مقرر أصول الدعوة والحسبة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- مقرر أصول
الدعوة والحسبة
- مفردات
المقرر:
- أولاً : أصول الدعوة :
- 1. تعريف الدعوة إلى الله تعالى:
- 2. أدلة وجوب الدعوة إلى الله تعالى:
- 3 - أهداف الدعوة إلى الله :
- 4 - فضل الدعوة إلى الله تعالى:
- 5 - تعريف الداعية إلى الله تعالى:
- 6 - صفات الداعية إلى الله تعالى وأخلاقه:
- 7 - المدعو:
- 8 – أصناف المدعوين :
- 9 - حقوق المدعوين وواجباتهم:
- 10 - الأسلوب :
- 11 - نماذج من أساليب الدعوة :
- 12 - تعريف وسائل الدعوة إلى الله تعالى :
- 13 - أنواع وسائل الدعوة إلى الله تعالى :
- 14 - موضوعات الدعوة إلى الله تعالى :
- 15 - قضايا دعوية :
- ثانياً / مقرر الحسبة
- أولاً : أصول الدعوة :
- مفردات
المقرر:
مقرر أصول الدعوة والحسبة
الدورة التأهيلية للانتساب
"نظام الانتساب المطور"
1428هـ - 1429هـ
P
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله أجمعين، وبعد:
فهذه مذكرة موجزة في أصول الدعوة والحسبة نسأل الله أن ينفع بها.
الأهداف:
1.تزويد الطالب بالمعلومات الأساسية في علم الدعوة والحسبة
2.تعريف الطلاب بنظام الحسبة في الإسلام
3.تأهيل الطلاب للدراسة في المرحلة الجامعية .
مفردات المقرر:
أولاً/ أصول الدعوة :
1. تعريف الدعوة إلى الله تعالى.
2. أدلة وجوب الدعوة إلى الله تعالى.
3. أهداف الدعوة إلى الله تعالى .
4. فضل الدعوة إلى الله تعالى .
5. تعريف الداعية إلى الله تعالى .
6. صفات الداعية إلى الله تعالى وأخلاقه .
7. تعريف المدعو .
8. أصناف المدعوين.
9. حقوق المدعوين وواجباتهم .
10. تعريف الأسلوب .
11. نماذج من أساليب الدعوة( الترغيب، الترهيب، القصة، الخطب ، المثل، الحوار، والجدل ).
12. تعريف وسائل الدعوة إلى الله تعالى .
13. أنواع وسائل الدعوة إلى الله تعالى .
14. موضوعات الدعوة إلى الله تعالى ( العقيدة ، الشريعة ، الأخلاق ) .
15. قضايا دعوية : ( الاعتماد على الكتاب والسنة ، التركيز على المحكمات ، التدرج، البعد عن التعصب ، إنزال الناس منازلهم ) ..
ثانياً / الحسبة :
1 – تعريف الحسبة لغة واصطلاحاً .
2 – أركان الحسبة :
- المحتسب ( تعريفه ، شروطه ، آدابه ) .
- المحتسب عليه : ( تعريفه ، شروطه ) .
- الاحتساب ذاته : ( درجاته ، آدابه ) .
3 – حكم الحسبة ، ومكانتها ، ونوعية فرضها .
4 – مقارنة الحسبة بالولايات الأخرى : ( القضاء ، المظالم ، الشرطة ) .
5 – شبهات حول الحسبة .
6 - نماذج من احتساب النبي ﷺ .
المراجع:
1.الدعوة وأخلاق الدعاة – سماحة الشيخ عبد العزبز بن باز زحمه الله
2.الدعوة الإسلامية أصولها ووسائلها – د.أحمد غلوش
3.نظام الحاسبة في الإسلام – الشيخ عبد العزيز المرشد
4.الحسبة أ,د فضل إلهي ظهور.
مدخل:
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد: فإن مما يميز المسلم الحق أنه حريص على الاقتداء برسوله محمد ﷺ ، في الدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فقد وصفه الله بقوله في كتابه الكريم : ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( يوسف ( 108 )
قال المفسرون : قل يا محمد لهم : هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها سبيلي وسنتي ومنهاجي، وسمي الدين سبيلاً، لأنه الطريق الذي يؤدي إلى الثواب، ومثله قوله تعالى : ) ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ ( ( النحل 125 ) ، واعلم أن السبيل في أصل اللغة الطريق وشبهوا المعتقدات بها لما أن الإنسان يمر عليها إلى الجنة أدعو الله على بصيرة وحجة وبرهان أنا ومن اتبعني إلى سيرتي وطريقتي وسيرة أتباعي الدعوة إلى الله لأن كل من ذكر الحجة وأجاب عن الشبهة فقد دعا بمقدار وسعه إلى الله
ومن هذا المنطلق كان لزاماً على كل محب مقتدي برسول الله ﷺ ، الاجتهاد في معرفة هديه في الدعوة إلى الله تعالى ، والسير على طريقته ، ومنهجه ، حتى ينال شرف الانتساب إليه ﷺ ، والفوز بمرضاة الله تعالى .
ومنهج الدعوة إلى الله تعالى وأصوله ثابتة مقررة في كتاب الله الكريم وسنة رسوله ﷺ ، وفي هذا المقرر نعرض شيئاً من هذا ، وبداية أستعين بالله تعالى، وأبدأ السير في شرح النقاط السابقة، متوكلاً على الله ﷻ، مستعيناً بحوله وقوته، متبرئاً من حولي وقوتي، راجياً منه القبول، سائلاً إياه التوفيق والسداد.
أولاً : أصول الدعوة :
1. تعريف الدعوة إلى الله تعالى:
الدعوة لغة: من دعا بالشيء، دعواً، ودعوة، ودعاءً، ودعوى: طلب إحضاره. ودعوت الله: أدعوه، دعاءً، ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير.
ودعوت زيداً: ناديته، وطلبت إقباله. ودعوت الولد زيداً، أو بزيدٍ، إذا سميته بهذا الاسم. وادعيت الشيء : تمنيته. وتداعى الناس على فلان: تألبوا عليه. وتداعى البنيان: تصدع من جوانبه، وآذن بالسقوط. وتداعوا بالألقاب: دعا بعضهم بعضاً بذلك[1] .
فهي مأخوذة من الدعاء، وهو النداء لجمع الناس على أمر ما، وحثهم على العمل له.
الدعوة إلى قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها حقاً كانت أم باطلاً:
فمن الدعوة إلى الباطل: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}، ومنها: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ».
ومن الدعوة إلى الحق: قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ}، وقوله ﷺ في كتابه إلى هرقل: (أدعوك بدعاية الإسلام) أي دعوته، وقال مؤمن آل فرعون: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ}.
ومن معاني الدعوة: المحاولة القولية أو الفعلية والعلمية لإمالة الناس إلى مذهب أو ملة.
ومن معانيها: الابتهال والسؤال: دعوت الله أدعوه: أي أبتهل إليه بالسؤال، وأرغب فيما عنده من الخير، وقال تعالى: {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} قال في لسان العرب: (ودعاء الله خلقه إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مَدعاة أي إلى مأدبة يتخذها، أو طعام يدعو الناس إليه).
فدعوة الله عز وجل عباده إلى دار السلام الجنة هي دعوته عباده إلى أسباب دخولها من الالتزام بدينه، فمن استجاب صار من حزب الله {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، أما المعرضون فهم أتباع الشيطان: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.
وأما الدعوة إلى الله تعالى في الاصطلاح فلها عدة تعريفات، منها:
أولاً/ قيل هي: ( مجموعة القواعد والأصول، التي يتوصل بها إلى تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه وتطبيقه )([2]) . وقيل أيضاً: (تبليغ الإسلام للناس، وتعليمه إياهم، وتطبيقه في واقع الحياة)([3]).
ثانياً/ وقيل الدعوة هي : ( البيان والتبليغ لهذا الدين ، أصولاً ، وأركاناً ، وتكاليف ، والحث عليه ، والترغيب فيه ) ([4]).
ثالثاً/ وقيل الدعوة: هي ( العلم الذي تعرف به كافة المحاولات الفنية المتعددة، الرامية إلى تبليغ الناس الإسلام، مما حوى عقيدةً، وشريعة، وأخلاقاً ) ([5]) .
والذي أراه راجحاً، هو:
أن الدعوة إلى الله تعالى تطلق ويراد بها: الإسلام كاملاً، فيقال : هذه أصول الدعوة إلى الله، ويقصد بها أصول الإسلام، ويقال: جاءت الدعوة إلى الله تعالى بالحلال والحرام.... ، أي جاء الإسلام، وهكذا.
وتطلق الدعوة، ويراد بها: عملية نشر الإسلام، وفق هدي رسول الله e ، الذي قال الله تعالى عنه: ) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ( يوسف ( 108 )
2. أدلة وجوب الدعوة إلى الله تعالى:
وردت عدة أدلة على وجوب الدعوة إلى الله تعالى في كتاب الله وسنة رسوله e ، وذلك على النحو الآتي:
أولاً / الأدلة من الكتاب :
ونذكر منها:
1- قال تعالى: ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(.
2 - قال تعالى: ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة(
3 - قال تعالى : ) لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (
4 - قال تعالى: ) فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (
5 - قال تعالى: ) وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (
ويلاحظ في الآية الأولى قوله: ) ولتكن ( أمر ظاهره الوجوب . وفي الآية الثانية أطلق مسمى الإيمان على من قام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن لم يقم به لا يستحق أن يكون من المؤمنين
وفي الثالثة شددت على المقصرين بشأن الدعوة إلى الله ، وعللت استحقاقهم اللعنة بتركهم النهي عن المنكر
في حين بينت الآية الرابعة أن الناجين ما تحققت لهم النجاة إلا بالنهي عن السوء ، وهو ما يؤكد أمر الوجوب .
يضاف إليه الأمر الوارد في الآية الخامسة ، والذي يفيد وجوب الحث على التعاون، وما قيام الداعية بواجبه تجاه المدعو مادياً ومعنوياً إلا صورة واضحة للتعاون الذي حثت عليه الآية .
ثانياً : الأدلة من السنة
استدل العلماء على وجوب الدعوة إلى الله بأحاديث كثيرة نذكر منها:
1 - عن حذيفة بن اليمان أن النبي ﷺ قال : « والذي نفسي بيده لتَأمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنهَوُنَّ عن المنكر أو لّيُوشِكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لَتَدعُنَّه فلا يستجيب لكم » رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح
2 - عن محمد (بن سيرين) عن ابن أبي بكرة عن أبي بكرة ذُكر النبي ﷺ قال : « فإن دماءكم وأموالكم، قال محمد وأحسبه قال: وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا ، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب » رواه البخاري
3- عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « جاهدوا الكفار بأيديكم وألسنتكم وأموالكم » رواه النسائي وصححه الألباني.
ويلاحظ أن صيغة الأمر الواردة في الأحاديث السابقة تدل على الوجوب .
3 - أهداف الدعوة إلى الله :
1. بيان الحق والبلاغ المبين:
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}، وقال تعالى : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال e :(بلغوا عني ولو آية).
2. الدعوة إلى الاستجابة للدعوة وامتثالها قولاً وعملاً:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، مفتاح دعوة الأنبياء: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، {اتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} .
3. التبشير والإنذار:
هو مفتاح النفس الإنسانية فهي مجبولة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}، قال ﷺ: (مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق) متفق عليه.
البشارة: في الدنيا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}،
في الآخرة: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
النذارة: في الدنيا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا}، {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.
في الآخرة: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.
4. إصلاح النفوس وتزكيتها:
قال تعالى : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ}، وقال تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}.
5. إقامة الحجة والإعذار إلى الله بأداء الأمانة:
{رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، وأتباع الرسل يخلفونهم في هذه المهمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي...}، {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى}، {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا، يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا}.
4 - فضل الدعوة إلى الله تعالى:
ورد في فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثيرة، كما أنه ورد في إرسال النبي e الدعاة : أحاديث لا تخفى ، ومن ذلك :
أ – إن قول الدعاة أحسن الأقوال، وإن كلامهم في التبليغ أفضل الكلام.. قال جل جلاله في سورة فصلت : (( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )) .
ب - وقال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله" رواه مسلم في الصحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" أخرجه مسلم أيضا. وهذا يدل على فضل الدعوة إلى الله عز وجل.
ج - ويكفي الدعاة أجراً ومثوبة .. أن أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة .. روى مسلم وأصحاب السنن عن رسول الله e، أنه قال:« من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً..)» .
د - يكفي الدعاة منزلة ورفعة .. أنهم خير هذه الأمة على الإطلاق ، قال تعالى في سورة آل عمران:) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..( .
هـ - يكفي الدعاة سمواً وفلاحاً أنهم المفلحون والسعداء في الدنيا والآخرة، قال سبحانه في سورة آل عمران:) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(.
و - ويكفي الدعاة منَّا وفضلاً أن الله سبحانه يشملهم برحمته الغامرة ، ويخصهم بنعمته الفائقة .. قال عز من قائل في سورة التوبة : ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( .
5 - تعريف الداعية إلى الله تعالى:
الداعية في اللغة: هو من يدعو إلى دين أو فكرة.
والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داعٍ، ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى دين، أو بدعة، وأدخلت الهاء فيه للمبالغة. وقيل: الداعية : صريخ الخيل في الحروب، لدعائه من يستصرخه. يقال: أجيبوا داعية الخيل .
وداعية اللبن: ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده، ودعَّى في الضرع، أبقى فيه داعية اللبن ([6]).
إذن: الدعاة لفظ عام يشمل:
أ - دعاة الحق.
ب - دعاة الباطل.
كما جاء ذلك في قول الله I ، على لسان مؤمن آل فرعون : ) ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( ([7]) . ويقول الله ﷻ ، حكاية عن المشركين : )أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ( ([8]) .
ومنه حديث رسول الله ﷺ عندما قال للصحابي الجليل عمار بن ياسر رضي الله عنهـما،«ويح عمّار تقتله الفئة الباغية. عمار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار»([9]).
والداعية في الاصطلاح هو: ( المبلغ للإسلام، والمعلم له، والساعي إلى تطبيقه ) ([10]).
6 - صفات الداعية إلى الله تعالى وأخلاقه:
لابد من الإشارة إلى إن كل مسلم هو داعية إلى الله I، حيث نجد أن الداعية الأول المبلغ للإسلام كاملاً، هو رسول الله ﷺ، ثم جاء من بعده صحابته الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - الذين بلغوا هذا الدين عنه، كلٌّ على حسب قُدرته واستطاعته وعلمه، عملاً بقول رسول الله ﷺ : « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً » ([11]) .
وهكذا سار سلف هذه الأمة -رحمهم الله تعالى- كلٌّ على حسب قدرته وطاقته.
كما أن الدعوة لا تقتصر على الدعاة من الرجال ، بل وتشمل النساء كذلك ، حيث نجد أن نساء سلف هذه الأمة y أجمعين ، قد ضربوا في ذلك الصور والأمثلة التي تستحق الإبراز والثناء.
ومن أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله تعالى :
1. الإخلاص ، لأن العمل لا يصح ولا يقبل إلا به .
2. قوة الصلة بالله I ، وذلك من خلال المحافظة الشديدة على الفرائض ، والإكثار من النوافل ، واللجوء إلى الله I ، على كل حال.
3. العلم ، الذي به تصح النية، والمنهج، وأهم العلوم التي يحتاجها الداعية إلى الله I، علم الكتاب والسنة، وما يتفرع ويتصل بهما، وتحصيل العلم لا يتم إلا بالجدِّ والحرص عليه ، والسؤال عنه كما كان حال سلفنا الصالح الذين ضربوا أروع الأمثلة وأعظمها في ذلك الأمر.كما أن العلم يحتاج إلى سرعة العمل به ، والاستجابة لأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وإلا أصبح الإنسان به ) كمثل الحمار يحمل أسفارا ( ([12]) .
4. الورع والتقوى، وذلك لأن الداعية محل نظر المدعوين وقدوتهم.
5. الاستشارة، لأن الآراء عندما تجتمع تنضج وتخرج بصورة جيدة وقليلة الأخطاء.
6. الحرص والمبادرة إلى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله I.
7. المداومة على العمل والمحافظة عليه.
8. الفطنة والفراسة.
9. التفاؤل ، الثقة بنصر الله I ، وحسن الظن به.
10. حسن السمت.
11. حسن استغلال الفرص والمواقف.
12. فصاحة اللسان.
13. الحرص على طلب العلم، والتحلي بآدابه، وطلب العلم له آداب ينبغي على الداعية المحافظة عليها والتمسك بها ومراعاتها في مرحلة الطلب، وأهمها حسن الخلق، لأنه من أعظم ما يجذب المدعوين إلى الداعية ، وإلى العمل بما يدعو إليه ، وحسن الخلق يشمل عدة فروع ، منها:
أ - الصبر.
ب - الجود .
ج - التواضع.
د - الحلم والأناة .
هـ - العفو.
و - الرفق واللين .
ز - الوفاء.
ح - الحياء.
ط - احترام الكبير.
ي - الرحمة.
ك- الحرص على النظافة .
7 - المدعو:
تعريف المدعو:
إن كلمة ( المدعو )، مشتقة من دعاه يدعوه ، فهو مدعو. إذن فهو اسم مفعول، مشتق من أصل الكلمة ( دعا )([13]).
يقول د.حمود الرحيلي: ( والمقصود بالمدعو في اصطلاح الدعوة الإسلامية: هو الإنسان المخاطب بدعوة الإسلام )([14]).
وأرى أن المدعو هو : ( من وجهت إليه رسالة دعوية ) .
وعلى ضوء ذلك التعريف نستطيع نذكر مجموعة من القواعد العامة التي تتعلق بالمدعو على النحو الآتي:
أولاً/ المدعوون إلى الله I ، هم الناس جميعاً ، إذ يقول الله ﷻ : { وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً } ([15]) . إذن فينبغي للداعية إلى الله I ، أن يتوجه بدعوته للناس جميعاً ويعرضها عليهم ويبلغهم إياها من غير استثناء لأحد منهم .
ثانياً/ يدخل ضمن المدعوين : الجن ، إذ نجد أن رسول الله ﷺ ، توجه لهم بالدعوة، وخاطبهم بها ، وذلك لأنهم مطالبون بالإيمان بالله I ، وبرسوله ﷺ، والعمل بشريعته ، يقول الله I :{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ([16]) ، ويقول ﷻ : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا }([17])، ويقول Y : { وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ، فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم }
8 – أصناف المدعوين :
المدعوون أصناف كثيرة ، وذلك يظهر من خلال التقسيم الآتي :
1 - بحسب العقيدة والدين ، وهم :
أ - المسلمون.
ب - أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
ج - الكفار والمشركون .
2 - بحسب المكان ، وهم :
أ - أهل الحضر .
ب - أهل البادية ، وهم الأعراب.
3 - بحسب السن والعمر ، وهم :
أ - الأطفال.
ب - الكبار.
4 - بحسب الجنس ، وهم :
أ - الرجال.
ب - النساء.
5 - بحسب القرابة ، وهم :
أ - القريب ( الأولاد ، والزوجات ، والآباء ، والإخوة ، والأخوات، وسائر القرابات ) .
ب - غير القريب ، وهم سائر المدعوين غير ما ذكر في الفقرة السابقة.
6 - بحسب اللغة ، وهم :
أ - العربي.
ب - الأعجمي.
7 - بحسب المكانة ، وهم :
أ - الملأ.
ب - عامة الناس.
ج - الخدم والمماليك.
8 - بحسب الرغبة في العلم والإيمان ، وهم :
أ - الحريص.
ب - الحيي.
ج - المعرض.
9 - بحسب الإيمان ، وهم :
أ - قوي الإيمان.
ب - ضعيف الإيمان.
10 - بحسب العلم ، وهم :
أ - طالب العلم.
ب - العوام وجهلة الناس.
ومما لا شك فيه أن كل صنف مما سبق له سمات خاصة قد تختلف عن الآخرين، مما يترتب عليه أن يختار الداعية إلى الله I ، مع كل صنف ما يناسبه من الوسائل والأساليب الدعوية التي تؤثر فيه ، كما أن كل صنف له حقوق ومسؤوليات تجاه الداعية قد تختلف عن الآخر .
سمات بعض المدعوين:
1. سرعة استجابة المؤمن للموعظة والتذكير.
2. من سمات المدعوين بشكل عام: طلب المزيد من الخير.
3. من سمات النساء: شدة العاطفة عندهن، وسرعة التأثر.
4. من سمات الملأ الغالبة: التكبر ، وشدة التعلق بالدنيا.
5. من سمات اليهود : شدة الخصام واللجج .
6. من سمات الأعراب: الجفاء، وعدم الاهتمام بالمظهر، ورفع الصوت، والجرأة والعجلة.
7. خوف الكفار وشدة عدائهم للدعوة وصاحبها.
9 - حقوق المدعوين وواجباتهم:
للمدعوين العديد من الحقوق التي ينبغي على الداعية مراعاتها، من أهمها:
أ - أمور المدعوين محمولة على الظاهر ، دون الباطن .
ب - أهمية إشعار المدعو بأن عليه مسؤولية كبيرة في البحث عن الحق وطلبه، والعمل به متى ما استبان له، فلذا ينبغي له السؤال والرجوع إلى العلماء فيما يشكل عليه، يقول الله I:{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}([18]).
ج - اختلاف درجات المدعوين في الاستجابة للدعوة ، أو الإعراض عنها، وأن الفاضل هو من يسبق ويبادر للإيمان والإسلام .
د - تنوع واختلاف أحوال المدعوين ، مما يؤكد أهمية مراعاتها أثناء عرض الدعوة عليهم.
هـ – خدمة الدين والعمل بأركانه وواجباته وسننه ، واجتناب محرماته ومكروهاته .
10 - الأسلوب :
تعريف الأسلوب:
في اللغة: الطريق ، والمذهب . يقال سلكت أسلوب فلان في كذا: طريقته ومذهبه، وطريقة الكاتب في كتابته. والأسلوب هو الفن . يقال : أخذنا في أساليب من القول: فنون متنوعة. ويقال: هو على أسلوب من أساليـب القوم أي على طريق مـن طرقـهم. وجمـع أسلوب: أساليـب ([19]) .
لغوياً: ذكر للأسلوب أكثر من معنى هي: "الأسلوب: الطريق.
ويقال: سلكتُ أسلوب فلان في كذا: طريقته ومذهبه.
والأسلوب: طريقة الكاتب في كتابته.
والأسلوب: الفن، يقال: أخذنا في أساليب من القول: فنون متنوعة.
ويطلق الأسلوب عند الفلاسفة: على كيفية تعبير المرء عن أفكاره.
وفي الاصطلاح : ( الطرق التي يسلكها الداعي في دعوته ) ([20]) .
وقيل: ( هي الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه واختيار مفرداته) ([21]) .
وأقول بأن الأسلوب هو: ( الطريقة التي يسلكها الداعية في نشر الإسلام ) .
11 - نماذج من أساليب الدعوة :
تعود الأساليب في مجملها إلى ثلاث مجموعات ، وهي :
1. مجموعة الأساليب التي تحرك الشعور والوجدان، و التي بمجموعها تمثل المنهج العاطفي، كأسلوب الوعظ والتذكير ، وأسلوب الترغيب والترهيب، وأسلوب تحريك العاطفة الإيمانية وتهييجها، وأسلوب الدعاء للمدعو.
2. مجموعة الأساليب التي تدعو إلى التفكر والتدبر والاعتبار، والتي بمجموعها تمثل المنهج العقلي، كأسلوب المقارنة بين الحسن والقبيح ، وأسلوب التشبيه، وأسلوب المناظرة، وأسلوب التوضيح والتعليل العقلي، وأسلوب الرد على الشبهات.
3. مجموعة الأساليب التي تعتمد على الحس والتجارب الإنسانية ، والتي بمجموعها تمثل المنهج الحسي ، كأسلوب القدوة الحسنة ، وأسلوب ذكر الداعية تجاربه وما يظهر عليه، وأسلوب تحفيظ المدعو ، وأسلوب الإحسان للمدعوين ومساعدتهم.
4. الأساليب العامة ، والتي تشمل الأساليب السابقة ، أو بعضها ، كأسلوب الخطابة، وأسلوب القصص ، وأسلوب التعليم ، وأسلوب السؤال والجواب.
و لكثرة الأساليب وتنوعها ؛ ينبغي للداعية إلى الله I :
- اختيار الأسلوب المناسب للمدعوين، وذلك بالنظر إلى حالهم وزمانهم ومكانهم، فمثلاً نجد أن رسول الله ﷺ ، يستخدم أسلوب الرفق واللين في بعض المواقف، وفي مواقف أخرى يستعمل الشدة والقسوة ، وذلك لحاجة المدعو في هذه الحال لمثل هذا الأسلوب.
- التنويع بين هذه الأساليب وطرحها ، وذلك لأن المدعو فيه ثلاث ركائز، وهي: العاطفة والعقل والإحساس ، فالداعية الموفق الذي يستخدم الأساليب التي تشبع الركائز الثلاث بشكل متوازن ومتناسق .
12 - تعريف وسائل الدعوة إلى الله تعالى :
الوسائل في اللغة هي : ما يُتوصل ويُتقرب به إلى الشيء ، توسل إلى ربه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل، وهي الواسلة، والواصلة، و القربى، وجمعها وسائل و وُسُل([22]) ، يقول الله I:{أولئـك الـذيـن يدعـون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيـهم أقرب}.
وفي الاصطلاح: ما يتوصل به الداعية إلى تطبيق مناهج الدعوة من أمور معنوية أو مادية)([23]).
وقيل : ( هي ما يستعين به الداعية على تبليغ الدعوة من أشياء وأمور ) ([24]) .
وأقول هي: ( الأدوات المادية والمعنوية، التي يستخدمها الداعية في نشر الإسلام).
13 - أنواع وسائل الدعوة إلى الله تعالى :
نستطيع أن نقسم الوسائل إلى نوعين، هما:
1 - الوسائل المادية ([25])، وهي جميع الأدوات المحسوسة ، كالقول، والعمل.
2 - الوسائل المعنوية ([26]) ، كالصلاة ، والدعاء ، والتخطيط ، والتنظيم .
وأيضاً للوسائل تقسيم آخر ، وهو :
1 - الوسائل الأصلية : كالقول ، والعمل .
2 - الوسائل المساعدة : كالمنبر ، ومكبر الصوت. واللباس ، واستغلال المواقف والفرص ، والنظر للمدعو أثناء الحديث معه ، وضرب الموعد وتحديده للموعظة والتعليم ، ووسائل الإعلام بأنواعها ...
ومما ينبغي التنبيه عليه أن استخدام الوسائل، والسعي في تحصيلها وإتقانها، لا يتعارض مع التوكل على الله I .
وينبغي للداعية إلى الله I ، عند اختيار الوسيلة مراعاة القواعد الآتية :
1 - أن الوسائل لها حكم الغايات ، فلذا لا بد من مشروعية الوسيلة.
2 - درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
3 - دفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
4 - الإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معاً.
14 - موضوعات الدعوة إلى الله تعالى :
تعريف موضوع الدعوة:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ( الدعوة إلى الله، هي الدعوة إلى الإيمان به، وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا) ([27])، ويقول - رحمه الله تعالى - : ( الدعوة إلى الله تتضمن الأمر بكل ما أمر الله به ، والنهي عن كل ما نهى الله عنه ، وهذا هو الأمر بكل المعروف ، والنهي عن كل منكر ) ([28]) ، ويقول - رحمه الله تعالى - في تعريفه للدين : ( هو ما بعث الله به رسله ، وهو ما يجب على المرء التصديق به والعمل به ) ([29]) .
هذا ويمكن القول أن موضوعات الدعوة تدور حول التقسيم الآتي:
1 - العقيدة .
2- الشريعة .
3 – الأخلاق .
15 - قضايا دعوية :
هناك مجموعة من القضايا التي ينبغي التنبيه عليها وهي :
أولاً / ضرورة الاعتماد على الكتاب والسنة في اختيار الموضوعات ودعوة الآخرين ، والبعد عن الهوى والميول الشخصية .
ثانيا ً/ التدرج : في الدعوة مع الناس ، فمثلاً الخمر حرمت على مراحل .... وهكذا يؤخذ الناس بالتدرج .
ومن التدرج ترتيب موضوعات الدعوة حسب أهميتها الشرعية ، فلا يُقدم موضوع على آخر ، هو أهم منه. هذا وإن الأصل في أوليات الدعوة الذي يجب على الدعاة الالتزام به هو ما يأتي :
1 - التوحيد وقضايا العقيدة .
2 - أركان الإسلام ، وخاصة منها الصلاة ، وما يتصل بها من أحكام كالغسل والوضوء.
3 - ثم تأتي بقية الموضوعات على حسب أهميتها وتقديم الشارع لها .
ثالثا/ البعد عن التعصب :
فالتعصب للأشياء - معها، أو ضدها - سلباً ، أو إيجاباً- إلى درجة تجعل الناس ، يصابون بنوع من الخوف الشديد من هجوم المتعصبين ، ضدهم ، أو معهم ، إذا كان هناك خطأ حصل ، أو واقع سيء قائم ينبغي إزالته ، ولا شك أن هذا يؤدي إلى عدم الإقدام والمبادرة ، والاعتراف بالخطأ ونقده ، والمطالبة بالعودة للحق واتباعه .
رابعا/ إنزال الناس منازلهم ، فهذا من القواعد الكبيرة التي كان النبي e ، يراعيها ويتعامل بها مع المدعوين ، كأبي سفيان ، وزيد الخيل ، وغيرهم كثير ... .
ثانياً / مقرر الحسبة
1. تعريف الحسبة لغة واصطلاحاً:
الاحتساب لغة له عدة معان، منها: طلب الأجر، والاختبار، والإنكار، والظن، والاعتداد، والاكتفاء ([30]) .
أما في الاصطلاح فقد عرفه العلماء بعدة تعريفات([31]). من أشهرها تعريف الإمام الماوردي والقاضي أبي يعلى الحنبلي، حيث يقولان: ( الحسبة: هي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله ) ([32]) .
2. أركان الحسبة :
أركان الحسبة أربعة : كما ذكر ذلك الغزالي - رحمه الله – فقال : إن أركان الحسبة أربعة: المحتسب، والمحتسَب عليه، والمحتسب فيه، ونفس الاحتساب.
1. المحتسِب : اسم فاعل من احتسب، ويقصد به القائم بالحسبة.
وقد اشترط الفقهاء في المحتسب: الإسلام والتكليف والعلم والعدالة والقدرة البدنية
والإذن من الإمام والذكورة.
2. المحتَسب عليه: وهو من تقع عليه الحسبة بأمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر.
3. المحتَسب فيه: وهو المعروف الذي يؤمر به، أو المنكر الذي يُنهى عنه. 4. المحتسب به: والمراد به الوسيلة التي يحتسب بها المحتسب على الناس، وقد يشار إليها في كتب الحسبة بمراتب الاحتساب. وهي أولاً التنبيه والتذكير، ثم الوعظ والتخويف من الله، ثم الزجر والتأنيب والإغلاظ بالقول، ثم التغيير باليد، ثم إيقاع العقوبة بالنكال والضرب، ثم الاستعداء ورفع الأمر إلى الحاكم.
وأمثِّل لهذه الأركان بمثال، فأقول: لو أن رجلاً لا يحضر الصلاة في المسجد فوعظه
رجلٌ على ما فعل.
فالمحتسِب: هو الواعظ.
والمحتسب عليه: هو الرجل التارك للصلاة في المسجد.
والمحتسب فيه: هو ترك الصلاة في المسجد.
والمحتسب به: هو الوعظ.
3. حكم الحسبة، ومكانتها، ونوعية فرضها:
شرعت الحسبة طريقاً للإرشاد والهداية والتوجيه إلى ما فيه الخير ومنع الضرر . وقد حبب الله إلى عباده الخير وأمرهم بأن يدعوا إليه ، وكره إليهم المنكر والفسوق والعصيان ونهاهم عنه ، كما أمرهم بمنع غيرهم من اقترافه ، وأمرهم بالتعاون على البر فقال تعالى : ) وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ( . وقال جل شأنه : ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (.
الحكم التكليفي: الحسبة واجبة في الجملة من حيث هي ، لا بالنظر إلى متعلقها إذ إنها قد تتعلق بواجب يؤمر به ، أو مندوب يطلب عمله ، أو حرام ينهى عنه ، فإذا تعلقت بواجب أو حرام فوجوبها حينئذ على القادر عليها ظاهر ، وإذا تعلقت بمندوب أو بمكروه فلا تكون حينئذ واجبة ، بل تكون أمرا مستحبا مندوبا إليه تبعا لمتعلقها ، إذ الغرض منها الطاعة والامتثال ، والامتثال في ذلك ليس واجبا بل أمرا مستحبا ، فتكون الوسيلة إليه كذلك أمرا مستحبا . وقد يترتب عليها من المفسدة ما يجعل الإقدام عليها داخلا في المحظور المنهي عنه فتكون حراما .
والحكمة من مشروعية الحسبة :
أن الناس لا يزالون - في مختلف العصور - في حاجة إلى من يعلمهم إذا جهلوا ، ويذكرهم إذا نسوا ، ويجادلهم إذا ضلوا ، ويكف بأسهم إذا أضلوا ، وإذا سهل تعليم الجاهل ، وتذكير الناسي ، فإن جدال الضال وكف بأس المضل لا يستطيعهما إلا ذو بصيرة وحكمة وبيان . لذلك شرعت الحسبة.
ومن أفضل ما استدل به على مشروعية الحسبة قوله سبحانه : ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ( (آل عمران/104) ، وقوله سبحانه : ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ( (التوبة/71).
وولاية الاحتساب نوعان :
- ولاية أصلية مستحدثة من الشرع.
- وولاية مستمدة وهي الولاية التي يستمدها من عهد إليه في ذلك من الخليفة أو الأمير، وهو المحتسب.
4. مقارنة الحسبة بالولايات الأخرى :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – (وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سواء فى ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل نيابة السلطنة والصغرى مثل ولاية الشرطة وولاية الحكم أو ولاية المال وهى ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة ) ([33]) .
و الحسبة مرتفعة عن أحكام القضاة من وجهين، ومقصورة عنها من وجهين، وزائدة عليها من وجهين أحدهما: يوافق في جواز الاستعداء، وسماع دعوى المستعدي علية من حقوق الآدميين، في ثلاثة أنواع فقط:
الأول: النجش، والتطفيف في كيل ، أو وزن.
والثاني: الغش، والتدليس في بيع، أو ثمن.
والثالث : المطل بالدين ، مع المكنة.
واختص بهذه الثلاثة دون غيرها، لتعلقها بالمنكر الظاهر الذي نصب له، لأنه موضوع منصب الحسبة في عرف الولايات.
والوجه الثاني الذي يوافق فيه : إلزام المدعى عليه الخروج من الحق المدعى به ، وهذا عام في جميع الحقوق ، وإنما هو خاص في الحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها إذا وجبت بالإقرار والمكنة واليسار ، فيلزم المقر الموسر الخروج منها ، لأن في تأخيرها منكراً هو منصوب لإزالته ، وأما الوجهان في قصورها عن القضاة :
فلا يسمع عموم الدعاوي الخارجة عن ظاهر المنكرات ، في العقود ، والمعاملات ، وسائر الحقوق ، إلا أن يفوض ذلك إليه بنص صريح يزيد على منصب الحسبة ، فيكون قاضياً ومحتسباً ، فيشترط فيه شروط القضاء ، ويقتصر على الحقوق المعترف بها ، بخلاف ما جحد لاحتياجه لسماع البينات والأيمان وليس منصبه .
والوجهان الزائدان له على الأحكام : فتعرضه لوجوه المعروف والمنكر ، وإن لم ينه إليه ، بخلاف القاضي ، وله من السلاطة والحماية في المنكرات ما ليس للقضاة ، لأن موضوعه الرهبة ، وموضوع القضاء النصفة ، وهو بالأناة والوقار أولى ، فإن خرج القاضي إلى السلاطة خرج عن منصبه الذي وليه ، وتشابه الحسبة ولاية الظالم من وجهين، وتخالفها من وجهين .
فتشابهها في : الرهبة ، وجواز التعرض للإطلاع .
وتخالفها : أن موضع ولاية المظالم فيما عجز عنه القضاة ، فرتبة المظالم أعلى ، ولوالي المظالم أن يوقع للقضاة والمحتسبة . والمحتسب لا يوقع لأحد منهما . ويجوز لوالي المظالم أن يحكم وليس للمحتسب أن يحكم .
5. شبهات حول الحسبة :
هناك مجموعة من الشبهات ([34]) . التي تثار حول الحسبة ، سأعرضها والرد عليها بالتفصيل، وهي على النحو الآتي :
الشبهة الأولى : (( وجوب ترك الاحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية ))
يقول بعض الناس : " يجب علينا أن نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف الذي لا يرغبون في فعله ، ونهيهم عن المنكر الذي يرغبون فيه ، لأن هذا يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة في الإسلام".
ويستدلّ هؤلاء على صحة رأيهم بقوله عز وجل: ) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ( .
أولاً: عدم وجود (( الحرية الشخصية )) المزعومة .
لنا أن نسأل أصحاب هذا القول : أين تلك (( الحرية الشخصية )) المزعومة ؟ أفي مشارق الأرض أم في مغاربها ؟هل وجدتموها في أنظمة شرقية أم في أنظمة غربية ؟ كلا ، لا عند هؤلاء ، ولا عند أولئك . يُطالب المرء بالخضوع والامتثال لقواعد و أنظمة على رغم أنفه حيثما حل وارتحل.
هل يُسمح لأحد في الشرق أو الغرب أن يعبر التقاطع والإشارة حمراء ؟ هل يُعطى في الغرب لأحد حق بناء بيت بماله الذي اكتسبه بكد جبينه على الأرض التي اشتراها بخالص ماله كيفما شاء من غير مراعاة الضوابط التي وضعتها أمانة تلك المدينة التي هو فيها ؟ و الأمر في الشرق أدهى وأمرّ ، ليس له أن يملك بيتاً.
ثانياً : المفهوم الإسلامي للحرية الشخصية :
الحرية الشخصية التي منحها الإسلام للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد ، ولا يعني هذا إخراجهم من عبودية رب العباد ، ما أحسن ما عبر القرآن الكريم عن هذا : ) ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( .
فالمطلوب في الإسلام أن يتحرر العبد من كل من سوى الله ويصير عبداً منقاداً مطيعاً مستسلماً لله الواحد الخالق المالك المدبر . وهذا ما عبّر عنه الصحابي الجليل ربعي بن عامر t ، مجيباً على سؤال رستم بقوله : ( الله ابتعثنا ، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ).
ثالثا: الخطأ في فهم الآية: ) لا إكراه في الدين (:
ليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاءون وترك ما يشاءون ، وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه ، بل المراد بالآية – والله أعلم بالصواب – كما يقول الحافظ ابن كثير : ( أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في الإسلام ).
وحتى هذا ليس لغير المسلمين كلّهم بل رجّح كثير من المفسرين بأن هذا الحكم خاص بأهل الكتاب ومن شابههم. وأما عبدة الأوثان من مشركي العرب ومن شابههم فلا يُقبَل منهم إلاّ الإسلام أو القتال معهم .
رابعاً : ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة :
إن هؤلاء أخذوا آية واحدة وحاولوا تأويلها وفق أهوائهم وتجاهلوا تلك النصوص الكثيرة الصريحة الواضحة التي لا تترك مجالاً للشك والتردد في فرضيّة الحسبة. أين هؤلاء من تلك النصوص التي وردت فيها صيغة أمر للقيام بالاحتساب، وصيغة نهي للمنع عن تركه ؟ وذلك مثل قوله تعالى: ) ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون(، ومثل قوله e : « مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم ». ومثل قوله: « لا يمنعن رجلاً منكم مخافة الناس أن يتكلّم بالحق إذا رآه وعلمه».
خامساً : تشريع الحدود والتعزيرات ينقض هذه الشبهة :
ماذا سيكون موقف هؤلاء من الحدود والتعزيرات التي شُرِعت لمعاقبة مرتكبي بعض الجرائم ؟ أيردون تلك النصوص الثابتة الصريحة التي جاء فيها بيانها ؟ .
ومن تلك النصوص- على سبيل المثال – ما جاء فيها من عقوبة الزاني : « البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثّيب بالثيب جلد مائة والرجم ».
الشبهة الثانية: (( ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يضرنا ضلال الضالين))
يقول بعض الناس: لا يجب علينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أمرنا الله تعالى بالاهتمام بأنفسنا وبّين أنه لا يضرنا ضلال الآخرين واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ) يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (.
الرد على الشبهة من جانبين :
أولاً : كشف النقاب عن حقيقة الشبهة من الآية نفسها :
لو تدبر أصحاب هذه الشبهة في الآية نفسها لما نطقوا بها . اشترط الله تعالى لعدم إصابة الضرر بسبب ضلال الآخرين أن يكون الشخص مهتدياً حيث قال تعالى : ) لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم ( . ولا يصير الشخص مهتدياً إلاّ إذا أدى ما أوجبه الله عليه . وممّا أوجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر . فالذي لا يقوم بهذا لا يكون مهتدياً لأن فوات الشرط يستلزم فوات المشروط . وقد بيّن هذا بعض الصحابة والتابعين وكثير من المفسرين والعلماء القدامى والمتأخرين .
فعلى سبيل المثال فقد نقل الإمام ابن جرير الطبري عن حذيفة رضي الله عنه في تفسير هذه الآية أنه قال: ( إذا أمرتم ونهيتم )، كما نقل الإمام الطبري عن سعيد بن المسيب في تفسير الآية أنه قال : ( إذا أمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، لا يضرك من ضل إذا اهتديت ).
ثانياً: تفنيد الشبهة بالنصوص الأخرى :
وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تبيّن أنه مما يجب على الصالحين تجاه أعمال الآخرين السيئة تذكيرهم ومنعهم عنها. وإن لم يفعلوا هذا يوشك أن ينزل عليهم غضب الله فيدعونه فلا يستجيب لهم.
ومن تلك النصوص قوله تعالى: ) وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديثٍٍٍ غيره. وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين. وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون(.
الشبهة الثالثة: (( ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص ))
يقول بعض الناس : ( حيث لا نقوم بكل ما أُمِرنا به ولا نجتنب كل مانُهينا عنه ، لذا يجب علينا أن نهتم بأنفسنا بدل أمر الآخرين بالمعروف ونهيهم عن المنكر ).واحتج أصحاب هذا القول بالمنقول والمعقول .
أما المنقول فقالوا: ذم الله تعالى من أمر الناس بالمعروف ونسي نفسه، وذلك في قوله تعالى : ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (.
وقوله تعالى: ) ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (.
كما بيّن رسول الله e سوء عاقبة هؤلاء ، فقد روى الإمام البخاري عن أسامة رضي الله عنه قال : سمعت من رسول e يقول : « يُجاء بالرجل فيُطرح في النار فيطحن فيها كما يطحن الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار فيقولون : أي فلان ! ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله ، وأنهى عن المنكر وأفعله ».
وأما المعقول فقالوا: فاقد الشيء لا يعطيه. من يستجيب لمن يأمر بمعروف و لا يأتيه، وينهى عن منكر ويأتيه؟
الرد على هذه الشبهة:
أولاً/ سبب الذم هو : ترك المعروف وليس الأمر بالمعروف :
هناك واجبان :
1. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2. فعل المعروف وترك المنكر .
وإن النصوص التي احتج بها أصحاب هذه الشبهة ليس فيها ذم بسبب القيام بالواجب الأول بل فيها ذم بسبب ترك القيام بالواجب الثاني. لم يُنكر فيها بسبب أمر الناس بالبر ، ونهيهم عن المنكر ، والتلفظ بالقول الطيب ، بل إنما أُنكر فيها بسبب نسيان الأنفس ، وترك المعروف وارتكاب المنكر ، وعدم الفعل وفق القول الطيب.
فعلى سبيل المثال هناك طالب نجح في مادة (( التفسير )) ورسب في مادة (( الحديث)) هل يُعقل توجيه اللوم بسبب النجاح في مادة التفسير ؟ إنما يُلام بسبب رسوبه في مادة الحديث .
ثانياً : ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني :
إن الواجبين اللذين ذكرناهما ليس أحدهما شرطاً للثاني فيكون ترك أحدهما مبرراً لترك الثاني .
يقول الإمام النووي بأسلوب آخر: (( قال العلماء : ولا يُشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما نهى عنه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به ، والنهي و إن كان متلبِّساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان : أن يأمر نفسه وينهاها ، ويأمر غيره وينهاه فإذا أخلَّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخرة )).
ثالثاً : الأخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل الاحتساب :
لو اشترطنا للآمر والناهي أن يكون فاعلاً لكل ما أُمر به ومجتنباً كل ما نُهي عنه لن تجد من يقوم بالاحتساب ، وبهذا يتعطّل هذا الواجب العظيم . وقد نّبه علماء الأمة إلى هذا الأمر ، فقال سعيد بن جبير : ( لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر ).
رابعاً : عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم :
لا شك أن دعوة الكامل أشدّ وقعاً في النفوس وأكثر استجابة من دعوة غير الملتزم لكن القول بأن دعوة غير الكامل أو احتسابه عديم الجدوى دائماً غير صحيح . كم من أنبياء الله الكاملين الملتزمين لم تؤثر دعوتهم في أقرب أقاربهم . لم يستجب لنداء رسول الله نوح عليه السلام ابنه ، كما لم يستفد من دعوة خليل الله إبراهيم عليه السلام أبوه ، ولم تقبل قول نبي الله لوط عليه السلام زوجته ، كما لم يحوِّل نصح أكمل خلق الله تعالى محمد ( ووعظه عمِّه أبا طالب إلى الإسلام .
وكم من أنبياء الله الكاملين دعوا أقوامهم فما آمن معهم إلا قليل ، بل منهم من لم يؤمن به أحد، وعلى العكس من هذا كم من أصحاب الدعوات الفاسدة – المخالفين لأقوالهم بأفعالهم – نرى لهم أتباعاً كثيرين وكم من دعاة حرمة الإنسان وحريته يجدون أنصاراً كثيرين مع أنهم من أشد الناس انتهاكاً لحرمته وحريته وكم من حماة لحقوق العمال والشعوب – على حسب زعمهم – ولهم أتباع كثيرون رغم كونهم من أكثر الناس هضماً لحقوقهم .
فخلاصة القول ليس لأحد أن يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة أن احتسابه لا يفيد بسبب تقصيره فلربما يفيد المقصرّ حيث لايفيد فيه من هو أحسن منه حالاً .
تنبيه :
لا يُفهم بما ذُكر بأننا لا نرى بأساً في ترك المعروف وفعل المنكر للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، بل نؤكد أنه يجب عليه فعل المعروف وترك المنكر ، و أنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى عند التساهل في هذا . ونقرر أيضاً بأنه ينبغي أن يكون أول فاعل لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه كما كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
غاية ما في الأمر أن فعل المعروف وترك المنكر ليس شرطاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يُقال لمن أمر بالمعروف ولم يفعله أو نهى عن المنكر وفعله : (( لا تأمر بالمعروف ولا تنه عن المنكر ))، بل نقول له : (( استمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واتق الله تعالى في نفسك فمرها بالمعروف وانهها عن المنكر )).
الشبهة الرابعة : ((ترك الاحتساب بسبب عدم استجابة الناس ))
يقول بعض الناس : ( ينبغي أن لا نضيع جهودنا و أوقاتنا في أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر حيث إنهم لا يستجيبون ).
الرد على الشبهة :
أولاً : لا يُشترط لوجوب الاحتساب قبول الناس :
لم يشترط الله تعالى ولا رسوله لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استجابة الناس ، بل أوجب الله تعالى على نبيه الكريم وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه سواء استجابوا أم لم يستجيبوا . وقد وردت نصوص كثيرة تبيّن هذا . منها على سبيل المثال قوله تعالى : ) فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل و عليكم ما حُمّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين (.
ومنها قوله تعالى :) فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما عليك البلاغ ( .
ثانياً : الحكم على الناس بعدم الاستجابة من الأمور الغيبية :
إن الحكم على الناس بأنهم لا يستفيدون من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا العليم الخبير . إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع رب العباد ، يقلّبها متى شاء وكيف ما شاء . وما أسهل على الله تعالى تقليبها .
فقد روى الإمام مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : إنه سمع رسول الله يقول : (( إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث شاء)).
وقد شبّه رسول الله ( سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فلاة .
فقد روى الإمام ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله e : « مثل القلب مثل الريشة ، تقلّبها الرياح بفلاة ».
وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولّون إلى أفسق الناس ، وكم من أفسق الناس يأتيهم الموت وهم من أتقى الناس . هذه حقيقة نقرؤها في سير الناس ، ونشاهدها في حياتنا اليومية ، وبيّنها الصادق المصدوق الناطق بالوحي بقوله e : « إن العبد ليعمل _ فيما يرى الناس – عمل أهل الجنة ، وأنه من أهل النار، ويعمل _ فيما يرى الناس – عمل أهل النار ، وهو من أهل الجنة ، و إنما الأعمال بخواتيمها » .
فإذا كان البشر يجهل خواتيم الآخرين فكيف يسوغ له أن يفترض أنهم لا يجيبون، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استناداً إلى هذا الافتراض؟
ثالثاً : وجوب التأسي بالرسول الكريم في هذا الأمر :
جعل الله تعالى في رسوله الكريم أسوة لنا حيث يقول عز من قائل : ) لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً(
فلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة : هل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نظراً لعدم استجابة الناس ؟
كلا ، بل استمر صلوات الله وسلامه عليه في ذلك في أشد الأحوال وأصعبها راجياً من الله هداية المخاطبين ، بل هداية أجيالهم القادمة إن لم يستجب الجيل الموجود . وسيرته الطاهرة تدل على هذا .
7. نماذج من احتساب النبي ﷺ :
قد جعل الله تعالى الاحتساب شعار هذه الأمة ومناط خيريتها، فقال تعالى: )كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر ( [آل عمران: 110]، وأبان عز وجل أن القيام به عنوان السعادة وبوابة الفلاح، وأن تركه سبيل استحقاق لعنته، والطرد من رحمته فقال آمراً به: ) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( [آل عمران: 104]، وقال عز من قائل: ) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ( [المائدة: 78 - 79].
وأوضح النبي الكريم e أن القيام به شرطٌ للنجاة، وأن الإعراض عنه سببٌ للهلاك، وتعرُّضٌ للعقوبة، وحرمانٌ من إجابة الدعوة فقال e: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً»، وقال e: « والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم».
وأمام ذلك الترغيب العظيم والتهديد الشديد بادر المصلحون على امتداد تاريخ الأمة الطويل على اختلاف مواقعهم إلى الاحتساب في كافة مستويات المجتمع وطبقاته، ولكثرة الشواهد وسعتها فسأكتفي بذكر بعض ذلك من خلال سيرة النبي e وحياته العطرة، من خلال ما يلي:
1. احتساب النبي e في محيطه الأسري:
لم تُلْهِ المهام الجسام التي كانت موكلة بنبينا الكريم e من تعليم الناس الكتاب والحكمة، وتدبير شؤون الأمة، ومواجهة الأخطار المحدقة بها، والانكسار بين يدي ربه آناء الليل وأطراف النهار ـ لم تلهه e عن تربية أسرته الكبيرة، وتوجيهها إلى الابتعاد عما يُغضِب ربها، ويحول بينها وبين الظفر برحمته ـ عز وجل ـ وإحسانه، ومن ذلك: ما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: «دخل عليَّ النبي e وفي البيت قِرَام فيه صور، فتلوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقال -e : إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يصوِّرون هذه الصور»، وما روته ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت للنبي e: حسبك من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة - فقال: «لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيتُ له إنساناً، فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا»، وما رواه خادمه أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: «بلِّغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي e ، وهي تبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي، فقال النبي e : إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي؛ ففيمَ تفخر عليك؟! ثم قال: اتقي الله يا حفصة!».
2. احتساب النبي e ، على أصحابه المحيطين به:
عُنِي رسول الله e بتزكية أصحابه الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين - وبخاصة القريبين منه، المكثرين من خلطته، وعمل على تنقيتهم من المعاصي والذنوب، وتحليتهم بالفضائل من أعمال القلوب والجوارح، مبادراً إلى نهيهم عن كل خطأ يراه عليهم أو زلة يستجرهم إليها الشيطان برفق ولين ينبتان المحبة دون تنفير، وحكمةٍ تبني دون أن تهدم، ومن ذلك ما رواه أبو ذر t قال: « إني ساببت رجلاً فعيَّرته بأمه، فقال لي النبي e : يا أبا ذر! أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»
وحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - حين أَهَمَّ قريشاً شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله e ؟! فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رسول الله e ؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله e: «أتشفع في حدٍ من حدود الله؟! ثم قام فخطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأَيْم الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
وحديث أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: «كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: اعلمْ أبا مسعود! فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله e ، فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود! اعلم أبا مسعود! قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام! قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً».
3. احتساب النبي e على ذوي الفضل من العلماء والعُبَّاد:
لأهل العلم وأرباب الطاعة والمستكثرين من العبادة شأن رفيع، ومنزلة سامقة في هذه الأمة، ولكن ذلك لم يَحُلْ بين النبي e وبين الإنكار عليهم، ومواجهة أحدهم حينما يقع في خطأ أو يصدر منه زلل دون أن يُنزِلهم ذلك عن رتبهم أو يحط من أقدارهم، ومن شواهد ذلك: حديث جابر t : «أن معاذ بن جبل t ،كان يصلي مع النبي e ، ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فَتَجَوَّز رجل فصلى صلاة خفيفة، فبلغ ذلك معاذاً، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجلَ، فأتى النبيَّ e ، فقال: يا رسول الله! إنَّا قوم نعمل بأيدينا، ونسقي بنواضحنا، وإن معاذاً صلى بنا البارحة، فقرأ البقرة فتجوَّزت، فزعم أني منافق، فقال النبي e : يا معاذ! أفتَّان أنت؟ (ثلاثاً)، اقرأ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]، ونحوها» .
وحديث عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: «زوَّجني أبي امرأة، فجاء يزورها، فقال: كيف ترين بعلك؟ فقالت: نِعْم الرجل من رجل! لا ينام الليل ولا يفطر النهار. فوقع بي، وقال: زوَّجْتك امرأةً من المسلمين فعضلْتَها، قال: فجعلت لا ألتفت إلى قوله؛ مما أرى عندي من القوة والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي e ، فقال: لكني أنا أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، فقم ونم، وصم وأفطر! قال: صم من كل شهر ثلاثة أيام، فقلت: أنا أقوى من ذلك، قال: صم صوم داود ـ عليه السلام ـ صم يوماً وأفطر يوماً، قلت: أنا أقوى من ذلك. قال: اقرأ القرآن في كل شهر، ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك».
4. احتساب النبي e على الأمراء وأصحاب الولايات:
عقد النبي e ، ألوية الإمارة لجماعة من أصحابه الكرام e ممن توسَّم فيهم القدرة على القيادة، وسياسة الآخرين، والقيام بالمهام الموكلة إليهم بإتقان وأمانة، ولكن توليته -صلى الله عليه وسلم- لتلك الفئة المتميزة، وثقته الكريمة بها لم تَحُلْ بينه وبين أن ينكر على أحدهم ما قد يقع منه من خطأ ومخالفةٍ لنهج الصواب، ومن ذلك حديث علي t : أن النبي e ، بعث جيشاً وأَمَّر عليهم رجلاً، فأوقد ناراً، وقال: ادخلوها! فأرادوا أن يدخلوها، وقال آخرون: إنما فررنا منها، فذكروا للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين: لا طاعة في معصيةٍ، إنما الطاعة في المعروف» .
وحديث أبي حميد الساعدي t ، قال: « استعمل رسول الله e، رجلاً على صدقات بني سليمٍ يُدعَى ابن الْلَّتْبِيَّة؛ فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالُكم، وهذا هدية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فهلاَّ جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً! ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاَّني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أُهديت لي! أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟! واللهِ لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغَاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاة تَيْعَر، ثم رفع يده حتى رُئي بياض إبطه يقول: اللهم هل بلَّغت، بَصَر عيني وسَمْعَ أذني».
5. احتساب النبي e ، على عامة المجتمع:
لم تَحُلْ مشاغل النبي e ، العظيمة وأعماله الجسيمة بينه وبين الاحتساب على فئات المجتمع قليلة المخالطة له e ، حين يحصل داعٍ لذلك، ومن الشواهد: حديث أبي هريرة t ، «أن رسول الله e ، مرَّ على صُبْرَةِ طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟! من غشَّ فليس مني» .
وحديث سلمة بن الأكوع t ، «أن رجلاً أكل عند رسول الله e ، بشماله، فقال: كُلْ بيمينك! قال: لا أستطيع، قال: لا استطعتَ. ما منعه إلا الكِبْر، قال: فما رفعها إلى فيه»
وحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ «أن رسول الله e رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده؟ فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله e: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا واللهِ! لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله e » .
وحديث عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله e: «دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا جملٌ، فلما رأى النبيَّ e حنَّ، وذرفت عيناه، فأتاه النبي e فمسح ذِفْرَاه فسكت، فقال: مَنْ ربُّ هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله! فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟ فإنه شكا إليَّ أنك تجيعه وتُدْئِبُه».
وبالجملة: فقد كانت الحسبة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكوِّناً أساساً من مكونات شخصية النبي e ، لم تفارقه في كل أدواره ومواقفه، وفي كافة صِلاته وعلاقاته، وفي جميع مواقع وجوده، وهو موضع عظيم للتأسي والاقتداء فهمه الصحابة الكرام ومارسوه في عامة أحوالهم وأدوارهم حتى في الحالات الخاصة؛ كحداثة الإسلام كما في قصة الطفيل بن عمرو الدوسي، الذي من حين أسلم خرج مسرعاً إلى قومه داعياً لهم ومحتسباً عليهم، حتى أقلع عن الشرك والمنكرات معه من قبيلته دوس العدد الغفير ، وكحالات المرض الشديد كما في قصة عمر ـ رضي الله عنه ـ حين دخل عليه في مرض موته شابٌ يعوده، فلم يلهه فراش الموت والتفكير في كيفية تدبير شأن الدولة من بعده أن يأمر الفتى برفع الإزار وترك الإسبال.
[1]. انظر : لسان العرب ، لابن منظور ، مادة ( دعا ) ، 3/1385-1388. والمعجم الوسيط ، مجموعة من العلماء ، مادة ( دعا )، 1 /286 ، والمصباح المنير، للفيومي ، مادة (دعا) ، 1/196 .
[2] - المدخل إلى علم الدعوة ، محمد أبو الفتوح البيانوني ، ص14 ، الطبعة الأولى 1412هـ ، ط دار الرسالة ، بيروت .
([3]) - المدخل إلى علم الدعوة ، د/ محمد أبو الفتح البيانوني ، ص17 .
[4] - فصول في الدعوة الإسلامية، حسن عيسى عبد الظاهر ، ص26 ، الطبعة الأولى 1406هـ، ط دار الثقافة ، قطر ، الدوحة .
[5] - الدعوة الإسلامية: أصولها ووسائلها، أحمد غلوش، ص10، طبعة 1399هـ، ط دار الكتاب المصري واللبناني، القاهرة بيروت .
([6])انظر : معجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ، مادة ( دعو)، 2/279 -281. ولسان العرب ، لابن منظور ، مادة (دعا)، 3/1386 . والمعجم الوسيط ، لمجموعة من علماء اللغة ، مادة (الداعي) ، و(الداعية ) ، 1/286،287 .
([7])سورة غافر ، الآية : 41 .
([8])سورة البقرة، الآية : 221 .
([9])أخرجه البخاري، في كتاب الجهاد والسير، باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله ، برقم2812 ، 3/272 -273 .
([10])المدخل إلى علم الدعوة ، د.محمد أبو الفتح البيانوني، ص40 .
([11]) - أخرجه البخاري ، في كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، برقم3461 ، 4/175.
([12]) - سورة الجمعة ، الآية : 5 .
([13]) - انظر : المدخل إلى علم الدعوة ، للدكتور / محمد أبو الفتح البيانوني ، ص41 .
([14]) - أصناف المدعوين وكيفية دعوتهم ، ص5 ، الطبعة الأولى 1414هـ ، ط دار العاصمة ، الرياض .
([15]) - سورة سبأ ، الآية : 28 .
([16]) - سورة الذاريات ، الآية : 56 .
([17]) - سورة الأنعام ، الآية : 130 .
([18]) - انظر : سورة النحل، الآية : 43 . وسورة الأنبياء، الآية : 7 .
([19]) انـظر: لسان العـرب، لابن منظور، مادة ( سلب )، 4/2058. والمصباح المنير، للفيومي، مادة (سلب)، 1/2284. والمعجم الوسيط ، مادة ( سلب ) ، 1/441 .
([20]) المدخل إلى علم الدعوة ، د.محمد أبو الفتح البيانوني ، ص242 .
([21]) خصائص القرآن الكريم، د.فهد بن عبدالرحمن الرومي، ص18، الطبعة الثانية1409هـ، ط مكتبة الحرمين، الرياض.
([22]) - انظر: لسان العرب ، لابن منظور ، مادة ( وسلت) - 8/4838 . والمصباح المنير ، للفيومي ، مادة ( وسلت ) ، 2/660 . والمعجم الوسيط ، لمجموعة من علماء اللغة ، مادة ( وسل ) ، 2/1032 .
([23]) - المدخل إلى علم الدعوة ، للدكتور/ محمد أبو الفتح البيانوني ، ص282 .
([24]) - الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى، سعيد بن علي القحطاني، ص126، الطبعة الثانية1413هـ، ط مطبعة سفير، الرياض .
([25]) - ويقصد بها ، الأشياء المحسوسة التي يستخدمها الإنسان في العملية الدعوية بصورة مباشرة ، فمثلاً وسيلة القول : هي عبارة عن أصوات وحروف محسوسة تصاغ بأساليب مختلفة ، تؤثر في المدعوين بشكل مباشر.
([26]) - ويقصد بها : الأدوات التي يستخدمها الداعية إلى الله I ، ويكون أثرها غير مباشر على المدعوين ، فمثلاً عندما يقوم الداعية بالصلاة ، قبل البدء بالدعوة لينصره الله ﷻ، ويعينه على المدعوين والتأثير فيهم ، فهي من هذا الجانب شيء معنوي لعدم الإحساس المباشر بأثرها .
([27]) - مجموع الفتاوى ، 15/157 .
([28]) - المرجع السابق ، 15/161 .
([29]) - الحسبة في الإسلام ، ص45 ، بدون تاريخ الطبعة ورقمها ، ط مكتبة الرياض .
([30]) انظر : الحسبة ( تعريفها ، ومشروعيتها ، وحكمها ، ) ، الدكتور / فضل إلهي ، ص5-7 ، الطبعة الأولى 1410هـ، ط إدارة ترجمان الإسلام، باكستان .
([31]) للزيادة انظر: المرجع السابق، ص7-16 .
([32]) الأحكام السلطانية، للإمام الماوردي، ص240 ، الطبعة الأولى 1327هـ ، ط شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة. والأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى الحنبلي، ص284، طبعة 1403هـ ، ط دار الكتب العلمية، بيروت.
([33]) – الحسبة ، ص66 .
([34]) - كتاب شبهات حول الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، الدكتور /فضل إلهى.