×
التعليقات البازية على كتاب التوحيد: كتاب عبارة عن بعض الفوائد التي استقاها الكاتب - أثابه الله - من دروس سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله - في شرحه لهذا الكتاب الجليل "كتاب التوحيد" للإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، إما سماعًا لأشرطته، أو تعليقًا مباشرًا من خلال حضور دروس سماحته في هذا الكتاب.

 التعليقات البازية على كتاب التوحيد

إعداد

علي بن حسين بن أحمد فقيهي

بسم الله الرحمن الرحيم

كان كتاب التوحيد من أحب الكتب إلى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى ولذا كان لا يمر يوم من دروسه أو بداية دورة دراسية فصلية من دروس الشيخ إلا وتجد كتاب التوحيد يأتي في الأولوية ولا يمل الشيخ من إعادته وتكراره مرة بالتعليق على المتن نفسه ومرة بالتعليق على شروحه ومرة بالتعليق على مسائله وفوائده

قال الشيخ رحمه الله في بداية شرحه لهذا الكتاب ( المؤلف رحمه الله ألف هذا الكتاب لبيان حقيقة التوحيد وبيان حقيقة الشرك والرد على المشركين وبيان أن العبادة حق لله وحده وأن الواجب إخلاصها لله وحده وأن الواجب الحذر من الشرك قليله وكثيره ودقيقه وجليله وأضاف إلى ذلك بيان شيء من وسائل الشرك وذرائعه وشيء من البدع التي تقدح في التوحيد وشيء من المعاصي التي تنقص ثواب أهل التوحيد حتى يستكمل قارئ هذا الكتاب ما ينبغي أن يستكمل من توحيد الله وإتباع الشريعة وترك البدع والخرافات وسائر المعاصي التي حرمها الله عز وجل وهو كتاب لا نعلم أنه سبق ألف مثله في معناه على صغر حجمه وكثرة فوائده )

وهذه بعض الفوائد التي استقيتها من دروس سماحته في شرحه لهذا الكتاب الجليل إما سماعاً لأشرطته أو تعليقاً مباشراً من خلال حضور دروس سماحته في جامع سارة وجامع الثنيان بالبديعة أو الجامع الكبير بالرياض

فأسأل الله عز وجل أن ينفع بها كاتبها وقارئها

وأن يرحم شيخنا رحمة واسعة وأن ينور ضريحه ويوسع له في قبره.

قال شيخ الإسلام والمسلمين مجدّد الدعوة والدّين الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:

[بسم الله الرحمن الرحيم]  

 الباب الأول كتـاب التوحيد  وقول الله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]

 و قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل:36] الآية.

وقوله تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:23] الآية.

وقوله تعالى ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء:36] الآيات.

قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الأنعام: 151] الآيات.

قال ابن مسعود (): من أراد أن ينظر إلى وصية محمد التي عليها خاتمه؛ فليقرأ قوله تعالى ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾   إلى قوله ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ [الأنعام:151- 153] الآية.

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ () قَالَ: كُنْتُ رِديفَ النبي . عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لي: «يَا مُعَاذُ! أَتَدْرِي مَا حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ وما حقّ العبادِ عَلَى الله؟» قُلْتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «حَقّ اللّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوه وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا. وَحَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللّهِ أَنْ لاَ يُعَذّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَفَلاَ أُبَشّرُ النّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشّرْهُمْ. فَيَتّكِلُوا». أخرجاه

 الباب الثاني - باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب 

وقول الله تعالى ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ ا[الأنعام: 82].

عن عبادة بن الصامت ؛ قال: قال رسول الله : «مَنْ شهِدُ أَنّ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنّ مُحَمّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنّ عِيسَىَ عَبْدُ اللّهِ وَرسوله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنّةَ حَقّ، وَالنّارَ حَقّ؛ أَدْخَلَهُ الله الْجَنّةَ على ما كان من العمل» أخرجاه.

ولهما في حديث عِتبان: «فَإِنّ الله قَدْ حَرّمَ عَلَى النّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ الله».

وعن أبي سعيدٍ الخدري ، عن رسول الله ؛ قال: «قال موسى عليه السلام: يا ربِّ! علِّمني شيئاً أذكرك وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله. قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا؟. قال: يا موسى! لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة و(لا إله إلا الله) في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله» رواه ابن حبان والحاكم وصححه.

وللترمذي وحسنه عن أنسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ؛ يقول: «قال الله تعالى: يا ابنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطَايَا ثُمّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بي شَيْئاً لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً».

 الباب الثالث - باب من حقَّق التوحيد؛  دخل الجنة بغير حساب 

وقول الله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:120].

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ﴾ [المؤمنون: 59].

وعن حُصَيْنِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: أَيّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الّذِي انْقَضّ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: أَنَا. ثُمّ قُلْتُ: أَمَا إِنّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلاَةٍ. وَلَكِنّي لُدِغْتُ. قَالَ: فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: اَرْتقَيْتُ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدّثَنَاهُ الشّعْبِيّ. قَالَ: وَمَا حَدّثَكُمُ الشّعْبِيّ؟ قُلْتُ: حَدّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ، أَنّهُ قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ. قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ. وَلَكِنْ حَدّثَنَا ابْنُ عَبّاسٍ عَنِ النّبِيّ أنه قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيّ الأُمَمُ. فَرَأَيْتُ النّبِيّ وَمَعَهُ الرّهَطُ. وَالنّبِيّ وَمَعَهُ الرّجُلُ وَالرّجُلاَنِ. وَالنّبِيّ ولَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ. إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَظَنَنْتُ أَنّهُمْ أُمّتِي. فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَىَ وَقَوْمُهُ. وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ. فَنَظَرْتُ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمّتُكَ. وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ».

فنَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ. فَخَاضَ النّاسُ فِي أُولَئِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلّهُمُ الّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلّهُمُ الّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِالله. وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ.

فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ فَأَخْبَرُوهُ. فَقَالَ: «هُمُ الّذِينَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ. وَلاَ يَكْتَوُون. وَلاَ يَتَطَيّرُونَ. وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ»، فَقَامَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ. فَقَالَ: يا رسول الله ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ» ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكّاشَةُ»

 الباب الرابع - باب الخوف من الشرك 

وقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾

وقال الخليل عليه السلام: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم: 35]

وفي الحديث: «أخْوَفُ ما أخافُ عليكم الشركَ الأصغر». فسئل عنه فقال: «الرياء».

وعن ابن مسعود ، أن رسول الله قال: «من مات وهو يدعو من دون الله نداً، دخل النار». رواه البخاري.

ولمسلم عن جابر أن رسول الله قال: «مَنْ لَقِيَ الله لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا دَخَلَ الْجَنّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئا دَخَلَ النّارَ».

 الباب الخامس  - باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله 

وقول الله تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال له «إنّكَ تَأْتِي قَوْماً أَهْلَ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله (وفي رواية: إلى أن يوحِّدوا الله)، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ. فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدّ على فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ،  وَاتّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللّهِ حِجَابٌ». أخرجاه.

ولهما عن سهل بن سعد (): أن رسول الله قال يوم خيبر: «أُعطِينّ الرايةَ غداً رجلاً يُحِبّ اللهَ ورسوله ويُحبّه اللهُ ورسولهُ يَفتحُ اللهُ على يديهِ». فباتَ الناسُ يَدوكون ليلَتهم أّيهم يُعطاها. فلما أصبحوا الناسُ غَدَوا على رسولِ الله كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: «أينَ عليّ بن أبي طالب؟» فقيل: هو يَشتكي عينَيهِ: فأرسلوا إليه.فأوتي به فبَصَقَ في عينَيه، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَأ كأنْ لم يكنْ به وَجَع، فأعطاهُ الراية، فقال: «انفُذْ على رِسْلِكَ حتى تنزلَ بساحَتهم، ثم ادُعهم إلى الإِسلام،  وَأَخْبِرْهُم بما يَجِبُ عليهم من حقّ اللّهِ فيه، فواللّهِ  لأَنْ يَهْدِيَ اللّهُ بكَ رجُلاً واحداً خيرٌ لكَ مِن حُمْرُ النّعَم ». (يدوكون)، أي: يخوضون.

 الباب السادس  - باب تفسير التوحيد  وشهادة أن لا إله إلا الله 

وقول الله تعالى ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57].

قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي(27)وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾  [الزخرف:26-28].

وقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: 31].

وقوله: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة:165].

وفي الصحيح عن النبي : أنه قال: «مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ.  وَحِسَابُهُ عَلَى اللّهِ عز وجل». وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب.

 الباب السابع  - باب من الشرك  لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه 

وقول الله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [الزمر:38].

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَىَ رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ. فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» قَالَ: هَذِهِ مِنَ الْوَاهِنَةِ. فَقَالَ: «انْزِعْهَا، فَإِنّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاّ وَهْناً، فإنَّكَ لوْ مِتَّ وهي عليْك، ما أَفْلَحتَ أبداً». رواه أحمد بسند لا بأس به.

وله عن عقبة بن عامر مرفوعاً: «من تعلَّق تميمةً، فلا أتمَّ الله له، ومن تعلَّق ودعة، فلا ودَع الله له»

وفي رواية: «من تعلَّق تميمةً، فقد أشْرَك».

ولابن أبي حاتم عن حذيفة : أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى، فقطعه، وتلا قوله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: 106].

 الباب الثامن  - باب ما جاء في الرقى والتمائم 

في الصحيح عن أَبي بَشِيرٍ الأَنْصَارِيّ ، أَنّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ. فَأَرْسَلَ رَسُولاً: «أَنْ لاَ يَبْقَيَنّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ،  أَوْ قِلاَدَةٌ، إِلاّ قُطعَتْ».

وعن ابن مسعود ، قال: قال سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ: «إنّ الرّقَى وَالتّمائمَ وَالتّوَلَةَ شِرْك». رواه أحمد وأبو داوود.

(التّمائم) شيء يعلق على الأولاد من العين؛ لكن إذا كان المعلق من القرآن، فرخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود .

و(الرّقي): هي التي تسمى العزائم، وخَصَّ منها الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله من العين والحُمة.

و(التّوَلَةَ) شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته.

وعن عبد الله بن عُكيم مرفوعاً: «مَنْ تَعَلّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ» رواه أحمد والترمذي.

وروى أحمد عن رويفع، قال: قال لي رسول الله : «يا رُوَيْفع! لعلَّ الحياةَ تَطُولُ بك، فأخبِرِ الناسَ أنَّ مَن عقَد لحيتَه، أو تقلَّد وتراً، أو استنجى برجيع دابَّة أو عظْم، فإن محمداً بريءٌ منه».

وعن سعيد بن جُبَير، قال: من قطع تميمة من إنسان، كان كعِدْلِ رقبة. رواه وكيع.

وله عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون التمائم كلَّها من القرآن وغير القرآن.

 الباب التاسع  - باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما 

وقول الله تعالى ﴿أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى(20)أَلَكُمْ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى(21)تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ [النجم:19-22].

وعن أبي وَاقِدٍ الّليْثِيّ، قال: خرجنا مع رسول الله إِلَى حُنَيْنٍ، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سِدْرَة يعكفون عندها ويَنُطون بها أسلحتهم، يقال لها: ذاتُ أنواط، فمررنا بسدرة، فقلنا: يا رسولَ الله اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فقال رسول الله : «الله أكبر! إنها السنن! قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى ﴿اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138]. لَتَرْكَبُنّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ». رواه الترمذي وصححه.

 الباب العاشر - باب ما جاء في الذبح لغير الله 

وقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)لَا شَرِيكَ لَهُ﴾ الآية[الأنعام: 162-163].

وقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2].

عن علي ، قال: حَدّثَنِي رسول الله بِأَرْبَعٍ كَلِمَاتٍ «لَعَنَ اللّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللّهِ. لَعَنَ اللّهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً.  لَعَنَ اللّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ. لَعَنَ اللّهُ مَنْ غَيّرَ الْمَنَارَ.» رواه مسلم

وعن طارق بن شهاب،  أن رسول الله قال: «دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب» قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب. قال: ليس عندي شيء أقربه. قالوا له: قرب ولو ذباباً. فقرب ذباباً، فخلوا سبيله، فدخل النار. فقالوا للآخر: قرب. فقال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل. فضربوا عنقه،  فدخل الجنة» رواه أحمد

 الباب الحادي عشر  - باب لا يُذبح لله في مكان يُذبح فيه لغير الله

وقول الله تعالى: ﴿لاَ تَقُمْ فِِيهِ أَبَداً  لََمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108].

وعن ثَابِت بن الضّحّاكِ ، قال: نَذَرَ رَجُلٌ أنْ يَنْحَرَ إبِلاً بِبُوَانَةَ، فسأل النبي فقال: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أوْثَانِ الْجَاهِلِيّةِ يُعْبَدُ؟». قالُوا: لاَ. قالَ: فهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أعْيَادِهِمْ؟ قالُوا: لاَ. قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوْفِ بِنَذْرِكَ فَإنّهُ لاَ وَفَاءَ لِنِذْرٍ في مَعْصِيَةِ الله  وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابنُ آدَمَ». رواه أبو داوود، وإسناده على شرطهما

 الباب الثاني عشر  - باب من الشرك النذر لغير الله تعالى 

وقول الله تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: 7].

وقوله: ﴿وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمهُ وَمَا للظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ [البقرة: 270].

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال: «من نذر أن يطيع الله، فليطعه،  ومن نذر أن يعصي الله، فلا يعصه ».

 الباب الثالث عشر  - باب من الشرك الاستعاذة بغير الله 

وقول الله تعالى: ﴿وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً﴾ [الجن: 6]

وعن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ الله يَقُولُ «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلاً  فقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللّهِ التّامّاتِ  مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتّىَ يَرْحَلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» رواه مسلم

 الباب الرابع عشر  - باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو أن يدعو غيره

وقول الله تعالى:﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُو وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَّشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 106 -107].

وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت:17].

وقوله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ(5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَاَدِتِهمْ كَافِرِينَ﴾  [الأحقاف:5-6].

وقوله: ﴿أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَّعَ اللهِ﴾ [النمل: 62].

روى الطبراني بإسناده: أنه كان في زمن النبي منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق. فقال النبي : «إنه لا يستغاث بي، إنما يستغاث بالله».

 الباب الخامس عشر  - باب قول الله تعالى﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ(191) وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف:191-192] 

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ(13)إنْ تَدْعُوهُمْ لاً يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يَنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر:13]،

وفي الصحيح، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: شج النبي يَوْمَ أُحُدٍ، و كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، فقال: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجّوا نَبِيّهُمْ؟»، فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾  [آل عمران: 128].

وفيه: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: إِذَا رفعَ رأسَه من الرّكوع منَ الرّكعةِ الآخِرةِ من الفجر يقول: اللهمّ العَنْ فلاناً وفلاناً وفلاناً، بعدَما يقول سمعَ اللّه لمن حَمِدَه ربّنا ولكَ الحمد. فأنزل الله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران:128].

وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث ابن هشام، فنزلت: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾  [آل عمران: 128]

وفيه: عن أبي هريرة ، قال: قام فينا رسول الله حين أنزل عليه: ﴿وأنذِرْ عَشيرتَكَ الأقرَبين﴾  [الشعراء: 214]، فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ (أو كلمة نحوها) اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ [مِنَ الله]. لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئَاً. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً. يَا عَبّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئاً. يَا صَفِيّةُ عَمّةَ رَسُولِ اللّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللّهِ شَيْئاً. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ سَلِينِي بِمَا شِئْتِ. لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئاً».

 الباب السادس عشر  - باب قول الله تعالى:﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ:23]

وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ، قال:«إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك:﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سبأ:23]، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، وصفه سفيان بكفه، فحرفها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كَذْبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء».

وعن النوّاس بن سِمعان ( قال: قال رسول الله : «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلّم بالوحي، أخذت السماوات منه رجفة (أو قال: رعدة شديدة) خوفاً من الله عز وجل. فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعِقوا وخروا لله سجداً، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء، سأله ملائكتُها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحق، وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل»

 الباب السابع عشر  - باب الشفاعة

وقوله الله عز وجل: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 51]

وقوله: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر:44].

وقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:255].

وقوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم:26].

قوله: ﴿قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ(22)وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبإ:22-23].

قال أبو العباس رحمه الله تعالى: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء:28]، فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة، كما نفاها القرآن وأخبر النبي : «أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده -لا يبدأ بالشفاعة أولاً - ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع»

وقال له أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه».

فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله ولا تكون لمن أشرك بالله.

وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص، فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع. ليكرمه وينال المقام المحمود.

فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك. ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بين النبي أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه رحمه الله.

 الباب الثامن عشر  - باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:56] 

وفي الصحيح عن ابن المسيب،  عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهلٍ، فقال له:«يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي ، فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال النبي : «لاستغفرن لك ما لم أنه عنك».

فأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ [التوبة:113]

وأنزل الله في أبي طالب ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص:56].

 الباب التاسع عشر  - باب ما جاء أن سبب كُفْرِ بني آدم وتركِهم دينهم هو الغلو في الصالحين

وقول الله عز وجل: ﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ﴾ [النساء: 171].

وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا(23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثٍيرًا﴾ [نوح:23-24] قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا، أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، ونسي العلم، عبدت. وقال ابن القيم قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم.

وعن عمر أن رسول الله قال «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله». أخرجاه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو )

ولمسلم عن ابن مسعود، أن رسول الله قال: «هلك المتنطعون». قالها ثلاثا.

 الباب العشرون  - باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟! 

في الصحيح عن عائشة، أن أُمّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لرسول الله كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأرض الْحَبَشَةِ، وما فيها من الصور، فقال: «أُولَئِكِ، إِذَا مات فِيهِمُ الرّجُلُ الصّالِحُ أو العبد الصالح، بَنَوْا عَلَىَ قَبْرِهِ مَسْجِداً، وَصَوّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ الله» فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور، وفتنة التماثيل.

ولهما عنها، قالت: لما نزل برسول الله ، طَفِقَ يَطْرَحُ خُمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَإِذَا اغْتَمّ بها كشَفَهَا فقال وهو كذلك: «لَعْنَة اللّهُ على الْيَهُودَ وَالنّصَارىَ. اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»  يُحَذّرُ مَا صَنَعُوا، وَلَوُلاَ ذَلكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنّهُ خُشِيَ أَنّ يُتّخَذَ مَسْجِداً. أخرجاه

ولمسلم عن جندب بن عبد الله، قال: سَمِعْتُ النّبِيّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: «إِنّي أَبْرَأُ إِلَى الله أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنّ الله قَدِ اتّخَذَنِي خَلِيلاً، كَمَا اتّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً،  وَلَوْ كُنْتُ مُتّخِذاً مِنْ أُمّتِي خَلِيلاً لاَتّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً. أَلاَ وَإِنّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، أَلاَ فَلاَ تَتّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ. إِنّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».

فقد نهى عنه في آخر حياته، ثم إنه لعن -وهو في السياق- من فعله. والصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد وهو معنى قولها: خُشِيَ أَنّ يُتّخَذَ مَسْجِداً.

فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجداً، وكل موضع قصدت الصلاة فيه، فقد اتخذ مسجداً، بل كل موضع يصلى فيه، يسمى مسجداً، كما قال : « جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً».

ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود () مرفوعاً: «إنّ من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ،والذين يتخذون القبور مساجد». ورواه أبو حاتم في صحيحه.

 الباب الحادي والعشرون  - باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثاناً تعبد من دون الله

روى مالك في الموطأ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ قال: «اللّهُمّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ،  اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَىَ قَوْمٍ اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»

ولابن جرير بسنده، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهد: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى﴾ [النجم: 19]. قال: كان يلتُّ لهم السويق، فمات، فعكفوا على قبره. وكذا قال أبو الجوزاء، عن ابن عباسٍ: كان يلتُّ السويق للحاج.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «لَعَنَ رَسُولُ الله زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالمُتّخِذِينَ عَلَيْهَا المَسَاجِدَ وَالسّرُجَ». رواه أهل السنن. 

 الباب الثاني والعشرون  - باب ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد وسدِّه كل طريق يوصل إلى الشرك 

وقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ  عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ  حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ  بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(128) فَإِن تَوَلَّوا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ﴾ [التوبة: 128-129].

عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله : «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً،  وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيداً، وَصَلّوا عَلَيّ فإِنّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ». رواه أبو داوود بإسناد حسنٍ ورواته ثقات

وعن علي بن الحسين ، أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ، فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ، قال: «لا تتخذوا قَبْرِي عِيداً، ولا بُيُوتَكُمْ قُبُوراً، وَصَلّوا عَلَيّ، فإن تسليمكم يبلغني أين كُنْتُمْ». رواه في المختارة.

 الباب الثالث والعشرون  - باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان

وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ  وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِن الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء: 51].

وقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القِرَدَةَ وَالخَنَازِيرَ  وَعَبَدَ الطَاغُوتَ﴾ [المائدة: 60].

وقوله تعالى: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف:21].

وعن أبي سعيد ()، أن رسول الله قال: «لَتتّبِعُنّ سَنَنَ من كان قبلَكم حَذْوَ القذة بالقذة، حتّى لو دَخَلوا جُحرَ ضَبّ لَدَخلتُموهُ». قلنا: يا رسولَ الله، اليهودَ والنصارَى؟ قال: «فمن» ؟. أخرجاه

ولمسلم عن ثوبان ()، أن رسول الله قال: «إِنّ اللّهَ زَوَى لِي الأَرْضَ. فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا. وَإِنّ أُمّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُها مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا. وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ. وَإِنّي سَأَلْتُ رَبّي لأِمّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بعَامّةٍ. وَأَنْ لاَ يُسَلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ. فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ. وَإِنّ رَبّي قَالَ: يَا مُحَمّدُ إِنّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنّهُ لاَ يُرَدّ. وَإِنّي أَعْطَيْتُكَ لأِمّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بعَامّةٍ. وَأَنْ لاَ أُسَلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ سِوَىَ أَنْفُسِهِمْ. يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ. وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا حَتّىَ يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضاً، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً».ورواه البرقاني في صحيحه،  وزاد: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين،  وإذا وقع عليهم السيف، لم يُرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تَعبد فئام من أمتي الأوثان،  وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون،  كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِي عَلَى الْحَقّ منصورة. لاَ يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ. حَتّىَ يَأْتِيَ أَمْرُ اللّهِ تبارك  وتعالى ».

 الباب الرابع والعشرون  - باب ما جاء في السحر

وقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَة مِنْ خَلاَقٍ﴾  الآية [البقرة: 102].

وقوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء:51]. قال عمر: الجبت: السحر،  والطاغوت: الشيطان.  وقال جابر: الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان، في كل حي واحد.

وعن أبي هريرة ، أن رسول الله قَالَ: «اجْتَنِبُوا السّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قالوا: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا هُنّ؟ قَالَ: «الشّرْكُ بِالله. وَالسّحْرُ،  وَقَتْلُ النّفْسِ الّتِي حَرّمَ الله إِلاّ بِالْحَقّ، وَأَكْلُ الرّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتّوَلّي يَوْمَ الزّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ».

وعن جندب مرفوعاً: حد الساحر ضربُهُ بالسيف. رواه الترمذي، وقال: الصحيح أنه موقوف.

وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة، قال: كتب عمر بن الخطاب : أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. قال: فقتلنا ثلاث سواحر.

وصح عن حفصة رضي الله عنها، أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها، فقُتلت. وكذلك صح عن جندب. قال أحمد: عن ثلاثة من أصحاب النبي .

 الباب الخامس والعشرون  - باب بيان شيء من أنواع السحر 

قال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا عوف، عن حيان بن العلاء، حدثنا قطن بن قبيصة، عن أبيه، أنه سمع النبي قال: «إنّ العيافة، والطّرْق، والطيرة من الجبت».  قال عوف: الْعِيَافَةُ زَجْرُ الطّيْرِ والطّرْقُ الْخَطّ يُخَطّ فِي الأرْضِ، والجبت: قال الحسن: رنة الشيطان. إسناده جيد. ولأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه المسند منه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : «مَنِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ النّجُومِ، فقد اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السّحْرِ زَادَ مَا زَادَ». رواه أبو داود، وإسناده صحيح.

وللنسائي من حديث أبي هريرة: « مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلّقَ شَيْئاً وُكّلَ إلَيْهِ».

وعند ابن مسعود، أن رسول الله قال: «أَلاَ هَلْ أُنَبّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النّاسِ»رواه مسلم.

ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: «إِنّ من الْبَيَانِ لسِحْراً».

 الباب السادس والعشرون  - باب ما جاء في الكهان  ونحوهم

روى مسلم في صحيحة عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النّبِيّ ، عَنِ النّبِيّ ، قال: قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدّقَهُ بِمَا يَقُولُ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةُ أَرْبَعِينَ يومًا».

وعن أبي هريرة ()، عن النبي ، قال: «مَنْ أَتَىَ كَاهِناً، فَصَدّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ». رواه أبو داوود. وللأربعة، والحاكم،  وقال: صحيح على شرطهما. عن أبي هريرة: «مَنْ أَتَى عَرّافاً أو كَاهِناً، فَصَدّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ ».

ولأبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله موقوفاً 

وعن عمران بن حصين مرفوعاً: ليس منا من تَطير أو تُطير له،  أو تكهن أو تُكهن له، أو سحر أو سُحر له، ومَنْ أَتَى كَاهِناً، فَصَدّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ.رواه البزار بإسناد جيد ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن من حديث ابن عباس دون قوله: (ومَنْ أَتَى... ) إلى آخره.

قال البغوي: العراف: الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك.

وقيل: هو الكاهن. والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقيل: الذي يخبر عما في الضمير.

وقال أبو العباس ابن تيمية: العراف: اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم، ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.

وقال ابن عباس في قوم يكتبون (أبا جاد) وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق.

 الباب السابع والعشرون  - باب ما جاء في النشرة

عن جابر، أن رسول الله سئل عن النشرة؟ فقال: «هي من عمل الشيطان».  رواه أحمد بسند جيد، وأبو داوود. وقال: سئل أحمد عنها فقال: ابن مسعود يكره هذا كله.

وفي البخاري عن قتادة: قلت لابن المسيب: رجل به طب أو يؤخّذ عن امرأته، أيحل عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع، فلم ينه عنه.

وروي عن الحسن، أنه قال: لا يحل السحر إلا ساحر.

قال ابن القيم: النُّشرة: حل السحر عن المسحور، وهي نوعان:

أحدهما: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان، وعليه يحمل قول الحسن، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور.

والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة، فهذا جائز.

 الباب الثامن والعشرون  - باب ما جاء في التطير

وقول الله تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّمَا طَاِئُرُهْم عِندَ اللهِ وَلَكٍنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 131].

وقوله: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [يس: 19].

وعن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: «لاَ عَدْوَىَ، وَلاَ طِيَرَةَ،  وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ». أخرجاه،  وزاد مسلم: «وَلاَ نَوْءَ، وَلاَ غُولَ».

ولهما عن أنسٍ، قال: قال رسول الله : « لاَ عَدْوَىَ،  وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ». قالوا: وما الفأل؟ قال: « الْكَلِمَةُ الطّيّبَةُ»

ولأبي داود -بسند صحيح- عن عُقبة بن عامر، قال: ذُكِرَتِ الطّيَرَةُ عِنْدَ رسول الله فقال: «أحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدّ مُسْلِماً، فَإذا رَأَى أحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ اللّهُمّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلاّ أنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السّيّئَاتِ إلاّ أنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوّةَ إلاّ بِكَ».

وعن ابن مسعود مرفوعاً: « الطّيَرَة شِرْكٌ، الطّيَرَةُ شِرْكٌ،  الطّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنّا إلاّ وَلَكِنّ الله يُذْهِبُهُ بِالتّوَكّلِ» رواه أبو داود والترمذي وصححه. وجعل آخره من قول ابن مسعودٍ.

ولأحمد من حديث ابن عمرو: «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك». قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: «أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك».  وله من حديث الفضل بن عباس: «إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك».

 الباب التاسع والعشرون  - باب ما جاء في التنجيم

قال البخاري في صحيحه: قال قتادة: خَلقَ الله هذه النجوم لثلاثٍ: جعلها زينةً للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلاماتٍ يُهتدَى بها، فمن تأولَ فيها غير ذلكَ أخطأ وأضاعَ نصيبهُ وتكلف ما لا علم لهُ به. انتهى

وكره قتادة تعلم منازل القمر. ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما.  ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق.

وعن أبي موسى، قال رسول الله : «ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر» رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.

 الباب الثلاثون  - باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

وقال الله تعالى ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ﴾ [الواقعة:82].

وعن أبى مالك الأشعري ، أن رسول الله قال: «أَرْبَعٌ فِي أُمّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ  لا يَتْرُكُونَهُنّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ ، وَالطّعْنُ فِي الأَنْسَابِ ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنّجُومِ، وَالنّيَاحَةُ»، وَقَالَ: «النّائِحَةُ  إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَب». رواه مسلم.

ولهما عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ، قال: صَلّى لنَا رَسُولُ الله صَلاَةَ الصّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ على إِثْرِ سمَاءِ كَانَتْ مِنَ اللّيْلِ. فَلَمّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ؟» قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ. فَأَمّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ الله وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ. وَأَمّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا،  فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ».

ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَدْ صَدَقَ نَوْءُ كَذَا وَكَذَا. فأنزل الله هذه الآيات ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(77)فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ(78)لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ(79) تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالمَيِنَ(80) أَفَبِهَذَا الحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ﴾ [الواقعة:75-82].

 الباب الحادي والثلاثون  - باب قول الله تعالى﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165]

( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله  والذين آمنوا أشد حباً لله )

وقوله﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾ [التوبة:24].

عن أنس، أنّ رسول الله قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ  حَتّى أَكُونَ أَحَبّ  إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ». أخرجاه.

ولهما عنه، قال: قال رسول «ثَلاثٌ مَنْ كُنّ فيهِ وَجَدَ بهن حَلاوَةَ الإْيمان: أَنْ يَكونَ اللّهُ ورسولُه أحبَّ إليهِ مِمّا سِواهُما،  وأنْ يُحِبّ المَرْءَ لا يُحِبّهُ إلاّ لله، وأنْ يَكرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعد إذْ أنقَذُه الله منه كما يكرَهُ أنْ يُقذَفَ في النّار »

وفى رواية «لا يجدُ أحدٌ حَلاوَةَ الإْيمان حَتّى....». إلى آخره

وعن ابن عباس قال: من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان -وإن كثرت صلاته وصومه– حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يُجدي على أهله شيئاً. رواه ابن جرير

وقال ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾ [ البقرة: 166]، قال: المودة.

 الباب الثاني والثلاثون  - باب قول الله تعالى﴿إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران:175] 

وقوله﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾ [ التوبة:18].

وقوله ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ﴾ [العنكبوت:10] الآية.

وعن أبي سعيد مرفوعاً: «إن من ضعْف اليقين  أن ترضي الناس بسخط الله، وأن تحمَدهم على رزق الله،  وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص، ولا يردُّه كراهية كاره».

وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله قال: «من التمس رضى الله بسخط الناس؛ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس»رواه ابن حبان في صحيحه.

 الباب الثالث والثلاثون  - باب قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة:23] 

وقوله ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال:2].

وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:64].

وقوله: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3].

وعن ابن عباس، قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل)  قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا له: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران:173]الآية. رواه البخاري والنسائي.

 الباب الرابع والثلاثون  - باب قول الله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف:99]،   وقوله: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:56].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله سئل عن الكبائر ؟ فقال: «الشّرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله»

وعن ابن مسعود، قال: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله». رواه عبد الرزاق

 الباب الخامس والثلاثون  - باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله

وقول الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ﴾  [التغابن:11]، قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلّم.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله ، قال: «اثْنَتَانِ فِي النّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ:  الطّعْنُ فِي النّسَبِ وَالنّيَاحَةُ عَلَى الْمَيّتِ».

ولهما عن ابن مسعود مرفوعاً: «لَيْسَ مِنّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقّ الْجُيُوبَ. وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ».

وعن أنس ، أن رسول الله قال: «إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ في الدّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشّرّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتّى يُوَافى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

وقال النبي «إِنّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عظمِ الْبَلاَءِ، وَإِنّ الله إِذَا أَحَبّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرّضَى، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السّخَطُ» حسنه الترمذي.

 الباب السادس والثلاثون - باب ما جاء في الرياء

وقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَي إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110].

وعن أبي هريرة مرفوعاٌ: «قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ». رواه مسلم

وعن أبي سعيد مرفوعاً: فَقَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدّجّالِ؟» قَالوا: بَلَىَ. فَقَالَ: «الشّرْكُ الْخَفِيّ: يَقُومَ الرّجُلُ يُصَلّي فَيُزَيّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إليه» رواه أحمد

 الباب السابع والثلاثون - باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا 

وقال الله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ(15)أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: 15-16].

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «تَعِسَ عبدُ الدّينارِ تَعِسَ عبدُ الدّرهمِ تَعِسَ عبدُ الخَميصةِ تَعِسَ عبدُ الخميلة: إن أعطِيَ رضيَ وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتَكَسَ، وإذا شِيكَ فلا انتُقِشَ. طَوبى لعَبدٍ آخِذ بعِنانِ فرَسهِ في سبيلِ اللهِ، أشعثٍ رأسُهُ مغبرةٍ قدماهُ، إن كان في الحراسةِ كان في الحراسةِ، وإن كان في الساقة كان في الساقة. إنِ استأذَنَ لم يؤذَنْ له، وإن شَفَعَ لم يُشَفّعْ».

 الباب الثامن والثلاثون - باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أرباباً 

وقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله ، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ !

وقال أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته ويذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رَدَّ بعض قوله أن يقع في قبله شيء من الزيغ فيهلِك.

وعن عدي بن حاتم: أنه سمع النبي يقرأ هذه الآية: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:31]، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: « أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟». فقلت: بلي. قال: « فتلك عبادتهم ». رواه أحمد والترمذي وحسنه.

 الباب التاسع والثلاثون  - باب قول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ  وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً(60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا(61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أًرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء:60-62].

وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة:11].

وقوله: ﴿وَ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا  وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف:56].

وقوله: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].

وعن عبد الله بن عمر، أن رسول الله قال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حتى يَكونَ هواهُ تَبَعًا لما جِئْتُ بِهِ». قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب (الحجة)، بإسناد صحيح.

وقال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد –لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة- وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود  –لعلمه أنهم يأخذون الرشوة- فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنزلت ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ الآية.

وقيل نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما نترافع إلى النبي ، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة. فقال للذي لم يرض برسول : أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله.

 الباب الأربعون  - باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات 

وقوله الله تعالى: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونُ بِالرَّحْمَن قُلْ هُوَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ [الرعد:30].

وفي صحيح البخاري: قال علي:حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله؟!.

وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس: أنه رأى رجلا انتفض –لما سمع حديثا عن النبي في الصفات، استنكارا لذلك- فقال: ما فَرَق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه.انتهى.

ولما سمعت قريش رسول الله يذكر الرحمن، أنكروا ذلك، فأنزل الله فيهم: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونُ بِالرَّحْمَن﴾ [الرعد:30].

 الباب الحادي والأربعون - باب قول الله تعالى ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الكَافِرُونَ﴾ [النحل:83]

قال مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي، ورثته عن آبائي.

وقال عون بن عبد الله: يقولون: لولا فلان، لم يكن كذا.

وقال ابن قتيبة: يقولون هذا بشفاعة آلهتنا.

وقال أبو العباس –بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: «أن الله تعالى قال: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ...» الحديث، وقد تقدم-: وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به.

قال بعض السلف: هو كقولهم كانت الريح طيبة والملاّح حاذقاً، ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثير.

 الباب الثاني والأربعون - باب قول الله تعالى ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22] 

وقال ابن عباس في الآية: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوادء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان، وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا، لآتانا اللصوص، ولولا البط في الدار، لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا، هذا كله به شرك. رواه ابن أبي حاتم.

وعن عمر بن الخطاب ، أن رسول الله قال: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ الله فقد كَفَرَ أو أشْرَكَ». رواه الترمذي وحسنه، وصححه الحاكم 

وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً.

وعن حذيفة ، أن رسول الله قال: «لا تَقولُوا مَا شَاءَ الله وَشَاءَ فُلاَنٌ وَلَكِنْ قُولُوا مَا شَاءَ الله ثُمّ شَاءَ فُلاَنٌ»رواه أبو داوودَ بسند صحيح

وجاء عن إبراهيم النخعي: أنه يَكره: أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا اللهُ ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان.

 الباب الثالث والأربعون - باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله 

عن ابن عمر، أن رسول الله قَالَ: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ. مَنْ حَلَفَ بِاللّهِ فَلْيَصْدُقْ. وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللّهِ فَلْيَرْضَ. وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِاللّهِ، فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ» . رواه ابن ماجه بسند حسن.

 الباب الرابع والأربعون - باب قول: ما شاء الله وشئت 

عن قتيلة: أَنّ يَهُودِيّا أَتَى النّبِيّ ، فَقَالَ: إنّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النّبِيّ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُونَ مَا شَاءَ اللّهُ ثُمّ شِئْتَ. رواه النسائي وصححه.

وله أيضاً عن ابن عباس، أن رجلاً قال النبي : ما شاء الله وشئت فقال:«أجعلتني لله نداًَ؟!  بل ما شاء اللهُ وحده».

ولابن ماجه: عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير بن الله قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله. قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحتُ، أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي ، فأخبرته، قال: «هل أخبرتَ بها أحداً ؟». قلت نعم قال: فحمد الله، وأثني عليه، ثم قال: «أما بعد، فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا  أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده».

 الباب الخامس والأربعون  - باب من سبّ الدهر فقد آذى الله

وقول الله تعالى ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية:24].

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ، قال: «قال الّلهُ تعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ. يَسُبّ الدّهْرَ. وَأَنَا الدّهْرُ. أُقَلّبُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ». وفي رواية: «لاَ تَسُبّوا الدّهْرَ. فَإِنّ اللّهَ هُوَ الدّهْرُ».

 الباب السادس والأربعون - باب التَّسمِّي بقاضي القضاة ونحوه 

وفي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ قال: «إِنّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمّىَ مَلِكَ الأَمْلاَكِ،  لاَ مَالِكَ إِلاّ اللّهُ».

قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهَانْ شَاهْ. وفي رواية: «أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ». قوله: (أَخْنَعَ)، يعني: أَوْضَعَ.

 الباب السابع والأربعون - باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

عن أبي شُرَيْحٍ، أنه كان يُكْنَى أَبا الْحَكَم، فقال له النبي : «إِنّ الله هُوَ الْحَكَمْ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ». فقالَ: إِنّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءِ أَتُوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ: «مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟». قلت: شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ الله. قالَ: «فَمنْ أَكْبَرُهُمْ؟». قلت: قالَ قُلْتُ: شُرَيْحٌ قالَ: «فأَنْتَ أَبُو شُرَيْحِ» رواه أبو داود وغيره.

 الباب الثامن والأربعون  - باب من هزل  بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

وقول الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ لَيَقُولُن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولـِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ [التوبة:65].

عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة، دخل حديث بعضهم في بعض: أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائناً هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عن اللقاء (يعني رسول الله وأصحابه القراء ). فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق،  لأخبرن رسول الله . فذهب عوف إلى رسول الله ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وقد أرتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق.  قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله ، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله : ﴿أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولـِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة:65-66]، ما يلتفت إليه وما يزيده عليه.

 الباب التاسع والأربعون - باب قول الله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولُنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [فصلت:50] 

قال مجاهد: هذا بعملي، وأنا محقوق به. وقال ابن عباس: يريد: من عندي. وقال آخرون: علي علم من الله أني له أهل.

وقوله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص:78]، قال قتادة: علي علم مني بوجوه المكاسب، وقال آخرون: على علم من الله أني له أهل، معني قول مجاهد: أوتيته على شرف.

وعن أبي هريرة ، أنه سمع النبي يقول: «إِنّ ثَلاَثَةً من بَنِي إِسْرَائِيلَ. أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكاً. فَأَتَىَ الأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيّ شَيْءٍ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنّي الّذِي قَدْ قَذِرَنِي النّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ. وَأُعْطِيَ لَوْناً حَسَناً وَجِلْداً حَسَناً. قَالَ: فَأَيّ الْمَالِ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ (أَوْ الْبَقَرُ. شَكّ إِسْحَـاقُ) فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ. فَقَالَ: بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ: فَأَتَىَ الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيّ شَيْءٍ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنّي هَـَذَا الّذِي قَذِرَنِي النّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ. وَأُعْطِيَ شَعَراً حَسَناً. فقَالَ: فَأَيّ الْمَالِ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ. فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً. فَقَالَ: بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِيهَا. قَالَ: فَأَتَىَ الأَعْمَىَ فَقَالَ: أَيّ شَيْءٍ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ يَرُدّ اللّهُ إِلَيّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النّاسَ. فَمَسَحَهُ فَرَدّ اللّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَيّ الْمَالِ أَحَبّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ. فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِداً. فَأُنْتِجَ هَـَذَانِ وَوَلّدَ هَـَذَا. فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الإِبِلِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْبَقَرِ. وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ.

قَالَ: ثُمّ إِنّهُ أَتَىَ الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ. قَدِ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاّ بِاللّهِ ثُمّ بِكَ. أَسْأَلُكَ، بِالّذِي أَعْطَاكَ  اللّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ، بَعِيراً أَتَبَلّغُ بهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ: كَأَنّي أَعْرِفُكَ. أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النّاسُ؟ فَقِيراً فَأَعْطَاكَ اللّهُ عزّ وجلّ المَالَ؟ فَقَالَ: إِنّمَا وَرِثْتُ هَـَذَا الْمَالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً، فَصَيّرَكَ اللّهُ إِلَىَ مَا كُنْتَ.

وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا. وَرَدّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدّ عَلَىَ هَذَا. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيّرَكَ اللّهُ إِلَىَ مَا كُنْتَ.

قَالَ: وَأَتَىَ الأَعْمَىَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ. انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي. فَلاَ بَلاَغَ لِيَ الْيَوْمَ إِلاّ بِاللّهِ ثُمّ بِكَ. أَسْأَلُكَ، بِالّذِي رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَىَ فَرَدّ اللّهُ إِلَيّ بَصَرِي. فَخُذْ مَا شِئْتَ. وَدَعْ مَا شِئَتَ. فَوَاللّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئاً أَخَذْتَهُ لِلّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ. فَإِنّمَا ابْتُلِيتُمْ. فَقَدْ رضِيَ الله عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَىَ صَاحِبَيْكَ.» أخرجاه.

 الباب الخمسون - باب قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا ءَاتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا ءَاتَاهُمَا فَتَعَالى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونً﴾ [الأعراف:190] 

قال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب.

وعن ابن عباس في الآية، قال: لما تغشاها آدم، حملت، فأتاهما إبليس، فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة، لتطيعاني أو لآجعلن له قرني أيِّل، فيخرج من بطنك، فيشقه، ولأفعلن، يخوفهما، سمياه عبد الحارث، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا. ثم حملت، فقال مثل قوله، فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتا، ثم حملت فأتاهما، فذكر لهما، فأدركهما حب الولد، فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله: ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا ءَاتَاهُمَا﴾  [الأعراف:190]. رواه ابن أبي حاتم

وله بسند صحيح عن قتادة، قال: شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته.

وله سند صحيح عن مجاهد، في قوله: ﴿لَئِنْ ءَاتَيْتَنَا صَالِحاً﴾ [الأعراف:189]، قال: أشفقا أن لا يكون إنساناً. وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما.

الباب الحادي والخمسون - باب قول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ  ﴾ الآية[الأعراف:180]

ذكر ابن أبي حاتم عن ابن عباس: ﴿يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف:180]: يشركون.

وعنه: سموا اللات من الإله، والعزى من العزيز. وعن الأعمش: يدخلون فيها ما ليس منها.

 الباب الثاني والخمسون - باب لا يقال: السلام على الله 

في الصحيح عن ابن مسعود ، قال: كنا إذا كنا مع النبيّ في الصلاةِ قلنا: السلامُ على اللهِ من عِبادهِ، السلامُ على فلانٍ وفلان، فقال النبي : « لا تقولوا السلامُ على اللهِ، فإِنّ اللهَ هوَ السلامُ».

 الباب الثالث والخمسون  - باب قول: اللهم اغفر لي إن شئتَ

في الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «لاَ يَقُلَ أَحَدُكُمُ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. اللّهُمّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ. لِيَعْزِمْ المسألةَ، فَإِنَّ اللهَ لاَ مُكْرِهَ لَهُ». ولمسلم: «وَلْيُعَظِمِ الرّغْبَةَ. فَإِنّ اللّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ».

 الباب الرابع والخمسون - باب لا يقول: عبدي وأمتي 

في الصحيح عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ: أَطْعِمْ رَبّكَ. وَضّئْ رَبّكَ. وَلْيَقُلْ: سَيّدِي، ومَوْلاَيَ،  وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُم: عَبْدِي، وأَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ، وفَتَاتِي، وغُلاَمِي».

 الباب الخامس والخمسون - باب لا يُردّ من سأل الله 

عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله : «وَمَنْ سَأَلَ بالله فأَعْطُوهُ،  مَنِ اسْتَعَاذَ بالله فأَعِيذُوهُ،  وَمَنْ دَعَاكُم فأَجِيبُوهُ،  وَمَن صَنَعَ إِلَيْكُم مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ، فإِنْ لَم تَجِدُوا ما تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتّى تَرَوْا  أَنّكُم قَدْ كَافأْتُموهُ». رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.

 الباب السادس والخمسون  - بابٌ لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة 

عن جابر، قال: رسول الله :«لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ الله إِلاّ الْجَنّةُ». رواه أبو داوود.

 الباب السابع والخمسون  - باب ما جاء في الـ (لو)

وقوله الله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا﴾ [آل عمران:154].

وقوله: ﴿الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ [آل عمران:168].

في الصحيح عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: «احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزَنْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ كذا لكَاَن كذا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللّهِ.  وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشّيْطَانِ».

 الباب الثامن والخمسون  - باب النهي عن سب الريح 

عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ ، أن رسول الله قال: «لا تَسُبّوا الرّيحَ، فإِذَا رَأَيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: الّلهُمّ إِنّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وَخَيْرِ ما فِيهَا وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ وَنَعْوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ وَشَرّ ما فِيهَا وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ» صححه الترمذي.

 الباب التاسع والخمسون  - باب قول الله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلُّهُ للهِ﴾ الآية[آل عمران:154]، وقوله:﴿الظَّانِينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ﴾ الآية[الفتح:6]

قال ابن القيم في الآية الأولى: فُسِّر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفُسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يُتِمَّ أمرَ رسوله وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح، وإنما كان هذا ظن السوء؛ لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق.

فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد؛ بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار.

وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده.

فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا، وليتب إلى الله، وليستغفره من ظنه بربه ظن السوء.

ولو فتشت من فتشت، لرأيت عنده تعنُّتاً على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك، هل أنت سالم؟

فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة            وإلا فإني لا إخالـك ناجـياً

 الباب الستون  - باب ما جاء في منكري القدر

وقال ابن عمر: والذي نفس ابن عمر بيده، لَوْ كان لأحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً ثم أَنْفَقَهُ في سبيل الله مَا قَبِلَهُ الله مِنْهُ حَتّى يُؤْمِنَ بالْقَدَرِ، ثم استدلّ بقول النبي «الإيمان أنْ تُؤْمِنَ بالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ».

وعن عبادة بن الصامت، أنه قال لابنه: يا بني! إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أنّ ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله يقول: «إِنّ أَوّلَ مَا خَلَقَ الله الْقَلَمَ. فقال: أُكْتُبْ. قال: رب! ومَاذا أَكْتُبُ؟ قال: اكْتُبْ مقادير كل شيء حتى تقومَ الساعة»، يا بني! سمعت رسول الله يقول:«من مات على غير هذا، فليس مني.»

وفي رواية لأحمد: « إِنّ أَوّلَ مَا خَلَقَ الله تعالى القلم، فقال له: أكتب، فجري في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة».

وفي رواية لابن وهب: قال رسول الله : «فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره، أحرقه الله بالنار».

وفي المسند والسنن عن ابنِ الدّيْلَمِيّ، قال: أتَيْتُ أُبَيّ بنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَحَدّثْنِي بِشَيء لَعَلّ الله يُذْهِبَهُ مَنْ قَلْبِي، فقَالَ: لَوْ أنْفقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبَاً مَا قَبِلَهُ الله تَعَالَى مِنْكَ حَتّى تُؤْمِنَ بالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أنّ مَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنّ مَا أخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَكُنْتَ مِنْ أَهْلِ النّارَ. قال: فأتَيْتُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ وحُذَيْفَةَ بنَ الْيَمَانِ وزَيْدَ بنَ ثَابِتٍ، فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي . حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه.

 الباب الحادي والستون  - باب ما جاء في المصَوِّرين 

وعن أبي هريرة ، قال: رسول الله : «قَالَ اللّهُ تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟  فَلْيَخْلُقوا ذَرّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً» أخرجاه.

ولهما عن عائشة رضي الله عنها، أنّ رسول الله قال: «أَشَدّ النّاسِ عَذَاباً يَوْمَ الْقيَامَةِ، الّذِينَ يُضَاهِئونَ بِخَلْقِ اللّهِ».

ولهما عن ابن عباس ‏‏رضي الله عنهما: سمعت رسول الله يقول: «كُلّ مُصَوّرٍ فِي النّارِ. يُجْعَلُ لَهُ بِكُلّ صُورَةٍ صَوّرَهَا نَفْسٌ يُعَذّبُ بها فِي جَهَنّمَ»

ولهما عنه مرفوعا«مَنْ صَوّرَ صُورَةً فِي الدّنْيَا كُلّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَيْسَ بِنَافِخ».

ولمسلم عَنْ أَبِي الْهَيّاجِ، قال: قَالَ لِي عَلِيّ. رضي الله عنه أَلاّ أَبْعَثُكَ عَلَىَ مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ : أن لاَ تَدَعَ صُورَةً إِلاّ طَمَسْتَهَا، وَلاَ قَبْراً مُشْرِفاً إِلاّ سَوّيْتَهُ ).

 الباب الثاني والستون  - باب ما جاء في كثرة الحلف

وقول الله تعالى: ﴿واحفظوا أيمانكم﴾ [المائدة:89].

وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلكسب» أخرجاه.

وعن سلمان، أن رسول الله قال: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلّمُهُمُ الله، وَلاَ يُزَكّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه». رواه الطبراني بسند صحيح.

وفي الصحيح عن عمران بن حصين ، قال: قال رسول الله : «خيرُ أمّتي قَرني، ثمّ الذين يَلونهم، ثمّ الذين يَلونهم. -قال عِمرانُ: فلا أدري أذكرَ بعدَ قرنِه مرتين أو ثلاثاً- . ثمّ إنّ بعدَكم قوماً يشهدون ولا يُستشهدون ويخونون ولا يُؤْتَمَنون، ويَنذرون  ولا يَفون، ويَظهر فيهم السّمَن ».

وفيه عن ابن مسعود، أن النبي قال: «خيرُ النّاسِ قَرني، ثمّ الذين يَلونهم، ثمّ الذينَ يَلونَهم. ثمّ يَجيءُ أقوامٌ تَسبِقُ شهادةُ أحدِهم يَمينَه ويَمينُهُ شهادتَه» . قال إبراهيم: وكانوا يَضرِبونَنا على الشهادةِ والعَهد ونحن صغار.

 الباب الثالث والستون  - بابُ ما جاء في ذِمّة الله وذمّة نبيه

وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ [النحل:91].

وعن بُرَيْدَةَ، قال: كانَ رسولُ الله إذا أمّر أميراً على جَيْشٍ أو سريَّة أوْصَاهُ في خَاصّتهِ بِتَقْوَى الله ومَنْ مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خيَراً، فقال: اغْزُوا بِسْم الله في سبيلِ الله، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغْزُوا ولا تَغلُّوا تغدِروا ولا تَمْثلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَليداً ، فإذا لَقِيتَ عَدُوُكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى ثلاثِ خِصَالٍ (أو خِلاَلٍ) فأيّتهن ما أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفّ عنْهُمْ، ثم ادْعُهُمْ إلى الإسلامِ  فإن أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ، ثم ادْعُهُمْ إلى التّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وأخْبِرْهُمْ أنهم إن فَعَلُوا ذلكَ فإنّ لَهُمْ ما لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ ما عَلَى المُهَاجِرِينَ، فإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوّلُوا منها فأَخْبِرْهُمْ أنّهُمْ يَكُونُوا كأعْرَابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله تعالى، ولا يكون لَهُمْ في الغَنِيمَةِ والْفَيءِ شَيْءٌ إلاّ أن يُجَاهِدُوا مع المُسْلِمِينَ، فإنْ هم أبَوْا فاسألهم الجِزْية، فإن هم أجَابُوكَ فاقْبَلْ مِنْهُمْ وكُفّ عنْهُمْ، فإنْ هم أبَوْا فَاسْتَعِنْ بالله وَقَاتِلْهُمْ. وإذا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أنْ تَجْعَلَ لهم ذمَّةَ الله وذِمّةَ نَبيّهِ فلا تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمّةَ الله وذِمّةَ نَبِيّهِ ولكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمّتَكَ وذِمَة أصْحَابِكَ، فإنّكُمْ أنْ تَخْفِرُوا  ذِمّتكُمْ وَذِمّة أصْحَابِكُمْ أَهْوَنْ مِنْ أنْ تُخْفِرُوا ذِمّةَ الله وذِمّةَ نبيِهِ، وإذا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فأرَادُوكَ أنْ تُنزلهم على حُكْمِ الله فلا تُنْزِلُهُمْ على حُكْمِ الله ولكن أنْزِلْهُمْ على حُكْمِكَ فَإِنّكَ لاَ تَدْرِي أتُصِيبُ حُكْمَ الله فيهِمْ أم لا» رواه مسلم.

 الباب الرابع والستون  - باب ما جاء في الإقسام على الله 

عَنْ جُنْدَب بن عبد الله ، قال: قال رسول الله «قَالَ رَجُل: وَاللّهِ لاَ يَغْفِرُ اللّهُ لِفُلاَنٍ، فقال اللهُ عز وجل: مَنْ ذَا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ. فَإِنّي قَدْ غَفَرْتُ لِهُ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» رواه مسلم

وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد.  قال أبو هريرة: تَكَلّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ.

 الباب الخامس والستون  - باب لا يُستشفع بالله على خلقه 

عن جبير بن مطعم ، قال: جاء أَعْرَابِيٌ إلى النبي ، فقالَ: يَا رَسُولَ الله! نُهِكَتِ الأنْفُسُ، وجاع الْعِيَالُ، وَهَلَكَتِ الأمْوَالُ فَاسْتَسْقِ لَنَا ربَّك فإِنّا نَسْتَشْفِعُ بالله عَلَيْكَ وبِكَ عَلَى الله. قالَ رَسُولُ الله : «سبحان الله، سبحان الله»،  فَمَا زَالَ يُسَبّحُ حَتّى عُرِفَ ذَلِكَ في وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمّ قالَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا الله؟ إِنّ شَأْنَ الله أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، إنه لا يُسْتَشْفَعُ بالله عَلَى أَحَدٍ»وذكر الحديث. رواه أبو دوواد

 الباب السادس والستون  - باب ما جاء في حماية النبي حمى التوحيد وسدِّه طرق الشرك 

عن عبد الله بن الشخير ، قال: انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ الله ، فَقُلنا: أَنْتَ سَيّدُنا. فقَالَ: «السّيّدُ الله تبارك وتعالى».  ، قُلْنا: وَأَفْضَلُنا فَضْلاً وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً. فَقَالَ «قُولُوا بِقَوْلِكم أَوْ بَعْضِ قَوْلِكمُ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنّكمْ الشّيْطَانُ». رواه أبو داوود بسند جيد.

وعن أنس : أن ناساً قالوا: يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا! وسيدنا وابن سيدنا! فقال«ياأيّها النّاسُ قُولُوا بِقولِكُمْ ولا يَسْتَهْوِيَنّكُمْ الشّيْطَانُ، أنا محمدٌ عَبْد الله وَرَسُولُه، ما أحِبّ أنْ تَرْفَعُوني فَوْقَ مَنْزِلَتِي التي أنزلني الله عَزّ وَجَلّ» رواه النسائي بسند جيد.

 الباب السابع والستون - باب ما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر: 67] 

عن ابن مسعود ، قال: جَاءَ حَبْرٌ  من الأحبار إلى رسول الله، فقال: يَا مُحَمّدُ ‍! إنا نجد أن الله يجعل السّمَاوَاتِ عَلَىَ إِصْبَعٍ،  وَالأَرَضِينَ عَلىَ إِصْبَعٍ، وَالشّجَرَ عَلَىَ إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ عَلَىَ إِصْبَعٍ، وَالثّرَى عَلَىَ إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَىَ إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فضَحِكَ النبي حَتّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، تصديقاً لقول الحبر، ثُمّ قَرَأَ:«﴿وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾  الآية» متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: وَالْجِبَالَ وَالشّجَرَ عَلَىَ إِصْبَعٍ، ثُمّ يَهُزّهُنّ فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أنا الله. وفي رواية للبخاري: يجعل السّمَاوَاتِ عَلَىَ إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثّرَىَ عَلَىَ إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَىَ إِصْبَعٍ.

ولمسلم عن ابن عمر مرفوعاً: «يَطْوِي اللّهُ عَزّ وَجَلّ السّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمّ يَأْخُذُهُنّ بِيَدِهِ الْيُمْنَىَ. ثُمّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبّرُونَ؟ ثُمّ يَطْوِي الأَرَضِينَ السبع ثُمّ يَأْخُذُهُنّ بِشِمَالِهِ.  ثُمّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. أَيْنَ الْجَبّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبّرُونَ؟».

وروي عن ابن عباس، قال: ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم.

وقال ابن جرير: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: حدثني أبي، قال: قال رسول الله : «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس»

قال: وقال أبو ذر : سمعت رسول الله يقول: «ما الكرسي في العرش إلا العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض».

وعن ابن مسعود، قال: بين السماء والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي والماء خمس مئة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفي عليه شيء من أعمالكم. أخرجه ابن مهدي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله. ورواه بنحوه المسعودي عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله. قاله الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى، قال: وله طرق.

وعن العباس بن عبد المطلب ، قال: قال رسول الله «هل تدرون كم بين السماء والأرض ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، والله تعالى فوق ذلك، وليس يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم ». أخرجه أبو دواد وغيره. 

نهاية الكتاب. 

تم الفراغ من تبييضه عصر الأحد ( 7 / 4 / 1426هـ ) بمدينة الرياض

وتم الانتهاء من مراجعته عشاء الأربعاء( 5 / 1 / 1428هـــ ) بمدينة الرياض

وتمت كتابة حواشيه ليلة الخميس ( 16 / 12 / 1428هـ ) حسب تقويم أم القرى

للتواصل

البريد الالكتروني

Fha1430♦gmail.com

Raqy33♦yahoo.com