×
فتوي عبارة عن سؤال أجاب عنه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم - أثابه الله -، ونصه " هل البدعة تدخل في العادات؟ أم هي خاصة بالعبادات؟ وكيف نفهم : ما رأى المسلمون حسنا فهو حسن؟ ".

    هل البدعة تدخل في العادات؟ أم هي خاصة بالعبادات؟ وكيف نفهم : ما رأى المسلمون حسنا فهو حسن؟

    ما صحة هذا الكلام ؟ وما رأيك بهذا الاستدلال ؟

    البدعة لا تدخل في العادات ،بل هي داخله في العبادات .

    فإذا اعتاد الناس على عمل خير أو قول خير عند أي مناسبة أو لقاء فهذه عادة حسنة لا بدعة .

    قال ابن مسعود رضي الله عنه :"ما رآه المسلمون حسن ،فهو عند الله حسن ،وما رآه المسلمون قبيح فهو عند الله قبيح ".

    وكان الصحابة يهنئ بعضهم بعضا في المناسبات والأعياد ،والجمعة يوم عيد للمسلمين .

    وقد كان السلف يهنئون من صلى جماعة ويعزون من فاتته الجماعة .

    وأجاز الإمام النووي المصافحة بعد كل صلاة والدعاء بالقبول ، وعدها من العادات الحسنة .

    فلا يقال في شيء إنه بدعة إلا إذا خالف نصًا صريحًا .

    ولا يوجد نص في المسألة أصلا يحرم ذلك ، بل فيها ما يؤيد التهنئة ويعضدها .

    كما لا يقال في شيء : أنه لا أصل له إلا إذا كان دين الإسلام لا يدل عليه ،لا بعمومه ولا بخصوصه .

    فالقول بأنه لا أصل له ، هذا قول مجازفة وجرأة على الفتوى بغير علم ولا إحاطة .

    هذه الرسالة من أحد الإخوة ، يقول : من اعتاد مِن الناس على عمل خير أو قول خير عند مناسبة فهذه عادة

    خلاص إذا كانت البدعة عادة نقوم بمواليد وليلة شعبان ورجب

    وعندنا في شعبان يصنعون أكلا ويدعون له كل الناس باسم عشاء أموات

    كل ليلة عند واحد في القرية

    شيخنا الفاضل نريد توضيح حتى لا ندخل في العادات والتقاليد

    وحفظك الله ورعاك وسدد الله خطاك ونفع الله بك الإسلام والمسلمين

    الجواب :

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    آمين ، ولك بمثل ما دعوت .

    هذا غير صحيح

    واستدلال في غير مَحَلّه .

    وأبدأ في الجواب عن الاستدلال بقول ابن مسعود رضي الله عنه .

    قال ابن مسعود رَضي الله عنه : إن الله نَظَر في قلوب العباد ، فَوَجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد ، فاصْطَفاه لِنَفسه ، فابْتَعثه بِرِسَالَته ، ثم نَظَر في قلوب العباد بعد قلب محمد ، فَوَجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وُزَراء نَبِيّه ، يُقَاتِلُون على دِينه ، فمَا رَأى المسلمون حَسَنًا ، فهو عند الله حَسَن ، وما رَأوا سَيّئا ، فهو عند الله سَيّئ . رواه الإمام أحمد ، والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، وحسّنه السخاوي والأرنؤوط ، وصححه الألباني .

    وزاد الحاكم : وقد رَأى الصحابة جميعا أن يَستَخلِفوا أبا بكر رضي الله عنه .

    وهذا ليس فيه دليل على استحسان البِدَع ؛ لأمور :

    الأول : أن ابن مسعود رضي الله عنه احتَجّ به على صِحّة خِلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وقد أجْمَع عليها الصحابة رضي الله عنهم .

    الثاني : أن هذا خاصّ بالصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن الله تبارك وتعالى ونَبِيّه صلى الله عليه وسلم زَكّاهم ، وليس هذا لِغيرهم .

    الثالث : أننا لو افتَرَضْنا عموم قوله : "فمَا رَأى المسلمون حَسَنًا ، فهو عند الله حَسَن" ، في كل زمان ومكان ، لم يكن فيه حُجّة على البِدَع ؛ لأن ما رآه المسلمون جميعا : إجْمَاع ، والأمّة لا تجتمع على ضلالة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    فَلِذا : لا يُمكن أن نأخُذ بِقَول عَالِم ، ونَحتَجّ به على مسألة ؛ لأن قول العالم يُحْتَجّ له ، ولا يُحْتَجّ بِه .

    قال الْحَسن البصري : لن يزال لله نُصَحَاء في الأرض مِن عِباده يَعْرِضُون أعمال العباد على كِتاب الله ، فإذا وَافَقُوه حَمِدُوا الله ، وإذا خَالَفُوه عَرَفُوا بِكِتاب الله ضَلالة مَن ضَلّ ، وهُدَى مَن اهتدى .

    وقال الغزالي : مَن عَرف الحقّ بِالرِّجال حَارَ في مَتَاهَات الضلال ، فاعْرِف الْحَقّ تَعْرِف أهله إن كنت سالِكا طَريق الْحَقّ .

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وليس لأحَدٍ أن يَحْتَجّ بِقَول أحَدٍ في مسائل النِّزَاع ، وإنما الْحُجّة : النص والإجماع ، ودليل مُسْتَنْبَط مِن ذلك تُقَرَّر مُقَدّمَاته بالأدلة الشرعية لا بأقْوَال بعض العُلماء ؛ فإن أقوال العُلماء يُحْتَجّ لها بالأدلة الشرعية لا يُحْتَجّ بها على الأدلة الشرعية . اهـ .

    الرابع : أن النصوص كثيرة في ردّ البِدَع وإبطالها ، وَوَصْفها بِالضّلالة ، وما وَصَفَه رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالضَّلال لا يُمكن أن يكون حَسَنا !

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألاَ وإني تارك فيكم ثقلين : أحدهُما كِتاب الله عز وجل ، هو حَبْل الله ، مَن اتّبعه كان على الْهُدى ، ومَن تَرَكه كان على ضلالة . رواه مسلم .

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خُطَبِه : وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَة . رواه مسلم .

    قال الشيخ الألباني رحمه الله عن قول ابن مسعود رضي الله عنه :

    هذا الحديث مَوقُوف ؛ فلا يَجوز أن يُحْتَجّ به في مُعَارَضة النصوص القاطعة في أن " كل بِدْعة ضلالة " ، كما صَحّ عنه صلى الله عليه وسلم . اهـ .

    وقد نصّ العلماء : على أن الخلفاء الراشدين المهدِيِّين لا يُمكن أن يُحدِثُوا شيئا في دِين الله عَزّ وَجَلّ ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أوْصَى بالتمسّك بِسُنّتهم ، وأمَر بالاقتداء بالشيخين : أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .

    قال ابن حزم : فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سُنَّة لم يَسنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أباح أن يُحَرِّموا شيئا كان حلالاً على عهده صلى الله عليه وسلم إلى أن مات ، أو أن يُحِلّوا شيئا حَرَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُوجِبوا فريضة لم يُوجِبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أن يُسْقِطُوا فريضة فَرَضَها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يُسقطها إلى أن مات ؛ وكل هذه الوجوه مَنْ جَوَّزَ منها شيئا فهو كافر مُشْرِك بإجماع الأمة كُلّها بلا خلاف ، وبالله تعالى التوفيق . اهـ.

    بِخلاف مَن أتى مِن بعد الصحابة رضي الله عنهم ، فإن أفعالهم ليست بِحجّة .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وكل قَول يَنفرد به المتأخِّر عن الْمُتَقَدِّمين ولم يَسبقه إليه أحَدٌ منهم ، فإنه يكون خطأ ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام . اهـ .

    وسبق الجواب عن :

    ما الضّرر مِن الاحتفال بِالْمَوْلِد النّبويّ ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14109

    وأمّا ما قيل عنه : إنه مِن قَبيل العادات ؛ فغير صحيح ؛ لأنه ذُكِر أمثلة مِن العِبادات ، مثل : المصافَحَة بعد كل صلاة ، والدعاء بِالقَبول ..

    ويُضاف إلى ذلك : أن مِن العلماء مَن يُدخِل العادات في البِدَع ، كما ذَكَر الإمام الشاطبي .

    وحتى نكون على بيّنة : نُعرِّف البِدعة ، ونُعرِّف العِبادة .

    قال الإمام الشاطبي في تعريف البِدعة : طَرِيقَةٍ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٍ ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعَبُّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ .

    قال : وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مَن لا يُدْخِلُ الْعَادَاتِ فِي مَعْنَى الْبِدْعَةِ ، وَإِنَّمَا يَخُصُّهَا بِالْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ مَن أَدْخَلَ الأَعْمَالَ الْعَادِيَّةَ فِي مَعْنَى الْبِدْعَةِ ، فَيَقُولُ :

    الْبِدْعَةُ : طَرِيقَةٌ فِي الدِّينِ مُخْتَرَعَةٌ ، تُضَاهِي الشَّرْعِيَّةَ ، يُقْصَدُ بِالسُّلُوكِ عَلَيْهَا مَا يُقْصَدُ بِالطَّرِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ . اهـ .

    وأمّا تعريف العبادة ؛ فَعرّفها العلماء : بأنها اسمٌ جامِع لِكُل ما يُحبه الله ويَرْضاه مِن الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة .

    والدعاء عِبادة ، بل سَمّاه النبي صلى الله عليه وسلم عِبادة ؛ فقال عليه الصلاة والسلام : إن الدعاء هو العبادة . ثم قرأ : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي في الكبرى وابن أبي شيبة والحاكم ، وقال :صحيح الإسناد ، وابن حبان ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

    والْمُصافَحَة عِبادة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ عليها وأمَر بها .

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني والأرنؤوط .

    وأما قول : إنه لا يُقال في شيء : " إنه بِدعة " إلاّ إذا خالَف نصّا صريحا !

    فهذا لا يَقول به أهل العِلْم ، ولم يَفْهِمه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، بل البِدْعة ضلالة ، والأصل في العبادات أنها تَوقِيفِيّة ؛ فلا يُؤتَى بِعِبادة إلاّ فيما شُرِع لنا في كِتاب ربّنا وعلى لِسان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي لا يَنطِق عن الهوى .

    وكان الصحابة رضي الله عنهم يُوصُون بالتّمسّك بالسُّنّة ، وتَرْك الابتِداع .

    قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنا نَقْتَدِي ولا نَبْتَدِي , ونَتّبِع ولا نَبْتَدِع , ولَن نَضِلّ ما تَمَسّكنا بِالأثر . رواه الإمام اللالكائي .

    وقال رضي الله عنه : اتّبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا , فقد كُفِيتُم . رواه الإمام الدارمي .

    وقال عثمان بن حاضر الأزدي : دَخَلتُ على ابن عباس رضي الله عنهما ، فقلت : أوْصِني . فقال : نَعم ، عليك بِتَقوى الله والاستقامة ، اتّبِع ولا تَبْتَدِع . رواه الإمام الدارمي .

    وقال الإمام الأوزاعي : اصبِر نفسَك على السُّنَّة ، وَقِف حيث وَقَف القَوم ، وقُل بِمَا قَالُوا ، وكُفّ عمّا كَفُوا عنه ، واسْلُك سَبيل سَلَفِك الصالح ؛ فإنه يَسَعُك ما وَسِعهم . رواه أبو نُعيم في " حِلْيَة الأولياء " .

    وقال شيخنا العثيمين رحمه الله : الأصل في العبادات أنها توقيفية ، يعني : الإنسان لا يَتَعبّد لله بِشيء إلاّ بِمَا شَرَع ؛ لِقَولِه تعالى : (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) . اهـ .

    وكذلك قوله : لا يُقال في شيء " إنه لا أصل له " إلاّ إذا كان دِين الإسلام لا يَدلّ عليه، لا بِعمومه ولا بِخصُوصه !

    وهذا مِن شأنه أن يفتَح أبواب البِدَع والضلالات !

    وهل يُؤذَن بإقامة حَجّ في شوّال مثلا ؟! بِحُجّة أن الحجّ له أصْل في دِين الإسلام ! وأن شهر شوال مِن أشهر الحجّ !

    أو يُؤذَن بإقامة صلاة سادسة في اليوم والليلة ؟؟ بِحُجّة أن الصلاة مشروعة ، وأن الإسلام جاء بها ، وأنها فِعْل حَسَن ، وقُربَة إلى الله !!

    وهكذا ...

    وقد أنْكَر الصحابة رضي الله عنهم اخْتِرَاع طَرِيقة في ذِكْر الله ، وإن كان الذّكْر مَشروعًا ، وله أصل في دِين الله ؛ لأنهم رَأوا أن ذلك مِن فَتْح " باب الضلالة " !

    ولم يَحتَجّ عليهم أهل البِدَعِ بِأنّ ذِكْر الله له أصْل في دِين الله ، وأن عدّ الأذكار مشروع ، وإن اخْتلَفَت الطّرِيقة !!

    ثم يُقال لهم : ما هي البِدَع التي تكون ضلالة إذا كان ضابِط البِدْعَة عندهم أنه (لا يُقال في شيء " إنه لا أصل له " إلاّ إذا كان دِين الإسلام لا يَدلّ عليه ، لا بِعمومه ولا بِخصُوصه) ؟؟؟

    ومَن عَرّف البِدَع بهذا التعريف مِن أهل العِلْم الثّقات ؟!

    ومَن وَضَع هذا الضابِط للبِدَع ؟؟

    وأُوصِي مَن أراد أن يتكلَّم عن البِدَع ، ويعرِف ضوابِط البِدع والابتِداع : أوصِيه بأن يقرأ كِتاب " الاعتصام " للإمام الشاطبي قراءة مُتفحّصَة مُتَجرّدا عن الْهَوى وتقليد الشيوخ .

    فإن التقليد مَذمُوم !

    قال ابن عبد البر في " جامع بيان العِلْم " : التقليد عند العلماء غير الاتِّباع ؛ لأن الاتِّباع هو تَتَبع القائل على ما بَانَ لك مِن فَضل قوله وصِحّة مَذْهبه . والتقليد أن تقول بِقَوله وأنت لا تَعرِف وَجْه القَول ولا معناه ، وتَأبَى مَن سِواه ، أو أن يَتَبَّين لك خَطؤه فتَتّبعه مَهَابة خِلافِه ، وأنت قد بَانَ لك فساد قوله ؛ وهذا مُحَرَّم القَول به في دِين الله سبحانه وتعالى . اهـ .

    وسبق التفصيل هنا :

    متى يكون العمل الصالح مقبولاً ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=261

    ما حُكم الذِّكْر الجماعي ؟ وهل ورد في السُّنة ما يدلّ عليه ؟

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=20372

    وللفائدة :

    هل الأشاعرة والماتريدية مِن أهل السنة والجماعة ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=15260

    ما حكم التقليد في تصحيح وتضعيف الأحاديث ؟

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14305

    والله تعالى أعلم .