×
مقالة باللغة العربية؛ للدكتور: عبد الرحيم السلمي - أثابه الله - بين فيها حكم دعم الاحتفالات البدعية كالمولد النبوي لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم.

    حُكمُ دعْمِ الاحتِفالاتِ البْدِعيَّةِ

    كالمولدِ النَّبويِّ لنُصرةِ النَّبيِّ g

    د. عبد الرَّحيمِ السلمي

    الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، وبَعْدُ:

    فإنَّ نُصرةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أعظَمِ الأعمالِ الصَّالحةِ، وهي من مقتضى شهادةِ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، وهي دليلٌ على صِحَّةِ الإيمانِ، والبراءةِ مِن النِّفاقِ؛ يقولُ تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 8، 9]

    ومِن أعظَمِ نُصرةِ النَّبيِّ: طاعتُه، واتِّباعُ سُنَّتِه، والالتزامُ بهَدْيِه، والدِّفاعُ عن دينه.

    وإذا اعتدى أحدٌ على النَّبيِّ g بسَبٍّ أو شَتمٍ أو استهزاءٍ، فقد وقع في الكفر المخرج من الإسلامِ، ويجِبُ على كل مسلِمُ أن يشارك في الدِّفاعِ عنه حتى لو كان عنده بِدَعٌ أو فِسقٌ أو تقصيرٌ في إيمانِه؛ فهذا ممَّا يجتَمِعُ عليه المسلمون جميعًا بكُلِّ فئاتِهم، وهو مِثلُ جِهادِ الكُفَّارِ، والدِّفاعِ عن التوحيدِ، وتعظيمِ قَدْرِ الصَّلاةِ، وبقيَّةِ أركانِ الإسلامِ.

    ولا نقولُ: إنَّه لا يدافِعُ عن الرَّسولِ إلَّا من كان مُتَّبِعًا لسُنَّتِه، أو كان سَلَفيًّا من أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، بل كُلُّ مُسلمٍ حتى لو تبنَّى شيئًا من البِدَعِ فيَجِبُ أن يدافِعَ عنه، وأن تجتَمِعَ الأمَّةُ كُلُّها في الدِّفاعِ عنه؛ لأنَّ هذا من المحافظةِ على بَيضةِ الإسلامِ.

    ولكِنْ لا ينبغي أن ندعوَ إلى نُصرتِه بالبِدَعِ، بل ندعو إلى نُصرتِه بالسُّنَّةِ والوسائِلِ المشروعةِ.

    ونحنُ وإنْ كنَّا نعتَقِدُ بأنَّ الاحتفالَ بالمَولِدِ النَّبويِّ بِدعةٌ وضَلالةٌ إلَّا أنَّنا نَحُثُّ الذين يحتَفِلونَ بالمَولِدِ بأن يقوموا بواجِبِ النُّصرةِ والدِّفاعِ عن النَّبيِّ g، وبهذا يشارِكُ المسلمون في هذا الأصلِ العظيمِ حتى لو اختلفوا في بعضِ العقائِدِ، وقد جاهد المسلِمونَ المغولَ والصليبيِّينَ جَنبًا إلى جنبٍ، وهم فِرَقٌ متعَدِّدةٌ؛ منهم أهلُ السُّنَّةِ والاتِّباعِ، ومنهم أتباعُ العقائِدِ الضَّالَّةِ، كالأشاعِرةِ، والخوارجِ، والصُّوفيَّةِ، وغيرِهم؛ لأنَّ هذا من الحفاظِ على أصلِ الدِّينِ، ويَتِمُّ ذلك دون تهوينٍ مِن الفِرَقِ الضَّالَّةِ، والعقائِدِ المبتَدَعةِ.

    هذا في مقامِ المدافَعةِ والنُّصرةِ العامَّةِ لأصولِ الإسلامِ وشعائِرِه، ومنها نُصرةُ النَّبيِّ g.

    ولا ينبغي أن يُفهَمَ من ذلك مشاركةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ لأتباعِ الفِرَقِ الضَّالَّةِ في مشاريعَ مُشتَرَكةٍ للدَّعوةِ إلى الدِّينِ، أو تربيةِ الأُمَّةِ على العِلمِ والإيمانِ؛ لأنَّ الفارِقَ بين المنهاجِ السَّلَفيِّ والمِنهاجِ البِدْعيِّ: فارِقٌ عَقَديٌّ، وهو الفارِقُ بين السُّنَّةِ والبِدْعةِ؛ فلا يجوزُ تكوينُ مشاريعَ مُلَوَّثةٍ، وبرامِجَ مُختَلطةٍ بين السُّنَّةِ والبِدعةِ، بل الواجِبُ الاتِّباعُ المحْضُ، والسَّبيلُ الصَّافي لمنهجِ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ.

    وقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمْرُنا، فهو رَدٌّ) مُتَفَقٌ عليه. والعَمَلُ المردودُ ليس عملًا صالحًا ولا محمودًا.

    والفَرقُ بين مقامِ المدافَعةِ العامَّةِ، ومقامِ الدَّعوةِ والتربيةِ على العِلمِ والإيمانِ: فَرقٌ واضِحٌ يجمَعُ بين الاتِّباعِ المحْضِ للسُّنَّةِ، والمشاركةِ مع بَقِيَّةِ المسلمين في الدِّفاعِ عن الدِّينِ.

    وكما أنَّ الفاسِقَ نتعاونُ معه في الدِّفاعِ عن الدِّينِ، ولا نشارِكُ ولا ندعم برامجِه الفاسِقةِ بحُجَّةِ أنَّه مُسلِمٌ، فكذلك أهلُ البِدَعِ، ولا رَيبَ أنَّ أهلَ البِدَعِ أشَدُّ مِن أهلِ الفُسوقِ.

    وعليه: فلا يجوزُ المشاركةُ في حَملةِ المَوْلِدِ؛ لأنَّها مُؤَسَّسةٌ على أصلٍ فاسِدٍ، وهو بدعة المولد، ومن يريدُ نُصرةَ الرَّسولِ فيقومُ بها على أُصولٍ صحيحةٍ.

    وكذلك لا يجوزُ دَعْمُها؛ لأنَّ ذلك دَعْمٌ ومُسانَدةٌ للبِدَعِ، وإذا شارك أحدٌ مِن أهلِ السُنَّةِ مع بَعضِ المُبتَدِعةِ في نُصرةِ الرَّسولِ g، فيَجِبُ أن يكونَ ذلك في عَمَلٍ مَشروعٍ مُوافِقٍ للسُّنَّةِ، وهكذا الأمرُ في الدَّعمِ والتَّشجيعِ؛ فإنَّه لا يجوزُ دَعمُ وتَشجيعُ البِدعةِ.

    والخُلاصةُ: أنَّ الضَّابِطَ المعتَبَرَ هو الضَّابِطُ الشَّرعيُّ في العَمَلِ الذي يقومُ به الإنسانُ، وهو مُوافَقةُ السُّنَّةِ في عَمَلِه.

    ولا يَصِحُّ القَولُ بأنَّه إذا كانت نُصرةُ النَّبيِّ g فإنَّه هذا يُبيحُ كُلَّ عَمَلٍ يقومُ به المسلِمونَ، ولو كان مُبتَدَعًا، ولكِنْ يجِبُ أن يكونَ العَمَلُ صالحًا مُوافِقًا للسُّنَّةِ، ونُشَجِّعُ بقيَّةَ المسلمينَ على النُّصرةِ بالطُّرُقِ المشروعةِ، وليس مِن شَرْطِ النُّصرةِ ألَّا تكونَ إلَّا بعَمَلٍ مُبتدَعٍ؛ فوسائِلُ النُّصرةِ الموافِقةُ للسُّنَّةِ لا حَصْرَ لها.

    واللهُ أعلمُ.