جلسات تسع ذي الحجة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- جلسات تسع
ذي الحجة
- (الجلسة الأولى: استقبال موسم الخير)
- ( الجلسة الثانية: أفضل أعمال التسع )
- ( الجلسة الثالثة: إحياء سنة التكبير )
- ( الجلسة الرابعة: احذر ما يصدك عن الطاعة )
- ( الجلسة الخامسة: الوصية والصحبة الصالحة )
- ( الجلسة السادسة: فضيلة خدمة الآخرين )
- ( الجلسة السابعة: الدعاء )
- ( الجلسة الثامنة: غدا يوم عاشوراء )
- خاتمة ودعوة
جلسات تسع ذي الحجة
أعده لك أخوك
د. خالد بن سعود الحليبي
إهداء..
إلى إمام كل مسجد وخطيب كل جامع..
إلى ربِّ كل منزل..
إلى كل داعية في حملة حج..
إلى كل مسلم ومسلمة..
أهدي هذه الجلسات..
علي أحظى ووالدي بدعائكم عند كل جلسة من جلساتها
مع دعواتي لكم بالتوفيق.. والقبول.
المؤلف
بين يدي الجلسات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فقد كان مما تمنيته كثيرا أن يكتب الله لي أن أسهم في طرح مؤلفات ميسرة الأسلوب، مكثفة الأفكار، واضحة المعاني، مقتضبة الوقت في طرحها مخافة الإملال، تقرأ على المسلمين في مواسم الخير؛ لأن القلوب فيها تتفتح لقبول الموعظة، وتقبل على بارئها عز وجل.
وكان من ذلك ـ قبل هذا الكتاب ـ مؤلفان حول شهر رمضان المبارك؛ هما: ( مصارحات رمضانية )، و( أنوارك يا رمضان )، اسأل الله أن يؤتيني من أجرهما مضاعفًا.
وها بين يديك - أخي إمام المسجد وربَّ البيت -المسلم جلسات ميسرات حول تسع ذي الحجة، هذه الأيام العظيمة، التي كثيرًا ما تذهب هدرًا على كثير من المسلمين فيفوتهم بذلك موسم عظيم من مواسم الأجر والثواب، بينما ينال بها آخرون درجات عظيمة عند الله؛ لأنهم حين عرفوا فضلها بادروا بعمارة أوقاتها الفاضلة بأفضل الأعمال.
هذه هي الطبعة الأولى لهذه الجلسات، فما كان لديك من ملحوظات فأرجوك أن تبادر بإرسالها لأخيك؛ لعل الله أن ينفعه وينفع المسلمين بتصحيحها أو إضافتها.
وإني لأتوجه إلى الله العلي القدير أن ينفع بها أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يرزقنا العمل بعد العلم، والإخلاص فيهما.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أخوك / د. خالد بن سعود الحليبي
(الجلسة الأولى: استقبال موسم الخير)
الحمد لله الذي جعل تسع ذي الحجة موسمًا للطاعات، وأفاض على الطائعين بنعم الرضوان والنفحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، إله تفرد بالكمال والتمام، وتقدس عن مشابهة الأنام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فكم يأنس المسلم بمواسم الخير، ويزداد أنسه حين يشترك في الطاعة مع إخوانه المسلمين، فأرجو الله تعالى أن ييسر لنا أن نتجالس ونتذاكر ونتناصح - أخي المسلم - في هذه الأيام المباركة دقائق معدودة كل يوم، نتنقل فيها سويًا من روضة إلى روضة، ومن طاعة إلى طاعة، نتنشق شذى الإيمان، وعبق الوحيين، كيف لا ونحن نستقبل موسمًا من مواسم الخير والرحمات؛ نسأل الله تعالى فيه أن يمن علينا بفضله ورحمته.
إن لكل قوم مواسم ينتظرونها، وأيامًا يتهيأون لاستقبالها، ويفرحون بقدومها، ومواسم أهل العبادة والطاعة أجل المواسم وأعلاها قدرًا، وأعظمها شرفًا، حدد أوانها من وضع الميزان، وأجزل أجرها الكريم المنان، ذو الطول والسلطان، فلا راد لما قضى، ولا مانع لما أعطى، يقبل القليل، ويجزي عليه الكثير، ويبارك في العمل إذا لزم الصواب والإخلاص.
ها هي ذي مواسم الخيرات تنفحنا نسماتها، وتطوف بقلوبنا روائحها، تنادي في أهل الإيمان أشواقهم إلى مواطن الثواب، وتبعث في أرواحهم همم العلماء العباد، مواسم أقسم الله بلياليها وأيامها تعظيما لشأنها؛ فقال عز وجل: ﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)﴾ [سورة الفجر ].
حدث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( إِنَّ الْعَشْرَ عَشْرُ الأَضْحَى، وَالْوَتْرَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّفْعَ يَوْمُ النَّحْرِ ))؛ [رواه أحمد وهو حديث صحيح على شرط مسلم ].
قال ابن القيم رحمه الله: إن الفجر في الليالي العشر زمن يتضمن أفعالاً معظمةً من المناسك، وأمكنةً معظمةً وهي محلها، وذلك من شعائر الله المتضمنة خضوع العبد لربه؛ فإن الحج والنسك عبودية محضة لله، وذل وخضوع لعظمته … فالزمان المتضمن لمثل هذه الأعمال أهل أن يقسم الرب عز وجل به )). [ التبيان في أقسام القرآن: 19 ].
أيام لا تفضلها أيام غيرها أبدًا، كيف لا وقد روى البخاري في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (( مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟ قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ )).
حق لك - أيها المسلم الصالح - أن تهتف بعد سماع هذا الحديث: الحمد لله الذي متعني بحياتي حتى أدركت هذه الأيام، فإنك ـ وقد أدركت هذه الأيام ـ فقد وهبت نعمة جليلة منَّ اللهُ بها عليك، إذ بلَّغك شرفَ هذا الزمان، ويلَّغَك العلم بشرفه، فما بقي لك إلا أن تشكر الله تعالى عليها شكرًا قوليًّا وشكرًا عمليًّا، فتحيي أيامها بالصيام، ولياليها بالقيام، وسائر أزمانها بالذكر والدعاء.
هذا شأن سلفك الصالح؛ فقد روى سعيد بن جبير - رحمه الله - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث بلفظ: (( ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعملًه في العشرِ الأضحى قيل ولا الجهادُ في سبيل الله قال ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرجَ بنفسهِ ومالِه فلم يرجعْ من ذلكَ بشيءِ ))، فكان سعيدُ نعم العاملُ بعلمه، حتى كان إذا دخلت أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يقدر عليه غيره.
أعلمت أيها الموفق للخير ما هذه الأيام؟ إنها الأيام العشر الأول من ذي الحجة، أيام تختم بها شهور حج بيت الله الحرام، وتقع فيها أعظم مناسكه، وهي خير أيام الأشهر الحرم التي اختارها الله من أشهر السنة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِـ كَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)﴾ [سورة التوبة ]
والأَشْهُرُ الْحُرُمُ: رَجَبٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ. وَأَشْهُرُ الْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو الْقَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
ومما يدل على عظمة هذه الشهور أن الظلم المحرم في سائر الشهور تتضاعف حرمته في هذه الشهور، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: "إن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت لـه حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح". وقال: "خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيا عنه في كل زمان" 8/135.
(( ولا يقال: إن من فوت أوقات الفضل، وزمن الشباب أصبح محروما، أوصدت في وجهه الأبواب، بل الحق أنه قد فاته خير كثير، ولكن الله عليه بالفضل متجدد، يناديه بأن يسرع باستغلال ما بقي، ويندبه إليه بأن يقبل... مادام في زمن الإمهال، وقبل أن تبلغ الروح الحلقوم، لا يرضى أن يسبق إلى النفس قنوط، ولا إلى القلب يأس )) [ عشر ذي الحجة وأيام التشريق أحكام وآداب للدكتور محمد العمير: 14 ].
يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر 39/53]
اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر، وإلى توبة صادقة نصوح تجب بها ما قبلها من الذنوب إنك أنت السميع العليم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة الثانية: أفضل أعمال التسع )
الحمد لله على إحسانه، والشكر لـه على عظيم فضله وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فلقد كنت أيها المسلم الصالح حريصًا على الطاعة في العشر الأواخر من رمضان، رجاء فضلها العظيم، وأجرها الكبير، فهل لك في أيام هي أفضل منها، كما علم ذلك العلماء الأعلام من قول النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (( ومَا من أيام الْعَمَلُ الصالح فِيها أحب إلى الله من هَذِهِ الأيام - العشر الأول من ذي الحجة - قَالُوا: يا رسول الله، وَلاَ الْجِهَادُ في سبيل الله، قَالَ وَلاَ الْجِهَادُ في سبيل الله إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ منها بِشَيْءٍ )) [رواه البخاري والترمذي واللفظ له].
حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة"، قال ابن القيم رحمه الله: "وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجدَهُ شافيًا كافيًا فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة، وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحييها كلها، وفيها ليلة خير من ألف شهر".
ولا شك أن من أعظم الأعمال فيها حج بيت الله الحرام، ويكفي في فضله ما رواه الشيخان عن رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)). وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، يفرض على المسلم المكلف المستطيع، وللمرأة أن يكون معها ذو محرم، وفي فضله كذلك روى الشيخان عن أبي هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ ))، متفق عليه.
ومن أجلّ أعمال العشر كذلك: صوم التسعة الأول منها كلها، فقد روت أم المؤمنين حفصة _ رضي الله عنها _ زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسع ذي الحجة )) [ رواه أبو داود وصححه الألباني ].
وإن صوم يوم واحد من سائر أيام السنة من أجل الله تعالى فيه من الفضل العظيم ما رواه مسلم عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِـ كَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا)).فكيف يا عبد الله في مثل هذه الأيام؟!
وتشمل هذه الأيام يومي الإثنين والخميس، وهما يومان فاضلان كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صومهما كما روت ذلك أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها-، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ))، [ رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب ].
وفي رواية لسعيد بن جبير - رحمه الله - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( وإن صيام يوم منها يعدل بصيام سنة والعمل فيهن يضاعف سبعمائة ضعف )).
فلا تفوت - أخي المسلم - هذه الفرصة العظيمة، والله تعالى يعينك على هذه الطاعة إن استعنت به مخلصا، يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ [سورة العنكبوت ]، تقبل الله منا ومنك صالح الأعمال.
اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة الثالثة: إحياء سنة التكبير )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار، أما بعد:
فلا نزال نأرج بأجواء العشر الأول من ذي الحجة، ونطوف في حقولها الناضرة، وقد تحدثت فيما سبق عن عبادتين عظيمتين من أجل الأعمال التي تعمل فيها، وهما: الحج والصيام، وحديث هذا اللقاء بإذن الله عن عبادة أخرى تفضل فيها، عبادة حبيبة إلى الرحمن، خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، يفر منها الشيطان، إنها عبادة الذكر للجليل الرحمن، خصها الله تعالى في حديثه عن عشر ذي الحجة بقوله: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } [سورة الحـج 22/28]؛قال ابن عباس: أيام العشر.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ )) [ رواه أحمد وهو حديث صحيح ].
قال الإمام البخاري رحمه الله: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما "، وقال أيضًا: "وكان عمر يكبر في قبته فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا ".
"وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعًا". والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة.
وحري بنا - نحن المسلمين في هذا العصر - أن نحيي هذه السنة التي قد أضيعت في هذه الأزمان، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح. فلنرفع أصواتنا بالتكبير في مساجدنا، وفي بيوتنا، وفي أماكن أعمالنا ومكاتبنا، وفي أسواقنا ومصانعنا، وفي شوارعنا ومنتزهاتنا، ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ (191) ﴾ [ سورة آل عمران ]؛ لنرفع هذه الشعيرة على كل حال، وفي كل مكان يليق بذكر الله تعالى تعظيما لها؛ ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) ﴾ [ سورة الحـج ].
نرفع الذكر في كل ملأ طيب ونحن نتذكر قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الشيخان: (( أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم )).
فالله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
والتكبير منه ( مطلق ): مشروع من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق في المنزل والعمل والسوق وفي كل مكان يليق بذكر الله تعالى، ومنه ( مقيد ): بعد الفرائض ابتداء من بعد صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو ما أجمع عليه علي وعمر وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
إن في الذكر من الفوائد ما يزيد عن مئة فائدة ساقها العلماء، ولعل أجلها ما ذكره الله في كتابه في مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾ [سورة الرعد]
وقـوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)} [سورة الأحزاب]، وما نـص علـيـه الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في مثل قـوله: (( وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِـ كَ الْعَبْدُ لا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ )) [ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح ].
قال ابن القيم رحمه الله: "فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجًا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل وثب عليه وافترسه" [ الوابل الصيب: 82].
إذا الشياطين أوحأأت من وساوسها
صرعت بالذكر للشيطان وسواسا
[ قلبي بين يديك: 170 ]
أسأل الله تعالى أن يلهمنا ذكره، وأن يذكرنا في نفسه وملئه إنه سميع مجيب، اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة الرابعة: احذر ما يصدك عن الطاعة )
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه، وأسأله المزيد من فضله وكرمه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.. أما بعد:
فقد علمت - فيما سبق - امتياز عشر ذي الحجة عن غيرها من سائر أيام العام، وأن العمل فيها خير من العمل في غيرها، ولعل ذلك لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره كما يقول ابن حجر في الفتح رحمه الله. بل والذكر الذي أعلاه: لا إله إلا الله.
إنها - يا رعاك الله - دلائل على درب الخير جمعت لك أنوراها من كتاب الله تعالى وتفسيره، ومن حديث حبيبك - صلى الله عليه وسلم - وتأويله، ومن كلام الصالحين وأعمالهم، فلنكن ممن إذا دعوا إلى الخير أجابوا، وإذا بشروا بالأجر اشتاقوا، يتسابقون إلى الخيرات، ويهفون لفعل الطاعات.. يمتثلون أمر ربهم تعالى: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾، وقوله عز وجل: ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين﴾. وقوله جل ذكره بعد أن ذكر جنته ونعيمها المقيم: ﴿وفي ذلـ ك فليتنافس المتنافسون﴾.
إنها دعوة موجهة لأصحاب الهمم العالية لاغتنام الفرص الثمينة، وارتقاء الدرجات العالية، وليست دعوة موجهة للقانعين بالقليل، الباخلين على أنفسهم وبين أيديهم كنوز الأجور ونفائس الثواب.
أخي الحبيب..
إن أكثر ما يصد المسلم عن الرغبة في الطاعات، ويحرمه من اجتناء ألذ الثمرات هي الذنوب، فهي التي تحول بين الإنسان وبين فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه. يقول الله تعالى: ﴿كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون﴾، ويقول عز وجل: ﴿إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا﴾.
فلنستقبل هذا الموسم بالتوبة النصوح التي تكسر عن عواتقنا تلك القيود، وتغسلنا غسلا من تلك الذنوب، توبة لا تررد فيها، فيها عزم صلد على ترك المعاصي وهجرانها، وندم دامع على ما كان منها، وتصميم ثابت على عدم العود إليها، توبة نعتذر فيها للمولى الجليل، بقلوب كسيرة، وجفون خاشعة، وعيون هاملة،
مرددين قول أحد الراجعين إلى مولاهم:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثــــرة فلقد علمت بأن عفوك أعظـــم
إن كـان لا يرجوك إلا محســــــــــــــن فبمـن يلوذ ويسـتجير الــــمجــــــــــرم
أدعوك رب كـما أمرت تضرعــًـا فــإذا رددت يدي فمن ذا يـــرحم
ما لي إليـ ك وسـيلة إلا الرجـــا وجمـيل عفــــــوك ثم إني مسـلم
رُئي أحد الموتى في المنام فقال: ما عندنا أكثر من الندامة، وما عندكم أكثر من الغفلة، ورُئي آخر فقال: قدمنا على أمر عظيم، نعلم ولا نعمل، وأنتم تعلمون ولا تعملون، والله لتسبيحة أو تسبيحتان، أو ركعة أو ركعتان في صحيفة أحدنا خير من الدنيا وما فيها. فمَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلاَّ نَدِمَ إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لاَ يَكُونَ ازْدَادَ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لا يَكُونَ نَزَعَ عن معصيته.
أيا من ليــــــس لــــي منه مجـير بــــعفوك من عذابـ ك أستجير
أنـــــا العبد المــقر بكل ذنب وأنـت السيد المولى الــــغفور
أفــر إليـ ك منك، وأيــن إلا إليـ ك يفـــر منـ ك الــــمسـتجير
فلنعش هذا المواسم بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يرضي الله عز وجل فمن صدق الله تعالى صدقه الله ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾.
أخي بعد هذا فهل اشتاقت نفسك أن تكون ممن امتدحهم الله تعالى بقولـه: ﴿ إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين﴾.
أسأل الله تعالى ألا يحرمنا من جوده وفضله وكرمه، وأن يمن علينا بالطاعات، وأن يتقبل منا ذلك إنه سميع مجيب. اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة الخامسة: الوصية والصحبة الصالحة )
الحمد لله شرح صدور المؤمنين لطاعته، وأعانهم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين... أما بعد:
فإن حديثي اليوم زاد توهجه ضياء الأخوة التي نتشبث بنورها الدافيء، والتي عقدت آصرتها في أعظم كتاب أنزله الخالق على قلب أعظم نبي مرسل لخير أمة أخرجت للناس؛ حين قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [سورة الحجرات 49/10].
وإذا كنا قد تواصينا خلال أيام مضت على الإكثار من العبادة والطاعة في هذه العشر الفضلى، فإنه ينبغي أن نوصي من عزم على السفر للحج أو غيره مما يعينه على هذا السفر العظيم القدر، وهو الوصية والصحبة الصالحة.
فإن مثل هذه الأيام المباركات مظنة السفر للحج أو لغيره، فأحببت أن يكون حديثي اليوم عن عمل غفل عنه كثير من المسلمين، وهو مما أوصى به رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: ويتأكد في حال السفر والمرض الشديد ذلك هو الوصية الشرعية.
أخي الحبيب.. وقانا الله وإياك والمسلمين كل غائلة وفتنة..
إن المسلم الذي فقه سبب وجوده في هذه الحياة، وأنه إنما خلق لعبادة الله وحده لا شريك لـه، فتزود بالتقوى، وتضلع بالعمل الصالح، وتهيأ للقاء ربه، فإن حقيقة الموت لا تفزعه، بل هو مستعد له بالزاد الطيب كما يستعد من عزم على السفر إلى مكان سيطيل فيه، وقد لا يعود منه. دون أن يؤثر ذلك الشعور الإيجابي الحي على نشاطه الخاص الذي يشارك به في إعمار الكون، ويغنيه بالحلال عن الحرام، وعن مذلة المسألة.
ولذلك فإنه حريص - والحال كذلك - على بقاء سجل حسناته في زيادة دائمة حتى بعد وفاته، فيحرص على أن يبقي بعده صدقة جارية، وعلمًا نافعًا، وولدًا صالحاً يدعو له.
ولـه أن يوصي لنفسه أو لغير وارث منه بعد وفاته من مجالات البر والخير في حدود ثلث ماله دون زيادة عليه، إلا إذا رضي الورثة بالزيادة. وذلك من غير أن يدع ورثته فقراء يتكففون الناس، فإنهم إن كانوا محتاجين لهذا المال فتكره الوصية بشيء منه لغيرهم. كما أنه حريص على ألا يترك بعده ما يُعْصَى اللهُ به من آلة لهو محرم، أو أموال في مصرف ربوي، أو عقار مؤجر على من اتخذه لمعصية الله.. ونحو ذلك.
وعليه أن يبين لمن بعده حقوق الله عليه كالزكاة والكفارة، وحقوق الناس التي عليه كالودائع والديون، ويبين تركته كلها بالتفصيل، حتى لا يدع مجالاً للاختلاف بين ورثته أنفسهم، ولا بينهم وبين الناس. ويلقى الله تعالى غير ظالم لنفسه ولا لغيره، بنفس رضية هنية، يُدعى لها ولا يُدعى عليها.
مستجيبا لأمر الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَينِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ حِينَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُم ﴾ [المائدة:106]، وقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - ((ما حق امرئ مسلم لـه شيء يوصي فيه يبيت ليلتين)) وفي رواية: (( ثلاث ليال، إلا ووصيته عنده مكتوبة ))، قال عبد الله بن عمر: (( ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلـ ك، إلا وعندي وصيتي )).[ متفق عليه، واللفظ لمسلم ].
وفي حديث آخر حسن الإسناد:(( المحروم من حرم وصيته )) [رواه ابن ماجة].
ومن هنا نعلم أهمية المسارعة بكتابة الوصية، وعدم تأجيل ذلك، فالوصية لا تقرب أجلا، وتأجيلها لا يبعد ساعته، بل قد تحل ساعة الفراق في لحظة يعجز الإنسان عن النطق بكلمة واحدة، فيفوتُ حينئذ أمرٌ عظيمٌ يتصل بذمة المتوفى، وفرصة ثمينة من فرص كسب الثواب، وتكفير السيئات بعد انقطاع الأجل، وما كان ينويه من وصايا المعروف لنفسه ولغيره.
واحذر أخي المسلم أن تختم حياتك بوصية الإثم والجنف، فإن من خاتمة السوء أن يتعمد الموصي حرمان الورثة أو بعضهم من حقهم في الإرث، أو يحتال لإنقاص الإناث نصيبهم؛ غافلا عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ )) [ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ رواه الترمذي وأبوداود ].
ولتعلم - أخي المسلم - أن الوصية مستحبة في الجملة، ولا تجب إلا فيما عليك من حقوق واجبة، فلتبادر يا عبد الله - ولو بشكل سريع - بكتابة وصية تحب أن تلقى الله تعالى وهي في يدك، عامرة بالعدل والإنصاف والمعروف، من قبل أن يسمع الناس الصيحة ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُون﴾.
وأما الصحبة الصالحة فهي تلك الخلة الخالدة والصحبة الباقية، خلة تعقد في الدنيا وتبقى حتى بعد البعث، يعيش أهلها في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله: (( ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه )). ذلك اليوم الذي تذوب فيه الصلات المبنية على غير أساس التقوى ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾.
أخي الكريم إن الصاحب الذي يعينك على الطاعة إذا ذكرت، ويذكرك إذا نسيت، ويستحق صحبتك في الحل والترحال، هو التقي الخلوق اللين الجانب الأليف؛ يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (( أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا، الموطأون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف )) [ رواه الطبراني في الأوسط والصغير وصححه الألباني ].
وهو الذي يمحضك المحبة في الله تعالى، لا لدنيا يصيبها، ولا لمؤانسة محرمة يرجوها.
هو الذي يعرف صاحبه في الشدة أكثر من الرخاء؛ فهو يعوده إذا مرض، ويعينه إذا شغل، ويذكره إذا نسي، ويسعى على راحته مؤثرًا لـه على نفسه؛ يقول الله تعالى:﴿ ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ﴾، يقول أبو علي الرباطي: "صحبت عبد الله الرازي وكان يدخل البادية، فقال: علي أن تكون أنت الأمير أو أنا؟ فقلت بل أنت، فقال: وعليك الطاعة، فقلت: نعم، فأخذ المخلاة ووضع فيها الزاد وحملها على ظهره، فإذا قلت لـه أعطني، قال: ألست قلت: أنت الأمير، فعليك الطاعة، فأخذنا المطر ليلة فوقف على رأسي إلى الصباح وعليه كساء وأنا جالس، يمنع عني المطر، فكنت أقول مع نفسي: ليتني مت ولم أقل: أنت الأمير".
ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة في مرضه فجعل يبكي فقال: ما شأنك؟ قال: علي دين !! قال: كم هو، قال: خمسة عشر ألف دينار، قال: فهو عليّ..
وكل الناس إخوان الرخاء وإنما أخوك الذي آخاك عند الشدائد
هكذا تكون الخلة والصحبة وإلا فلا حاجة إلى صديق؛ قال بعضهم: لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك ويستر عيبك،فيكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب، وينشر حسنتك ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.
الناس شتى إذا ما أنت ذقتهــــــــم لا يستوون كما لا يستوي الشجر
هــــذ ا له ثمــــر حـلـــــــو مـــــــذ اقتــــــــه وذاك لــــــيس لـــــــه طــــعــــم ولا ثــــمـــــــــر
والصديق الصالح: هو الصديق الناصح الصادق، الذي لا يبالي أن يقول لك: اتق الله إذا رآك قد أخطأت؛ فالمسلم مرآة أخيه المسلم، والمرآة لا تجامل أحدًا، بل تكشف كل العيوب كما تبدي جميع المحاسن، يقول الله تعالى: ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ﴾. ومثل هذا الصاحب عزيز اليوم؛ لشيوع المجاملات بين الناس، وخوفهم من فساد العلاقات الدنيوية.
والصاحب الصالح هو الذي يتعامل مع صاحبه بالحسنى، ولا يأتي من العمل والقول ما يغضبه، يقول يزيد بن أبي حبيب: "لا أدع أخا لي يغضب علي مرتين، بل أنظر الأمر الذي يكره فأدعه".
وهو الذي لا يبرح ينفعك ما استطاع، يقول شعيب بن حرب: "لا تجلس إلا مع رجلين: رجل إذا جلست إليه يعلمك خيرًا فتقبل منه، أو رجل تعلمه خيرًا فيقبل منك، والثالث اهرب منه". والله تعالى يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾.
وأهل الخير والصلاح كثير في زماننا وبين ظهرانينا، ولله والحمد والمنة، ولكن ينبغي أن نسعى إلى التعرف إليهم ومصاحبتهم، بل ينبغي أن نخطب ودهم، فبمثلهم يعان المسلم على طاعة الله، ويثبت على دينه، ويشد أزره في رحلة الحياة. وفي الحديث (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ))
اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة السادسة: فضيلة خدمة الآخرين )
اللهم لك الحمد أنت وليُّ الحمد وأهلُه، وأنت ولينا في الدنيا والآخرة، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تغفر لنا بكرمك، وأن تجيرنا من النار برحمتك، ونسألك يا مولانا الرضا بعد القضا، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقًا إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا... أما بعد:
فإن من أسرار الحج كذلك أنه يعطي صورة رائعة للوحدة التي يجب على المسلمين أن يسعوا إلى تحقيقها، فها هم أولاء قد تجمعوا من كل فج عميق، أبيضهم وأسودهم، شرقيهم وغربيهم، عربيهم وعجميهم، غنيهم وفقيرهم لا تجمع بينهم سوى رابطة الدين وحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، يرتدون لباسًا واحدًا، ويهتفون هتافًا واحدًا، ويرجون ربًا واحدًا. قد ضحوا بأنفسهم فعرضوها لمخاطر الأسفار، وضحوا بأموالهم فأنفقوها راضية بها نفوسهم، وضحوا بأوقاتهم فاقتطعوا منها أيامًا وربما شهورًا، وضحوا بقربهم من أهلهم وديارهم وأسواقهم فتركوها في سبيل الله، وضحوا بجمالياتهم التي كانوا يحرصون عليها، فتجردوا من كل زينة ليبقوا أيامًا معدودات بلباس الإحرام المتواضع، الذي لا مباهاة فيه بين رجل وآخر، ولا مدعاة فيه لعجب أو رياء أو خيلاء، وتلك تربية للنفس على بذل كل شيء من أجل إرضاء خالقها تعالى ومحبته، ليس في الحج وحده، بل في سائر أيام العمر.
ومن أسراره ومنافعه تربية النفس على العفاف والأدب العالي، فإن الله تعالى يقول: ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، ما تفعلوا من خير يعلمه الله﴾، فإن من أراد أن يعمل بهذه الآية فعليه ألا يتدنى إلى الرفث، ولا يتدنس بالفسوق، ولا ينطق بالفحش، بل ولا يشغل نفسه بالجدل والنقاش الذي لا طائل وراءه، ولا ينظر نظرة مريبة، ومن يلزم نفسه بهذا كله في أيام الحج، فإن أثر ذلك سيبقى له بإذن الله بعده، ولو درسًا يتذكره كلما مالت به السبل، أو اشتط به الطريق. ثبتنا الله جميعا على صراطه المستقيم.
أخي المسلم.. إن الإنسان قيمته في عمله، وتزداد قيمته حينما يتعدى نفعه نفسه إلى الآخرين، حينئذ يكون حقلاً مثمرًا يقيل فيه الضاحون، وغيمة كريمة يغاث بها الملهوفون، ومنزلاً رحبًا يسكن إليه المحتاجون. تلك هي البركة التي وصف الله تعالى بها نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام حكاية على لسانه فقال: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ } [سورة مريم 19/31]﴾، وأنا اليوم أدعوك أن تبحث عن هذه البركة في حياتك، وأنت تستقبل ضيوف الرحمن، مارين في ديارك، أو وأنت معهم في الديار المقدسة، وكأني بك تقول لهم:
منزلنا رحب لمن زاره نخن سواء فيه والطارق
نعم أنت جزء من هذا البلد الغالي الذي يتشرف بخدمة الحجيج، والسهر على راحتهم، فلا تقل ليس في قدرتي أن أخدمهم بشيء فإن:
ومن عرف المحامد جدّ فيها وحنّ إلــــــــى المحامد باحتيــالــــــــــــــــــــه
ولم يستغلِ محمــدة بـــــمـــــــــــــــــال ولو أضحت تحيط بكل ماله
إن الذي ينبغي لك أن تخدم في المجال الذي تجيده، فإن كنت من أهل العلم، فلا تبخل على إخوانك بفتوى أو نصيحة أو إرشاد، ولا سيما حينما يستفتيك أو يستنصحك أو تراه يحتاج إلى علمك، فهو حينئذ واجب عليك أن تؤديه.
وإن كنت ترى أن لك في الدعوة راية وميدانًا، فانهض إليها غير هياب، فهي باب من أبواب النجاة لك ولقومك، وها هي ذي أبوابها مشرعة: الوعظ والخطابة، وإلقاء الدروس العلمية والمحاضرات، وتدبيج المصنفات والمقالات في المؤلفات والصحف والمجلات، وسائر وسائل الإعلام، وإن عجزت عن ذلك فلا أقل من المشاركة في توزيع الكتب والأشرطة والرسائل على الناس ضمن المؤسسات الرسمية المعنية بذلك وتحت إشرافها، فكأنك حاضرت وخطبت وكتبت ودعوت.
وإن كنت من أهل البر والمعروف فأسهم في إقامة المساجد والمبرات والمستوصفات، وتوزيع الأطعمة والأشربة على ضيوف الرحمن، أعن محتاجهم، وفرج عن مكروبهم، وأغث ملهوفهم، واحمل لمحتاجهم، وداو مرضاهم. فقد ذهب أهل الدثور بالأجور.
وإن كنت موظفًا في مصلحة عامة من مصالح الحجاج فاحتسب أجر نفعهم والسهر على راحتهم وإنهاء معاملاتهم، وإن كنت تأخذ على ذلك مرتبًا من الدولة أو من شركة أو نحو ذلك. وارع حق الله فيهم، وأبشر بالخير والأجر محتسبًا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)). [رواه الترمذي وقال: حديث حسنٌ غريبٌ]
واعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذلك: (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ )) [رواه مسلم].
فاتق الله في نفسك وفيما استرعاك الله عليه.
وإن كنت طبيبًا فإن المجال أمامك مفتوح أكثر من غيرك، فما أشد حاجة الحجاج إلى مجهودك، فأسهم بما أنعم الله عليك من العلم والعمل، كن واحدًا من بعثة طبية، أو فردًا في حملة وطنية، حاملاً حقيبتك وحبك للمسلمين، تخفف عن عليل، وترسم البسمة على ثغر صغير، وتكون سببًا في نشاط عابد لله تعالى في ميدان عبادته، فلعل الله أن يرفع بذلك درجتك.
وإن كنت صاحب حملة، فاتق الله في رعيتك، أكرم نزلهم، ووسع معيشتهم، وأحسن معاملتهم، وسهل أمر تنقلهم؛ واحذر دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.
أخي المسلم في أي موقع كنت فأنت على ثغرة من ثغرات الحج فالله الله أن تؤتى من قبلك، وأبشر بالذي يسرك:
فما خاب بين الله والناس عامل له في التقى أو في المحامد سوق
أثابك الله على كل عمل تقوم به من أجل خدمة إخوانك المسلمين على كل حال، وهنيئا لك دعواتهم الصادقة، تقبل الله من الجميع.
اللهم ضاعف لنا الحسنات، وقنا السيئات، وهب لنا من لدنك رحمة يا واسع الرحمات، ووفقنا في هذه الأيام الفضلى لكل خير وبر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة السابعة: الدعاء )
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد:
تضيق الحياة على الإنسان فيحس بحاجته إلى من يفرج كربته، ويقضي حاجته، فأما الغافل فيتلفت إلى بني البشر، يريق ماء وجهه عند هذا وذاك، يتلمس منهم شفقة ورحمة، وتعطفا ورقة، فإذا باب هذا مغلق دونه، وباب ذاك يفتح بمنة، وينسى من يدعوه فيقول: ﴿ ادعوني أستجب لكم ﴾،ويناديه ﴿فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ﴾.بل ينسى من يحب أن يدعوه ويسأله فـ(( من لم يَدْعُ اللهَ يغضًبْ عليه))؛ كما في الحديث.
لا تسألـنَّ بُــنِــيَّ آدم حَــاجــةً = وسلِ الــذي أبوابُه لا تُحجبُ
الله يَغضبُ إن تركتَ سُؤالَه = وإذا سَألـــــت بُـــنيَّ آدَمَ يغضبُ
أيها الحبيب: ( الدعاء ) عبادة جليلة، وسمة مثلى للعبودية، يستدعي به العبد من الله العناية، ويستمد المعونة، ويستجلب الرحمة، ويستدفع النقمة، ويظهر به الافتقار للعزيز الجبار، ويتذلل لمن بيديه مفاتح الفرج، متبرئًا من الحول والقوة إلا به.
وإني لأدعو الله والأمر ضيـق = عـلـي فما ينـفـ ك أن يتفــرجـــــــــا
ورب فتى سدت عليه وجوهه = أصاب له في دعوة الله مخرجا
وفي مثل هذه الأيام المباركة، الفاضلة المفضلة عند المولى عز وجل، ينبغي للمسلم أن يتعرض لرحمات الله تعالى، بالعبادة بكل أنواعها، ومن أفضلها الدعاء، بل صح عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ)) [رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح]. وقال كذلك: ((قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ )) [قال الترمذي: هذا حديث حسنٌ غريبٌ].
وما هذه المرتبة العالية، والمنزلة السامية - والله أعلم - إلا لأنه يجتمع فيه من أنواع التعبد ما لا يجتمع في غيره، فيستدعي حضور القلب والتوجه والقصد والرجاء والتوكل والرغبة فيما عنده، والرهبة من عذابه.
ويستدعي عبادة اللسان من اللهج بالتمجيد والتحميد والتقديس والطلب والابتهال والتضرع.
ويستدعي عبادة البدن بالانكسار، والاستكانة بين يدي الله تعالى والتذلل له، مستغيثًا به سبحانه دون سواه. ولهذا قال الله تعالى: ﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ } [ سورة الفرقان 25/77 ].
أخي الكريم:
والدعاء عبادة ميسورة، لا تتقيد بمكان ولا زمان ولا حال، فهي في الليل والنهار، والحل والتسفار، والبر والبحار، والعلن والإسرار، فالدعاء وأيم الله وظيفة العمر، يعيش بها المسلم كل حياته مع الله، مرددًا قول الخليل - صلى الله عليه وسلم - الذي حكاه بارئه تعالى بقوله: ﴿ وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا ﴾.
وكم من بلاء رد بسبب الدعاء، وكم بلية ومحنة رفعت بالدعاء، وكم مصيبة كشفها الله بالدعاء، وكم ذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء، وكم من رحمة ونعمة ظاهرة وباطنة استجلبت بسبب الدعاء من نصر وعز وتمكين، ورفع درجات في الدنيا والآخرة، فهو حرز للنفس من الشيطان، وترس لرد سهام البلاء.
فلله ما أعظم شأن الدعاء، وأجل فضل الله ونعمته على عباده به.
ولهذا كله كان من أهم الواجبات، وأعظم المفروضات.
يقول الله تعالى: ﴿ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين. ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين ﴾.
أيها المسلم الموفق للخير:
أحسن الظن بالله، ولا يمنعك معرفتك بذنوبك أن تدعو الله فالله كريم منان، وتخير أوقات الإجابة كساعة الإجابة يوم الجمعة، والثلث الأخير من الليل، والسفر، والكربة والشدة، وفي مثل هذه الأيام المباركات ولا سيما يوم عرفة، على ألا تنسى الله في حال رخائك، فمن عرف ربه في رخائه عرفه في شدته وبلائه.
إليـ ك المشتـكى لا منـ ك ربي = وأنت لنائبات الدهر حسبي
تــروي غـلــتــي وتــرم حالــــــــــــــي = وتؤمن روعتي وتزبل كربــــــــــــــــي
اللهم يا قاضي الحاجات أنت أعلم بكل حاجة لنا من أمر الدنيا والآخرة، فاقضها يا مولانا برحمتك يا أرحم الراحمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة الثامنة: غدا يوم عاشوراء )
الحمد لله الذي خلق الأزواج كلها فكانت من أجل مخلوقاته نفعا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له قدر كل شيء فأحسنه صنعًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله في البشرية جمعا، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحبه المجاهدين، وعلى آل كل إلى يوم الدين.
فإننا في غدنا مقبلون - بفضل من الله تعالى - على أفضل يوم من أيام العشر، بل هو أفضل أيام السنة، قال أبو هريرة رضي الله عنه في أثر عنه لا بأس بإسناده في قول الله تعالى: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [ سورة البروج 85/3 ]، قال: (( الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة )).
قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ ((مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ)) [رواه مسلم].
ومن عظم هذا اليوم أن جاء بعده يوم العيد الأكبر، بعد أداء الحجاج أعظم أركان الحج، فهو فرحة بإتمام ركن النسك الأعظم، كما أن عيد الفطر يأتي بعد إتمام ركن الصوم في شهر رمضان المبارك فرحة بذلك، وشكرًا لله تعالى وتعظيمًا لشعائره.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ الْعَاص -رضي الله عنه- ِ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي مَلائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا)) [رواه أحمد بإسناد لا بأس به].
وهو يوم الرحمة الإلهية، ففي الحديث الذي رواه مالك: ((مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلا أَدْحَرُ وَلا أَحْقَرُ وَلا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ؛ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلاَّ مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ !!))، قيل وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: ((أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلائِكَةَ)) أي يرتبهم ويسوي صفوفهم.
لـك الد ين يا رب الحجيج جمعتهم = لبيت طهو ر السـاح والــــعرصـا ت
أرى النا س أصنا فًا ومـــــن كــل بقعــــــــــــــة = إليـك ا نتهو ا من غـر بة وشتا ت
تسا و و ا فـلا الأ نسا ب فيها تفا و ت = لد يـك ولا الأ قد ار مخـتـلـفا ت
[ الشوقيات : 1/99 ]
سئل عن صومه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - فقال: (( أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده )) [رواه مسلم]، وقد كان السلف يحرصون على صومه أكثر من أي يوم من آخر، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (( ما من يوم من السنة صومه أحب إلي من يوم عرفة )).
قال البيهقي بعد إيراد قول أنس بن مالك - رضى الله عنه -: " كان يقال في أيام العشر كل يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف"، قال: يعني في الفضل. وهذه المضاعفة تختلف باختلاف الصائمين في الإخلاص، والتحفظ في الصوم، فكل من كان أشد تحفظًا وأكثر يقينًا كان صومه أكثر ثوابًا. [ فضائل الأوقات: 362 ].
ومما ينبغي معرفته أن استحباب صوم يوم عرفة إنما هو لغير الحاج، أما الحاج فلا يشرع لـه صومه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصم في عرفة، بل نهى عن ذلك فعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: (( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة بعرفات )) [صحيح على شرط البخاري].
ولهذا اليوم خصوصية في عبادة الذكر والدعاء ففي الموطأ عن طلحة بن عبيد مرسلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـ كَ لَهُ)) قال الألباني في الصحيحة: ((إسناد مرسل صحيح وقد وصله ابن عدي والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة - رضى الله عنه - مرفوعاً وزاد: ((له الملك وله الحمد، يحي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير)).
هنيئًا لوفود الرحمن وقوفهم عند جبل الرحمة مقبلين على الله، منيبين إليه، ونفوسهم تتطلع إلى مغفرة الله والفوز بجنته والعتق من النار.
طوبى للحاج الذي لا يغفل عن الذكر والشكر، والإلحاح بالدعاء والتلبية باكيًا على ما كان من الذنوب والآثام، سائلاً المولى العزيز العون على طاعته، رافعًا إلى مولاه كل حاجاته؛ ليستأنف بعد حجه حياة جديدة مليئة بالنور والخيرات.
وطوبى لمن شارك الحجاج يومهم هذا بصيامه، والإكثار من الذكر والدعاء، متعرضا لنفحات الله تعالى فيه، فإن الله جواد كريم، لا يرد من سأله خيرا.
أسأله تعالى أن يشملنا برحمته، وأن يتقبل من حجاج بيت الله كل قول وعمل أرادوا به وجهه، وأن يمن عليهم بإتمام حجهم في أمن وسلام، وأن يعيدهم إلى ديارهم بحج مبرور وسعي مشكور وعمل صالح متقبل مبرور إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
( الجلسة التاسعة: العيد وأيام التشريق )
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قدوة الصالحين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين.. أما بعد:
ففي يوم غد - إن شاء الله - يشرق على أمة الإسلام يوم عيد الأضحى المبارك، واليوم الثاني من أيام عيد الأضحى المبارك، وهو أول أيام التشريق وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، فلا يشرع صومها فعَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الزُّرَقِيِّ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ قَالَتْ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي اللَّه عَنْهم وَهُوَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْضَاءِ حِينَ وَقَفَ عَلَى شِعْبِ الأَنْصَارِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَيَّامِ صِيَامٍ إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ )) [رواه أحمد وإسناده حسن].
وهي الأيام المعدودات المقصودة في قول المولى عز وجل: ﴿ واذكروا الله في أيام معدودات ﴾ كما يقول ابن عباس رضي الله عنهما.
وفي هذا اليوم يؤدي الحاج عددًا من المناسك، مستكملاً عبادة الحج، من رمي وطواف ونحر وحلق، ومبيت بمنى، أعمال شتى تتوزع الحجيج في مواطن متفرقة، رحمة بهم ورفقا. ولله در الشاعر حين صور تلك المشاهد الجميلة المليئة بالحركة الدؤوب في قوله:
مـحـلـقين تهادوا في رحالهــــــــــــــــــــــــــــــــــم = من بطن مكة أفرادًا وأقرانــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
حلوا حقا ئبهم فيها مفرغـــــــــــــــــــــــــــــــــة = واستحقبوا من عطاء الله غفرانـــــــــــــــــــــا
من بعد ما طوفوا بالبيت واعتمروا = واستلموا منه أحجارًا وأركــــانـــــــــــــــــــــــــــــــــا
ورددوا السعي بين المروتـين تقــــــــــى = حينًا عجالاً وفوق الريث أحيــانــــــــــــــــــــا
وعقروا بمنى من بعد حلقــهـــــــــــــــــــــم = كوم المطي مسنات وثنيانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
واستمطروا بعراص الموقفين وقـــــــــــــد = غامت عليهم سماء الله رضوانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
أرض تراها طوال الدهر مقــفــــــــــــــرة = والحج ينبتها شيبًا وشبانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
مسبلين كأن البعث أعجلهـــــــــــــــم = فاستصحبوا من بطون الأرض أكفانا
لله در الليالي في منى سلفـــــــــــــت = فكم جميل بها الرحمن أولانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
وكان الصحابة وسلفهم يكثرون من التكبير في هذه الأيام في منى، وفي كل مكان، وخلف الصلوات خصوصاً، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز في لياليها مع الرجال في المسجد.
وهي تتمة ليوم العيد في القيام بأفضل عمل فيه وهو إنهار دم الأضاحي، فذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها؛ لأنها عبادة الوقت، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولأن من مقاصد الأضاحي إظهار شعائر الله، وإطعام المساكين، ولا سيما اللحم الذي يشتهيه المساكين سائر العام، ولكن يعسر على أكثرهم شراؤه، وفي بلدان كثيرة من أمة الإسلام من لا يذوق اللحم إلا نادرا، بل ربما لم يجدوا ما يسد جوعتهم، وهناك من الهيئات الإسلامية الموثوقة في بلادنا ولله الحمد من يقوم بالتوكل عن المضحي هناك فيذبح عنه ويطعم، وفي هذا مع أجر الإطعام أجر إظهار الشعيرة بينهم، وتأكيد انتمائهم لدينهم، وارتباطهم بإخوانهم المسلمين، وتحصين لهم من إرساليات الديانات الأخرى، التي تستغل فقرهم وحاجتهم، وهذه المشاركة ظاهرة النفع ولن تؤثر في الغالب على ظهور الشعيرة في بلدان المسلمين الغنية لكثرة الأضاحي فيها. على أني أخص من ليس لديه سوى أضحية واحدة بأن يذبحها في بلده، وأما من لديه أكثر من ذلك، فليجعل لإخوانه الفقراء في بلاد الله الأخرى نصيبا.
أخي المسلم..
وجدير بنا أن نقف - في ختام هذه الجلسات - مع أهم أسرار الحج، وهو أنه يربطنا بقدوتنا العظمى محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي قال: (( خذوا عني مناسككم ))، فالمسلم الذي راح يسأل ويتحرى أن يكون حجه كله وفق الهدي النبوي الكريم، يرجو ألا يحيد عنه، رجاء قبوله، ينبغي له كذلك أن يتأسى به في كل حياته، فالله تعالى يقول في محكم التنزيل: ﴿ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك لـه، وبذلـ ك أمرت وأنا أول المسلمين ﴾. إنها آية عظيمة تضع المسلم أمام حقيقة ربما غفل عنها في خضم الحياة، وهي أن حياة الإنسان كلها، بل ومماته يجب أن يكونا وفق نهجه وهديه كما هو شأن صلاته وعبادته المحضة، يتقفى في ذلك كله أثر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -، فلا يستعير منهجا لماله من جهة، ومنهجا لأسرته من جهة ثانية، ومنهجا لفكره من جهة ثالثة، ولا يدع لله إلا ركعات ربما لا يدري ماذا قال فيها، وصياما فقد حقيقته، وحجا جهل أسراره، فعاشه بجسده ولم يعشه بقلبه، فإن لا إله إلا الله منهج متكامل للحياة كلها بلا استثناء: يقول عمر أبو ريشة معتذرًا إلى الله بعد حجه:
أسأل النفس خاشعا: أترى
كم صلاة صليت لم يتجاوز
كم صيام عانيت جوعي فيه
كم رجمت الشيطان والقلب مني
رب عفوا إن عشت ديني ألـ
طهرت بردي من لوثة الأدران
قدس آياتها حدود لساني
ونسيت الجياع من إخواني
مرهق في حبائل الشيطان
ـــفاظا عجاف، ولم أعشه معاني
لعل تلك من أهم المنافع التي أشار إليها الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات﴾.
أخي المسلم.. في نهاية هذه الجلسات الإيمانية، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، كما أرجو ألا تنسى إخوانك المسلمين من دعوة صالحة في ظهر الغيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
خاتمة ودعوة
حمدا لك اللهم على التمام.. ثم أما بعد:
فإنها لفرصة ثمينة أن أتوجه إلى أهل الفضل والعلم والدعوة وأئمة المساجد والجوامع خصوصًا، وقد خلتهم اقتنوا هذا الكتاب المختصر من أجل أن يعينهم على واجبهم في توعية الناس، أن ينهضوا بواجبهم في استنهاض همم المسلمين لواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل ميدان، ولكن دون أن يغفلوا عن قول الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل 16/125].
فإنهم لم يعودوا وحدهم في موقع التأثير على الناس، بل - والله - إنهم لمزاحمون من كل فضائية وموقع ومجلة وصحيفة وإذاعة...، فليرفقوا حين يأمرون أو ينهون، فقد قيل: (( النفوس بيوت أصحابها فإذا طرقتموها فاطرقوها برفق )).
وإن التعنيف والتوبيخ لن يزيد الناس إلا بعدا عن الدعاة، فلا ننسى أن (( البشر مخلوقات عاطفية، تجذبهم الكلمة الطيبة، وينفرهم التوبيخ والتقريع )) [ د. عبد الكريم بكار ].
فلندخل إلى الناس من بوابة الابتسامة، ولنشجع فيهم الخير الكامن فيهم أكثر من تذكيرهم بما يقترفون من سوء وكأننا نؤكده لهم بطريقة غير مباشرة، لنقل لهم:
إنكم مؤمنون بالله تعالى فأطيعوه..
إنكم محبون لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوه..
إنكم تعشقون الأخلاق الفاضلة فتحلوا بها..
إنكم تحبون أن يحسن الناس إليكم فعاملوهم كما تتمنون أن يعاملوكم..
إنكم تحسون بمصائب إخوانكم في كل مكان فأعينوهم..
من هذه الطريق - وحدها - سوف تجد الناس يستمعون بقلوبهم إليك، لا بأسماعهم وحسب.
يقول أحد الحكماء: "من اتخذ الحكمة لجامًا.. اتخذه الناس إمامًا".
أعانني الله وإياك على هذه المهمة التي شرفت بأنها دعوة إلى خالق الأرض والسماء، وأن من كان يقوم بها هم الأنبياء والرسول والعلماء والدعاة المصلحون، فلنكن معهم إن لم نكن منهم.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا، وأصلحنا وأصلح ذرارينا، إنك سميع الدعاء.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محبكم / د. خالد بن سعود الحليبي
21/9/1424هـ
ص.ب/ 8876 الأحساء / 31982
EM.Khh40@yahoo