×
الوحي المتبع لخطب الجمع: كتابٌ جمع بين طيَّاته مجموعةً كبيرةً من خُطب الجمعة في الموضوعات المتنوعة.

الوحي المتبع لخطب الجمع

تأليف

محمد بن أحمد العماري

عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية

بالمملكة العربية السعودية

موقع المؤلف على الإنترنت

http://www.alammary.net

البريد الإ كتروني

Alammary4@hotmail.com

الطبعة الأولى

جميع الحقوق لكل مسلم

خطبة الجمعة

الموضوع: العلم.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ العِلْمِ.

فاعلمْ بأنَّ العلمَ خيرُ ما سُعِي فيهِ وأولى مالَهُ العبدُ دُعِي

قَالَ تَعَالَى:{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: ١١٤]

لأنَّهُ لا يخشى اللهَ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: ٢٨].

ولا يَعْرِفُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦].

ولا يَحْفَظُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت: ٤٩ ].

ولا يَفْهَمُ ما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

قال تعالى:{ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٣]

ولا يَعْمَل ُبما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: ١٠٩ ].

ولايَتَعَلَمُ ما أنزلَ اللهُ ولا يُعَلِمُهُ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [ آل عمران: ٧٩]

ولايُسْأَلُ عمَّا أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[سورة النحل٤٣ ]

ولايفتي بما أنزلَ اللهُ إلا العلماء.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ rفَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِى بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«قُلْ».قَالَ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا([1]) عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ». قَالَ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬ فَرُجِمَتْ.رواه البخاري([2]) ومسلم([3])

فَهَلْ يستوي العلماءُ وغيرُ العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }[الزمر9]

سُئِلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم: عَنِ الْعِلْم ِ.

فَقَالَ: سَلْوَتي إِذَا حَزِنْتُ ، وَلَذَتي إِذَا سَلَوْتُ .

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاء: مَنْ تَفَرَّدَ بِالْعِلْم ِ لَمْ تُوْحِشْهُ خَلْوَةٌ , وَمَنْ تَسَلَّى بِالْكُتُبِ لَمْ تَفُتْهُ سَلْوَةٌ , وَمَنْ آنَسَهُ قِرَآةُ الْقُرْآن ؛لَمْ تُوْحِشْهُ مُفَارَقَةُ الإِخْوَان .

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لاَسَمِيْرَ كَالْعِلْم ِ،وَلاَظَهِيْرَ كَالْحِلْم ِ.

وَقَالَ الْشَافِعِي رَحِمَهُ اللهُ: يَصِفُ حَلاَوَةَ الْعِلْم ِ ، وَلَذَّةَ الْفَهْم ِ .

سَهَرِي لِتَنْقِيْح ِ الْعُلُوْم ِ أَلَذُّ لِي مِنْ وَصْل ِ غَانِيَةٍ ([4]) وَطِيْبِ عِنَاقِ

وَصَرِيْرُ أَقْلاَمِي عَلَى صَفَحَاتِهَا أَحْلَى مِنَ الْدَوْكَاءِ ([5]) وَالْعُشَّاقِ

وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الْفَتَاةِ لِدُفِّهَا نَقْرِي لأُلْقِي الْرَّمْلَ عَنْ أَوْرَاقِي

وَتَمَايُلِي طَرَبَاً لِحَلِّ عَوِيْصَةٍ فِي الْدَّرْسِ أَشْهَى مِنْ مُدَامَةِ ([6]) سَاقِي

وَ أَبِيْتُ سَهْرَانَ الْدُّجَى([7]) وَتَبِيتُهُ نَوْمَاً وَتَبْغِي بَعَدَ ذَاكَ لِحَاقِي

قَالَ الْمَاوَرْدِي رَحِمَهُ الله: الْعِلْمُ أَشْرَفُ مَا رَغَبَ فِيهِ الْرَاغِبُ،وَأَفْضَلُ مَا طَلَبَهُ الْطَالِبُ ، وَأَنْفَعُ مَا كَسَبَهُ الْكَاسِبُ.

وَقَاَلَ الْحَافِظُ الْحَكَمِيُّ رَحِمَهُ الله:

الْعِلْمُ أَشْرَفُ مَطْلُوْبٍ وَطاَلِبُهُ للهِ أَكْرَمُ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمِ

الْعِلْم ُ نُوْرٌ مُبِيْنٌ يَسْتَضِيءُ بِهِ أَهْلُ الْسَعَادَةِ وَالْجُهَّالُ فِي الْظُلَمِ

وَالْعِلْمُ: مَنْقَبَةٌ كَرِيْمَةٌ، وَمَفْخَرَةٌ عَظِيْمَةٌ .

قَاَلَ صَاحِبُ شَذَا الْعَرْفِ فِي فَنِ الْصَرْفِ:

الْفَخْرُ بِالْعِلْم ِ لاَبِالْجَاهِ وَالْمَالِ وَالْجِدُّ بِالْجِدِّ لاَبِالْجَدِّ وَالْخَالِ

كَمْ مِنْ مَلِيءٍ وَضِيءِ الْوَجْهِ تَحْسَبُهُ للعِلْم ِ خِلاً وَلَكِنْ فِكْرَهُ خَالِ

فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ أَسْبَابُ الْغُرُوْرِ وَمَنْ يَعْتَزُّ بِالأَهْلِ كَالْمُغْتَرِّ بِالآلِ

تِلْكَ الأُمُوْرُ سَحَابَاتٌ تُغَيُّرُهَا حَوَادِثُ الْدَّهْرِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالِ

وَلَكِنِ الْعِلْمُ لاَ يَنْفَكُ صَاحِبُهُ مُعَظَّمَ الْقَدْر ِ فِي حِلٍّ وَتِرْحَالِ

أُفُقَ الْسِّمَاكَيْنِ ([8]) بَلْ أَعْلاَهُ مَقْعَدُهُ فِي كُلِّ حَالٍ تَرَاهُ نَاعِمَ الْبَالِ

إِنْ عَاشَ عَاشَ أَجَلَّ الْنَّاسِ مَنْزِلَة ً أَوْ مَاتَ مَاتَ بِإِعْظَام ٍ وَإِجْلاَلِ

قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ رَحِمَهُ الله: لِبَنِيْهِ يَا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ ؛ فَإِنْ كُنْتُمْ سَادَةً فُقْتُمْ ، وَإِنْ كُنْتُمْ وَسَطَاً سُدْتُمْ،وَإِنْ كُنْتُمْ سَوْقَةً عِشْتُمْ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِي رَحِمَهُ الله: تَعَلَّم ِ الْعِلْمَ ؛ فَإِنَّهُ يُسَدِّدُكَ وَيُقَوِمُكَ صَغِيْرَا وَيُسَوِدُكَ وَيُقَدِّمُكَ كَبِيْرَا وَيُصْلِحُ زَيْفَكَ وَفَسَادَكَ ، وَيُرْغِمُ عَدَّوْكَ وَحُسَّادَكَ ، وَيُقَوِمُ عِوَجَكَ وَمِيْلَكَ ، وَيُصَحِحُ هِمَّتَكَ وَأَمَلَكَ .

قال تعالى:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]

فَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ بَصَيْر ؛ بَعْدَ أَنْ كَانَ ضَرِيْر. قال تعالى:{ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [ الرعد: ١٩]

وَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ حَيَّا ؛ بَعَدَ أَنْ كَانَ مَيْتَا. وَخَرَجَ إِلَى الْنُّوْرِ الْتَّام ؛ِ بَعْدَ أَنْ عَاشَ فِي

الْظَّلاَم ِ. قال تعالى:{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٢٢]

وَبِالْقِرَاءَةِ: أَصَبَحَ الإِنْسَانُ إِمَام ؛يَقَوْدُ الْنَّاسَ بِلاَ زِمَام . قال تعالى:{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: ٧٣]

قَالَ أَبُو إِسْحَاقِ الإلْبِيْرِي رَحِمَهُ الله:

أَبَا بَكْرٍ دَعَوْتُكَ لَوْ أَجَبْتَ إِلَى مَا فِيْهِ حَظُّكَ لَوْ عَقَلْتَ

إِلَى عِلْم ٍ تكُوْنُ بِهِ إِمَامَاً مُطَاعَاً إِنْ نَهَيْتَ وَإِنْ أَمَرْتَ

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فَالْعِلْمُ مَنْ ذَاقَ حَلْوَاهُ ؛لَمْ يَشْتَغِلْ بِسِوَاهُ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقِ الإلْبِيْرِي رَحِمَهُ الله:

فَلَو قَدْ ذُقْتَ مِنْ حَلْوَاهُ طَعْماً لآثَرْتَ الْتَّعَلُّمَ وَاجْتَهَدْتَ

وَلَمْ يَشْغَلْكَ عَنْهُ هَوَىً مُطَاعَاً وَ لاَ دُنْيَا بِزُخْرُفِهَا فُتِنْتَا

وَلاَ أَلْهَاكَ عَنْهُ أَنِيْقُ رَوْضٍ وَ لاَ خِدْرٌ ([9]) بِزِيْنَتِهَا كُلِفْتَا

قَالَ مُصْعَبُ بْنُ الْزُبَيْر: تَعَلَّم ِالْعِلْمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ مَالٌ كَانَ لَكَ مَالاً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ جَمَالٌ كَانَ لَكَ جَمَالاً.

وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ t : تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُمَهُ للهِ خَشْيَة , وَطَلَبَهُ عِبَادَة , وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيْحٌ , وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ , وَتَعْلِيْمَهُ لِمَنْ لاَ يَعْلَمُ صَدَقَةٌ , وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ. وَهْوَ الأَنِيْسُ فِي الْوَحْشَةِ , وَالْصَاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ , وَالُمَصَبِّرُ فِي الْسَرَاءِ وَالْضَرَاءِ , وَالْوَزِيْرُ عِنَدَ الأخِلاَءِ , وَمَنَارُ سَبِيْلِ الْجَنَّةِ. يَرْفَعُ الله ُ بِهِ أَقْوَامَاً فَيَكُوْنُوْنَ سَادَةً وَقَادَةً فِي الْخَيْرِ, يُقْتَدَى بِأَفْعَالِهِمْ , وَتُرْمَقُ آثَارُهُمْ , وَتَرْغَبُ الَمَلائِكَةُ في صُحْبَتِهِمْ , وَبِأَجْنِحَتِهِا تَمْسَحُهُمْ , وَكُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ لَهُمْ يَسْتَغْفِرُ حَتَى الْحِيْتَانُ فِي الْبَرِّ وَهَوَامُهُ وِسِبَاعُ الْبَرِ وَأَنْعَامُهُ ؛ لأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوْبِ مِنَ الْعَمَى , وَمَنَارُ الأَبْصَارِ مِنَ الْظُلَمِ بِهِ يَبْلَغُ الْعَبْدُ الْدَرَجَاتِ الْعُلْيَا فِي الْدُنْيَا وَالآخِرَةِ مُدَارَسَتُهُ تَعْدِلُ بِالْصِيَامِ , وَمُذَاكَرَتُهُ بِالْقِيَامِ , وَبِهِ تُوْصَلُ الأَرْحَامُ , وَيُعْرَفُ الْحَلاَلُ مِنَ الْحَرَامِ. يُلْهَمُهُ الْسُعَدَاءُ , وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِيَاء .

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56] اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاة


خطبة الجمعة

الموضوع: آدابُ المعلم والمتعلم.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ آدابِ المتعلمِ و المعلمِ

فمَنْ آداب المتعلم.

أولاً: الإخلاصُ لله. قَالَ تَعَالَى:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } [الزمر: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }[الزمر2]

وقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }[الزمر11]

و قَالَ تَعَالَى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي }[الزمر14]

فَمَنْ طلبَ العلمَ للدنيا أفسدَ حياتَه في الأخرى.

قَالَ تَعَالَى:{ مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ{15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{ [هود: ١٥ – ١٦]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا).رواه أبو داود([10]) وصححه الألباني([11])

ثانياً: الصدقُ في النيةِ والقولِ والعملِ.

قَالَ تَعَالَى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}[العنكبوت: ٣]

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُوْدٍ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ».رواه البخاري([12]) ومسلم([13])

ثالثاً: أَنْ يَسْأَلَ اللهَ الهداية .

عَنْ أَبِى ذَرٍّ t:عَنِ النَّبِىِّ rفِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ « يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ).رواه مسلم([14])

رابعاً: التقوى.

قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [البقرة: ٢٨٢ ]

خامساً: اختيارُ معلمٍ يعلمُهُ الكتابَ والسُنَّةَ .

قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران: ١٦٤]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ tقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)رواه البخاري([15]) ومسلم([16])

فالكتابُ يحتاجُ لمعلمٍ لِيُعْرَفَ الصوابُ لأَن َّكلامَ اللهِ وكلامَ رسولِهr فيهِ المجملُ والمُبَيَّنُ والعامُ والخاصُ والمطلقُ والمقيدُ والناسخُ والمنسوخُ وهذا كلُّهُ يحتاجُ إلى معلمٍ لِيُصِيْبَ المتعلمُ.

وقد قيل: مَنْ كانَ شَيْخَهُ كتابُهُ كانَ خطاؤُه أكثرَمِنْ صوابِه.

والنبيُّ ﷺ‬ أخذَ عَنْ جبريلَ الكتابَ وعنِ النبيِّ rأخذَ الأصحاب. قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{192} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{193} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: ١٩٥]

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِt أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ قَالَ « فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ».رواه مسلم([17])

ويشترط في المعلم أن يكون ربانياً. قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: ٧٩]

وللرباني علامتانِ الأولى: تعليمُ الكتابِ والسُنَّةِ {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ }

والثانية:تعلمُ الكتابِ والسُنَّة{وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

فالرباني هو مَنْ يُعَلِّمُ كتابَ الربِ ويدرسُهُ. {وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

ومما أُنْشِد:

مَنْ يأخذْ العلمَ عَنْ شيخٍ مشافهةً فهوعنِ الزيغِ والتصحيفِ في حرمِ

ومَنْ يأخذْ العلمَ مِنْ كُتْبٍ ليدْرُسَها فعلمُهُ عندَ أهلِ العلم ِكالعدمِ

سادساً: توقيرُ المعلم.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هَلْ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ الزمر: ٩]

قالَ عليُ بنُ أبي طالبٍ t:مِنْ حَقِ العالمِ عليكَ إذا أَتَيْتَهُ أَنْ تُسَلِّمَ عليهِ خاصةً وعلى النَّاسِ عامةً وأْنْ تجلسَ أَمَامَهُ ولا تُشِرْ بيدِك ولا تغمزْ بعينِك ولا تقلْ قالَ فلانٌ خلافَ قولِكَ ولا تأخذْ بثوبِهِ ولا تلحَّ عليهِ في السؤالِ فإنَّما هو بمنزلةِ النخلةِ المرطبةِ التي لا يزالُ ينزلُ عليكَ منها شيءٌ.

ومما أنشد:

ليسَ الذي تكرمُهُ لغيرِهِ مثلَ الذي تكرمُهُ لنفسِهِ

وقالَ موسى للخضرِ عليهما السلام.{سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف: ٦٩] وهذه غايةٌ في التوقير ونهايةٌ في التقدير.

والعالمُ ينصحُ ما وقِّرْ ويمسكُ ما حُقِّر.

إِنَّ المعلمَ والطبيبَ كلاهُمَا لاينصحانِ إذا هُمَا لمْ يُكْرَمَا

فاصبرْ لدائك إِنْ أهنتَ طبيبَه واصبرْ لجهلِك إنْ جفوتَ معلما

قلتُ: وليحذرِ الطالبُ مِنَ الجرأةِ على شيخِه والنفرةِ مِنْ تبكيتِه لأنْ مَنْ ذلَّ غنمَ ومَنْ عزَّ حُرِمَ.

قالَ بنُ عباسٍ t: ذللتُ طالباً وعززتُ مطلوباً.

وقالَ بعضُ الحكماء: مَنْ لمْ يحتملْ ذلَّ التعلم بقيَ بالجهلِ معلم.

ومما أنشد:

ومَنْ لمْ يذقْ مُرَّ التعلمِ ساعةً تجرعَّ ذلَّ الجهلِ طولَ حياتِهِ

سابعاً: تركُ الغلو في المعلم.

قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }[المائدة: ٧٧ ]

و عَنْ عُمَرَ بنِ الخطابِ t قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬( يَقُولُ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ).رواه البخاري([18])

ثامناً: التدرجُ في التعلم.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rلِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ ).رواه البخاري([19]) ومسلم([20])

فالتدرجُ في العلمٍ مِنْ أولِهِ يُوْصِلُ إلى آخِرِهِ والتدرجُ بالصغيرِ يوصلُ إلى الكبير.

وقد قيل:

ترقَّ إلى صغيرِ الأمرِ حتى يرقيك الصغيرُ إلى الكبيرِ

فتعرفَّ بالتفكرِ في صغيرٍ كبيراً بعدَ معرفةِ الصغير

وقالَ الماوردي رحمَهُ اللهُ: أوائلُ العلمِ تؤدي إلى أواخرِهِ ومداخلُهُ إلى حقائقِهِ ومفاتِحُهُ إلى خواتِمِهِ لأَنَّ البناءَ مِنْ غيرِ أساسٍ لا يبنى والثمرَ مِنْ غيرِ غرسٍ لا يحنى.

تاسعاً: العنايةُ مِنَ العلومِ بأولاهَا لأنَّهُ لا حدَّ لمنتهاها.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: ٨٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [ يوسف: ٧٦]

وقالَ الماوردي رحمه الله: العلوم ُكلُّهَا شريفةٌ ولكلِّ علمٍ منها فضيلةٌ والإحاطةُ بجميعِها محال.

وقيلَ لبعضِ الحكماء: مَنْ يعرفُ كلَّ العلومِ قالَ كلُّ النَّاسِ.

وقالَ الشعبي رحمه الله: العلمُ ثلاثةُ أشبارٍ فمَنْ نالَ منهُ شبراً شمخَ بأنفِهِ .

ومَنْ نالَ الشبرَ الثاني صُغِّرَتْ إليهِ نفسُه وعَلِمَ أنَّهُ لمْ ينلْهُ وأمَّا الشبرُ الثالثُ فهيهاتَ لا ينالُهُ أحدٌ أبداً. وقالَ الشافعي رحمه الله:

كلمَّا أدبني الدهرُ أراني نقصَ عقلي وإذا ماازدتُ علماً زادني علمي بجهلي

وقالَ المأمون : العلمُ لايُدركُ غورُه ولايُسبرُ قعرُه ولا تُبلغُ غايتُهُ ولا تُستقصى أصولُه ولا تَنضَّبُ أجزاؤه وإذا كان َكذلك فابدأْ بالأهمِ في الأهمِ والأوكدِ في الأوكدِ وبالفرضِ قبلَ النفلِ يكنْ ذلكَ عدلاً قصداً ومذهباً جميلاً.

وقد قيل:

وإذا طلبتَ العلمَ فاعلمْ أنَّه حملٌ فأبصرأيَّ شيءٍ تَحملُ

وإذا علمتَ بأنَّه متفاضلٌ فاشغلْ فؤادَكَ بالذي هوأفضلُ

وقالَ بعضُ العلماء: المتعمقُ في العلمِ كالسابحِ في البحرِ لا يرى أرضا ولا يعرفُ طولاً ولا عرضاً.

وقيلَ لحمادِ الراوية: أما تشبعُ مِنْ هذِهِ العلومِ فقالَ استفرغنا فيها المجهودَ فلمْ نبلغْ فيها

المحدودَ فنحنُ كما قالَ الشاعر. ذا قطعنا علماً بدا علم

وإذا كانتْ الإحاطةُ بالعلمِ محالَه فعلى طالبِ العلمِ أنْ لا يرهقَ حالَه.

قالَ بنُ عباسٍ:t كفاكَ مِنْ علمِ الدينِ مالا يسعُ المسلمَ جهلُه وكفاكَ مِنْ علمِ الأدبِ أَنْ ترويَ الشاهدَ والمثل.

وقالَ الشافعي رحمه الله: مَنْ تعلمَ القرآنَ عظمتْ قيمتُه ومَنْ تعلمَ الحديثَ قويتْ حجتُه ومَنْ تعلمَ الفقْهَ نَبُلَ مقدارُه ومَنْ تعلمَ الحسابَ جَزُلَ([21]) ومَنْ تعلمَ اللغةَ رقَ طبعُه.

وقالَ بنُ قتيبةَ رحمه الله: مَنْ أرادَ أنْ يكونَ عالماً فليطلبْ فناً واحداً ومَنْ أرادَ أنْ يكونَ أديباً فليتفننْ في العلوم.

وقد قيل

إحرصْ على كلِّ علمٍ تبلغُ الأملَ ولاتواصلْ لعلمٍ واحدٍ كسلا

فالنحلُ لمارعتْ مِنْ كلِ فاكهةٍ أبدتْ لنا الجوهرينِ الشمعَ والعسلا

الشمعُ بالليلِ نورٌ يستضاءُ بِهِ والشَهْدُ يبري بإذنِ الباريءِ العللا

وقالَ يحي بنُ خالد: لابنِهِ عليكَ بكلِّ نوعٍ مِنَ العلمِ فخذْ منهُ فإنَّ المرءَ عدو ما جهل وأنا أكرَهُ أنْ تكونَ عدوَ شيءٍ مِنَ العلم.

وأنشد:

تفننْ وخذْ مِنْ كلِّ علمٍ فإنما يفوقُ امرؤٌ في كلِّ فنٍ لَه علمُ

فأنتَ عدوٌ للذي أنتَ جاهلٌ بِهِ ولعلمٍ أنتَ تتقنُه ُسِلْمُ

عاشراً: كتابةُ ما يتعلم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ rأُرِيدُ حِفْظَهُ ».رواه أبوداود([22]) وغيره وصححه الألباني([23])

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ tقَالَ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ rأَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ)رواه البخاري([24])

وقالَ بعضُ البلغاء: إنَّ هذِهِ الأدابَ نوافر تندُّ عَنْ عقلِ الأذهانِ فاجعلوا الكتبَ لها حماه والأقلامَ لها رعاه. وقالَ آخر:

أيها الطالبُ علماً إتِ حمادَ بنَ زيد

واقتبسْ علماًوحلماً ثمَّ قيدْهُ بقيد

وقالَ بعضُ الأدباء: لولا ماعقدتْهُ الكتبُ مِنْ تجاربِ الأولين لا انحلَّ مَعَ النسيانِ عقودُ الآخرين.

وقالَ الخليلُ بنُ أحمد: اجعلْ ما في الكتبِ رأسَ المالِ ومافي القلبِ النفقة.

أحدَ عشرَ: حفظُ ما يتعلم.

قَالَ تَعَالَى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: ٤٩]

وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍt قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ « نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ ».رواه أبو داود([25]) وصححه الألباني([26])

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ rبِشِبَعِ بَطْنِهِ وَيَحْضُرُ مَا لَا يَحْضُرُونَ وَيَحْفَظُ مَا لَا يَحْفَظُونَ). رواه البخاري([27])

وقالَ الرحبي رحمه الله: فاحفظْ فكلُّ حافظٍ إمامُ.

وقالَ الشافعي رحمه الله:

علمي معي أينما يممتُ يتبعني قلبي وعاءٌ له لابطنَ صندوقِ

إنْ كنتُ في البيتِ كانَ العلمُ فيهِ معي أوكنتُ في السوقِ كانَ العلمُ في السوقِ

إِثنا عشرَ:فهمُ ما يتعلم.

قَالَ تَعَالَى:{فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}[النساء: ٧٨ ]

وعَنِ ْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ tقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّﷺ‬ يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ ».رواه البخاري([28]) ومسلم([29])

وقالَ أبو العتاهية:

إذا لمْ يكنْ لكَ حسنُ فهمٍ أسأتَ إجابةً وأسأتَ سمعا

ثلاثةَ عشرَ: مراجعةُ ما تعلم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [ طه: ١١٤]

وقالَ بنُ عباسt: مذاكرةُ ساعةٍ خيرٌ مِنْ قيامِ ليلةٍ.

وقالَ معاذُ بنُ جبلٍt: مدارسةُ العلمِ تُعْدَلُ بالصيامِ ومذاكرتُهُ بالقيامِ.

وقد قيل:

إذا لمْ يذكرْطالبُ العلمِ علمَهُ ولمْ يستفدْ علماً نسي ماتعلما

وكمْ جامعٍ للكتْبِ في كلٍّ مذهبٍ يزيدُ معَ الأيامِ في جمعِهِ عمي

أربعةَ عشرَ: العملُ بما تعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ } [ التوبة: ١٠٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107}وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108}وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء: ١٠٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: ٧٩]

خمسةَ عشرَ: تعليمُ ما يتعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ١٨٧]

وعنْ أبي أمامةَ الباهليt قالَ:«ذُكِرَ للنبيِّ ﷺ‬رجلانِ : أحدُهما عابدٌ ، والآخرُ عالمٌ ، فقالَ : فضلُ العَالِم على العَابِدِ كَفَضْلِي على أدْناكم ، ثم قال النبيُّ ﷺ‬: إنَّ الله وملائِكَتَه وأهْلَ السَّمواتِ والأرضِ - حتى النَّملةَ في جُحْرِها ، والحيتان في البَحْرِ - لَيُصَلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ»رواه الترمذي([30]) وصححه الألباني([31])

وقالَ الحكماءُ: تعلمْ ما تجهل وعلمْ مَنْ يجهلْ فإذا فعلتَ ذلكَ علمتَ ماجهلتَ وحفظتَ ما علمتَ.

دخلَ رجلٌ على عبدِ الملكِ بنِ مروان. فكانَ لا يسألُهُ عَنْ شيءٍ إلا أفادَهُ منهُ علما .

قالَ أنَّى لكَ هذا قالَ يا أميرَ المؤمنينَ لمْ أمنعْ قطُّ شيئاً أفيدُه ولمْ أحتقرْ شيئاً أستفيدُه وكنتُ إذا لقيتُ الرجلَ أخذت منه وأعطيته.

وقالَ الخليلُ بنُ أحمدَ: اجعلْ تعليمَكَ دراسةً لعلمِك واجعلْ مناظرةَ المتعلمِ تنبيهاً على ما ليسَ عندَك.

ستةَ عشرَ: الصبرُ على التعلم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: ٧]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]

اخلقْ بذي الصبرِ أنْ يحظى ببغيتِهِ ومدمنِ القرعِ للأبوابِ أنْ يلجا

وقالَ ميمونُ بنُ مهران: ما نالَ عبدٌ شيئاً مِنَ الخيرِ نبيٌ ولا غيرُه إلا بالصبر.

وأنشدَ المنتصرُ بنُ بلال:

وإنْ عَسُرَتْ يوماً على المرءِ حاجةٌ وضاقتْ عليه ِكانَ مفتاحَهَا الصبرُ

ومَنْ صبرَ على التعلم حازَ منزلةَ المعلم.

صبرتُ ومَنْ يصبرْ يجدْ غبَّ صبرِهِ ألذَّ وأحلى مِنْ جنى النحلِ في الفمِ

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فللمعلم آداب إذا تأدب بها أقبل عليه المتعلم وأحبه ولازمه وأخذ عنه وكان في ميزان حسناته يوم القيامة.

أولاً: الإخلاصُ لله.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. ».رواه مسلم([32])

ثانياً: اللينُ لمَنْ يُعَلِم.

قَالَ تَعَالَى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران: ١٥٩]

ثالثاً: الرفقُ بمَنْ يُعَلِم.

عَنْ عَائِشَةَ ~قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ rفَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rمَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rقَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ)رواه البخاري([33]) ومسلم(3)

وَعَنْ عَائِشَةَ ~:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)رواه مسلم([34])

وعَنْ عَائِشَةَ ~: أنَّ النَّبِيَّ rقَالَ إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ)رواه مسلم([35])

وقد قيل:

لو سارَ ألفُ مدججٍ في حاجةٍ لمْ يقضِهَا إلا الذي يترفقُ

رابعاً: الحلمُ على مَنْ يُعَلِم.

عَنْ عَائِشَةَ~ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ rشَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)رواه مسلم([36])

و عَنْ أَنَسٍ tقَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ rعَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ)رواه البخاري([37])

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍt قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ rفَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ rبِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ).رواه البخاري([38])

وعَنْ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنِ الْخُزَاعِيt: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rرَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ).رواه البخاري([39])

خامساً: العفو عمَنْ يُعَلِم.

قَالَ تَعَالَى:{ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]

سادساً: الصبرُ على أذى مَنْ يُعَلِم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } [ المزمل: ١٠]

سابعاً: إكرامُ مَنْ يُعَلِم.

عَنْ عَبَّاسٍ tقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ‬ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَكَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ).رواه البخاري([40])

وَعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: مَا سئِلَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ‬ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ)رواه مسلم([41])

وعَنْ أَنَسٍ t : أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ)رواه مسلم([42])

وفي لفظ عَنْ أَنَسٍtأَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ‬( غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَ اللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ).

فَقَالَ أَنَسٌt إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا)رواه مسلم([43])

وعَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِائَةً مِنْ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً قَالَ صَفْوَانَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ rمَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ)رواه مسلم([44])

وشرى جملَ جابرٍtفأعطاه الجملَ والثمن. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ t أَنَّ النَّبِىَّ rقَالَ: (اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ) رواه البخاري([45])

وَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍt:أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ rوَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ rفَقَالَ أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا)رواه البخاري([46])

وما كانَ إلا مالَ مَنْ قَلَّ مالُه ُ وذخراً لمَنْ أمسى وليسَ له ذخرُ

وما كانَ يدري مجتدي جودَ كفِهِ إذا ما استهلتْ أنَّهُ خُلِقَ العسرُ

ثامناً: بذلُ النصيحةِ لمَنْ يُعَلِم.

عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ tقَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ).رواه البخاري([47])

وقبولُ النصيحةِ مِنَ المتعلم.

عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِى أَنَّ النَّبِىَّ rقَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».رواه مسلم([48])

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع:أسئلة الإمتحان لكل إنسان

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ الأسئلةِ التي سَوْفَ نُسْأَلُ عنها جميعاً بعدَ الموتِ

فما منا من أحد مسلم أوكافر ذكر أو أنثى يموت ثم يدفن في قبره إلا وتعاد روحه في جسده بعد دفنه مباشرة ويأتيه ملكان في قبره فيجلسانه ويسألانه أربعة أسئلة.

السؤال الأول: من ربك فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ

السؤال الثاني:مادينك فَيَقُولاَنِ لَهُ مَادِينُكَ

السؤال الثالث: من نبيك فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

السؤال الرابع: من أين أخذت الإجابة فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟.

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّ rذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ في قَبْرِهِ قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ . فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟

فَيَقُولُ رَبِّيَ اللهُ "

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَادِينُكَ؟

فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ"

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ

فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬"فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ

وَصَدَّقْتُ. رواه أحمد([49])وأبو داود([50])وصححه الألباني([51])

فإذا أجابَ على الأسئلةِ أمرَ اللهُ بأعلانِ نتيجةِ نجاحِهِ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي

وأمرَ له بستِ جوائزَ تُسَلَمُ له في قبرِهِ.

الجائزةُ الأولى: فراشٌ مِنَ الجنَّةِ.

الجائزة الثانية: لِبَاسٌ مِنَ الجنَّةِ.

الجائزة الثالثة: فتحُ بابٍ مِنْ قبرِهِ على الجنَّةِ يأتيهِ منهُ ريحُ الجنَّةِ وطيبُها ويَرَى منه أهلَهُ ومالَهُ في الجنَّة.

الجائزةُ الرابعة:بشارتُهُ بالجنَّةِ وهو في قبرِهِ.

الجائزةُ الخامسة: توسعةُ قبرِهِ مدَّ بصرِهِ.

الجائزةُ السادسة: إنارةُ قبرِهِ له.

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬

قَالَ: فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ

فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي

فَافْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ.

وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا. وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ . قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ فَيَقُولُ: لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ. فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي )رواه أحمد([52])وأبو داود([53])وصححه الألباني([54])

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t:أَنَّ رَسُولَ اللهِrقَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِم أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ‬ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ) رواه البخاري([55])

وَعَنْ أَبِي هريرةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ:( إذا قُبِرَ المَيِّتُ أتاهُ مَلَكانِ أسْوَدَانِ أزْرَقانِ يُقالُ لأحَدِهِما المُنْكَرُ وَلِلآخَرِ النَّكِيرُ فَيَقُولانِ ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ فَيَقُولُ ما كانَ يَقولُ هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ الله وأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ تَقُولُ ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِراعاً في سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ ثُمَّ يُقالُ نَمْ فَيَقُولُ أرْجِع إلى أهْلِي فأُخْبِرُهُمْ فَيَقُولانِ نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الذِي لا يُوقِظُهُ إلاّأحَبُّ أهْلِهِ إليهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ )رواه الترمذي([56])

وإنْ لمْ يجبْ على الأسئلةِ أمرَ اللهُ بأعلانِ نتيجةِ رسوبِه فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ

وأمرَ لَه بأربعٍ وما أدراكَ ما الأربع.

الأولى: لباسٌ مِنَ النَّارِ.

الثانية: فتحُ بابٍ مِنْ قبرِهِ على النَّارِ يأتيهِ منهُ حرُّ النَّارِ وسمومُها.

الثالثة: تضييقُ قبرِهِ عليهِ

الرابعة: بشارتُهُ بالنَّارِ وهو في قبرِهِ.

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّ rذَكَرَ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا دُفِنَ في قَبْرِهِ قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ . فَيَقُولاَ نِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي. فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ. وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ).رواه أحمد([57]) وأبو داود([58]) وصححه الألباني([59])

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t:أَنَّ رَسُولَ اللهِrقَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ‬ فأَمَّا

الْمُنَافِقُ,وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ).رواه البخاري([60])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عبادَ الله مَنْ قر أَ كتابَ اللهِ عرفَ صحةَ الإجابةِ التي تُؤْخَذُ مِنَ الكتابِ والسنَّةِ عَنِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. قَالَ تَعَالَى:{ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: ٣٨]

وقَالَ تَعَالَى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [سورة طه: ١٢٣ ]

وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ: فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي).رواه أحمد([61])وأبوداود([62])وصححه الألباني([63])

ومَنْ قَرَأَ كتابَ اللهِ عَرَفَ خَطَأَ كُلِّ إجابةٍ أُخِذَ تْ مِنْ غيرِ الكتابِ والسُنَّة .

فَمَنْ أَخَذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنْ أقوالِ النَّاسِ أَخْطَأَ في الإِجَابَة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t:أَنَّ رَسُولَ اللهِrقَالَ: (فأَمَّا الْمُنَافِقُ ,وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ).رواه البخاري([64])

وَمَنْ أَخَذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنْ وحي الشيطانِ أَضَلَهُ عَنِ الإِجَابَةِ. قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } [ الحج: ٣ –٤]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } [البقرة101-102]

وَمَنْ أَخَذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ العقلِ المتبعِ لغيرِالكتابِ والسُنَّةِ أَضَلَهُ عَنِ الإِجَابَة.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [ الحج: ٨ – ٩]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِه مِنَ الهوى أَضَلَهُ عَنِ الإِجَابَةِ. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص: ٢٦ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: ١١٩]

وقَالَ تَعَالَى:{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ القصص: ٥٠]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الرأي أضلَه عَنِ الإِجَابِة. قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[سورة النجم: ٢٣]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس: ٣٦]

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍوtقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري([65])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنْ أ قوالِ وأفعالِ وسيرِ فسقةِ العلماءِ والعبادِ أَخْطَأَ في الإِجَابِة.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ }[المائدة: ٤٩]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}[المائدة77]

و قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ }[سورة التوبة: ٣٤]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنْ مجردِّ أقوالِ وأفعالِ وسيرِ الصالحينَ مِنَ العلماءِ والعبادِ أَخْطَأَ في الإجابةِ لعدمِ عصمَتِهِم . قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة: ٣١ ]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ ».رواه البخاري([66]) ومسلم([67])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ السادةِ والكبراء أضلوه عَنِ الإجابة. قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[الأحزاب: ٦٦ – ٦٨]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الآباء أضلوه عَنِ الإجابة. قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}[ المائدة: ١٠٤]

و قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[الأعراف28]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مما عليهِ أكثرُ النَّاسِ أضلوه عَنِ الإجابة. قَالَ تَعَالَى:{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}[ الأنعام: ١١٦]

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t:أَنَّ رَسُولَ اللهِrقَالَ: (فأَمَّا الْمُنَافِقُ ,وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ).رواه البخاري([68])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مما عليه أكثرُ المسلمينَ أضلوه عَنِ الإجابة.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}[ يوسف: ١٠٦]

وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَt قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ «إِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ »رواه أبو داود([69])حديث حسن لغيره.

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ رأي المتقدمينَ لامِنْ روايتِهِم عَنِ اللهِ ورسولِهِ أَخْطَأَ في الإجابة.

قَالَ تَعَالَى:{ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ}[المؤمنون: ٨١]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ}[ المؤمنون: ٦٨]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ رأي المتأخرينَ لامِنْ روايتِهِم عَنِ اللهِ ورسولِهِ أخطأَ في الإجابة.

قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ }[المائدة49]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }[المائدة77]

وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ ».رواه البخاري([70]) ومسلم([71])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مماعليه الطوائفُ والأحزابُ أخطأَ في الإجابة.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }[الأنعام159]

فالأحزابُ لايؤمنون إلا بما عندَ الحزب. قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: ٩١]

ويدعونَ أتباعَهُم إلى عدمِ الإيمانِ بماليسَ في كتبِ الحزبِ وإنْ كانَ حقاً بقولهم. { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ} [ آل عمران: ٧٣]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ ».رواه البخاري([72]) ومسلم([73])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الأولياءِ و مشائخِ الطرقِ ضل. قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }[الأعراف3]

ومَنْ طلبَ كشفَ الغيبِ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ عَنْ طريقِ الخلوةِ و الرياضةِ والمجاهدةِ ضلَّ عَنِ الإجابةِ لأنَّ الغيبَ لايُكْشَفُ بغيرِ النًّبُوةِ والرسالة . قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٧٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٦ – ٢٧]

و قَالَ تَعَالَى:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }[الأنعام: ٥٠]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الحسِّ المخالفِ للكتابِ والسنةِ كسمعت ُورأيتُ أضله عَنِ الإجابةِ لعدمِ عصمةِ السمعِ والبصر . قَالَ تَعَالَى:{وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }[الأعراف198]

و قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }[الأنفال21]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الذوقِ أضلَه عَنِ الإجابةِ لعدمِ عصمتِهِ.قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [محمد: ١٤]

و قَالَ تَعَالَى:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ }[العنكبوت: ٣٨]

و قَالَ تَعَالَى:{ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[ النحل: ٦٣ ]

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الحماسِ ضل. قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [المائدة: ٨٧]

وَعَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ tقَالَ:جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ rيَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ rفَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ rقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ rإِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)رواه البخاري([74])

ومَنْ أخذَ معرفةَ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ مِنَ الغيرةِ ضل. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ tقَالَ :كَانَتِ امْرَأَةٌ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَم ِ الْسُّوْءَ فَقَالَ الْنَّبِيُّ :ﷺ‬( لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ). رَوَاهُ الْبُخَارِي([75])

فلمْ يبقَ للإجابةِ الصحيحةِ طريقٌ أو سبيلٌ سوى طريقِ أو سبيلِ الكتابِ والسنةِ لاغير.قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[الأنعام153]

وفي الحديثِ. { مَنْ رَبُّكَ؟ رَبِّيَ اللهُ " وَمَا عِلْمُكَ؟ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ}

{ مَادِينُكَ؟ دِينِيَ الْإِسْلَامُ" وَمَا عِلْمُكَ؟ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ}

{ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬" وَمَا عِلْمُكَ؟ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ}

ألاوصلوا على مَنْ أمرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع:تَعَرَّفْ عَلَى رَبِّكَ.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ التَّعَرُّفِ عَلَى رَبِّنَا لأَنَّهُ مَامِنَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوْتُ ثُمَّ يُدْفَنُ في قَبْرِهِ إِلا وتُعَادُ رُوْحُهُ في جَسَدِهِ وَيَأْتِيْهِ مَلَكَانِ فيجلسانِهِ ويسألانِهِ عَنْ رَبِّهِ.

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ ذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ فِي قَبْرهِ.

فَقَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ .

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟

فَيَقُولُ رَبِّيَ اللهُ "

فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي) رواه أحمد([76]) وأبو داود([77]) وغيرهماحديث صحيح.

فَمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ اللهَ

أولاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ رَبَّهُ الله.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ }[الأنعام164]

وقَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ٥٤]

ثانياً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ للهِ أَسْمَاءً مجملةً ومفصلةً .

المجملةُ. قَالَ تَعَالَى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[ الأعراف: ١٨٠]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري([78])

ولمسلم([79]) « مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ.

المفصلةُ. قَالَ تَعَالَى:{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[ الحديد: ٣]

و قَالَ تَعَالَى:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{22} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[الحشر: ٢٢ - ٢٤]

والآياتُ والآحاديثُ في البابِ كثيرةٌ.

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ الحكمةَ في معرفةِ أسماءِ اللهِ هيَ نِدَاءُ اللهِ وسؤالُهُ بِهِا .

قَالَ تَعَالَى:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[ الأعراف: ١٨٠]

فتناديهِ بِاسْمِ الغفورِ لسؤالِ المغفرة وبِاسْمِ التوابِ لسؤالِ التوبةِ وبِاسْمِ العليمِ لسؤالِ العلمِ وبِاسْمِ الرزاقِ لسؤالِ الرزقِ وبِاسْمِ الوهابِ لسؤالِ الهبةِ والعطيةِ وعلى ذلكَ فَقِسَ.

ومَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّهُ سيظهرُ مِنَ المسلمينَ مَنْ ينكرُ ويجحدُ أسماءَ اللهِ .قَالَ تَعَالَى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَاوَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[ الأعراف: ١٨٠]

وقد ظهرتْ الجهميةُ فأنكروا أسماءَ اللهِ كما أخبرَ الله فقالوا اللهُ ليسَ له أسماء.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }[ الأعراف: ١٨٠]

وأَمَرَبعدمِ الإلتفاتِ لقولهِمْ. قَالَ تَعَالَى:{وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ }[ الأعراف: ١٨٠]

وتوعدَهُمْ على نفي الأسماء. قَالَ تَعَالَى:{ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[ الأعراف: ١٨٠]

وزعمت الجهميةُ بِأَنَّ إثباتَ أسماءِ اللهِ يعني تعددَ ذاتِ الله.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{ قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } [ الإسراء: ١١٠]

وزعموا بِأَنَّ إثباتَ أسماءِ اللهِ يعني تعددِ الألهة .

فَرَدَّ اللهُ عليهم بِأنَّ الربَّ و الإلهَ و صاحبَ الأسماءِ والصفات واحدٌ وهو الله.

قَالَ تَعَالَى:{ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }[الأنعام: ١٠٢]

و قَالَ تَعَالَى:{ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى}[ طه: ٨ ]

وزعموا بأنَّ اثباتَ أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ تشبيهٌ للهِ بخلقِهِ وأنَّ كلَّ مَنْ يثبتُ أسماءَ اللهِ وصفاتِهِ فهو مشبهٌ .

فَرَدَّ اللهُ عليهم بأنَّهُ لايوجدُ شبَهٌ بينَ اللهِ وخلقِهِ للخوفِ منه.

قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]

و قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: ٦٥]

ثالثاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجودَ صفاتٍ لله.

فَمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَن َّربَهُ حي. قَالَ تَعَالَى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}[الفرقان58]

وأَنَّ ربَهُ موجودٌ . قَالَ تَعَالَى:{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }[ النساء: ١٠٨]

و أَن َّلربِهِ نَفْسَاً . قَالَ تَعَالَى:{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }[الأنعام54 ]

ونفسُهُ ليستْ كنفسِ المخلوق.قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

و لربِهِ وجهاً. قَالَ تَعَالَى:{ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: ٢٧]

ووجهُهُ ليسَ كوجِهِ المخلوق. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

ولربِهِ يدين . قَالَ تَعَالَى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[المائدة64]

ويداه ليستْ كيدي المخلوق. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]

و لربِهِ قبضةً ويميناً. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: ٦٧ ]

وقبضتُهُ ويمينُهُ ليستْ كقبضةِ ويمينِ المخلوق.

قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

ولربِهِ سمعاً يسمعُ بهِ فليسَ بأصم. قَالَ تَعَالَى:{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: ١]

وَقَالَ تَعَالَى:{لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ}[آل عمران181]

و قَالَ تَعَالَى:{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ }[الشعراء15]

وسمعُهُ ليسَ كسمعِ المخلوق. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]

ولربِهِ بصراً يبصرُ بهِ فليسَ بأعمى. قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: ١]

وقَالَ تَعَالَى:{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [طه: ٤٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق: ١٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ{218} وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ{219} [ الشعراء: 219]

وبصرُهُ ليس َكبصرِ المخلوق. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]

وأنَّ ربَهُ يتكلمُ بكلامٍ يسمعُهُ المخاطَب . قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }[الشورى51]

و قَالَ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً }[النساء164]

يتكلمُ بحرف ٍوصوتٍ فليسَ بأَبْكَم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف: ١٤٣]

يتكلمُ بما شاءَ متى شاءَ لا ينفدُ كلامُه. قَالَ تَعَالَى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } [ الكهف: ١٠٩]

و قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [لقمان: ٢٧]

وأَنَّ ربَّهُ عالمٌ بكلِّ شيءٍ .

يعلم ُكلَّ شيءٍ جملة. قَالَ تَعَالَى:{وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[البقرة:٢٣١]

وقَالَ تَعَالَى:{ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }[الطلاق12]

و يعلمُ كلَّ شيءٍ تفصيلاً. قَالَ تَعَالَى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: ٥٩]

و يعلمُ كلَّ شيءٍ قبلَ وقوعِهِ .قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ}[الأعراف: ٥٢]

و قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ }[الدخان 32 ]

و قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]

ويعلمُ كلَّ شيءٍ حالَ وقوعِهِ.قَالَ تَعَالَى:{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } [هود: ٥]

ويعلمُ كلَّ شيءٍ بعدَ وقوعِهِ . قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْب } [المائدة:٩٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ }[البقرة:١٤٣]

فنحنُ نعلمُ بوجودِ نَفْسٍ للهِ وصفاتٍ كصفةِ الحياةِ والسمعِ والبصرِ والكلامِ وغيرِهِا لوجودِ الدليلِ مِنَ الوحي كما مر .

ولانعلمُ شكلَّ نفسِ اللهِ ولاشكلَّ صفاتِهِ لعدمِ الدليلِ مِنَ الوحي فإذا سألنا أحدٌ هل لله صفاتٌ قلنا نعم لوجودِ الدليل من الوحي

وإذا سألنا كيفَ شكلُها قلنا اللهُ أعلمُ لاندري لعدمِ الدليل من الوحي فاللهُ أخبرَنا بوجودِهِا ولمْ يخبرْنا عَنْ شكلِهَا

وقد نهانا عَنِ السؤالِ عَنْ شكلِهِا أوالكلامِ فيه . قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء: ٣٦]

ومنعنا مِنْ قياسِ الخالقِ على المخلوقِ لمعرفةِ الشكل. قَالَ تَعَالَى:{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٤]

وسدَّ جميعَ الطرقِ الموصلةِ إلى معرفةِ كيفيةِ ذاتِهِ وصفاتِهِ وشكلِهِا.

فَسَدَّ طريقَ السمعِ: فلمْ نسمعْ شيئاً في الكتابِ والسنةِ عَنْ شكلِ نَفْسِ اللهِ و صفاتِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء: ٣٦]

وسدَّ طريقَ البصر. فاللهُ لمْ نَرَهُ في الدنيا حتى نعرفَ شكلَ ذاتِهِ وصفاتِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]

وََعَنْ أَبِى ذَرٍّ tقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ rهَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ».رواه مسلم([80])

وفي لفظ لمسلم([81]) « رَأَيْتُ نُورًا ».

ولنْ يَرَهُ أحدٌ قبلَ الموتِ. عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِى قَالَ أَخْبَرَنَي بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ ».رواه مسلم([82])

وسدَّ طريقَ القياسِ لأنَّ اللهَ نهانا أنْ نقيسَ الخالقَ على المخلوقِ لمعرفةِ كيفيةِ وشكلِ ذاتِهِ وصفاتِهِ. قَالَ تَعَالَى:{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٤]

ونفى وجودَ علةٍ لقياسِ الخالقِ على المخلوق.

كالمماثلةِ. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: ١١]

والمشابهةِ. قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: ٦٥]

وسدَّ طريقَ العقل ِلأنَّ العقلَ لايعرفُ إلا شيئاً رآه واللهُ لم نره.[ لَن تَرَانِي][ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ].

أورأى مثيلاً له واللهُ ليسَ له مثيل. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

أورأى شبيهاً بِهِ واللهُ ليسَ له شبيه. قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }[مريم: ٦٥]

وقد سلكَ أهلُ الكلامِ مِنَ الجهميةِ والمعتزلةِ والأشاعرةِ والماتريديةِ والشيعةِ والصوفيةِ هذِهِ الطرقَ المسدودة فلم يصلوا إلى معرفةِ الله كما اعترفَ بذلك أئمتُهُم.

رابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجودَ اللهِ.

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بأنَّ اللهِ موجودٌ فهو الأولُ الذي ليسَ قبلَهُ شيءٌ والآخِرُ الذي ليسَ بعدَه شيءٌ.

قَالَ تَعَالَى:{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [الحديد: ٣]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t:( أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَ أَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ) رواه مسلم([83])

فالله حيٌ. قَالَ تَعَالَى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}[الفرقان58]

موجودٌ معنا. قَالَ تَعَالَى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }[ الحديد: ٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ المجادلة: ٧]

و قَالَ تَعَالَى:{ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }[ النساء: ١٠٨]

قريبٌ منا. قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }[البقرة186]

يسمعُ أقوالَنا ويرى أفعالَنا. قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }[طه: ٤٦]

يراقبُنا. قَالَ تَعَالَى:{ أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } [العلق: ١٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ } [ الشعراء: 218]

و قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ }[الشعراء15]

يعلم أعمالنا. قَالَ تَعَالَى:{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد: ٣٠ ]

ويعلم أفعالنا. قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}[91النحل: ٩١]

ويعلم أقوالنا. قَالَ تَعَالَى:{ {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}[طه: ٧]

و قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ }[لأنبياء : ١١٠]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}[البقرة: ٧٧]

خامساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ مكانَ اللهِ قبلَ خلقِ الخلق. قَالَ تَعَالَى:{ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود: ٧]

وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ‬: كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ ) رواه البخاري ([84])

سادساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ مكانَ اللهِ بعدَ خلقِ الخلق. قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً}[الفرقان: ٥٩ ]

والعرشُ سقفٌ للسماءِ السابعة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tأَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ: « فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ، وَأَعْلَى الجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ»رواه البخاري ([85])

واللهُ فوقَ العرشِ . قَالَ تَعَالَى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥]

وليسَ فوقَ اللهِ شيءٌ لأنَّهُ الظاهرُ الذي ليسَ فوقَه شيءٌ.قَالَ تَعَالَى:{ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ} [الحديد: ٣]

وقالَ النبيُّ ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ )

واللهُ فوقَ عرشِهِ يَرَى ويسمعُ كلَ شيءٍ. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى }[طه: ٤٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ{218} وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ }[ الشعراء: ٢١٧ - 219]

و قَالَ تَعَالَى:{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } [المجادلة: ١]

ويعلم ُكلَّ شيءٍ. قَالَ تَعَالَى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء }[آل عمران5]

و قَالَ تَعَالَى: { وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }[الطلاق12]

إليهِ فوقَ العرشِ تصعدُ الأشياء لأنَّهُ بذاتِهِ في السماءِ وليسَ في كلِّ مكان.

قَالَ تَعَالَى:{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: ١٠]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَﷺ‬(الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ).رواه البخاري([86])

ومن عندِهٍ تنزلُ الأشياء لأنَّهُ بذاتِهِ في السماءِ وليسَ في كلِّ مكان. قَالَ تَعَالَى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }[آل عمران3]

سابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وحدانيةَ الله. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص: ١]

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وحدانيةَ اللهِ في الربوبية.

فاللهُ واحدٌ في لملكِ لاشريكَ لَه. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ }[الإسراء: ١١١]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ }[ سبأ: ٢٢ ]

واحدٌ في الخلقِ لا شريكَ لَه. قَالَ تَعَالَى: { أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[الرعد16 ]

واحدٌ في التشريعِ لاشريكَ له. قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[الشورى 21]

واحدٌ في الأمرٍِِ والنهي لاشريكَ له. قَالَ تَعَالَى:{ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤]

واحدٌ في الحكم ِِ ِ لاشريكَ له من الشعوب أوالقبائل أوالأشخاص.قَالَ تَعَالَى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ }[يوسف: ٤٠]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }[ الكهف: ٢٦]

واحدٌ في التحليلٍ والتحريمِ لاشريكَ له.قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }[النحل: ١١٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }[ يونس: ٥٩]

ومَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وحدانيةَ اللهِ في الألوهية.

فاللهُ واحدٌ في العبادةِ لاشريكَ له. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[ص65]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ}[النحل: ٥١]

و قَالَ تَعَالَى:{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[المائدة: ٧٣]

و قَالَ تَعَالَى:{قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً {42} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً}[الإسراء42-43]

ومَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وحدانيةَ اللهِ في الأسماءِ والصفات.

فاللهُ واحدٌ في الأسماءِ والصفاتِ لامثيلَ له.قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }[الشورى: ١١]

ولاشبيهَ بِه. قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [مريم: ٦٥]

ثامناً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ كيفَ يَنْسُبُ الله. قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص: ١ – ٤]

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ :tأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ rيَا مُحَمَّد انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }رواه أحمد ([87]) حديث حسن لغيره.

تاسعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ كمالَ الله.

فاللهُ لايموت. قَالَ تَعَالَى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ }[الفرقان58]

ولاينام. قَالَ تَعَالَى:{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ }[البقرة255]

ولايأكلُ ولايشرب. قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: ١٤]

ليسَ له ولدٌ ولاوالد . قَالَ تَعَالَى:{ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } [الإخلاص: 3 ]

ولازوجةٌ. قَالَ تَعَالَى:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ }[الأنعام: ١٠١]

ولابنينَ ولابنات. قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ }[الأنعام100 ]

قادرٌ ليسَ بعاجز. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً }[فاطر44]

غنيٌ ليسَ بفقير. قَالَ تَعَالَى:{لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }[آل عمران181]

كريمٌ ليسَ ببخيل. قَالَ تَعَالَى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }[المائدة64]

عاشراً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ حقَ اللهِ عليهِ.قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: ٥٦]

و عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَالَ: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا» ) . رواه البخاري([88]) و مسلم([89])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عباد الله

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بالكتابِ كُلِّهِ في معرفةِ الله. قَالَ تَعَالَى:{وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}[آل عمران119]

وقد آمنَ أهلُ السنةِ بالكتابِ كلِّه فوصلوا لمعرفةِ الله. قَالَ تَعَالَى:{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }[آل عمران: ٧]

وفي الحديثِ. { مَنْ رَبُّكَ؟رَبِّيَ اللهُ "}{ وَمَا عِلْمُكَ؟ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ}{ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي}

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنْ آمنَ ببعضِ الكتابِ ولمْ يؤمنْ بالبعضِ في معرفةِ الله. قَالَ تَعَالَى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[البقرة85]

فالجهميةُ:آمنتْ ببعضِ الكتابِ في إثباتِ صفةِ النفسِ للهِ ولم تؤمنْ ببعضِ الكتابِ في إثباتِ أسماءِ اللهِ وبقيةِ صفاتِهِ .

والمعتزلةُ: آمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ أسماءِ اللهِ وواحدةٍ مِنْ صفاتِهِ وهي النفسُ ولم يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ بقيةِ صفاتِ الله.

والأشاعرةُ: آمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ أسماءِ اللهِ وسبعٍ مِنْ صفاتِهِ ولم يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ بقيةِ الصفاتِ مما أضطرَّهم للتأويلِ بغيرِ دليلٍ مِنَ الكتابِ والسنة.

والصوفيةُ الغلاةُ: آمنوا ببعضِ الكتابِ في وجوبِ عبادةِ اللهِ ولم يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في تحريمِ الشركِ بالله.

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ اتباعِ المحكمِ مِنَ الكتابِ والسنةِ في معرفةِ اللهِ وتركِ المتشابِه .قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}[آل عمران: ٧]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنْ اتبعَ المتشابِهَ مِنَ الكتاب ِوالسنةِ في معرفةِ الله.

قَالَ تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [ آل عمران: ٧]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ rهَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)رواه البخاري([90])ومسلم([91])

وأهلُ الكلامِ اتبعوا المتشابِهَ في معرفةِ اللهِ فلم يصلوا إليها.

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنْ اتبعَ القياسَ في معرفةِ الله.

قَالَ تَعَالَى:{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٤]

وأهلُ الكلامِ اتبعوا القياسَ في معرفةِ اللهِ فلم يصلوا إليها.

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ فسادَ قياسِ مَنْ قاسَ الخالقَ على المخلوقِ لمعرفةِ الله لأنَّ اللهَ نفى وجودَ العلةِ التي يُقاسُ بها الخالقُ على المخلوقِ

وهي المماثلةُ.

.قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

والمشابهةُ.

قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }[مريم: ٦٥]

ومَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنْ اتبعَ المعاني اللغويةَ مَعَ وجودِ النَّصِ في معرفةِ الله.

قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة:49 ]

وأهلُ الكلامِ اتبعوا المعاني اللغويةَ في معرفةِ اللهِ مَعَ وجودِ النَّصِ فلم يصلوا إليها.

وقد نهى اللهُ عَنْ تقديمِ المعنى اللغوي على النَّصِ الشرعي. قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[سورة الحجرات: 1]

و لايتبعُ المعنى اللغوي مَعَ وجودِ النَّصِ الشرعي إلاصاحبَ هوى. قَالَ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ القصص: ٥٠]

وقَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[الأنعام: ١١٩]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بأنَّ العقلَ لايعرفُ اللهَ بنفسِهِ وإنَّمَا يعرفُ اللهَ بواسطةِ النبيr لأنَّ اللهَ مِنَ الغيبِ الذي لا يُكْشَفُ بالحواسِ وإنَّمَا يُكْشَفُ بالنبوةِ والرسالة. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٧٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٦ – ٢٧]

ألاوصلوا على مَنْ أمركم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع: تَعَرَّفْ عَلَى دِيْنِكَ.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ التَّعَرُّفِ عَلَى دِينِنِا لأَنَّهُ مَا مِنَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوْتُ ثُمَّ يُدْفَنُ في قَبْرِهِ إِلا وتُعَادُ رُوْحُهُ في جَسَدِهِ وَيَأْتِيْهِ مَلَكَانِ فيجلسانِهِ ويسألانِهِ عَنْ دِيْنِهِ .

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ ذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ فِي قَبْرهِ.

قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ .

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَادِينُكَ؟

فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ"

فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي)

رواه أحمد([92]) وأبو داود([93]) حديث صحيح.

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ دِيْنَه.

أولاً:مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ دِيْنَهُ الإسْلاَم.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } [ آل عمران: ١٩]

وَقَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران102]

ثانياً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ دِيْنَ الإسلامِ كاملٌ فلا يَحتاجُ إلى تكميلٍ ببدعةٍ حسنةٍ أو فكرٍ أو رأيٍ أو ذوقٍ أو رياضةٍ أو مجاهدةٍ أو غيرِها.

قَالَ تَعَالَى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } [ المائدة: ٣]

و عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَt قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ‬ (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ ).رواه أحمد ([94]) حديث صحيح لذاته.

وَعَنْ عَلِىٍّ tقَالَ:(لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ).رواه أبوداود([95]) حديث صحيح لذاته.

ثالثاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ الدِّينَ الذي أختارَهُ اللهُ لَهُ هو الإسلام.

قَالَ تَعَالَى:{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: ٣]

رابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَن أُصُولَ الأديانِ الموجودةِ على الأرضِ ستة.

الإسلامُ واليهوديةُ والنصرانيةُ والمجوسيةُ والصابئةُ والمشركون.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }[الحج17]

خامساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ جميعَ الأديانِ باطلةٌ ماعدا الإسلام.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥]

سادساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ جميعَ الشرائعِ السماويةِ منسوخةٌ بشريعةِ محمدٍﷺ‬ وأَنَّ جميعَ الكتبِ السماويةِ منسوخةٌ بالقرآنِ وأَنَّ جميعَ رسالاتِ الرُّسُلِ منسوخةٌ برسالةِ محمدٍ فلا يُعْمَلُ بشيءٍ منها بعدَ بعثتِهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}[المائدة: ٤٨]

و قَالَ تَعَالَى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }[البقرة120]

و قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة111 ]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt:أنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ‬ قَالَ (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).رواه مسلم([96])

سابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ الذي يُشَرِّعُ الأديانَ هو اللهُ وليسَ الناس.

قَالَ تَعَالَى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }[الشورى13 ]

وقَالَ تَعَالَى:{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}[المائدة: ٤٨]

فليسَ لأحدٍ مِنَ الناسِ نبيٍ ولاغيرِهِ أَنْ يُشَرِّعُ لنفسِهِ أو لغيرِهِ غيرَ ما شَرَعَهُ الله.

قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }[الجاثية18 ]

وقَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15} قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[سورة يونس16]

فَمَنْ طلبَ تشريعَ غيرِالله فقد جعلَه شريكاً لله.

قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[الشورى 21]

ثامناً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ الذي يحللُ ويحرمُ هو اللهُ وليسَ الناس.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [ النحل: ١١٦]

فَمَنْ أَحَلَ ما حرمَ الله أو حرمَ ما أحلَ اللهُ فقد افترى. قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ } [ يونس: ٥٩]

واعتدى. قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[المائدة87]

وشَرَّعَ لنفسِهِ ولغيرِه. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }[الأنعام139]

و قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[الأعراف28]

وقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }[الأعراف32 ]

تاسعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ الحكمَ للهِ وليسَ للشعوبِ ولا للقبائل ولاللأشخاصِ ولا للحرياتِ.

قَالَ تَعَالَى :{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }[الأنعام57]

و قَالَ تَعَالَى : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }[يوسف40]

فالحكمُ بما أنزلَ الله لابما أرادَ الشعوبُ أوالأشخاصُ أودعتْ إليهِ الحرياتُ أوالأعرافُ الدوليةُ أوالقوانينُ الوضعية.

قَالَ تَعَالَى :{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ{49}أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[المائدة50]

فَمَنْ جعلَ الحكمَ لغيرِ اللهِ فقد جعلَه شريكاً لله.قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }[ الكهف: ٢٦]

وإنْ تعجبْ فعجبٌ للمسلمِ الذي يدعو إلى حكمِ الشعبِ أوالقبيلة أو الأشخاصِ أو الحريةِ. قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }[النساء60]

عاشراً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ أَنَّ دِينَ الإسلامِ غيبٌ لايُعْرَفُ إلا بالوحي لأنَّهُ مرادُ الله.

قالَ عيسى عليهِ السلام{ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }[المائدة: ١١٦]

ولهذا تكفلَ اللهُ ببيانِ مرادِهِ بنفسِهِ ولمْ يَدَعْ ذَلِكَ لأذواقِ الناسِ وآرائهِمْ. قَالَ تَعَالَى:{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة:١٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [ الأنعام١٠٥]

وأرسل َالرُسُل وأخبرَهُمْ بمرادِهِ ليبينوه للناسِ ولمْ يجعلْ ذلكَ لأذواقِ الناسِ وآرائهِمْ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[ إبراهيم: ٤]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[ النحل:٤٤]

فالشرائعٌ والمناهحٌ كلُّها غيبٌ لا تُعْرَفُ إلا بالوحي.

قَالَ تَعَالَى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً }[ المائدة: ٤٨]

و الحلالُ والحرامُ غيبٌ لا يُعْرَفُ إلا بالوحي.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [ النحل: ١١٦]

و الإيمانُ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الأخرِ والقضاءِ والقدرِ مجملاً ومفصلا غيبٌ لا يُعْرَفُ إلا بالوحي.

قَالَ تَعَالَى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢] أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عبادَ الله

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بالكتابِ كلِّهِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى:{وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ}[آل عمران119]

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنْ آمنَ ببعضِ الكتابِ ولم يؤمنْ بالبعضِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[البقرة85]

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ اتباعِ المحكمِ مِنَ الكتابِ والسنةِ وتَرْكِ المتشابِهِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}[آل عمران: ٧]

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنِ اتبعَ المتشابَهَ مِنَ الكتابِ والسنةِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [ آل عمران: ٧]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ rهَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)رواه البخاري([97])ومسلم([98])

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنِ اتبعَ القياسَ مَعَ وجودِ النَّصِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[سورةالحجرات:1]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ خطأَ مَنِ اتبعَ الإجتهادَ مَعَ وجودِ النَّصِ في معرفةِ الدين.

قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}[سورة المائدة:49 ]

وقد نهى اللهُ عَنْ تقديمٍ الإجتهادٍ على النَّصِ الشرعي.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ}[ الحجرات: 1]

و لايتبعُ الإجتهادَ مَعَ وجودِ النَّصِ الشرعي إلاصاحبَ هوى.

قَالَ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ القصص: ٥٠]

وقَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[الأنعام: ١١٩]

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكُم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع: تَعَرَّفْ عَلَى نَبِيِّكَ.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ التَّعَرُّفِ على نَبِيِّنَا rلأَنَّهُ مَامِنَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوْتُ ثُمَّ يُدْفَنُ في قَبْرِهِ إِلا وتُعَادُ رُوْحُهُ في جَسَدِهِ وَيَأْتِيْهِ مَلَكَانِ فيجلسانِهِ ويسألانِهِ عَنْ نَبِيهِ ﷺ‬ .

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ ذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ فِي قَبْرهِ.

فَقَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ.

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬"

فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ. رواه أحمد([99]) وأبو داود([100])حديث صحيح.

فَمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ رسولَ اللهr.

أولاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بأَنَّ محمدَ بنَ عبدِ اللهِ هو رسولُ اللهِﷺ‬ وآخِرُ أنبياءِ الله.

قَالَ تَعَالَى:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}[ الفتح: ٢٩]

وقَالَ تَعَالَى:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: ٤٠] ثانياً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ برسولِ اللهr.قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ }[النساء136]

وقَالَ تَعَالَى:{فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]

ثانياً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ برسالتِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}[ الفتح: ٢٩]

وَقَالَ تَعَالَى:{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}[آل عمران: ١٤٤]

ثالثاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بمحبتِهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة:٢٤]

فمحبةُ رسولِ اللهِ شرطٌ لصحةِ الإيمانِ بالله .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rلَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).رواه البخاري([101]) ومسلم([102])

فما ذاقَ طعمَ الإيمانِ بالله مَنْ لمْ يُحِبَّ رسولَ الله ﷺ‬ .

عَنْ أَنَسٍt:أنَّ النَّبِيَّ rقَالَ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ). رواه مسلم([103])

رابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بطاعتِهِﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ{20}وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ}[الأنفال 21]

فَمَنْ آمَنَ بالرسالةِ لزمتْهُ الطاعة.قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ } [ النساء: ٦٤]

ومَنْ أطاعَ رسولَ الله فقد أطاعَ الله.

قَالَ تَعَالَى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }[النساء: ٨٠]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)رواه البخاري([104]) ومسلم([105])

ومَنْ أطاعَ النبي فقد هدي .

قَالَ تَعَالَى:{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: ٥٤]

ومَنْ عصاهُ مِنَ العالمين تمنى طاعتَهُ يومَ الدين .

قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}[الأحزاب: ٦٦]

خامساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ باتباعِهِ rفي أقوالِهِ وأفعالِهِ وتقريراتِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[سورة الأعراف: ١٥٨]

فَمَنْ أَحَبَ الله اتبعَ رسولَ الله. قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران: ٣١]

سادساً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بالعملِ بأمرِهِ وَتَرْكِ نهيِهِ ﷺ‬ .

قَالَ تَعَالَى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [سورة الحشر:٧]

سابعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بتحريمِ مخالفتِهِ ﷺ‬ .

قَالَ تَعَالَى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور: ٦٣ ]

ثامناً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بتحريمِ مشاقتِهِ ومعاندِةِ أقوالِهِ وأفعالِهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } [النساء: ١١٥]

تاسعاً: مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بعصمتِهِ rفي أقوالِهِ وأفعالِهِ و تقريراتِهِ.

فقد عصمَهُ اللهُ في أقوالِهِ مِنَ الخطأ والضلالِ والباطلِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } [سورة النجم: 3 – ٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ{46} فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [ الحاقة: ٤٤ –٤٧]

و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍوt قَالَ: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ rأُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِى قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَىْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ rبَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ rفَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ « اكْتُبْ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلاَّ حَقٌّ ».رواه أبوداود([106]) حديث صحيح لذاته.

وعصمَهُ في أفعالِهِ مِنَ الخطأ والضلالِ والباطلِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [سورة الأعراف: ١٥٨]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران: ٣١]

وعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ t:أَنَّ النَّبِيَّrقَالَ:صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).رواه البخاري([107])

و عَنِْ جَابِرٍt قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ ﷺ‬ يَقُولُ « لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّى لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ ».رواه مسلم([108])

وعصمَهُ اللهُ في تقريرِهِ فلا يقرُّ باطلاً و لايسكتُ على منكرٍ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماء.

قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة: ٦٧]

أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عباد الله

مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ وجوبَ الإيمانِ بتعظيمِ رسولِ اللهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: ٩ ]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ علاماتِ تعظيمِهِ ﷺ‬ إذْ لمْ يتركِ اللهُ ذلكَ لأذواقِ النَّاسِ وآراهِم.

العلامةُ الأولى:تعظيمُ قولِهِ,وفعلِهِ فلا يُقَدَّمُ شَيءٌ على قولِ , وفعلِ النبيr .

قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الحجرات: ١]

العلامةُ الثانيةُ:تعظيمُ قولِهِ , وفعلِهِ فلا يُخْتَارُ شيءٌ غيرُ قولِ , وفعلِ النبيr .

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [الأحزاب: ٣٦]

العلامةُ الثالثة:تعظيمُ أمرِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[سورة النور: ٦٣ ]

العلامةُ الرابعة:تعظيمُ نهيِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً } [ النساء: ٤٢]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }[الفرقان: ٢٧]

العلامة الخامسة:تعظيمُ حدِيثِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } [الحجرات: ٢]

العلامة السادسة: تعظيمُ سنتِهِ والتمسُكِ بِهَا.

عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَt قَالَ: وَعَظَنَا رَسولُ اللَّهِ rيَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)رواه الترمذي([109]) حديث صحيح.

العلامةُ السادسة::الصلاةُ عليْهِ كلَّمَا ذكرَهُ , أو ذُكِرَ عِنْدَه.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب: ٥٦]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )رواه الترمذي([110]) حديث صحيح لغيره.

صفةُ الصلاةِ على النبيr.

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيt قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ rوَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ rحَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ rقُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِإِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ).رواه مسلم([111])

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بِأَنَّ رسولَ اللهِ لايملكُ ضَرَّاً ولانفعاً لنفسِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ }[الأعراف188]

ولايملكُ ضَرَّاً ولانفعاً ًلغيرِهِ .

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً }[الجن21 ]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بأنَّ رسولَ اللهِ لايعلمُ الغيبَ بنفسِهِ. قَالَ تَعَالَى:{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }[هود49]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[الأعراف188]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ بِأَنَّ رسولَ اللهِ عَرَفَ ماعَرَفَ مِنَ الغيبِ بواسطةِ النبوةِ والرسالةِ لابواسطة الولاية كما قالَ غلاةُ الصوفية . قَالَ تَعَالَى:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }[الأنعام50]

وقد قالَ غلاةُ الصوفية أَنَّ النبيَّrاطلعَ على الغيبِ بواسطةِ الولايةِ لاالنبوةِ ليقولوا لكَ أنَّ الأولياءَ مِنَ الصوفيةِ اطلعوا على الغيبِ بواسطةِ الولاية.

فردَ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: ١٧٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٦ – ٢٧]

و مَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللهِ عَرَفَ سلامةَ عقائدِ وأعمالِ وأقوالِ وأفعالِ الذينَ يتبعونَ رسولَ اللهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[سورة الأعراف: ١٥٨]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران: ٣١]

و قَالَ تَعَالَى:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[سورة الأحزاب: ٢١ ]

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ إلى الصلاةِ


الجمعة الأولى

الموضوع: اليومُ الآخر.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الإيمانِ باليومِ الآخر.

والإيمانُ باليومِ الآخر هو الركنُ الخامس مِنَ أركانِ الإيمان.

قَالَ تَعَالى:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[ البقرة: ١٧٧]

و عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:(الإِيْمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بالله ِوَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ). رواه مسلم([112])

والإيمانُ باليوم ِالآخر هو العاملُ المؤثر في حياةِ المسلم فهو المحركُ له على فعلِ العبادة.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [ التوبة: ١٨ ]

والتأثرِ بالموعظة.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }[البقرة: ٢٣٢]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }[ الطلاق: ٢]

وأداءِ الأمانة.

قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}[البقرة: ٢٢٨]

والإحسانِ في المعاملةِ وتركِ الإساءة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)رواه البخاري([113])

والوقوفِ عندَ حدودِ الله.

عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ « لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلاَّ وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوِ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا ».رواه مسلم([114])

و الإيمانُ باليومِ الآخر.

هو العلمُ بكلِّ ما بعدَ الموتِ والتصديقُ بذلك مِنْ عذابِ القبرِ ونعيمِه والبعثِ والحشرِ والحسابِ والجزاءِ والكتبِ والميزانِ والحوضِ والصراطِ والجنَّةِ والنَّار.

فيجبُ على كلِّ مسلمٍ ذكراً كانَ أو أنثى أنْ يعلمَ بأنَّ للقبرِ عذاباً و نعيماً وأنْ يصدِّقَ بِهِ.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ِصَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ).رواه الترمذي([115])وضعفه الألباني([116])

والحديثُ وإنْ كانَ ضعيفاً فإنَّ له معنىً صحيحا دلَّ عليهِ كتابُ الله , والصحيحُ مِنْ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ

فمِنْ نعيمِ القبرِ ماجاءَ في حديثِ أبي الدرداءِ أنَّ له فراشاً مِنَ الجنةِ و لباساً مِنَ الجنةِ و باباً مفتوحاًمِنْ قبرِهِ على الجنةِ يأتيه منهُ ريحُ الجنةِ وطيبُها ويرى منه أهلَه ومالَه و بشارةً بالجنة و توسعةً لقبرِهِ مَدَّ بصرِهِ و إنارةً لقبرِهِ.

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ في قَبْرِهِ قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟

فَيَقُولُ رَبِّيَ اللهُ "

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَادِينُكَ؟

فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ"

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬"

فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَافْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ

قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ .

قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ

فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ

فَيَقُولُ: لَهُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ

فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ

فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي )

رواه أحمد([117])وأبو داود([118])وصححه الألباني([119])

و مِنْ عذابِ القبرِ ماجاءَ في حديثِ أبي الدرداءِ أنَّ له لباساً مِنَ النَّارِ و باباً مفتوحاً مِنْ قبرِهِ على النَّارِ يأتيهِ منهُ حرُّ النَّارِ وسمُومُها و تضييقاً لقبرِهِ عليهِ حتى تختلفَ فيهِ أضلاَعُهُ و بشارةً بالنَّارِ . عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ذَكَرَ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا دُفِنَ في قَبْرِهِ.

قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ

وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ .

فَيَقُولاَ نِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟

فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا دِينُكَ؟

فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

فَيَقُولُ هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي.

فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ

فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ.

وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ

فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ

فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ ؟

فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ"

فَيَقُولُ رَبِّ لَا تُقِمِ السَّاعَةَ).رواه أحمد([120]) وأبو داود([121])وصححه الألباني([122])

أيها المؤمنونَ يظلُّ النَّاسُ في قبورِهِم مابينَ منعمٍ ومعذب إلى أنْ تقومَ الساعةُ

فإذا قامتِ الساعةُ ردَّ اللهُ أرواحَ النَّاسِ في أجسادِهِم التي كانتْ في الدُّنْيا ثُمَّ أَحياهُم .

قَالَ تَعَالَى:{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الحج: ٦]

و عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَال:َ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يَقُوْلُ:( ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ).رواه مسلم ([123])

فإذا أحيا اللهُ النَّاسُ أّمرَ الأرضَ أنْ تنشقَ عنهم ليخرجوا مِنْ قبورِهِم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ{41} يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ{42} إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ{43} يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}[ق: ٤٤]

ورسولُ الله ِصَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أولُ مَنْ ينشقُ عنهُ القبرُ فيخرجُ منهُ.

عَنْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ».رواه مسلم([124])

فإذا خرجَ النَّاسُ مِنْ قبورِهِم قامَ كلُّ واحدٍ عندَ قبرِهِ حياً ينتظرُ الأمرَ بالتوجهِ إلى موقفِ القضاء.

قَالَ تَعَالَى:{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر: ٦٨]

و عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَال:َ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يَقُوْلُ:( ثُمَّ يُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَلاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ أَصْغَى فَيَصْعَقُ النَّاسُ ثُمَّ يُنْزِلُ اللهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هَلُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).رواه مسلم ([125])

فإذا قامَ كلُ واحدٍ عندَ قبرِهِ أمرَ اللهُ بحشرِهِم وجمعِهِم في مكانٍ واحدٍ لمحاسبتِهِم على أعمالِهم في الدنيا ومجازاتِهِم عليها إنْ خيراً فخير وإنْ شراً فشر.

قَالَ تَعَالَى:{ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}[الحجر: ٢٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:44]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قاَلَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:(يَجْمَعُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لَا يُطِيقُونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُونَ ).رواه مسلم([126])

والحشرُ هو الجمع. قال تعالى:{ فَحَشَرَ فَنَادَى}[النازعات: ٢٣]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}[الشعراء: ٥٣]

ومكان ُالحشرِ والجمعِ: أرضُ الشامِ اليوم .

عَنْ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( تُحْشَرُونَ هَاهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ ).رواه أحمد([127]) وحسنه الألباني([128])

ولكنْ على أرضٍ غيرِ هذهِ الأرضِ , وتحتَ سماءٍ غيرِ هذهِ السماء.

قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨]

وأرضُ المحشرِ بيضاءٌ ليسَ فيها أثرٌ للسكنى .

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ لَيْسَ فِيهَا عَلَمٌ لِأَحَدٍ).رواه البخاري([129]) ومسلم([130])

ويَحْشَرُ النَّاسُ مِنْ قبورِهِم إلى موقفِ القضاء على ثلاثةِ أصناف.

راكبٌ .

وماشٍ على قدميه.

وماشٍ على وجهه .

عَنْ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: ( تُحْشَرُونَ هَاهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ الشَّامِ رُكْبَانًا وَمُشَاةً وَعَلَى وُجُوهِكُمْ).رواه أحمد([131])وحسنه الألباني([132])

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَتحْشُرُ بَقِيَّتَهُمْ النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا).رواه البخاري([133]) ومسلم([134])

فالراغبونَ هُمُ الركبانُ والراهبونَ هُمُ المشاةُ على الأقدامِ والذينَ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ هُمْ المشاةُ على وجوهِهِم.

فالصنفُ الأول: الركبانُ. وهُمُ المؤمنونَ يركبونَ مِنْ قبورِهِم إلى موقفِ القضاء .

قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً}[مريم: ٨٥ ]

عَنْ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا ).رواه أحمد([135]) وحسنه الألباني([136])

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ اثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ )رواه البخاري([137]) ومسلم([138])

والصنفُ الثاني: المشاةُ على أقدامِهِم .

و هُمْ عصاةُ المسلمينَ يمشونَ على أقدامِهِم مِنْ قبورِهِم إلى موقفِ القضاء. قَالَ تَعَالَى:{ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً}[ مريم: ٨٦]

وعَنْ مُعَاوِيَةَ الْبَهْزِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( تُحْشَرُونَ مُشَاةً ).رواه أحمد([139]) وحسنه الألباني([140])

والصنفُ الثالث : المشاةُ على وجوهِهِم.

و هُمُ الكفارُ يمشونَ على وجوهِهِم مِنْ قبورِهِم إلى موقفِ القضاء.

قَالَ تَعَالَى:{ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}[الإسراء:٩٧]

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري([141]) قَالَ قَتَادَةُ أحد رواة الحديث بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا.

ويَحْشَرُ النَّاسُ الراكبُ والماشي على قدميهِ والماشي على وجهِهِ حفاةً عراةً .

عَنْ عَائِشَةَ رَضَيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:(تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ ﷺ‬ يَا عَائِشَةُ الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ). رواه البخاري([142]) ومسلم([143])

فإذا وصلَ النّاسُ موقفَ القضاء أمروا بالقيامِ والإنتظارِ في موقفِ القضاء .

قَالَ تَعَالَى:{ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ{4} لِيَوْمٍ عَظِيمٍ{5} يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: ٦ ]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}[الصافات: ٢٤]

ويظلونَ قياماً حتى يجيءَ القاضي وهو الله. قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل: ٧٨]

ومدةُ الوقوفِ والقيامِ وانتظارِ الحكمِ عليهم أولهم خمسونَ ألفَ سنةٍ .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ).رواه مسلم([144])

وللنَّاسِ في موقفِ القضاءِ أحوال

فمنهم ُالقائمُ في الشمسِ والعرقِ .

عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يَقُولُ:( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ فَوَ اللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ أَمْ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ قَالَ فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ الله ِﷺ‬ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ).رواه مسلم([145])

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ).رواه البخاري([146]) ومسلم([147])

ومنهمُ القائمُ في الشمسِ المكوي بالنَّارِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ:( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ). رواه مسلم([148])

ومنهمُ المبطوح ُعلى بطنِهِ في أرضِ المحشرِتحتَ وطءِ الدوابِ وعضِها.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله: صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَأَظْلَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ). رواه مسلم([149])

ومنهمْ مَنْ هو في ظلِّ الرحمن.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )رواه البخاري ([150]) ومسلم ([151])

ومنهمْ مَنْ هو في ظلِّ صدقتِهِ .

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " (كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ) رواه أحمد ([152])

فإذا مضتْ المدةُ المحد دةُ للإنتظارِ في موقفِ القضاء.

أذنَ اللهُ للنَّاسِ في طلبِ الشفاعة.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ ﷺ‬ فَيَأْتُونِي فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الْآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ).رواه البخاري([153]) ومسلم([154])

فإذا أذنَ اللهُ لنبيهِ محمدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في الشفاعةِ وقَبِلَهَا منهُ جاءَ اللهُ لموقفِ القضاء.

قَالَ تَعَالَى:{ وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر: ٢٢]

وَقَالَ تَعَالَى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{69} وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}[الزمر: ٦٩ – ٧٠]

وأطلعَ النَّاسُ على أعمالِهِم التي عملوها في الدنيا.

قَالَ تَعَالَى:{ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً{13} اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: ١٣ – ١٤]

فإذا رأى الإنسانُ أعمالَهَ عَرَفَها.

قَالَ تَعَالَى:{ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف ٤٩]

فإذا عَرَفَها أَنْكَرَهَا.

قَالَ تَعَالَى:{ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ{12} يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ{13} بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ{14} وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: ١٢ – ١٥]

فإذا أنكرَالإنسانُ أعمالَه أقامَ اللهُ عليهِ البينةَ و حضرَ الشهود.

الشاهدُ الأول:كتابُ العبد.

قَالَ تَعَالَى:{ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية: ٢٩]

الشاهدُ الثاني:الجوارح.

قَالَ تَعَالَى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس: ٦٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[فصلت: ٢٠]

الشاهدُ الثالث: الملائكةُ المسؤلونَ عَنْ كتابةِ أقوالِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ{17} مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: ١٧ – ١٨ ]

و الملائكةُ المسؤلونَ عَنْ كتابةِ أفعالِهِ. قَالَ تَعَالَى:{ كِرَاماً كَاتِبِينَ{11} يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار: ١١ - ١٢ ]

والملائكةُ المسؤلونَ عَن ْكتابةِ صلاواتِهِ الخمس.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ).رواه البخاري([155])

و الملائكةُ المسؤلونَ عَنْ كتابةِ صلاتِهِ للجمعة .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلَائِكَةُ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ). رواه البخاري([156])

و الملائكةُ المسؤلونَ عَنْ حفظِهِ وحمايتِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ}[الرعد:١١ ]

الشاهدُ الرابع: الأرضُ. قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا{4} بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}[الزلزلة: ٥]

فإذا أثبتِ اللهُ أعمالَ الإنسانِ عَنْ طريقِ الشهودِ عليهِ بدأَ بحسابِهِ عليها.

فينصبُ الموازينَ لوزنِ الأعمال .

قَالَ تَعَالَى:{ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧]

فمَنْ رجحتْ حسناتُهُ على سيئاتِهِ فقدْ نجحَ. قَالَ تَعَالَى:{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{8} وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}[الأعراف: ٨ - ٩]

ويَعْطَى شهادةً بنجاحِهِ وهي كتابٌ يُسَلَمُ له بيمينِهِ ويُطْلَبُ منهُ إعلانُ نجاحِهِ للنَّاسِ.

قَالَ تَعَالَى:{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}[الحاقة: ١٩ - ٢٤]

ومَنْ رجحتْ سيئاتُهُ على حسناتِهِ فقد رَسِبَ وخَسِر. قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}[ الأعراف: ٩]

ويَعْطَى شهادةً برسوبِهِ وهي كتابُ يُسَلَمُ لَهُ بيسارِه ِويَطْلَبُ منهُ إعلانُ رسوبِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26}يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة: ٣٢]

وتلوى يسارُهُ مِنْ وراءِ ظهرِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ{10} فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً{11} وَيَصْلَى سَعِيراً{12} إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً{13} إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ{14} بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً}[الانشقاق: ١٠ -١٥]

أقولُ ما تسمعون وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إِنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عبادَ الله

إذا فَرَغَ اللهُ مِنَ القضاءِ بينَ العبادِ وسُلِّمَتْ شهاداتُ النجاحِ والرسوبِ وأُعْلِنَتْ النتائجُ تَوَجَهَ النَّاسُ إلى الصراطِ للعبورِ عليهِ إلى الجنَّةِ والجنَّةُ بعدَ النَّارِ وليسَ لها طريقٌ يوصلُ إليها إلاعَنْ طريقِ الجسرِ الذي يُنْصَّبُ على وسطِ النَّارِ ليمرَّعليهِ الكافرُ والمسلم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً}[مريم: ٧١ - ٧٢]

وفي طريقِهِم إلى الصراطِ يمرونَ على حوضِ النبيrليشربوا منه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ (تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ وَأَنَا أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ إِبِلَ الرَّجُلِ عَنْ إِبِلِهِ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللهِ أَتَعْرِفُنَا قَالَ نَعَمْ لَكُمْ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِكُمْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ).رواه مسلم([157])

والنبي صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يسبق أمته إلى حوضه بعد فراغهم من القضاء ليستقبلهم عليه ويسقيهم منه.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ).رواه البخاري([158]) ومسلم([159])

و للبخاري([160])عَنْ عَبْد الله رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ لَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي فيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ).

فإذا وصلَ النَّاسُ إلى الصراط.

قُسِم َالنُّورُ للعبورِ في الظلمةِ التي على الصراط.

قَالَ تَعَالَى:{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[ الحديد: ١٢]

و عَنْ عَبْدِ الله ِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(فَيُعْطِيهِمْ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورًا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ رَجُلا يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِئُ مَرَّةً وَيَفِيءُ مَرَّةً، فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ فَمَشَى، وَإِذَا طُفِئَ قَامَ"، قَالَ:"وَيَقُولُ: مُرُّوا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ نُورِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالسَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الْفَرَسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي أُعْطِيَ نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمَيْهِ يَحْبُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ تَخِرُّ رِجْلُ، وَتَعْلَقُ رِجْلٌ، وَيُصِيبُ جَوَانُبَهُ النَّارُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَخْلُصَ، فَإِذَا خَلَصَ وَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا أَنْ نَجَّانِي مِنْهَا بَعْدَ إِذْ رَأَيْتُهَا"،رواه الطبراني([161]) والحاكم([162])وصححه الألباني([163])

فإذا قُسِمَ النَّورُ أَذِنَ لهمْ في العبور.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(يُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِي جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ الْمُوثَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمْ الْمُجَازَى ).رواه البخاري([164])

ويَمُرُ المؤمنونَ على الصراطِ على ثلاثةِ أصناف ناجٍ سالمٌ وناجٍ مخدوشٌ وهاوٍ في النَّار.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:(ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ).رواه مسلم([165])

فإذا تجاوزَ المؤمنونَ الصراطَ جَمَعَهُمُ اللهُ في مكانٍ بينَ الجنَّةِ والنَّارِ يُسَمَّى القَنْطَّرَة لأخذِ الإذنِ بدخولِ الجنَّة.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِﷺ‬ قَالَ:(إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا).رواه البخاري([166])

فإذا أَذِنَ لهمْ بدخولِ الجنَّةِ وجدوا أبوابَها مغلقةً فيطلبونَ مِنَ الأنبياءِ الشفاعةَ لهم ْعندَ اللهِ أنْ يفتحَ لهمْ بابَ الجنَّة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ الله ِيَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمْ الْجَنَّةُ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ فَيَقُولُ وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ قَالَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلَّمَهُ اللهُ تَكْلِيمًا فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ فَيَقُولُ عِيسَى لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا ﷺ‬ فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ). رواه مسلم([167])

فإذا فُتِحَ بابُ الجنَّةِ دَخَلُوا. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: (حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا).رواه البخاري([168])

فإذا دخلوا الجنَّةَ نادى منادٍ يبشرُهُم بحياةٍ لايموتونَ بعدَهَا وبصحةٍ لايمرضونَ بعدَهَا وبشبابٍ لايشيبونَ بعدَه وبنعيمٍ لايبئسونَ بعدَه. قَالَ تَعَالَى:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الدخان: ٥٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ{58} إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ{59} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصافات: ٥٨ – ٦٠ ]

وعَنْ أبي سعيدِ الخدري وأبي هريرةَ رضيَ الله ُ عنهما أنَّ رسولَ الله ِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قالَ:« يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)رواه مسلم([169])

لهمْ فيها نعيمٌ مقيمٌ سنتحدثُ عنهُ في خطبةٍ عَنِ الجنَّةِ إنْ شاءَ الله

ألاوصلُوا على مَنْ أَمَركَم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل الخطيب إلى الصلاة


خطبة الجمعة

الموضوع: الجنَّةُ والنَّارُ

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الجَنَّةِ ونعيمِهَا جَعَلَنَا اللهُ مِنْ أَهْلِهَا .

قَالَ تَعَالَى:{وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[التوبة72]

إذَا وصلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ فُتِحَتْ لهمْ أبوابُها واستقبِلَ اهلُها.قَالَ تَعَالَى:{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }[الزمر73]

فإذَا استقرَّ أهلُ الجنَّةِ في الجنَّةِ وجدوا النعيمَ المقيم.

قَالَ تَعَالَى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ }[التوبة21]

فوجدوا الأمنَ الكامل.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان: ٥١]

فمَنِ اتقى الله أَمَّنَهُ الله.

قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}[الأنعام:٨٢]

فلا أمانَ إلا في الجنان.

قَالَ تَعَالَى:{ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}[الحجر: ٤٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}[سبأ: ٣٧]

آمنونَ مِنَ الموتِ والمرضِ والكبرِ وكلِّ بؤس.

قَالَ تَعَالَى:{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[ الدخان: ٥٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ{58} إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ{59} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[الصافات: ٥٨ – ٦٠ ]

وعَنْ أبي سعيدِ الخدري وأبي هريرةَ رضيَ الله ُ عنهما أنَّ رسولَ الله ِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قالَ:« يُنَادِى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلاَ تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلاَ تَمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلاَ تَهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلاَ تَبْتَئِسُوا أَبَدًا ». فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)رواه مسلم([170])

فمَنْ دَخَلَ الجنان حصلَ له الأمان مِنْ جميعِ المخاوف فلا يكونُ خائف فلا موتَ ولا هم ولا مرضَ ولا غم ولانصبَ ولا تعب فالكلُّ قد ذهب .

قَالَ تَعَالَى:{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ{34} الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }[فاطر: ٣٤ - ٣٥]

ووجدوا الأنهار.

قَالَ تَعَالَى:{ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }[محمد: ١٥ ]

فأنهارُ الماء لا تتغيرُ بطولِ البقاء فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وأنهارُاللبنِ لا يتغيرُ طعمُها بحموضةٍ و لا غيرِها وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وأنهارُ الخمرةِ في غايةِ اللذةِ فلا صُداعَ و لا سُكر بشربِ ذلكَ الخمر. قَالَ تَعَالَى:{ لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ }[الواقعة: ١٩ ]

ومَنْ شَرِبَ الخمرةَ في الدنيا وماتَ مِنْ غيرِ توبةٍ لمْ يشرَبْها في الأخرى وإنْ دخلَ الجنَّةَ فلَهُ كلُّ نعيم إلا الخمرةَ.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( مَنْ شَرِبَ لْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ).رواه البخاري([171])ومسلم([172])

ومَنْ شَرِبَ المُسْكِرَ في الدنيا وماتَ مِنْ غيرِ توبةٍ سُقيَ مِنْ طينةِ الخَبَالِ في الأخرى وهيَ عُصارةُ أهلِ النَّارِ وعَرَقُهُم.

عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِىَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَال« كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ « عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ».رواه مسلم([173])

ووجدوا اللباس.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى }[طه: ١١٨ ]

فبلباسِ السند س والحرير جاءَ إلينا البشير.

قَالَ تَعَالَى:{ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ }[الدخان: ٥٣]

والسندسُ هو مَا رَقَّ مِنَ الحرير والإستبرقُ هو ما غلُظَ مِنَ الحرير.

قَالَ تَعَالَى:{ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}[الكهف: ٣١ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ }[ الإنسان: ٢١ ]

وقولُهُ عاليهم أي عليهم لباساً ظاهراً وليسَ داخلاً

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }[الحج: ٢٣]

ومَنْ لَبِسَ مِنَ الرِّجال ِ الحريرَ في الدنيا وماتَ مِنْ غيرِ توبةٍ لمْ يلْبسْهُ في الأخرى.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ « مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ ».رواه البخاري([174]) ومسلم([175])

ووجدوا الحلي .قَالَ تَعَالَى:{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً}[فاطر:٣٣ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}[الإنسان: ٢١]

يَلْبَسُهَا الرِّجالُ والنِّساء على حدٍّ سواء .عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَسَمِعْتُ خَلِيلِى صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ يَقُولُ « تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ ».رواه مسلم([176])

ووجدوا السررَ والفرش .

قَالَ تَعَالَى:{عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ{15} مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ }[الواقعة: ١٦ ]

وقَالَ تَعَالَى:{ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}[الرحمن: ٥٤]

وعلى السُرُر ِ المُوضُونَةِ الفُرُشُ مَرْفُوعَة ٌ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ }[الواقعة: ٣٤]

ووجدوا الوسائدَ .

قَالَ تَعَالَى:{ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ }[الغاشية: ١٥]

والبُسُط.

قَالَ تَعَالَى:{ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }[الغاشية: ١٦]

ووجدوا الخيام.

قَالَ تَعَالَى:{ حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ }[ الرحمن: ٧٢]

و الخيمةُ في الجَنَّةِ مِنْ لؤلؤة ٍ مُجَوَّفَةٍ طولُها ستونَ ميلا ً والميلُ ستة ُ آلافِ ذِراع للمؤمن ِ فيها أهلونَ أي زوجات يَطوفُ عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضُهمْ بعضا.

عَنْ أَبِى موسى الأشعري عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: « إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِى الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلاً لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ».رواه مسلم([177])

وفي لفظ لمسلم([178])«طُولُهَا فِى السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ لاَ يَرَاهُمُ الآخَرُونَ ».

وفي لفظٍ لمسلم([179])«عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلاً فِى كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُ ».

ووجدوا سوقاً.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ». رواه مسلم([180])

ووجدوا غرفاً .

قَالَ تَعَالَى:{ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }[ سبأ: ٣٧ ]

و قَالَ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }[العنكبوت58 ]

و قَالَ تَعَالَى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ }[الزمر20]

و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ)رواه البخاري([181]) ومسلم([182])

بناؤُها طوبة ٌ مِنْ ذهبٍ وطوبة ٌ مِنْ فضةٍ وطينُها المسكُ وحصاؤُها اللؤلؤ والياقوتُ وترابُها الزعفرانُ مَنْ يدخلُها ينعمُ ولا يبئسُ ويخلُدُ ولا يموتُ لا تبلى ثيابُه ولا يفنى شبابُه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ حَصْبَاؤُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ وَتُرْبَتُهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ لَا يَبْلَى شَبَابُهُمْ وَلَا تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ) رواه أحمد([183])

ووجدوا تغييراً لأعمارِهِم وطولِهِم وعرضِهِم وألوانِهِم وشعورِهِم التي كانتْ في الدنيا. فأعمارُهُم ثلاثٌ وثلاثونَ سنةً وطولُهم ستونَ ذراعا وعرْضُهُم سبعة ُأذرع ٍ وألوانُهُم بيضٌ وشُعُورُهُمْ مُجَعَدَة .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:( يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا بِيضًا جِعَادًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ عَلَى خَلْقِ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعِ أَذْرُعٍ)رواه أحمد([184])

ووجدوا الزوجات.

قَالَ تَعَالَى:{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } [الدخان: ٥٤ ]

والحوراءُ هيَ المرأةُ البيضاء والعيناءُ هيَ المرأةُ واسعةُ العين ِ شديدةُ بياضِها شديدة ُ سوادِها فيهنَّ مِنَ الحُسْن ِ والجمال مالا يعلُمه إلا الله.

قَالَ تَعَالَى:{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }[الرحمن: ٧٠ ]

وردَ في الأثر ِ خيراتُ الأخلاق ِ حِسَانُ الوجوه.

والمرأة ُ في الجنَّه كأنَّها في الصفاء والرِّقَه الغشاوة ُ التي تأتي على ظهر ِ البيض ِ مما يلي القشرَ إذا سُلِقَ وكُسِرَ سواءٌ مِنَ الحور ِ قي الأخرى أومِنْ المؤمنات ِ في الدنيا.

قَالَ تَعَالَى:{ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ{48}كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ }[الصافات: ٤٩ ]

وكأنَّها في الحُسْن ِ والبهاء و الجمال ِ والصفاء الياقوتُ والمرجان سواءٌ مِنَ الحور ِ في الأخرى أو مِنَ المؤمنات ِ في الدنيا.

قَالَ تَعَالَى:{ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ }[الرحمن: ٥٨]

وعَنْ أبي سعيد ٍ الخدري رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ قالَ رسولُ الله ِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في تفسيرِ قولِهِ ( كأنَّهُنَّ اليَاقُوتُ والمَرْجَان) ينظرُ إلى وجهِهِ في خدِهِا أصفى مِنَ المرآة ِ وإنَّ أدْنَى لؤلؤةٍ عليها لتضيءُ ما بينَ المشرق ِ والمغرب ِ وإنَّهُ ليكونَ عليها سبعونَ حُلَّة ً ينفذُها بصرُهُ حتى يَرَى مُخَّ ساقِهِا مِنْ وراءِ ذلك) الحاكم([185]) وقال صحيح ولم يخرجاه

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:« إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَالَّتِى تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّىٍّ فِى السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِى الْجَنَّةِ أَعْزَبُ ».رواه البخاري([186]) ومسلم([187])

والمرأة ُ في الأخرى لو خرجتْ إلى الدنيا لأضأتْ ما بينَ السماءِ والأرض ولملأتْ ما بينَهما ريحاً طيبا ولنصيفُها على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها سواءٌ مِنَ الحُور ِ في الأخرى أو مِنَ المؤمناتِ في الدنيا.

عَنْ أنس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:« لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا يَعْنِي الْخِمَارَ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».رواه البخاري([188])

ووجدوا الطعامَ والشراب. قَالَ تَعَالَى:{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } [ص: ٥١]

و قَالَ تَعَالَى:{وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ}[محمد: ١٥]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ{20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ }[ الواقعة: ٢١]

وفاكهةُ الجنَّة ِ وثمارُها يتناولُها القائمُ والقاعدُ والمضطجعُ .

قَالَ تَعَالَى:{ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ }[الحاقة: ٢٣ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً }[ الإنسان: ١٤ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}[الرحمن: ٥٤ ]

والطيرُ الواحدُ في الأخرى كالجمل ِ في الدنيا.

عنْ حذيفة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ( إنَّ في الجنَّة ِ طيراً أمثالَ البخاتي ([189]) فقال أبو بكر ٍ إنَّها لناعمة ٌ يا رسولَ الله ِ فقالَ أنعمُ منها مَنْ يأكلُها وأنتَ ممنْ يأكلُها يا أبا بكر) رواه الحاكم

وطعامُ الجنَّةِ وشرابُها لاينقطعُ أبداً.

قَالَ تَعَالَى:{ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ }[الدخان: ٥٥ ]

آمنينَ منَ انقطاعِها في أي زمن أو طلبِ أي ثمن.

قَالَ تَعَالَى:{ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ{32} لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ }[الواقعة: ٣٢ – ٣٣]

و قَالَ تَعَالَى:{أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا}[الرعد: ٣٥ ]

يأكلُ أهلُ الجنَّةِ فيها وَيَشْرَبُون: لايبلونَ ولايمْتخطونَ ولايتغوطونَ ولكنْ طعامُهُمْ ذلكَ جُشَاءٌ كرشحِ المسْكِ يُلْهمُونَ التَسبيحَ كما يُلهَمُونَ النَّفَسَ. عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:« يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ». قَالَ وَفِى حَدِيثِ حَجَّاجٍ « طَعَامُهُمْ ذَلِكَ ». رواه مسلم([190])

آنِيَتُهُمْ التي فيها يأكلُونَ وبها يشربُونَ آنيةُ الذهبِ والفضةِ في صفاءِ القوارير.

قَالَ تَعَالَى:{ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[الزخرف: ٧١ ]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{15} قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً }[الإنسان: ١٦]

ومَنْ شَرِبَ في الذَّهبِ والفضةِ وأكلَ في صحافِهما في الدنيا وماتَ مِنْ غيرِ توبةٍ لمْ يشربْ فيهما في الأخرى.

عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:« لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَة رواه ». البخاري([191])

ووجدوا خدماً.

قَالَ تَعَالَى:{ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ{17} بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ{18} لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ{19} وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ{20} وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ}[ الواقعة: ١٧ - ٢١ ]

في غايةِ الحسنِ والجمالِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}[الطور: ٢٤ ]

لايُحصونَ كثرةً.

قَالَ تَعَالَى:{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً}[الإنسان: ١٩ ]

لاشغلَ لأهلِ الجَنَّات سوى الطعامِ والشرابِ وجماعِ الزوجات.

قَالَ تَعَالَى:{ مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ{51} وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ{52} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ{53} إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ}[ص: ٥١ – ٥٤]

و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ:« يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ ». قَالَ وَفِى حَدِيثِ حَجَّاجٍ « طَعَامُهُمْ ذَلِكَ ».رواه مسلم([192])

و قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ{55} هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ{56} لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ}[يس: ٥٥ – ٥٧]

سُئلَ بنُ عباسٍ.عَنْ شُغْل ِ أهل ِ الجَنَّةِ وقدْ رفعَ الله ُ عنهُمُ التكاليفَ فقالَ الطعامُ والشرابُ وفكُ الأبكارِ على شواطىءِ الأنهارِ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ ِالنَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ َنَّهُ سُئِلَ( هَلْ يَمَسُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَزْوَاجَهُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بِذَكَرٍ لاَ يَمَلُّ ، وَفَرْجٍ لاَ يُحْفَى ، وَشَهْوَةٍ لاَ تَنْقَطِعُ)رواه أبو نعيم

ووجدوا غايةَ الحسن ِوالجمال الذي لايقف عند حد.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِى وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالاً فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً. فَيَقُولُونَ وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالاً ». رواه مسلم([193])

ورأوا ربَهم كما نرى الشمس.

قَالَ تَعَالَى:{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة: ٢٢ - ٢3 ]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا:(يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« هَلْ تُضَارُّونَ فِى رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ».قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ ». قَالُوا لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ) رواه البخاري([194]) و مسلم([195])

فمَنْ أرادَ الإقامه فليعملْ لدار ِ المُقامه. عنْ أسامةَ بن ِ زيد ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أنَّ رسولَ الله ِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قالَ ( ألا مُشَمِّرٌ إلى الجنَّةِ فإنَّ الجنَّة َ لا حظرَ لها هيَ وربِّ الكعبةِ نورٌ يتلألأ ورَيْحَانَة ٌ تَهتزُّ وقَصْرٌ مشِيدٌ وثمرة ٌ نضيجة ٌ وزوجة ٌ حسناءُ جميلة ٌ وحُلَلٌ كثيرة ٌ في دار ٍ سليمةٍ وفاكهةٍ وخَضْرَةٍ وحَبْرَةٍ ونَعْمَةٍ ومَحَلَةٍ عَالِيةٍ بَهِّيةٍ قالوا نعمْ يا رسولَ اللهِ نحنُ المُشَمِّرُون فقالَ قولُوا إنْ شاءَ الله فقالَ القومُ إنْ شاءَ الله) رواهُ البزارُ وبنُ ماجة

و هذا وصْفٌ لبعض ِ نعيمِ الجنَّةِ وإلافي الجنَّةِ مالا عينٌ رأتْ ولاأذنٌ سمعتْ ولاخطرَ على قلبِ بشر.

قَالَ تَعَالَى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة: ١٧]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }رواه البخاري([196]) ومسلم([197])

و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَالَ: « مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ ».رواه مسلم([198])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فكمَّا وَعَدَ اللهُ الجنَّةَ المؤمنين فقدْ وَعَدَ النَّارَ الكافرين. قَالَ تَعَالَى:{النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الحج72]

إذا وصلها العصاةُ والكفارُ فتحتْ أبوابُها وسألَهُمْ حجابُها.

قَالَ تَعَالَى:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ }[الزمر71]

فإذا دخلوا مِنَ الأبواب أَغلقَهَا عليهمُ الحجاب.

قَالَ تَعَالَى:{إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ}[الهمزة:٨]

فَسِجْنُهُم في النَّار .

قَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً}[الإسراء: ٨]

ولباسُهُم مِنْ نَار.

قَالَ تَعَالَى:{ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}[الحج:١٩ ]

وفراشُهُمْ مِنْ نَار ولحافُهُمْ مِنْ نَار.

قَالَ تَعَالَى:{ لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}[الأعراف: ٤١]

وطعامُهُمْ مِنْ نَار.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ{43} طَعَامُ الْأَثِيمِ{44} كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ{45} كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان: ٤٣ – ٤٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ{62} إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ{63} إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ{64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ{65} فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}[الصافات: ٦٢ – ٦٦]

وشرابُهُمْ ماءٌ حارٌ شديدُ الحرارة.

قَالَ تَعَالَى:{ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ{66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ}[الصافات: ٦٦ - ٦٧ ]

إذا رفعَهُ أهلُ النَّارِ ليشربُوه سقطتْ جلدةُ وجوهِهِم لِشِدِّةِ حَرِّه .

قَالَ تَعَالَى:{وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف: ٢٩]

فإذا شربوه لشدةِ عطشِهِمْ قَطَعَ أمعاءَهُم. قَالَ تَعَالَى:{ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ} [محمد: ١٥]

لا يموتُ أهلُ النَّار و لا يحيون.

قَالَ تَعَالَى:{ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى}[الأعلى:١٣]

ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فينقضي

عناها ولا تحيا حياةً لها طعمُ

دارٌ غضبَ اللهُ على أهلِهِا فلا يرضى عنهمْ أبداً.

قَالَ تَعَالَى:{ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ{112} قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ{113} قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{114} أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون112-114] ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاة

خطبةالجمعة

الموضوع:الواحدةُ التي في الجنَّةِ

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فيا أيها المؤمنون لقد أخبرَ النبيrُّ بافتراقِ المسلمينَ أَمَّةِ الإجابةِ المحمديةِ على ثلاثٍ وسبعينَ ملةً([199])

ثنتانِ وسبعونَ في النَّارِ واحدةٌ في الجنَّةِ .عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬ «إِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ »رواه أبو داود([200])حديث حسن لغيره.

ويشهدُ للحديثِ قولُ اللهِ تعالى.{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران103]

وقولُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }[الأنعام159 ]

ولكلِّ واحدةٍ مِنَ الثلاثِ والسبعينَ دعاةٌ يدعونَ المسلمَ إليها حتى إنَّهُ ليحتارُ مَنْ يتبعُ.

قَالَ تَعَالَى:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. [سورة الأنعام: ٧١]

فكانَ المسلمُ بحاجةٍ إلى معرفةِ الواحدةِ التي في الجنةِ ومعرفةِ شريعتِها وعلاماتِهاومصادرِها ودعاتِها ليؤمنَ بمثلِ ماآمنتْ بِهِ. قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَاآمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [سورة البقرة: ١٣٧]

ومعرفةِ الثنتينِ والسبعين التي في النَّارِ ومعرفةِ شرائعهِم وعلاماتِهِم ومصادرِهِم ودعاتِهِم ليجتنبَ ما همْ عليِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأنعام: ٥٥]

ويقولُ لِمَنْ دعاهُ مِنْ تلكَ الفرقِ ما أمره اللهُ بِهِ. قَالَ تَعَالَى:{لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[سورة الأنعام: ٧١]

وقَالَ تَعَالَى:{قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [سورة الأنعام: ٥٦]

وسنَتَعَرَّفُ اليومَ على الواحدةِ التي في الجنَّةِ وعلى شريعتِهِا ومصادِرِها ودعاتِهاوعلاماتِها لِنُؤْمِنَ بمثلِ ماآمنتْ بِه. قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَاآمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ } [سورة البقرة: ١٣٧]

فأمَّا شريعتُها التي تتبعُها في معرفةِ ربِّها ودينِها ونبيها فلها شريعةٌ واحدةٌ هي كلُّ ماشرعَهُ اللهُ,وأوحاه إلى نبيهِ محمدٍ ﷺ‬مِنَ العقائدِ, والأفعال, والأقوالِ, والأعمال.

قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{18} إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً} [سورة الجاثية: ١٨ – ١٩]

و قَالَ تَعَالَى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سورة الحشر: ٧]

و قَالَ تَعَالَى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[النور63]

وأَمَّا الطريقُ الذي تسلكُهُ لمعرفةِ ربِّها ودينِها ونبيِها فلها طريقٌ واحدٌ هو الوحي بواسطةِ محمدِ بنِ عبدِ اللهr عَنْ جبريلَ عَنِ الله. قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[سورة الأنعام: ١٥٣]

و عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍt قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ rخَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا قَالَ ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ السُّبُلُ وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ (وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)رواه أحمدُ([201]) حديثٌ صحيحٌ لغيرِه.

وأَمَّا مصادرُهَا التي تتبعُها لمعرفةِ ربِّها ودينِها ونبيِها فلها مصدر ان .

المصدرُالأولُ: الكتاب. قَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الأنعام: ١٥٥]

المصدرُ الثاني:السنةُ. قَالَ تَعَالَى:{فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]

وميزةُ المصدرينِ أنَّهُما معصومانِ بخلافِ غيرِهِما مِنَ المصادِر .

فقد عصمَ اللهُ القرآنَ في لفظِهِ ومعناه. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت: ٤١ – ٤٢]

وعصمَ النبيَّ rفي جميعِ أقوالِهِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماءِ. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}[سورة النجم: ٣ – 4]

وعصمَهُ في جميعِ أفعالِهِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماءِ.قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[ الأعراف: ١٥٨]

و عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ t:أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).رواه البخاري([202])

و عَنِْ جَابِرٍt قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ ﷺ‬ يَقُولُ « لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّى لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ ».رواه مسلم([203])

و عصمَهُ في جميعِ تقريراتِهِ فلا يقرُّخطأً ولا يسكتُ على منكر بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماء.قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة: ٦٧]

وضمنَ صحةَ وسلامةً عقائدِ وأعمالِ كلَّ مَنِ اتبعَ الكتابَ والسنَّةَ. قَالَ تَعَالَى:{فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[سورة البقرة: ٣٨]

و قَالَ تَعَالَى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[سورة طه: ١٢٣]

وعن جابر tقال سمعت: رسول الله rيقول ( وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ) رواه مسلم ([204])

وَعَنْ أَبِي هريرةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ:( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) أخرجه مالك([205])مرسلا والحاكم مسندا وصححه وحسنه الألباني([206])

وأمادعاة ُالواحدةِ التي في الجنَّةِ فلها داعيتان.

أولاً:الربانيون. قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [ آل عمران: ٧٩]

وللربانيينَ علامتانِ يُعْرَفُونَ بِها للدراسةِ عليهم وسؤالهِم عَنِ اللهِ ودينِهِ ونبيِه.

العلامةُ الأولى:تعليمُ الكتابِ والسنَّةِ. قَالَ تَعَالَى:{بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ}

العلامة الثانية:تَعَلُّمُ الكتابِ والسنَّةِ. قَالَ تَعَالَى:{وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

ثانياً: أهلُ الذِّكْرِ.قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل٤٣ ]

وقد بينَ اللهُ الذِّكْرَ وأهلَهُ ولمْ يَدَعْ بيانَ ذلكَ لأذواقِ النَّاسِ وآرائهِم.

فبينَ الذِّكْرَ بأنَّهُ القرآن. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [سورة فصلت: ٤١ – ٤٢]

وبينَ أهلَ الذِّكْرِ بأنهمُ الذينَ يَعْمَلُونَ بالقرآن. عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَt قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ rيَقُولُ « يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ».رواه مسلم([207])

وبينَّعلاماتِ أهلِ الذِّكْرِ لمعرفتِهِمْ والدراسةِ عليهم وسؤالِهِمْ عَنِ اللهِ و دينِهِ ونبيِهِ.

العلامةُ الأولى: معرفةُ الذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سورة سبأ: ٦]

و قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[ الرعد: ١٩]

بخلافِ دعاةِ الثنتين والسبعين إذلايعرفونَ الذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ} [ الأنبياء: ٢٤]

العلامةُ الثانيةُ: الإيمانُ بالذِّكْرِ كلِّهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} [ آل عمران: ١١٩]

بخلافِ دعاةِ الثنتين ِوالسبعينَ إذْ لايؤمنونَ إلاببعضِهِ.قَالَ تَعَالَى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }[البقرة85 ]

العلامةُ الثالثةُ: اتباعُ الذِّكْرِ في عقائدِهِم وأقوالِهِم وأفعالِهِم وأعمالِهِم وفَتَوَاهُم وتعليمِهِم. قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [ يس:١١]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ يتبعونَ غيرَ الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى:{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [ الروم: ٢٩]

وقَالَ تَعَالَى:{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ}[ البقرة: ١٠٢]

وقَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [سورة الحج: ٣ – ٤]

العلامةُ الرابعةُ: الإنتفاعُ بالذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى:{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ ق: ٤٥ ]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[ الأنعام: ٥١]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ لاينتفعونَ بالذِّكْر. قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة لقمان: ٧ ]

العلامةُ الخامسةُ: حفظُ الذِّكْرِ وفهمِهِ. قَالَ تَعَالَى:{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [سورة العنكبوت: ٤٩ ]

وقَالَ تَعَالَى:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [سورة العنكبوت: ٤٣]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذ يتلونَهُ ولا يفهمونَهُ. قَالَ تَعَالَى:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} [سورة البقرة: ٧٨]

العلامةُ السادسةُ: العملُ بالذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً{107} وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً{108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [سورة الإسراء: ١٠٧ – ١٠٩ ]

وَ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَt قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ rيَقُولُ « يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا ».رواه مسلم([208])

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ لايعملونَ بالذِّكْرِ. قَالَ تَعَالَى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } [سورة الأعراف: ١٧٥]

و قَالَ تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً }[الجمعة: ٥]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ».قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ«فَمَنْ».رواه البخاري([209])ومسلم([210])

العلامةُ السابعةُ: لايَتَعَلَّمُونَ ولايُعَلِّمُونَ لمعرفةِ ربِّهِم ودينِهِم ونبيِهِم إلا الذِّكْر.قَالَ تَعَالَى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}[سورة الإسراء: ١٠٦]

وقَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [ آل عمران: ١٦٤]

العلامةُ التاسعةُ: لايبينون للنَّاسِ لمعرفةِ الربِّ والدِّينِ والنَّبي إلا الذِّكْر.

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ النحل: ٤٤]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ يبينون للنَّاسِ الأهواءَ لاالكتابَ والسنَّةَ.قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[ الأنعام: ١١٩]

العلامةُ التاسعةُ: لا يفتونَ النَّاسَ إلا بالذِّكْر.قَالَ تَعَالَى:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة الأنبياء٧]

وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ rفَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِى بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«قُلْ».قَالَ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا([211]) عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ وَإِنِّى أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ». قَالَ فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬ فَرُجِمَتْ.رواه البخاري([212]) ومسلم([213])

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين إذْ يفتونَ النَّاسَ بالجهلِ لابالكتابِ والسُنَّة. قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [ الأنعام: ١١١]

وعَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ tقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)رواه البخاري([214]) ومسلم([215])

ويفتونَ النَّاسَ بالرأي لابالكتابِ والسُنَّة. قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[ النجم: ٢٣]

وَعَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرٍوtقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري([216])

العلامةُ العاشرةُ: لايحكمونَ بينَ النَّاسِ إلا بالذِّكْر.قَالَ تَعَالَى:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ}[ المائدة:٤٩]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ يحكمونَ بغيرِ الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى:{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[ المائدة: ٤٩]

العلامة الثانية عشرة: لايتحاكمونَ عندَ التنازعِ إلاإلى الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى:{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [ النساء: ٥٩]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ يتحاكمونَ إلى القوانينِ الوضعيةِ والأحكامِ العرفية.

قَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}[النساء٦٠]

العلامة الثالثة عشرة: لا يدعونَ النَّاسَ إلا إلى الذِّكْر.قَالَ تَعَالَى:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}[سورة الحج: ٦٧]

بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين.إذْ يدعونَ النَّاسَ إلى أنفسِهِم لا إلى الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [سورة الأنبياء: ٢٩]

و يدعونَ النَّاسَ إلى حز بِهِم وطائفتِهِم لا إلى الذِّكْر.قَالَ تَعَالَى:{لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [ الأنعام: ٧١]

و يدعونَ النَّاسَ إلى جماعتِهِم لا إلى الذِّكْر. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :tأَنَّ رَسُوْلَ اللهِﷺ‬ قَالَ:(مَنْ قاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ , أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ , أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ , فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ([217]).

فدعاة ُالثنتين والسبعين يدعونَ النَّاسَ إلى النَّارِ لا إلى الله. قَالَ تَعَالَى:{أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [سورة البقرة: ٢٢١]

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فللواحدةِ التي في الجَنِّةِ خمسُ علاماتٍ نَعْرِفُهَا بِهِا لنكونَ على مثلِ ماكانتْ عليه.

العلامةُ الأولى. هيَ اتباعُ وحي الكتابِ والسُنَّةِ وحدَهُ في معرفةِ ربِّها ودينِهِا ونبيِهِا.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَاأُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

العلامةُ الثانيةُ: أنَّها على مثلِ ماكانَ عليِهِ النبيُّﷺ‬وأصحابُهُ.

قَالَ تَعَالَى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{43}وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف44]

و عَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرِوt قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ‬ (تَفَتَرقُ أَمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَةً وَاحَدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُوْلَ اللهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصَحَابِي )رواه الترمذي([218]) حديث حسن لغيره.

فلابُدَّ لنا مِنْ معرفِةِ ما كان َعليهِ النَّبيُّ ﷺ‬ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ حتى نكونَ عليهِ.

النَّبيrُّلم يكنْ على شيءٍ سوى الوحي الذي أوحاهُ اللهُ إليهِ .

قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[ الأعراف: ٢٠٣]

وقَالَ تَعَالَى:{تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{43} وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ{46}فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[سورةالحاقة: ٤٣ – ٤٧]

ولابُدَ لنا مِنْ معرفةِ ماكانَ عليهِ أصحابُ النبيِّﷺ‬ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ حتى نكونَ عليهِ.

أصحابُ النبيr لم يكونوا على شيءٍ سوى الوحي الذي كانَ عليهِ النَّبيُّ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَاأُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الأنعام: ١٥٥]

العلامةُ الثالثةُ: اتباعُ سُنَّةِ النَّبيِّ rوالخلفاءِ الراشدينَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهr .

عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَt قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ‬ (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ).رواه أحمد ([219]) حديث صحيح لذاته.

فلابُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سُنَّةِ النَّبيِّ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ لاتباعِهِا.

وسُنَّتُه ﷺ‬ هي اتباعُ الوحي لا غير.

قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[الأعراف 203]

وَقَالَ تَعَالَى:{تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{43} وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ{44} لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ{45} ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } [سورة الحاقة: ٤٣ – ٤6 ]

ولابُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سنةِ الخلفاءِ الراشدينَ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لاتباعِهِا.

سُنَّتُهُم هي اتباعُ الوحي الذي كانَ عليهِ النَّبيُّﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [ الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الأنعام: ١٥٥]

العلامةُ الرابعةُ: اتباعُ ما كانَ عليهِ عترةُ النبيﷺ‬ أهلُ بيتِهِ.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي " رواه الترمذي([220]) حديث صحيح لغيره

فلابُدَ لنا مِنْ معرفةِ ما كانَ عليهِ عترةُ النبيﷺ‬أهلُ بيتِهِ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لنكونَ عليهِ.

لم تكنْ عترةُ النبيﷺ‬وأهلُ بيتِهِ على شيءٍ سوى الوحي الذي كانَ عليهِ النبيُّﷺ‬ وأصحابُه والخلفاءُ الراشدون .

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [ الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الأنعام: ١٥٥]

وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا) رواه الترمذي([221]) حديث ضعيف

وله شاهدٌ عندَ مسلم

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ " فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي )رواه مسلم([222])

العلامة الخامسة: اتباعُ سبيلِ المؤمنينَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيه الذي حَذَّرَ اللهُ مِنَ اتباعِ غيرِه. قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [ النساء: ١١٥]

فلا بُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سبيلِ المؤمنين في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لاتباعِهِ.

سَبِيلُهُم هواتباعُ الوحي الذي كانَ عليهِ النبيُّ ﷺ‬ والصحابةُ والخلفاءُ الراشدون وأهلُ بيتِ النبيِّﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[ الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

و قَالَ تَعَالَى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{43}وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}[الزخرف44]

فالواحدةُ التي في الجنَّةِ لا تؤمنُ إلا بالوحي الذي آمنَ بِهِ النبيُّﷺ‬ والصحابةُ والخلفاءُ الراشدون وأهلُ بيتِ النبيِّﷺ‬ والمؤمنونَ بخلافِ الثنتينِ والسبعينَ التي في النَّارِ. قَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة: ١٣٧]

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع:الثنتانِ والسبعونَ التي في النَّار

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الثنتينِ والسبعينَ التي في النَّارِ لِنَتَعَرَّفَ على شريعتِهِا ومصادِرِها ودعاتِها وعلاماتِهِا لنجتنبَ ما همْ عليهِ قَالَ تَعَالَى:{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [سورة الأنعام: ٥٥]

فأَمَّا شريعتُهُا التي تتبعُهُا في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَلَهَا أَرْبعُ شرائع.

الشريعةُ الأولى: اتباعُ بَعْضِ مَاشَرَعَهُ اللهُ وتركُ البعضِ.

قَالَ تَعَالَى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٨٥]

الشريعةُالثانيةُ: اتباعُ ماشَرَعَهُ العلماءُ لاَمَاشَرَعَهُ اللهُ.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة: ٣١]

وعَنْ عَدِي بن حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَاحَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟"قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" ) رواه الطبراني([223]) حديث حسن

وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ ».رواه البخاري([224]) ومسلم([225])

الشريعةُ الثالثةُ: اتباعُ مَاشَرَعَهُ النَّاسُ لاَمَاشَرَعَهُ اللهُ.

قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } [ الشورى: ٢١]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬«مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ».رواه البخاري([226]) ومسلم([227])

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ». رواه مسلم([228])

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ:ﷺ‬ (تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ). رواه مسلم([229])

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :tأَنَّ رَسُولَ الله ِﷺ‬ قَالَ(أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا.).رواه مسلم([230])

الشريعةُ الرابعةُ: مصادُرُهَا كلُّها شرائعٌ لَهَا.

وأَمَّا مَصَادِرُهَا التي تتبعُهَا في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ .

فلها عِدَّةُ مَصَادِرٍ .

المصدرُ الأولُ: اتباعُ بعضِ الكتابِ,والسُنَّةِ وتركُ البعضِ.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [ البقرة: ٨٥]

فالمرجئةُ آمنتْ ببعضِ الكتابِ في إثباتِ إيمانِ القلبِ ولم تؤمنْ ببعضِ الكتابِ في إثباتِ إيمانِ الجوارح.

والمعتزلةُ آمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ أسماءِ اللهِ ولم يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ صفاتِ الله.

والأشاعرةُ آمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ أسماءِ اللهِ وسبعٍ مِنْ صفاتِهِ ولمْ يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ بقيةِ الصفات .

والخوارجُآمنوا ببعضِ الكتابِ مِنَ الوعيدِ لصاحبِ الكبيرةِ ولمْ يؤمنوا ببعضِ الكتابِ مِنَ الوَعْدِ لصاحبِ الكبيرة.

والقدريةُ آمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ بعضِ مراتبِ القدرِ ولم يؤمنوا ببعضِ الكتابِ في إثباتِ بقيةِ المراتب.

والصوفيةُ آمنتْ ببعضِ الكتابِ في وجوبِ عبادةِ اللهِ ولم تؤمنْ ببعضِ الكتابِ في تحريمِ الشركِ بالله وآمنت ببعض الكتاب في وجوب عبادة الله ولم تؤمن ببعض الكتاب بأن لمعرفة عبادة الله مصدرين اثنين لاثالث لهما هما الكتاب والسنة.

المصدرالثاني: اتباعُ المتشابِهِ مِنَ الكتابِ,والسُنَّةِ وتركُ المحكم.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [ آل عمران: ٧]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ rهَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ(فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)رواه البخاري([231])ومسلم([232])

والمتشابِهُ هوالذي له عدةُ معاني.

واختيارُ واحدٍ مِنَ المعاني هوالفارقُ بينَ الواحدةِ التي في الجنَّةِ والثنتينِ والسبعينِ التي في النَّار.

فالواحدةُ التي في الجنَّةِ تختارً أحدَ المعاني بدليلٍ آخرَمِنَ الكتابِ والسُنَّةِ لتضمنَ أَنَّهُ المعنى الذي أرادَهُ الله. قَالَ تَعَالَى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [ طه: ١٢٣]

وأمَّا الثنتانِ والسبعونَ

فمنهمْ مِنْ يختارُ أحدَ المعاني بوحي الشيطانِ وهذا سرالضلال.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [ الأنعام: ١٢١]

وقَالَ تَعَالَى:{وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3}كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ }[ الحج: ٣ – ٤ ]

ومنهمْ مَنْ يختارُ أحدَ المعاني بالهوى وهذا سرُ الضلال.

قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }[ص: ٢٦ ]

ومنهمْ مَنْ يختارُ أحدَ المعاني بالرأي وهذا سرُ الضلال.

قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٢٣]

وَعَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرٍوtقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري([233])

ومنهمْ مَنْ يختارُ أحدَ المعاني لمجردِّ قولِ إمامٍ صالحٍ وهذا سرُ الضلالِ لعدم ِعصمةِ أي عالم.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ} [ التوبة: ٣١ ]

وَعَنْ عَدِي بن حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟"قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" ) رواه الطبراني([234]) حديث حسن

ومنهمْ مَنْ يختارُ أحدَ المعاني لمجردِّ قولِ إمامٍ فاسق ٍوهذا سرُالضلالِ .

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[سورة التوبة: ٣٤]

وعَنْ ثَوْبَانَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ)rإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ)رواه أبوداود([235])حديث صحيح لغيره.

والمحكمُ هو الذي له معنىً واحدٌ بينٌ واضحٌ لمْ يُنْسَخْ ولمْ يُخَصَّ ولمْ يُقَيَّدْ. كقوله تَعَالَى: { وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ }[الطلاق4]

المصدرُ الثالث: اتباعُ الهوى لااتباعُ الكتابِ والسُنَّةِ.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} [ الروم: ٢٩]

وقَالَ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ القصص: ٥٠ ]

المصدرُالرابع: اتباعُ الجهلِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّةِ.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [ الأنعام: ١١١]

و عَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ tقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الَّهِ ﷺ‬ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)رواه البخاري([236]) ومسلم([237])

المصدرُ الخامس: اتباعُ الرأي لااتباعُ الوحي.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[ النجم: ٢٣]

وَعَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرٍوtقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري([238])

وَعَنْ عَلِىٍّ rقَالَ:( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْىِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ).رواه أبوداود([239]) حديث صحيح لذاته.

المصدرُ السادس: اتباعُ غيرتِهِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّةِ.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِى رَجُلاً لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِىَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« نَعَمْ ». قَالَ كَلاَّ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى ».رواه مسلم([240])

وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَt قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ عَنْهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ rفَقَالَ « أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ». رواه البخاري([241]) ومسلم([242])

فضبطَ النبيُّ rالغيرةّ بما في حديثِ المغيرة.

فالعجبُ كانَ مِنْ غيرةِ اللهِ, ورسولِهِ اللذانِ هما أشدُّ غيرةً مِنْ سعد وقد أوجبا الشهودَ في الحدود.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ tقَالَ :كَانَتِ امْرَأَةٌ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَم ِ الْسُّوْءَ فَقَالَ الْنَّبِيُّ :ﷺ‬( لَوْ رَجَمْتُ أَحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ). رَوَاهُ الْبُخَارِي([243])

المصدرُ السابع: اتباعُ حماسِهِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّة.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [سورة المائدة: ٨٧]

وَعَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ tقَالَ:جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ rيَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ rفَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ rقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ rإِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)رواه البخاري([244])

المصدر الثامن: اتباعُ حسِهِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّةِ.

كتركِهِ اتباعَ الكتابِ والسُنَّةِ المعصومين واتباعُ سمعِهِ وبصرِهِ غيرِ المعصومين.

قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }[الأعراف198 ]

وهو مصدرٌ يتبعُهُ كلُّ مَنْ يقدمُ الحسَ على الكتابِ والسُنَّةِ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١]

المصدرُ التاسع: اتباعُ ذوقِهِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّة.

وهو مصدرٌ يتبعُهُ كلُّ مَنْ يقدمُ الحسَ على الكتابِ والسُنًّةِ في معرفةِ اللهِ ونبيِهِ ودينِهِ.قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[سورة محمد: ١٤]

والشيطانُ يجعلُ للباطلِ عندَهم ذوقاً.

قَالَ تَعَالَى:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [سورة العنكبوت: ٣٨]

وقَالَ تَعَالَى:{تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [ النحل: ٦٣ ]

المصدرُ العاشر: ترك الكتاب والسنة واتباع شيطانه.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{101} وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ}[ البقرة: ١٠٢ ]

المصدر الحادي عشر:اتباعُ أقوالِ وأفعالِ الأشخاصِ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّةِ.

فمنهمْ مَنْ يتبعُ أقوالَ وأفعالَ الآباءِ لا الكتابَ والسنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [ المائدة: ١٠٤ ]

ومنهمْ مَنْ يتبعُ أقوالَ وأفعالَ الصالحينَ مِنَ العلماءِ والعبادِ لا الكتابَ والسنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [ التوبة: ٣١ ]

وَعَنْ عَدِي بن حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟"قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" )رواه الطبراني([245]) حديث حسن

ومنهمْ مَنْ يتبعُ أقوالَ وأفعالَ فسقةِ العلماءِ والعبادِ لا الكتابَ والسنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[التوبة: ٣٤]

ومنهمْ مَنْ يتبعُ أقوالَ وأفعالَ السادةِ والكبراءِ لا الكتابَ والسنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67}رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[ الأحزاب: ٦٦ – ٦٨]

المصدرُ الثاني عشر: اتباعُ ما عليهِ الكثرةُ لااتباعُ الكتابِ والسُنَّة. قَالَ تَعَالَى:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ}[ الأنعام: ١١٦]

المصدرُ الثالث عشر: اتباعُ القياسٍ معَ وجودِ النَّص.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:49 ]

المصدرُ الرابع عشر: اتباعُ المعاني اللغويةِ معَ وجودِ النَّص.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة:49 ]

المصدرُ الخامس عشر: اتباعُ الإجتهادِ معَ وجودِ النَّص.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} [سورة المائدة:49 ]

المصدرُ السادس عشر: اتباعُ شريعةِ مَنْ قبلَنا المنسوخةِ وتركُ شريعتِنِا الناسخة.

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [سورة المائدة: ٤٨]

و عبد اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍt قَالَ: جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِt إِلَى النَّبِيِّ rفَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنْ التَّوْرَاةِ أَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ قَالَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ rوقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ إِنَّكُمْ حَظِّي مِنْ الْأُمَمِ وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنْ النَّبِيِّينَ).رواه أحمد([246]) حديث حسن لغيره.

و عَنْ جَابِرِ بْنِ عبد اللَّهِt: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ tأَتَى النَّبِيَّ rبِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ النَّبِيُّ rفَغَضِبَ فَقَالَ أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى rكَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِيِ ).رواه أحمد([247]) حديث حسن لغيره.

المصدرُ السابع عشر: اتباعُ الرؤى والأحلامِ والكراماتِ المبنيةِ على الظنِّ وتركُ اتباعِ الكتابِ والسنةِ المبنيينِ على العلمِ واليقين .

قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٢٣]

وقَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [ يونس: ٣٦]

وهومصدرٌ يتبعُهُ الثنتانِ والسبعونَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ. وقد نهي الله عنه.

قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [ الإسراء: ٣٦]

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

وعلاماتُها التي تُعْرَفُ بِهَا ليجتنبَها المسلم.

العلامةُ الأولى: جعلُ شركاءَ لله. قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء}[الأنعام100]

وقد جعلوا للهِ شركاءَ في ا لملك.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ }[الإسراء: ١١١]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ }[ سبأ: ٢٢ ]

وجعلوا للهِ شركاءَ في ا الخلق.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى: { أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[الرعد16 ]

وجعلوا للهِ شركاءَ في ا التشريع.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[الشورى 21]

و جعلوا للهِ شركاءَ في الأمرِ والنهي.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤]

وجعلوا للهِ شركاءَ في الحكم.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ }[يوسف: ٤٠]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً }[ الكهف: ٢٦]

وجعلوا للهِ شركاءَ في التحليلِ والتحريم.

فردَّ اللُه عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }[ النحل: ١١٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ }[ يونس: ٥٩]

وجعلوا للهِ شركاءَ في العبادة.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[ص65]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ}[النحل: ٥١]

و قَالَ تَعَالَى:{ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[المائدة: ٧٣]

و قَالَ تَعَالَى:{قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً {42} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً}[الإسراء42-43]

العلامةُ الثانية: فهمُ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرُهُما بغيرِ الكتابِ والسُنَّةِ.

فمنهم مَنْ يتبعُ في فهمِ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرِهِما الشيطانَ لاالكتابَ والسُنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [ الحج: ٣ – ٤ٍ]

ومنهم مَنْ يتبعُ في فهمِ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرِهِما الهوى لاالكتابَ والسُنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: ٢٦]

وقَالَ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [ القصص: ٥٠]

ومنهم مَنْ يتبعُ في فهمِ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرِهِمافسقةَ والعلماءِ والعبادِ لاالكتابَ والسُنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ} [سورة التوبة: ٣٤]

ومنهم مَنْ يتبعُ في فهمِ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرِهِماالصالحينَ من العلماءِ والعبادِ لاالكتابَ والسُنَّة.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة التوبة: ٣١ ]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ «فَمَنْ ».رواه البخاري([248]) ومسلم([249])

ومنهم مَنْ يتبعُ في فهمِ الكتابِ والسُنَّةِ وتفسيرِهِما الرأي لا الكتابَ والسُنَّة. قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [ النجم: ٢٣]

وجهلَ هؤلاءِ جميعاً أَنَّ مرادَ اللهِ في الكتابِ والسُنَّةِ لايعلمُهُ إلا الله { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }

ولهذا تكفلَ ببيانِ مرادِهِ بنفسِهِ ولمْ يدعٍ ذلكَ لآراءِ النَّاسِ وأذواقهِم.

قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [ القيامة:١٩]

وقَالَ تَعَالَى:{وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [ الأنعام١٠٥]

وأرسلَ الرسُل: وأخبرَهُم بمرادِهِ ليبينوه للنَّاسِ ولمْ يجعلْ بيانَ مرادِهِ لآراءِ النَّاسِ وأذواقهِم.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[إبراهيم: ٤]

وقَالَ تَعَالَى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [ النحل:٤٤]

العلامةُ الثالثة: مصادرُهُم كلُّها علاماتٌ لهم يُعْرَفُونَ بِها.

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبة الجمعة

الموضوع: لاتغضب.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ قَوْلِ النبيr (لاتغضب)

لاَ يَحْمِلُ الْحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ وَلاَ يَنَالُ الْعُلاَ مَنْ طَبْعُهُ الْغَضَبُ

قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاء:الْغَضَبُ أَشَدُّ نِكَايَةً في الْعَاقِلِ مِنَ الْنَّارِ في يَبَسِ الْعَوْسَجِ.

وَقَالَ :الْغَضَبُ بَذْرُ الْنَّدَم ِ، وَتَرْكُهُ أَسْهَلُ مِنْ إِصْلاَح ِمَا يُفْسِدُهُ وَسُرْعَةُ الْغَضَبِ مِنْ شِيَم ِ الْحَمْقَى.

وقد قيل: مَنْ كَثُرَ غَضَبُهُ كَثُرَ غَلَطُهُ وَمَنْ كَثُرَ غَلَطَهُ طَالَ حُزْنُهُ وَأَلمهُ

وقيل:مَنْ أَطَاعَ غَضَبَهُ قَادَهُ إِلى الْنَّارِ وَصَيَّرَهُ إِلى ذُلِّ الاِعْتِذَارِ.

فَلَمْ أَرَ في الأَعْـدَاءِ حِـيْنَ اخْتَـبَرْتُهُمْ عَدُوَاً لِعَقْلِ الْمَرْءِ أَعْدَى مِنَ الْغَضَبِ

عَنْ أَبِي هُرِيْرَةَ t: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: للنَّبي ﷺ‬: أَوْصِنِي. قَالَ:( لاَ تَغْضَبْ) فَرَدَدَ مِرَارَاً قَالَ:( لاَ تَغْضَبْ) رَوَاهُ البُخَارِي([250])

وعَنْ حُمِيدِ بْنِ عَبْدِ الْرَّحْمنِ أَنَّ الْرَّجُلَ؟ قَالَ: فَفَكَّرْتُ حِيْنَ قَالَ: النَّبِيُّ مَا قَالَ: فَإِذَا الْغَضَبُ يَجْمَعُ الْشَرَّ كُلَّهُ. رواه أَحْمَدُ([251])

فالْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ. مِفْتَاحٌ لِلكُفْرِ مِفْتَاحٌ للْقَتْلِ مِفْتَاحٌ للطَّلاَقِ مِفْتَاحٌ للظُّلْمِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِفْتَاحٌ لظُلْمِ النفسِ و الْزَّوْجَةِ ,وَالْبَنِين، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْن، وَظُلْمِ الْمُوَظَّفِينَ وَالْمُرَاجِعِين.

وللغضبِ أَسْبَابٌ.

الْسَّبَبُ الأَوَّلُ: رُؤْيَةُ مَا يَكْرَهُ الإنسان.

فَإِذَا رأى الإنسانُ ما يَكْرَه داهَمَهُ الغضبُ في المكانِ فليمسكِ اليدَ واللسان لأَنَّ هاتينِ الآلتينِ تعملانِ بِمُجَردِّ الرؤيةِ لِمَا يَكْرَه

فاللسانُ يَعملُ في السبِّ والشتمِ والتعييرِ والإستهزاءِ والشماتةِ والسخريةِ والوعيدِ للمغضوبِ عليهِ واليدُ تعملُ في البطشِ وإمساكِ المغضوبِ عليهِ وضَرْبِهِ وقَتْلِهِ.

عَنْ عَائشَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، »رَوَاهُ مُسْلِمٌ([252])

الْسَّبَبُ الْثَّانِي: سَمَاعُ مَا يَكْرَهُ الإنسان .

فَإِذَا سمعَ الإنسانُ مايَكْرَهُ داهَمَهُ الغضبُ في المكان فليمسكِ اليدَ واللسان لأَنَّ هاتينِ الآلتينِ تعملانِ بِمُجَرَّدِ السماعِ لِمَا يَكْرَهُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬: (لَيْسَ الْشَّدِيْدُ بِالْصُّرَعَةِ وإِنَّمَا الْشَّدِيْدُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ). رواه البخاري([253]) ومسلم([254])

الْسَّبَبُ الْثَّالِثُ: الْعِلْمُ بِمَا يَكْرَهُ الإنسان فَإِذَا علم الإنسان بما يكره داهمه الغضبُ في المكان فليمسك اليدَ واللسان لأنَّ هاتينِ الآلتينِ تعملانِ بمجردِّ العلمِ بما يكرَهُ.

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ: (مَا تَعُدُّوْنَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟) قُلْنَا: الْذِي لاَيَصْرَعُهُ الْرِّجَالُ قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ ) وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مسلم([255])

والغضبُ داءٌ لا يُرْجَى بُرؤه ولكنْ له مسكناتٌ تَخْفِضُهُ إذا تعاطاها المصاب.

فلا غنى له عَنِ المسكناتِ لأَنَّ الداءَ يتحركُ بمجردِّ وجودِ سببٍ مِنْ أسبابِهِ في أي لحظة.

مسكنات الغضب.

الْمُسَكِّنُ الأَوَّلُ: السكوت.

فإذا غضبتَ فاسكتْ ولا تتكلمْ بكلمةٍ حتى يسكنَ الغضب.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬: (إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ) قَالَهَا ثَلاَثَاً. رَوَاهُ أَحْمَدُ([256]), وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِي([257])

فلا تنصحْ وأنتَ غضبان ولا تعلمْ وأنتَ غضبان ولا تعاقبْ وأنتَ غضبان ولكنِ اسكتْ حتى يسكنَ الغضب ثم قلْ ما شئت وافعلْ ماشئت.

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ tقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَقُولُ:( لَا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ)رواه البخاري([258]) ومسلم([259])

الْمُسَكِّنُ الْثَّانِي: أمْسِكْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ إذَا غضبتَ. لأَنَّ هاتينِ الآلتينِ تعملانِ بِمُجَردِّ وجودِ سببٍ مِنْ أسبابِ الغضب.

فاللسانُ يَعملُ في السبِّ والشتمِ والتعييرِ والإستهزاءِ والشماتةِ والسخريةِ والوعيدِ للمغضوبِ عليهِ واليدُ تعملُ في البطش.

عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ:( مَا تَعُدُّونَ الْصُّرَعَةَ فِيْكُمْ؟). قُلْنَا: الْذِي لاَ يصْرَعُهُ الْرِّجَالُ. قَالَ: (لَيْسَ ذَلِكَ). وَلَكِنَّهُ الْذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).رواه مُسْلِمٍ([260])

الْمُسَكِّنُ الْثَّالِثُ: الإستعاذةُ باللهِ مِنَ الشيطانِ لأَنَّهُ يَنْفِخُ جَمْرَةَ الغضبِ حتى تصبحَ نَارَاً لتحرقَ الغضبانَ وتحرقَ مَنْ حَوْلَه.

قَالَ تَعَالَى:{ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأعراف200]

وَعَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ صُرَدٍ t قَالَ:اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ‬ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوْسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ, فَقَالَ: النَّبِيُّ ﷺ‬:( إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَو قَالَ: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الْشَّيْطَانِ الْرَّجِيْمِ فَقَالُوا للرَّجُلِ: ألاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيّrقَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ).رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ([261])وَمُسْلِمُ ([262])

الْمُسَكِّنُ الْرَّابِعُ: الوضوءُ. فإذا غضبتَ فتوضأْ لتطفأَ جذوةَ نارِ الغضب حتى لا يجدَ الشيطانُ شيئاً ينفخُهُ ولو بعدَ حين.

عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّعْدِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَطِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ: ( إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الْشَّيْطَانِ وَإِنَّ الْشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ الْنَّارِ , وَإِنَّمَا تُطْفَأُ الْنَّارُ بِالْمَاءِ , فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَأْ). رَوَاهُ أَبُو دَاودَ([263]) وَضَعَّفَهُ الألباني([264])

والحديثُ وإنْ كانَ ضعيفاً فإنَّ له معنىً صحيحاً دلَ عليه ِكتابُ اللهِ فإمَّا ينزغنَّك مِنَ الشيطانِ نزغٌ.

الْمُسَكِّنُ الْخَامِسُ: لاتتهيأْ للشرِّ إذا غضبتَ بالقيامِ أوالسلاح وإذا غضبتَ وأنتَ متهيئٌ للشرِّ فسارعْ بتغييرِ هيئتِك ولو بالجلوسِ أو الإضطجاع .

عَنْ أَبِي ذَرٍّ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬:( إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِن ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَّجِعْ ). رَوَاهُ أَحْمَدُ ([265])وَأَبُو دَاودَ([266])وصححه الألباني([267])

لأن الْقَائِمَ قريبٌ من الشَّرِّ، وَالْقَاعِدَ أبعدُ عَنِ الشرِّ مِنَ القائمِ وَالْمُضْطَجِعَ أَبْعَدُ من القاعد.

فكلَّما أبعدتَ عَنِ الشرِّ سَلِمْتَ وسَلَّمْتَ.

الْمُسَكِّنُ الْسَّادِسُ: تَذَكَّرْ قُدْرَةَ اللهِ عَلَيْكَ إذَا قَدِرْتَ عَلَى غَيْرِكَ ممنْ لا يستطيعُ دفعَكَ لضعْفِه كالزوجةِ والولدِ والبنتِ والموظفِ.

عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الأَنْصَارِي tقَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَماً لِي بِسَوْطٍ فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتَاً اعلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ اعْلَمْ ْأبَا مَسْعُوْدٍ. فَلَمْ أَفْهَمِ الْصَّوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ, فَلَمَّا دَنَا الْتَفَتُّ فَإِذَا هُوْ رَسُوْلُ اللهِ rفَسَقَطَ الْسَّوْطُ مِنْ يَدي مِنْ هَيْبَتِهِﷺ‬ فَقَالَ: ( اعْلَمْ أَبَا مَسْعُوْدٍ للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ) فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ فَقَالَ:( أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ الْنَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ الْنَّارُ)رَوَاهُ مُسْلِمٌ([268]) .

قَالَ أَبُو مَسْعُوْدٍ t فَقَلْتُ: لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوْكاً بَعْدَهُ أَبَداً ).رواه مسلم([269])

الْمُسَكِّنُ الْسَّابِعُ: تَذَكَّرْ ثَوَابَ الْعَفْوِ عِنْدَ الْمَقْدِرَةِ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ ليسكن الغضب.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور22 ]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬:(مَا زَادَ اللهُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إِلاَ عِزّاً) رواه مسلم([270])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فَالْمُسَكِّنُ الثامنُ: تَذَكَّرْ كَرَاهَةَ الْنَّاسِ لَكَ.

فَمَا اسْتُجْلِبَ الْبُغْضُ وَالْكَرَاهَة بِمِثْلِ الْغَضَبِ والْحَمَاقَةِ.

فَالْغَضْبَانُ أَبْغَضُ إِنْسَان عندَ زوجتِهِ وولدِهِ وأبويه وموظفيه ومراجعيه ومخالطيه لأَنَّهُ يَظْلِمُ مَنْ خَالَطَهُ، وَيَتَعَدَّى على مَنْ هُوَ دُوْنَهُ،وَيَتَطَاوَلُ على مَنْ هُوَ فَوْقَهُ َيَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ تَمْييزٍ، كَثِيْرُ الْكَلاَمِ، سَرِيْعُ الْجَوَابِ يَنْهَى عَنِ الْشَّيءِ وَيَأْتِيْهِ، وَيَفْخَرُ بِمَا لَيْسَ فِيْهِ، مَنْ سَمِعَ بِهِ أَبْغَضَهُ ومَنْ خَالَطَهُ سَبَّهُ ولَعَنَه.

الْمُسَكِّنُ التاسع: تَذَكَّرْ أنَّ للغضبِ آثَارَاً باطنةً وظاهرةً على وجهِكَ ولسانِكَ وجوارحِكَ تعرفُ بِهَا نفسَكَ أنَّكَ مصابٌ بداءِ الغضبِ لتسارعَ في أخذِ المسكنات ويعرفُكُ بِهَا النَّاسُ أنَّكَ مصابٌ فيكرَهُوا معاشرتَك ومخالطتَك .

آثَارُهُ الْظَّاهِرَةُ على الوجه: تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، احْمِرَارُ الْوَجْهِ، انْتِفَاخُ الأَوْدَاجِ تَقَلُّبُ الْمَنَاخِرِ على أتفَهِ الأسباب .

آثَارُهُ الْظَّاهِرَةُ عَلَى اللِّسَانِ. الْسَّبُّ، وَالْشَّتْمُ، وَالْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَالْشَّمَاتَةُ، وَالْتَّعْييرُ وَالاسْتِهْزَاءُ، وَالْغِيْبَةُ، وَإِفْشَاءُ الْسِّرِّ، وَهَتْكُ الْسِّتْرِ عَنِ الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِ وتوعُدُهُ بالضربِ أو القتلِ أو الحبس.

آثَارُهُ الْظَّاهِرَةُ عَلَى الْجَوَارِح ِ. الْضَّرْبُ وَالْقَتْلُ إِنْ أَمَسَكَهُ وَقَدِرَ عَلَيْهِ فإِنْ فَاتَهُ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ ضَربَ نَفْسَهُ، وَلَطمَ خَدَّهُ وَشَقَّ جَيْبَهُ، وَعَضَّ يَدَهُ وَرَجَعَ عَلَى مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ ممَنْ لاقدرةَ له على دفعِهِ كَالْزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَا لبنتِ والْدَابَةِ والجماد.

آثَارُ هُ الْبَاطِنَةُ عَلَى الْقَلْب. الْحِقْدُ، وَالحَسَدُ، وَالْحُزْنُ، وَإِضْمَارُ الْسُّوءِ للمَغْضُوبِ عَلَيْهِ.

ألاوصلوا على مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب]56

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزلُ الخطيبُ إلى الصلاةِ

خطبةالجمعة

الموضوع:الذنبُ الأعظم

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الذنبِ الأعظم

والذنبُ الأعظم أَنْ يشركَ المسلم.

قَال َتَعَالَى:{وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }[النساء: ٤٨]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ tقَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ(أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) .رواه البخاري([271])ومسلم([272])

والشر كُ باللهِ هو عبادةُ غيرِ اللهِ مَعَ الله .

قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ }[الرعد36]

وقَال َتَعَالَى: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }[الكهف110]

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ " رواه مسلم ([273])

وقد نهى الله أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُ الله.

قَال َتَعَالَى: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً}[ النساء: ٣٦]

والشركُ ظلمٌ عظيم. قَال َتَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }[لقمان: ١٣]

والمشركُ ظالمٌ لأَنَّ الله َخَلَقَهُ فعبدَ غَيْرَه.

قَال َتَعَالَى:{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ {191} وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ }[الأعراف: ١٩٢]

ورزقَهُ فشكرَ سِوَاه .

قَال َتَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [النحل: ٧٣]

عِبَادَ الله لمَّا كانَ الشركُ ذنباً عظيماً عاقبَ اللهُ المشركَ عقاباً أليماً.

عقوباتُ المشْرِكِ.

العقوبةُ الأولى: لا يقبلُ اللهُ مِنَ المشركِ صياماً ولا صلاه ولا حجاً ولا زكاه حتى يتوبَ إلى الله. قَال َتَعَالَى: { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: ٨٨ ]

و قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: ٦٥]

العقوبةُ الثانية: أَنَّ اللهَ لا يغفرُ للمشركِ إذاماتَ قبلَ أَنْ يتوبَ مِنَ الشركِ وإِنْ صامَ وصلى وحجَّ وزكى وزعمَ أَنَّهُ مسلم.

قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء: ٤٨]

فجميعُ الذنوبِ يُمْكِنُ أَنْ يغفرَهَا اللهُ لِمَنْ ماتَ عليها إلا الشِرْك.

قَالَ تَعَالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ } [النساء: ٤٨]

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ t أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ:( عَرَضَ لِى جِبْرِيلَ فَقَالَ:( بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ نَعَمْ وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ».رواه البخاري([274]) ومسلم([275])

العقوبةُ الثالثة: أَنَّ اللهَ يدخلُهُ النَّارَ ويعاملُهُ معاملةَ الكفارِ وإِنْ صامَ وصلى وحجَّ وزكى وزعمَ أَنَّهُ مسلم .قَال َتَعَالَى:{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[المائدة: ٧٢]

و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِt قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬يَقُولُ:( مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ) رواه مسلم([276])

العقوبةُ الرابعة:أَنْ المشْرِكَ لا تنفعُهُ شفاعةُ الشافعين.

قَال َتَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }[المدثر: ٤٨]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قَالَ:( إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ)رواه البخاري([277])

ولا يشفعُ لَهُ سيدُ المرسلين ﷺ‬.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا).رواه مسلم ([278])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إِنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبةُ الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عِبَادَ الله ِ قد يقعُ في الشِرْكِ بعضُ المسلمين لجهلِهِ بأعمالِ المشركين

فهؤلاءِ الصفوةُ مِنْ قومِ موسى عليهِ السلام نجاهُمُ اللهُ مِنَ الغَرَقِ وفرعون فإذا هُمْ يُشْركون. قَال َتَعَالَى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138} إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {139}قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }[الأعراف: ١٣٨ - ١٤٠]

وهذا ماطَلَبَهُ بَعْضُ المسلمينَ لمَّا خَرَجُوا إلى غزوةِ حُنَيْن لجهلِهِم بأعمالِ المشركين .

عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ t قَالَ:(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬: " اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّهَا السُّنَنُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ :(اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ " رواه أحمد ([279])و الطبراني ([280])

وللشركِ صورٌ وأشكال فصلَها ربُّ العزةِ والجلال.

قَال َتَعَالَى:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}[الأنعام: ١١٩]

فمِنْها القوليةُ كالدعاء ومنها الفعليةُ كالذبح ِوالطواف ومنها الإعتقادية ُكاعتقادِ أَنَّ غيرَ اللهِ يملكُ شيئاً معَ الله أو يستحقُ العبادةَ معَ الله . ألاوصَلُّوا على مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليه فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة

خطبةالجمعة

الموضوع: مِنْ صُوَرِ الشِرْكِ باللهِ دُعَاءُ غيرِ الله.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ صورةٍ مِنْ صُوَرِ الشِرْكِ بالله وهيَ دعاءُ غيرِ الله.

قَال َتَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [الأنعام: ١٥١]

ودعاءُ غيرِ الله فيما لايقدرُ عليهِ إلا الله مما حرمَهُ الله.

قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: ١٨]

وأصلُ الشركِ بربِّ العالمين هو دعاءُ المشركين َللمخلوقين .

فَمَنْ دَعَا غيرَ الله فيما لايَقْدِرُ عليهِ إلا الله فقد أَشْرَكَ بِمَوْلاَه.

قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}[ الجن 20]

وتوعدَ بالعذاب مَنْ دَعَا غيرَ الوهاب.

قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } [الشعراء: ٢١٣]

و قَال َتَعَالَى: { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: ١١٧]

وما دعاءُ أصحابِ القبورِ والمشاهد إلا دليلٌ على الشِرْكِ وشاهد .

قَال َتَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} [النحل:٢١]

و قَال َتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: ١٩٤]

ولكنْ لا يؤمنُ هؤلاء حتى يشركوا باللهِ في الدعاء.

قَال َتَعَالَى: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: ١٢]

ردودُ ربِّ العالمين على شبهاتِ المشركين في عبادةِ ودعاءِ المخلوقين.

الشبهةُ الأولى: زَعَمُوا بأَنَّ غَيْرَ اللهِ يستجيبُ لِمَنْ دعاه.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. قَال َتَعَالَى: { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [الرعد: ١٤ ]

و قَال َتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: ١٩٤]

و قَال َتَعَالَى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: ٥]

الشبهةُ الثانية: زَعَمُوا بأَنَّ غَيْرَ اللهِ يملكُ شيئاً لمَنْ دَعَاهُ.

فردَّ اللهُ عليهم: قَال َتَعَالَى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} [سبأ: ٢٢]

و قَال َتَعَالَى: { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء: ٥٦]

و قَال َتَعَالَى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}[فاطر: ١٣]

الشبهةُ الثالثة: زَعَمُوا بأَنَّ غَيْرَ اللهِ يملكُ جلبَ النفعِ ,ودفعَ الضرِ لِمَنْ دَعَاه.

فردَّ اللهُ عليهم. قَال َتَعَالَى:{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106} وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يونس:١٠٦ - ١٠٧]

و قَال َتَعَالَى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: ٢]

الشبهةُ الرابعة: زَعَمُوا بأَنَّ غَيْرَ اللهِ يملكُ الشفاعةَ لِمَنْ دَعَاه . قَال َتَعَالَى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }[يونس: ١٨]

فردَّ اللهُ عليهم: قَال َتَعَالَى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[الزمر: 44 ]

الشبهةُ الخامسةُ: زعموا بأنَّ اللهَ أثبتَ الشفاعةَ لغيرِهِ مطلقاً.

فردَّ اللهُ عليهم بأنَّ الشفاعةَ التي أثبَتَهَا قيدَهَا بالأذنِ للشافعِ. قَال َتَعَالَى:{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]

و الرضا عَنِ المشفوعِ لَه. قَال َتَعَالَى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }[الأنبياء: ٢٨]

وأخبرَهُم أنَّهُ لا يرضى عَنِ المشركين.قَال َتَعَالَى:{فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: ٩٦]

ولايقبلُ شفاعةَ الشافعين إذا شفعوا للمشركين. قَال َتَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]

و قَال َتَعَالَى: { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٩٤ ]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا).رواه مسلم ([281])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عباد الله

الشبهةُ السادسة: زعموا بأنَّ مَنْ توسلَ بغيرِ اللهِ قربَهُ مِنَ الله .

فردَّ اللهُ عليهم: قَال َتَعَالَى: { فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: ٢٨]

وأخبرَهُم أَنَّ التوسلَ بالأولياءِ , والصالحينَ مِنْ أعمالِ المشركين. قَال َتَعَالَى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣]

ونهى المسلمينَ عَنْ أعمالِ المشركين. قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: ٥٦]

و قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: ٦٦ ]

وقَال َتَعَالَى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4}وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5}لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون ١ – ٦]

وأمرَ المسلمينَ بالردِّ على مَنْ يدعونَ لأعمالِ المشركين. قَال َتَعَالَى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}[الزمر: ٦٤]

الشبهةُ السابعة: زعموا بأنَّ كلامَ اللهِ في تحريمِ الشركِ باللهِ هو كلامُ البشر . قَال َتَعَالَى: { ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }[المدثر: ٢٥]

فردَّ اللهُ عليهم:قَال َتَعَالَى:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26}وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28}لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29}[المدثر: ٢٩ ] ألاوصلوا على مَنْ أَمرَكُمُ اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56] اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ثم ينزل إلى الصلاة

خطبةالجمعة

الموضوع: من صور الشرك بالله عبادةالأولياء والصالحين.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ صورةٍ مِنْ صُوَرِ الشِرْكِ بالله.

قَالَ تَعَالىَ{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }[الأنعام ١٥١]

وَ مِنَ الشركِ الذي حرَمَهُ ربُّ العالمين عبادةُ الأولياءِ والصالحين.

قَالَ تَعَالىَ:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[التوبة31]

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ».قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ«فَمَنْ».رواه البخاري([282])ومسلم([283])

ومَنْ عَظَّمَ الأولياءَ ,والصالحين عَبَدَهُمْ ولو بعدَ حين .

قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً}[نوح:23 ]

فَوَدُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه

وَسُوَاعُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه

ويَغُوثُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه

ويَعُوقُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه

ونَسْرُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه

عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:قَالَ( هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنْ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ فصَارَتْ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ عِنْدَ سَبَإٍ وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الْكَلَاعِ) رواه البخاري([284])

وقَال َتَعَالَى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ}[النجم19]

واللاَّتُ رجلٌ صالحٌ عَظَّمُوهُ فَعَبَدُوه. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍtقال: كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ) رواه البخاري([285])

فمَنْ بنى على القبورِ المساجد وا تخذَ المزاراتِ و المشاهد كانَ دليلاً على الشركِ وشاهد.

عَنْ عَائِشَةَ~ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ~ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬:(أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ)رواه اليخاري([286]) ومسلم([287])

وَ عَنْ عَائِشَةَ ~ لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ا تَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري ([288]) ومسلم([289])

عبدَاللهِ: إذا عرفتَ هذه الصورةَ الشركيه عرفتَ في كلِّ زمانٍ , ومكانٍ نُسَخَهَا الأ صليه .

وما يعملُ اليومَ في بعضِ البلدانِ الإسلاميه إنَّمَا هو نُسَخٌ أصليه لهذِهِ المظاهرِ الشركيه .

فما يعملُهكثيرٌ مِنَ المسلمين مِنْ تعظيمِ الصالحين , و بناءِ المساجدِ على المقبورين , وجعلِهِم معبودين إنَّما هو صورةٌ لعملِ اليهودِ ,والنصارى ,و المشركين .

قَال َتَعَالَى:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138}إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {139}قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ }[الأعراف: ١٣٨ - ١٤٠]

وعَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ t قَالَ:(خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬: " اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّهَا السُّنَنُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ :(اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ )لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ " رواه أحمد ([290])و الطبراني ([291])

وعبادةُ الأولياءِ ,والصالحين أنواع .

النوع ُالأول:عبادةُ الأولياءِ , والصالحينَ بالقلب .

فمَنْ عَبَدَ الأولياءَ بقلبِهِ ؛ فاعتقدَ بِهِ أنَّهُمْ يعلمونَ الغيبَ ,أويملكونَ جلبَ الخيرِ ,أودفعَ الشرِّ , أوإزالةَ الضر؛ أويستحقونَ شيئاً مِنَ العبادةِ فقد أشركَ بقلبِهِ , وجحدَ وحدانيةَ ربِهِ الثابتةَ بقولِهِ: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}[النحل:٢٢]

واعتقادُ هذا الجاحد , دليلٌ على عدمِ علمِهِ بأنَّ اللهَ واحد .قَال َتَعَالَى: {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[ إبراهيم: ٥٢]

وقد عبدَ بقلبِهِ اثنين واللهُ يقولُ ولا تتخذوا إلاهين . قَال َتَعَالَى: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: ٥١]

ومازالَ كثيرٌ مِمَنْ يدعي الإيمان مصرا ًعلى الشركِ بالرحمن. قَال َتَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }[يوسف : ١٠٦]

و قَال َتَعَالَى:{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }[غافر: ١٢]

النوعُ الثاني: عبادةُ الأولياءِ باللسان .

فمَنْ عبدَ الأولياءَ بلسانِهِ ؛ فدعاهُم بِهِ في جلبِ خير, أو استعانَ بِهِم في دفعِ شَر ,أو استغاثَ بِهِم في إ زالةِ ضر ؛ فقد أشركَ بلسانِهِ ,وجحدَ وحدانيةَ إلهِهِ. قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: ١٨]

و قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}[ الجن 20]

و قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } [الشعراء: ٢١٣]

ود عاءُ الأولياءِ مِنْ هذا الجاحد ؛ دليلٌ على عدمِ علمِهِ ؛بأنَّ اللهَ واحد .

قَال َتَعَالَى: { وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[إبراهيم: ٥٢ ]

وقد عبدَ بلسانِهِ اثنين واللهُ يقولُ ولا تتخذوا إلاهين . قَال َتَعَالَى: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: ٥١]

ومازالَ كثيرٌ ممَنْ يدعي الإيمان مصرا ًعلى الشركِ بالرحمن. قَال َتَعَالَى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }[يوسف : ١٠٦]

و قَال َتَعَالَى:{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }[غافر: ١٢]

النوع الثالث: عبادة الأ ولياء , والصالحين بالجوارح.

فمَنْ عبدَ الأولياءَ والصالحينَ بجوارحِهِ فطافَ على قبورِهِم وتمسحَ بِهَا , أو بجدرَانِهِا , أو بترابِهِا , أوبأستارِها , أو قربَ لهم ذبحاً , أو طعاما , أو شراباً , أو مالا فقد أشركَ بفعلِهِ جهارا .

قَال َتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[ الأعراف: ١٩٤]

و قَال َتَعَالَى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ }[الرعد: ١٤]

و قَال َتَعَالَى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }[الأحقاف: ٥]

و قَال َتَعَالَى:{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }[غافر: ١٢]

شبهةُ كثيرٍ مِنَ المسلمين في بناءِ المساجدِ على قبورِ الصالحين.

د خولُ قبرِ النبي ﷺ‬في المسجدِ النبوي

الردُّ للشبهةِ من وجوه:

الوجهُ الأول: أَنَّ النبيَّ ﷺ‬ لمْ يأمرْ في حياتِهِ بدفنِهِ في المسجدِ بلْ حذرَ عندَ موتِهِ مِنْ ذَلِكَ. (( لعنة الله على اليهود والنصارى إ تخذوا قبور أ نبياهم مساجد ))

الوجهُ الثاني: أنَّ أصحابَ محمدٍ لمْ يدفنوه في المسجدِ وإنَّما دفنوه خارجَه فلمَّا وسِّعَ المسجدُ بعدَ موتِ الصحابةِ أصبحَ داخلَه.

الوجهُ الثالث: أنَّ النبيَّ ﷺ‬ دعا اللهَ أنْ لا يجعلَ قبرَه , وثناً يعبدْ فلعلَ اللهَ استجابَ له فجعلَه في المسجدِ لحمايتِهِ.

وقد قيل:

فأجابَ ربُّ العلمينَ دعاءَهُ

فأحاطَهُ بثلاثةٍ جدرانِ

حتى غدتْ أرجاؤه بدعائِهِ

في عزةٍ وحمايةٍ وصيانِ

الوجهُ الرابع: أنَّ دخولَ قبرِ النبي ﷺ‬في المسجدِ كانَ بإذنِ اللهِ مانعاً له مِنْ أنْ يعبد , و المشركون يبنونَ على قبورِ الصالحين المساجد ليتخذوها معابد . قَال َتَعَالَى:{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً }[الكهف: ٢١]

وقال ﷺ‬(( لعنةُ اللهِ على اليهودِ والنصارى اتخذوا قبورَ أنبيائهِم مساجد )) .

وقد غلا اليومَ كثيرٌ من المسلمين كما غلتِ اليهودُ , والنصارى في الصالحين.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ tأَنَّ النَّبِيِّ ﷺ‬قَالَ:( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ) رواه البخاري([292]) ومسلم([293])

وقد حذرَ النبيُّ ﷺ‬ المسلمين مِنَ الغلو في الصالحين. عَنْ عُمَرَ tسَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ يَقُولُ:( لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري([294])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنِّه هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

عبادَ الله

لقد ردَّ ربُّ العالمين على شبهاتِ المشركين في عبادةِ الصالحين.

الشبهةُ الأولي: زعموا أَنَّ الأولياءَ والصالحين آلهةٌ معَ ربِّ العالمين .قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح: ٢٣]

فَرَدَ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً{42} سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً}[الإسراء43]

وَقَالَ تَعَالَى:{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً }[الكهف101]

الشبهةُ الثانية: زعموا أنَّ عبادةَ الأولياءِ والصالحين تقربُ مِنَ الله. قَالَ تَعَالَى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر3]

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }[الأحقاف28]

و قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }[هود20]

و قَالَ تَعَالَى:{مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئاً وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[الجاثية10 ]

الشبهةُ الثالثة:زعموا أنَّ الأولياءَ يملكونَ التصرفَ في الكونِ.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}[الإسراء111]

و قَالَ تَعَالَى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ }[سبأ22]

الشبهةُ الرابعة:زعموا أنَّ الأولياءَ يملكونَ جلبَ النفعِ ودفعَ الضر .

فرد الله عليهم. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }[الرعد16]

الشبهةُ الخامسة: قالوا نحنُ نتبعُ الأولياءَ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }[الأعراف3]

وقالوا أَنَّ اتباعَ الأولياءِ طريقٌ يوصلُ إلى الله.

فَرَدَ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }[الأنعام153]

الشبهةُ السادسةُ: زعموا أنَّ مَنِ اتخذَ الأولياءَ أوصلوه منازلَ السعداءَ.

فرد الله عليهم. قَالَ تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }[العنكبوت41]

الشبهة السابعة: زعموا بأنَّ الصالحين أولياؤهم مِنْ دونِ الله.

فرد الله عليهم . قَالَ تَعَالَى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[الشورى9]

الشبهةُ الثامنة: زعموا أنَّ بناءَ المساجدِ على المقبورين قربةٌ إلى ربِّ العالمين. قَالَ تَعَالَى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً}[الكهف: ٢١]

فردَّ اللهُ عليهم: قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن18]

وعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬:(أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ)رواه اليخاري([295]) ومسلم([296])

وَ عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ا تَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري ([297]) ومسلم([298])

الشبهةُ التاسعة: قالوا الأولياءُ يعلمونَ الغيب.

فردَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}[آل عمران179]

و قَالَ تَعَالَى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }[الجن26-27]

الشبهةُ العاشرة: زعموا بأنَّ الأولياءَ يجيبونَ الدعاء.

فرد َّاللهُ عليهم. قَال َتَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الأعراف: ١٩٤]

الشبهةُ الحادية عشرة: زعموا بأنَّ مَنْ عبدَ الأولياءَ كانوا له شفعاء. قَال َتَعَالَى:{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}[يونس: ١٨]

فردَّ اللهُ عليهم:قَال َتَعَالَى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43}قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الزمر 44 ]


الشبهةُ الثانية عشرة: زعموا بأنَّ الأولياءَ يملكونَ كشفَ الضرِ وتحويلَ البلاء.

فردَّ اللهُ عليهم: قَال َتَعَالَى:{ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء: ٥٦]

وقَال َتَعَالَى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}[فاطر: ١٣]

فعبادةُ الأولياءِ والصالحين مِنْ أعمالِ المشركين. قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23 ]

وقَال َتَعَالَى:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ}[النجم19]

وقد نهى اللهُ المسلمين عَنْ أعمالِ المشركين. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ }[الأنعام: ٥٦]

و قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }[غافر: ٦٦ ]

وأمرَ اللهُ المسلمين بالردِّ على مَنْ يدعونَ لأعمالِ المشركين.قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: ٦٤]

ألاوصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع: موانعُ الخلق مِنْ قبول الحق.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ موانعِ الخلقِ مِنْ قبولِ الحقِ لأنَّ مَنْ عَرَفَهَا دَفَعَهَا ومَنْ جَهِلَهَا اتبعَهَا

المانعُ الأول: الكِبْر.

قال تعالى﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾(الأعراف 146)

تمثيلٌ لما قيل:

المثالُ الأول: إبليس . قال تعالى{ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ{73} إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ{74} ( ص 073-74)

المثالُ الثاني: اليهود قال تعالى{أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} (البقرة 087)

المثالُ الثالث: المشركون . قال تعالى﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾(الصافات 035)

المثالُ الرابع: الوليد. قال تعالى﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴾ (المدثر 023

المثالُ الخامس: أهلُ البدعِ والكفرِ جادلوا في الذكر بسببِ الكبر . قال تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ

يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(غافر 056)

المانعُ الثاني:الحسد. قال تعالى﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾(النساء 054).


تمثيلٌ لما قيل:

المثالُ الأول. إبليس. قال تعالى﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً{61} قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾(الإسراء 061-062)

و قال تعالى﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ (الأعراف 012)

المثالُ الثاني: اليهود .قال تعالى﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾(البقرة 109)

المثالُ الثالث: قابيل. قال تعالى﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة27 ]

المانع الثالث: إتباع الهوى . قال تعالى﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ ﴾(القصص 050)

تمثيل لما قيل:

المثال الأول: عالم بني إسرائيل . قال تعالى﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾الأعراف176- 175]

المثال الثاني: المشركون . قال تعالى ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ الجاثية23

وقال تعالى ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ الكهف 28 وقال تعال﴿ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ طه16

المانعُ الرابع: التعظيمُ و التعصبُ للخلقِ لا للحقِ .

تمثيلٌ لما قيل:

المثالُ الأول: التعظيمُ والتعصبُ للآباء .قال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾ (المائدة 104)

فالإتباعُ للأباءِ وليسَ للأنبياء .

قال تعالى﴿إ ِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ{69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ{70} وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ{71} (الصافات 069-071)

فإنْ فعلَ الفاحشةَ الأباءُ فعلَها الأبناءُ .

قال تعالى﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ (الأعراف 028)

وإنْ أشركَ الآباءُ أشركَ الأبناء .

قال تعالى﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ (الأنبياء52- 053)

فما يفعلُهُ الآباءُ يفعلُهُ الأبناءُ.

قال تعالى﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾(الشعراء 074)

المثالُ الثاني:التعصبُ للعلماء.

قَالَ تَعَالَى﴿ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ﴾ التوبة31

وَ قَالَ تَعَالَى ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ﴾(الأحزاب 067-068)

المثالُ الثالث:التعصبُ للخلق ِلا للحقِ كالتعصبِ للمذاهبِ أو البلدانِ أو الأنسابِ أو الألوانِ أو اللسانِ .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ قاتلَ تحتَ رايةٍ عِمِّيَةٍ يغضبُ لعصبةٍ أو يدعو إلى عصبةٍ أو ينصرُ عصبةً فقتل فَقِتْلَةُ جاهلية ) رواه مسلم([299])

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا في غَزَاةٍ فكسعَ رجلٌ مِنَ المهاجرينَ رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى جاهلية قالوا يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال دعوها فإنها منتنة )رواه البخاري([300]) .

المانعُ الخامس: العِزَّةُ والأنَفَةُ .

قال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ البقرة206

المانعُ السادس: الحميةُ .

قال تعالى﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾(الفتح 026) .

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فالمانعُ السابعُ مِنْ موانعِ الخلقِ مِنْ قبولِ الحقِ : النفاق .

قال تعالى﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً ﴾ (النساء 061)

المانعُ الثامن: الغضبُ .

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَقَالُوا لِلرَّجُلِ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ رواه البخاري([301]) .

المانعُ التاسع: الصاحبُ .

قال تعالى﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً{27} يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً{28}لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً ﴾ الفرقان28)

المانعُ العاشر: الخوفُ على ذهابِ الملكِ والجاهِ و الأتباعِ.

عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهَا فَغُلِّقَتْ ثُمَّ اطَّلَعَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرُّشْدِ وَأَنْ يَثْبُتَ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنْ الْإِيمَانِ قَالَ رُدُّوهُمْ عَلَيَّ وَقَالَ إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ شَأْنِ هِرَقْلَ([302]) .

المانعُ الحادي عشر: العاطفةُ .

عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ

ألاوصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبة الجمعة

الموضوع: الحورُ العين.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنِ الحورِ العينِ فلأهل ِ الجنات فيها زوجات.

قال تعالى:{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ }[الدخان: ٥٤]

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t:أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ قَالَ:(وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَب). رواه مسلم([303])

والحوراءُ: هيَ المرأةُ البيضاءُ , والعيناءُ هيَ المرأةُ واسعةُ العين ِ شديدةُ بياضِها شديدة ُ سوادِها فيهنَّ مِنَ الحُسْن ِ ,والجمال مالا يعلَمُهُ إلا الله .

قَالَ تَعَالىَ:{فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ }[الرحمن: ٧٠ ]

وردَ في الأثر ِ خيراتُ الأخلاق ِ حِسَانُ الوجوه .

وقالَ بنُ القيم رحمه الله:

فِيْهِنَّ حُوْرٌ قَاصِرَاتُ الْطَّرْف ِ خَي رَاتٌ حِسَانٌ هُنَّ خَيْرُ حِسَان ِ

خَيْرَاتُ أَخْلاَق ٍ حِسَانٌ أَوْجُهَا فَالحُسْنُ والإحْسَانُ متفقانِ

والمرأة :ُ في الجنَّه كأنَّها في الصفاء , و الرِّقَه الغشاوة ُ التي تأتي على ظهر ِ البيض ِ مما يلي القشرَ إذا سُلِقَ , وكُسِرَ سواءٌ مِنَ الحور ِ في الأخرى , أو مِنْ المؤمنات ِفي الدنيا .

قَالَ تَعَالىَ:{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ{48}كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ{49}[ الصافات49]

وكأنَّها في الحُسْن ِ , والبهاء , والجمال ِ, والصفاء الياقوتُ , والمرجان سواءٌ مِنَ الحور ِ في الأخرى , أو مِنَ المؤمنات ِفي الدنيا.

قَالَ تَعَالىَ:{كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ[الرحمن: ٥٨ ]

وقالَ بنُ القيم ِ رحمه ُ الله:

الرِّيْحُ مِسْكٌ وَالجُسُومُ نَوَاعِمٌ واللونُ كالياقوت ِوالمَرْجَان ِ

و عن أبي سعيد الخدريt أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قالَ في تفسيرِ : كأنهنَّ الياقوتُ والمرجانُ قالَ: «ينظرُ إلى وجهِهِ في خدِهِا أصفى مِنَ المرآةِ ، و إنَّ أدنى لؤلؤةٍ عليها لتضيءُ ما بينَ المشرقِ , والمغربِ ، وإنَّها يكونُ عليها سبعونَ ثوباً ينفذُهابصرُهُ حتى يرى مخَ ساقِهِا مِنْ وراءِ ذلك » رواه الحاكمُ([304])وقالَ« صحيحُ الإسنادِ ,ولمْ يخرجاه »

وقالَ بنُ القيمِ رحمَه ُ الله:

وَكِلاَهُمَا مِرْآةُ صَاحِبِهِ إِذَا مَا شَاءَ يُبْصِرُ وَجْهَهُ يَرَيَان ِ

فَيَرَى مَحَاسِنَ وَجهِهِ في وَجْهِهِا وتَرَى مَحَاسِنَهَا بِه ِبِعَيَان ِ

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ‬ قَال: ( لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنْ الْحُسْنِ ) رواه البخاري([305])

فا لمؤمن ُ يَرَى مخَّ ساقِ زوجتِهِ من وراءِ سبعينَ ثوباً.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري t: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قالَ:( لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يَبْدُو مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا). رواه الترمذي ([306])وصححه الألباني([307])

ويَرَى مخَّ ساقِ زوجتِهِ منْ وراءِ اللحم والعظم ِ كما نَرَ ي الشرابَ الأحمرَ منْ وراءِ الزجاجةِ البيضاءِ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قالَ:( يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ ). رواه البخاري([308])

و عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍt أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قالَ: « يُرَى مُخُّ سَاقِها مِنْ وراءِ اللحم ِكما يُرَى الشراب ُ الأحمر ُفي الزجاجةِ البيضاء ِ»رواه الطبراني([309])

وقالَ بنُ مَسْعُودٍt :"إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ لِيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ، وَالْعَظْم ِ، وَمِنْ تَحْتِ سَبْعِينَ حُلَّةٍ كَمَا يُرَى الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ". رواه الطبراني([310])

وقالَ بنُ القيم ِ رحمهُ الله:

سَبْعُوْنَ مِنْ حُلَلٍ عَلَيْهَا لا تَعُوْ قُ الْطَرْفَ عَنْ مُخ ٍّ و رَا السِيْقَان ِ

لَكِنْ يَرَاه ُ مِنْ وَ رَ ا ذَا كُلِّه ِ مِثْلَ الشَّرَاب ِ لَدَى زُجَاج ِ أَوَان ِ

والمرأة ُ في الأخرى لو خرجتْ إلى الدنيا: لأضأتْ ما بينَ السماءِ , والأرض , ولملأتْ ما بينَهما ريحاً طيبا ولنصيفُها على رأسِها خيرٌ مِنَ الدنيا وما فيها ؛ سواءٌ مِنَ الحُور ِ في الأخرى أو مِنَ المؤمناتِ في الدنيا.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍt: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ قالَ:( وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) رواه البخاري([311])

وقالَ بنُ القيمِ رحمَهُ الله:

ونَصِيْف ُ إِحْدَاهُنَّ وَ هُوَ خِمَارُهَا لَيْسَتْ لَهُ الدُّنْيَا مِنَ الأَثْمَان

ِوالمرأة ُ في الجنَّةِ: سواءٌ مِنَ الحورِ في الأخرى أومِنَ المؤمناتِ في الدنيا قدْ طَهُرَتْ مِنَ الحيض ِ والنُّفاس ِ والبول ِ والغائط ِ والبصاق ِ وكلِّ أذىً وقذىً .

قَالَ تَعَالىَ:{وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:٢٥]

قالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ وبنُ مسعود ٍ رضيَ الله ُ عنهما:(قدْ طهرنَّ منَ الحيضِ والبصاقِ وغيرِ ذلكَ ). وقالَ بنُ القيمِ رحمهُ الله:

لاَ الحَيْضُ يَغْشَاهَا وَلاَ بَوْلٌ وَلاَ شَيءٌ مِنَ الآفَاتِ فِي النِّسْوَان ِ

وكلامُ الحوراء سحرٌ بلا مِراء . قالَ بنُ القيمِ رحمهُ الله:

وكلامُها يسبي العقولَ بنغمة ٍ زادتْ على الأوتَارِ والعِيْدَان ِ

وتتغنى الحوراء للزوجِ بغناء: تطربُ لهُ القلوبُ وتلتذُّ بِهِ الأرواح جعلَهُ اللهُ للمؤمنينَ في الأخرى الذينَ تركوا الغناءَ في الدنيا.

قالَ بنُ القيمِ رَحِمَهُ الله:

قَالَ ابْنُ عَبَّاس ٍ ويُرْسِلُ ربُّنا رِيْحَاً تَهُزُّ ذَوَائبَ الأغْصَان ِ

فَتثُيرُ أصْوَاتاً تلذُّ لمَسْمَع ِ الإ نْسَان ِ كالنَّغَمَاتِ بالأوزَان ِ

يا لذَّةَ الأسماع ِ لا تتعوض ِ بلذَاذَة ِ الأوتارِ والعِيدَان ِ

والمؤمنُ يجامعُ زوجتَهُ في الجنَّةِ كما يجامعُ زوجتَهُ في الدنيا.

قَالَ تَعَالىَ:{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ{55}هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ{56}لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ}[يس: ٥٥ - ٥٧]

وعَنْ أبي هريرةَt قالَ: سُئِلَ النَّبيُّ ﷺ‬ هلْ يَمَسُ أهلُ الجنَّةِ أزواجَهُمْ فقالَ نعمْ بِذَكَرٍ لا يملُ وفرجٍ لا يحفى وشهوةٍ لا تنقطعُ).رواه البزار، والطبراني وأبو نعيم .

وقالَ بنُ القيم ِ رحمهُ الله:

ولقدْ روينا أنَّ شُغْلَهُمُ الذي قدْ جاءَ في يا سينَ دونَ بيان ِ

شُغْلُ العروس ِ بعُرْسِهِ مِنْ بعدِ ما لَعِبَتْ بِهِ الأشواقُ طولَ زمان ِ

والشوقُ يُزْعِجُهُ إليهِ ومالَه بوصالِهِ سَبَبٌ مِنَ الإمْكَان ِ

غَابَ الرقيبُ وغَابَ كلُّ مُنَغِص ٍ فهُمَا بثوب ِ الوَصْل ِ مُشْتمِلان ِ

وليسَ لأهلِ الجنَّةِ عملٌ سوى الطعامِ والشرابِ وفكِ الأبكارِ على شواطىءِ الأنهار.

قَالَ تَعَالىَ:{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ{50}مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ{51}وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ{52}هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ{53}إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }[ص: ٥٠ -٥٤ ]

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبةُ الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

قَالَ تَعَالىَ:{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ }[الصافات61]

وَعَنْ أسامةَ بن ِ زيد ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أنَّ رسولَ الله ِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قالَ ( ألا مُشَمِّرٌ إلى الجنَّةِ فإنَّ الجنَّة َ لا حظرَ لها هيَ وربِّ الكعبةِ نورٌ يتلألأ ورَيْحَانَة ٌ تَهتزُّ وقَصْرٌ مشِيدٌ وثمرة ٌ نضيجة ٌ وزوجة ٌ حسناءُ جميلة ٌ وحُلَلٌ كثيرة ٌ في دار ٍ سليمةٍ وفاكهةٍ وخَضْرَةٍ وحَبْرَةٍ ونَعْمَةٍ ومَحَلَةٍ عَالِيةٍ بَهِّيةٍ قالوا نعمْ يا رسولَ اللهِ نحنُ المُشَمِّرُون فقالَ قولُوا إنْ شاءَ الله فقالَ القومُ إنْ شاءَ الله) رواهُ البزارُ وبنُ ماجة

فمنْ رَغِبَ في الحوراء فليقدمْ مهرَالحسناء .

قالَ بنُ القيمِ رحمهُ الله في الميمية:

ياخاطبَ الحسناء إنْ كنتَ راغِباً فهذا زَمَانُ المهر ِ فهو المُقَدَّمُ

وكنْ مُبْغِضَاً للخائنات ِلحبِّهَا لتحظى بِها منْ دونِهِنَّ وَتَنْعَمُ

وقالَ رحمهُ الله ُ في النونية:

يا خاطبَ الحور ِالحسان ِوطالبِاً لوصالِهنَّ بجنَّةِ الحَيَوَان ِ

لو كنتَ تدري مَنْ خَطَبْتَ ومَنْ طلَبْ تَ بذلتَ ما تحوي مِنَ الأثمان ِ

أو كنتَ تدري أينَ مسكنُها جعلْ تَ السعيَّ منكَ لَها على الأجفان ِ

ومهرُ النِّساءِ في الجنَّات هو الأعمالُ الصالحات

فاسْمُ بعينيكَ إلى نِسْوةٍ مهورُهُنَّ العملُ الصالحُ

وحدِّثِ النَّفْسَ بِعِشْق ِ الأُوْلَى في عِشْقِهِنَّ المَتْجَرُ الرابِح ُ

واعملْ على الوصل ِ فقدْ أمْكَنَتْ أسبابُهُ ووقتُها رَائِحُ

ألاوصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56] اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»ثم ينزل إلى الصلاة

خطبةالجمعة

الموضوع: الإحتفالُ بالمولد النبوي

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ الحكم بين المسلمين في الإحتفال بمولد سيد المرسلينr.

وَقَدِ اختلفَ المسلمون في حكمِ الإحتفالِ بمولدِ نبيهمr

فمنهمْمَنْ أَجَازَهُ بدعوى أَنَّ اللهَ شَرَعَهُ وَأَمَرَبِهِ

ومنهمْ مَنْ حَرَّمَهُ بدعوى أَنَّ اللهَ لمْ يَشْرَعْهُ ولمْ يأْمُرْ به.

وَقَدْ أَمَرَ اللهُ المسلمين إذا اختلفوا في شي ء أَنْ يتحاكموا إلى كتابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }[الشورى10]

و قَالَ تَعَالَى:{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }[النساء59]

وَأَمَرَهُمْ بالتحاكمِ إلى الكتابِ والسُنَّةِ والرضى والتسليمِ إذا كانَ الحكمُ عليهمْ أولَهُمْ.

قَالَ تَعَالَى:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }[النساء65]

وَمَدَحَ المسلمينَ الذينَ يتحاكمونَ إذا اختلفوا إلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ الله ِﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[النور51]

وَسَخِرَ مِنَ المسلمينَ الذينَ يطلبونَ التحاكمَ إلى غيرِ الكتابِ والسُنَّةِ عندَ اختلافِهِم.

قَالَ تَعَالَى:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:50]

وقَالَ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }[النساء60]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}[النور48]

وَأَمَرَ الحاكمَ أَنْ يحكمَ بينَ المختلفينَ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ }[المائدة:49 ]

وَحَذَّرَهُ مِنَ الحكمِ بغيرِ الكتابِ والسُنَّةِ.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[المائدة45]

الحكمُ بينَ الطائفتينِ المؤمنتين ِ بما أنزلَ ربُّ العالمين.

أولا:بالرجوعِ إلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهr وجدتُ أَنَّ اللهَ أَمَرَ جميعَ المسلمينَ باتباعِ الكتابِ والسُنَّةِ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }[الأنعام155 ]

وقَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣]

وقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران31]

وَضَمِنَ لهمْ إذا اتبعوا الكتابَ والسُنَّةَ أَنْ لايَضِلُّوا في معرفةِ رَبِّهِمْ وَدِيْنِهِمْ ونبيهِمْ وَأَنْ لايشقوا في آخرتِهِمْ.

قَالَ تَعَالَى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[سورة طه: ١٢٣ ]

وَعَنْ جابرٍ tقالَ سمعتُ: رسولَ اللهِ ﷺ‬ يقول(وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ)رواه مسلم ([312])

وَعَنْ أَبِي هريرةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ:( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) أخرجه الحاكم وصححه .

وليسَ في محكمِ الكتابِ والسُنَّةِ أَمْرٌ بالإحتفالِ بمولدِ النبي rحتى نَتَّبِعَهُ.


ثانياَ: وجدتُ أَنَّ اللهَ أَمَرَ باتباعِ ماشَرَعَهُ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا }[سورة الجاثية: ١٨]

ولمْ أجدِ الإحتفالَ بمولدِ النبيr في المحكمِ مما شرَعَهُ اللهُ حتى نَتَّبِعَه.

ثالثاً: وجدتُ أَنَّ اللهَ أَمَرَ باتباعِ النبي ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[ الأعراف: ١٥٨]

وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [سورة آل عمران: ٣١]

والنبيُّ ﷺ‬ لمْ يأْمُرْ بالإحتفالِ بمولدِهِ حتى نَمْتَثِلَ لَهُ ولمْ يحتفلْ بِهِ حتى نَتَّبِعَهُ وقدْ عاشَ بعدَ مولدِهِ ثلاثاً وستين َعاماً

رابعاً: وجدتُ أَنَّ النبيَّﷺ‬ أَمَرَ باتباعِ سُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ التي هي اتباعُ الوحي.

عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَt قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ‬ (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ).رواه أحمد([313]) حديث صحيح لذاته.

والخلفا ءُ الراشدونَ لمْ يحتفلوا بمولدِ النبيr في حياتِهِ ولا بعدَ وفاتِهِ حتى نتبعَ سُنَّتَهُم.

خامساً: وجدتُ أَنَّ اللهَ حَذَّرَ مِنَ اتباعِ غيرِ سبيلِ المؤمنينَ وسَبِيْلُهُمْ هو اتباعُ الوحي.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً}[النساء: ١١٥]

والمؤمنونَ مِنْ أصحابِهِ وأهلِ بيتِهِ لمْ يحتفلوا بمولدِهِ rفي حياتِهِ ولا بعدَ وفاتِهِ حتى نتبعَ سَبِيلَهُم.

سادساً: وجدتُ أَنَّ اللهَ حَذَّرَ مِنَ اتباعِ ما شرَعَهُ النَّاسُ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[ الشورى: ٢١]

وقَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ }[المائدة: ٤٩]

و قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}[المائدة77]

فَحَذَّرَ مِنَ اتباعِ ماشرَعًهُ العلماءُ.

قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ }[سورة التوبة: ٣٤]

و قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ }[سورة التوبة: ٣١ ]

وعَنْ عَدِي بن حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟"قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" ) رواه الطبراني([314]) حديث حسن

وَحَذَّرَ مِنَ اتباعِ ماشرَعًهُ الآباء.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ}[ المائدة: ١٠٤]

و َحَذَّرَ مِنَ ا تباعِ ما شرَعًهُ السادة والكبراء.

قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67}رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[ الأحزاب: ٦٨]

ووجدتُ الإحتفالَ بمولدِ النبي ﷺ‬ فيما شَرَعَهُ هَؤلاء.

سابعاً: وجدتَ أَنَّ اللهَ قَسَّمَ الكتابَ إلى محكمٍ ومتشابِه.قَالَ تَعَالَى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران7]

وَأَمَرَ باتباعِ المحكمِ وَحَذَّرَ مِنَ اتباعِ المتشابِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [ آل عمران: ٧]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ rهَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ إِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ)رواه البخاري([315])ومسلم([316])

ووجدتُ الإحتفالَ بمولدِ النبي في المتشابِهِ مِنَ الكتابِ والسُنَّةِ الذي أَخَبَرَاللهُ أَنَّ اتباعَهُ زيغ .

ثامناً: وجدتُ ما يحتجُّ بِهِ إخواني المحتفلونَ بمولِدِ نبيِهِم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ مِنَ الصدقةِ والبرِّ والصلةِ والإحسانِ والإجتماعِ لقراءةِ السيرةِ والقرآنِ مشروعاً طيلةَ السَّنَةِ بوحي الكتابِ والسُنَّةِ لابالمولدِ النبوي.

قَالَ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[العنكبوت51]

وقيامُ المسلمِ بهذِهِ الأعمالِ طيلةَ السَّنَةِ أنفعُ لَهُ ولغيرِهِ مِنْ فعلِهَا مرةً واحدةً في السَّنَةِ في يومِ المولد. قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ }[محمد14 ]

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فقدْ وجدتُ أَنَّ اللهَ أَمَرَ بتعظيمِ نبيِهِﷺ‬ وتوقيرِهِ.

قَالَ تَعَالَى:{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }[الفتح9]

ولمْ يجعلْ تعظيمَهُ وتوقيرَهُ في الإحتفالِ بمولدِهِ ﷺ‬

وإنمَّاجعلَ تعظيمَهُ في الإيمانِ بِهِ.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ }[النساء136]

ومحبتِهِ. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).رواه البخاري ومسلم

واتباعِهِ. قَالَ تَعَالَى:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران31]

وطاعتِهِ. قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ }[ النساء: ٦٤]

وامتثالِ أمرِهِ وتركِ نهيِه. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر7]

والحذرِ مِنْ مخالفتِهِ. قَالَ تَعَالَى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[النور63]

والبعدِ عَنْ مشاقتِهِ ومعاندةِ أقوالِهِ وأفعالِهِ. قَالَ تَعَالَى:{ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً }[النساء115 ] والصلاةِ عليهِ كلما ذكرَهُ أو ذُكِرَ عندَه. قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56 ]

وقدْ أَمَرَ اللهُ بالصلاةِ على النبيﷺ‬وبينَّ كيفيةَ الصلاةِ عليهِ بالوحي ولمْ يدعْ ذلكَ لأذواقِ النَّاس.

عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيt قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ).رواه مسلم ([317])

فجميعُ المسلمينَ يصلونَ على النبي ﷺ‬ بما أوحاه اللهُ كلما صلوا فرضاً أو نفلاً ولا تصحُ صلاتُهُم إلا بذلك فلا يقالُ لأي مسلمٍ يصلي على النبيr في الفرائضِ والنوافلِ بأنَّهُ لايصلي على النبي ولا يحبُه .

فلكلِّ ما سبقَ تبينَّ مِنْ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَنَّ الإحتفالَ بمولدِ النبي صلى اللهُ عليهِ وسلم لمْ يشرَعْهٌ اللهُ فيما شَرَعَ.

قَالَ تَعَالَى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا }[سورة الجاثية: ١٩]

وتبينَ مِنْ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِﷺ‬ أَنَّ الذي شَرَعَ الإحتفالَ بمولدِ النبي ﷺ‬ النَّاسُ وليسَ اللهُ ولارسولُه.

قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[ الشورى: ٢١]

و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t:أَنَّ رَسُولَ اللهِrقَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ: فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ‬ فأَمَّا الْمُنَافِقُ,وَالْكَافِرُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ).رواه البخاري([318])

وتبينَ مِنْ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ rأَنَّ العملَ بما لمْ يشرَعْهُ اللهُ و شَرَعَهُ النَّاسُ مردود .

قَالَ تَعَالَى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ }[ الشورى: ٢١]

وَقَالَ تَعَالَى:{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }[الأنعام137]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ « مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ». رواه مسلم([319])

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ:ﷺ‬ (تَرِدُ عَلَيَّ أُمَّتِي الْحَوْضَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ وَلَيُصَدَّنَّ عَنِّي طَائِفَةٌ مِنْكُمْ فَلَا يَصِلُونَ فَأَقُولُ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَصْحَابِي فَيُجِيبُنِي مَلَكٌ فَيَقُولُ وَهَلْ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ). رواه مسلم([320])

وفي لفظ لمسلم ([321]) (إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا).

وتبين من كتاب الله أن العامل بما لم يشرعه الله وشرعه الناس معذب.

قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ{1}وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ{2} عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ{3} تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً }[الغاشية:1-4]

ألاوصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبةالجمعة

الموضوع: كشف الوحيين لفئة المنافقين.

الخطبةُ الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْمَ عَنْ كشفِ الوحيين لفئةِ المنافقين.

وقد كشفَ اللهُ المنافقين ليستبينَ طريقُ المجرمين حتى لايَسلُكَهُ أحدٌ مِنَ المسلمين.

قًالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام55]


فكشفَ أعمالَهم. قًالَ تَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[التوبة67]

وكشفَ معتقداتِهِم .

من الإيمانِ باللسانِ والكفرِ بالقلب.

قًالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ }[المائدة 41]

وقًالَ تَعَالَى: { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [آل عمرا ن167]

وقًالَ تَعَالَى: { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ }[الفتح11]

والإيمانِ بالجوارحِ والكفرِ بالقلبِ.

قًالَ تَعَالَى:{ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ }[التوبة54]

وكشفَ صفاتِهِم.

الصفةُ الأولى : الكذب.

قًالَ تَعَالَى:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }[المنافقون1]

و قًالَ تَعَالَى:{وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }[التوبة42]

و قًالَ تَعَالَى:{ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[المجادلة14]

الصفةُ الثانية: إخلافُ الوعد.

قًالَ تَعَالَى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ }[التوبة77]

الصفةُ الثالثةُ: الخيانة.

قًالَ تَعَالَى: {لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }[التوبة48]

الصفةُ الرابعة: الغدر.

قًالَ تَعَالَى:{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً }[الأحزاب15]

وقًالَ تَعَالَى:{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ{75} فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ }[التوبة75-76]

الصفةُ الخامسة: الفجورُ في الخصومة.

قًالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ }[البقرة204-206]

الصفةُالسادسة:الأيمانُ الفاجرة.

قًالَ تَعَالَى:{وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[المجادلة14]

و قًالَ تَعَالَى:{وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }[التوبة42]

و قًالَ تَعَالَى:{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ }[التوبة74]

و قًالَ تَعَالَى:{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً }[النساء62]

و قًالَ تَعَالَى:{وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ }[التوبة56]

وقًالَ تَعَالَى:{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }[التوبة62]

و قًالَ تَعَالَى:{يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }[التوبة96]

و قًالَ تَعَالَى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }[التوبة95]

و قًالَ تَعَالَى:{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }[المجادلة18]

الصفةُ السابعة :التورية والتقيهُ.

قًالَ تَعَالَى: { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[آل عمران119]

الصفةُ الثامنة :المخادعة.

قًالَ تَعَالَى:{ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [ البقرة -9]

وقًالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء 141-142]

الصفةُ التاسعة: الإستهزاء.

قًالَ تَعَالَى:{وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ{14}اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[البقرة 15]

و قًالَ تَعَالَى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ{64} وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}[التوبة64-66]

الصفةُ العاشرة : السخرية. قًالَ تَعَالَى:{ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[التوبة79-]

الصفةُ الحادية عشرة : الجبن.

قًالَ تَعَالَى:{وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ }[التوبة56]

و قًالَ تَعَالَى:{فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ }[الأحزاب19]

و قًالَ تَعَالَى:{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً }[الأحزاب20]

الصفةُ الثانية عشرة : البخل.

قَالَ تَعَالَى:{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ}[الأحزاب19]

وقًالَ تَعَالَى:{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ}[الأحزاب19]

الصفةُ الثالثة عشرة : الفحشُ والبذاءةُ في القولِ والوصفِ للمخالفِ لهم.

كوصفِهِم للنبي بالأذل. قًالَ تَعَالَى:{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون8]

ووصفِهِم للصحابةِ بالسفهاء. قًالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}[البقرة13]

ووصفِهِم لوعدِ اللهِ ورسولِهِ بالغرور.قًالَ تَعَالَى:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً }[الأحزاب12]

ووصفِهِم لأوامرِ اللهِ ونبيِهِ بالتعسفيةِ الظالمة.قًالَ تَعَالَى:{يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران154]

وقولِ رأسِهِم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إليكَ عني فواللهِ لقد آذاني نَتْنُ حمارِكِ].

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي َاللهُ عَنْهُ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ، قَالَ: «فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ وَرَكِبَ حِمَارًا وَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ وَهِيَ أَرْضٌ سَبَخَةٌ» ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِلَيْكَ عَنِّي، فَوَاللهِ، لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: وَاللهِ، لَحِمَارُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ).رواه الخاري ( ) ومسلم ( )

وكشفَ أهدافَهُم.الهدفُ الأول: هدمُ الإسلامِ باسمِ الإسلام قالوا لو نعلمُ قتالاً لاتبعناكم .

قًالَ تَعَالَى:{ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}[آل عمرا ن167]

الهدفُ الثاني: هدمُ الإسلامِ باسمِ الإصلاحِ والمطالبةِ به.

قًالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}[ البقرة11-12]

وقًالَ تَعَالَى: { وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }[التوبة48]

وكشفَ أساليبَهُم لهدم ِالإسلام.

الأسلوبُ الأول: إتخاذُ الإسلامِ درعاً ( ) وجُنَّه لمحاربةِ وهدمِ الكتابِ والسنَّه.

قًالَ تَعَالَى:{ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}[ المجاد له16 ]

الأسلوبُ الثاني: إظهارُ الدين ليخدعوا المؤمنين.

قًالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ{8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ} [ البقرة8-9]

و قًالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة14]

الأسلوبُ الثالث: إظهارُ الدين لتشكيكِ المسلمين.

قًالَ تَعَالَى:{ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران154]

و قًالَ تَعَالَى:{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }[الأحزاب13]

الأسلوب ُالرابع: إظهارُ الإسلامِ ليضللوا أقوام.

قًالَ تَعَالَى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[ التوبة107]

الأسلوبُ الخامس: التخذيلُ في صفوفِ المسلمين.

قًالَ تَعَالَى:{يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا }[آل عمران154]

وقًالَ تَعَالَى:{وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ }[آل عمران167-168]

وقًالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[آل عمران168]

و قًالَ تَعَالَى:{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }[الأحزاب13 ]

وقًالَ تَعَالَى:{ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}[التوبة81]

وقًالَ تَعَالَى:{قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً }[الأحزاب 18]

وقًالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{156} وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ{157} وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ}[آل عمران156-158]

و قًالَ تَعَالَى:{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ }[التوبة47]

الأسلوبُ السادس: الإرجاف.

قًالَ تَعَالَى:{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً{60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً{61} سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }[الأحزاب 62]

الأسلوبُ السابع: استغلالُ الأزمات لشنِّ الهجمات.

قًالَ تَعَالَى:{وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }[الأحزاب13]

وقًالَ تَعَالَى:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }[النساء88]

عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِي َاللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ، فَرَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا، فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} رواه مسلم( )

الأسلوبُ الثامن: نشرُ الشائعات.

قًالَ تَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور11]

الأسلوبُ التاسع: أخذُ الحيطةِ والحذرِ لئلاَ ينكشفُوا .

قًالَ تَعَالَى:{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم }[التوبة64]

و قًالَ تَعَالَى:{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون4]

و قًالَ تَعَالَى:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون }[التوبة127]

الأسلوبُ العاشر: الإستئذانُ لئلاَ ينكشفُوا.

قًالَ تَعَالَى:{وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً }[الأحزاب13]

و قًالَ تَعَالَى:{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}[التوبة49]

و قًالَ تَعَالَى:{وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ{86} رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ}[التوبة86-87]

و قًالَ تَعَالَى:{وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[التوبة 90]

الأسلوبُ الحادي عشر: المسارعةُ إلى الإعتذارِ إذا انكشفُوا.

قًالَ تَعَالَى:{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ }[التوبة94]

و قًالَ تَعَالَى:{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{64} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }[التوبة64-65]

و قًالَ تَعَالَى:{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }[الفتح11]

وكشفَ وسائلَهُم التي يستخدمونها لهدمِ الإسلام.

الوسيلةُ الأولى: السعيُ الحثيثُ لتسلمِ المناصبِ القياديةِ للتخلصِ مِنَ السلطانِ الديني وشريعةِ الإسلام.

قًالَ تَعَالَى:{ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون8]

و قًالَ تَعَالَى:{ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا }[آل عمران154]

وقد حذرَ اللهُ مَنْ ولِيَ شيئاً مِنْ أمورِ المسلمين أَنْ يتخذَ بطانةً مِنَ المنافقين.

قًالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{118} هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}[آل عمران118-119]

الوسيلةُ الثانية: الهروبُ مِنَ المواجهةِ والتحصنُ بالملاجىءِ الآمنةِ لشنِّ الهجماتِ على الإسلامِ كالسيطرةِ على المناصبِ القياديةِ و الإعلاميةِ والتعليميةِ والسياسيةِ والإجتماعيةِ

قًالَ تَعَالَى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}[التوبة57]

والملجأُ هو الحصنُ والمغاراتُ هي الكهوفُ في الجبالِ والمُدَّخَلُ هو الخندقُ في الأرض و يجمحون أي يسرعون.

الوسيلةُ الثالثة: السعيُ للحصولِ على رأي وتأييدِ وفتاوى ودعمِ المسلمينَ الذينَ لايعرفونَ المنافقينَ لهدمِ الإسلامِ .

وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ. قًالَ تَعَالَى:{لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }[التوبة47]

الوسيلةُ الرابعة: اسغلالُ الشائعاتِ وترويجُها.

قًالَ تَعَالَى:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ }[النساء83]

الوسيلةُ الخامسة: السعيُ لتجفيفِ منابعِ الدعمِ لنشرِ الإسلامِ وتعاليمِهِ كدعمِ جمعياتِ التحفيظِ ومكاتبِ الدعوةِ وهيئةِ الأمرِ بالمعروفِ وغيرِها .

قًالَ تَعَالَى:{ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}[ المنافقون7]

ويعدونَ كلَ نفقةٍ في الإسلامِ مغرَمَاً. قًالَ تَعَالَى: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة98]

الوسيلةُ السادسةُ: رفعُ شعارِ المطالبةِ بالإصلاح.

قًالَ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}[ البقرة11-12]

فحذرَ اللهُ منهم .

قًالَ تَعَالَى:{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}[المنافقون4]

وحذرَ مِنَ الإستجابةِ لمطالبِهِم الإصلاحيةِ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً.

قًالَ تَعَالَى:{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{107} لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً } [ التوبة107-108]

الوسيلةُ السابعة : إثارةُ الفتنِ بينَ المسلمينِ وتأجيجُها.

قًالَ تَعَالَى:{لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاء الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }[التوبة48]

الوسيلةُ الثامنة: زرعُ الفتنةِ لتفريقِ الأمه .

قًالَ تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[التوبة 047]

الوسيلةُ التاسعةُ: الوقوفُ في صفِ العدو المبين في مهاجمةِ الدولةِ والدين.

قًالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً{141} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء142]

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فقد و ضعَ اللهُ للمسلمين طريقةً للتعاملِ معَ المنافقين.

أولاً : التحذيرُ مِنْ معتقداتِهِم وأعمالِهِم وصفاتِهِم.

قًالَ تَعَالَى:{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون]

و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )رواه البخاري ([322]) ومسلم ([323])

ثانياً: كشفُ عقائدِهِم وأعمالِهِم وصفاتِهِم للمسلمين حتى لايتأثروا بالمنافقين.

قًالَ تَعَالَى:{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام55]

وقَالَ تَعَالَى:{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}[محمد29]

و قًالَ تَعَالَى:{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ}[التوبة64]

و قًالَ تَعَالَى:{ وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد30]

ثالثاً:الصبرُ على كيدِهِم لإظهارِهِمُ الإسلام.

قًالَ تَعَالَى:{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[ آل عمران120]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ، قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ، لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» رواه البخاري ([324])

رابعاً: الإعراضُ عنهمْ ووعظُهُم ودعوتُهُم إلى التوبةِ.

قًالَ تَعَالَى:{أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً}[النساء63]

خامساً: إبعادُهُم عَنِ المناصبِ القياديةِ وأعمالِ الدولةِ السريةِ والإستشارية.

قًالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } [آل عمران118-120]

وبطانةُ الرجلِ خاصتُهُ وأصحابُ سِرِّهِ ومشورتِهِ.

سادساً: جهادُهُم. قًالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }[التوبة73]

سابعاً. كشفُ تأثيرِهِم على بعضِ المسلمينَ الذينَ لمْ يعرفوا صفاتِ وعلاماتِ المنافقين.

قًالَ تَعَالَى:{ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ }[التوبة47]

وقد تأثرَ بقولِهِم في الأفكِ بعضُ المؤمنين كحسانِ بنِ ثابتٍ ومِسْطَحِ بنِ أثاثة وحمنةَ بنتِ جحش رضيَ اللهُ عنهم.

قًالَ تَعَالَى:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[النور15-17]

فطهرَهُم اللهُ مِنَ قولِ الإفْكِ بحدِّ القذف.وعذرَ ثلاثةً مِنَ المسلمينَ كانوا معَ المنافقينَ الذينَ همُّوا باغتيالِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العقبةِ في غزوةِ تبوك لعدمِ علمِهِم بما أرادَهُ المنافقون. عَنَ حُذَيْفَةَ رَضِي َاللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ، وَعَذَرَ ثَلَاثَةً، قَالُوا: مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ)رواه مسلم ([325])

فما أكثر المسلمين اليوم الذين لم يعلموا بما أراده ويريده المنافقون.

ألاوصلوا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة


خطبة الجمعة

الموضوع: لا صوفيةَ في الإسلام.

الخطبة الأولى

الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَمَ الإنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَمَهُ البَيَانَ

والصلاةُ والسلامُ على الذي لايَنْطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى أَمَا بَعْدُ.

فَخُطْبَتُنَا اليَوْم لاصوفيةَ في الإسلام إذْ لمْ يردْ دليلٌ واحدٌ مِنَ الكتابِ أوالسنةِ يدعو المؤمنينَ إلى التصوف أو يسمي المسلمينَ صوفيةً.

وإنما جاءَ القرآنُ ببيانِ الدين الذي شَرَعَهُ اللهُ بِأَنَّهُ الإِسْلاَمُ وَلَيْسَ التَّصَوف.

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } [ آل عمران: ١٩]

وَأَخْبَرَنَا بِأَنَّ اللهَ اختارَ لنا الإِسْلاَمَ دِيْنَاً لاالتَّصَوف.

قَالَ تَعَالَى:{ وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: ٣]

وَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ لَنْ يَقْبَلَ مِنَا غَيْرَ الإِسْلاَمِ لاَتَصَوفاً ولاغيرَه.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران: ٨٥]

ودعا المؤمنينَ إلى الموتِ على الإسلامِ لا على التَّصَوف.

قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران102]

وسمى اللهُ المؤمنينَ بالمسلمين قبلَ أنْ يسميهم الصوفية بالمتصوفين.

قَالَ تَعَالَى:{ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ }[الحج78 ]

والصُوفِيَةُ سَلَكُوا طُرُقَاً لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ غيرَ طريقِ الإسلامِ الذي هو الواحي بواسطةِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ عَنْ حبريلَ عَنِ الله.

فأمرَهُمُ اللهُ بالرجوعِ إلى طريقِ الإسلام ونهاهم عَنِ الطُرُقِ التي سلكُوها.

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[الأنعام: ١٥٣]

وبينَ لهمْ صِرَاطَهُ المسقيم بِأنَّهُ القرآنُ العظيم والنبيُّ الكريم ﷺ‬ .

قَالَ تَعَالَى:{وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [ الأنعام: ١٥٥]

وقَالَ تَعَالَى:{فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨]

وضَمِنَ لهمْ سلامةَ الوصول لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ إِنِ اتَّبَعُوا القرآنَ والنبيَّ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[سورة طه: ١٢٣]

و عَنِ الْبَرَاءِِ بْنِ عَازِبٍ t:أَنَّ النَّبِيَّﷺ‬ ذَكَرَ الْعَبْدَ المؤْمِنَ إِذَا دُفِنَ فِي قَبْرهِ.

فَقَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ .

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ.

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ؟

فَيَقُولُ رَبِّيَ اللهُ "

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَادِينُكَ؟

فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ"

فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللهِ ﷺ‬"

فَيَقُولاَنِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ؟

فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي) رواه أحمد([326]) وأبو داود([327]) وغيرهما حديث صحيح.


وقد ادعى المتَصَوفَةُ قديماً وحديثاً دعاوى لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ تولى اللهُ الرَدَّ عليها بنفسِهِ ولمْ يَدَعْ ذَلِكَ لأَحَدٍ غَيْرِه . قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }[الفرقان33]

و قَالَ تَعَالَى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ }[الأنبياء18]

و قَالَ تَعَالَى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل: ٨٩]

وقَالَ تَعَالَى:{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [ إبراهيم: ١]

فَرَدَّ اللهُ على دعاوى المتصوفينَ المتقدمين الذينَ يُسَمَّونَ بِالزُّهَاد وهمُ البوابةُ التي دَخَلَ منها المتصوفونَ المتأخرونَ الغلاةُ للكفرِ و الإلحادِ والزَنْدَّقَةِ كبنِ عربي وغيرِه.

أولاً: ادعى الصوفيةُ المتقدمونَ بِأَنَّ الزهدَ هو تركُ الحلال.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [سورة المائدة: ٨٧]

وبينَ لهمْ بأنَّ الزهدَ هو تركُ الحرامِ لا تركُ الحلال.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} رواه مسلم ([328])

وذكرَ لهم رجلاً لمْ يزهدْ في الحرامِ وعَاقِبَتَه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ ")رواه مسلم ([329])

وذكرَ لهم رجلاً زهدَ في الحرامِ وعَاقِبَتَه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: وفيهم وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ )رواه البخاري ([330])ومسلم([331])

فهذا الرجلُ زهدَ في تركِ الزنى الذي حَرَمَه الله ولمْ يزهدْ في تركِ الزواجِ الذي أحلَه الله

ثانياً: ادعى الصوفيةُ المتقدمون أَنَّ اللهَ حَثَّ على الزهدِ في الحَلاَل.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [ يونس: ٥٩]

ثالثاً: ادعى الصوفيةُ المتقدمونَ أَنَّ مَنِ استمتعَ بالحلالِ في الدُّنْيا فقدْ تَعَجَّلَ طيباتِهِ التي في الأخرى.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }[الأعراف32]

وبينَ لهم بأنَّ دعواهم تنطبقُ على الكافرينَ لاعلى المسلمين.

قَالَ تَعَالَى:{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }[الأحقاف20]

رابعاً: ادعى الصوفيةُ المتقدمونَ أَنَّ تَرَكَ الزواجِ والنومِ والطعامِ والشرابِ مطلوبٌ للإجتهادِ في العبادة.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. عَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ tقَالَ:جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ‬يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ‬فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ‬قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬إِلَيْهِمْ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)رواه البخاري([332])

ولمسلم: ([333]) أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ. فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا؟ لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»

وَرَدَّ اللهُ على دعاوى المتصوفينَ المتأخرين.

أولاً: ادعى الصوفيةُ المتأخرون أَنَّ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ سُبُلاً وَطُرُقَاً توصلُ إليها غيرَ الكتابِ والسُنَّة.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ }[الأنعام: ١٥٣]

ثانياً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ أَنَّ الوحي يتنزلُ عليهم بمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ بلا واسطةٍ فلا يحتاجونَ إلى قرآنِنِا ولا إلى نبيِنِاr .

يَقولونَ يوحى إلينا عَنْ طريقِ حديثِ النفسِ حدثني قلبي عَنْ ربي .

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [سورة الأنعام: ١٢١]

وقَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [سورة الحج: ٣ – ٤]

ويقولونَ يوحي إلينا عَنْ طريقِ الرؤى المنامية التي هي الظن .

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [ يونس: ٣٦]

وَقَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٢٣]

ثالثاً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ العقلَ مقدمٌ على الكتابِ والسُنَّةِ في معرفةِ اللهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وليسَ تابعاً لهما.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ }[الحج: ٨ – ٩]

رابعاً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ المعانيَ اللغويةَ مقدمةٌ على النَّصِ في معرفةِ اللهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ مقلدينَ لعلماءِ الكلام.

فَرَدَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}[المائدة: ٤٩]

خامساً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ قياسَ الخالقِ على المخلوقِ طريقٌ لمعرفةِ الله.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:٧٤]

سادساً:ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَ الهوى مقدمٌ على الكتابِ والسنةِ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ وليسَ تابعاً لهما.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ}[ الأنعام: ١١٩]

و قَالَ تَعَالَى:{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }[القصص50]

سابعاً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَ اتباعَ الرأي طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} [ النجم: ٢٣]

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍوtقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ).رواه البخاري([334])

ثامناً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ أقوالَ وأفعالَ الصالحينَ مِنَ العلماءِ والعبادِ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ }[التوبة: ٣١]

وعَنْ عَدِي بن حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ‬ وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ بَرَاءَة، "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، فَقُلْتُ: إِنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ، فَقَالَ:"أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرِّمُونَهُ وَيُحِلُّونَ مَاحَرَّمَ اللَّهُ، فَتَسْتَحِلُّونَهُ؟"قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ" )رواه الطبراني([335])حديث حسن

تاسعاً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ أقوالَ وأفعالَ فسقةِ العلماءِ والعبادِ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم0

قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[سورة التوبة: ٣٤]

عاشراً: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَّ أقوالَ وأفعالَ السادةِ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا{66} وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{67}رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً}[ الأحزاب: ٦٦ – ٦٨]

أحدَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بِأَنَ أقوالَ وأفعالَ الأولياءِ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣]

إِثنا عَشَرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ بأنَّ اتباعَ ماعليهِ أكثرُ النَّاسِ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} [سورة الأنعام: ١١٦]

ثلاثةَ عشرَ:ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ بأنَّ اتباعَ ماعليهِ أكثرُ المسلمينَ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.قَالَ تَعَالَى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}[يوسف: ١٠٦]

أربعةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بأنَّ إتباعَ الجنِّ طريقٌ لمعرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[سورة الأنعام: ١١٢ ]

وقَالَ تَعَالَى:{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} [ الأنعام: ١٢٨]

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ ». قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِيَّاىَ إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِى عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِى إِلاَّ بِخَيْرٍ ».رواه مسلم([336])

خمسةَ عشرَ:ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ أنَّ السحرَ والكهانةَ والشعوذةَ مِنْ كراماتِ الأولياء .

فَرَدَ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }[البقرة102]

ستةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ بِأَنَّ اتباعَ الحواسِ كالسمعِ والبصرِ مقدمٌ على الكتابِ والسنة في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.قَالَ تَعَالَى:{أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ}[ محمد: ١٤]

وَقَالَ تَعَالَى:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ}[سورة العنكبوت: ٣٨]

وبينَ لهم بأنَّ السمعَ والبصرَ غيرُ معصومينِ فلايقدمانِ على المعصومينِ وهما الكتابُ والسنَّةُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ }[الأعراف198 ]

سبعةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونُ بأنَّ تعطيلَ العقلِ واتباعَ ما يقولُهُ ويفعلُهُ الوليُّ و شيخُ الطريقةِ الصوفية شرطٌ للوصولِ إلى الله.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.قَالَ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }[هود20]

وأخبرَ عنْ حسرَتِهِم وندمِهِم على تعطيلِ حواسِهِم.

قَالَ تَعَالَى:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }[الملك10]

وذكرَ تبرأَ مشائخِ الطرقِ منهم.

قَالَ تَعَالَى:{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة166-167]

سبعةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرون الإطلاعَ على الغيبِ عنْ طريقِ الرياضةِ والمجاهدَةِ والخلوة لاعنْ طريقِ الكتابِ والسُنَّة.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}[آل عمران179]

ثمانيةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ بأنَّهُ لنْ يصلَ أحدٌ إلى اللهِ إلا عنْ طريقِ الأولياءِ مشائخِ الطرقِ الصوفيةِ لاعنْ طريقِ الكتابِ والسُنَّةِ فمَنْ ليسَ له شيخُ طريقةٍ يوصلُهُ إلى اللهِ بزعمِهِم فلنْ يصل.

فَرَدَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }[الأعراف3 ]

وبينَ أنَّهُ لنْ يصلَ أحدٌ إلى اللهِ إلا بالكتابِ والسُنَّةِ.

قَالَ تَعَالَى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}[سورة طه: ١٢٣]

وعن جابر tقال سمعت: رسول الله ﷺ‬يقول ( وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ) رواه مسلم ([337])

وَعَنْ أَبِي هريرةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ:( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) أخرجه مالك([338])مرسلا والحاكم مسندا وصححه

تسعةَ عشرَ: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ أنَّ النبيَّ rحيٌ في قبرِهِ حياةً دنيويةً وليستْ حياةً برزخيةً يراهمْ ويرونَه ويسمَعَهُم ويسمعونَه ويتكلمُ معهم ويحضرُ في مجالسِهِم.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ }[ الزمر: ٣٠ ]

والعقلُ يشهدُ بموتِهِ فلو كان حياً حياةً دنيوية لأكلَ معنا وشرب ولَرَآهُ ولسمعَ منه الناسُ جميعاً لا الصوفيةُ فقط ولكنَّ موتَهُ منعَه مِنَ الظهورِ للنَّاسِ والأكلِ والشربِ وغيرِها مِنْ لوازمِ الحياةِ الدنيوية.

وبينَ أَنَّ الذي معهم شيطانٌ وليسَ النبيَّ ﷺ‬.

قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ{36}وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ{37} حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ{38}وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ{39}أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{40}[الزخرف: ٣٦ - ٤٠]

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِىِّ ﷺ‬ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلاً. قَالَتْ فَغِرْتُ عَلَيْهِ فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ ». فَقُلْتُ وَمَا لِى لاَ يَغَارُ مِثْلِى عَلَى مِثْلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬« أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ ». قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِىَ شَيْطَانٌ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « نَعَمْ وَلَكِنْ رَبِّى أَعَانَنِى عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ ».رواه مسلم([339])

عشرون: ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ أنَّ التكاليفَ الشرعيةَ تُرْفَعُ عنهم قبلَ الموتِ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم. قَالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }[الحجر: ٩٩]

واليقينُ هو الموت.

عَنْ أُمِّ العَلاَءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي السُّكْنَى، حِينَ اقْتَرَعَتْ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى المُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكِ» قُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ، قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ اليَقِينُ، إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي - وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ - مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ» قَالَتْ أُمُّ العَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ »رواه البخاري([340])

أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَمَا بَعْدُ

فقد ادعى الصوفيةُ المتأخرونَ أنَّ الأولياءَ يملكونَ التصرفَ في الكونِ.

فردَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{ وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ}[الإسراء111]

و قَالَ تَعَالَى:{ {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ }[سبأ22]

وادعوا أنَّ الأولياءَ يملكونَ جلبَ النفعِ ودفعَ الضر .

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}[الرعد16]

وادعوا أنَّ مَنِ اتخذَ الأولياءَ أوصلوه منازلَ السعداءَ.

فَرَدَّ اللهُ عليهم.

قَالَ تَعَالَى:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }[العنكبوت41]

وادعوا أنَّ بناءَ المساجدِ على المقبورين قربةٌ إلى ربِّ العالمين.

قَالَ تَعَالَى:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً}[الكهف: ٢١]

فردَّ اللهُ عليهم:

قَالَ تَعَالَى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن18]

وعَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنْ الصُّوَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬:(أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمْ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ)رواه اليخاري([341]) ومسلم([342])

وَ عَنْ عَائِشَةَ رَضيَ الله ُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ا تَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا) رواه البخاري ([343]) ومسلم([344])

وادعوا بأنَّ الأولياءَ يعلمونَ الغيب.

فردَّ اللهُ عليهم .

قَالَ تَعَالَى: {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ }[الطور41]

وأخبرَهُم أنَّه لا يظهرُ على الغيبِ إلا الرسل. قَالَ تَعَالَى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً{26} إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ }[الجن26-27]

وادعوا بأنَّ الأولياءَ يملكونَ كشفَ الضرِ وتحويلَ البلاء.

فردَّ اللهُ عليهم:

قَال َتَعَالَى:{ قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء: ٥٦]

و قَال َتَعَالَى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}[فاطر: ١٣]

ألا وصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }[الأحزاب56]

اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»

ثم ينزل إلى الصلاة



([1]) العسيف هو الأجير

([2])صحيح البخاري ( بَاب الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا)

([3])صحيح مسلم (باب من اعترف على نفسه)

(1) الغانية الجارية الحسناء سميت غانية لأنها غنيت بحسنها

(2) الجماع .

(3) الخمر

(4)الدُجى: الظلمة.

(5) السماكان: السماء والأرض.

(1)الخِدْرُ: السِتْرُ. وجارية مُخَدَّرَةٌ، إذا لازمت الخِدْرَ.

([10])سنن أبى داود [باب في طلب العلم لغير الله]

([11])صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3664 (ج 1 / ص 2)

([12]) صحيح البخاري[ بَاب قَوْلِه تَعَالَى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}

([13])صحيح مسلم [ باب قبح الكذب حسن الصدق.]

([14])صحيح مسلم[باب تحريم الظلم]

([15])صحيح البخاري [بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ]

([16])صحيح مسلم [ باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ]

([17])صحيح مسلم[ باب معرفة الإيمان والإسلام]

([18])صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ اللَّهِ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا}

([19])صحيح البخاري [ بَاب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا].

([20])صحيح مسلم [ باب الدُّعَاءِ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ].

([21]) جزل حسن رأيه.

([22])سنن أبى داود [ باب في كتابة العلم]

([23])صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم 3646 (ج 1 / ص 2)

([24])صحيح البخاري [ باب كتابة العلم]

([25])سنن أبى داود [ باب فضل نشر العلم]

([26])السلسلة الصحيحة رقم404(ج 1 / ص 760)

([27])صحيح البخاري [ بَاب حِفْظِ الْعِلْمِ]

([28])صحيح البخاري [بَاب مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ]

([29])صحيح مسلم [ باب النهي عن المسألة]

([30])سنن الترمذي [باب فضل الفقه على العبادة].

([31])صحيح وضعيف سنن الترمذي رقم2685 (ج 6 / ص 185)

([32]) صحيح مسلم [ باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار]

(2)-صحيح البخاري [بَاب الرِّفْقِ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ]

(3)- صحيح مسلم [ بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ ]

(1)- صحيح مسلم [ بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ ]

(2) صحيح مسلم [بَاب مُبَاعَدَتِهِ ﷺ‬لِلْآثَامِ ]

(3)صحيح البخاري [بَاب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ ]

([38])صحيح البخاري [بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ]

([39])صحيح البخاري [ باب التيمم]

(1) صحيح البخاري 1769 (ج 6 / ص 470)

(2) صحيح مسلم[ بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ.]

(3) صحيح مسلم [ بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ ]

(4) صحيح مسلم [بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا وَكَثْرَةُ عَطَائِهِ

(5)صحيح مسلم [بَاب مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ‬شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ لَا ]

(1)صحيح البخاري [ بَاب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ]

(2)صحيح البخاري [بَاب الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ وَالْجُبْنِ]

([47])صحيح البخاري [ بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ‬الدِّينُ النَّصِيحَةُ]

([48])صحيح مسلم [ باب بيان الدين النصيحة ]

(1)مسند أحمد[حديث البراء بن عازب]

(1)سنن أبي داود[باب في المسألة في القبر]

(2)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(3)مسند أحمد [حديث البراء بن عازب]

(4)سنن أبي داود [باب في المسألة في القبر]

(5)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(1)صحيح البخاري [بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ]

(2)سنن الترمذي رقم1071(ج 3 / ص 383)

(1)مسند أحمد [ حديث البراء بن عازب]

(2)سنن أبي داود [ باب في المسألة في القبر ]

(3)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(4) صحيح البخاري [ بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ]

(1)مسند أحمد [ حديث البراء ]

(2) سن أبي داود [ باب في المسألة في القبر ]

(3)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(4) صحيح البخاري [ بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ]

(1) صحيح البخاري [ بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ ]

([66]) صحيح البخاري [ بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ]

([67])صحيح مسلم [ باب اتباع سنن اليهود]

(3) صحيح البخاري [بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ]

(1)سنن أبى داود [باب شَرْحِ السُّنَّةِ ]

([70]) صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ]

([71])صحيح مسلم [باب اتباع سنن اليهود]

([72]) صحيح البخاري [ بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ]

([73]) صحيح مسلم [ باب اتباع سنن اليهود]

([74]) صحيح البخاري [ كِتَاب النِّكَاحِ بَاب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ]

([75]) صحيح البخاري [كتاب الطلاق باب قول النبيr لو كنت راجماً بغير بينة]

(1)مسند أحمد [ حديث البراء ]

(2) سنن أبي داود [ باب في المسألة في القبر]

([78]) صحيح البخاري [ بَاب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلَّا وَاحِدًا ]

([79])صحيح مسلم [باب فِى أَسْمَاءِ اللَّهِ ]

([80])صحيح مسلم [باب فِى قَوْلِهِﷺ‬ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ]

([81]) صحيح مسلم[باب فِى قَوْلِهِﷺ‬ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ]

([82]) صحيح مسلم [ باب ذكر بن صياد ]

([83]) صحيح مسلم [ باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع ]

([84]) صحيح البخاري [ باب وكان عرشه على الماء ]

([85]) صحيح البخاري [باب وكان عرشه على الماء]

([86])صحيح البخاري [بَاب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ]

([87]) مسند أحمد رقم21219 (35 / 143)

(1)صحيح البخاري [باب اسم الفرس ]

(2) صحيح مسلم [باب من مات على التوحيد دخل الجنة ]

([90])صحيح البخاري ( بَاب مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)

([91])صحيح مسلم (باب النَّهْىِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ)

(1)مسند أحمد[حديث البراء]

(2) سنن أبي داود[باب في المسألة في القبر]

([94])مسند أحمد رقم17142 (ج 28 / ص 367)

([95])سنن أبى داود ( باب كيف المسح)

(1) صحيح مسلم [بَاب وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ‬ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ]

([97])صحيح البخاري ( بَاب (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)

([98])صحيح مسلم (باب النَّهْىِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ)

(1)مسند أحمد [ حديث البراء ]

(2) سنن أبي داود [ باب في المسألة في القبر]

(1)صحيح البخاري [ باب حب رسول اللهr]

(2) صحيح مسلم [باب وجوب محبة رسول ﷺ‬]

(3) صحيح مسلم [بَاب بَيَانِ خِصَالٍ مَنْ اتَّصَفَ بِهِنَّ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ ]

(1) صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ اللَّهِ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }]

([105]) صحيح مسلم [ باب وُجُوبِ طَاعَةِ الأُمَرَاءِ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ]

([106])سنن أبى داود [ باب في كتابة العلم]

([107])صحيح البخاري [ بَاب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ]

([108])مسلم [ باب اسْتِحْبَابِ رَمْىِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا]

(1)سنن الترمذي [بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ ]

(2) سنن الترمذي[ بَاب قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ rرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ]

(3) صحيح مسلم [بَاب الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ rبَعْدَ التَّشَهُّدِ]

(1)-صحيح مسلم[ بَابُ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ]

(1)-صحيح البخاري[ باب من كان يؤمن الله واليوم]

(2)- صحيح مسلم [باب سفرالمرأة مع المحرم]

([115])-سنن الترمذي[بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ]

([116])- صحيح وضعيف سنن الترمذي رقم2460 (ج 5 / ص 460)

(1)مسند أحمد[حديث البراء بن عازب]

(2)سنن أبي داود [ باب في المسألة في القبر]

(3)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(1)مسند أحمد[حديث البراء بن عازب]

(2)سنن أبي داود[باب في المسألة في القبر]

(3)صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4753 (ج 10 / ص 253)

(1) صحيح مسلم[باب في خروج الدجال]

(2) صحيح مسلم[باب تفضيل نبينا على جميع الخلائق]

(3)-صحيح مسلم [باب في خروج الدجال]

(1)-صحيح مسلم[بَاب أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا]

([127])-مسند أحمد رقم 19160 (ج 40 / ص 481)

([128])-صحيح الترغيب والترهيب رقم 3582 (ج 3 / ص 225)

([129])-صحيح البخاري [ بَاب نَفْخِ الصُّورِ]

([130])- صحيح مسلم [بَاب فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَصِفَةِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

(1)-مسند أحمد رقم 19160 (ج 40 / ص 481)

(2)-صحيح الترغيب والترهيب رقم 3582 (ج 3 / ص 225)

(3)-صحيح البخاري [بَاب كَيْفَ الْحَشْرُ]

(4)-صحيح مسلم[ بَاب فَنَاءِ الدُّنْيَا وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

(5)-مسند أحمد رقم 19160 (ج 40 / ص 481)

(6)-صحيح الترغيب والترهيب رقم 3582 (ج 3 / ص 225)

(1)-صحيح البخاري[ بَاب كَيْفَ الْحَشْرُ

(2)-صحيح مسلم[بَاب فَنَاءِ الدُّنْيَا وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

(3)-مسند أحمد رقم 19160 (ج 40 / ص 481)

([140])-صحيح الترغيب والترهيب رقم 3582 (ج 3 / ص 225)

(5)-صحيح البخاري[بَابُ كَيْفَ الْحَشْرُ]

(1)-صحيح البخاري[ بَاب كَيْفَ الْحَشْرُ]

(2)-صحيح مسلم[ بَاب فَنَاءِ الدُّنْيَا وَبَيَانِ الْحَشْرِ يَوْمَ الْقِيَامَة].

(3)-صحيح مسلم[ بَابُ إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ ]

(1)-صحيح مسلم[ بَاب فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

(2) صحيح البخاري [ بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى{ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ }

(3)-صحيح مسلم [ بَاب فِي صِفَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

(4)-صحيح مسلم[ بَابُ إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ] .

(5)-صحيح مسلم [ بَابُ إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ] .

(1)-صحيح البخاري [باب فضل من جلس في المسجد ينتظرالصلاة]

(2)-صحيح مسلم [ باب فضل إخفاء الصدقة]

(3) مسند أحمد ط الرسالة رقم17333 (28 / 568)

([153])-صحيح البخاري [ بَاب كَلَامِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

([154]) صحيح مسلم [ بَاب فِي قَوْلِ النَّبِيِّ أَنَا أَوَّلُ النَّاسِ يَشْفَعُ فِي الْجَنَّةِ]

(1)-صحيح البخاري[ بَاب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ]

(2)-صحيح البخاري[ بَاب ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ]

(1)-صحيح مسلم[ بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ]

(2)-صحيح البخاري[ بَاب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ]

(3)-صحيح مسلم[ بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ]

(1)- صحيح البخاري [ بَاب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ]

(2)- المعجم الكبير للطبراني - (ج 8 / ص 306)

(3)- المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم 8903 (ج 20 / ص 164)

(4) -صحيح الترغيب والترهيب رقم3704 (ج 3 / ص 257)

(1)-صحيح البخاري[ بَاب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ]

(2)صحيح مسلم [باب معرفة طريق الرؤية]

(3)-صحيح البخاري بَاب قِصَاصِ الْمَظَالِمِ

(1)-صحيح مسلم بَاب أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فِيهَا

(2)-صحيح البخاري بَاب قِصَاصِ الْمَظَالِمِ

(3)صحيح مسلم باب في دوام أهل الجنة

(1)صحيح مسلم [باب في دوام أهل الجنة]

(2) صحيح البخاري بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ }

(1)صحيح مسلم [ باب عُقُوبَةِ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا]

(2)صحيح مسلم [ باب بَيَانِ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَأَنَّ كُلَّ خَمْرٍ حَرَامٌ].

(3)صحيح البخاري [باب لبس الحرير]

(4)صحيح مسلم[ باب تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

(1)صحيح مسلم [باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء]

(2) صحيح مسلم [باب في صفة خيام أهل الجنة]

(1)صحيح مسلم [ باب في صفة خيام أهل الجنة]

(2) صحيح مسلم [ باب في صفة خيام أهل الجنة]

(3) صحيح مسلم [باب في سوق الجنة]

(4)صحيح البخاري رقم3256(ج 4 / ص 119)

(1)مسلم [باب تَرَائِى أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ]

(2) مسند أحمد رقم9744 (ج 15 / ص 464)

(3)مسند أحمد رقم7933(ج 13 / ص 315)

(1)مستدرك الحاكم رقم3774 (ج 4 / ص 65)

(2)صحيح البخاري رقم3254 (ج 4 / ص 119)

(3)صحيح مسلم [باب أول زمرة يدخلون الجنة]

(4)صحيح البخاري [ باب صفة الجنة النار]

(1) والبختُ هيَ الأبْل ُ ذاتُ السنامين.

(2)صحيح مسلم [باب في صفات الجنة]

(1)صحيح البخاري[بَاب الْأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ]

(1)صحيح مسلم [باب في صفات الجنة]

(2) صحيح مسلم [باب في سوق الجنة]

(1) صحيح البخاري [باب قول الله(وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره]

(2)صحيح مسلم [باب معرفة طريق الرؤية]

(3)صحيح البخاري [ باب قَوْلِهِ{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ

(4) صحيح مسلم[باب الجنة وصفة نعيمها]

(5)صحيح مسلم [باب في دوام نعيم أهل الجنة]

([199])الملة هي الدين قال تعالى{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [ الأنعام: ١٦١]

(2)سنن أبى داود [باب شَرْحِ السُّنَّةِ ]

([201])مسند أحمد - (ج 7 / ص 436)

([202])صحيح البخاري ( بَاب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ)

([203]) صحيح مسلم ( باب اسْتِحْبَابِ رَمْىِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا)

([204])- صحيح مسلم (باب حجة النبيr)

(2)-موطأ مالك رقم 1395 (ج 5 / ص 371)

(3) -مشكاة المصابيح رقم186 (ج 1 / ص 40) [ 47 ] ( حسن )

(4)صحيح مسلم (باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ )

(1) صحيح مسلم (باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ)

(2)صحيح البخاري ( بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ )

(3)صحيح مسلم ( باب اتباع سنن اليهود )

([211]) العسيف هو الأجير

([212])صحيح البخاري ( بَاب الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا)

([213])صحيح مسلم (باب من اعترف على نفسه)

([214])صحيح البخاري ( بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ )

([215])صحيح مسلم ( باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ )

([216])صحيح البخاري ( بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ )

([217]) صحيح مسلم رقم1848ج3ص1476.

([218])سنن الترمذي ( باب ما جاء في افتراق الأمة)

([219])مسند أحمد رقم17142 (ج 28 / ص 367)

(1) سنن الترمذي ( باب مناقب أهل بيت النبيﷺ‬)

(2)سنن الترمذي (باب مناقب أهل بيت النبيﷺ‬)

(3)صحيح مسلم ( باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه)

(1) المعجم الكبير للطبراني رقم 13673 (ج 12 / ص 7)

([224])صحيح البخاري ( بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ )

([225])صحيح مسلم (باب اتباع سنن اليهود )

([226])صحيح البخاري ( بَاب إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ)

([227])صحيح مسلم ( باب نقض الأحكام الباطلة )

([228])صحيح مسلم (باب نقض الأحكام الباطلة)

([229])صحيح مسلم ( بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ )

([230])صحيح مسلم ( بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ )

([231])صحيح البخاري ( بَاب (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)

([232])صحيح مسلم (باب النَّهْىِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ )

([233]) صحيح البخاري ( بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ )

(2) المعجم الكبير للطبراني رقم 13673 (ج 12 / ص 7)

([235])سنن أبى داود ( باب ذكر الفتن ودلائلها )

([236])صحيح البخاري (بَاب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ )

([237])صحيح مسلم( باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ )

([238]) صحيح البخاري ( بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ )

([239])سنن أبى داود ( باب كيف المسح)

([240])صحيح مسلم ( باب اللعان)

([241])صحيح البخاري ( بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ)

([242])صحيح مسلم ( باب اللعان)

([243]) صحيح البخاري(كتاب الطلاق باب قول النبيr لو كنت راجماً بغير بينة)

([244])صحيح البخاري (بَاب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ )

(1) المعجم الكبير للطبراني رقم 13673 (ج 12 / ص 7)

([246])مسند أحمد رقم15864 (ج 25 / ص 198)

([247])مسند أحمد رقم15156(ج 23 / ص 349)

([248])صحيح البخاري ( بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ )

([249])صحيح مسلم ( باب اتباع سنن اليهود )

(1)صحيح البخاري[باب الحذر من الغضب].

(2) المسند رقم 22088ج47ص141

([252])صحيح مسلم[باب مباعدته للآثام].

([253])صحيح البخاري[باب الحذر من الغضب]

([254])صحيح مسلم[باب فضل من يملك نفسه ]

([255]) صحيح مسلم [باب فضل من يملك نفسه]

([256]) المسند رقم2136ج1ص239

([257]) السلسلة الصحيحة رقم363

( 3)صحيح البخاري[ بَاب هَلْ يَقْضِي الْقَاضِي]

(4)صحيح مسلم[باب كَرَاهَةِ قَضَاءِ الْقَاضِى ]

([260]) صحيح مسلم[باب فضل من يملك نفسه ]

([261]) [صحيح البخاري باب الحذر من الغضب]

([262])صحيح مسلم[باب فضل من يملك نفسه]

([263]) السنن رقم4152ج12ص402

([264]) السلسلة الضعيفة رقم 51

([265]) المسند رقم20386ج17ص322

([266]) السنن رقم4151ج12ص402

([267]) الألباني انظر المشكاة رقم5114

([268]) الصحيح رقم1659ج3ص1286

([269]) صحيح مسلم رقم 1659ج3ص1286.

([270]) مسلم باب استحباب العفو

(1) صحيح البخاري[ بَاب إِثْمِ الزُّنَاةِ]

(2) صحيح مسلم [ بَاب كَوْنِ الشِّرْكِ أَقْبَحُ الذُّنُوبِ]

([273])صحيح مسلم [ باب من أشرك في عمله غير الله]

(1)صحيح البخاري [ باب المكثرون هم المقلون ]

(2)صحيح مسلم [ باب الترغيب في الصدقة]

(1) صحيح مسلم[ بَاب مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ]

(2)صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ اللَّهِ{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }

([278]) صحيح مسلم[ بَاب اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ rدَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ ]

(1)مسند أحمد رقم20892 (ج 44 / ص 368)

(2)المعجم الكبير للطبراني رقم3215 (ج 3 / ص 394)

([281])صحيح مسلم بَاب اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ rدَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ

(1) صحيح البخاري [بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ]

(2) صحيح مسلم[باب اتباع سنن اليهود]

(1) صحيح البخاري [بَاب{ وَدًّا وَلَا سُواعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ }

(2)صحيح البخاري [بَاب{ أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى }

(3)صحيح البخاري[بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ ]

(4)صحيح مسلم[بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ ]

(5)صحيح البخاري[بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ ]

(6)صحيح مسلم[بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ]

(1)مسند أحمد رقم20892 (ج 44 / ص 368)

(2)المعجم الكبير للطبراني رقم3215 (ج 3 / ص 394)

(1) صحيح البخاري[بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ rلَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ]

(2)صحيح مسلم[ بَاب اتِّبَاعِ سُنَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى]

(3)صحيح البخاري[ بَاب قَوْلِ اللَّهِ{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا }

(1) صحيح البخاري بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ

(2) مسلم بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ

(3)صحيح البخاري بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ

(4) مسلم بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ

([299]) صحيح مسلم رقم 3436 (ج 9 / ص 388)

([300])صحيح البخاري برقم 4622ج4/ص1861

([301]) صحيح البخاري رقم 5650 (ج 19 / ص 73)

([302]) صحيح البخاري رقم6 (ج 1 / ص 8) مطولاً

([303])- صحيح مسلم[ بَابٌ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ]

(1-المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم3733 (ج 8 / ص 458)

(2-صحيح البخاري [بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ ]

(3الترمذي [بَاب فِي صِفَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ]

(4-صحيح وضعيف سنن الترمذي رقم 2535 (ج 6 / ص 34)

(5-صحيح البخاري [بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ]

(6-المعجم الأوسط للطبراني رقم927 (ج 2 / ص 426)

(1-المعجم الكبير للطبراني رقم 8773 (ج 8 / ص 90)

(2-صحيح البخاري [ بَابُ الْحُورِ الْعِينِ وَصِفَتِهِنَّ ]

([312])- صحيح مسلم [ باب حجة النبيr]

([313])مسند أحمد رقم17142 (ج 28 / ص 367)

(1) المعجم الكبير للطبراني رقم 13673 (ج 12 / ص 7)

([315])البخاري بَاب (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)

([316])مسلم باب النَّهْىِ عَنِ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ

([317]) صحيح مسلم [باب الصلاة على النبي بعد التشهد]

(2)صحيح البخاري [ بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ]

([319])صحيح مسلم [ باب نقض الأحكام الباطلة]

([320])-مسلم بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ

([321])-مسلم بَاب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ

([322]) صحيح البخاري[ باب علامات المنافق]

([323]) صحيح مسلم [ باب بيان خصال المنافق]

([324]) صحيح البخاري باب قوله[ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا]

(1) صحيح مسلم [كتاب صفات المنافقين]

(1)مسند أحمد[ حديث البراء بن عازب]

(2)سنن أبي داود[باب في المسألة في القبر وعذاب القبر]

([328]) صحيح مسلم [ باب قبول الصدقة من الكسب الطيب].

([329]) صحيح مسلم [ باب قبول الصدقة من الكسب الطيب].

(1)صحيح البخاري [باب فضل من جلس في المسجد ينتظرالصلاة]

(2)صحيح مسلم[باب فضل إخفاء الصدقة]

(1)صحيح البخاري [باب التَّرْغِيبِ فِي النِّكَاحِ]

(2) صحيح مسلم [باب استحباب النكاح]

(1)صحيح البخاري[بَاب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْيِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ]

(2)المعجم الكبير للطبراني رقم 13673(ج 12 / ص 7)

(1)صحيح مسلم [ باب تحريش الشيطان ]

([337])- صحيح مسلم[ باب حجة النبيr]

(1)-موطأ مالك رقم 1395 (ج 5 / ص 371)

([339]) صحيح مسلم[ باب تحريش الشيطان وبعثه].

(1)صحيح البخاري [باب العين الجارية في المنام]

(1)صحيح البخاري[بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ]

(2)صحيح مسلم [بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ]

(3)صحيح البخاري[بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ]

(2)صحيح مسلم [بَاب النَّهْيِ عَنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ]