الإجازة مشروعات وأفكار
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- الإجازة
مشروعات وأفكار
- الإجازة في الإسلام
- مِن فوائد الإجازة
- أقسام الناس في الإجازة
- الترفيه بين المشروع والممنوع
- الأسرة والحياء
- الأسرة والسفر
- أخطاء ومُنكرات
- مشروعات مقترحة
- مُقترحات وأفكار للأبناء
- أفكار ومشروعات للأسر
- أفكار ومشروعات للكبار
- أفكار ومشروعات للنساء
- أفكار مخصصة للرجال
- مع الخدم والعمال
- نصائح وتوجيهات
- تجارب واقعية
الإجازة مشروعات وأفكار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاةُ والسلام على من بعثه ربُّه هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين وسلّم تسليما كثيرًا. وبعد:
فإن الوقت هو رأس مال المسلم في هذه الحياة ، والإنسان أنفاسه محدودة ، وأيامه معدودة ، ولأهمية الوقت فقد أقسم الله ـ تعالى ـ به في القرآن في مواضع متعددة ، كما ورد في السنة المطهرة ما يدل على شرفه وعظيم شأنه ، فلا شيء أنفس للإنسان من عمره ، واستثماره بما يعود على المسلم بالنفع أمر مطلوب محمود ، لا سيما وأن الإنسان سيحاسب حسابًا عسيرًا عن عمره فيم أمضاه وأفناه.
وعمر الإنسان في هذه الدنيا هو موسم الزرع ، وفي الآخرة يكون الحصاد ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر .
الإجازة في الإسلام
الترويحُ عن النفوس أمرٌ مطلوبٌ ، لأنَ القلوبَ تَكلُّ ، وإذا كلَّت عَمِيَّتْ .
عن حنظلة الأُسيدي ـ رضي الله عنه ـ قال لَقِيَني أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ فقال: (.كيف أنت يا حنظلة ؟ ) قال: ( قلت: نافق حنظلة. ) قال: (.سبحان الله! ما تقول ؟ ) قال: ( قلت: نكونُ عند رسول الله.صلى الله عليه وسلم ، يذكِّرُنا بالنَّار والجنَّة حتى كأنـَّا رأى عين، فإذا خرجنا من عندِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عافَسْنا الأزواجَ ، والأولادَ ، والضّيعاتِ ؛ نسينا كثيرًا. ) قال أبو بكر: ( فوالله إنا نلقى مثل هذا. ) فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلتُ: (.نافق حنظلةُ، يا رسولَ الله! ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((.وما ذاكَ ؟ )) قلت: ( يا رسول الله ، نكون عندك تذكرُنا بالجنَّة والنَّار ، حتى كأنـَّا رأى عين ، فإذا خرجنا من عندك عافسْنا الأزواجَ والأولادَ والضيعاتِ . نسينا كثيرًا . ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( والذي نفسي بيده، إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، وفي طرقكم ، ولكن ، يا حنظلة ساعةً وساعة .)) ثلاث مرار .[ رواه مسلم : 2750].
إذاً فالقلوب تحتاج إلى راحة . والنفوس تحتاج إلى شيء من الاستجمام .
مِن فوائد الإجازة
1 – طلب رضا الله ومرضاته :
ويكون ذلك بقصد بيت الله الحرام ، أو مسجد نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، أو مسراه فكّ الله أسرَه .
ويكون أيضًا بقصد زيارة الأقارب وصلة الأرحام ، إلى غير ذلك من المقاصد المشروعة المطلوبة .
2 – ليُعلم أن في دينِنا فُسحـة :
روى الشيخان من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ((.والله لقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسترني بردائه ، لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقوم من أجلي ، حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن ، حريصة على اللهو )). [رواه مسلم:892 ، ونحوه في البخاري: 5236].
وفي رواية للإمام أحمد قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يومئذ : (( لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة )) .
3 – إدخالُ السرورِ على الأهل:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (( خرجتُ مع رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا خفيفةُ اللحم فنـزلنا منـزِلا فقال لأصحابه: تقدموا . ثم قال لي: تعالي حتى أُسابقْكِ، فسابقني فسبقتُه ، ثم خَرَجْتُ معه في سفرٍ آخـر ، وقد حملتُ اللحمَ ، فنـزلنا منـزلا، فقال لأصحابه : تقدموا ، ثم قال لي : تعالي أسابقْكِ، فسابقني فسَبَقَنِي ، فضرب بيده كتفي وقال :هذه بتلك )). [رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى ، وغيرهم ، وهو حديث صحيح ].
وقوله صلى الله عليه وسلم: هذه بِتلك ، أي: واحدةً بواحدةٍ !
4 – إذهاب الملل والسآمة :
تملُّ النفوس من روتين الحياة ، وتصدأُ القلوب كما يصدأ الحديد. وإذا كَثُرَ تَـكرارُ أمرٍ مـا على النفوس ملَّتهُ ، وإن كان مما لا يُملُّ عـادةً .
كان ابنُ مسعودٍ ـ t ـ يُذكِّرُ أصحابَه كلَّ يومِ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن إنا نحبُّ حديثَك ونشتهيه ، ولودِدْنا أنك حدَّثتَنا كلَّ يوم ، فقال : ( ما يمنعني أن أُحدثَكُم إلا كراهيةُ أن أُمِلَّـكَم . إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كـان يتخولُنا بالموعظة في الأيامِ كراهيةَ السآمةِ علينا. ) . متفق عليه .
فإذا كان هذا فيما يتعلّق بذكر الله الذي هو غذاء القلوب، فما بالُكم بغيره ؟
قال بعضُ الحكماء: إن لهذه القلوب تنافرًا كتنافرِ الوحشِ فتألّفوها بالاقتصادِ في التعليم ، والتوسطِ في التقديم ، لتحسُنَ طاعتُها ، ويدوم نشاطُها .
وكان ابن عباس ـ t ـ يقول لأصحابه إذا دامـوا في الدرس: أحمضـوا. أي ميلوا إلى الفاكهة ، وهاتوا من أشعاركم ، فإن النفس تملّ .
5- ومن فوائد الإجازة أيضًا: تجديد النشاط ، وكسر الروتين ، والتّقوّي على العبادة :
وذلك أن النفس تشعر بالارتياح بعد قضاء إجازة ، بخاصة إذا صاحب ذلك تغيير مكان .
دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسجد ، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين الساريتين فقال : (( ما هذا الحبل ؟ )) قالوا : هذا حبل لزينب ، فإذا فترت تعلَّقت به . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا. حُلُّوه. لِـيُصلِّ أحدُكم نشاطَه ، فإذا فَتَرَ فليقعد )). متفق عليه .
6 – السير في الأرض :
قال سبحانه وتعالى : ] قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا في الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ [ .
فسير المسلم في الأرض ينبغي أن يكون مسير نظر واعتبار وتفكّر . ويجب أن يكون وَفق قواعدَ وضوابط ، منها:
أ – ألَّا يمرّ بديار المُعذَّبين وآثارهم ، ولا يدخلها بقصد الفُرجة .
ب– ألَّا يكون السفر ولا تكون السياحة إلى بلاد الكفار لِعِظَم الأخطار .
جـ- أن يكون نظر تفكّر واعتبار لا نَظر فُرجةٍ وتفكُّه أو نظر شماتة .
د – ألَّا تُضيَّع الفرائض ، ولا يُفرّط فيها .
7 – من فوائد الإجازة: تآلف القلوب ، واجتماع أفراد الأسرة:
عندما ينهمك بعضُ الناس في عمله، يدفعُه ذلك أحيانًا ويحمِلُه على التفريط في حق أهله وأسرته ، فلا يكاد يجلس معهم سوى مرة في الأسبوع ، أو ينسى ذلك ولا يُعيره اهتمامًا ، وربما كان ذلك سببًا في ضياع بعض أفراد الأُسرة .
فتأتي الإجازة لتجمعَ أفرادَ الأسرةِ وتؤلِّفَ بينهم ، ويحتاج ربَّ الأسرة إلى الجلوس مع أولاده بصدرٍ منشرح ، ونفسٍ مُطمئنة ، بعيدًا عن هموم العمل ؛ ليسمع مُشكلة هذا ، وهم ذاك ، وتسمع الأم هم بناتِها وما يُعانين منه من مُشكلات ، ونحوها .
وهذا أمرٌ يغفل عنه كثيرٌ من الناس ، فيُرجِّح عَمله على حقِّ أُسرتهِ . وربَّما حمَلَ همَّ عَملِه إلى بيته ؛ فحمله معه أفرادُ أُسرتِه . بل ربَّما حمله معه في إجازته وفي إجازة أُسرتِه. وربمَّا انشغل في إجازته عن أهله وولده ، وربما انشغلت بعض النساء العاملات بعمل لم يُكلَّفن به خلال إجازاتِهن مما ينتج عنه بُعدَ الأم والأب أحيانا عن البيت وذلك قد يؤدّي إلى تفكك الأُسر .
انظر - رعاك الله - إلى فقه سلمان الفارسي t، فقد زار سلمانُ ـ t ـ أخاه أبا الدرداء t، فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة ، فقال لها: ما شأنك؟ قالت : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا ، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا ، فقال له : كُل . قال : فإني صائم . قال : ما أنا بآكل حتى تأكل . قال : فأكل ، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، قال: نَم. فنام ، ثم ذهب يقوم ، فقال : نَم. فلما كان من آخر الليل قال سلمان : قُم الآن ، فَصَلَّيَا، فقال لـه سلمان : إن لربك عليك حقًّـا ، ولنفسك عليك حقًّـا ، ولأهلك عليك حقًّـا، فأعطِ كل ذي حق حقّه، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذكر ذلك له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (( صَدَقَ سَلمانُ )). [رواه البخاري: 1968].
والذي ذَكَرَ ذلك للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أبو الدرداء كأنه يشتكي سلمان .
ومعنى ( متبذّلة ) أي: لابسة ثياب البذلة وهي المهنة ، أي أنـها قد تركت الزينة . وعرَّضت عن إعراض زوجها عنها بقولها : أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا.
فانظر إلى فقهِ سلمانَ t، كيف قدَّم الحقوق والواجبات على النوافل من الصيام وقيام الليل ، وما ذلك إلا لأن حقَّ الأهلِ أولى ، وهو ما أقرّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم. فكيف بمن يُضَيِّع الأوقات في السهر على المحرمات ويترك الحقوق والواجبات ؟!
قال ابن حجر رحمه الله: ( وفيه جـواز النهـي عن المستحبات إذا خُشي أن ذلك يُفضي إلى السآمـةِ والمللِ وتفويتِ الحقوقِ المطلوبةِ الواجبةِ أو المندوبةِ الراجحِ فعلُها على فعـلِ المستحب المذكور ).
ومثله قصة عبد الله بن عمرو ــ رضي الله عنهما ــ في الصحيحين أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له: (( ألم أُخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ )) قلت: إني أفعل ذلك. قال : (( فإنك إن فعلت هجمت عينك ، ونفهت نفسك ، و إن لنفسك حقًّـا ، وإن لأهلك حقًّـا ، فصم وأفطر ، وقم ونم )). [متفق عليه: 1153 ، 1159].
فانظر إلى إنكار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه حين لم يُعطِ زوجته حقوقها، وإن كان مُشتغلاً بالعبادة ، ولو كان الأمر مباحًا أو يسيرًا لما أنكر عليه ، وما ذلك إلا ليُوازن بين حقوق أهله ونفسه .
أقسام الناس في الإجازة
ينقسم الناس في قضاء الإجازة إلى أقسامٍ عِدّة وفق رغباتِ نفوسهم واحتياجاتِهم :
فقسمٌ يقضيها في أداء واجب كـ برّ والدٍ ، أو صلة رحمٍ واجبةٍ ، ونحو ذلك .
وقسمٌ يقضيها في القيام بمسنون كـ زيارة الأقارب ، أو زيارةِ الأصدقاء ، وأداءِ العمرة ، والدعوةِ إلى الله ، والتّفكّرِ في ملكوت السماوات والأرض ، ونحوِ ذلك .
وقسمٌ يقضيها في سفر مباح ، كـسفرِ النُّزهة المباح ، وطلبِ برودة الجو ، أو البحث عن علاجٍ ، ونحوِ ذلك .
وقسم يقضيها في أمور مكروهه ، كأن يقضيها في اللهو والعبث ، أو في النوم ، أو يقضيها في سفرٍ من الأسفار من غير فائدة مرجوّة ، ولا هدفٍ منشود ، أو ربما مباهاةً للناس ، ولو أدى ذلك إلى تحمل الدَّيْن أو أدى إلى الإسراف أحيانا .
وقسمٌ يقضي إجازته في أمور محرمة ، كالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد العهر والفجور ، أو ما يُصاحب ذلك السفر من تـهتّك وسفور ، أو تضييع لفرائض الله عز وجل .
وقسمٌ ينتظر الإجازة بصبرٍ نافدٍ ، فهو لها بالأشواق ، فإذا قَدِِمتْ طار مع رُفقته وترك أسرته ، وربما لجؤوا إلى الناس يستجدونهم ويطلبون منهم المساعدة ، وهو في لهو ولعب ، وربما في سفر مُحرّم .
هكذا يَمْضي بعضُ الناس وأسرتُه تتمنّى لو صحِبَهم في نُزهة برية أو رحلة خَلَوية ، أو شاركهم إجازة صيفية . تتمنّى أُسرتُه لو قضى معهم إجازةً واحدةً. ويتمنّى أهلُه لو أعطاهم شيئًا من حقِّهم المشروع . وقد تقدّم قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : (( إن لأهلك حقًّـا )).
وتُشير بعضُ الأرقام والإحصاءات إلى أن :
63% من السياح يسافرون بصحبة الأصدقاء .
29% فقط مع العائلة .
8% بمفردهم .
ولا شك أن قضاء الإجازة إذا كان في أمرٍ أصله مباحًا وصاحبته نيّـةٌ صالحةٌ فإنها تُؤثّر في قبوله وعلو درجته ، ويؤجر المسلم عليه.
الترفيه بين المشروع والممنوع
الترفيه عن النفس والأهل والأولاد مطلوبٌ . مطلوبٌ لاستعادةِ النشاط ، وتغييِر الجـو ، وكسرِ الروتين .
والترفيهُ لا يَحرُم لكونه مُجرّد ترفيه ، بل يحرم لما يُصاحبُه ، إما من تضييع فرائض الله ، أو من ارتكاب ما حرّم الله . أو تضييع الأولاد ذكورًا كانوا ، أو إناثًا .
وقد يُنكر بعض الناس على من يُسافر سفرًا مُباحًا لمجرّد الترويح عن النفس . وربما استدلُّوا بقوله عليه الصلاة والسلام : (( وليس من اللهو إلا ثلاثٌ : مُلاعبةُ الرجلِ امرأتَه ، وتأديبُه فرسَه ، ورميُه بقوسِه )). [رواه الإمامُ أحمد من حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ t، ورواه النسائي في الكبرى من حديثِ جابر t ].
وهذا لا يدلُّ على الحصر ؛ لأنه جاء غيرُ هذه الثلاث كما في رواية النسائي .
ثم إنه ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يُمازِح أصحابه ، لكنه لا يقول إلا حقًا . فقد مازَح ـ صلى الله عليه وسلم ـ زاهراً والتزمه من خلفه وقال : (( من يشتري العبد )). [رواه أحمد: 12187]. والمواقف التي مزح فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة ليس هذا مجال موضوعها.
كما ثبت عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يتمازحون، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال.
الأسرة والحياء
تظن بعض الأُسر أن الحياءَ يكون في البيوت فحسب ، أو أنه حياءٌ ممن يُعْرَف ، ناسين أن الحياء يجب أن يكون حياءً من الله قبل أن يكون حياءً من الناس . وربما لفَتَ نظرَك تصرّفاتُ بعضِ الأسـر ، في المجمّعات أو التّجمّعات أو المصايف والمتنـزّهات ، حتى شُوهِدت بعض النساء تقود الدراجة النارية في مثل تلك الأماكن . وربما رأيت جلباب الحياء قد خُلِع بحجّة أن هذا ديدن الناس .
فيجب أن تتّصف الأُسر بالحياء في البيوت وخارجها ، والحياء خُلقٌ كريم ، والنبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يُوصف بأنه أشدُّ حياءً من العذراء في خِدرها كما في البخاري ومسلم .
فبأي شيءٍ وُصفَ النبي صلى الله عليه وسلم؟ وبأي شيء شُبِّـه ؟
لقد وُصِف بالحياء ، بل بِشِدّةِ الحياء . فلنتأمل هذا الخُلق الكريم ، ولنحرص على المحافظة عليه .
قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل ، كما أن عدمه دال على الجهل:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
قال في روضة العقلاء: الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .
الأسرة والسفر
تكثُر الأسفار في الإجازات ، وتتنوّع الوجهات ، وتختلف المقاصد ؛ ومن هُنا تختلف نظرة الناس إلى السفر، وقد قيل :
تغربْ عن الأوطان والتمس الغنى
وسافر ففي الأسفارِ خمسُ فوائدِ
تـفـرجُ هـمٍّ واكــــتساب معـــيشـة
وعلــمٌ وآدابٌ وصُــحبـةُ ماجــدِ
وقال آخر :
إذا قيل في الأسفارِ خمسُ فوائدِ
أقول وخمسٌ لا تقاسُ بها بلوى
فتضـييعُ أمـوالٍ وحمـلُ مشــقّـةٍ
وهــمٌّ وأنكـادٌ وفرقةُ من أهوى
وأبلغ منه قوله عليه الصلاة والسلام : (( السفرُ قطعةٌ من العذاب )). [متفق عليه] ؛ ولهذا استعاذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وعثاء السفر.
وفي الأسفار قد تحصُلُ المشاقّ ، ويقعُ التّعب ، ويحصلُ النّصَب . وعلى الأُسر إذا سافرتْ أن تحرص على أمور منها:
أولاً: الحرص على الهداية والكفاية والوقاية :
ثبت عند أبي داود من حديث أنس بن مالك t ، أن النبي ـ.صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله ، توكلت على الله ، لا حول ولاقوة إلا بالله )) قال: (( يُقال حينئذ : هُديت وكُفيت ووُقيت ، قال : فيتنحى له الشياطين، فيقول له شيطان آخـر : كيف له برجل قد هُدي وكُفي ووُقي ؟ )). [5095].
وعند أبي داود أيضًا عن أم سلمة قالت: ما خرج النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ من بيتي قطُّ إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: ((.اللهم إني أعوذ بك أن أَضلَّ أو أُضلَّ ، أو أَزلَّ أو أُزلَّ ، أو أَظلمَ أو أُظلمَ ، أو أَجهلَ أو يُجهل عليَّ )). [5094].
فإذا أرادت الأسرة أن تُغادر البيت فليكن هذا منهم على بال. ففي هذا الدعاء هدايةٌ وكفايةٌ ووِقاية .
ثانيًا : الحرص على مُصاحبةِ الخالق :
احرص على مُصاحبةِ الخالق سبحانه وتعالى ؛ لِـتُحفظ بحفظه. هل رأيت تلك السيارات التي تناثرت على جَنَبات الطريق ، فتناثرت تلك الأُسر ، وتطايرت حاجاتُها ، وأصابها ما أصابها . لا شك أن من أسباب ذلك عدم الحرص على الأدعية والأذكار . وقد يُعدُّ هذا ضربًا من المبالغة أو من التهويل ، وليس الأمر كذلك . تأمل هذا القَدْر من دعاء السفر الذي كان يدعو به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
(( اللَّهُم إنا نَسألُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَ والتقوى ، ومِنَ العَمَلِ ما تَرضى . اللهم هَوِّنْ عَلينا سَفَرنا هذا واَطْوِ عنَّا بُعْدَه . اللَّهُم أنتَ الصَّاحبُ في السَّفَر والخليفةُ في الأهلِ . اللَّهُم إني أعُوذُ بكَ من وَعْثَاء السَّفر ، وكآبة المنَظر ، وسُوء المنُقَلب في المالِ والأهلِ )). [رواه مسلم ].
فإذا رأيت أن النفوس قد تغيَّرت في السفر ، فاعلم أن من أسباب ذلك عدم المحافظة على دعاء السفر ونحوه ، فإن دعاء السفر تضَمَّن الاستعاذة بالله من المشقة والهم والحُزن.
وكما أن المحافظةَ على الأذكار المختلفة سببٌ في حفظ اللهِ لِعبدِه ، فإن التفريط فيها قد يكون سببًا في وقوع ما يسوء . جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة قال: (( أَمَا لو قُلتَ حين أمسيتَ: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ مِن شَرِ مَا خَلقَ ، لم تضرك )). [رواه مسلم].
وليس هذا من الشـماتة ، فإن المُـذكِّــر قد يُذكِّــر النـاسَ بشيءٍ
وينساه ، فيُصاب هو . ولذا لما حدَّث أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان ـ t ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلمـ قال : (( من قال : بسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُ مع اسمه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهُوَ السميعُ العليمُ . ثلاث مرات حين يُمسي لم تصبه فجأة بلاء حتى يصبح . ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات ، لم تصبه فجأة بلاء حتى يمسي )).
فأصاب أبانَ بنَ عثمان الفالج ، فجعلَ الرجلُ الذي سمع منه الحديث ينظر إليه ، فقال له : مالك تنظر إليّ ؟ فو الله ما كذبتُ على عثمان ، ولا كذب عثمانُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت فنسيت أن أقولها. وفي رواية : ولكني لم أقله يومئذ ليُمضيَ اللهُ عليَّ قدرَه .
[رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح ].
إذاً فلا يُتعجَّب أن يُقال إن ما يُصيب بعض الأُسر من الحوادث قد يكون بسبب تفريطهم في الأدعية والأذكار. فلتحرص الأسرة على اقتناء شيء من الكتيبات ، مثل كُتيِّب: " حِصْنِ المسلم " ففيه الكثير من الأدعية والأذكار ، وإذا انطلقت الأسرة مسافرة فليقرأ أحدُ أفرادِها دعاءَ السفر ، وليُردد من لم يحفظه من الصغار أو الكبار .
ثالثًا: أمور يُقطع بها الطريق:
لِقَطع المسافات الطويلة ، يمكن أن يستثمر الوقت بقراءة القرآن من بعض أفراد الأُسرة ، أو أن يروي أحدُهم قصة، وآخر يُلقي قصيدةً ، و آخر يطرح مسابقة.
ولإذهاب الملل والسآمة عن الصغار تُجلب لهم بعض الألعاب يلهون بها في داخل السيارة يقطعون بها السفر.
رابعًا: استثمار أوقات الإجابة:
وبخاصة أن بعض الأسفار توافقُ آخرَ ساعةٍ من يوم الجمعة، حيث فيه ساعةُ إجابة ، فيَحسُن تذكيرُ أفراد الأسرة بهذه الساعة ، وحثِّهم على الدعاء .
خامسًا: التفكر في مخلوقات الله:
يمكن أن يُذكِّر أفراد الأسرة بعضهم بعضًا بآيات الله الكونية ليتأملوا ويعتبروا ، فإذا مرّوا بالإبل على الطريق تذكّروا قوله سبحانه: ] أَفَلا يَنْظُرونَ إِلى الإِبلِ كَيْفَ خُلِقَت.[ ، وإذا مرّوا بالجبال ــ مثلاً ــ تذكروا ما يتعلّق بها من آيات ، وكيف أنها على عِظمِها تكون يومَ القيامةِ كالصُّوف . وهكذا .
وإذا أقبل الليل وهُم في سفرهم حَرصوا على أذكار المساء . وهناك بعض الكُتيّبات وبعض البطاقات التي توضع في الجيب يستحب الحصول عليها لحفظ أذكار الصباح والمساء والمحافظة على الإتيان بها.
ولا تُضَيِّق الأسرة على نفسها في سفرها ، ولتترخَّص بِرُخصِ السفر ، فإن الله يحُب أن تُؤتى رخصُه ، كما يكره أن تؤتى معصيتُه ، ومن ذلك الجمع والقصر ، وغيرها من رخص السفر.
أخطاء ومُنكرات
يغفل بعض الناس عن استثمار إجازتهم ووقتهم بما يعود إليهم بالنفع والخير في الدارين ، ولذلك نجدهم ـ.هداهم الله ـ يقعون في أخطاء ومنكرات حري بهم الابتعاد عنها والتوبة منها ، ومن ذلك:
أولاً : السفر المُحرَّم إلى بلاد الكفر والعُهر:
فبعضُ الأُسر تتهيأ لهذه الإجازة ، فما أنْ تقفُ الإجازة على الأبواب إلا وقد وقفوا على أبوابِ المطارات وعَتباتِ الطائرات ، وعندها تُودَّعُ العباءات ، وتُلفُّ كالثوبِ الخَلِق ويُلفُّ معها الحياء ، وكأنهم لما غابوا عن بلادِهم غابوا عن عينِ الله . ولا شك أن هؤلاء قد استخفُّوا بِنظرِ الله ، بل جعلوه أهونَ الناظرين إليهم .
لقد ربطوا أمتِعَتَهم ليُسافروا إلى بلادٍ تُقتلُ فيها الفضيلة ، وتُوأدُ فيها العِفّـة ، ولا وُجُود في أرضها للحياء ، وربما تفرّق أفرادُ الأُسرةِ عند وصولِهم فلا شأن لفردٍ بآخر ، وربما سافرت بعض الأسر إلى مثل تلك البلاد من غير وجودِ محرم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيًا : السهر :
في الإجازات تكثر الرحلات ، وتُتبادل الزيارات ، كما تكثر النُزهات البرية وبخاصة في ليالي الصيف ، ثم يمتد السهر إلى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل، وينتج عن ذلك ما يأتي :
1– كثرة النوم ، مما يؤدِّي إلى إضاعة الصلوات ، وإهدار أنفسِ الأشياء ، وهو الوقت .
ومما يُلحظ خلال الإجازات أن بعض الأسر تسهر حتى ساعةٍ متأخرةٍ ، ويشدّ بعضُهم أَزر بعض على السهر ، ويتعاونون على ذلك ، ولكن لا تجد أحداً يَشُد من أزر أحد للبقاء حتى تؤدّى صلاةُ الفجر .
وقد لا تجد أحدًا من أفراد الأسرة يُعين آخر على تخصيص وقت لقيام الليل مثلاً ، أو قراءة القرآن ، أو التعاون على البر والتقوى .
2- الاعتماد الكامل على الخدم ، وترك الجميع يغطُّ في سُبات عميق .
ثالثًا : من الأخطاء والمنكرات :
ما تُقيمُه بعضُ الأُسر من احتفالات لأبنائها الناجحين أو لبناتِها الناجحات ، و ليس في هذا بأس ، لكن الخطأ ما قد يصحبُ تلك الاحتفالات من موسيقا صاخبة ، أو أغانٍ ماجنة ورقصٍ، ونحو ذلك ، فليس هكذا تُشكر النعم ، وليس هكذا يحمد المولى ــ.جل شأنه ــ على نعمة النجاح والتوفيق.
رابعًا: جلوس بعض الأسر قريبًا من بعض:
بحيث لا يفصل بعضها عن بعض سوى أمتار ، وبخاصةً في البراري والمتنـزّهات ، أو على شواطئ البحار ، مما لا يُؤمَن معه نظرةٌ مُحرَّمة ، أو التقاطُ صـور ، وبخاصةً مع ظهور بعض أجهزة الجـوال التي يُمكن من خلالها التصوير دون أن يشعر بذلك المُصوَّر .
خامساً: اصطحابُ بعضِ الآلاتِ الجالبةِ للشر والفتنة والرذيلة:
فعندما تخرج بعض الأُسر إلى الحدائق ، أو الشواطئ ، ونحوها فإن بعض الأسر تُصرُّ على اصطحاب بعض الآلات التي اعتادوا عليها ، فهي لهم بمنـزلة الماء والهواء! ولا شك أن إراحة العيون بل القلوب من مثل تلك الآلات مطلبٌ مُلِحٌّ. فَلِمَ الحرص على اكتساب الذنوب وإزعاج الآخرين بأصوات الموسيقا ؟
ولتحرِص الأسرة وبخاصة عند السكن في الشقق والفنادق لِتحرِص على حجب القنوات السيئة ، أو إلغائها عن طريق إدارة الفندق أو الشَّقـة ، فلقد قالت بُنيّةٌ لأبيها بعد أن رأت ما يُعرض في تلك القنوات. قالت : بابا اليوم شفت وحده ما عليها ثياب !.
ومما يُثير الحيرة والعجب إصرار بعض الناس على ارتياد الأماكن العامة ومُضايقـة الآخرين ببعض التصرفات ، سـواءًا كان ذلك بالتدخين وتلويث الهواء ، أم إزعاج الناس بأصوات الموسيقا ، أو قد يكون ذلك بتصرّفات بعض أفراد أسرته ، أو ترك المكان أشبهَ ما يكون بِمَزبَلَة !
سادسًا : أهمال الأبناء عند الذهاب للعمرة:
يخطىء بعض أولياء الأمور في حق أبنائه وبناته ، وقد يكون ذلك عن غير قصد ، إما لزيادة ثقته بهم ، أو حرصًا على استثمار وقته بالعبادة و البقاء في الحرم ، فيغفل عن متابعة أبناءه ، فتجدهم يذهبون ويجيؤن كيف شاءوا ، ولا يخفى ما يقع من مخالفات بسبب ذلك ، فعلى ولي الأمر أن يحرص على متابعة أبناءه وبناته ، ولا يتركهم يتجولون ويذهبون للأسواق وحدهم ، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه.
سابعًا : معاملة الخدم:
بعض الناس الذين ابتلوا بالخدم ، يغفلون عن إعطائهم حظّهم من الإجازة والفسحة ؛ مما يؤدي إلى تكليفهم ما فيه مشقة، ولئن كان الاعتماد على الخدم سائغًا عند بعض الناس في أيام الدراسة وأوقات العمل ، فلا يسوغ أبدًا الاعتماد عليهم في كل وقت ، حتى في أوقات الإجازات ، وعدم إعطائهم إجازات حتى في أيام الجُمَع ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلةً أو أكلتين ، أو لقمةً أو لقمتين ، فإنه وَليَ حَرَّه وعِلاجَه.)). متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فأطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )). متفق عليه .
وهذا النص في حق الموالي ، فكيف بالأحرار ممن ألجأتهم أحوال الحياة وضيق المعيشة على خدمةِ الآخَرِين ؟
ولا شك أن الاعتماد على الخدم والسائقين في كل شيء خطأ، لأنه يُعوِّدُ أفرادَ الأسرةِ على الكسل والاتكالية ، والاعتماد على الآخرين في كل صغيرة وكبيرة .فمتى تتعلّم البنات ؟ ومتى يُعتمد على البنين ؟ ومتى يتحمّلون المسؤولية ؟
مشروعات مقترحة
لإجازة سعيدة ومثمرة
الإجازة هي فترة من عمر الإنسان ، والإنسان محاسب على كل لحظة من لحظات حياته ، قال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد [ [ ق : 18 ]
وحيث إن وقت الإجازة ثمين ؛ فينبغي اغتنامه بما يعود بالنفع والفائدة ، كما أن تنويع النشاطات وتعدد المهارات التي يمكن مزاولتها في الإجازة أفضل من قصر ذلك على نشاط واحد ، لأنه أبعد للملل ، وأقرب للنفوس ، وأكثر فائدة. كما يُمكن تلخيصُ الأسلوب الأمثل للاستفادة من الإجازة و استغلالها في عدد من المشروعات التي يمكن أن يفكر المرء في أيِّها يصلح له ، وفيما يأتي بعض المُقتَرَحات للتذكير بها والاستفادة منها :
النوع الأول: هناك مشروعات نستطيع أن نطلق عليها: (.مشروعات تعبدية ), مثل العمرة، وحفظ القرآن الكريم ، ونحوها؛ فالإجازة فرصةٌ عظيمةٌ أن يرتب المرء فيها وقته، لأن يحفظ القرآن ، أو يحفظ أجزاءً منه ، ولو فكر الإنسان في حفظ وجهٍ من القرآن الكريم في كل يومٍ لحفظ في الأسبوع سبعة أوجه ، وحفظ في الشهر ثلاثين وجهاً ، وحفظ في الإجازة قرابة مئة وجه ، معنى ذلك أنه سوف يحفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم خلال الإجازة الصيفية ، وفى الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (( مثل الذي يقرأُ القرآنَ وهو حافظٌ له ، مع السفرة الكرام البررة ، ومثل الذي يقرأ القرآن ، وهو يتعاهده ، وهو عليه شديدٌ ، فله أجران )). [ رواه البخاري: 4937 ] .
وهذا يعني أنه يمكن حفظ القرآن الكريم كاملاً خلال ست إجازات ، هذا لو لم يتم استثمار باقي العام ، أما لو استُثمِرَت أيام السنة بالطريقة نفسها ، فيمكن إنجاز الحفظ بأقل من سنتين تحفظ فيها القرآن كاملاً.
كما يُمكن أن يُستثمر بعض الوقت في حفظ شيء من السنة النبوية ، وتعلُّم الآداب التي يستفيد منها جميعُ أفرادِ الأسرة في حياتِهم وفي تعامُلاتِهم . ويُضاف إلى ذلك تعلّم شيء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ودراسة سيرِ بعض أصحابه رضوانُ الله عليهم ، فإن كثيراً من أولادنا يجهلون سيرته صلى الله عليه وسلم، بينما يحفظون أسماء الفنانين واللاعبين وسيرهم .
كما أن من أفضل الأمور التي يمكن أن يُستثمر فيها الوقت حفظ المتون العلمية فهي أساس العلم الشرعي وهو الخطوة الأولى في تلقي العلم الشرعي ، وقد سار السلف الصالح على هذا المنوال في تلقي العلم ونشره وترسيخه بين الناس .
النوع الثاني: ما يمكن أن نطلق عليه: ( مشروعات علمية ) ، وهي كثيرة جداً ، منها : لزوم حلقات المشايخ ؛ فإن حلقات العلماء من أقوى المشروعات وأحسنها ، ومن أفضل ما يستثمر فيه المسلم وقته ، فمن الممكن أن يحرص الإنسان على متابعة هذه الدروس والحلق وتسجيلها وتلخيصها وكتابة بعض العناصر المهمة فيها والانتفاع بما يقال ويُلْقى فيها.
كما يمكن لجميع أفراد الأسرة الاستفادة من هذه الحلق والدروس العلمية التي تجمع العلمَ الغزير في الوقت اليسير، وذلك للرجال والنساء حيث تُوجد في كثيرٍ منها أماكن مخصصة للنساء .
ومن تلك المشروعات: البحوث العلمية ، فإن البحث من الوسائل التي لا يُغني عنها غَيرها ، وقد جرب ذلك الكثيرون . فربما يجلس الإنسانُ وقتاً طويلاً يقرأ فلا يستفيد كما يستفيد لو أعدَّ بحثًا ، وبخاصةً إذا كان البحث تحت إشراف شيخ ، أو معلم ، أو أستاذ ، أو أخ أعلم منه.
فيختار الشخص موضوعًا من الموضوعات التي تتناسب مع مستواه ، ويحاول أن يبحث عن عناصر هذا الموضوع ومراجِعِه ويوفرها ، أو يذهب إليها في المكتبات ، ويعد هذا البحث ويعرضه على أحد العلماء ، أو المشايخ ، أو طلاب العلم.
لكن يجب ألَّا يكون البحث فوق مستوى الباحث ، مثلاً طالب علم مبتدىء لا يصلح أن يأتي لقضية مازالت مشكلة عند العلماء ليعد بحثًا فيها، أو يقول ـ مثلاً ـ أريد أن أعد بحثًا في القراءات السبع والأحرف السبعة في القرآن الكريم ، نقول له: لا. لا. هذه قضية أعجزت كثيرًا من أهل العلم والخبرة فما بالك بالمبتدئين ، فالمرء إذا بحث بحثًا لا يتناسب مع مستواه ربما يصل إلى نتيجة خاطئة في هذا البحث ، أو ربما يعجز عن إكماله ، ومن ثم يقرر مقاطعة العلم وعدم الاستمرار في مثل هذه البحوث.
ومن المشروعات العلمية: الدراسات والدورات الصيفية، حيث إنَّ هناك دراسات صيفية في الجامعات ، حري أن يلتحق بها الشباب ، أو يلتحقوا بدورة تدريبية ، مثلاً : في الجمعيات الخيرية ، أو في الكهرباء ، أو دورة في الحاسب، أو اللغة الإنجليزية ، أو أي دورة في أي أمر مفيد للإنسان في دينه أوفي دنياه.
كما أن هناك أمرًا مهمًا يمكن استغلال الوقت فيه ، ألا وهو أن يرتب الإنسان لنفسه برنامجاً في قراءة مجموعة كبيرة من الكتب المفيدة ، ولكي يستمر الشاب في القراءة عليه أن ينوع ؛ لأنه لو أراد أن يقرأ كتبًا علمية بحتة ربما يمل، ولو قال أقرأ كتبًا في الفقه (كالمغني) ربما يقرأ في مجلد ثم يمل وينقطع، لكن الأفضل القراءة في كتب متنوعة ، بأن يقرأ مثلاً في كتب العقيدة ، والفقه ، والتاريخ ، والتراجم ، والسِّير ، والآداب ؛ لأن فيها تقوية للعزيمة ، وفيها بناءً وتربية . إن مما ينبغي لنا أن نكون من محبي قراءة الكتب النافعة.
ومن المشروعات الاجتماعية : العمل مع الأهل ، إذا كان الأب مزارعًا مثلاً ، فما المانع من استغلال الإجازة في خدمته في أعماله الزراعية لنيل رضا الله ثم رضاه ، أو كان تاجرًا مساعدته في أعماله التجارية ، هذه الأمور تربي على الرجولة التي نحتاج إليها في نفوس شبابنا، ومن شأنها أن تُعد لنا رجالاً يمكن أن تعتمد عليهم الأمة.
ومن المشروعات ترتيب زيارات بين الأقارب ، والتّذكير بحقوقِهم وفضلِ صِلةِ الرّحم ، سواء كانوا قريبين أو بعيدين ، أو إقامة مخيمات للأسرة ، فبعض الأسر الآن أصبحت تقيم مخيمات، يتجمع فيها أفرادُ الأسرة في المنطقة وهذه بادرة طيبة جدًا ينبغي لنا تشجيعها ونشرها، وكل أسرة معروفة منتشرة يجمَعون أفراد الأسرة ويتعارفون ويتناصحون فيما بينهم ، ويقيمون أيامًا ثم يعودون .
هناك أيضًا الرِّحْلات الشبابية: كثير من أهل الخير يخرج للسياحة والاستجمام ، فيسافر إلى مناطق سياحية داخل المملكة ، فلو جعلوا ضمن برنامجهم القيام بجزء من الواجب في تعليم الناس الخير والصلاة والعبادة والوضوء، فكثيرٌ من الناس في بعض القرى النائية والهجر يجهلون حتى أيسر الأمور، فهناك من يجهلون الصلاة والوضوء وقراءة الفاتحة، فما الذي يمنع جماعة من الشباب أن تخرج هنا أو هناك لمثل هذا الأمر.
أيضًا هناك النشاطات المتنوعة، مثل: المراكز الصيفية التي يمكن أن يستفيد منها الشباب، ومن المهم قيامها على سواعد أناس مخلصين ، حافظين لحدود الله ؛ لأن المراكز يُقبل عليها شباب مبتدئون بسطاء عاديون هم بحاجة إلى التربية، فإذا لم يوجد في المركز مسؤولين يعتنون بتربية الأبناء تربية صحيحة ، وتوجيههم والأخذ بأيديهم؛ فقد لا يكون المركز على المستوى المطلوب.
مُقترحات وأفكار للأبناء
<< ترتيب برنامج حفظ القرآن الكريم للبنين والبنات . ولو بُحِثَ عن حلقة جادةٍ لكان ذلك أكثر تشجيعًا لهم على الحفظ. وحبذا أن يقوم الابن بمعاونة الأب ، أو الأم ، أو مدرس الحلقة بقراءة ميسرة للتفسير . المهم أن يكون البرنامج مستمرًا ، وينبغي عدم الضغط على الابن ، بل استخدام التشجيع والترغيب ، وغرس محبة القرآن في نفوس الأبناء .
<< حفظ بعض الأذكار المهمة ، وهناك الكثير من الكتب والبطاقات ، مثل: حصن المسلم ، وأذكار طرفي النهار ، وغيرها ...
<< عمل زيارة للمكتبات (متاجر بيع الكتب) مع الأبناء. وتكون بعد تحفيز وترغيب للزيارة. ثم يترك الأمر للابن بمعاونة الأب ، أو المدرس ، أو الأخ باختيار كتيب أو أكثر وشرائها له كهدية إجازة . ولو أمكن غرس حب الكتاب والقراءة ، والترغيب في كتابٍ معينٍ قبل الزيارة لكانت النتيجة أفضل.
<< تسجيل الأبناء في المراكز الصيفية النافعة. مع الحرص على اختيار الأنفع والأقرب للنفوس لوجد الابن نتائج أكثر خلال الفترة الصيفية. ويمكن للأب إعطاء جوائز للمدرس ويطلب منه تشجيع ابنه في المسابقات ، أو إذا قام بعمل طيب. وهذا أدعى لترغيب الابن في الحضور للمركز ، إضافة إلى التعلق بالأعمال الطيبة والآداب السليمة .
وبالنسبة إلى البنات ، فيمكن تسجيلهن في الدور النسائية المنتشرة بكثرة ولله الحمد .
<< عمل مسابقة ترتيب منزلية . فكل ابن يقوم بترتيب كل شيء في غرفة الأبناء من أدراج ، وفراش ، و أرضية ، وثياب. مع القيام بملاحظة مكان معين في المنزل ومتابعته. والفائز يحصل على جائزة تشجيعية وسط الشهر ، أو آخره . ولا مانع أن يفوزوا كلهم إن كانوا يجيدون الترتيب .
فخلال شهر أو شهرين ، أو خلال الإجازة سيكون الأبناء قد تعودوا على الترتيب ، وعلى الاعتماد على النفس ولو لم يكن هناك مسابقات ، فتوزيع الأدوار بين أفراد الأسرة يُقرِّب القلوب ، ويجلب المحبة وروح التعاون بينهم.
<< ترتيب زيارة إلى أحد الأقارب أو القريبات بين الفينة والأخرى مع الأبناء ، ليصلوا أرحامهم ويتعلموا ما ينفعهم وتتقوى روابطهم بأقاربهم .
<< عمل بعض الألعاب والمسابقات المفيدة والمناسبة للصغار. ويمكن أن تكون هذه الألعاب في الرحلات الأسرية، أو في داخل المنزل.
<< تقديم بعض الأشرطة الإسلامية المناسبة وبعض القصص المفيدة ليستفيدوا منها قراءةً وسماعًا ، ويمكن سؤالهم بعد ذلك عن بعض الأشياء الموجودة في الشريط أو الكتاب بأسلوب سهل ومحبب إلى أنفسهم .
<< تدريبهم على بعض المهارات ، وتنظيم بعض الدورات لهم في داخل المنزل ، أو في مكان مناسب يقدم هذه الدورات. مع مراعاة واقع المكان ومن يرتاده ونوعيتهم ، حتى لا يرتبطوا بأصدقاء سيئين .
ومن هذه الدورات: التدريب على الحاسب الآلي ، أو الطباعة السريعة ، أو الخط ، وغيرها ...
وتدريب الفتيات على ما يناسبهن ، مثل: بعض الأعمال المنزلية و إشعارهن بمكانهن في المنزل . ويكون لهن دور مع أمهن في رعاية المنزل ، وفي استلام مسؤولية رعاية أحد الأطفال.أو يعمل لهن دورة في الطبخ مثلاً ، أو ترتيب مكان معين في المنزل ، أو ترتيب بعض الأغراض المنزلية، ويكون ذلك تحت رعاية الأم وتدريبها وتشجيعها .
<< إقامة دورتين شرعيتين مهمتين ، مثلاً: واحدة في الوضوء ، والأخرى في الصلاة لتعليم أبناء الحي الذين يحضرون للمسجد مع مراعاة التطبيق العملي ، ويقوم بالدورات أئمة المساجد في مساجدهم مع أولياء الأمور ، أو ينفذها أولياء الأمور في منازلهم وفي رحلاتهم .
أفكار ومشروعات للأسر
<< عمل درس أسري من قبل ربِّ الأُسرة . مثلاً تعليمهم أذكار الصباح والمساء ، أو آداب الصلاة ، أو الوضوء أو غيرها ، وتسميعهم إياه في اليوم الذي يليه وهكذا .
<< الخروج في رحلات عائلية ، وعمل مسابقه مخصصة للذكور وأخرى مخصصة للإناث ويكون هناك جوائز عينيه كالأشرطة الإسلامية والكتب المفيدة.
<< يمكن أن يكون البرنامج للدوريات الأسبوعية الأسرية في الاستراحات كالتالي :
أ- للرجال والشباب: بعد المغرب درس ثقافي أو اجتماعي ، أو مسابقات هادفة. بعد صلا ة العِشاء حتى يحين موعد العَشَاء فتره رياضية : لعب كرة قدم ، أو سلة، أو طائره ،أو سباحة .
ب- للنساء والبنات: بعد المغرب درس تربوي أو مسابقات وألغاز ثقافية واجتماعيه ، بعد صلاة العشاء مسابقه وألعاب رياضية خفيفة وطريفة ، ويكون هناك جوائز تشجيعية للجميع .
<< عمل رحلة عمرة وإعداد بعض الأفكار والبرامج الثقافية الممتعة التي يمكن طرحها خلال الطريق ، أو في حالة البقاء في مكة المكرمة شرفها الله .
<< الالتقاء في حالة السفر مع إحدى الأسر ــ التي لها أبناء مميزون بالأدب والحرص ــ إن أمكن الاتفاق على هذا ، وفي هذه فائدة ترابط الأبناء ، واستفادة بعضهم من بعض. ويمكن عمل البرامج والمسابقات في ذلك حتى لا يتحول اللقاء من إيجابي إلى سلبي .
<< اصطحاب الأسرة للمحاضرات والدروس ، وتشجيع الأهل على المناقشة فيما بعد عما طُرح فيها . ويمكن توفير شريط المحاضرة الجيدة لمن لم يتمكنوا من حضورها لأي طارئ .
<< الاستماع إلى المحاضرات في المنزل من خلال النقل المباشر بالإنترنت . كما يمكن استغلال الأشرطة الموجودة في بعض المواقع الإسلامية خلال استخدام الإنترنت لأعمال أخرى .
<< تعلم صنعة جديدة. والعناية بالعمل الصيفي للطلاب.
أفكار ومشروعات للكبار
<< حضور الحلقات والدورات العلمية التي تقام في الصيف و الذهاب إلى المخيمات الدعوية .
<< المشاركة في الأعمال الخيرية والتطوعية . فعمله توجيه للأبناء وتعويدهم على العطاء وبذل الخير ، وفي الوقت نفسه استغلال أوقاتهم بما هو نافع .
<< اللقاءات الصيفية للفتيات ( يوم واحد فقط ويمكن أن يتم في أحد المراكز النسائية ) وهي شبيهة بالمعسكرات الطلابية وتنفذ في يوم واحد فقط ، وتتضمن برامج هادفة من مسابقات ، وفقرات ترفيهية وتعليمية ، كذلك الحوار الهادف مع الفتيات في أمورهن ومشاكلهن ، مع أهمية ملاحظة مدى محافظة القائمات على اللقاء وأهليتهن قبل الإقدام عليه. ويمكن أن تتكرر هذه المعسكرات ، كما يمكن أن ينفذ برنامج مثله للفتيان .
<< وضع هدف يحاوَل الوصول إليه: من قراءة كتاب أو كتب معينة أو إعداد بحث معين .
<< اختيار سلسلة علمية من الأشرطة ( متناسبة مع المدة الزمنية للإجازة) ومحاولة سماعها ، و إذا أمكن تلخيصها .
<< توزيع بعض الكتيبات والأشرطة على الأقارب أو في مسجد الحي .
<< توزيع المجلات الإسلامية على الحلاقين ، وأماكن الانتظار في المستوصفات والمستشفيات ، وغيرها. وحبذا لو كان هناك تعاون مع مكتب الدعوة والإرشاد ، أو ما يشابهه حتى تتكاتف الجهود ويزداد التعاون .
<< دعم المنتديات الإسلامية على شبكة الإنترنت ، والقراءة والكتابة فيها وتكثير سواد المسلمين فيها . ودعوة وتشجيع من تعرفهم للاطلاع عليها . (مع الابتعاد عما يقسي القلب من المواقع والمنتديات السيئة أو غير الهادفة ) .
<< نسخ أقراص ( السي دي ) والتي تحتوي على البرامج الإسلامية والمحاضرات والدروس العلمية وغيرها مما وافق صاحبه على نشره ، وبيعها بسعر مخفض جدًا وذلك لنشر الدعوة والفائدة .
<< القيام بتجميع جهاز حاسب آلي جديد ، من أجل التعرف عليه ، وعلى مكوناته ، ويمكن عمل ذلك مع أفراد الأسرة إن أمكن ، أو بالتعاون مع بعض الأصدقاء الذين يعرفون تركيب الحاسب الآلي .
<< زيارة المرضى من الأهل والمعارف واستغلال فرصة الإجازة في مثل هذه الأعمال الخيرية مع تبيين الأجر للأبناء وأثر الزيارة في المريض.
<< تكوين مشروعات مدرسية لنصح الطلاب أو الطالبات بعد الاختبارات في كيفية استغلال الإجازة والتنبيه لأهمية حلق الحفظ والمراكز الطلابية ، وغيرها.
ويمكن لهذه اللجنة وضع بعض الأوراق مع الشهادة وفيها بعض الإرشادات في كيفية استغلال الإجازة .
<< استثمار الهاتف في التنبيه على المحاضرات في المنطقة والمراكز النسائية ، والتنبيه على أهمية الاستماع إليها ، وذلك لإشعار الآخرين بأهميتها، وتحفيزهم كذلك على سماع المحاضرات بالأشرطة ، ولو كانت قديمة.
<< استغلال الرسائل الإلكترونية في الدعوة إلى الله . ووضع قائمة بالعنوانات المناسبة ، وإرسال الرسائل المفيدة والتنبيه على المحاضرات والبرامج النافعة .
<< عمل مسابقة في كتابة البحوث ، وتشجيع الأبناء على ذلك ولو كانوا صغارًا . وترتيب الجوائز عليها. وحبذا لو كان زمن المسابقة قصيرًا للبعد عن الملل.
<< مع الإجازة ووجود الوقت وكثرة القراءة العامة للمجلات والصحف ، فمن الضروري الحرص على قراءة المفيد منها ، والنصح لمن كتب كتابة سيئة وعرض ما ينبغي لنا إنكاره على العلماء والمشايخ وغيرهم .
<< البحث عن بعض السُنن المهجورة والعمل على إحيائها، مثل: صلاة الضحى ، وزيارة المقابر ، والصيام ، وغيرها ، وهناك كتب متعددة تعتني بمثل هذه الموضوعات.
أفكار ومشروعات للنساء
<< استثمار فترات الاجتماعات مثل الأعراس وغيرها وتقديم كلمة موجزة في ذلك الجمع ، وإن كانت غير قادرة فإنها تطرح الموضوع على أصحاب الاجتماع ، وتدعوهم لإحضار من يقدم الكلمة. ويمكن لأي واحدة تقديم حديث مفيد مع من هم حولها أو تقديم النصيحة الخالصة الطيبة لإحدى الحاضرات للالتحاق بمركز تحفيظ القرآن الكريم مثلاً ، أو نصيحتها في منكر رأته.
<< التخطيط لعمل سلسلة دروس ودورات ، وبرامج مفيدة في المراكز الإسلامية والمخصصة بالنساء ، لتقديم النفع ولتطوير علمها وقدرتها الدعوية.
أفكار مخصصة للرجال
<< تكوين لجنة المسجد ، ومهمتها تفعيل عمل المسجد من خلال تطوير الخطبة ، والكلمات ، وحِلَق التحفيظ ، ولوحات المسجد ، ومكتبة المسجد ، والاتصال بجيران المسجد ، وتوصيل الخير لهم ، وغيرها من الوسائل .
<< الحرص على إنكار بعض المنكرات التي تواجهنا يوميًا بالطريقة الشرعية للإنكار ، في البقالات ، مثل: (.المجلات الخليعة ـ الدخان ، وغيرها ) ، وفي الأسواق ، مثل: ( التبرج والسفور ـ المعاكسات ) ، و في الحي ، مثل: ( الجيران الذين يهملون الصلاة ، أو دعوة وتوجيه أبناء الحي الذين يلعبون في وقت الصلاة ) .
مع الخدم والعمال
<< ربط الخدم (وكذا الموظفين والعمال) غير الناطقين بالعربية بمكاتب دعوة الجاليات ، والتعريف بالمكتب ومعرفة ما يمكن أخذه للخادمة ، أو السائق ، أو العامل ، أو الاطلاع على المحاضرات المناسبة لهم .
<< تعليم الخادمة المسلمة اللغة العربية ، وكيفية قراءة القرآن الكريم ، وبعض العقائد والأحكام الشرعية الأساس باختصار .
إنها لفرصة عظيمة أن يقوم بعض أفراد الأسرة باستثمار الإجازة الصيفية بمثل هذه الأعمال الدعوية . ولا شك أن في هذا خير عظيم لمن فكر في أثر ذلك حين عودة الخادمة إلى بلادها وهي تحمل أثمن علم يمكن أن تتعلمه في بلاد المسلمين .
أفكار سريعة
<< تنظيم مسابقة إعادة ترتيب الأحاديث ، وذلك بكتابة الحديث بطريقة غير مرتبة ، وطلب إعادة ترتيب جمل أو كلمات الحديث ترتيبًا صحيحًا ، وبعد ترتيبها تقدَّم كلمة في شرح الحديث والفوائد المستخرجة منه .
ويُحرص على اختيار الأحاديث النافعة والتي تهم من تقدم لهم هذه المسابقة.
<< تعليق لوحة أسبوعية في المنزل تركز على بعض الأخلاق ، أو الحكم النافعة ؛ لتصبح هدف الأسرة خلال هذا الأسبوع .
<< إلقاء كلمة بعد الصلاة على أعضاء الأسرة وبخاصة في الرحلات البريه ، وغيرها عندما تصلي الأسرة مع بعضها صلاة جماعية .
<< المسابقات الثقافية المتنوعة : بحيث تُكتشف فكرة معينة وتصاغ على شكل مسابقة ، مثل: ( معكم على الهواء ، من سيربح المئة ، مسابقة حروف ) .
<< ركن الحكايات: ركن يُتحدث فيه عن الحكايات والقصص للأشبال .
<< فكرة الكسب الحلال : وتقوم الفكرة على الاتفاق مع الطفل للقيام بعمل إضافي ، ليس من الواجبات اللازمة عليه ، على أن يكون له مقابل على جهده مثل: طباعة بحث ، أو خطاب بالكمبيوتر ، سواء كان لأحد والديه ، أم لأحد الأقارب فيتعود الابن بذلك على الكسب الحلال وتحمل المسؤولية .
<< جلسة أسرية ( مع السيرة النبوية ) تُطرح بأسلوب قصصي جذاب ، عن طريق القراءة من كتاب في السيرة ، مثل: كتاب ( هذا الحبيب يا محب ) ، أو عن طريق طرح أسئلة متنوعة عن السيرة النبوية ، وسير الصحابة.
<< برنامج الطفل المنظم ، حيث يتولى الأطفال ترتيب ما يخصهم من ألعاب وملابس ونحوها ، ويشجعون على ذلك.
<< حصر أوقات الفراغ لدى كل فرد ، وتوجيه الأسئلة لكل فرد: ماذا تستطيع أن تحققه للأسرة؟ وتوزيع المسؤوليات بين أفراد الأسرة، (فلان ينبه للصلاة)، (فلان مسؤول النظافة) ، وإشراكهم في وضع برنامج الأسرة ، و تعيين مدة زمنية لتنفيذ البرنامج.
<< القيام ببعض الألعاب الجماعية مثل: القفز على الحبل بين أفراد الأسرة ، والركض الجماعي ، وشد الحبل ، وغير ذلك .
<< جلسة حوار لأبناء الأسرة لكشف الطاقات ولتصحيح الأخطاء.
<< أب الأسرة المكلف : تعيين قائد يومي للأسرة ونائبه ، والأفضل تغيير النائب كل فترة . أو تعيين ساعة لكل شخص يقوم بعمل الأب أو الأم .
<< برنامج دعاة المستقبل : فكرة البرنامج هي تعويد الابن الإسهام في أعمال الخير وذلك بعدة أساليب منها .
= زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة ليتعرف عليها الابن ويسهم بأي شكل مهما كان يسيراً .
= إذا كان الابن يجيد استخدام الحاسب الآلي ، أو أنه صاحب خط جميل يمكن أن يقوم بكتابة حديث ، أو فائدة ، أو قصة جميلة ومن ثَمَّ يُعلقها في البيت أو في المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد .
<< شراء بعض الكتيبات والمطويات النافعة وجعل الطفل يقوم بتوزيعها بعد الصلاة عند باب المسجد بعد التنسيق مع إمام المسجد .
<< برنامج اللقاء الأسبوعي : فكرة البرنامج اختيار وقت في الأسبوع يجتمع فيه أفراد البيت ويقوم الأطفال بإعداد برنامج متنوع الفقرات ويمكن للأب أو الأم مساعدتهم في البدايات ، بعدها سيرى رب الأسرة ــ بإذن الله ــ أشكالاً من الإبداع قد لا يفكر فيها هو ، مما يثلج صدره ، ويشرح نفسه ، ويسر خاطره.
<< برنامج السؤال الأسبوعي: فكرته سؤال يعلق أسبوعيًّا في صحيفة مُعَدَّة لذلك في البيت وليكن مثلاً يوم السبت ، وآخر موعد لتسليم الإجابات هو يوم الجمعة ، ثم يعلق الجواب الصحيح واسم الفائز ويُطْرَح سؤال آخر ، وهكذا ويكون الفائز هو الذي يتكرر اسمه في الشهر أكثر وتقدم له جائزة .
<< فكرة الطفل البار : تقوم الفكرة على تعويد الطفل المساعدة في أعمال البيت ولو بشكل يسير جداً ؛ لكي لا يمل من العمل المطلوب منه ، وتشجيعه بالكلام والثناء ، أو بهدية ولكن لا تُجعل عادة حتى لا يكون عمله من أجلها .
<< فكرة المنافسات والألعاب الحركية لحاجة الطفل إليها :
= للأبناء مثلًا: سباق على الأقدام ، أو الدراجات ونحوها .
= للبنات أعمال منزلية ، ويقاس فيها المهارة والسرعة، مثل: إعداد شاي ، أو غسيل أوانٍ ، أو تنظيف ، أو تطريز.
<< المشاركة في إثراء المجلات بمقالات وموضوعات ترى أهمية طرحها.
<< الالتحاق بوظيفة في الإجازة الصيفية .
<< جمع بعض الأشرطة وكذلك الكتيبات والمجلات المفيدة وتوزيعها على المستوصفات أو صوالين الحلاقة وأماكن الانتظار بالمرافق العامة.
<< تقديم بعض الأشرطة لسيارات النقل والأجرة ليستفاد منها في الطريق.
<< محاولة التأليف والكتابة الصحفية والتدرب على ذلك.
<< دعوة غير المسلمين للإسلام عن طريق الكتب والنشرات والمطويات ، أو بتعريفهم بمكاتب الجاليات.
<< تعلم شيءٍ جديدٍ مثل: التبريد، والميكانيكا ، والكهرباء، والسباكة ، وأسرار الكمبيوتر ... إلى آخره.
نصائح وتوجيهات
حفظ القرآن:
القرآن كلام الله ، وأعظم كتاب تلقته البشرية ، فبقراءته يؤجر المسلم ، وينال حظه في الدنيا والآخرة ، ويستعان على حفظ القرآن الكريم ـ بعد توفيق الله ـ بما يأتي:
1- صدق الرغبة والاستعانة بالله عز وجل .
2- الالتحاق بإحدى جماعات تحفيظ القرآن الكريم، وهي منتشرة في أكثر مساجد المملكة ولله الحمد .
3- الحفظ على شيخ متقن .
4- تخير أفضل الأوقات للحفظ ، وهي متفاوتة من شخص لآخر .
5- التقيد بمصحف معين ( رسم مصحف معين ) لا يغيره .
6- معرفة تفسير ما يحفظ من آيات ، ويمكن الاستعانة ببعض التفاسير السهلة ، كتفسير ابن سعدي ، أو زبدة التفاسير ، أو غيرها .
7- إتقان الآيات المتشابهات، وذلك عن طريق كثرة تكرارها ، أو حفظ أحد المتون في متشابهات القرآن، أو الاستعانة ببعض الجداول الجامعة للآيات المتشابهة .
8- المراجعة الدائمة، والتسميع على شيخ ، أو على أحد الاصدقاء أو على النفس، وعدم إهمال ذلك لأن القرآن سريع التفلت .
9- الاشتراك في المسابقات المتعلقة بحفظ القرآن، فإنها تشجع على سرعة الحفظ، مع ملاحظة الحذر من الرياء، حتى لا يكون الحفظ لأجل ثناء الناس أو لأجل جوائز تلك المسابقات .
10- أكل الحلال والاستقامة على طاعة الله عز وجل .
حفظ السنة النبوية :
ومن الكتب المختصرة التي يمكن حفظها في الإجازة :
1- الأربعين النووية للإمام النووي ، وتكملتها للحافظ ابن رجب الحنبلي .
2- عمدة الأحكام للمقدسي .
3- بلوغ المرام لابن حجر .
4- منتقى الأخبار لمجد الدين ابن تيمية .
5- اللؤللؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان .
6- مختصر صحيح البخاري ، أو مختصر صحيح مسلم .
7- مئة حديث للحفظ ، من مطبوعات شعبة توعية الجاليات بالزلفي ، وغيرها.
8- الجمع بين الصحيحين ، وهو متوافر بعدة طبعات.
حفظ المتون العلمية :
والمتون العلمية كثيرة ومتنوعة ، يختار منها المرء ما يناسبه كمتون العقيدة والفقه والحديث والأصول والمصطلح والنحو والقراءات ، وغيرها من العلوم النافعة.
وحفظ المتون مهم جدًّا في توسيع مدارك الطالب وتفتيح أبواب الطلب لديه، وحفظ المتون يزيد في قدرة الطالب في الحفظ، ويدفعه إلى مطالعة الشروح والحواشي، ولذلك قيل : مَن حفظ المتون حاز الفنون .
ومن المتون العلمية المهمة :
1- جامع المتون للحفظ ، من إصدار شعبة توعية الجاليات بالزلفي ، وهو كتاب جيب يجمع خمسة من أبرز المتون العلمية للمبتدئين :
2- جامع المتون لابن قاسم
وغير ها ...
طلب العلم :
يكون طلب العلم بأمور منها :
1- حضور مجالس أهل العلم العامة والخاصة .
2- حضور المحاضرات العلمية والندوات .
3- حضور الدورات العلمية العادية والمكثفة .
4- القراءة في كتب أهل العلم .
5- السفر لطلب العلم وحضور الدورات العلمية إذا لزم الأمر .
6- تلخيص بعض كتب أهل العلم .
7- تفريغ أشرطة العلماء المعدودين وتلخيصها .
8- دراسة بعض الأحاديث من ناحية أسانيدها والبحث عن طرائقها وشواهدها وتجميع ذلك .
9- إقامة دروس علمية بين الأصدقاء بحيث يقرأ أحدهم في كتاب والباقون يستمعون، أو يُحضِّر أحُدهم درسًا في مسألة معينة ويلقيه على أصدقائه فيكتسب بذلك ملَكَة الإلقاء .
الدعوة إلى الله تعالى :
الدعوة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ لا يخفى فضلها ، و لها صور متعددة منها :
1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل مكان بقدر الاستطاعة .
2- تعليم الناس أمور دينهم والبدء بالأقرب فالأقرب .
3- دعوة غير المسلمين إلى الإسلام .
4- المساهمة في النشاطات الدعوية في المسجد والحي .
5- التعاون مع المسؤولين عن مكاتب الدعوة في النشاطات الدعوية المختلفة .
6- توزيع الكتب والأشرطة والنشرات المفيدة .
7- الذهاب إلى القرى والهجر التي يقلُّ فيها العلماء والدعاة لدعوة أهلها وتعليمهم أحكام دينهم .
زيارة الحرمين الشريفين :
قضاء الإجازة في مكة والمدينة له فضل عظيم، ففي مكة : الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة ، ويمكن لزائر مكة كذلك أن يؤدي مناسك العمرة، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((.العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )). [متفق عليه]. ويمكنه كذلك الإكثار من الطواف حول البيت، والشرب من ماء زمزم الذي قال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (( ماء زمزم لما شرب له )).
أما المدينة النبوية ، فإن الصلاة في مسجدها بألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، وإذا ذهب الإنسان إلى المدينة ، فيمكنه أن يتشرَّف بالسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه ، ويمكنه كذلك أن يزور مقبرة البقيع ومقبرة الشهداء بأُحد، ولعلَّ ذلك يثير في نفسه شجوناً، فيتذكر ما كان عليه هؤلاء من صدقٍ وجهادٍ وتضحيةٍ وفداءٍ، فيتطلع إلى أن يكون مثلهم أو قريباً منهم .
ويمكنه كذلك أن يخرج إلى قُباء، ويصلي في مسجدها كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعل .
وليحذر زائر الحرمين الشريفين من المعصية فيهما، فإنها أعظم من المعصية فيما سواهما من الأماكن، قال ــ تعالى ــ في شأن الحرم المكي : ] وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ إلىمٍ [ . [الحج : 25 ].
تجارب واقعية
في المستشفى
يقول: مرض طفلي الصغير ، فذهبت به إلى المستشفى ، أخذت رقمًا وتوجهت إلى غرفة الانتظار، انتظارًا لدوري. لقد كان هناك عددٌ كبير ينتظرون ، ربما نتأخر أكثر من ساعة. الصمت يخيم على الجميع. يوجد عدد من الكتيبات الصغيرة استأثر بها بعض الأخوة .
جُلْتُ بطرفي في الحاضرين ، بعضهم مغمض عينيه لا تعرف فيم يفكر، وآخر يتابع نظرات الآخرين. والكثير تلمح في وجوههم القلق والملل من الانتظار .
يقطع السكون الطويل صوت المُنادِي برقم كذا ، تظهر الفرحة على وجه المُنادَى عليه ، يسير بخطوات سريعة ، ثم يخيم الصمت على الجميع .
لفت نظري شاب في مقتبل العمر ، لا يعنيه أي شيء حوله ، لقد كان معه مصحف جيب صغير يقرأ فيه، لا يرفع طرفه عنه. لم أفكر فيه كثيراً ، لكن عندما زاد انتظاري عن ساعة كاملة ، بدأت أفكر في أسلوب حياته ومحافظته على الوقت .
ساعة كاملة من عمري ماذا استفدت منها وأنا فارغ بلا عمل ولا شغل ، بل انتظار ممل.
أُذِّن لصلاة المغرب فذهبنا إلى الصلاة، وبعد الصلاة خرجت مع ذلك الفتى وأبديت له إعجابي به في محافظته على وقته. تحدثنا عن كثرة الأوقات التي تضيع من أعمارنا دون أن نستفيد منها ، أو حتى نندم عليها.
ذكر لي أنه أخذ مصحف الجيب هذا منذ سنة تقريبًا ، بعدما نصحه صديق له بالمحافظة على الوقت . وأكَّد لي أنه يقرأ في الأوقات التي لا يُستفاد منها أضعاف ما يقرأ في المسجد أو في المنزل . بل إن قراءته في المصحف زيادة على الأجر والمثوبة ـ إن شاء الله ـ تُبعد عنه الملل والتوتر .
ثم قال: متى تجد ساعة كاملة أو أكثر تقرأ فيها القرآن؟
تأملت كم من الأوقات تذهب عليَّ سدى! بل كم يومًا يمر عليَّ لا أقرأ القرآن فيه! جُلْتُ بناظري ، علمت أني محاسب والزمن ليس بيدي ، فماذا أنتظر؟ قطع تفكيري صوت المنُادي. ذهبت إلى الطبيب.
بعدما خرجت من المستشفى ، أسرعتُ إلى المكتبة واشتريتُ مصحفًا صغيرًا . لقد قررتُ أن أحافظ على وقتي.
قرار صائب
وصلتني دعوه لمحاضره تلقيها مجموعة فتيات حول تجربتهن في حفظ القرآن خلال شهرين. تعجَّبتُ كثيرًا ، وأحسست أن الأمر مستحيل.
في المحاضرة ، ذكرت الفتيات أنهن حفظن القرآن خلال شهرين فقط في حلقة مكثفة ، وشرحن طريقتهن في الحفظ. كانت المحاضرة رائعة بحقَّ ، لقد تأثرت كثيرًا ، فقررت الالتحاق بحلقة مشابهة في إجازة الصيف المقبل.
مع بداية الإجازة سارعت بالتسجيل في حلقة لحفظ القرآن لمدة عشرة أسابيع. بدأنا يوم الاثنين: 3/ 5/ 1425 هـ لقد كان المكان مزدحمًا جدًا ، وهناك حماس ونشاطٌ زائد! لا أعرف كيف أصفه. سرني ما رأيت من حماس وإقبال كبير من النساء صغيرات وكبيرات. كانت سعادتي لا توصف عندما رأيت ذلك المنظر. كنا نحضر من الساعة: الثامنة صباحًا ، حتى: الثانية ظهراً ، ونحفظ في اليوم اثني عشر وجهًا من القرآن. في البدء كنت أولَ من يُسَمِّع ؛ وذلك لكوني حافظة للبقرة وآل عمران .
في يوم الثلاثاء من الأسبوع الثاني كان علينا حفظ تسعة أوجه من سورة النساء مع ثلاثة أوجه من آل عمران. كنت أعتقد أنني سأكون مثل السابق أولَ من يُسمِّع ، ولكن تغير الأمر علي. لم أكن قادرة على الحفظ بسرعة!
هل السورة صعبة؟ أم أن المشكلة فيَّ أنا؟ أم لأنني كنت حافظة للبقرة وآل عمران من قبل ، أم لكثرة الارتباطات مع الأسرة تلك الأيام التي كنت مُلْزَمة بها؟
اكتشفت مع نهاية الأسبوع الثاني أنه يصعب عليَّ التركيز والحفظ بوجود مجموعات كبيرة من الدارسات ؛ فأصبحت ارجع إلى المنزل، ولم أحفظ إلا خمسة أو ستة أوجه، بينما من المفترض عليَّ حفظُ اثني عشر وجهًا.
حاولت بشتى الأساليب أن أحفظ بشكل أسرع . استخدمت الكتابةً ، والسماع ، والترديد ، كما ركزت على الحفظ في المنزل.
مرت عليَّ لحظات فكرت فيها بأن أكتفي بحفظ عشرين جزءًا ، أو عشرة أجزاء. ولكـن شي في داخلي يرفض هذه الفكرة ، فكنت كلما ضَعُفت همتي شكوت لصويحباتي فكن يرفعن معنوياتي ، ويقوين عزيمتي.
قاطعت الخروج للارتباطات الأسرية خصوصًا في الأسبوعين الأخيرين ، وإن لزم الأمر وخرجت فمصحفي معي ، أُسَمِّعُ وأحفظ.
كما مرت علي فترة جلست فيها ثلاثة أيام لم أحفظ سوى خمسة عشر وجها، مع أن المفترض حفظ ستة وثلاثين وجهًا.
كذلك سافـرنا لمده عشرة أيام تقريبًا ، فكنت أحفظ وأُسَمِّع للأستاذه في الهاتف.
عندما وصلنا للجزء العشرين ، وقاربت الوصول إلى الهدف زادت همتي ، وقويت عزيمتي.
جاء يوم الجمعة وقد بقي عليَّ خمسة أجـــزاء ، لم يبقى سوى أسبوع واحد فقط ، أي يجب عليَّ حفظ جزء كامل يوميًا كي أختم القرآن. كنت أفتح على سوره الناس وأقول هل أصل إليها؟!
الحمد لله ، ضغطت على نفسي ـ وبتوفيق من الله ـ ختمت فجر الاربعاء. ذهبنا في اليوم الأخير ، وبدأت كل واحدة منا تُسَمِّع بدءًا من الضحى ، كلما جاء دور واحدة بكت. شعور لا أستطيع وصفه.
جاء دوري بكيت وبكيت .اللهم لك الحمد. قرأت : سورة الاخلاص, الفلق , الناس ، ثم سجدت شكرًا لله على هذه النعمة. لقد أتممت حفظ كتاب الله.
الآن عرفت طعم السعادة التي كانت الفتيات الحافظات يتحدثن عنها في محاضرتهن التي كانت ـ بعد توفيق الله ـ السبب في التحاقي بحلقة القرآن.
وبرغم التعب التي تعبته خلال تلك العشر أسابيع ، إلا أنها كانت من أجمل أيام حياتي. لم يكن الأمر سهلاً ، لكن مع العزيمة وبتوفيق الله أتممت الحفظ.
علمًا أنني لم أكن صاحبة ذاكرة قويه ، بل على النقيض من ذلك فقد كان الحفظ صعبًا جدًا ، لكنه توفيق من الله. كما أنني لم أكتب هذه الكلمات إلا من أجل تشجيع غيري على حفظ كتاب الله.
تجربتي في حفظ كتاب الله
إنني إذ أخط لكم كلماتي ، فإنني لست أخطها فخرًا وإعلانًا، وإنما هي تجربة خضت غمارها ، فأردت أن تكون دافعًا لمن لم يلج في هذا الطريق أن يلجه ، ،وحافزًا لمن بدأ أن يُتم طريقه مستعينا بالله ، ولمن وصل إلى نهاية المطاف أن يسعى لتثبيت ما حفظ ، فإنه من السهل الوصول إلى القمة لكن الصعب أن تحافظ عليها ، وهو يسير على من يسره الله عليه، ثم إنني بهذه الكلمات أُذكِّر نفسي بنعم الله ـ عز وجل ـ عليَّ ، وأعترف بفضله وآلائه ، إذ أنَّ الاعتراف بالنعم أول سبيل لشكر المنعم سبحانه .
بدأت تجربتي في حفظ كتاب الله ـ عز وجل ـ منذ أن كنت طفلاً ، فقد أكرمني الله ـ عز وجل ـ بأبوين حرصا عليَّ أشد الحرص ، واعتنيا بتحفيظي كتاب الله ـ عز وجل ـ عناية بالغة، وكانت ترافقني في مسيرة الحفظ أختي الغالية ، وعند الخامسة ربيعا كنا ـ وبفضل الله عز وجل ـ قد أتقنا حفظ الجزء الثلاثين والتاسع والعشرين ، وأذكر حينها أن والدي ـ.حفظه الله ـ وعدنا بأن يشتري لنا جهاز كمبيوتر مكافأة على الحفظ ، وتم الشراء ، وما زال الكمبيوتر يذكرني بتلك الذكرى العزيزة على القلب .
لم يكن في منطقتنا مراكز نسوية للتحفيظ ، فبدأ والديَّ ـ.حفظهما الله ـ في مشروع حلقات تحفيظ لأبناء وبنات الحي بأن اتفقا مع الجيران على تنظيم حلقات للحفظ في مسجد الحي ، وهكذا بدأنا بحلقة صغيرة جدًّا في مصلى النساء ، ثم توسعت تلك الحلقة حتى ضاق المصلى بالطالبات ، فاستُؤجر أحد المنازل لتكمل فيه الطالبات حفظهن ، واستمرت حلقة الطلاب في المسجد ، ومع تطور الحلقة واتساعها تم شراء ذلك المنزل من قبل فاعلي خير ـ جزاهم الله خيرًا ـ وأعيد بناؤه ليفي بمتطلبات الدورات العلمية وفصول التحفيظ .
تابعتُ حفظي مع معلمات فاضلات كان لهن الفضل ـ.بعد الله عز وجل ـ في حفظي لكتاب الله وإتقان التجويد ، حفظت ما يقارب ثلاثة عشر جزءًا ، وكان عمري حينها ثلاث عشرة سنة . إلا أنَّ انطلاقتي الحقيقة في الحفظ بدأت بعد أن رأيت في المنام وكأن الشمس قد طلعت من مغربها والوضع مخيف ومرعب ، و كنت أبكي وأقول لأختي ألم أقل لك هاهي القيامة قد قامت ولم أكمل حفظ القرآن.
بعد هذه الرؤيا تأملت حالي ، فإذا عمري ثلاثة عشر عامًا، وأحفظ ثلاثة عشر جزءًا ، كل جزء بسنة من عمري ، هل سأنتظر: سبعة عشر سنة أخرى حتى أكمل حفظ كتاب الله عز وجل؟ إنهـــا معادلة صعبة للغاية لا يمكن أن أتقبلها، بدأت أحاسب نفسي ، أين الهمة التي تدعينها؟ إن الادعاء لا يجدي نفعًا إن لم يكن هناك بينة ؟
وبالفعل بدأت مع بدء العام الدراسي ، بالرغم من العقبات والصعوبات التي واجهتني في البداية ، لكنني حاولت فكنت لا أبدأ الدراسة إلا بعد حفظ ما تيسر من كتاب الله عز وجل ، حتى في الاختبارات النهائية ، كنت لا أبدأ إلا بعد الحفظ ، ووفقني الله ـ عز وجل ـ في دراستي ، وأعانني على حفظ كتابه فما إن بدأت إجازة نصف العام الدراسي إلا وقد أكملت حفظ كتاب الله، ويومها لا أعرف كيف حملتني الأرض ، كنت سأطير فرحًا ، شعور لا يمكن أن يخطه بنان، أو يُعبر عنه لسان ، لا يعرفه إلا من ذاق حلاوته ، كانت بشرى عظيمة جدًا لوالديّ ـ حفظهما الله ـ وألبسهما تاج الوقار ، فهما أصحاب الفضل بعد الله تعالى .
طريقتي في الحفظ : تتلخص في قراءة الوجه كاملًا ، ثم الحفظ آية تلو الآية ، ثم ربط الآيات بعضها ببعض ، ثم تسميع الوجه كاملًا ، وكانت كمية الحفظ في اليوم متفاوتة وَفْقَ الاستطاعة والتفرغ .
والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله .
مصادر هذا الكتاب:
الأسرة والإجازة ، عبدالرحمن السحيم
أربعون وسيلة لاستغلال الإجازة ، إبراهيم الدويش
الوقت أنفاس لا تعود ، عبدالملك القاسم
فن صناعة الفرص الذاتية ، خالد الدرويش
موقع: صيد الفوائد
موقع: المفكرة الدعوية
موقع: كلمات
موقع: الإسلام اليوم
موقع: حفاظ الوحيين
كتاب : (( الإجازة مشروعات وأفكار )) مشروعات وبرامج وأفكار ووسائل تناسب جميع الفئات ، والأعمار بأسلوب مميز ومؤصل علميًا وشرعيًا ــــــــــــــــ يطلب من: شعبة توعية الجاليات بالزلفي هاتف : 4225657 - 06 - فاكس : 4224234-06 ص. ب: 182 الزلفي 11932 ، شعبة توعية الجاليات.