×
يحتوي هذا الكتيب على بعض الوسائل التى تمكنك من الإستفادة من وقتك يعود بالنفع على النفس والروح والأهل والمجتمع والبدن.

  ثمان وعشرون وسيلة لاستغلال الوقت

القسم العلمي بدار ابن خزيمة


 المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإن الوقتَ هو رأس مال حاضر، يمتلكه الإنسان - أي إنسان - في هذه الحياة؛ ذلك لأنه مجالُ الأعمار، وقرارة الأقدار، ونعمة أنعمها الله على الخلق في الليل والنهار؛ فمن أحسن استثمارها فهو الممنون، ومن ضَيَّعها فهو المغبون؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»([1]).

ففي قوله صلى الله عليه وسلم : «كثير من الناس» إشارة واضحة إلى أن القليل من الناس هم الذين يوفَّقون إلى الحفاظ على أوقاتهم، وأن الأغلبية الكثيرة منهم لا يشكرون هذه النعمة ولا يدركون قيمتَها في الدنيا والآخرة؛ لذلك غبنوا وخدعوا فيها؛ فلم يستثمروها فيما يعود عليهم بالنفع والصلاح.

وفي هذا الكتاب من الوسائل النافعة التي تدل على الحفاظ على الأوقات ما فيه غنية وكفاية للقارئ الكريم؛ فقد سُقْنا فيه ما يقارب الثلاثين وسيلة لاستثمار الأوقات فيما يعود بالنفع على النفس والروح والأهل والمجتمع والبدن.

وقد قَصَدْنا بذلك الدلالة على الخير، وإرشاد المسلمين إلى ما فيه صلاحهم، وتوجيههم إلى صرف الأعمار في الفضائل والبر، والله وليُّ التَّوفيق.

 العلم بحقيقة الوقت

ولا يمكن للإنسان أن يدرك أنَّ الوقتَ من أنفس النِّعم وأجلِّها إلا إذا عرف قيمته في حياته، وعلم مردوده وثمرته في الدنيا والآخرة؛ فإذا أدرك المسلم ذلك حقَّ الإدراك فحينئذ تتحمس نفسه وتتقوى عزيمته وتعلو همته لاستثمار هذه النعمة الجليلة وصرفها في الخير وصالح الأعمال.

حقيقة الوقت: فالوقت بسنواته وشهوره وأسابيعه وساعاته هو عمر الإنسان ومجال حياته، ومحطات عيشه ولحظاته، ومميز سيره وتقلباته، وكلما مرت لحظة إلا ومر معها سير العمر نحو النهاية المحتومة.

وما المرء إلا راكب ظهر عمره

على سفر يفنيه باليوم والشهر

يبيت ويضحي كل يوم وليلة

بعيدًا عن الدنيا قريبًا إلى القبر

قال ابن القيم - رحمه الله تعالى: وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة عيشه الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب؛ فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته ([2]) .

فمن أدرك حقيقة الوقت على هذا المنوال، وسارع إلى استثمار لحظاته في صالح الأعمال، فقد سلك سبيل النجاح في الدنيا والنجاة في المآل؛ فكانت أوقاته عبادات وتفكُّر، ولحظاته قربات وتذكُّر؛ فلا تراه إلا قائمًا بالفرائض والواجبات، حريصًا على قضاء فراغه في الطاعات، ملازمًا للجد والاجتهاد، مواظبًا على المجاهدة والجهاد، توَّاقة نفسه للثواب العظيم عند الله تعالى يوم المعاد.

وما ضَيَّعَ الإنسانُ لحظات عمره في السفاسف واللهو إلا لجهله بحقيقة الوقت وماهيته وثمرته، وقد يكون جهلُه ناتجًا عن بُعْده عن العلم والمعرفة، وقد يكون ناتجًا عن ضعف إيمانه وقلة يقينه وإقبال المذموم على الدنيا.

وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمتَه لاغتنام الأوقات قبل حصول الممات، فقال: «اغْتَنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»([3]) .

فهذا الحديث يوضح أنَّ الوقتَ غنيمةٌ حاضرةٌ جاهزةٌ يمتلكها كلُّ إنسان؛ بيد أنَّ اغتنامَها والاستفادةَ منها يحتاج إلى مسارعة ومجاهَدَة وحكمة؛ فالمسارعة تحمل على استغلال الفراغ قبل الانشغال.

والمجاهدة تُحْمل على تكلف الأعمال وتحمُّل مشاقِّها و عوائقها في أوقات العمر.

والحكمة تحمل على جعل العمل المناسب في الوقت المناسب.

بادر الفرصة واحذر فوتها

فبلوغ العز في نيل الفرص

واغتنم عمرك إبان الصبا

فهو إن زاد مع الشيب نقص

وابتذر مسعاك واعلم أن مَن

بادر الصيدَ مع الفجر قنص

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً. أي: فارغًا لاهيًا لا في عمل دنيا ولا في عمل الآخرة».

وكانت حفصة بنت سيرين تنصح الشباب وتقول: يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم واغتنموا وقتكم وأنتم شباب؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب.

أخي الكريم: تذكَّر أن حياتَك لحظات، وأنَّ كلَّ لحظة انقضت انقضى معها عمرُك؛ فإن كنتَ صرفتَها في خير فهو لك، وإن كنت صرفتَها في شر فعليك.

واعلم أن الفراغَ في حقيقته شغل يشمل الخير والشر؛ فما من لحظة تمر من حياتك إلا ولك فيها شغل، شعرت بذلك أم لم تشعر، فاجتهد أن تجعل من وقتك صندوق أعمال صالحة تلقى بها الله يومَ العرض عليه؛ فإنك مسؤول عن عمرك ووقتك وموقفة قدمك للحساب على كل لحظة مرت عليك في الدنيا؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسْأَلَ عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه».

دقَّاتُ قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثوان

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها

فالذكر للإنسان عمر ثان

 القيام بالفرائض الواجبات

أخي الكريم: إن أولَ ما ينبغي أن تفني عمرَك فيه هو طاعة الله - جل وعلا ، وأولى ما يجب عليك من الطاعات أداءُ الفرائض والواجبات؛ لأن الله - جل وعلا - إنما خلقك لعبادته وحدَه وطاعته بما أمرك؛ قال - تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وقال - سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾.

ولمَّا كان الهدفُ الأسمى من وجودك على هذه البسيطة هو عبادة الله بما أمر؛ فإنه لا يحل لك بأي حال أن تقدم على الفرائض والواجبات الشرعية شيئًا من الأعمال مهما كان نتاجها الدنيوي، ومن هنا كان الفقه بتوقيت العبادات وأداؤها في وقتها هو الفهم السليم للحفاظ على الأوقات واستثمارها على الوجه الذي يرضي الله سبحانه.

وقد جعل الله - جل وعلا - للفرائض وقتًا معلومًا لا يقبلها في غيره؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾، وقال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾، وقال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.

ولما كانت العبادات الواجبة موقوتةً بوقت معلوم، كان على المسلم أن يحفظ كل شعيرة من الشعائر في وقتها؛ فلا يقدم عليها أيَّ عمل مهما كانت غايته وثمرته، والقيام بالفرائض والواجبات ليس وسيلة لحفظ الوقت؛ وإنما هي عبادات جليلة تعبَّدَنا اللهُ بها، وأمرنا أن نصرف أوقاتنا فيها قبل أي عمل آخر؛ وإنما جعلناها هنا وسيلة لحفظ الوقت؛ لأن ذلك يحصل بالإلزام والضرورة؛ فإن القائم بأوامر الله يحفظه الله في دينه وروحه وجسمه ووقته؛ فهو يحفظ وقته في صلاته، والله يحفظه في أوقاته.

وأهم فرض يجب القيام به الصلاة؛ فقد تعبَّدَنا الله - جل وعلا - بها في خمسة أوقات معلومة في اليوم والليلة، وجعل لكل صلاة وقتًا لا تُقْبَلُ إلَّا فيه ما عدا في حالات خاصة؛ كالمرض والسفر والمطر.

 وهذه الأوقات علَّمها جبريل - عليه السلام – النبي؛ حيث نزل فَصَلَّى بالرسول صلى الله عليه وسلم حول الكعبة صلاة الصبح عندما طلع الفجر، ثم نزل فصلى به صلاة العصر بعدما صار ظل كل شيء مثليه، ثم نزل فصلى به صلاة المغرب بعد غروب الشمس، ثم نزل فصلى العشاءَ بعد ذهاب الشَّفَق الأحمر، ثم جاءه من الغد حين أسفر جدًا فقال: قم فصل، ثم جاءه الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، فقال: قم فصل، ثم جاء العصر حين صار ظل كل شيء مثليه فقال: قم فصل، ثم جاء المغرب وقتًا واحدًا ولم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب ثلث الليل أو نصفه، قال: قم فصل، فصلى العشاء، ثم قال له: "ما بين هذين وقت". يريد بقوله "ما بين هذين وقت": أي أن للصلاة وقتين: اختياريًّا وهو الأول، وضروريًّا وهو الثاني([4]).

أخي الكريم: لقد تعمدتُ أن أسوقَ لك حديث مواقيت الصلاة؛ لتتصور بنفسك حرمة أوقاتها عند الله جل وعلا، ولو لم تكن حرمتها عظيمة لما نزل جبريل عليه السلام بنفسه يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، ويبين له وقت دخولها وخروجها، وليعلم المسلمون طوال التاريخ أن حفظ وقت الصلاة هو رأس الفلاح وعموده؛ فمن حفظ وقته فيها فقد حفظ وقته حقًا، ومن ضيَّع أوقاتها فقد ضيع نفسه وأوقاته كلها ولو أنجز فيها عظائم الإنجازات والأعمال، فتأمل.

فإن رمت اغتنام الوقت فعلاً

فخير الوقت حي على الفلاح

فاحرص حفظك الله على أوقات الصلوات، واجعلها نصب عينيك لحظة بلحظة يبارك الله لك في أوقاتك ويحفظك في الدنيا والآخرة.

واعلم - أخي الكريم - أن الأعمال على درجات متفاوتة من حيث وجوبها واستحبابها وإباحتها، لذلك فعليك أن تستهل يومك بأداء واجباتك اليومية أولاً! وهذا يستلزم منك تحديد أعمالك المهمة قبل الشروع فيها حتى لا تختلط عليك الأعمال والأوقات، وحتى لا تقدم مستحبًّا على واجب، ولا مباحًا على مستحب.

وبعد أداء ما عليك من الفرائض والواجبات لا بأس أن تنظم وقتك في الطاعات والقربات وغيرها مما ينفع في الدنيا والآخرة، أوَّلاً بأوَّل.

حياتك أنفاس تعد وكلما

مضى نفس انقضت به جزءًا

 الاهتمام بالأسرة وذوي القربى

ومن أسمى وسائل حفظ الأوقات والاستفادة منها في الخير الاهتمام بالأهل وذوي القربى؛ ويشمل ذلك بر الوالدين وخدمتهما والإحسان إلى الأهل وتربية الأبناء، وصلة الأرحام؛ فإن هذه الأعمال من أهم ما ينبغي الاشتغال به وصرف العمر فيه وحفظ الأوقات.

2- خدمة الوالدين: فإن من تمام الإحسان بالوالدين أن يحفظ المسلم وقته في خدمتهما كلما تيسر له ذلك، وإنما يكون ذلك بتفقُّد أحوالهما وما يحتاجان إليه من خدمات مادية واجتماعية؛ وإن لم يصرحا بذلك قولا؛ إلا أن المسلم البار اللبيب هو من يفقه حاجتهما ويلبي رغباتهما ومحابهما من غير سؤال ولا أمر ولا طلب.

قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36] وقال: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لقمان: 14].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل أحب إلى الله تعالى؟" قال: «الصلاة على وقتها». قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»([5]) .

وهذا الحديث يدلُّ على أمرين عظيمين فيما يخص الأوقات والأعمال وهما:

1- أن حفظ الأوقات يجب أن يكون أوَّلًا في أداء الفرائض وأهمها الصلاة، وهذا الذي أشرنا إليه في الوسيلة الأولى من هذا الكتاب.

2- أن بر الوالدين يأتي في الدرجة الثانية في حفظ الأوقات؛ فلا ينبغي صرف الأوقات بعد أداء الفرائض في عمل يقدم على برِّ الوالدين وخدمتهما. ويشمل حفظ الأوقات في برهما ما يلي:

1- تفقُّد أحوالهما بالزيارة والسؤال.

2- القيام بالأعمال التي تجلب لهما البهجة والسرور.

3- العمل على كسوتهما وإطعامهما متى احتاجا إلى ذلك؛ لا سيما إذا كبرا ولم يكن هناك من يسهر على إطعامهما وكسوتهما؛ فيجب على المسلم الصبر ومجاهدة النفس في التفرغ لمصالحهما أيًّا كان نوعها أو شكلها، دون تأفُّف أو ضجر؛ ما لم يكن في ذلك معصية.

4- امتثال أمرهما واجتناب نهيهما بالمعروف.

5- إجابة دعوتهما وبسط الجناح لهما وتطييب الحديث والكلام معهما.

أخي الكريم: واعلم أن أوقاتك التي تقضيها في هذا البر والإحسان هي أوقات جهاد عظيم، وأن صبرك على هذا الجهاد أعظم من صبرك على صولة العدو وبطشه، وفتنة السيف وطيشه؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال ففيهما فجاهد»([6]) .

3- الاهتمام بالزوج: والعاقل هو من يصرف اهتمامه إلى بيته، فيقتطع من وقته جزءًا كافيًا لتفقُّد أحوال أهله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم»([7]) .

وقد كان تفقُّد الأهل والعشيرة دأب النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان يتفقد أحوال أزواجه ويجمعهم على طعامهم، ويبذل لهم من وقته وجهده على كثرة أشغاله واهتماماته صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر ينطبق  على النساء كما ينطبق على الرجال؛ فإن أهم ما تصرف الأخت المسلمة عمرها فيه أن تسهر على راحة زوجها وخدمته؛ فإن رضا الله عنها في رضاه؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة »([8]) .

4- التربية والتوجيه: والعمل على تربية الأبناء وتوجيههم للخير والفضائل من المهمات الجليلة التي يجب عليك - أخي الكريم - أن تحفظ أوقاتك فيها؛ فهم أمانة استرعاك الله فيها وابتلاك بها؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» ([9]) .

فاحرص على تعليم أبنائك الصلاة وسائر العبادات ودلَّهم على طريق الخير وحذرهم من منكرات الأفعال والأقوال، وإياك أن تشغل عنهم فينهدم بيتك بعد جهد وبناء.

5- صلة الأرحام: ومن وسائل حفظ الأوقات واستثمارها صلة الرحم وذوي القربى؛ فإنها من أعظم القربات وأجلِّها، ومن أينعها ثمارًا في الدنيا والآخرة؛ فهي مجلبة للرزق مباركة للعمر؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه»([10]) .

فاحرص - أخي الكريم - على بذل أوقاتك في هذه الطاعات، واجعلها نصب عينيك كلما تيسر لك الأمر.

 الاشتغال بالعلم والتعلم

6- طلب العلم: ومن أنفس وسائل حفظ الأوقات واستثمارها طلب العلم النافع، وبذل الجهد في تحصيله ونيله؛ فهو شرف في الدنيا ورفعة في الآخرة؛ فبه تستنير العقول، وتهتدي القلوب، وتستقيم الأفكار وتبتهج النفوس؛ فهو ذخيرة لا تفنى وكنز لا يبلى، طويل دربه، عظيم بحره، لا يسلكه إلا من علت همته واشتدت عزيمته، وصفت من الأخلاط فكرته، ومن الأكدار نهمته، فمضى بطموحه الوثَّاب يغالب الشدائد والصعاب، ويصابر بصدق عزم وصفاء نية نفسَه وأوقاته؛ ليجعلها رهينة العلم والعرفان في الملوان ([11]) .

وليس بغريب على ذوي الهمم العالية أن يُصَرِّفوا أوقاتهم ليلًا ونهارًا في سبيل العلم؛ فهم يدركون أن سعيَهم مشكور، وأن جهدَهم مأجورٌ مبرورٌ؛ فهم طامعون في الكنز النفيس الذي تركه الأنبياء والمرسلون؛ فهم المستحقُّون لإرثهم؛ لا لقرابة أو صلة؛ ولكن بسبب ما بذلوه من الجهد في الطلب والتَّعَلُّم؛ فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سَهَّلَ الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض؛ حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر»([12]) .

فاصرف أخي الكريم أوقاتك في هذه التجارة الرابحة والْحَقْ بقافلة الورثة من أهل العلم الأفذاذ، وأَدْل بدلوك في بحرهم.

وما طلب المعيشة بالتمني

ولكن ألق دلوك في الدلاء

واحرص رعاك الله على الحفظ والمطالعة وحضور حلقات العلماء الصالحين، والاستزادة من العلم في كل وقت وحين.

7- المطالعة والمراجعة والحفظ: فالكتاب أنيس لا يغيب وجليس لا يمل حديثه وكلامه؛ فهو خيرُ ما تُبْذَلُ فيه الأوقات وتجهد فيه النفوس والطاقات؛ قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى: فسبيلُ طالب الكمال في طلب العلم: الاطِّلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات من المطالعة؛ فإنه يرى من علو هممهم ما يشحذ خاطره ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة؛ فالله الله، وعليكم بملاحظة سير السَّلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم؛ فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قيل:

فاتني أن أرى الديار بطرفي

فلعلي أرى الديار بسمعي

وإني أخبر عن حالي ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره؛ فكأني وقعتُ على كنز، ولو قلت: إني طالعت عشرين ألف مجلد كان  أكثر، وأنا بعد في الطلب.

فانظر حفظك الله في سيرة هذا الرجل؛ كيف كانت المطالعة نهمته، والمراجعة همته؛ فلم يزل مواظبًا على التحصيل والطلب حتى فاق الأقران وصار علمًا في الأزمان، ومن طرائف حفظ الأوقات في المطالعة والحفظ أن الجاحظ كان يكتري الدكاكين من الوَرَّاقين، ويبيت فيها للنظر في الكتب.

فأشغل أخي الكريم وقتَك في القرآن والمطالعة؛ فإن ذلك هو طريق اكتساب الأدب والعقل والهدى.. فما الكتاب إلا جليس ناصح:

لنا جلساء ما نمل حديثَهم

ألباء مأمونون غيبًا ومشهدًا

يفيدوننا من علمهم علم ما مضى

وعقلاً وتأديبا ورأيًا مسددًا

8- الاستفادة من الأشرطة النافعة: فكلما رأيتَ أخي الكريم من نفسك مللا عن القراءة والمطالعة فاعمد إلى سماع ما يفيدك من الأشرطة الإسلامية النافعة، فاحرص على اقتناء الدروس العلمية، وأشرطة الوعظ والرقائق والخطب والتوجيهات والنصائح، وتفرغ بنفسك لاستماعها والاستفادة من علومها؛ فإن ذلك من أهم وسائل التحصيل وحفظ الأوقات في هذا الزمان.

9- حضور النداوات والمحاضرات: فهي من الوسائل المفيدة في إشغال النفس بما يعود عليها بالنفع، لا سيما وهي تحتوي بمضمونها على الفوائد والعبر والتوجيهات والملح والفقه السليم للحياة المعاصرة، ونمط مواجهة ما فيها من التحديات والصعوبات التي تواجه الإسلام والمسلمين، واحرص - رعاك الله - على النافع منها مما يقوم به العلماء وطلبة العلم والغيورون على دين الله تعالى.

10- التعليم والمذاكرة: وإذا كنت ممن وَهَبَكَ اللهُ القدرة على التعليم، فاجعل منه وسيلةً للحفاظ على وقتك، وأشغل نفسك بتعليم المسلمين الخير؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا»([13]) .

 الحرص على فضائل الأعمال

وباب فضائل الأعمال باب واسع يشمل كل بر ومعروف؛ لا سيما ما كان فيه نفع للإسلام والمسلمين؛ فكن - حفظك الله - سبَّاقًا للخير باذلًا فيه وقتك وجهدك، وتذكَّر أن كل خطوة تخطوها في المعروف تكون لك ذخرًا عند الله وثوابًا.

وإنه لمن غرائب الأمور أن يشتكي العبد المؤمن من فراغ وقته، وباب الخير مفتوح على مصراعيه يناديه ويناشده؛ فكم هي كثيرة أَوْجُهُ البر.. وكم هي سهلة أعمال الفضل والخير.. ولكن لا يوفَّق إليها إلا من أَيَّدَه الله بعونه، وهداه إلى صرف أوقاته وعمره في تحصيلها؛ ومن ذلك: زيارة المرضى، وإجابة الدعوة، وإغاثة الملهوف، وإطعام الفقير، والسعي على الأرامل والأيتام، والزيارة الشرعية، واتباع الجنائز، وقضاء حوائج المسلمين.. وغيرها من الأعمال التي تنفع العباد وتعود بالنفع على المسلم يوم المعاد؛ فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله! أيُّ الناس خير؟ قال: «من طال عمرُه وحسن عملُه». قال: فأيُّ الناس شرٌّ؟ قال: «من طال عمره وساء  عمله»([14]) .

ومن آكد وسائل حفظ الأوقات بفضائل الأعمال:

11- عيادة المريض: ولئن كانت أوقات عيادة المريض قليلة نادرة، إلا أن ثمارَها عند الله عظيمةٌ جليلةٌ؛ فعن ثوبان أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة». قيل: يا رسول الله، ما خرفة الجنة؟ قال: «جناها»([15]) .

فتأمَّل أخي الكريم في ثمرة حفظ الأوقات في صالح الأعمال؛ فإن زيارة المريض من أسهل الأعمال على النفس، وربما لم تكلف من الوقت إلا القليل، وقد جعل الله للعائد ثوابًا عظيمًا على ذلك؛ فهو حينما يعود المريض إنما يُحَصِّلُ من جنات النعيم جزءًا يجده عند الله - جل وعلا - يوم يلقاه.

فلا يفوتنك - أخي الكريم - هذا الفضل؛ فإن الحرصَ عليه حفظٌ للوقت في الدنيا ونجاةٌ للنفس يوم القيامة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضتُ فلم تَعُدْني! قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده! أما علمت أنك لو عدتَه لوجدتني عنده»([16]) .

مرور الوقت نقص في الحيا

ة وجَدُّ الأمر خال من مزاح

فمن يغنم زمان العمر يضحى

مقيمًا في سرور وانشراح

12- الزيارة في الله تعالى: فزيارة الإخوان في الله تعالى من أحب القربات إلى الله؛ فهي ليست مضيعة ولا مطية إلى هدر الأوقات والأعمار إذا نوى الزائر بها وجه الله تعالى، والتزم في زيارته الآداب المشروعة من حسن الخلق وبشاشة الوجه وطيب  الكلام والتناصح والتعاون.. فلا تظن أخي الكريم أنَّ تَفَقُّدَ الإخوان الصالحين من شيم المضيِّعين للأوقات؛ بل إنها من أنفس ما يبذل له الوقت؛ كما دلَّ على ذلك حديثُ أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله تعالى، ناداه مناد أن طبت وطاب ممشاك وتَبَوَّأْتَ من الجنة منزلاً»([17]) .

فاغتنم وقتَك في هذا الخلق النبيل واجعله وسيلة لحفظ لحظات عمرك، والتزم أدبه يكن لك خير معين على استثمار حياتك.

مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلا

وأصبحت في يوم عليك شهيد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة

فثن بإحسان وأنت حميد

13- قضاء حوائج المسلمين: وهذه أيضًا من أَجَلِّ ما ينبغي المسارعة إليه، وبذل النفس والوقت والمال فيه، وهذه الوسيلةُ تتفرَّع عَنْها أعمال كثيرة جليلة، وتختلف باختلاف الحاجات والأحوال والقدرات؛ فَوَطِّن نفسَك أخي الكريم على اغتنام وقتك في قضاء حاجات إخوانك بما يَسَّرَه الله لك من جهد وصحَّة وفراغ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الناس إلى الله – تعالى - أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله - عز وجل - سرورٌ تُدْخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجد – إشارة إلى المسجد النبوي – شهرًا، ومَنْ كَفَّ غَضَبَه سَتَرَ اللهُ عورتَه، ومن كَظَمَ غيظَه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه وجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمَه يوم تزول الأقدام، وإنَّ سوءَ الخُلُق يُفْسد العمل كما يفسد الخل العسل»([18]) .

قال عبد الله بن عثمان (شيخ البخاري): "ما سألني أحدٌ حاجةً إلا قُمْتُ به بنفسي، فإن تَمَّ وإلا قمت به بمالي، فإن تم وإلا استعنت له بالإخوان، فإن تم وإلا استعنت له بالسلطان".

فاحفظ وقتَك في قضاء حوائج المسلمين تكن أحبَّ النَّاس إلى الله تعالى.

لعمرك ما الأيام إلا معارة

فما استطعت من معروفها فتزود

 الاهتمام بالنفس والدعوة إلى الله

14- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

فالمسلمُ الصادقُ لا يعرف السكون في حياته، ولا يعرف الفراغ في وقته؛ فهو دائب الحركة ملازم السير في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فكلما ظهر له منكر أشغل فيه وقته، وبذل له جهده، وراح يغيِّره بما استطاع إلى ذلك سبيلا.

واعلم - أخي الكريم - أن هذا الخُلُقَ النَّبيل هو جهاد وعبادة، وليس مضيعةً للوقت أو فضولا في السلوك؛ بل إنَّ مدارَ الفلاح و النجاة عليه؛ قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104]، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رأى منكم منكرًا فَلْيُغَيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان»([19]) .

وعن جعفر بن سليمان قال: «سمعت مالك بن دينار يقول: لو استطعت أن لا أنام لم أنم؛ مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: يا أيها الناس النار النار.

وعن شجاع بن الوليد قال: كنت أخرج مع سفيان الثَّوري، فما يكاد لسانه يفتر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ذاهبًا وراجعًا».

الأمر بالمعروف يا عمرو نافلة

والقائمون به لله أنصار

فاحرص - حفظك الله جل وعلا - أن تبذل لهذه النافلة وقتَك، وكن داعيةً لله لا يعرف عمرك الفراغ، تدعو إلى الخير في ذهابك وإيابك وفراغك وشغلك وكَدِّك وسعيك، واصبر على ما تجده في هذا الطريق من أوحال؛ فإن طريقَ الدَّعْوَة طويلٌ وشاقٌّ مملوءٌ بالأشواك والصِّعاب، لا تتحمله إلا نفوس الرجال، ولا تقوم به إلا همم الصادقين الأبطال، ولا تقدر على مواصلة السير فيه النفوس المريضة المترهلة ممن أصابها وَهَنُ العزيمة، ونضب وقود الإيمان فيها؛ فهذا الطريق هو طريقُ الأنبياء؛ فيه تعب آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأخرج للذَّبْح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بَخْس، وقاسى المرض أيوب، وكذا سيرة الأنبياء وسيد المرسلين.

15- دلالة الناس على الخير: فكلَّما وجدتَ - أخي الكريم - في وقتك متَّسَعًا فابذله في نصح المسلمين وإرشادهم إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، ودلالتهم على الهدى والتُّقى، وتوجيههم إلى ما يصلح دنياهم وأخراهم.

فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم»([20]) .

وقد حكي عن الفقيه الشيخ الزاهد محمد بن أحمد الدباهي أنه لازم العبادة والعمل الدائب والجد واستغرق أوقاته في الخير، صلب في الدين، وينصح الإخوان، وإذا رآه إنسان عرف الجد في وجهه.

نحن في ذي الحياة ركب سفار

يصل اللاحقين بالماضينا

قد هدانا السبيل من سبقونا

وعلينا هداية الآتينا

وعن عبد الكريم بن أمية قال: لأَنْ أَرُدَّ رجلاً عن رأي سيء أحبُّ إليَّ من أن أعتكفَ شهرًا. وكان الليث بن سعد - رحمه الله - يجلس للمسائل يغشاه الناس فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس لا يسأله أحد من الناس فيردَّه؛ كبرت حاجته أم صغرت.

فاجعل من أوقاتك أوقات نصح ومعروف ودلالة على الخير والهدى؛ بالكلمة الطيبة والحكمة والموعظة والقدوة الحسنة، والبيان والبلاغ، والهدية والكتاب والشريط.

فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن دَلَّ على خير فله مثل أجر فاعله»([21]).

16- الحرص على مجالسة الصالحين: وذلك لأن مجالسةَ الرجل الصالح لا يضيع فيها وقت، ولا يحصل بها فوت؛ فهي من أسباب تحصيل الخير ونيله؛ فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيَك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة»([22]).

17- الترويح عن النفس: فلا بد بعد الجهد من راحة ولو لوهلة يسيرة؛ ذلك لأن المللَ من معاني الإنسانية في البشر؛ فلا بد من الترويح عن النفس ساعة ساعة، وجعلها تسترجع الهمة والجد من خلال تفكر وتذكر، وانبساط وانشراح؛ فلماذا لا يفكر الشاب المسلم في جمع أفراد أسرته أو خيرة أصحابه وإخوانه في استراحة ولو في ليلة واحدة، ويجعلها وسيلة للترويح عن نفسه وحفظ وقته؛ لا سيما إذا كانت تتخلَّلُها مسابقات وبرامج تعود بالنَّفْع والصلاح.

فمن المؤسف أن ترى الشابَّ المسلم إذا أصابه الملل في طلب العلم أو الدعوة أو غيرها التفت إلى المغريات والشهوات وهدر فيها وقته وجهده، ولم ينل منها سوى الأمراض الفتاكة والوساوس التي تؤدي به إلى الهلاك.

فاحرص - حفظك الله - أن يكون لك وقت راحة حتى لا يعتريك الملل والضجر، واجتنب رفقاء السوء ممن يقضون أوقاتهم في السهرات الماجنة أمام القنوات الهابطة والأفلام الساقطة، ويظنون بذلك أنهم يروحون عن النفس وما هم إلا في أمراض وأخلاط يجنون ثمارها المرة في القريب.

18- ممارسة الرياضات النافعة: ولا يخفى على العاقل ما للرياضة من نفع نفسي وبدني؛ فهي تولِّد النشاط والحيوية وتقوِّي الجسم وتشدُّ أَزْرَه، وتبعث على الشجاعة والإقدام وحسن البلاء حين الاحتدام.

فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "أحسن الناس، وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة عربي وفي عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا.. لم تراعوا..» ([23]) .

 المسارعة إلى القربات

ومن وسائل حفظ الأوقات واستثمارها: التفرغ للعبادات ومجاهدة النفس في الاستزادة من الخير والقربات؛ فإن فضل العبادة لا يضاهى، وخيرها عند الله لا يتناهى، وبابها واسع لا يُرَدُّ، وبحرُها عميقٌ لا يُحَدُّ. ومن ذلك:

19- أداء النوافل والرواتب: فالعبادة والتَّبَتُّلُ والتَّطَوُّعُ والتَّنَفُّلُ من أوسع طرق الجنة وأعظمها؛ فقد رَغَّبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترغيبًا في الحفاظ على الرواتب و المداومة عليها والتفرغ لأدائها كل وقت وحين؛ فعن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضة إلا بنى الله له بيتًا في الجنة». أو: «إلا بني له بيت في الجنة». قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد([24]).

فاحرص - أخي الكريم - على حفظ وقتك في أداء هذه الرواتب؛ فإنها سبب لإرث بيت في الجنة، وسبب العطاء والمنة، ولقد جُعل التطوع وما فيه من سنن راتبة جبرًا للنقص الذي يكون في أداء الفرائض؛ فالفرائض لا تكتب تامَّةً إلا إذا استوفت شروط أدائها من طهارة وخشوع وحسن إقبال على الله، فإن كانت تامةً فهو الفلاح والنجاح، وإن كانت ناقصةً فالتَّطَوُّع لعله يُتمُّ النقص الذي كان في أدائها.

وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أوقات هذه الرواتب وحَثَّ على القيام بها؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتًا في الجنة؛ أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر»([25]) .

اغتنم في الفراغ فضل ركوع

فعسى أن يكون موتك بغتة

كم صحيح رأيت من غير سقم

ذهبت نفسه الصحيحة فلته

فاغتنم - حفظك الله - وقتَك في الحفاظ على الرَّواتب والمواظبة عليها، واجتهد في أداء النوافل في سائر الأوقات؛ فإنها سببٌ لمحبَّة الله لك؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه - تبارك وتعالى - قال: «من عادى لي وليًا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ من أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»([26]).

20- تلاوة القرآن وحفظه: فإن حفظَ الأوقات في تلاوة كتاب الله تعالى هي التجارة الرابحة التي لا يعتريها البوار، ولا تهدر فيها الأوقات والأعمار؛ بل إن القارئَ للقرآن الكريم يحصل له من الأجر والثواب العظيم ما لا يخطر له على بال؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها؛ لا أقول الم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»([27]).

فاجتهد - رعاك الله - في تدبُّر كتاب الله وتلاوته، وتفرغ له بالانضمام إلى حلقات التحفيظ في المساجد ودور القرآن، وجاهد نفسك في حفظه وإتقانه، تأتي يوم القيامة مع البررة، ويكون لك شفيعًا عند الله.

هذا الذي كنت أطويه وأنشره

حتى بلغت به ما كنت آمله

فرافقته وفارق من يفارقه

فالوحي أنفس شيء أنت حامله

واعلم - أخي الكريم - أن تلاوةَ القرآن وتَعَلُّمَه خيرُ عمل يقوم به المسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم مَنْ تَعَلَّم القرآن وعَلَّمَه»([28]) .

ووقتك يا فتى غال نفيس

ففي الخيرات فابذله يا صاح

شعارك فاجعل القرآن دومًا

وتسبيح المساء مع الصباح

21- الاشتغال بذكر الله عز وجل: وذكر الله من أيسر العبادات وأسهلها على الإطلاق؛ فهو جدير بأن تُبْذَلَ فيه الطَّاقات، وتقضى في الاشتغال به الأوقات؛ لا سيما وفضله عند الله عظيم، وخيره جزيل كريم؛ فذكر الله - جل وعلا - أداتُه اللسان، وحركة اللسان أخفُّ حركات الجوارح وأيسرُها؛ لو تحرك عضو من الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة اللسان، لشق عليه غاية المشقة؛ بل لا يمكنه ذلك، لذا فإن ذكر الله أيسر العبادات وأجلُّها وأفضلها.

فبادر - أخي الكريم - إلى هذا الخير العظيم، واشغل نفسك بذكر الله وشكره، واعلم أن الذكر سببٌ لطمأنينة النفوس وراحة القلوب والأبدان؛ قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، والذِّكْرُ لا يأخذ من الأوقات إلا القليل؛ ولكن ثوابَه عند الله عظيم جليل؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه، ومن قال: "سبحان الله وبحمده" في يوم مائة مرة، حُطَّتْ عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»([29]) .

وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" أَحَبُّ إليَّ مما طلعت  عليه الشمس»([30]) .

أخي الكريم: فاغتنم وقتك في ذكر الله - جل وعلا - في الخروج والدخول، وعند النوم واليقظة، وفي طريقك وحضرك وسفرك، وفي السوق وفي العمل، وكن ملازمًا للأذكار في سائر الأحوال:

سأنفق ريعان الشبيبة دائبًا

على طلب العلياء أو طلب الأجر

أليس من الخسران أن لياليا

تمر بلا نفع وتحسب من عمري

والأذكار التي ينبغي الحرص عليها كثيرة جدا يستحسن حفظها من الكتب الجامعة للأذكار نحو كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، وإنما قصدنا هنا الإشارة إلى صرف أوقات الفراغ بذكر الله بالتسبيح والتهليل والاستغفار والتوبة وقراءة القرآن؛ فإن ذلك من أسباب السعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، والله من وراء القصد.

22- قيام الليل: فإذا كانت المدارَسةُ في النهار تغذي العقول والأفكار؛ فإن الليلَ مدرسةٌ تهذِّب الروح وتكسوها الطمأنينة والصفاء، لذلك فإن دقائقه غالية ثمينة يعز تعويضها في النهار.

فإذا وجدت أخي الكريم من ليلك وقتًا فلا تضيِّعْه في السَّهَر والغفلة، ولا تبدِّدْه أمام فسوق التلفاز والقنوات الفضائية، ولا تعبث به مع النفوس الدَّنيَّة؛ فأوقات الليل لحظات مباركة طيبة، جدير بك أن تحفظها بالقيام والاستغفار والدعاء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلثُ الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له»([31]).

وهذا الشافعيُّ - رحمه الله - كان من أحسن الناس اغتنامًا لأوقات ليله؛ فقد جَزَّءَ - رحمه الله - الليلَ ثلاثةَ أجزاء؛ الثلث الأول يكتب فيه، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام.

فاغتنم حفظك الله أوقات ليلك في الذكر والدعاء والعبادة والتَّبَتُّل، واعلم أن قدوتَك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم حتى تَوَرَّمَتْ قدماه، وقطر منها الدم؛ وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تَأَخَّر.

23- الدُّعاء والتَّضَرُّع إلى الله: والدعاء من أَحَبِّ العبادات إلى الله وأوجب ما ينبغي حفظ الأوقات به؛ فهو دلالة على العبودية والذُّلِّ والحبِّ والطمع فيما عند الله من جزيل العطاء وكريم الثواب والجزاء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها مأثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه إحدى ثلاث: إما أن يستجيب له دعوته، أو يصرف عنه من السوء مثلها، أو يَدَّخر له من الأجر مثلها»([32]).

فابذل جهدك - رحمك الله - في أن تكون سَؤولًا لله - جل وعلا - ملحاحًا في دعائه والاستغاثة به، وإظهار الفقر والذل بين يديه، ولا تعجز أن تسأل الله من خير الدنيا والآخرة؛ فإن العجزَ كلَّ العجز أن تستثقل الدعاء وتستعجل الإجابة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعجز الناس من عجز  عن الدعاء»([33]).

واحرص أن يكون دعاؤك في الأوقات الفاضلة التي جاء التَّنْصيصُ على أنها أوقاتُ استجابة؛ كأدبار الصلوات المكتوبة، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، وعند نزول الغيث، وفي المرض والسفر وغيرها من الأوقات الفاضلة، واعلم أن الله - جل وعلا - قريبٌ منك يسمعك ويجيبُ دعاءك؛ قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.

إذا لم يكن عون من الله للفتى

فأول ما يقضي عليه اجتهاده

24- الإكثار من السجود: وهذه من أنفس ما نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه، فاحفظها أخي الكريم واجعلها نصب عينيك؛ كلما تَهَيَّأَ لك وقت سارعت إلى التطوع والصلاة، وبادرت إلى التقرب إلى الله بالركوع والسجود؛ فإن ذلك من موجبات رحمته وحفظه والفوز بجنته؛ فعن أبي فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته فقال: سلني. فقلت: أسألك مرافقتَك في الجنة. فقال: أَوَ غير ذلك؟ قلت: هو ذاك. قال: فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود([34]) .

واعلم أن سجودَك لله سببٌ لحطِّ الخطايا والسيئات ورفع الدرجات في الجنات؛ فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود؛ فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة»([35]) .

وما  أقبح التفريط في زمن الصبا

فكيف به والشيب في الرأس نازل

ترحل عن الدنيا بزاد من التقى

فعمرك أيام تعد قلائل

فاحرص - رحمك الله - على صلاة الضُّحى والسُّنن والرواتب، وركعتين بعد الذكر وشروق الشمس في المسجد، وكن ملازمًا للتَّطَوُّع في غير أوقات النهي المعروفة يرفع الله ذكرك في الدنيا والآخرة.

25- الحرص على العمرة وتكرار الحج وزيارة المسجد النبوي؛ فإذا وجدت أخي الكريم متَّسَعًا في وقتك فلا بأس أن تملأه بما يقرِّبُك من الله تعالى؛ كمعاودة أداء الحج والعمرة، والقيام بزيارة المسجد النبوي الشريف؛ فإن هذه الأعمال من الفضائل العظيمة التي يغفر الله بها الذنب ويُفَرِّج بها الشدة والكرب، ويرفع بها الدرجات يوم المعاد؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمرة إلى العمرة كَفَّارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»([36]) .

ولقد روي أن أبا الدرداء - أو أبا ذر رضي الله عنهما - وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه: أليس إذا أراد أحدُكم سفرًا يستعدُّ له بزاد؟ قالوا: نعم. قال: فسفر الآخرة أبعدُ مما تسافرون! فقالوا: دُلَّنا على زاده.

فقال: حجُّوا لعظائم الأمور وصلُّوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا يومًا شديد حره لطول يوم النشور .

دعاهم إلى البيت العتيق زيارة

فيا مرحبًا بالزائرين وأكرمُ

فلله ما أبهى زيارتهم له

وقد حصلت تلك الجوائز تقسمُ

ولله أفضال هناك ونعمة

وبر وإحسان وجود ومرحم

فَشَمِّرْ - حفظك الله - لقضاء وقتك في هذه العبادات، وإياك أن تَغْتَرَّ برعاع الناس ممن اجتالتهم مكاتب السياحة والغواية فراحوا يبذلون الأموال والأوقات في أوكار الفساد في عواصم الكفر والضلال باسم السياحة والترويح عن النفس، وما ذلك إلا ضلال وفجور مبيَّت للمسلمين من زمن بعيد فتأمل.

فما هي إلا ساعة وسوف تنقضي

ويدرك غب السير من هو صابرُ

26- المداومة على أذكار الصباح والمساء: وذلك بعد صلاة الفجر، وصلاة العصر؛ فإن المداومةَ على ذلك سببٌ لحفظ العقل والمال والنفس، ومجلبةٌ للخير وبركةٌ في العمر، وفوزٌ يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه: 130]، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب: 42].

وقد وَرَدَت في السنة أذكارٌ تقال في كل صباح ومساء؛ فعلى المسلم أن يُشَمِّرَ في حفظها والعمل بها؛ وهي متداوَلةٌ والحمد لله في كتب الأذكار والأدعية، وهي على سهولتها ويسرها تثمر ثمارًا ملحوظة يانعة من صفاء الذهن وطمأنينة النفس وقوة العقل وسلامة البدن، فاحرص - حفظك الله - على المداومة عليها وحفظ وقتك الثمين فيها؛ فلحظات الإشراق أوقات يمن وبركة فيها تقسم الأرزاق ويستجاب الدعاء، وإياك أن تُفَوِّتَ على نفسك أجرًا عظيمًا بعد ذكر الصباح؛ فالبث - حفظك الله - ذاكرًا بعد صلاة الفجر، ثم صَلِّ ركعتين بعد الشروق؛ فإنها كأجر حجَّة وعمرة تامة؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة»([37]) .

27- التَّفَكُّرُ في آيات الله تعالى: وهذا خُلُقٌ نبيلٌ امتدح الله به عباده المؤمنين؛ فحقيق بك - أخي الكريم - أن تَبْذُلَ فيه وقتَك؛ ليزداد إيمانك ويقينك وتتقوَّى عزيمتُك على الاستقامة والطاعة و المجاهدة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ﴾ [آل عمران: 190، 191].

وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: 17، 18].

واعلم - أخي الكريم - أن التفكر في ملكوت الله ومخلوقاته يجدد في النفس الإيمان ويذهب الخواطر والوساوس، ويشغل النفس والوقت في النفع والصلاح.

28- زيارة القبور واتباع الجنائز: ومما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه زيارة القبور؛ فإنها من أسباب الأذكار والصبر على مكاره الطريق؛ فعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»([38]) .

فاحرص - رعاك الله - على حفظ وقتك في هذه العبادة؛ فإنها تفكر وتذكر، وإيقاظ من الغفلة والسهو، وحبس للنفس عن الشهوات والهوى، ومدعاة إلى التزام التقوى والهدى.

وكن حريصًا على حفظ وقتك في الصلاة على الجنائز واتباعها حتى تدفن؛ فإن ذلك سبيل للحصول على ثواب الله ورحمته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين»([39]) .

أخي الكريم: فجاهد نفسك حفظك الله في استثمار هذه الوسائل في حفظ وقتك وتصبر في الثبات عليها وتحل بالتوكل والعزم؛ فإن الوقتَ أمانةٌ يشق على النفس أداؤها كما أمر الله، والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه أبو الحسن ابن الفقيه



([1])  رواه البخاري.

([2])  الجواب الكافي (184).

([3])  رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

([4])  رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري.

([5])  رواه البخاري ومسلم.

([6])  رواه البخاري ومسلم.

([7])  رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

([8])  رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

([9])  رواه البخاري ومسلم.

([10])  رواه البخاري ومسلم.

([11])  الملوان: أي الليل والنهار.

([12])  رواه أبو داود والترمذي وابن حبان وصححه.

([13])  رواه مسلم.

([14])  رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

([15])  رواه مسلم.

([16])  رواه مسلم.

([17])  رواه الترمذي وقال حديث حسن.

([18])  السلسلة الصحيحة للألباني رحمه الله (906).

([19])  رواه مسلم.

([20])  رواه البخاري ومسلم.

([21])  رواه البخاري ومسلم.

([22])  رواه البخاري ومسلم.

([23])  رواه البخاري ومسلم.

([24])  رواه مسلم.

([25])  رواه الترمذي وهو حديث حسن.

([26])  رواه البخاري مطولا.

([27])  رواه الترمذي والحديث صحيح.

([28])  رواه البخاري.

([29])  رواه البخاري ومسلم.

([30])  رواه مسلم.

([31])  رواه البخاري ومسلم.

([32])  رواه الحاكم وصححه.

([33])  رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في صحيح الجامع (1055).

([34])  رواه مسلم.

([35])  رواه مسلم.

([36])  رواه البخاري ومسلم.

([37])  رواه الترمذي وقال حديث حسن.

([38])  رواه مسلم.

([39])  رواه البخاري ومسلم.