 3 ]

"لقد خلقت المرأة في نظر القرآن من الجوهر الذي خلق منه الرجل. وهي ليست من ضلعه، بل (نصفه الشقيق) كما يقول الحديث النبوي [النساء شقائق الرجال] المطابق كل المطابقة للتعاليم القرآنية التي تنص على أن الله قد خلق من كل شي زوجين. ولا يذكر التنزيل أن المرأة دفعت الرجل إلى ارتكاب الخطيئة الأصلية، كما يقول سفر التكوين. وهكذا فإن العقيدة الإسلامية لم تستخدم ألفاظًا للتقليل من احترامها، كما فعل آباء الكنيسة الذين طالما اعتبروها (عميلة الشيطان). بل إن القرآن يضفي آيات الكمال على امرأتين: امرأة فرعون ومريم ابنة عمران أم المسيح ]عليه السلام](3).."(4).

[ 4 ]

".. ليس في التعاليم القرآنية ما يسوّغ وضع المرأة الراهن في العالم الإسلامي. والجهل وحده، جهل المسلمة حقوقها بصورة خاصة، هو الذي يسوّغه.."(5).

[ 5 ]

".. أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد [صلى الله عليه وسلم] أنها حامية حمى حقوق المرأة التي لا تكلّ.."(6).

__________________________________

(1) إنسانية الإسلام ، ص 108 .

(2) نفسه ، ص 109-110 .

(3) انظر سورة التحريم ، الآيتين 11 و 12 .

(4) إنسانية الإسلام ، ص 113 .

(5) نفسه ، ص 114 .

(6) نفسه ، ص 140 .

اميل درمنغم

[ 1 ]

"مما لا ريب فيه أن الإسلام رفع شأن المرأة في بلاد العرب وحسّن حالها، قال عمر بن الخطاب ]رضي الله عنه]: (ما فتئنا نعد النساء من المتاع حتى أوحى في أمرهن مبينًا لهن)، وقال النبي [صلى الله عليه وسلم]: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم). أجل، إن النبي [صلى الله عليه وسلم] أوصى الزوجات بإطاعة أزواجهن، ولكنه أمر بالرفق بهن ونهى عن تزويج الفتيات كرها وعن أكل أموالهن بالوعيد أو عند الطلاق.. ولم يكن للنساء نصيب في المواريث أيام الجاهلية.. فأنزلت الآية التي تورّث النساء. وفي القرآن تحريم لوأد البنات، وأمرٌ بمعاملة النساء والأيتام بالعدل، ونهى محمد [صلى الله عليه وسلم] عن زواج المتعة وحمل الإماء على البغاء.. وأباح تعدد الزوجات.. ولم يوصي الناس به، ولم يأذن فيه إلا بشرط العدل بين الزوجات فيهب لإحداهن إبرة دون الأخرى.. وأباح الطلاق أيضاً مع قوله: (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق). وليس مبدأ الاقتصار على زوجة واحدة من الحقوق الطبيعية مع ذلك، ولم يفرضه كتاب العهد القديم على الآباء، وإذا كان هذا قد أصبح سنة في النصرانية فذلك لسابق انتشاره في بلاد الغرب، وذلك من غير أن يحمله رعايا نيرون إلى بلاد إبراهيم ويعقوب [عليهما السلام].. وأيهما أفضل: تعدد الزوجات الشرعي أم تعدد الزوجات السّرّي؟.. إن تعدد الزوجات من شأنه إلغاء البغاء والقضاء على عزوبة النساء ذات المخاطر.."(1).

[ 2 ]

"من المزاعم الباطلة أن يقال إن المرأة في الإسلام قد جردت من نفوذها زوجة وأمًّا كما تُذم النصرانية لعدّها المرأة مصدر الذنوب والآثام ولعنها إياها، فعلى الإنسان أن يطوف في الشرق ليرى أن الأدب المنزلي فيه قوي متين وان المرأة فيه لا تحسد بحكم الضرورة نساءنا ذوات الثياب القصيرة والأذرع العارية ولا تحسد عاملاتنا في المصانع وعجائزنا، ولم يكن العالم الإسلامي ليجهل الحب المنزليّ والحب الروحي، ولا يجهل الإسلام ما أخذناه عنه من الفروسية المثالية والحب العذري"(2).

__________________________________

(1) حياة محمد ، ص 329-331 .

(2) نفسه ، ص 331 .

هنري دي كاستري

[ 1 ]

".. أن الناس بالغوا كثيرًا في مضار تعدد الزوجات عند المسلمين إن لم نقل أن ما نسبوه إليه من ذلك غير صحيح. فما تعدد الزوجات هو الذي ولد في الشرق تلك الرذائل الفاضحة، بل المعقول انه من شأنه تلطيفها، على أنني لست أدري إن كانت تلك الرذائل أكثر منها في الغرب، بل تلك وصمة ألصقت بالإسلام بواسطة السّواح الذين يرون أمرًا في فرد فيجعلونه عامًّا من غير تثبيت فيه لولا هذا التعميم السطحي لما وجدوا شيئًا يملأون به مؤلفاتهم والواقع أن الرذائل الفاضحة موجودة في كل أمة ولقد يقع منها في باريس ولندن وبرلين أكثر مما يحث في الشرق بأجمعه لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] بالغ في تحريمها ولم يعدها من الذنوب الخفيفة .."(1).

[ 2 ]

"من الخطأ الفاضح والغلو الفادح قولهم أن عقد الزواج عند المسلمين عبارة عن عقد تباع فيه المرأة فتصير شيئًا مملوكًا لزوجها لأن ذلك العقد يخول للمرأة حقوقًا أدبية وحقوقًا مادية من شانها إعلاء منزلتها في الهيئة الاجتماعية"(2).

[ 3 ]

"لم يقتصر القرآن في التضييق على تعدد الزوجات على عددهن، بل حرم ما كان معروفًا عند العرب قبله من الزواج لزمن محدد وفي ذلك شبه تحريم للطلاق لكونه لا يتأتى إلا بشروط مخصوصة"(3).

[ 4 ]

".. إننا لو رجعنا إلى زمن النبي [صلى الله عليه وسلم] ومكان ظهوره لما وجدنا عملاً يفيد النساء أكثر مما أتاه [عليه السلام] فهن مدينات لنبيّهن بأمور كثيرة وفي القرآن آيات ساميات في حقوقهن وما يجب لهن على الرجال.. ويرى القارئ من جميع تلك الآيات مقدار اهتمام [الإسلام] بمنع عوامل الفساد الناشئة عن التعشق بين المسلمين لكي يجعل الأزواج والآباء في راحة ونعيم.. ولقد [أصبحت] للمسلمين أخلاق مخصوصة، عملاً بما جاء في القرآن أو في الحديث، وتولدت في نفوسهم ملكات الحشمة والوقار، وجاء هذا مغايرًا لآداب الأمم المتمدنة اليوم على خط مستقيم ومزيلاً لما عساه كان يحدث عن ميل الشرقيين إلى الشهوات لولا هذه التعاليم والفروض. والفرق بين الحشمة عند المسلم وبينها عند المسيحي كما بين السماء والأرض .."(4).

__________________________________

(1) الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 56 .

(2) نفسه ، ص 57 .

(3) نفسه , ص 57 - 58 .

(4) نفسه , ص 58 – 59 .

ايتين دينيه

[ 1 ]

"لا يتمرد الإسلام على الطبيعة التي لا تغلب، وإنما هو يساير قوانينها ويزامل أزمانها، بخلاف ما تفعل الكنيسة من مغالطة الطبيعة ومصادمتها في كثير من شؤون الحياة مثل ذلك الغرض الذي تفرضه على أبنائها الذين يتخذون الرهبنة، فهم لا يتزوجون وإنما يعيشون غرباء. على أن الإسلام لا يكفيه أن يساير الطبيعة وأن لا يتمرد عليها وإنما هو يدخل على قوانينها ما يجعل أكثر قبولاً وأسهل تطبيقًا في إصلاح ونظام ورضا ميسور مشكور حتى لقد سمي القرآن لذلك (بالهدى) لأنه المرشد إلى أقوم مسالك الحياة والأمثلة العديدة لا تعوزنا، ولكنا نأخذ بأشهرها وهو التساهل في سبيل تعداد الزوجات.. فمما لا شك فيه أن التوحيد في الزوجة هو المثل الأعلى، ولكن ما العمل وهذا الأمر يعارض الطبيعة ويصادم الحقائق بل هو الحال الذي يستحيل تنفيذه. لم يكن للإسلام أمام الأمر الواقع، وهو دين اليسر، إلا أن يستبين أقرب أنواع العلاج فلا يحكم فيه حكمًا قاطعًا ولا يأمر به أمرًا باتًّا"(1).

[ 2 ]

".. هل حقيقي أن الديانة المسيحية بتقريرها الجبري لفردية الزوجة وتشديدها في تطبيق ذلك قد منعت تعدد الزوجات؟ وهل يستطيع شخص أن يقول ذلك دون أن يأخذ منه الضحك مأخذه؟ وإلا فهؤلاء مثلاً ملوك فرنسا – دع عنك الأفراد - الذين كانت لهم الزوجات المتعددات والنساء الكثيرات وفي الوقت نفسه لهم من الكنيسة كل تعظيم وإكرام. وإن تعدد الزوجات قانون طبيعي وسيبقى ما بقي العالم، ولذلك فإن ما فعلته المسيحية لم يأت بالغرض الذي أرادته فانعكست الآية معها وصرنا نشهد الإغراء بجميع أنواعه.. إن نظرية التوحيد في الزوجة [التي] تأخذ بها المسيحية ظاهرًا تنطوي تحتها سيئات متعددة ظهرت على الأخص في ثلاث نتائج واقعية شديدة الخطر جسيمة البلاء، تلك هي الدعارة، والعوانس من النساء، والأبناء غير الشرعيين. إن هذه الأمراض الاجتماعية ذات السيئات الأخلاقية لم تكن تعرف في البلاد التي طبقت فيها الشريعة الإسلامية تمام التطبيق وإنما دخلتها وانتشرت فيها بعد الاحتكاك بالمدنية الغربية"(2).

[ 3 ]

"جاء في كتاب (الإسلام) تأليف (شمتز دوملان)(3) أنه (ندما غادر الدكتور مافروكو رداتو الأستانة سنة 1827 إلى برلين لدراسة الطب لم يكن في العاصمة العثمانية كلها بيت واحد للدعارة. كما لم يعرف فيها داء الزهري - وهو السفلس المعروف بالشرق بالمرض الإفرنكي - فلما عاد الدكتور بعد أربع سنين تبدل الحال غير الحال. وفي ذلك يقول الصدر الأعظم الكبير رشيد باشا في حسرة موجعة: إننا نرسل أبناءنا إلى أوروبا ليتعلموا المدنية الإفرنكية فيعودون إلينا مرضى بالداء الإفرنكى"(4).

[ 4 ]

".. إننا نخشى أن تخرج المرأة الشرقية إلى الحياة العصرية.. فينتابها الرعب لما تشهده لدى أخواتها الغربيات، اللائي يسعين للعيش وينافس في ذلك الرجال، ومن أمثلة الشقاء والبؤس الكثيرة"(5).

[ 5 ]

"إن تعاليم المرأة يساير كل المسايرة جميع تعاليم الدين، وقد كان في عصر ازدهار الإسلام يفاض فيضًا على المسلمات، وكانت ثقافتهن حينذاك ارفع من ثقافة الأوربيات دون جدال"(6).

___________________________________

(1) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 31 .

(2) نفسه , ص 32 – 33 .

(3) L'Islam. par schmitz du mulin page 160 . .

(4) أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 33 .

(5) نفسه ، ص 340 - 341 .

(6) نفسه ، ص 341 .

ول ديورانت

[ 1 ]

"رفع الإسلام من مقام المرأة في بلاد العرب.. وقضى على عادة وأد البنات وسوّى بين الرجل والمرأة في الإجراءات القضائية والاستقلال المالي، وجعل من حقها أن تشتغل بكل عمل حلال، وأن تحتفظ بما لها ومكاسبها، وأن ترث، وتتصرف في مالها كما تشاء، وقضى على ما اعتاده العرب في الجاهلية من انتقال النساء من الآباء إلى الأبناء فيما ينتقل لهم من متاع، وجعل نصيب الأنثى في الميراث نصف نصيب الذكر، ومنع زواجهن بغير إرادتهن .."(1).

[ 2 ]

"المسلم لا يرى الامتناع عن إشباع الغريزة الجنسية حال طبيعة أو مثالية، وقد كان لمعظم الصالحين من المسلمين زوجات وأبناء. وحدود الزواج أوسع في الإسلام منه في كثير من الأديان، وتفتح الشريعة الإسلامية منافذ كثيرة لإشباع الغريزة الجنسية ولهذا قلّ البغاء في أيام النبي [صلى الله عليه وسلم] والخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم].."(2).

[ 3 ]

".. كان مركز المرأة المسلمة يمتاز عن مركز المرأة في بعض البلاد الأوروبية من ناحية هامة، تلك هي أنها كانت حرة التصرف فيما تملك لا حق لزوجها أو لدائنيه في شيء من أملاكها .."(3).

[ 4 ]

".. كانت البنات يذهبن إلى المدارس سواء بسواء، ونبغ عدد من النساء المسلمات في الأدب والفن .."(4).

___________________________________

(1) قصة الحضارة , 13/60 .

(2) نفسه ، 13/135 .

(3) نفسه ، 13/140 .

(4) نفسه ، 13/306 .

جاك ريسلر

[ 1 ]

".. لقد وُضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجال في القضايا الخاصة بالمصلحة فأصبح في استطاعتها أن ترث، وأن تورث، وأن تشتغل بمهنة مشروعة لكن مكانها الصحيح هو البيت. كما أن مهمتها الأساسية هي أن تنجب أطفالاً.. وعلى ذلك رسم النبي [صلى الله عليه وسلم] واجبها (أيما امرأة مات زوجها، وهو راضٍ عنها، دخلت الجنة).. وفي الحق أن تعدد الزوجات، بتقييده الانزلاق مع الشهوات الجامحة، قد حقق بهذا التشريع الإسلامي تماسك الأسرة، وفيه ما يسوغ عقوبة الزوج الزاني"(1).

[ 2 ]

"كانت الأسرة الإسلامية ترعى دائمًا الطفل، وصحته، وتربيته، رعاية كبيرة. وترضع الأم هذا الطفل زمنًا طويلاً، وأحيانًا لمدة أكثر من سنتين، وتقوم على تنشئته بحنان وتغمره بحبها وباحتياطات متصلة. وإذا حدث أن أصاب الموت بعض الأسرة، وأصبحوا يتامى، فإن أقرباءهم المقربين لا يترددون في مساعدتهم وفي تبنّيهم"(2).

[ 3 ]

"يقوم تعليم البنات على تلقينهن تربية دينية قويمة، وعلى تعويدهن على الصلاة، وجعلهن في وقت مبكر صالحات للأعمال المنزلية. وبعد سنوات أيضًا يعلمن قرض الشعر والفنون .."(3).

__________________________________

(1) الحضارة العربية ، ص 52 .

(2) نفسه ، ص 53 .

(3) نفسه ، ص 54 .

أحمد سوسه

[ 1 ]

"يجب ألا يغرب عن البال أن المرأة لم تكن قد حازت حقوقًا تتمتع بها إلا بعد ظهور الإسلام لأن الإسلام هو أول من رفع قدر المرأة وأعطاها حقها في الحياة كحق الرجل"(1).

[ 2 ]

"لقد حرمت المسيحية الطلاق ولكن في الوقت نفسه نجد أنظمة البلاد المسيحية وقوانينها الرسمية تنصّ على إباحته. إن المسيحيين أنفسهم قد ضربوا بتعاليم ديانتهم عرض الحائط ووضعوا القوانين التي تنقضها من الأساس، وما كان ذلك كرهًا لديانتهم ولكن رغبة في وضع ما تتطلبه نفسية المجتمع البشري من نظام يضمن الاطمئنان في علاقات الجنسين ويكفل السعادة البشرية. ولو صحا المسيحيون من غفلتهم وتأملوا في الأمر لاتضح لهم بأن الإسلام قد سبقهم في هذا المضمار من قبل ثلاثة عشر قرنًا .."(2).

[ 3 ]

"من الغريب أن يصبح الطلاق اليوم عند المسلمين إلى جانب القلة ويكثر عند الغربيين الذين كانوا ينكرونه أشد الإنكار، وما فتئ يزداد مع الزمن انتشارًا مطردًا، فإنه يحصل بالولايات المتحدة الأمريكية كل سنة ما ينيف على المائتي ألف طلاق، وفي أوروبا يبت في عشرات الألوف من قضايا الطلاق وعلى الأخص في فرنسا. ولا يغيب عن الذهن أن الإسلام مع إباحته الطلاق للضرورة فإنه يعد أبغض الحلال عندا لله، كما أنه ورد في القرآن الكريم ما يحتم الرفق بالمرأة ويفرض المحافظة على حقوقها ويقصي الرجل عن الإقدام الطلاق ما أمكن"(3).

[ 4 ]

".. كانت المرأة في ديار العرب قديمًا محض متاع، مجرد ذكرها أمرٌ ممتهن. هكذا كان الوضع حينما [جاء محمد صلى الله عليه وسلم] فرفع مقام المرأة في آسيا من وضع المتاع الحقير إلى مرتبة الشخص المحترم الذي له الحق في الحياة حياة محترمة، كما أن له الحق في أن يملك ويرث المال"(4).

[ 5 ]

"مما يدل على أن الإسلام هو دين أبدي قد انزل لكل وقت ومكان نجد أن عادة تعدد الزوجات لم تعد تتبع في كثير من الأنحاء الإسلامية إلا ما ندر وقل، وذلك لسبب التطور الذي طرأ في حياة معظم الجماعات بحيث جعل العسر الاقتصادي والظروف الحالية تعدد الزوجات متعذرًا تطبيقه.. هذا وإذا دقّقنا كم هي النسبة المئوية من المؤمنين بالدين الإسلامي الذين يطبقون عادة تعدد الزوجات في الوقت الحاضر نجد فعلاً أنها نسبة جدّ قليلة..".

___________________________________

(1) في طريقي إلى الإسلام ، 1/187 .

(2) نفسه ، 2/30 – 31 .

(3) نفسه ، 2/31 – 32 .

(4) نفسه ، 2/42 .

(5) نفسه ، 2/144 – 145 .

لويس سيديو

[ 1 ]

"إن القرآن، وهو دستور المسلمين، رفع شأن المرأة بدلاً من خفضه.. فجعل حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها مع أن البنات كن لا يرثن في زمن الجاهلية.. [وهو] وإن جعل الرجال قوّامين على النساء بيّن أن للمرأة حق الرعاية والحماية على زوجها. وأراد ألا تكون الأيامى جزءًا من ميراث رب الأسرة فأوجب أن يأخذن ما يحتجن إليه مدة سنة وأن يقبض مهورهن وأن ينلن نصيبًا من أموال المتوفى.."(1).

[ 2 ]

"لا شي أدعى إلى راحة النفس من عناية محمد [صلى الله عليه وسلم] بالأولاد. فهو قد حرم [بأمر الله] عادة الوأد، وشغل باله بحال اليتامى على الدوام.. وكان يجد في ملاحظة صغار الأولاد أعظم لذة. ومما حدث ذات يوم أن كان محمد [صلى الله عليه وسلم] يصلي فوثب الحسين بن علي [رضي الله عنهما] فوق ظهره فلم يبال بنظرات الحضور فانتظر صابرًا إلى حين نزوله كما أراد. وما ألطف أقوال محمد [صلى الله عليه وسلم] عن حنان الأم وحبّ الوالدين، وما أجمل ما في كلمته (الجنة تحت أقدام الأمهات) من تكريم الأمهات! فيمكن أن يكتب فصل رائع من حياة محمد [صلى الله عليه وسلم] حول هذا الموضوع"(2).

[ 3 ]

"أُحِلّ الطلاق في الإسلام، ولكنه جعل تابعًا لبعض الشروط فيمكن الرجوع عنه عند الطيش والتهوّر. والطلاق، لكي يكون باتًّا، يجب أن يكرر ثلاث مرات.. والمرأة إذا ما طلقت الطلقة الثالثة لا تحل لزوجها الأول إلا بعد أن تنكح زوجًا آخر فيطلقها هذا الزوج، وهذا الحكم على جانب عظيم من الحكمة لما يؤدي إليه من تقليل عدد الطلاق ولا يحق للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند سوء المعاملة.."(3).

[ 4 ]

"جزاء الزنا صارم [في الإسلام].. ولا بدّ من أربعة شهود لإثباته. ولم يقصّر محمد [صلى الله عليه وسلم] في منع انتشار الفجور، وله نصائح غالية [بهذا الصدد] وهو يأمر المؤمنين بالاحتشام، وينظم أمورهم نحو أُجرائهم وأبنائهم وآبائهم وأمهاتهم، برفق أبوي ممزوج بلسان المشرّع الوقور الجليل"(4).

__________________________________

(1) تاريخ العرب العام ، ص 110 .

(2) نفسه ، ص 110-111 .

(3) نفسه ، ص 111 .

(4) نفسه ، ص 111-112 .

لورا فيشيا فاغليري

[ 1 ]

".. في ما يتصل بالزواج لا تطالب السّنة الإسلامية بأكثر من حياة أمينة إنشائية يسلك فيها المرء منتصف الطريق، متذكرًا الله من ناحية، ومحترمًا حقوق الجسد والأسرة والمجتمع وحاجاتها من ناحية ثانية"(1).

[ 2 ]

".. أنه لم يقم الدليل حتى الآن، بأي طريقة مطلقة، على أن تعدد الزوجات هو بالضرورة شر اجتماعي وعقبة في طريق التقدم. ولكنا نؤثر ألا نناقش المسألة على هذا الصعيد. وفي استطاعتنا أيضاً أن نصرّ على أنه في بعض مراحل التطور الاجتماعي، عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها، كأن يقتل عدد من الذكور ضخم إلى حد استثنائي في الحرب مثلاً، يصبح تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية والحق أن الشريعة الإسلامية التي تبدو اليوم وكأنها حافلة بضروب التساهل في هذا الموضوع إنما قيدت تعدد الزوجات بقيود معينة، وكان هذا التعدد حرًّا قبل الإسلام، مطلقًا من كل قيد. لقد شجب الإسلام بعض أشكال الزواج المشروط والمؤقت التي كانت في الواقع أشكالاً مختلفة للتسرّي الشرعي (المعاشرة من غير الزواج). وفوق هذا منح الإسلام المرأة حقوقًا لم تكن معروفة قط من قبل. وفي استطاعتنا، في كثير من اليسر، أن نحشر الشواهد المؤيدة لذلك"(2).

[ 3 ]

"القرآن يبيح الطلاق. ومادام المجتمع الغربي قد ارتضى الطلاق أيضاً، واعترف به في الواقع كضرورة من ضرورات الحياة، وخلع عليه في مكان تقريبًا صفة شرعية كاملة ففي ميسورنا أن نغفل الدفاع عن اعتراف الإسلام به. ومع ذلك فإننا بدراستنا له، وبمقارنتنا بين عادات العرب في الجاهلية وبين الشريعة الإسلامية، نفوز بفرصة نظهر فيها أن القانون الإسلامي قد دشن في هذا المجال أيضاً إصلاحًا اجتماعيًّا. فقبل عهد الرسول [صلى الله عليه وسلم] كان العرف بين العرب قد جعل الطلاق عملاً بالغ السهولة.. أما القانون الإلهي فقد سنّ بعض القواعد التي لا تجيز إبطال الطلاق فحسب بل التي توصى به في بعض الأحوال.. وليس للمرأة حق المطالبة بالطلاق، ولكنها قد تلتمس فسخ زواجها باللجوء إلى القاضي، وفي إمكانها أن تفوز بذلك إذا كان لديها سبب وحيه يبرّره. والغرض من هذا التقيد لحق المرأة في المبادرة هو وضع حد لممارسة الطلاق، لأن الرجال يعتبرون أقل استهدفًا لاتخاذ القرارات تحت تأثير اللحظة الراهنة من النساء. وكذلك جعل تدخل القاضي ضمانًا لحصول المرأة على جميع حقوقها المالية الناشئة عن إنجاز فسخ الزواج. وهذه القاعدة، والقاعدة الأخرى التي تنصّ على أنه في حال نشوب خلاف داخل الأسرة يتعين اللجوء إلى بعض الموفقين ابتغاء الوصول إلى تفاهم، تنهضان دليلاً كافيًا على أن الإسلام يعتبر الطلاق عملاً جديرُا باللوم والتعنيف. والآيات [القرآنية] تقرر ذلك في صراحة بالغة.. وثمة أحاديث نبوية كثيرة تحمل الفكرة نفسها.."(3).

[ 4 ]

"اجتنابًا للإغراء بسوء ودفعًا لنتائجه يتعيّن على المرأة المسلمة أن تتخذ حجابًا، وأن تستر جسدها كله، ماعدا تلك الأجزاء التي تعتبر حريتها ضرورة مطلقة كالعينين والقدمين. وليس هذا ناشئًا عن قلة احترام للنساء، أو ابتغاء كبت إرادتهن، ولكن لحمايتهن من شهوات الرجال. وهذه القاعدة العريقة في القدم، القاضية بعزل النساء عن الرجال، والحياة الأخلاقية التي نشأت عنها، قد جعلتا تجارة البغاء المنظمة مجهولة بالكلية في البلدان الشرقية، إلا حيثما كان للأجانب نفوذ أو سلطان. وإذا كان أحد لا يستطيع أن ينكر قيمة هذه المكاسب فيتعين علينا أن نستنتج أن عادة الحجاب.. كانت مصدر فائدة لا تثمن للمجتمع الإسلامي"(4).

"إذا كانت المرأة قد بلغت، من وجهة النظر الاجتماعية في أوروبا، مكانة رفيعة، فإن مركزها، شرعيًّا على الأقل، كان حتى سنوات قليلة جدًّا، ولا يزال في بعض البلدان، أقل استقلالاً من المرأة المسلمة في العالم الإسلامي. إن المرأة المسلمة إلى جانب تمتعها بحق الوراثة مثل إخوتها، ولو بنسبة أصغر، وبحقها في أن لا تزف إلى أحد إلا بموافقتها الحرة، وفي أن لا يسيء زوجها معاملتها، تتمتع أيضاً بحق الحصول على مهر من الزوج، وبحق إعالته إياها، وتتمتع بأكمل الحرية، إذا كانت مؤهلة لذلك شرعيًّا، في إدارة ممتلكاتها الشخصية"(5).

_________________________________

(1) دفاع عن الإسلام ، ص 88 .

(2) نفسه ، ص 97 - 98 .

(3) نفسه ، ص 101 – 103 .

(4) نفسه ، 103 – 104 .

(5) نفسه ، ص 106 .

ليوبولد فايس

[ 1 ]

"]إن[ الشريعة الإسلامية، بمقتضى الحكمة التي تأخذ الطبيعة البشرية بعين الاعتبار الكلي دائمًا، لا تأخذ على عاتقها أكثر من صيانة الوظيفة الاجتماعية – البيولوجية للزواج (بما فيها طبعًا العناية بالنسل أيضاً) فتسمح لرجل بأن يتخذ لنفسه أكثر من زوجة واحدة ولا تسمح للمرأة بأن تتخذ لنفسها أكثر من زوج واحد في الوقت نفسه، في حين أنها تترك للشريكين مسألة الزواج الروحية التي لا يمكن أن تقاس، وبالتالي تقع خارج دائرة الشريعة. فمتى كان الحب تامًّا كاملاً فعندئذ تنعدم الرغبة عند كل منهما في الزواج ثانية ومتى كان الرجل لا يحب زوجته من كل قلبه ولا يرغب مع ذلك في فقدها، فإن بإمكانه أن يتزوج بأخرى.. ومهما يكن فإنه لما كان الزواج في الإسلام عقدًا مدنيًّا فحسب فإن في مكنة الشريكين في الزواج أن يلجأ دائمًا إلى الطلاق خصوصًا وأن الوصمة التي تلصق بالطلاق، سواء بشدة أقل أو أكثر، في المجتمعات الأخرى، معدومة في المجتمع الإسلامي"(1).

[ 2 ]

"إن الحرية التي تمنحها الشريعة الإسلامية كلاً من الرجل والمرأة على حد سواء لعقد الزواج أو حلّ هذا العقد، يفسر السبب الذي من أجله تعتبر هذه الشريعة الزنا من أقبح الآثام: ذلك أنه تجاه هذا التسامح وهذه الحرية لا يمكن أن يكون هناك أيما عذر للوقوع في حبائل العاطفة أو الشهوة.."(2).

[ 3 ]

"جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] بما لم يسمع به من قبل الرجال والنساء سواء أمام الله، وأن جميع الواجبات الدينية مفروضة على الرجل والمرأة على حد سواء. والحق أنه ذهب إلى أبعد من ذلك فأعلن.. أن المرأة شخص بملء حقها وليس لمجرد صلتها بالرجل كأم أو زوجة أو أخت أو ابنة، وأنها لذلك من حقها أن تقتني ملكًا وأن تتعاطى التجارة على حسابها ومسؤوليتها وأن تهب نفسها لمن تشاء عن طريق الزواج"(3).

___________________________________

(1) الطريق إلى مكة ، ص 300 - 301 .

(2) نفسه ، ص 301 .

(3) نفسه ، ص 306 .

روجيه جارودي

[ 1 ]

"إن القرآن، من وجهة نظر اللاهوتية، لا يحدّد بين الرجل والمرأة علاقة من التبعية الميتافيزيقية: فالمرأة في القرآن توأم وشريكة للرجل لأن الله خلق البشر ككل شي {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}(1). والقرآن لا يحمّل المرأة المسؤولية الأولى للخطيئة"(2).

[ 2 ]

"إذا نحن قارنّا قواعد القرآن بقواعد جميع المجتمعات السابقة فإنها تسجل تقدّمًا لا مراء فيه ولا سيما بالنسبة لأثينا ولروما حيث كانت المرأة قاصرة بصورة ثابتة"(3).

[ 3 ]

"في القرآن تستطيع المرأة التصرف بما تملك وهو حق لم يعترف لها به في معظم التشريعات الغربية ولا سيما في فرنسا إلا في القرن التاسع عشر والعشرون. أما في الإرث فصحيح أن للأنثى نصف ما لذكر، إلا أنه بالمقابل تقع جميع الالتزامات وخاصة أعباء مساعدة أعضاء الأسرة الآخرين على عاتق الذكر. المرأة معفاة من كل ذلك. والقرآن يعطي المرأة حق طلب الطلاق وهو ما لم تحصل عليه المرأة في الغرب إلا بعد ثلاثة عشر قرنا"(4).

[ 4 ]

"في القرآن إقرار بتعدّد الزوجات. إلا أن هذا التعدد لم يؤسسه هو، كان موجودًا من قبل (وهو موجود كذلك في التوراة وفي الأناجيل)، وقد فرض عليه، على العكس، حدودًا مثل العدل التام بين مختلف الزوجات في الإنفاق والمحبة والمعاشرة الجنسية، وهي قواعد إذا ما جرى تطبيقها بحرفيّتها تجعل تعدد الزوجات مستحيلاً"(5).

[ 5 ]

"يحسن ألا ننسى بأن جميع ألوان الرّقّة في الحب والشفافية فيه.. على نحو ما ظهر في الغرب لدى شعراء التروبادور.. وفي قصائد دانتي.. من أصول عربية إسلامية.."(6).

___________________________________

(1) سورة الذاريات ، الآية 49 .

(2) وعود الإسلام ، ص 78 .

(3) نفسه ، ص 78 .

(4) نفسه ، ص 78-79 .

(5) نفسه ، ص 80 .

(6) نفسه ، ص 79 .

هاملتون كب

[ 1 ]

"حين ننتهي من حذف الانحرافات [الفقهية المتأخرة] وشجبها، تعود تعاليم القرآن والرسول [صلى الله عليه وسلم] الأصلية إلى الظهور في كل نقائها ورفعتها وعدالتها المتساوية إزاء الرجل والمرأة معًا. عندئذ نجد أن هذه التعاليم تعود إلى المبادئ العامة وتحدد الفكرة التي يجب أن يوضع ويطبق القانون بمقتضاها أكثر من أن تعين صيغًا حقوقية حاسمة. وهذه الفكرة، فيما يخص المرأة، لا يمكنها إلا أن تكون نابضة بالودّ الإنساني وبشعور الاحترام لشخصيتها والرغبة في محور الأضرار التي ألحقها بالمرأة سير المجتمع سيرًا قاسيًا وناقصًا فيما مضى. وبعدما ننتهي من استخلاص هذه الفكرة وهضمها، يمكننا أن نفهم التشريع الخاص بالقرآن فهمًا صحيحًا. حالما نتوصل إلى ذلك نرى أن الموقف الإسلامي تجاه المرأة، والطريقة الإسلامية في فهم شخصيتها ونظامها الاجتماعي، وطريقة حماية التشريع الإسلامي لها، تفوق كثيرًا ما هي عليه في الديانات الأخرى"(1).

_________________________________

(1) الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، ص 123 .

ايفلين كوبولد

[ 1 ]

"الحق أقول أن الحب عندنا وكما يفهمه الغربيون ما يزال قريبًا من الغريزة الجنسية، مقصورة دائرته أو تكاد، على ما تلهمه هذه الغريزة.. فأما المناطق العليا التي يرتفع الحب المهذب إليها، أما الحب بمعناه الإنساني السامي.. الحب على أنه عاطفة إنسانية سامية أساسها إنكار الذات والرقي النفسي إلى عالم الخير والجمال والحق فهذا ما لا يفكر به أحد أو يتصور وجوده إنسان، وهو إلى ذلك كله موجود في الإسلام، منطوٍ في هذه الأخوة الإسلامية التي تجعل من الفرد عبدًا يعمل لخير المجموع وفردًا قصارى همه أن يعمل للإحسان والإحسان أبدًا"(1).

[ 2 ]

"لم تكن النساء [المسلمات] متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشأ منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة"(2).

[ 3 ]

"لما جاء الإسلام ردّ للمرأة حرّياتها، فإذا هي قسيمة الرجل لها من الحق ما له وعليها ما عليه ولا فضل له عليها إلا بما يقوم به من قوة الجلد وبسطة اليد، واتساع الحيلة، فيلي رياستها فهو لذلك وليها يحوطها بقوّته ويذود عنها بدمه وينفق عليها من كسب يده، فأما فيما سوى ذلك فهما في السّرّاء والبأساء على السواء. ذلك ما أجمله الله بقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}(3)، وهذه الدرجة هي الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق، وكما قرن الله سبحانه بينهما في شؤون الحياة، قرن بينهما في حسن التوبة وادخار الأجر وارتقاء الدرجات العليا في الدنيا والآخرة. وإذا احتمل الرجل مشقات الحياة، ومتاعب العمل وتناثرت أوصاله، وتهدّم جسمه في سبيل معاشه ومعاش زوجه فليس ذلك بزائد مثقال حبة عن المرأة إذا وفت لبيتها وأخلصت لزوجها وأحسنت القيام في شأن دارها"(4).

[ 4 ]

"كتبت اللادى ماري مونتكاد، زوجة السفير الإنكليزي في تركيا إلى شقيقتها تقول: (يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب، وهو ما أودّ تكذيبه فإن مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها، ولولا أنني في تركيا، وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات ما كان إلى ذلك سبيل، وإني أستمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى، لذهبت أصدق ما يكتب هؤلاء الكتاب، ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم، ولا أبالغ إذا قررت لك أن المرأة المسلمة وكما رأيتها في الأستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوروبا ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية، ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات ويستقبلن من يرد من الناس.."(5).

[ 5 ]

"إن جهل النساء في الإسلام أمرٌ لا يتفق وأوامر الرسول الكريم [صلى الله عليه وسلم]، فقد أمر رسول الله النساء بطلب العلم وحظر الإسلام الجهل على المؤمنين به وشدّد في ذلك بما لا يدعو مجالاً للشبهة والتأويل"(6).

__________________________________

(1) البحث عن الله ، ص 28 .

(2) نفسه ، ص 51 .

(3) سورة البقرة ، الآية 228 .

(4) البحث عن الله ، ص 81 - 82 .

(5) نفسه ، ص 85 .

(6) نفسه ، 86 .

عبد الله كويليام

[ 1 ]

".. إن زعماء النصرانية أبدلوا دين المسيح [عليه السلام] بما كانت ترمي إليه أهواؤهم وأوجدوا عقائد أخرى من تلقاء ذاتهم وتظاهروا في مقاومة الشهوات البشرية بالرهبنة والعزوبية.. واتخذوهما ستارًا للفسق ولأعمالهم التضليلية حتى ضل الناس وأشركوا بالواحد القهار واتخذوا لفيفًا من هؤلاء القديسين والرهبان أربابًا من دون الله فلما جاء الإسلام استأصل شأفة هذه الخزعبلات وقضى على جميع الأباطيل والترهات، وأقيمت الحجة الثابتة على استهجان العزوبية واعتبار الزواج كدليل للتقوى الحقيقة وأنه من أوليات القواعد الدينية إذ فيه بيان قدره الخالق ووحدانيته وجلاله.. فالإسلام هو الذي حضّ على الزواج وأبطال الرهبنة.."(1).

[ 2 ]

"أما تعدد الزوجات فإن موسى [عليه السلام] لم يحرمها وداود [عليه السلام] أتاها وقال بها ولم تحرم في العهد الجديد (أي الإنجيل) إلا من عهد غير بعيد. ولقد أوقف محمد [صلى الله عليه وسلم] الغلوّ فيها عند حدّ معلوم. وعلى كل حال فإن مسألة تعدد الزوجات أمر شاذّ كثيرًا عن الدستور المعمول به في البلاد الإسلامية المتمدنة.. وهو بكل ما قيل فيه من القول الهراء لا يخلو من الفائدة فقد ساعد على حفظ حياة المرأة وأوجد لها في الشريعة حسن المساعدة. وتعدد الزوجات في البلاد الإسلامية أقلّ إثمًا وأخفّ ضررًا من الخبائث التي ترتكبها الأمم المسيحية تحت ستار المدنية.. فلنخرج الخشبة التي في أعيننا أولاً ومن ثم نتقدم لإخراج القذى من أعين غيرنا"(2).

[ 3 ]

"جاء في القرآن {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}(3). فيما يتعلق بمسألة تعدد الزوجات التي تنتقدون فيها على المسلمين ظلمًا وعدوانًا. إذ لا شك في أنكم تجهلون عدل النبي [صلى الله عليه وسلم] بين أزواجه (رضوان الله عليهن) وحبه فيهن حبًّا مساويًا مما علم المسلمين الانتماء والإنصاف بينهن. على أن القرآن لم يأمر بتعدد الزوجات بل جاء بالحظر مع الوعيد لمن لا يعدل في الآية المتقدمة، ولذلك ترى اليوم جميع المسلمين منهم القليل لا يتزوجون إلا امرأة واحدة خوف الوقوع تحت طائلة ما جاء من الإنذار في القرآن المجيد. وإذا سلّمنا على العموم بأن عدم تعدد الزوجات أوفق للمعاشرة الدنيوية من تكررهن، فلا نسلم بالاعتراف بذلك على الوجه المتعارف اليوم بأوروبا من حصر الزواج في امرأة واحدة إذعانا للقانون واتخاذ عدة أزواج أخرى [غير شرعيات] من وراء الجدار.."(4).

[ 4 ]

".. ورد في القرآن نصوص كثيرة تثبت أن النساء لا يعاقبن في الدار الآخرة فقط على ما أتين من سيئ الأعمال بل كذلك يجازين خير الجزاء على ما يعلنه من طيب أعمالهن بمثل ما يكون للرجال. وعلى ذلك نرى أن الله [سبحانه] لا تمييز عنده في الإسلام بين الأجناس"(5).

_________________________________

(1) العقيدة الإسلامية ، ص 19 ، (كانن اسحق تيلر في خطبة له بمؤتمر الكنسية الإنكليزية بتاريخ 7 أكتوبر سنة 1887، نشرت بجريدة التايمس في اليوم التالي).

(2) نفسه ، ص22 – 23 عن (تيلر في خطبته المذكورة).

(3) سورة النساء، الآية 3 .

(4) نفسه ، ص 38 – 39 عن (لوازون في خطبة ألقاها بتونس، ونشرت في جريدة الحاضرة التي تصدر في تونس بتاريخ 3 ديسمبر سنة 1895).

(5) نفسه ، ص 143 .

روم لاندو

[ 1 ]

"يوم كانت النسوة يعتبرن، في العالم الغربي، مجرد متاع من الأمتعة، ويوم كان القوم هناك في ريب جدّي من أن لهن أرواحا، كان الشرع الإسلامي قد منحهن حق التملك. وتلقت الأرامل نصيبًا من ميراث أزواجهن، ولكن البنات كان عليهن أن يقنعن بنصف حصة الذكر.. إلا أن علينا أن لا ننسى أن الأبناء الذكور وحدهم كانوا، حتى فترة حديثة نسبيًّا، ينالون في الديار الغربية حصة من الإرث"(1).

__________________________________

(1) الإسلام والعرب ، ص 203 .

لايتنر

[ 1 ]

".. إن الزواج عند المسلمين يجلّ عما رماهم به كُتّاب النصارى. والقول بأنه لا يوجد حد للزواج والطلاق عند المسلمين فغير صحيح، والطلاق عندهم ليس هو بالأمر الهين، فعدا عن وجود المحكمين فعلى الرجل أن يدفع صداقها المسمى عند إجراء العقد وهذا غالبًا يكون فوق ما يقدر زوجها على إيفائه بسهولة، فمركز المرأة بالإسلام قوي مؤمّن من الطلاق. إن النصارى والبوذيين يرون الزواج أمرًا روحيًّا ومع ذلك نرى عقدة النكاح محترمة عند المسلمين أكثر مما هي محترمة في البلاد المسيحية.. ويسوءني أن أذكر ما ليس لي مناص من ذكره وهو أنني سكنت بين المسلمين أربعًا وخمسين عامًا ابتداءها سنة 1848 فمع وجود التساهل في أمر الطلاق عندهم وعسره عند النصارى، فقد وقع حوداث طلاق عند النصارى أكثر مما وقع عند المسلمين بكثير. وإني أقول الحق بأن الشفقة والإحسان عند المسلمين نحو عيالهم والغرباء والمسنّين والعلماء لمثال مجدٍ يجب على النصارى أن يقتدوا به"(1).

[ 2 ]

"أما تعدد الزوجات.. فإنّا بقطع النظر عن منافعه الحقيقية، لأنه يقلّل النساء الأماكن التي هن فيه أكثر من الرجال، وبقطع النظر عن أنه يقلل وجود المومسات وأضرارهن، ويمنع مواليد الزنا، فلا يمكننا أن ننكر بأن أكثر المسلمين ذو زوجة واحدة والسبب في ذلك هو تعليم دين الإسلام لقد أتى محمد [صلى الله عليه وسلم] بين أمة تعد ولادة الأنثى شرًّا عظيم عليهم وهكذا كانوا يئدونها، ولم يكن للرجال حد يقفون عنده من جهة الزواج وكانوا يعدون النساء من جملة المتاع ويرثونها من بعد موت بعلها. فجعل [صلى الله عليه وسلم] لهذه الحالة حدًّا فلا يقدر الرجل أن يتزوج بأكثر من أربع نساء بشرط المساواة بينهن في كل شيء حتى بالمحبة والوداد، فإن لم يكن قادرًا على كل ذلك فلا يباح له بأن يتزوج غير واحدة. ومن يتدبر شريعته يرى أنه قد حضّ على الزواج بامرأة واحدة، ولقد رفع مقام المرأة ورقاها رقيًّا عظيمًا، فإنها بعد ما كانت تعد كمتاع مملوك صارت مالكة، وحكمها مؤيد وحقوقها محفوظة"(2).

[ 3 ]

"أما بخصوص الرهبانية فليس لها وجود في الإسلام، وتكاد لا ترى امرأة غير متزوجة، وقصاص الزنا متساوٍ فيه الرجل والمرأة.. والشريعة الإسلامية لا تسمح بإهانة أولاد المملوكة، وهم يرثون أبناءهم مع أولاد السيدة.. وليس في الإسلام محلات للفاجرات ولا قانون يبيح انتشار المومسات. ومسامرات المسلمين العمومية خير مما هي في أوروبا. ومسامرات شبان المسلمين في المدارس خير وأطهر من مسامرات شبابنا.. والحق أولى أن يقال فإن كثيرًا من كلام شبان الإنكليز لو قاله أحد في بلاد المسلمين لنال قائله القصاص الصارم. وللمرأة المسلمة مركز شرعي خير من مركز المرأة الإنكليزية بكثير.."(3).

__________________________________

(1) دين الإسلام ، ص 10 – 11 .

(2) نفسه ، ص 11 .

(3) نفسه ، ص 14 - 15 .

كوستاف لوبون

[ 1 ]

"تعد مبادئ المواريث التي نصّ عليها القرآن بالغة العدد والإنصاف.. ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنكليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات، اللائي يُزعم أن المسلمين لا يعاشروهن بالمعروف، حقوقًا في المواريث لا تجد مثلها في قوانيننا"(1).

[ 2 ]

"لم يقتصر الإسلام على إقرار مبدأ تعدد الزوجات الذي كان موجودًا قبل ظهوره، بل كان ذا تأثير عظيم في حال المرأة في الشرق، والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعًا عظيمًا بدلاً من خفضهما خلافًا للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقًا إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية.. أجل أباح القرآن الطلاق كما أباحته قوانين أوربة التي قالت به، ولكنه اشترط أن يكون {لِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}(2).. وأحسن طريق لإدراك تأثير الإسلام في أحوال النساء في الشرق هو أن نبحث في حالهن قبل القرآن وبعده"(3).

[ 3 ]

"إذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب، وقد ظهر مما قصّه المؤرخون انه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثًا في أوربة.. إن الأوربيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة. فالإسلام، إذن، لا النصرانية، هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافًا للاعتقاد الشائع. وإذا نظرت إلى نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئًا من الحرمة للنساء، وإذا تصفحت كتب التاريخ ذلك الزمن وجدت ما يزيل كل شك في هذا الأمر، وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظًا نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى"(4).

[ 4 ]

".. إن حالة ]النساء المسلمات[ الحاضرة أفضل من حالة أخواتهن في أوربة حتى عند الترك.. وأن نقصان شأنهن حدث خلافًا للقرآن، لا بسبب القرآن على كل حال.. إن الإسلام، الذي رفع المرأة كثيرًا، بعيدًا من خفضها، ولم نكن أول من دافع عن هذا الرأي، فقد سبقنا إليه [كثيرون].."(5).

"إن تعدد الزوجات المشروع عند الشرقيين أحسن من تعدد الزوجات الريائي عند الأوروبيين، وما يتبعه من مواكب أولاد غير شرعيين"(6).

[ 5 ]

"إن النساء المسلمات قد أخرجن في الدهر الغابر من المشهورات العالمات بقدر تخرج مدارس الإناث في الغرب اليوم" (7).

_______________________________

(1) حضارة العرب ، ص 389 .

(2) سورة البقرة ، الآية 241 .

(3) حضارة العرب ، ص 401 .

(4) نفسه ، ص 403 .

(5) نفسه ، ص 404 – 405 .

(6) روح السياسة، عن (محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، 1/83).

(7) نفسه ، 1/83 .

نظمي لوقا

[ 1 ]

"المرأة في الإسلام إنسان له حقوق الإنسان وكل تكاليفه العقلية والروحية فهي في ذلك صنو الرجل تقع عليها أعباء الأمانة التي تقع عليه، أمانة العقيدة والإيمان وتزكية النفس.. وقد نجد هذا اليوم من بدائه الأمور. ولكنه لم يكن كذلك في العالم القديم، في كثير من الأمم حيث كانت المرأة تباع أحيانًا كثيرة كما تباع السلعة.. وكانت في كثير من الأحيان منقوصة الأهلية لا تمارس التصرفات المالية والقانونية إلا عن طريق وليها الشرعي أو بموافقته، بل لم تكن تملك تزويج نفسها على الخصوص، وإنما الأمر في ذلك لوليها يجريه على هواه. وأكثر من هذا، كانت قبائل العرب في الجاهلية تئد البنات كراهة لهن وازدراء لشأنهن، ومن لم يئدهن كان يضيق بهن ضيقًا شديدًا.."(1).

[ 2 ]

"في سور القرآن أشار إلى المساواة عند الله بين الذكر والأنثى بغير تفريق في التكليف أو الجزاء، وإشارة صريحة مساواة المرأة والرجل في ثمرات الأعمال والجهود.. وفي بعض الأمم القديمة، والحديثة، كانت المرأة تحرم غالبًا من الميراث، فأبى الإسلام هذا الغبن الفاحش.."(2).

[ 3 ]

"ليس الإسلام - على حقيقته - عقيدة رجعية تفرق بين الجنسين في القيمة. بل إن المرأة في موازينه تقف مع الرجل على قدم المساواة. لا يفضلها إلا بفضل، ولا يحبس عنها التفضيل إن حصل لها ذلك الفضل بعينه في غير مطل أو مراء وما من امرأة سوية تستغني عن كنف الرجل بحكم فطرتها الجسدية والنفسية على كل حال. وذلك حسب عقيدة لتكون صالحة لكل طور اجتماعي على تعاقب الأطوار والعصور، على سنة العدل التي لم يجد لها عصرنا اسمًا أوفق من (تكافؤ الفرص)، الذي يلغي كل تفريق، ويسقط كل حجة، ويقضي على كل تميّز إلا بامتياز ثابت صحيح"(3).

[ 4 ]

"[العلاقة الزوجية في الإسلام] ليست مسافدة حيوانية بين ذكر وأنثى، على إطلاق بواعث الرغبة والاشتهاء الغريزي بين جنسي النوع البشري. لغير هذا قامت كوابح الآداب وضوابط الشرائع والعقائد {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}(4). هكذا جاء في سورة الروم، وإني لأرى في قوله (من أنفسكم) لمسة تمس شغاف القلب وتذكر بما في الزواج من قربى تجعل الزوجة قطعة من النفس ثم أردف ذلك بالسكن، وما أقرب السكن في هذا الباب من سكنية النفس لا من مساكنة الأجساد! بدليل ما أردف بذلك من المودة والرحمة.. وتلك عليا مناعم المعاشرة الإنسانية، بما فيها من غلبة الروح على نزوات الأجساد ودفعات الرغبة العمياء. فالزواج مطلب نفسي وروحي عند الإنسان، وليس مطلبًا شهويًّا جسديًّا وإن كان له أساس جسدي.."(5).

[ 5 ]

"كان لابد من إصلاح ما بين الإنسان وبين نفسه التي بين جنبيه بعقيدة موفقة بين الدين والدنيا، وقد نهض بهذا الإسلام، وكانت سنته في الزواج كفاء خطته في جوانب الهداية البشرية الفطرية، لتحرير البشر من الذعر والخزي وعقدة الإثم الشوهاء التي كبّلته ولم تزل تكبل الكثيرين عن انطلاقة الحياة وسوء الفطرة".

__________________________________

(1) محمد الرسالة والرسول ، ص 95 – 96 .

(2) نفسه ، ص 96 .

(3) نفسه ، ص 100-101 .

(4) سورة الروم ، الآية 21 .

(5) نفسه ، ص 115 - 116 .

مارش(1)

[ 1 ]

".. على فرض وجود بعض القيود على المرأة المسلمة في ظل الإسلام، فإن هذه القيود ليست إلا ضمانات لمصلحة المرأة المسلمة نفسها، ولخير الأسرة، والحفاظ عليها متماسكة قوية، وأخيرًا فهي لخير المجتمع الإسلامي بشكل عام"(2).

[ 2 ]

"لقد لاحظت أن المشكلات [العائلية التي يعانى منها الغرب] لا وجود لها بين الأسرة المسلمة التي تنعم بالسلام والهناء وكذلك الحب فلا الزوج ولا زوجته في ظل الإسلام يعرفان شيئًا عن موعد العشّاق ومودة الصديقات السائدين هذه الأيام في الأقطار غير الإسلامية. لقد أحببت هذا الجانب من الحياة الإسلامية حبًّا كثيرًا، لأنه يمنح الزوج والزوجة والأبناء ما لابد لهم عنه من حب وإخلاص وسلام يعمر حياتهم. وليس ذلك فحسب بل بفضل هذا الإخلاص في العلاقات الزوجية بين المسلمين، هم واثقون أن أبناءهم حقًّا من صلبهم غير دخلاء عليهم. وهذا مفقود في المجتمعات الأخرى"(3).

_________________________________

(1) سالي جان مارش: سلوى جان مارش S . J . Marsh

ولدت في واشنطن عام 1954 في عائلة بروتستانتية. حصلت على درجة الماجستير في العلوم السياسة من واشنطن، كما تفرغت لدراسة اللغة العربية بجامعة الكويت. قرأت كثيرًا في معظم الأديان المعروفة في الغرب فلم يقبل عقلها أي واحد منها فلما التقت بالإسلام (أحسّت منذ البداية أنها تؤمن بكافة تعاليمه بحكم فطرتها التي فطرها الله عليها) فانتمت إليه.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 8/46 .

(3) نفسه ، 8/ 46 – 47 .

ماكلوسكي(1)

[ 1 ]

".. في ظل الإسلام استعادت المرأة حريتها واكتسبت مكانة مرموقة. فالإسلام يعتبر النساء شقائق مساوين للرجال، وكلاهما يكمل الآخر"(2).

[ 2 ]

"لقد دعا الإسلام إلى تعليم المرأة، وتزويدها بالعلم والثقافة لأنها بمثابة مدرسة لأطفالها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة). لقد منح الإسلام المرأة حق التملك وحرية التصرف فيما تملك. وفي الوقت الذي نرى فيه أن المرأة في أوروبا كانت محرومة من جميع هذه الحقوق إلى عهد قريب جدًّا، نجد أن الإسلام منح المرأة بالإضافة إلى ما تقدم حق إبرام العقود للزواج. والمهر في نظر الإسلام هو حق شخصي للمرأة. والمرأة في الإسلام تتمتع بحرية الفكر والتعبير.."(3).

[ 3 ]

".. إن المرأة المسلمة معززة مكرمة في كافة نواحي الحياة، ولكنها اليوم مخدوعة مع الأسف ببريق الحضارة الغربية الزائف. ومع ذلك فسوف تكتشف يومًا ما كم هي مضللة في ذلك، بعد أن تعرف الحقيقة"(4).

[ 4 ]

"إن الإسلام يحضنا على القيام بالعمل المثمر، شريطة أن نلتزم نحن النساء بالحشمة في لباسنا وأن نستر جمال أجسادنا. وعلينا أن نكون جادّين في حديثنا. وهكذا فالإسلام لا يمنع المرأة من ممارسة أى عمل شريف يناسب طبيعتها. إلا أن أقدس واجب على المرأة هو واجبها الطبيعي في خدمة أسرتها والعناية بأعضائها لأن جزاءها على هذا يعادل أجر المقاتلين في سبيل الله، والمرأة المسلمة مازالت تقوم بهذه الواجبات بكل اعتزاز"(5).

[ 5 ]

"أن نشاطات المرأة المسلمة قد تمتد أحيانًا خارج المنزل، فبعض النساء المسلمات كن يقمن بمسؤوليات عامة.. في الحرب والتجارة. ولكن ذلك كله كان في إطار الخلق الكريم"(6).

_________________________________

(1) منى عبد الله ماكلوسكي Muna A.Maclosky

ألمانية، تعمل قنصلاً لبلادها، ألمانيا الاتحادية، في بنغلادش، اهتدت إلى الإسلام في مطلع عام 1976، على يد شيخ الجامع الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود – رحمه الله – وشعرت يومها "كأنها ولدت من جديد".

(2) رجال ونساء أسلموا ، 9/62 .

(3) نفسه ، 9/ 62 - 63 .

(4) نفسه ، 9 / 63 .

(5) نفسه ، 9/ 63 – 64 .

(6) نفسه ، 9 / 64 .

روز ماري هاو

[ 1 ]

"الحجاب شيء أساسي في الدين الإسلامي لأن الدين ممارسة عملية أيضًا، والدين الإسلامي حدد لنا كل شيء. كاللباس والعلاقة بين الرجل والمرأة الحجاب يحافظ على كرامة المرأة ويحميها من نظرات الشهوة، ويحافظ على كرامة المجتمع ويكف الفتنة بين أفراده. لذلك فهو يحمي الجنسين من الانحراف. وأنا أؤمن أن السترة ليست في الحجاب فحسب، بل يجب أن تكون العفة داخلية أيضًا، وأن تتحجب النفس عن كل ما هو سوء"(1).

[ 2 ]

"إن الإسلام قد كرم المرأة وأعطاها حقوقها كإنسانة، وكامرأة، وعلى عكس ما يظن الناس من أن المرأة الغربية حصلت على حقوقها.. فالمرأة الغربية لا تستطيع مثلاً أن تمارس إنسانيتها الكاملة وحقوقها مثل المرأة المسلمة. فقد أصبح واجبًا على المرأة في الغرب أن تعمل خارج بيتها لكسب العيش. أما المرأة المسلمة فلها حق الاختيار، ومن حقها أن يقوم الرجل بكسب القوت لها ولبقية أفراد الأسرة. فحين جعل الله سبحانه وتعالى للرجال القوامة على النساء كان المقصود هنا أن على الرجل أن يعمل ليكسب قوته وقوت عائلته. فالمرأة في الإسلام لها دور أهم وأكبر مجرد الوظيفة، وهو الإنجاب وتربية الأبناء، ومع ذلك فقد أعطى الإسلام للمرأة الحق في العمل إذا رغبت هي في ذلك، وإذا اقتضت ظروفها ذلك"(2).

[ 3 ]

".. أنا أفهم أن الإسلام يعتبر الزوج أقرب صديق لزوجته، إذ تكنّ له كل ما في نفسها، لأن الزواج في الإسلام علاقة حميمة مبنية على شريعة الله لا تضاهيها العلاقات العادية الأخرى .."(3).

__________________________________

(1) رجال ونساء اسلموا ,8 \25-26 .

(2) نفسه ، 8 / 28 .

(3) نفسه ، 8/ 29 .

زيغريد هونكه

[ 1 ]

"إن احترام العرب لعالم النساء واهتمامهم به ليظهران بوضوح عندما نرى أنهم خصّوه بفيض من العطور وبأنواع الزينة، التي وإن لم تكن غير مجهولة قبلهم، إلا أنها فاحت بثروة الشرق العطرية الزكية، وبالأساليب الفائقة في تحضيرها. كذلك فإن العثنون الذي كان يزين الوجوه الحليقة، منذ حملات الصليبيين، على طريقة النبي محمد [صلى الله عليه وسلم] قد أصبح نموذجًا يقلده الرجال"(1).

[ 2 ]

".. قاوم العرب كل التيارات المعادية [للمرأة] واستطاعوا القضاء على هذا العداء للمرأة والطبيعة، وجعلوا من منهجهم مثالاً احتذاه الغرب ولا يملك الآن منه فكاكًا، وأصبح الاستمتاع بالجمال جزءًا من حياة الأوروبيين شاءوا أم أبوا"(2).

[ 3 ]

".. ظلت المرأة في الإسلام تحتل مكانة أعلى وأرفع مما احتلته في الجاهلية. ألم تكن خديجة [رضي الله عنها] زوجة النبي [صلى الله عليه وسلم] الأولى، التي عاش معها أربعة وعشرين عامًا، أرملة لها شخصيتها ومالها ومكانتها الرفيعة في مجتمعها؟ لقد كانت نموذجًا لشريفات العرب، أجاز لها الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن تستزيد من العلم والمعرفة كالرجال تمامًا؛ وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين. فكانت السيد تنتهي دراستها على يد كبار العلماء، ثم تنال منهم تصريحًا لتدرّس هي بنفسها ما تعلمته، فتصبح الأستاذة الشيخة. كما لمعت من بينهن أديبات وشاعرات، والناس لا ترى في ذلك غضاضة أو خروجًا على التقاليد"(3).

[ 4 ]

"إن النساء في صدر الإسلام لم يكن مظلومات أو مقيدات، ولكن هل دام هذا طويلاً؟ لقد هبت على القصور العباسيين رياح جديدة قدمت من الشمال فغيرت الأوضاع، وقدم الحريم من الجاريات الفارسيات واليونانيات.. و كان أن حرمت المرأة العربية من مكانتها الرفيعة في المجتمع و قيدت حرياتها حين سيطرت على المجتمع العادات الفارسية القديمة. والإسلام بريء من كل ما حدث، والرسول [صلى الله عليه وسلم] لم يأمر قط بحجب النساء عن المجتمع. لقد أمر المؤمنين من الرجال والنساء على حد سواء، بأن يغضوا الطرف وأن يحافظوا على أعراضهم وأمر النساء بألا يظهرن من أجسادهن إلا ما لا بد من ظهوره، وألا يظهرن محاسن أجسادهن إلا في حضرة أزواجهن"(4).

[ 5 ]

"الإسلام قدّس الزواج وطالب بالعدل بين الزوجين أو الثلاث أو الأربع في المعاملة. {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}(5). أليس هذا نصًّا صريحًا يطلب فيه من المؤمنين ألا يتزوجوا بأكثر من واحدة إلا إذا كان في استطاعتهم تحري العدل بين النساء؟ والمشكلة لم تكن اقتصادية فحسب، فمؤرخو العرب يذكرون أن العربي الأصيل المؤمن لم يكن يتخذ إلا زوجة واحدة يبقى مخلصًا لها وتبقى هي مخلصة له حتى يفرق بينهما الموت"(6).

__________________________________

(1) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 53 .

(2) نفسه ، ص 468 .

(3) نفسه ، ص 470 .

(4) نفسه ، ص 470 - 471 .

(5) سورة النساء ، الآية 3 .

(6) شمس العرب تسطع على الغرب ، ص 472 .

مونتكومري وات

[ 1 ]

"إن الفكرة الرائدة في القرآن، هي أنه إذا تبنى المسلمون تعدد الزوجات، فان جميع الفتيات اللواتي هن في سن الزواج يمكنهن الزواج بصورة حسنة"(1).

[ 2 ]

".. كان [تعدد الزوجات] عادة غريبة على تفكير أهل المدينة. وقد عالج هذا التغيير المساوئ التي نتجت عن ازدياد النزعة الفردية. إذ أن تعدد الزوجات يسمح للنساء الكثيرات بالزواج الشريف، كما يضع حدًّا لاضطهاد الأرامل اللواتي تحت الوصاية، كما يخفف من إغراء الزواج المؤقت الذي يسمح به مجتمع عربي ذو عوائد أمية. ويجب اعتبار هذا الإصلاح، بالنظر لبعض العادات السائدة آنذاك، تقدمًا مهمًا في تنظيم المجتمع" (2).

[ 3 ]

"لقد قام محمد [صلى الله عليه وسلم] في ميدان الزواج والعلاقات العائلية، بتنظيم عميق واسع للبناء الاجتماعي. وقد وجدت قبله نزعات جديدة فردية، ولكن أثرها كان هدامًا أكثر منه بناء. وكان عمل محمد [صلى الله عليه وسلم] بهذا الصدد يقوم على استخدام هذه النزعات الفردية لتكون بناء جديد. فقد انهارت عادات المجتمعات القبلية وتقاليدها، فأنقذ محمد [صلى الله عليه وسلم] منها ما يمكن إنقاذه وحوله إلى المجتمع الفردي الجديد. وهكذا استطاع توليد نظام عائلي ظهر مرضيًا ومغريًا في مجتمع ينتقل من مرحلة الجماعية إلى مرحلة الفردية"(3).

[ 4 ]

"كانت التشريعات القرآنية تهدف إلى أن لا يتعدى الوصيّ على حقوق أي قاصر أو امرأة في الميراث الطبيعي.."(4).

[ 5 ]

".. بالرغم من أن الإنسان [المسلم] يملك ممتلكاته في حياته، ويستطيع التصرف بها كما يشاء فهو مسؤول عنها أمام عائلته.."(5).

__________________________________

(1) محمد في المدينة ، ص 422 .

(2) نفسه ، ص 423 - 424 .

(3) نفسه ، ص 441 .

(4) نفسه ، ص 443 .

(5) نفسه ، ص 447 .

واندر(1)

[ 1 ]

"من خلال معايشتي للمسلمين اكتشفت العلاقة الرائعة بين أفراد الأسرة المسلمة، تعرّفت كيف يعامل الآباء المسلمون أبناءهم، وعرفت العلاقة الوثيقة التي تربط أفراد الأسرة المسلمة، كما أعجبت بالمكانة التي يتمتع بها كبار السّنّ بين المسلمين. وفي الوقت الذي أجد فيه كبار السن في الغرب وفي بلادي أمريكا، قمة الحضارة الغربية المادية المعاصرة، يلقى بهم في مؤسسات العجزة، وينبذون فلا يلتفت إليهم أحد، أجد الجد والجدة المسلمين في مركز الأسرة و بؤرتها من حيث الحفاوة والتكريم. لقد أحببت ذلك كثيرًا .."(2).

_________________________________

(1) جاري واندر Gary Wander

صحفي أمريكي يعمل في صحفية (كويت تايمز). من مواليد نيويورك. نشأ في ظل أسرة بروتستانتية. تخرج من قسم العلوم السياسية بجامعة نيويورك. زار عددًا من البلاد العربية حيث وجد نفسه يندفع لاعتناق الإسلام. وهو الآن في العقد الرابع من عمره.

(2) رجال ونساء أسلموا ، 7 / 106 .

الفصل السابع الحاضر والمستقبل

"ليس هناك أي دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحلّ كافة مشكلات الناس في العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده.."

(السياسي والصحفي الهندي كوفهي لال جابا)

دوكلاس أرثر

[ 1 ]

"لو أحسن عرض الإسلام على الناس لأمكن به حلّ كافة المشكلات ولأمكن تلبية الحاجات الاجتماعية والروحية والسياسية للذين يعيشون في ظل الرأسمالية والشيوعية على السواء. فقد فشل هذان النظامان في حلّ مشكلات الإنسان. أما الإسلام فسوف يقدم السلام للأشقياء، والأمل والهدى للحيارى والضالين. وهكذا فالإسلام لديه أعظم الإمكانات لتحديث هذا العالم وتعبئة طاقات الإنسان لتحقيق أعلى مستوى من الإنتاج والكفاية"(1).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 5 / 57 .

سير توماس ارنولد

[ 1 ]

"إن عدم وجود التعصب الطائفي ليكوّن القوة الحقيقية للإسلام في الهند، ويمكن له أن يجذب إليه عددًا كبيرًا جدًا من الهندوكية"(1).

[ 2 ]

"في سنة 1867 عبر كاتب روسي، في كتاب هام كتبه عن الإسلام في الصين(2) عن الفكرة التي تقول بأن الإسلام مهيأ لأن يصبح الدين القومي للإمبراطورية الصينية، ولأن يقلب تبعًا لذلك الأوضاع السياسية في العالم الشرقي رأسًا على عقب"(3).

[ 3 ]

"كان اعتناق أي دين يخالف ديانة الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، أمرًا محرمًا في القانون الروسي، ومن ثم توقف الإسلام عن أي تقدم جديد، إلى أن صدر مرسوم التسامح الديني سنة 1905. ومن النتائج التي ترتبت على صدور هذا المرسوم في بلاد القوقاز، أن دخلت جموع كثيرة في الإسلام بين طوائف الأبخاز Abkhazes الذين كانوا قد ظلوا فترة طويلة يدينون بالمسيحية اسمًا فقط، ولكنهم الآن قد أصبحوا مسلمين، في جموع بلغ من ضخامتها أن رجال الكنيسة الأرثوذكسية قد أخذ الخوف منهم كل مأخذ حتى أقاموا جمعية خاصة تقوم بتوزيع منشورات دينية بينهم، أملاً في مناهضة النفوذ الإسلامي"(4).

[ 4 ]

"هنالك في الوقت الحاضر عاملان رئيسيان.. يعملان على تنشيط الدعوة في العالم الإسلامي. أولهما انتعاش الحياة الدينية التي يبدأ تاريخها من حركة الإصلاح الوهابية في القرن الثامن عشر.. والتي ترى تأثيرها من حيث هي نهضة دينية ملموسًا في كافة أنحاء أفريقية والهند وأرخبيل الملايو، حتى إلى الوقت الحاضر، كما أحيت كثيرًا من الحركات التي أحرزت قصب السبق بين أقوى المؤثرات في العالم الإسلامي. وقد أوضحنا كيف أن كثيرًا من البعوث الإسلامية الحديثة، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتلك الحركة الواسعة النطاق، وأن ما أثارته هذه الحركة من حماسة متقدة، وما سكبته في النظم الدينية القائمة من حياة جديدة وما بنته في الدراسة الدينية النظرية وتنظيم الشعائر المنسكية من روح دافعة، إن ذلك كله قد عمل على إيقاظ روح الإسلام الفطرية التي جبلت على نشر تعاليم الدعوة، كما عمل على الإبقاء عليها. وهناك عامل آخر يسير مع هذه الحركة الإصلاحية جنبًا إلى جنب.. ذلك هو حركة الوحدة الإسلامية التي تسعى إلى ربط جميع شعوب العالم الإسلامي برباط مشترك من المودة والتعاطف.. [فتهب] روحًا قوية تدفع إلى القيام بأعمال نشر الدعوة، وإن الجهد الذي يحقق في الحياة الدنيا المثل الإسلامي الأعلى في أخوة المؤمنين كافة لينعكس على مثل العقيدة العليا المكملة وأن معنى وحدة شاملة وحياة مشتركة تجري في هذه الشعوب، لينفخ في قلوب المؤمنين روحًا وحياة، ويخلق فيها الجرأة على التحدث بين يدي الكفار. أما معرفة ما ستحدثه هاتان الحركتان من تأثير أبعد مدى في حياة الدعوة الإسلامية فإن المستقبل وحده كفيل ببيان ذلك. على أن مجرد نشاطهم في الوقت الحاضر دليل على أن الإسلام لم يمت. ولم يكن النشاط الروحي للإسلام، كما زعم عدد كبير جدًا من الناس، متمشيًا مع سلطانه السياسي، بل على العكس من ذلك، نجد فقدان السلطة السياسية والانتصار المادي، يعمل على إبراز أجمل الصفات الروحية التي تعد أصدق البواعث التي تحفز على القيام بأعمال الدعوة. وقد تعلم الإسلام منافع الشدائد، ولما كان بعيدًا كل البعد عن الانحدار إلى الرخاء المادي لكونه نذير انحلال هذا الدين، كان من المهم أن تلك البلاد الإسلامية الخالصة، التي عاشت أطول وقت في ظل الحكم المسيحي، تتجلى كأشد ما تكون نشاطًا في القيام بنشر تعاليم الدعوة. ويظهر مسلمو الهند والملايو من الحماس والغيرة في نشر الدين ما لا نجده في تركيا أو في مراكش"(5).

______________________________________

(1) الدعوة إلى الإسلام ، ص 327 .

(2) Vasiper(V.P.): Spread of Mohammedan Faith in China, PP. 3, 5, 14, 17 (Petesburg, 1867). .

(3) الدعوة إلى الإسلام ، ص 347 .

(4) نفسه ، ص 122 .

(5) نفسه ، ص 468 – 469 .

ج. ك. برغ

[ 1 ]

"مما يعني الباحثين في الإسلام في إندونيسيا عناية خاصة أن تأثير شعور الوحدة الإسلامية القديم يمكن أن يتجلى أيضًا في حركات كثيرة وأظهر ما يكون هذا في حركة شعبية مثل (شركة إسلام) التي زاد عدد أعضائها على مليونين في بعض الأحيان، وإن تاريخها ليبيّن أنها تكونت من عناصر غير متجانسة وأن هذه العناصر لم تشعر قط بما بينها من اختلاف"(1).

[ 2 ]

".. أن أفكارًا أوروبية مخالفة في جوهرها للأفكار التي كانت سائدة قبل ذلك وجدت لها مكانًا خفيًا في مراكز العالم الإسلامي.. وأحدثت عملية انحلال انتهت في ميدان السياسة بتكوين ممالك صغرى مشربة بالروح الأوروبية.. وأصبحت الأمة الإسلامية على وشك التمزق.."(2).

[ 3 ]

"أن التعليم على الأسلوب الأوروبي الجديد – وهو غريب عن روح الإسلام غرابته عن روح المسيحية – يضع وهو صامت بذور انحلال أكثر مما حدث"(3).

______________________________________

(1) وجهة الإسلام (بإشراف كب)، ص 14 .

(2) نفسه ، ص 200 .

(3) نفسه ، ص 201 .

مارسيل بوازار

[ 1 ]

".. هاهو الإسلام يؤكد طموحه السياسي على المستوى العالمي ويتابع انتشاره بانتظام، ولا سيما في أفريقيا السوداء. وإذا نُظر إلى قيام الإسلام ووحدته، تبين أنه ليس مجرد جسم ميّت نقشت عليه ذكرى ماضي مجيد، وإنما هو واقع حيّ حقًا"(1).

[ 2 ]

".. يتمثل الذي يجد فيه العالم الإسلامي المعاصر نفسه في قدرته.. على إيجاد الوسائل اللازمة لتحقيق (نهضة) فكرية وسياسية، ولا يمكن أن تقوم هذه النهضة من دون الإسلام.."(2).

[ 3 ]

".. يظهر أن التغيير السياسي – الاجتماعي اللازم للتكيف مع العالم العصري يظل مشروطًا، بشكل واسع، بقيام (نهضة) دينية، لأن الإسلام الراشد يرفض فصل الروحي عن الزمني"(3).

[ 4 ]

"ثبت أن الإسلام روح كل مقاومة يبديها شعب مغلوب سياسيًا.. ومحكّ كل مقاومة.. وفي أفريقيا ساهم الدين في إقامة مجتمع جديد خارج النطاق القبلي أكثر جدارة بمقاومة التأثير الأجنبي. وفي آسيا تماسك الإسلام المرن ونما في وجه النفوذ الاستعماري.. وقد حمل الإسلام في أكثر الأحيان راية الصراع مع الاستعمار"(4).

[ 5 ]

".. [إن] هناك إجماعًا على الجهر بأنه لا يمكن اعتبار الإسلام مسؤولاً عن جمود العالم الإسلامي الطويل وانحطاطه الواضح. بل تعزى الأمراض الحاضرة على العكس من ذلك إلى المسلمين الذين أهملوا العيش وفق مبادئ دينهم. وإذا كانوا قد فقدوا الرخاء المادي الذي كانوا ينعمون به تاريخيًا، فلأنهم بالتحديد أهملوا التقيد بـ (نصف الشريعة الإلهية) ولكشف النقاب الذي انسدل على العالم الإسلامي ينبغي أن نلحّ على الطابع العقلاني الكامل للتنزيل وعلى الطاقات اللامحدودة الكامنة في السّنّة النبوية. فحين كان المسلمون يحيون حسب إرشادات الدين التي تحضّ على التفكير وتشجع الروح النقدي، أثبت الإسلام أنه حامل مشعل التقدم والرقي"(5).

______________________________________

(1) إنسانية الإسلام ، ص 35 .

(2) نفسه ، ص 75 .

(3) نفسه ، ص 78 .

(4) نفسه ، ص 300 – 301 .

(5) نفسه ، ص 305 .

أرنولد توينبي

[ 1 ]

"أما حركة التغريب المتطرفة التي قادها مصطفى كمال أتاتورك، فإننا نشك فيما إذا كان بعد نظر أتاتورك الخيالي، وقدرته الشيطانية الموجهة قادرين وحدهما على زحزحة الأتراك من وضعهم المحافظ القديم، لو لم يواجه الأتراك بعد الحرب العالمية الأولى اختيارًا صعبًا لا يمكن الهروب منه: إما تغريب بدون تحفظ، وإما فناء محقق! والحقيقة أن الهجوم الغربي المعاكس على العالم الإسلامي.. قد تأثر إلى حد كبير بالذكريات المرة التي كان يحملها الغربيون عن البسالة العسكرية المشهودة عند الأتراك والشعوب الإسلامية الأخرى"(1).

"الآن، بعد أن طويت المسافات بتقدم التقنية الغربية، وفي الوقت الذي تتنافس فيه طرق الحياة الغربية مع طريقة الحياة الروسية لكسب ولاء البشرية كلها، الآن يظهر أن التقليد الإسلامي في أخوة الإنسان للإنسان هو مثل أعلى يوافق حاجات العصر الاجتماعية وهو أفضل من التقليد الغربي الذي أدى إلى قيام عشرات الدول الصغيرة ذات السيادة. وفي الواقع الحاضر الذي يجد الغرب نفسه فيه منذ الحرب العالمية الثانية، نرى أن تجزئته إلى أكثر من أربعين دولة مستقلة ذات سيادة يهدّد بانهيار البيت كله على من فيه، بسبب انقسامه هكذا على نفسه. ومن المأمول أن يستطيع العالم الإسلامي، على كل حال، إيقاف انتشار هذا الداء السياسي الغربي.. وذلك عن طريق الشعور الإسلامي القوي بالوحدة"(2).

[ 3 ]

"ليس من الضروري للدول الإسلامية الأخرى أن تتبع تمامًا الطريق التي سلكها (الروّاد) الأتراك. هناك مثلاً الدول الإسلامية الناطقة بالعربية حيث اللغة المشتركة المتكلمة بلهجات مختلفة ولكنها تكتب بأسلوب أدبي لغوي واحد من شواطئ المحيط الأطلسي في مراكش إلى الحدود الغربية لإيران، ومن حلب والموصل في الشمال إلى الخرطوم وعدن ومسقط وزنجبار في الجنوب.. لأن اللغة العربية هي لغة الدين حتى في البلاد الإسلامية التي لا تتكلم العربية كلغة أصلية. فهل من الضروري حقًا أن يتفتت العالم العربي كما تفتت الإمبراطورية الإسبانية في أمريكا.. إلى عشرين دولة مستقلة عن بعضها تعيش في قوالب ضعيفة (غربية) النمط؟!.. هذا هو الوجه الثاني الكالح لحضارتنا الغربية، ومن المؤسف حقًا أن تقلده الشعوب الناطقة بالعربية تقليدًا تامًا"(3).

[ 4 ]

"إن باستطاعتنا أن نميز بعض مبادئ الإسلام التي إذا طبقت في الحياة الاجتماعية للبروليتاريا العالمية الحديثة، يمكن أن تأتي بنتائج حسنة مفيدة لهذا المجتمع الكبير في المستقبل القريب. هناك مصدران ظاهران من مصادر الخطر، الأول نفسي والثاني مادي في العلاقات الحاضرة بين البروليتاريا العالمية وبين الفئة الحاكمة في مجتمعنا الغربي، ومصدر الخطر هذان هما (1) التمييز العنصري، (2) الخمر. وفي مجال الصراع ضد هذين الشّرين نجد للفكر الإسلامي دورًا يؤديه ويبرهن فيه – إذا سُمح له بتأدية هذا الدور – عن قيم اجتماعية وأخلاقية سامية. فعدم وجود التمييز العنصري بين المسلمين هو أحد أبرز الإنجازات الأخلاقية للإسلام، والعالم المعاصر في وضعه الراهن بحاجة ماسة لنشر هذه الفضيلة الإسلامية.. إن قوى التسامح العنصري ذات أهمية ضخمة للإنسانية وهي الآن، على ما يظهر، تخوض معركة خاسرة على الصعيد الفكري إلا أنها قد تتمكن من الغلبة إذا ساندها ونزل إلى جانبها في المعركة رصيد من النفوذ القوي المناضل الذي لم يزل حتى الآن احتياطيًا. والذي أتصوره أن روح الإسلام ستكون التعزيز المناسب الذي سيقرر مصير هذه المعركة لمصلحة التسامح والسلام"(4).

[ 5 ]

"صحيح أن الوحدة الإسلامية نائمة، ولكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا ثارت البروليتاريا العالمية للعالم المتغرّب ضد السيطرة الغربية، ونادت بزعامة معادية للغرب، فقد يكون لهذا النداء نتائج نفسانية لا حصر لها في إيقاظ الروح النضالية للإسلام، حتى ولو أنها نامت نومة أهل الكهف، إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام. وهناك مناسبتان تاريخيتان كان الإسلام فيهما رمز سموّ المجتمع الشرقي في انتصاره على الدخيل الغربي: ففي عهد الخلفاء الراشدين [رضي الله عنهم]، بعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] حرّر الإسلام سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي أثقلت كاهلهما مدة ألف عام تقريبًا. وفي عهد (نور الدين) و(صلاح الدين) و(المماليك) احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول. فإذا سبّبه الوضع الدولي الآن حربًا عنصرية، يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرة أخرى"(5).

______________________________________

(1) الإسلام والغرب والمستقبل ، ص 18 .

(2) نفسه ، ص 28 .

(3) نفسه ، ص 29 – 30 .

(4) نفسه ، ص 62 ، 64 .

(5) نفسه ص 739 .

كوفهي لال جابا

[ 1 ]

".. أن الإسلام بوسعه تلبية كافة حاجات الإنسان في العصر الحاضر، فليس هناك أي دين كالإسلام يستطيع أن يقدم أنجح الحلول للمشكلات والقضايا المعاصرة. فمثلاً أشد ما يحتاج إليه العالم اليوم الأخوة والمساواة، وهذه، وجميع الفضائل لا تجتمع إلا في الإسلام لأن الإسلام لا يفاضل بين الناس إلا على أساس العمل والبذل"(1).

[ 2 ]

".. في عالمنا اليوم هناك دعوة لحقوق الإنسان، ننظر إلى ما حولنا فماذا نجد؟ نجد العلاقات الأسرية وقد دمّرت، بينما نجد الإسلام يمنح كافة الحقوق للمرأة، ويقيم عقد الزواج على أساس عقد حكيم عادل بين طرفين متكافئين أن مشكلات الأمهات غير المتزوجات غريبة تمامًا عن المجتمع الإسلامي، إذ إن الإسلام قد وضع عقوبات صارمة لجريمة الزنا على العكس من القوانين الحديثة التي تتساهل كثيرًا في ذلك، ومن هنا نجد المجتمع الإسلامي نظيفًا طاهرًا من كل ذلك"(2).

[ 3 ]

"إن الإسلام هو أفضل دين للبشرية، فبينما نجد أماكن العبادة في الأديان الأخرى خاوية في أغلب الأحيان، نرى أن المساجد تزخر بالمؤمنين وخاصة من الشباب الذين يعبدون الله خمس مرات في اليوم بأعداد كبيرة، وهذا أكبر دليل على أن الإسلام لا يزال بخير تمامًا كما كان دائمًا في الماضي. فالإسلام يتغلغل في حياة المسلم بكل تفاصيلها، بل له الكلمة الفصل في كل نشاط يقوم به المسلم وليس هناك أي دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحل كافة مشكلات الناس في العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده"(3).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 102 – 103 .

(2) نفسه ، 6 / 103 .

(3) نفسه ، 6 / 103 – 104 .

دانكوس(1)

[ 1 ]

"إن استمرار الشعور الديني في الاتحاد السوفيتي، أو تجدّده، حقيقة اجتماعية ثقافية، تُقرّ بها السلطات السوفيتية ويلحظها المراقبون الأجانب والسلطة تنظر إلى هذه الحقيقة من وجهتين، فهي تارة تعتبرها مدعاة للافتخار على أنها الدليل الملموس على موقفها المنفتح والديمقراطي تجاه جميع المعتقدات الخاصة، وطورًا تبدي تجاهها بعض القلق، وحينها تجنّد أجهزتها المختصة في الدعاية المعادية للدين، وتشتد الحملات الإلحادية، وتتضاعف في الصحف الدعوة إلى التيقظ والحذر، ويعاد إلى أذهان المربين أن المهمة الأولى للمدرسة هي في إنشاء شيوعيين، أي في إبعاد مواطني المستقبل السوفيتيين عن الأفكار الرجعية [!!] الخطرة والمعادية للشيوعية، التي تنقلها الديانات. وتؤكد النشرات المعادية للدين بصورة متزايدة، قابلية الديانات للاستمرار والتأقلم مع المجتمع الذي بدلته الاشتراكية، بعد أن كانت هذه النشرات تكتفي في الماضي القريب، بمهاجمة الديانات وتتنبأ بزوالها الحتمي [!!] وقد بدأت السلطة السوفيتية تدرك مدى جاذبية الطقوس الدينية في مجتمع تسود فيه الرتابة، وكيف بدأت الأخلاق الدينية تخطط لنفسها طريقًا إلى جانب الأخلاق الاشتراكية، لا بل في محلها في مجتمع ما زاده التحضير ميلاً إلى الجنوح"(2).

[ 2 ]

".. أن جميع المعلومات [السوفيتية الرسمية] تتضافر لتوحي بأن الإسلام يحتضر ببطء في الاتحاد السوفيتي، مع احتضار الجيل الذي لم ينشأ على الإيديولوجية السوفيتية. ولكن معلومات مضادة لا تلبث أن تناقض هذه الصورة، فالتحقيقات الاجتماعية المتزايدة في الاتحاد السوفيتي حول هذا الموضوع، تبين أن المجتمع الإسلامي لا يزال متعلقًا بمعتقداته، وأن ما يقارب نصف الأشخاص الذين جرى استجوابهم في الوسط الريفي صرحوا بتمسكهم بالإيمان. وعلى سبيل المثال نورد تحقيقًا أجري عام 1972 بجمهورية كاراكالبك الملحقة بأزبكستان، وقد دلّ هذا التحقيق على أن 23% من الرجال و20% من النساء يعلنون عن إلحادهم، فيكون 77% من الذكور و80% من الإناث مؤمنين.. وفي شمال القوقاس أعلن 20% فقط من السكان عن كونهم ملحدين (عام 1974).. [هذا رغم] أن الباحثين في الأوساط الإسلامية يلحظون غالبًا تحفظًا من قبل السكان في الكشف عن حقيقة إيمانهم.."(3).

[ 3 ]

"هنالك خاصية ثانية للإسلام تزيد الوضع [في الاتحاد السوفيتي] تعقيدًا فهو، على نقيض المسيحية التي تفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا، يجمع بين المجالين. فالعقيدة الإسلامية، وهي ثمرة القرآن والسنة، تفرض على المؤمنين وجود مؤسسات خاصة، مهمتها الإشراف على الحياة الاجتماعية. والدولة السوفيتية، في برنامجها التأحيدي [الذي يستهدف فرض إيدلوجية واحدة] لم يكن باستطاعتها أن توافق على وجود نظام خاص للطائفة الإسلامية، فألغت في أوائل سني استلامها السلطة، العناصر الأساسية فيه، أي النظام القانوني والمؤسسات الشرعية والأسس المالية المعتمدة. وبعد أن جعلت الديانة الإسلامية ديانة أفراد معينين لا ديانة طائفة، وبعد أن حرمت من مؤسساتها، ونزعت منها أمور الدنيا، هل بقي لها وجود منظم أم هي أضحت هيكلاً لا يلبث أن يتفتت مع غياب آخر فوج من المؤمنين؟ هنالك وقائع كثيرة وساطعة تشهد بأن التشاؤم فيما يتعلق بمستقبل الإسلام كان يمكن القبول به في الماضي القريب، ولكنه اليوم لم يعد له من أساس، بل على العكس، فهذه الوقائع توحي بأن الإسلام يبعث من جديد، وفي ظروف جديدة، وأن هذا البعث المرتكز إلى وجود واع وإرادي لا إلى وجود استمراري، تدعمه وتوجهه المراجع الإسلامية العليا.."(4).

[ 4 ]

".. نجد في صحف الجمهوريات الإسلامية عدة إشارات.. يفهم منها أن التضامن الإسلامي [في الاتحاد السوفيتي] بات في ازدياد، وأن المؤمنين أضحى لهم تأثير متصاعد على السكان غير الممارسين لدينهم.."(5).

______________________________________

(1) هيلين كارير دانكوس Helene Carrere d' Encansse

باحثة فرنسية معاصرة، وهي واحدة من أبرز الخبراء في شؤون (الماركسية الآسيوية)، وقد صدر كتابها (القوميات والدولة السوفياتية) في باريس عام 1987 فأثار ضجة ما تزال مستمرة وترجم فورًا إلى عدد من اللغات الحية.

(2) القوميات والدولة السوفييتية ، ص 143 .

(3) نفسه ، ص 147 .

(4) نفسه ، ص 149 .

(5) نفسه ، ص 151 .

إميل درمنغم

[ 1 ]

".. كان الانحطاط السياسي والاجتماعي موازيًا لنسيان مبادئ الإسلام الصحيح مع أنه لم ينشأ عنها، واليوم يظهر أن الأمم الإسلامية تنهض وهي تستطيع أن تمثل دورًا كبيرًا فتكون أداة وصل بين الغرب والشرق الأقصى وتكون ذخرًا من أذخار العالم القديم.."(1).

______________________________________

(1) حياة محمد ، ص 371 372 .

هنري دي كاستري

[ 1 ]

".. أن للمسلمين في الصين منزلة علية. [ويخمّن] (وازيليف) وهو من الذين اشتغلوا بالإسلام في تلك النواحي أن مصيره القيام مقام مذهب (بوذا) وأن لمسلمي [الصين] اعتقادًا جازمًا بأن الإسلام لابدّ أن يسود حتى تزول به تلك الديانة القديمة البوذية، وهي مسألة من أهم المسائل، إذ الصين آهلة بثلث العالم أو تزيد، فلو صاروا كلهم مسلمين لأوجب ذلك تغييرًا عظيمًا في حالة تلك البلاد بأجمعها فيمتد شرع محمد [صلى الله عليه وسلم] من جبل طارق إلى المحيط الأكبر الهادي ويخشى على الدين المسيحي مرة أخرى ومعلوم أن أمة الصين أمة عاملة وإن هدأت أخلاقها وجميع الأمم تستفيد الآن من عملها فلو جاءها التعصب الإسلامي ذو البأس القوي لخشيت بقية الأمم من السقوط تحت سلطانها(1). وقال (مسيو مونتيه) لقد صار من المحقق أن الإسلام ظافر لا محالة على غيره من الأديان التي تتنازع البلاد الصينية"(2).

[ 2 ]

"قال (مسيو مونتيه): أن أكثر انتشار الإسلام في أفريقيا فهو يتقدم فيها تقدمًا سريعًا وينجح نجاحًا كليًا لأن أزر المسلمين فيها مشدود بما لهم من المكنة في الجهة الشمالية.. فلا ينازع الدين الإسلامي دين غيره لذلك يكثر عددهم وينمو الدين على الدوام"(3).

[ 3 ]

"أن الإسلام يبرهن على قوته وحياته باكتساب الوثنيين في أواسط أفريقيا وتجنيدهم تحت راية القرآن. وله كذلك في الشمال الشرقي من بلاد الزنج وفي السودان ما يدل على قوته الغريبة وسيره المدهش. إذ قامت مملكتان قويتان مملكة المهدي ومملكة إمام جغبون [السنوسية] منذ خمسين سنة على هيئة حكومات تشخص الحكومة الدينية التي أرادها النبي الإسلامي [صلى الله عليه وسلم] كذلك توجد في الزاوية المقابلة لهاتين المملكتين مملكة ثالثة في شمال أفريقيا وهي على نسقها ولا تزال تقاوم هجمات الديانات المسيحية ظافرة عليها ونعني بها مملكة مراكش.."(4).

[ 4 ]

"إن استعصاء المسلمين على التنصّر بواسطة المرسلين واستحالة إخضاعهم بالقوة، هما السببان اللذان يعترضان تنصّرهم. والمرسلون من الكاثوليك هم أول المعرفين بوجوب العدول عن الوعظ مباشرة ولكنهم مع ذلك متمسكون برسالتهم فلم يملوا من الجهاد في سبيلها أمام صلابة الإسلام.. ولكنهم لم يحوموا حول مسألة الدين مطلقًا، وهم إنما يزرعون البعد عن الدين مع كونهم من الأحبار [وعلى الرغم] من أنهم لم ينجحوا في إدخال الإنجيل بين العرب فقد كانوا من أحسن الوسائل لنشر نفوذ الدولة الفرنساوية.."(5).

[ 5 ]

"مضى على الإسلام في الجزائر نصف قرن لم يؤثر فيه الاحتلال الفرنساوي، [بسبب] مقاومة الطوائف الدينية في تلك البلاد، ولو أن تلك الطوائف تعرف من نفسها اقتدارًا على قذفنا في البحر لتقيم بعدنا مملكة إسلامية جامعة (بين السلطتين الدينية والسياسية) لاقتحمت الأخطار وقلبت الحكومة المسيحية ولكنهم يرون الغرض بعيدًا لذلك هم يقصرون مساعيهم على إحياء روح البغضاء في نفوس تابعيهم.. وأكبر الطوائف وأشدها تمسكًا بمبدئها هي طائفة السنوسية وهي التي يخشى منها أكثر من غيرها ولها شيخ ذو دهاء ينظر إليه البعض كجامع وحدة الإسلام، وهو رجل رأى أنه يضعف عن مقاومة الحكومة الفرنساوية في الجزائر مقاومة صريحة فعدل عن فتح الجزائر إلى فتح أرض غيرها للإسلام، وعلم سيدي السنوسي ما أحزن المسلمين من حكم المسيحيين.. فناداهم أن اخرجوا من دياركم إن أرض الله واسعة.. وانتقل إلى صحراء ليبيا الشاسعة حيث لحق به الواردون من كل مكان رغم جفاء الصحراء.."(6).

______________________________________

(1) الإسلام: خواطر وسوانح، ص 87 – 88 (عن مسيو دابري: الديانة المحمدية في الصين وتركستان الشرقية، باريس 1878).

(2) نفسه، ص88 (عن مجلة تاريخ الديانات، عدد شهري مايو ويونيو، سنة 1883).

(3) نفسه ، ص 88 – 89 .

(4) نفسه ، ص 100 .

(5) نفسه ، ص 104 .

(6) نفسه ، ص 113 – 114 .

اتيين دينيه

[ 1 ]

".. ليس من الجرأة أن يظن أنه إذا هدأت الزوبعة المروعة القائمة ضد الإسلام، وضمن هو الاحترام لكل الشعوب والديانات، أنه سيرى مستقبلاً حافلاً بأعظم الآمال وأعلاها شأنًا. فإذا ما دخل في الحضارة الأوروبية بفضل اشتراكه العظيم في الحوادث.. سيتضح سناه الحقيقي، وستعرف الأمم المختلفة حقيقته التي حجبت عنهم زمنًا، وسيمد الكل أيديهم لمحالفته متنافسين في ذلك، لأن قيمته قد خبروها وعرفوا ما يستكن فيه من وسائل القوة التي لا حد لها ولا نفاذ. ولو نهض أتباع محمد عليه السلام وأفاقوا من سباتهم العميق لرجع لهم عزهم السالف وتاريخهم المجيد وصاروا أمة لا تعرف الجور في معاملتها لكل رعاياها.. وتبوأوا مكانهم الذي يليق بمجدهم إن شاء الله"(1).

______________________________________

(1) محمد رسول الله ، ص 345 – 346 .

جورج سارتون

[ 1 ]

".. أن شعوب الشرق الأوسط قد سبق لها أن قادت العالم في حقبتين طويلتين، طوال ألفي سنة على الأقل قبل اليونان، ثم في العصور الوسطى مدى أربعة قرون على الأقل. من أجل ذلك ليس ثمة ما يمنع تلك الشعوب من أن تقود العالم ثانية في المستقبل القريب أو البعيد"(1).

[ 2 ]

"ليس ما يمنع الشعوب العربية اليوم من أن تباري أسلافها وأن تستعيد ثانية مكانتها الأولى في قيادة العالم. ومع أن ذلك ليس سهلاً – ثم هو يصبح أشد صعوبة يومًا بعد يوم – فإنه ممكن"(2).

[ 3 ]

".. أن التقدم المادي الخالص مدمّر، وهو ليس تقدمًا على الإطلاق، بل تأخر أساسي. أن التقدم الصحيح – ومعناه تحسين صحيح لأحوال الحياة – لا يمكن أن يبنى على وثنية الآلات ولا على العتلات، ولكن يجب أن يقوم على الدين وعلى الفن، وفوق ذلك كله، على العلم، العلم الخالص، على محبة الله، على محبة الحقيقة، وعلى حب الجمال وحب العدل. وهذا يبدو لنا جليًا حينما نلقي نظرة واحدة إلى الوراء. من هم أولئك الذين كانوا رجالاً عظامًا في التاريخ؟ من هم أولئك الذين أحسنوا إلينا؟ ومن هم أولئك الرجال الذين نحن مدينون لهم بمسرات حياتنا ونعمها؟ لقد كانوا رجالاً أمثال أفلاطون وأرسطو وإقليدس وأرخميدس في تاريخ اليونان. أما في أثناء العصور الوسطى فكانوا رجالاً من أمثال الفارابي وابن سينا وابن الهيثم والبيروني والغزالي وابن رشد وموسى بن ميمون وأبي الفداء وابن خلدون.. إن ما نراه واضحًا حينما نلقي نظرة إلى الوراء يجب أن يكون واضحًا أيضًا حينما نمد نظرنا إلى الأمام فيهدي خطانا إلى المستقبل"(3).

[ 4 ]

"أن المدنية ليست مرضًا، ولكن من الممكن أن تنقلب عند أهل الجدل شرًا وفسادًا والمدنية ليست شرقية ولا غربية، وليس مكانها في واشنطن أكثر مما هو في بغداد. إنما يمكن أن تكون في كل مكان يكون فيه رجال صالحون ونساء صالحات يفهمونها ويعرفون كيف يستفيدون منها من غير أن يسيئوا استعمالها. والشرق الأوسط كان مهد الثقافة ومنه جاءت أسباب إنقاذ العالم في أثناء العصور الوسطى حينما بدأ الستار الحديدي في أوروبة يشطر العالم شطرين الأرثوذكسي والكاثوليكي. وها نحن اليوم ننظر إلى ماضي الشرق الأوسط بعين من عرفان الجميل ثم نرنو إلى مستقبله بعين من الأمل الحلو"(4).

______________________________________

(1) الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 69 .

(2) نفسه ، ص 70 .

(3) نفسه ، ص 72 – 73 .

(4) نفسه ، ص 74 – 75 .

لوثروب ستودارد

[ 1 ]

"فيما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته، إذا بصوت قد يدوي من قلب صحراء شبه الجزيرة، مهد الإسلام، يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم، فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابيين فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي. ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد، فتبدت تباشير صبح الإصلاح ثم بدأت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام"(1).

[ 2 ]

"الجامعة الإسلامية بمعناها الشامل ومفهومها العام إنما هي الشعور بالوحدة العامة والعروة الوثقى لا انفصام لها بين جميع المؤمنين في المعمور الإسلامي.. لقد كر أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فما أوهن كرور هذه القرون من الجامعة الإسلامية جانبًا ولا ضعضع لها كيانًا، بل كلما تقادم عليها العهد ازدادت الجامعة شدة وقوة ومنعة واعتزازًا. حقًا أن الجامعة اليوم بين المسلم والمسلم لأقوى منها بين النصراني والنصراني. ولا ينكر أن المسلمين يتقاتلون بعضهم مع بعض قتالاً شديدًا، بيد أن هذا ليس له من الشأن أكثر مما ينشأ بين أفراد الأسرة الواحدة المشتبكة الأرحام، إذ لا حقد في الإسلام، فعند الشدائد تذهب الأحقاد بين المسلمين، فيعملوا على الأمر الذي فيه يختلفون ويتألبون جموعًا متراصة متماسكة لقتال العدو المهاجم وردّ الخطر الداهم. ومن أحب أن يقف حق الوقوف على ما أراده الإسلام من غرض الجامعة وغايتها فلينظر إلى حال المسلمين اليوم وإلى تيار هذا التعاطف والتشاكي كي يعلم سرّ الجامعة ومكانتها في نفوس المسلمين وفي الواقع ليس من دين في الدنيا جامع لأبنائه بعضهم مع بعض موحد لشعورهم دافع بهم نحو الجامعة العامة والاستمساك بعروقها كدين الإسلام"(2).

[ 3 ]

"أي شيء أدل على هياج الإسلام وغليان مراجل عقده من ذلك الثوران الهائل الذي يقوم به السبعون مليونًا من المسلمين في الهند احتجاجًا على تجزئة الدولة العثمانية، والأمر الأخطر أن هذا الثوران الإسلامي ليس مقصورًا على الهند فحسب، بل إنه شامل المعمور الإسلامي.."(3).

[ 4 ]

".. لا يغرب عن البال أن الروابط الدينية والصلات الخلقية التهذيبية التي تجمع بين المسلم والمسلم ما انفكت تزيد في تواثق المسلمين وتآلفهم، وتعاطفهم وتضامنهم، كأنهم في المعمور الإسلامي أمة واحدة بعضها يغار على بعض وجانب يساند آخر. دع ما هو هناك من الأسباب الغربية للنقل والتواصل المسهلة على المسلمين القيام بالأسفار إلى كل جهة أرادوا، فازداد بذلك تعارفهم واستمسكت أواصرهم"(4).

[ 5 ]

".. لقد تحرك (الشرق الجامد) أخيرًا حتى القرارة القصوى من أعماقه وهو اليوم في أشد ما يكون من الانفعال والهياج والفوران. وجميع ذلك قائم فيه وبالغ منه أكثر مما يخال الخائل ويتصور المتصوّر. فالعالم الإسلامي الذي ظلت قواه العقلية والروحية هاجعة ما يقرب من ألف سنة، قد استيقظ مرة أخرى وطغت قواه تعمل عملها العجيب، وغدا المسلمون يعظمون شأنًا من جديد ويعلون منزلة في الأرض".

______________________________________

(1) حاضر العالم الإسلامي ، 1 / 20 .

(2) نفسه ، 1 / 287 – 288 .

(3) نفسه ، 1 / 324 .

(4) نفسه ، 1 / 327 .

هارولد سمث

[ 1 ]

".. أن العالم الإسلامي في وضع يسمح له أن ينمّي فلسفته الخاصة المتميزة دون أن يدفعه التقليد الأعمى إلى اتباع الأشكال الشيوعية، أو النظرية السياسية الغربية التي تتجه إلى الفردية.. لقد رأينا أن الإسلام يعترف بالقيمة الذاتية للأفراد، باعتبارهم مدينين بوجودهم لله، ومسؤولين أمامه عن أعمالهم. وهذا يعني أنه لا يمكن لأي فرد أن يندمج اندماجًا كاملاً في بناء إجماعي قاهر مثل البناء الشيوعي. إن الشيوعية – من الوجهتين النظرية والعملية – تستغني عن الفرد إن لم يخدم غرض الدولة.. دون نقاش، وهذا لا يمكن أن يكون في مجتمع إسلامي"(1).

[ 2 ]

".. أنه لو أمكن إثارة التماسك الإسلامي في سبيل أغراض إيجابية، وتكتيل الأمم الإسلامية الكثيرة المختلفة في وحدة حية، لأمكن أن تصير هذه الوحدة قوة إيجابية في العالم.. بل إن هذه الوحدة لتكون أكثر فاعلية إذا أدخلت في نطاقها من سواها، وإذا بلغ من سماحتها أن تشرد في وجدانها وفي أخوتها كل مخلوقات الله. ما أروع أن تحتج باكستان على مظالم حلّت بأمة أخرى، شديدة البعد عنها جغرافيًا، لأن تلك الأمة تنتمي إلى جماعة الأمم الإسلامية! وأروع منه وأجدر أن يضيء طرقًا جديدة في عالمنا الذي مزقته الحرب، أن تنهض أمة إسلامية – باسم المقاصد الحقّة التي يوجه إليها الله الواحد، وباسم الرابطة التي تربط بني الإنسان – محتجة على ظلم أصاب أي شعب ولو كان خارج الكتلة الإسلامية"(2).

[ 3 ]

"من حيث العلاقات الدولية، فإن الأمم الإسلامية، أو الجماعة الإسلامية الكبرى، يجب أن تكون في طليعة المنتصرين لخلق نوع من المجتمع العالمي من الأمم، ومن العاملين على إيجاد مثل ذلك المجتمع الذي ينظمه ويسيطر عليه قانون دوليّ.."(3).

______________________________________

(1) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة ، ص 75 .

(2) نفسه ، ص 75 – 76 .

(3) نفسه ، ص 77 .

أحمد سوسه

[ 1 ]

".. إني أعتقد بأنه لو كان للإسلام [في أمريكا] بعض ما كان للمسيحية من الدعاية والتبشير، لكان علمه يخفق اليوم في معظم أصقاع هذه البلاد الواسعة ولكان لقي فيها من التشجيع بخلاف ما هو معروف من فشل التبشير النصراني"(1).

[ 2 ]

"أن البلاد العربية تجتاز اليوم دورًا عصيبًا هو دور الانتقال والتطور، وهذا الانتقال السريع مخيف ومريع، فقد تضيع فيه الوجهة والمبدأ إن لم نتدارك الأمر بالتحلي بالصفات الإسلامية السامية التي تمدنا بالإيمان والقوة قبل أن تتغلب علينا مادة الغرب فتفرقنا وتنتزع من أبناء يعرب يقينهم وأمانيهم"(2).

[ 3 ]

"لابدّ للشباب المتعلمين أن يضعوا نصب أعينهم الحقيقة التاريخية، ألا وهي أن حرب الغرب ضد الإسلام لم تنته، تلكم الحرب التي أضرمها الغربيون المسيحيون بقصد قطع دابر المسلمين، ومحو شوكة الإسلام من البسيطة. وقد وجد الغربيون في نظرياتهم الإلحادية التي يبثونها في علومهم ويشجعونها بين المسلمين بوسائط مختلفة غير العلم خير دسيسة بل أنجع وسيلة لمحو الإيمان بالدين الإسلامي، ونعني بذلك قوة الإسلام التي يتربص لها الغرب باغيًا إخمادها واضمحلالها. ويا ليت الشباب المسلمين يتروون في مسلكهم ويدرسون الحقائق الدينية التاريخية قبل أن يبيعوا عواطفهم الدينية رخيصة للعدو المترصد"(3).

[ 4 ]

"إنه يجب ألا ننسى أن العالم الغربي يخشى بأس الإسلام إذا اتّحد أنصاره.. إذ يرى الغربيون في اتحاد المسلمين خطرًا على كيانهم ومدنيّتهم ولا يخفون شعورهم في هذا الصدد بل هم يسعون بكل الوسائل لوضع العراقيل في سبيل التفاهم والاتحاد بين البلاد الإسلامية.."(4).

[ 5 ]

"لابدّ من القول إن المناوأة التي أحدثتها البابوية ضد الإسلام وأضرمت بها نيران الحروب الصليبية لا تزال متأصلة في نفوس الغربيين.."(5).

______________________________________

(1) في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 53 .

(2) نفسه ، 1 / 62 .

(3) نفسه ، 1 / 62 – 63 .

(4) نفسه ، 1 / 133 – 134 .

(5) نفسه ، 1 / 134 – 135 .

جوزيف شاخت

[ 1 ]

".. المسلمون لا يستطيعون أن يتخلصوا من السلطان الروحي والتأثير العميق المتأصل لقانونهم الديني. وأن فك القانون الديني – بمعنى أن القانون له شأن العلاقات الإنسانية الأخرى، يجب أن يخضع للدين أصبح جزءًا أساسيًا من النظرة الإسلامية. ولنذكر عرضًا أن هذا ينطبق أيضًا على السياسة وحتى على الاقتصاد.."(1).

______________________________________

(1) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية (تحرير كرونبللوم)، ص 119 .

لورافيشيا فاغليري

[ 1 ]

"من حسن الطالع أن الجمود مرض لابدّ أن يزول، بل إنه في الواقع شرع يزول في ما يبدو. فإلى الكتاب العزيز الذي لم يحرّفه قط لا أصدقاؤه ولا أعداؤه، لا المثقفون ولا الأميون، ذلك الكتاب الذي لا يبليه الزمان والذي لا يزال إلى اليوم كعهده يوم أوحى الله به إلى الرسول الأمي البسيط [صلى الله عليه وسلم] آخر الأنبياء حملة الشرائع [عليهم السلام]، إلى هذا المصدر الصافي دون غيره سوف يرجع المسلمون حتى إذا نهلوا مباشرة من معين هذا الكتاب المقدس فعندئذ يستعيدون قوتهم السابقة من غير ريب. وثمة بيّنات قوية على أن هذه العملية قد بدأت فعلاً"(1).

______________________________________

(1) دفاع عن الإسلام ، ص 133 – 134 .

ليوبولد فايس

[ 1 ]

"إن الغربيين لا يرون في تعاليم الإسلام إنكار الكثير من معتقداتهم الدينية فحسب ولكنهم ينظرون إليه على أنه خطر سياسي أيضًا. وتحت تأثير الذكريات التاريخية المتعلقة بالحروب التي التحم فيها العالم الإسلامي مع أوروبا خلال القرون، ينسب الغربيون للإسلام تهمة عدائه لكل ما هو غير مسلم، ولهذا يخشون أن يؤدي بعث الروح الإسلامية من جديد إلى إيقاظ العافية في العالم الإسلامي بحيث تدفعه إلى القيام بمغامرات عدوانية على الغرب، وكيما يدرأ الغربيون هذا الخطر المحتمل فإنهم يبذلون كل ما في وسعهم للحيلولة دون بعث القوة السياسية للمسلمين، ومنع الإسلام من احتلال المكانة التي كان يحتلها في السابق في حياة المسلمين الاجتماعية والثقافية"(1).

[ 2 ]

"أو وسائل الغربيين [للحيلولة دون بعث الإسلام] ليست مقصورة على الميدان السياسي فحسب، ولكنها تمتد فتشمل الجانب الثقافي كذلك وعن طريق المدارس الغربية في العالم الإسلامي، وعن طريق المدارس الوطنية للمسلمين التي تقوم مناهجها على أساس من أساليب الغرب التربوية، تبذر بذور التشكيك في الإسلام كنظرية اجتماعية بطريقة منظمة رتيبة في عقول الأجيال الصاعدة من شباب المسلمين فتيانًا وفتيات.."(2).

".. إن الحياة الإسلامية في الواقع تظهر، على كل حال، في أيامنا الحاضرة بعيدة جدًا عن الإمكانيات المثلى التي تقدمها التعاليم الدينية في الإسلام من ذلك مثلاً أن كل ما كان في الإسلام تقدمًا وحيوية أصبح بين المسلمين اليوم تراخيًا وركودًا، وكل ما كان في الإسلام من قبل كرمًا وإيثارًا أصبح اليوم بين المسلمين ضيقًا في النظر وحبًا للحياة الهيّنة"(3).

".. أن الإسلام من وجهتيه الروحية والاجتماعية لا يزال، بالرغم من جميع العقبات التي خلقها تأخر المسلمين، أعظم قوة ناهضة بالهمم عرفها البشر.."(4).

".. يجب أن يتضح لدينا أن إهمال المسلمين، وليس النقص في التعاليم الإسلامية، هو الذي سبّب الانحلال الحاضر"(5).

[ 4 ]

"لو أن المسلمين احتفظوا برباطة جأشهم وارتضوا الرقي وسيلة لا غاية في ذاتها إذن لما استطاعوا أن يحتفظوا بحريتهم الباطنية فحسب، بل ربما استطاعوا أيضًا أن يعطوا إنسان الغرب سرّ طلاوة الحياة الضائع"(6).

______________________________________

(1) منهاج الإسلام في الحكم ، ص 170 .

(2) نفسه ، ص 170 – 171 .

(3) الإسلام على مفترق الطرق ، ص 13 .

(4) نفسه ، ص 16 .

(5) نفسه ، ص 71 .

(6) نفسه ، ص 376 .

ج. ف. فيلويز

[ 1 ]

"التقدم العلمي في العصر الحاضر والمنجزات العلمية تتفق تمامًا مع مبادئ الإسلام"(1).

[ 2 ]

"لقد نشرت الصحف مؤخرًا بيانات تفيد أن الفلاسفة والكتاب في الغرب يزعمون أن الأديان المعاصرة قد أصبحت بالية عتيقة.. ولابدّ من التخلص منها، وهذا يبين مقدار التشاؤم الذي تعاني منه جمهرة الكتاب الغربيين بسبب ما يلاقونه من تعقيدات وغموض في ديانتهم النصرانية. [لكن] هؤلاء يرتكبون.. خطأ.. فالإسلام، الذي يمثل الإجابة الكاملة الوحيدة، لا يزال قائمًا وعلى استعداد لأن يكون البديل. وهو جاهز لذلك"(2).

[ 3 ]

"هناك فراغ روحي كبير في الغرب، لم يستطع أي مبدأ من المبادئ ولا أية عقيدة أن تملأه وتحقق السعادة للإنسان هناك. فرغم الثراء المادي وما يسمى بالرخاء الاقتصادي.. وتحقيق كافة الرغبات المادية للشعوب، فإن الإنسان الغربي لا يزال يحس بتفاهة حياته ويتساءل: لماذا أعيش؟ وإلى أين أسير؟ ولماذا؟ ولا أحد يقدم له حتى الآن الإجابة عن هذه الأسئلة. وما درى المسكين أن دواءه في الدين القويم الذي لا يعرف عنه إلا الشبهات. ولكن بداية النور قد بدأت تظهر والصبح قد بدأ يسفر، بدخول جماعات ولو قليلة من الغربيين في الإسلام. وبدأ الإنسان الغربي يرى بأم عينه رجالاً ونساء يطبقون الإسلام ويعيشون به، وفي كل يوم يدخل بعضهم في الدين الحق. إنها البداية.."(3).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 6 / 60 – 61 .

(2) نفسه ، 6 / 61 .

(3) نفسه ، 6 / 61 – 62 .

جميلة قرار

[ 1 ]

".. أن الإسلام بصفته دينًا عالميًا وعقيدة كونية يعتبر مناسبًا لكافة مراحل تطور الحياة الإنسانية في المستقبل. فهو ينسجم مع منجزات الإنسان الحديثة في كافة مجالات النشاط الإنساني"(1).

[ 2 ]

".. أن من واجب نشاطات المسلمين في ميدان البحث والعلم.. أن [يبرهنوا] أن الإسلام هو في الحقيقة دين حركي يستطيع بفضل جهود المسلمين بعد عون الله أن يشكل قوة ثورية تحرّر الإنسان من العبودية للقوة وخاصة القوة المدمرة المهلكة، وأن تقوده إلى التقدم البنّاء وتمكنه من تطوير قدراته وإمكاناته الإيجابية المختلفة"(2).

[ 3 ]

".. أن من المهمات الحساسة الملقاة على عاتق المسلمين المستنيرين والمثقفين.. أن يبيّنوا للمسلمين اليائسين الذين يتطلعون إلى العقائد الأخرى، وكذلك لغير المسلمين الذين يبحثون عن غايات جديدة وقيم لحياتهم أن الإسلام هو نقطة البدء الجديدة أمام الإنسانية جمعاء"(3).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 4 / 108 .

(2) نفسه ، 4 / 8 : 1 – 109 .

(3) وعود الإسلام ، ص 22 – 23 .

روجيه جارودي

[ 1 ]

"لقد أنقذ [الإسلام] من قبل، في القرن السابع من تاريخنا من التفتّت إمبراطوريات عظيمة متهاوية. أفلا يستطيع اليوم أن يسهم بالإجابة على جزع ومسائل الحضارة الغربية، تكشفت عن أنها، بمدة أربعة قرون، قادرة على أن تحفر قبرًا على مستوى العالم وأن تعمل على تغطية أسطورة إنسانية أنشئت منذ مليوني عام، بفضل الابتكارات والتضحيات"(1).

[ 2 ]

"لقد فقد الإنسان الغربي كل وحدة في علاقاته مع الطبيعة والمجتمع والله. انفصل عن الطبيعة التي اعتقد أنه سيدها ومالكها.. ولم تساعد المسيحية الإنسان، مع حذرها الأول بإزاء الطبيعة.. ومع تراجعاتهم المتتالية، منذ عصر النهضة، أمام (علموية) تدعي الإجابة على جميع مشاكل الحياة، على الحفاظ على هذا البعد الكوني، على هذا الاتحاد الحميم بجميع الكائنات.. والإسلام، عندما لا يكون قد أفسدته الرؤية الغربية المباشرة التي فرضها عليها الاستعمار، يستطيع أن يساعدنا على أن نعي هذه الوحدة التي هي عقيدته المركزية الأولى"(2).

[ 4 ]

"[إن] الإسلام يحمل بذور تغيير جذري على مستوى الإنسانية"(3).

[ 5 ]

".. (لا إله إلا الله) هذا الإثبات الأساسي للإيمان الإسلامي يقصي الصنمية، التمائمية التي تفرّخ وتتكاثر في مجتمعاتنا: صنم النمو، صنم (التقدم)، صنم التقنية العلموي، صنم الفردانية وصنم الأمة، صنم قوة الأسلحة والجيوش، بمحذوراتها جميعًا ومحرماتها وبرموزها (المقدسة) وبطقوسها. كلا!! يذكرنا الإسلام، (لا إله إلا الله)، الله أكبر وإننا لنعرف بالتأكيد ما لهذا اليقين في العقيدة من قوة هدم وتحرير دفعت الجيوش إلى التراجع في حين أن عقيدتنا منذ زمن طويل، لم تعد تدفع على التراجع شيئًا ذا بال.. فالحوار هكذا مع الإسلام يمكنه أن يساعدنا على ابتعاث خميرة عقيدتنا الحيّة فينا، تلك التي تستطيع نقل الجبال من مواضعها.."(4).

______________________________________

(1) وعود الإسلام ، ص 22 – 23 .

(2) نفسه ، ص 64 .

(3) نفسه ، ص 156 .

(4) نفسه ، ص 217 – 218 .

كامبفماير(1)

[ 1 ]

".. أن العربية، وهي لسان الإسلام غير مدافع، تدرس وتعرف حق المعرفة في العالم الإسلامي كله من المحيط الأطلسي إلى الهند وجاوة وبذلك تسهل انتشار الحركات الروحية انتشارًا يتجاوز بكثير حدود البلاد التي تنشأ فيها ويعين على انتشارها عوامل أخرى أكبرها الصحافة العربية.. ويلعب الحج دوره أيضًا في المزج الروحي بين مختلف شعوب الإسلام، وأن تجاور البلاد في الشرق الأدنى الناطق بالضاد، وبوجه أدق في المساحة التي تشغلها مصر وجزيرة العرب والعراق وسوريا وفلسطين ورقي وسائل المواصلات إلى جانب الصحافة تعمل بوجه خاص على إنماء العواطف والأماني الإسلامية العامة"(2).

[ 2 ]

".. أستطيع أن أؤكد أن البلاد الناطقة بالضاد ولا سيّما مركزها العظيم الذي يتكون من الكتلة المتماسكة التي قوامها مصر وجزيرة العرب وفلسطين وسوريا والعراق ستلعب دورًا غاية في الأهمية وربما كان دورًا حاسمًا.. ونهضة الإسلام في هذه البلاد أمر واقع لا سبيل إلى ردّه، ولن يحدث في البلاد العربية شيء يشبه ما حدث في تركيا فلن يقطع العرب الصلة بتاريخهم الإسلامي والأدبي المجيد، بل إن ذكرى هذا الماضي من عوامل النهضة الوطنية والدينية ولن تستبدل هذه الشعوب الكتابة اللاتينية بالكتابة العربية.. ولن ينبذوا هذه الوسيلة المدهشة التي تمكنهم من الاتصال بالعالم الإسلامي كله، ولن يقوى أحد على إيقاف حركة النهضة الإسلامية في هذه البلاد لأنها الأساس الذي يحتاج إليه الناس لتقوم عليه نهضتهم الوطنية.. وستصير كل من القاهرة والقدس بالتدريج مركزًا عظيمًا للحياة الإسلامية بعد مكة وسيفد طلبة العلم (كما حدث فعلاً) من البلاد الناطقة بالضاد في المغرب شطر مصر وفلسطين.. ثم سيعودون إلى بلادهم ليزيدوا نهضة الشرق شيئًا فشيئًا وسيحدث مثل هذا الأثر في الأصقاع الأخرى من العالم الإسلامي.. ولن يقوى الانحلال السياسي على تغيير شيء من خصائص الحاجات الوطنية والدينية العامة.."(3).

[ 3 ]

".. أن في الشرق العربي الأدنى على وجه التأكيد نهضة إسلامية قوية خلقية ودينية واجتماعية، ستكون أساس الحياة القومية الجديدة، وإذا عرفنا هذا تجلت حقيقة [مهمة] هي أن تنصير المسلمين مستحيل الآن.. فهل سيعارض المبشرون في جعل الدين – ولو كان الإسلام – أساسًا للحياة القومية الصحيحة؟ وإذا كان تنصير المسلمين في الظروف الحاضرة مستحيلاً فلم يبق أمام هذه الشعوب الإسلامية إلا أحد أمرين: إما النهضة الإسلامية وإما المادية والفساد الخلقي.. فأيّهما خير للشعوب الإسلامية؟"(4).

[ 4 ]

".. أن الاعتداء على الإسلام لا ترجى منه فائدة.. ولن يرد [المسلمين] عن دينهم ولن يعوق النهضة الإسلامية بل سيقوّيها.."(5).

______________________________________

(1) د. ج. كامبفماير (1864 – 1936) G. Kampffmeryer

تخرج باللغات الشرقية في ليبزغ، وتخصص في الإسلام الحديث والعربية المعاصرة من معهد اللغات الشرقية ببرلين (1907)، ورأس تحرير مجلة (عالم الإسلام) التي نشر فيها دراسات عن المؤلفات الحديثة في الآداب المعاصرة.

من آثاره: (النصوص والأعمال في تاريخ الأمة العربية الحديثة) (1924)، (دراسات في الأدب العربي المعاصر) (1925-1926) و(شعراء العرب في العصر الحاضر)... إلخ.

(2) وجهة الإسلام (بإشراف كب)، ص 69 .

(3) نفسه ، ص 99 – 100 .

(4) نفسه ، ص 102 .

(5) نفسه ، ص 103 .

كلود كاهن

[ 1 ]

".. ثمة ظاهرة تسترعي الانتباه في كل مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، ألا وهي قدرة المسلمين على النهوض من كبوتهم. ذلك لأن التاريخ الذي صنعه في بداية الأمر نفر قليل من أناس منعزلين قد أصبح العمل المشترك لمجموعة من الشعوب انتسبت للإسلام على مرّ الزمن وظلّت مخلصة له إخلاصًا مطلقًا ويعلم المبشرون المسيحيون أنهم لا يقدرون على تغيير عقيدة المسلم.."(1).

______________________________________

(1) تاريخ العرب والشعوب الإسلامية ، 1 / 405 .

هاملتون كب

[ 1 ]

"إذن فإذا قام أحد ينكر الشريعة من حيث صلاحيتها كان عمله هذا كفرًا ومروقًا، وهذه حقيقة تفسر الهزة التي شعر بها المسلمون في جميع أرجاء العالم، عندما أقدمت الجمهورية التركية على إلغاء الشريعة جملة. ولعلني غير مخطئ في اعتقادي، وإن كان اعتقادي صادرًا عن التصور والحدس، أن احترام الشريعة لا يزال لب التفكير الاجتماعي الإسلامي، وأن الإبقاء على الشريعة يرتبط به بقاء الإسلام أو زواله من حيث هو نظام مؤصل. أما الاحترام الذي أتحدث عنه فليس من الضروري أن يعني التقدير لكل تفسير ومبنى من تفسيرات القرون الوسطى ومبانيها"(1).

[ 2 ]

".. كان للحركة الوهابية تأثير نافع ومجدد انتشر شيئًا فشيئًا في جميع أنحاء العالم الإسلامي وذلك في ميدان الأفكار بواسطة الصراع والمقاومة الضاريين الموجهين ضد جميع التسربات العملية لميول التعلّق بالإيمان بالأرواح ومفاهيم المذهب الحلولي الذي انتشرت عدواه في ذلك الوقت في قلب التوحيد الإسلامي الصرف. إلا أن العنصر المحرك للمذهب الوهابي بقي خلال القسم الأكبر من القرن التاسع عشر محتجبًا وراء صفته الثورية، فأعطى المثل في الثورة ضد الحكومة الإسلامية [الضالة] وتبع هذا المثل بحماسة شديدة في جميع البلاد الأخرى التي وقعت حكوماتها الإسلامية بشكل مفضوح تحت سيطرة أوروبا ونفوذها وكان مصدر إلهام في القرن التاسع عشر [للعديد] من الحركات.. ,بعد عدة سنوات في منتصف وخلال النصف الثاني للقرن التاسع عشر، أقامت الجمعية الإصلاحية المؤسسة من قبل الشيخ الجزائري محمد بن علي السنوسي دولة تيوقراطية في ليبيا الجنوبية وفي أفريقيا الاستوائية احتجاجًا على فساد التفكير ومساوئ الحكم الإسلامي المخالف للدين. وكذلك برزت الجماعة المهدية في السودان الشرقية من قبل محمد أحمد [المهدي] كأداة للثورة ضد – الأوروبيين -. كما امتد نفوذ الدعوة الإصلاحية السلفية التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى قلب الأقطار البعيدة مثل نيجيريا وسومطرة.. وعلى الرغم من أن محاولات العمل السياسي هذه انتهت جميعًا إلى الفشل إذا نظرنا إليها من الخارج، لكن نتائجها كانت متينة راسخة في المحيط الديني إذ نشرت في كافة أرجاء البلاد الإسلامية، المبدأ الوهابي القائل بضرورة التعلق بالصفاء المذهبي وإعادة تأكيد المبدأ السّنّي القرآني لا على شكل التبشير ونشر قواعد المذهب ولكن بنشر متطلبات الإيمان الإسلامي لدى الجماهير الإسلامية والإشارة إلى الأخطار التي تهدّده.."(2).

[ 3 ]

"ليس بين البلاد الإسلامية بلد أعلن عن رغبته الصريحة في الاستغراب أو (التغرّب) باستثناء البلاد التركية، ولكن البلاد التركية أيضًا لا تعلن هذه الرغبة اليوم بتلك الثقة التي أعربت عنها منذ عشرين سنة، وفيما عدا هذا الاستثناء الضعيف يغلب على أبناء العصر من المسلمين الذين ينقمون على مساوئ العصر الحاضر أن يحملوا الغرب أوزار هذه المساوئ ولا يعلّقوا آمالهم في الإصلاح بمشابهة الغرب والاقتداء بأممه في جملة أحوالها"(3).

______________________________________

(1) دراسات في حضارة الإسلام ، ص 265 – 266 .

(2) الاتجاهات الحديثة في الإسلام ، ص 54 – 55 .

(3) الشرق الأدنى الإسلامي (بإشراف جامعة تورنتو)، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 61 .

كوستاف فون كرونباوم

[ 1 ]

".. [أن] العصر العباسي الأول لم يستعر علم الفلك الهندي مثلاً أو حتى الإدارة الفارسية، لأنه رأى في تلك المنتجات الأجنبية الوسيلة الوحيدة لإعاقة التغلغل في السيطرة السياسية أو الاقتصادية. إن الإسلام لم يكن إذ ذاك في موقف دفاعي، ولكنه تبنى تلك الإمكانيات الأجنبية لمصلحته هو، وفعل ذلك في ريث وأناة، إذا كان قد وقع تحت تأثير ضغط فلم يكن ذلك من الخارج ولكن بدافع من مرحلة التطور التي كان يمرّ بها. وبالاختصار، أن الملابسات السياسية التي توجه النقل الثقافي في عصرنا الحاضر هي التي تجعله صعبًا من الوجهتين النفسية والاجتماعية، ومفككًا للجماعات التي تستقبل هذا النقل. فالاختيار، وتحديد الوقت، والتأثر الإيجابي، وردّ العدوان المعادي، كل أولئك لم يعد خاضعًا لحالة النموّ ولا للحاجات الذهنية والوجدانية للمستعير، ولكن يخضع للطموح الثقافي، ولسلسلة من الأحوال الاضطرارية التي ليس للمستعير عليها إلا تسلط محدود. ومن هنا نقول إن مقتضيات الموقف السياسي للعصر العباسي الأول – وقد كان مغايرًا تمامًا لموقفنا اليوم – هي التي مكنت العباسيين من أن يسيروا في طريق.. حمى عصرهم من الأخطار المصاحبة للاستمداد الثقافي في عصرنا الحاضر الذي يتحكم في النزوع نحو الغرب"(1).

[ 2 ]

"أن طرح الإسلام – لا في صورة التحويل الكامل للحياة الإسلامية حياة دنيوية ولكن في صورة إدخالها في حركة دينية عامة يبدو أنه الأمل الخفي الذي يحلم به (توينبي) على أساس تحليله للاستمداد الثقافي ونتائجه للمستمد. غير أن الملاحظ المحايد للإسلام لا يرى أقلّ دليل يؤيد رأي (توينبي) في أن هذه العملية هي الحلّ النهائي للمعضلات الثقافية للعالم الإسلامي. وبالإضافة إلى أن فكرة التثقيف الغربي التام من جانب واحد للأقطار الإسلامية فكرة غير جديرة بالقبول، فإنه يبدو أن معضلة هذا التثقيف يجب أن تواجه من زاوية مخالفة تمامًا للزاوية التي اختارها (توينبي).."(2).

[ 3 ]

"أن حركة داخلية – كحركة إحياء دين في بيئة ثقافية – تكون عاملاً منشطًا فعالاً في إعادة تنظيم نموذج الحياة كله لتلك الجماعة أكبر أثرًا من الاتصال بمدنيات أخرى، مهما كان الأفضلية الحقيقية أو المتخيّلة للثقافة المؤثرة، ومهما كان الحرص على التكيّف بها"(3).

[ 4 ]

"ومن حيث إنه لا خطر على الإسلام من أن ينمحي إنمحاءاً ماديًا كنتيجة لتأثير الغرب، فإنه يلوح أن سريان العناصر الغربية إليه سيظل مقصورًا على ما يمكن أن (يهاجر من قوم إلى آخرين كالفنون الصناعية والعمالية والتطبيقية وطرقها). فعملية طبع العالم الإسلامي بالطابع الغربي.. لن تشمل – على الراجح – المبادئ الأساسية المتضمنة في الدين والفلسفة والفن والنظرية العلمية. فالإسلام – باختصار – سوف لا يفقد نفسه في المدنية الغربية إلى درجة انمحاء شخصيته على الرغم من استعمالها للمنشط الخارجي حافزًا لبث روح الحياة فيه من جديد"(4).

[ 5 ]

".. لا مفرّ لنا من أن نعترف.. أن بطء التغيير في موقف العالم الإسلامي يعطي نوعًا من الضمان ضد الاطراح الطائش للخصائص الأساسية لمدنيته التي لا ينبغي أن تطرح هكذا بسهولة. وفي عبارة أخرى، أن هذا البطء في تعديل الموقف – ولو أنه في بعض الأحيان يفسد التطبيق الناجح للاستمداد المرغوب فيه – يكون دفاعًا داخليًا قويًا، أو سدًا ملطّفًا لتأثير الأمواج الأجنبية التي سمح لها بالدخول في ميادين الأفكار والنظم"(5).

______________________________________

(1) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية، (تحرير كرونباوم)، ص 189 .

(2) نفسه ، ص 191 .

(3) نفسه ، ص 193 .

(4) نفسه ، ص 193 .

(5) نفسه ، ص 194 .

كوستاف لوبون

[ 1 ]

".. مع ما أصاب حضارة العرب من الدثور، كالحضارات التي ظهرت قبلها: لم يمس الزمن دين النبي [صلى الله عليه وسلم] الذي له من النفوذ ما له في الماضي، والذي لا يزال ذا سلطان كبير على النفوس، مع أن الأديان الأخرى التي هي أقدم منه تخسر كل يوم شيئًا من قوتها.. وتجمع بين مختلف الشعوب التي اتخذت القرآن دستورًا لها وحدة اللغة والصلات التي يسفر عنها مجيء الحجيج إلى مكة من جميع بلاد العالم الإسلامي. وتجب على جميع أتباع محمد [صلى الله عليه وسلم] تلاوة القرآن باللغة العربية بقدر الإمكان، واللغة العربية هي لذلك أكثر لغات العالم انتشارًا على ما يحتمل، وعلى ما بين الشعوب الإسلامية من الفروق العنصرية ترى بينها من التضامن الكبير ما يمكن جمعها به تحت علم واحد في أحد الأيام"(1).

[ 2 ]

"كان سلطان الإسلام السياسي والديني قويًا في بلاد الهند، ورسخ فيها ثمانية قرون بفضل ملوك الإسلام الذين تداولوا حكمها، ولا يزال سلطان الإسلام الديني قائمًا في بلاد الهند، وإن توارى سلطانه السياسي عنها، وهو يمضي قدمًا نحو الاتساع"(2).

[ 3 ]

"تأثير دين محمد [صلى الله عليه وسلم] في النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال العروق المختلفة التي اتخذت القرآن مرشدًا لها تعمل بإحكام كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر قرنًا.."(3).

[ 4 ]

"دخلت حضارة العرب في ذمة التاريخ منذ زمن طويل، ولا نقول، مع ذلك أنهم ماتوا تمامًا، فنرى الآن ديانتهم ولغتهم اللتين أدخلوهما إلى العالم أكثر انتشارًا مما كانتا عليه في أنضر أدوارهم.. ولا يزال الإسلام جادًا في تقدمه.. واليوم يدرس القرآن، فيما عدا جزيرة العرب، في مصر وسورية وتركية وآسية الصغرى وفارس وقسم مهم من روسية وأفريقية والصين والهند، وتناول القرآن مدغشقر وأفريقية الجنوبية، وعرف في جزر الملايو، وعلمه أهل جاوة وسومطرة وتقدم إلى غينيا الجديدة، ودخل أمريكا مع زنوج أفريقية.. ويتقدم الإسلام في الصين تقدمًا يقضي بالعجب.. حيث اضطر المبشرون الأوروبيون إلى الاعتراف بالحدود وسيقوم الإسلام – كما يقول وازيليف – مقام البوذية، ومسلمو الصين لا يشكون في ذلك وهذه المسألة على جانب عظيم من الأهمية. فإذا اعتنقت الصين دين الإسلام تغيرت علاقات العالم القديم السياسية تغيرًا عظيمًا وأمكن دين محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يهدّد النصرانية من جديد"(4).

______________________________________

(1) حضارة العرب ، ص 126 .

(2) نفسه ، ص 186 .

(3) نفسه ، ص 417 .

(4) نفسه ، ص 616 – 61 7 .

كولد تسيهر

[ 1 ]

"أن تاريخ الإسلام زاخر بالأمثلة الكثيرة التي تبين اجتماع مواهب العلم الديني بصفات البطولة الحربية، وذلك في شخصيات قوية قادرة على التوجيه والتنظيم.. وإليك البطل الإسلامي الحديث: الأمير عبد القادر الجزائري الذي قاوم الفرنسيين مقاومة حربية باسلة عندما أخذوا في إخضاع بلاده الجزائر ولما انتهى جهاده جمع حوله في منفاه بدمشق طلابه ومريديه الذين تابعوا في إصغاء واجتهاد دروسه في الفقه المالكي والعلوم الدينية الأخرى في الإسلام وممن يمثل هذه الظاهرة الفذة في تاريخ الإسلام الحديث (شامل) بطل الاستقلال القوقازي والمهديون الحربيون الذي ظهروا في السودان والصومال والذين سمعنا كثيرًا من أخبارهم في أيامنا هذه.. وقد برز هؤلاء المجاهدون أيضًا من صفوف طلاب العلوم الدينية الإسلامية. ومن أهم الحركات الدينية الحربية التي قامت بها الأمة العربية، تلك التي أثارها في الأزمنة الحديثة في أواسط بلاد العرب محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1787م. فبعد أن درس مؤلفات ابن تيمية، وقد أقبل عليها بشغف زائد، أثار في مواطنيه حركة دينية أساسها بواعث دينية، وسرعان ما عظم أثرها وكثر أنصارها، ودفعت بالأمة العربية المفطورة على الحرب إلى خوض غمار القتال، فأحرزت عدة انتصارات حربية باهرة نشرت من نفوذها وبسطت من سلطانها حتى تجاوزت شبه الجزيرة العربية إلى بلاد العراق.."(1).

[ 2 ]

"أن المسلمين.. ممن ناصروا الإمام محمد بن عبد الوهاب في دعوته ممن تدفعهم الغيرة الدينية لتطهير الإسلام مما علق به من الشوائب، ليجدون في الإسلام ميدانًا رحيبًا للعمل والإنتاج.. وقد شاهد الإسلام في الهند منذ قرن حركات دينية من هذا القبيل. فدعوة الشيخ محمد الإصلاحية انتشرت تعاليمها وانبعثت من بلاد العرب حتى بلغت هذا القطر الإسلامي. وأن ما يهيئه الحج إلى مكة من فرض الاختلاط والاتصال بين المسلمين، لمما يعمل على إيقاظ الهمم الدينية في نفوسهم، وتوجه الأماني التي تجيش بها قلوبهم، وعلى السعي لتحقيقها في الأقطار الإسلامية النائية"(2).

______________________________________

(1) العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 265 – 266 .

(2) نفسه ، ص 283 ، وانظر المرجع نفسه ، ص 284 .

برنادر لويس

[ 1 ]

".. أن الإسلام التركي نفسه الذي أظهر حديثًا، برغم فترة من الخفوت قوة متجددة في تركية، لا يزال بوضوح عنصرًا رئيسًا، إن لم يكن الرئيس الوحيد في الوعي الجماعي لنسبة عظيمة من الأمة التركية"(1).

[ 2 ]

"أن الأفكار التي يعبر عنها بالإنكليزية والفرنسية للأجانب ليست لها علاقة بالحياة الحقيقية للبلاد [الإسلامية]. ومن جهة أخرى حينما تتجه العواطف الشعبية لمكافحة الكفار، كما وقع في منطقة القنال [1951 – 1952]، تلاقي استجابة قوية"(2).

______________________________________

(1) الوحدة والتنوع في الحضارة الإسلامية، (تحرير كرونباوم)، ص 465 .

(2) نفسه ، ص 520 .

ليندون هاريس

[ 1 ]

".. أن الإسلام هو الديانة الوحيدة التي تعد على الدوام (تحديًا) أو مناجزة لجهود التبشير والمبشرين"(1).

[ 2 ]

"أن وسائل الإسلام [في أفريقيا] أقل من وسائل المبشرين.. وليس في الوسع أن ينبئ أحد بمصير الأمور في بلاد تتوالى فيها المفاجآت على غير انتظار، فلا يبعد أن يميل رقاص الساعة كرة أخرى إلى جانب الإسلام، لأنه عامل من العوامل الحاضرة أبدًا في هذه البلاد"(2).

______________________________________

(1) الإسلام في أفريقيا الشرقية، عن العقاد: ما يقال عن الإسلام، ص 65 – 66 .

(2) نفسه ، ص 69 .

عائشة برجت هوني

[ 1 ]

"يعيش العالم الغربي اليوم في ظلام، وليس هناك أي بصيص من الأمل في قيام الحضارة الغربية بتوفير سبيل لتخليص الروح والنفس. فكل من يعرف الوضع الحقيقي للمجتمعات الغربية يلمس هذا القلق والحيرة العالمية التي تختفي خلف بريق التقدم والإبداع المادي الزائف. فالناس في الغرب (والشرق) يبحثون عن مخلّص من العقبات التي تحيق بهم. ولكنهم لا يرون منها مخرجًا. فبحثهم عقيم.. والانسجام اللطيف في الإسلام بين مستلزمات الجسد ومتطلبات الروح يمكن أن يمارس تأثيرًا قويًا في أيامنا هذه. وبوسعه أن يبيّن للحضارة الغربية السبيل المؤدي إلى الفلاح والخلاص الحقيقيين وأن يقدم للرجل الغربي التصور الحقيقي للحياة وأن يقنعه بالجهاد في سبيل مرضاة الله.."(1).

______________________________________

(1) رجال ونساء أسلموا ، 1 / 63 – 64 .

مونتكومري وات

[ 1 ]

"لا تزال – للمسلمين – إمكانية في تقديم دفاعهم بشكل أفضل وأكمل لسائر العالم. فهل بإمكانهم الالتفات إلى حياة محمد [صلى الله عليه وسلم]، واستخلاص القيم العامة بعد فصلها عن التأثيرات الخاصة، واكتشاف مبادئ أخلاقية تكون إضافة فعلية لتحسين حالة العالم اليوم؟ أو هل يستطيعون، على الأقل، أن يظهروا أن نبيهم [صلى الله عليه وسلم] يقدم، بحياته، أحد النماذج الممكنة للإنسان المثالي الذي يعيش في عالم موحد القيم الأخلاقية؟ إذا قدم المسلمون دفاعًا بارعًا، فهناك مسيحيون على استعداد للاستماع إليهم والأخذ عنهم كل ما يمكن أخذه"(1).

[ 2 ]

".. لسوف ينجح المسلمون بصعوبة في جهدهم للتأثير على الرأي العام العالمي، على الأقل فيما يتعلق بالمبادئ الأخلاقية. وربما أمكنهم، في ميدان الأفكار الدينية الأوسع أن يساعدوا على إغناء العالم لأنهم احتفظوا بقوة كبرى في التعبير عن بعض الأفكار كحقيقة الله، تلك الأفكار التي أهملت ونسيت في كثير من الطوائف والأديان الأخرى الموحدة"(2).

______________________________________

(1) محمد في المدينة ، ص 508 – 509 .

(2) نفسه ، ص 509 .

كويلر يونغ

[ 1 ]

".. ليس من المعقول لثقافة حية كثقافة الإسلام، يدين بها ثلاثمائة مليون من الأنفس، ألا يكون لها تأثير – بالفعل أو بالقوة – في الحضارة العالمية التي أخذت في الظهور والتكامل في العصر الحديث.."(1).

[ 2 ]

".. أن الوحدة الإسلامية قد أصيبت بالعطل، والمسؤول عن ذلك هو الحضارة الغربية وعناصرها الدنيوية.. ومع ذلك فإن بين شعوب الإسلام المتعددة المختلفة مثالاً مشتركًا، وأصولاً عقدية تقوم عليها وحدة في الثقافة، ومن واجب المسيحية أن تقدر هذه الظاهرة وتقلدها. إن عالمنا هذا الذي مزقته الجماعات المتحاربة، والذي لا يعرف حكمًا أعلى بيده مصير الإنسانية، ليجدر به أن يتدبر تصوّر الوحدة الجوهرية للحياة كما أسسها الإٍسلام، ولا شك أن هذه الوحدة – في أحسن صورها – سيكون لها أثرها – بالقوة إن لم يكن بالفعل – في الحاجات الروحية للناس في أيامنا الحاضرة"(2).

[ 3 ]

"للإسلام نصيب آخر من الفضل متفرع عن سابقه، وهو ما حققه من التسامح بين أجناس البشر.. أن الإسلام – في إطار الأخوة الإسلامية – يستطيع أن يرى المسيحية نجاحًا حقيقيًا فعليًا في ميادين التسامح البشري"(3).

[ 4 ]

"الفضل الثالث من أفضال الإسلام ذلك الروح الحقيقي من الديمقراطية في عالم – لا شك – محتاج إلى أن يطابق فعله قوله في هذه الناحية.."(4).

______________________________________

(1) الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، ص 255 .

(2) نفسه ، ص 256 .

(3) نفسه ، ص 256 .

(4) نفسه ، ص 256 .

لويس يونغ

[ 1 ]

"بدأ بعث الفكر الإسلامي في منتصف القرن الثالث عشر [الهجري] بظهور دعوة محمد بن عبد الوهاب في نجد عام 1744م. وقد هاجمت الدعوة الوهابية الانحلال الذي اعترى الناس في ممارستهم للدين، كما أدانت تقديس الأولياء، والشعائر التي أتى بها المتصوفة، وقد انتصرت هذه الحركة في مكان نشوئها رغم النكسات التي تعرضت لها. وكان لفكرة العودة إلى تعاليم السلف الأول أثر عميق في نفوس المسلمين أحدثته الدعوة الوهابية.. كما عادت سيادة العرب ومكانة الإسلام في القرن التاسع عشر في مصر على إثر حركة الإصلاح التي قادها محمد عبده وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر انتعشت الحركة الصوفية.. ولعبت دورًا في مقاومة المد الأوروبي. ففي عام 1871م ظهرت التيجانية نسبة إلى التيجاني وفي عام 1873 ظهرت السنوسية نسبة إلى محمد بن علي السنوسي. ولم تكن السنوسية حركة انتعاش ديني فحسب وإنما كانت منظمة لمقاومة الاستعمار الأوروبي، وقد قاومت الفرنسيين في أفريقيا والإيطاليين في ليبيا.. ولقد بدأ المصلحون الدينيون على المناشدة المستمرة الداعية إلى تطهير المعتقدات الدينية وتصعيد المستويات الفكرية من خلال توسيع آفاق الثقافة"(1).

_________________________________________

(1) العرب وأوروبا ، ص 184 – 185 .