×
مقالة نافعة يوضح فيها المؤلف أثابه الله، بعض الرسائل الهامة التي يجب التنبيه عليها عند انتشار الوباء.

    مِن تَبِعات انتشار الوباء

    مع انتشار الوباء تَنتَشِر رسائل يحسُن التنبيه عليها :

    الأولى : تَنْزِيل النصوص الوارِدة في الطاعون ، وكونه شهادة ، على الوباء .

    وقد فَرّق العلماء بين الطاعون وبين الوباء

    قال ابن القيم : الطاعون - مِن حيث اللغة - نَوع مِن الوَبَاء ، قاله صاحب " الصّحَاح " ...

    ولَمّا كان الطاعون يَكثر في الوَبَاء ، وفي البِلاد الوَبِيئة ، عُبِّر عنه بِالوَبَاء ، كما قال الخليل : الوَبَاء الطاعون .

    وقيل : هو كُلّ مَرَض يَعُمّ .

    والتحقيق : أن بَيْن الوَبَاء والطاعون عموما وخصوصا ؛ فكُل طَاعُون وَبَاء ، وليس كُلّ وَبَاء طَاعُونا ، وكذلك الأمراض العامّة أعَمّ مِن الطاعون ، فإنه وَاحِد منها ، والطّوَاعِين : خُرّاجَات وقُرُوح وأوْرَام رَدِيئة . (زاد المعاد)

    الثانية : تنتَشِر رسالة فيها حديث في الصحيحين ، وفيه :

    " عَلَى أَنْقَاب الْمَدِينَة مَلائِكَة ، لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّال " .

    ويُنْقل معه قول الحافظ ابن حَجَر : ووَقَع في بعض طرق حديث أبي هريرة : " المدينة ومكة مَحْفُوفَتَان بِالملائكة على كل نَقْبٍ مِنْهما مَلَك لا يَدْخُلُهما الدّجّال ولا الطّاعُون " . (فتح الباري)

    ويُفهَم مِن تلك الرسالة أن مكة والمدينة لا يَدخُلهما الوَباء .

    وهذا غير صحيح

    فالحديث خاصّ بالطّاعون ، وليس بِمَنع دخول كلّ وَباء .

    قال ابن القيم : كُلُّ طَاعُونٍ وَبَاء ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا .

    (زاد المعاد)

    ونَشْر مثل هذا الحديث في هذا الوقت ، والاستدلال به على أن الوباء لا يَدخُل مكة ولا المدينة : يُعرِّض الحديث للتكذيب إذا دَخَلهما مثل وباء " كورونا " .

    وليس في الحديث أن مكة والمدينة لا يَدخُلهما الوَباء ، وإنما في الحديث لا يَدخلهُما الطاعون ، وهو أخصّ مِن الوباء ، كما قال ابن القيم رحمه الله .

    الثالثة : قول بعضهم : (عندما نادى المؤذن في زمان الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام : " صَلّوا في رحالكم" في يوم مطير ، لم يَبكِ المؤذِّن وهو يقولها ؛ لأنه يعلم أنه حكم شرعي . صَلّى الصحابة في بيوتهم وهم يحتسبون أجر الجماعة بِنِيّاتِهم ولم ينتشر بين الصحابة أن الله كَرِه قُدومهم وأغلَق المساجد في وجهوهم)

    أقول : هذا مُتعقّب مِن وُجوه :

    1 - المؤمن يَحزَن لِفَوَات مَواسِم الْخَيْرات .

    ويَتمنّى الخير .

    وقد أمَر الله الكريم تبارك وتعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يَقول : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) .

    وقال الله تعالى في خَبَرِ البَكّائين مِن المؤمنين : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)

    قال القاسِمِي في تفسيره : دَلّت الآية على جَوَاز البُكاء وإظهار الْحُزن على فَوَات الطاعة ، وإن كان معذورا . (محاسِن التأويل)

    2 – الصلاة في البيوت لأجْل أمْرٍ عارِض في وَقْت أو في وقْتَيْن ، هو مِثل جَمْع الصلوات لِعُذر ، ومثل صلاة المريض في بيته ؛ لأمْر عارِض ، وليس مثل إغلاق المساجِد وإيقاف الْجُمَع والجماعات .

    فالأول عارِض خلال اليوم الواحِد ، والثاني قد يَطول ، وهو أمْر يُحزِن المؤمن ، ويشقّ على مَن ألِف الجماعة أن يَتْرُك الْجُمَع والجماعات .

    3 – المؤمِن يَخشَى أن تكون هذه عُقوبة واستِبْدال ، فالمؤمن يَتّهِم نفسَه ، ولا يُزكّيها .

    وكان السلف مع صلاحهم ينظرون إلى ذُنُوبِهم ، ولا يُزكّون أنفسَهم .

    لَمّا وَلي أبو بكر الخلافة خَطب الناس فقال : إني قَد وُلِّيتُ عَليكم ولَسْتُ بِخَيْرِكُم . فلمّا بَلَغ الْحَسَن البَصْري قوله قال : هو والله خَيْرُهم غَير مُدَافَع ، ولكن الْمُؤمِن يَهْضِم نَفْسَه . رواه البيهقي في " السّنَن الكُبرى " .

    وقال الحسن البَصري في وَصْف خير القُرُون : عَمِلُوا والله بالطاعات واجتَهَدُوا فيها ، وخافُوا أن تُردّ عليهم ؛ إن المؤمِن جَمَع إحسَانا وخَشْيَة ، والْمُنَافِق جَمَع إساءة وأمْنًا .

    وقد اخْتَلَف الناس في اتِّهام النَّفس وحُسْن الظّنّ بها ، والفَصْل في ذلك :

    قول الجاحظ : يَجِب أن يَكون في التّهْمة لِنَفسه مُعتَدلاً ، وفي حُسن الظن بها مُقتَصِدا .

    الرابعة : قَوْل بعض الناس : إنّ الأوبئة والأمْراض والكَوارِث ليست عُقُوبات ، ويُطلِق بعضُهم القَول بأنه لو كان كذلك لنُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم ...

    وقد نُقِل عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا كثير !

    ومِن ذلك :

    أنه الأَرْض زُلْزِلَتِ عَلى عَهْد عُمَر حَتى اصْطَفَقَت السُّرَر فََخَطَب عُمَر النَّاس ، فقال : لَئِن عَادَت لأَخْرُجَنَّ مِن بَيْن ظَهْرَانِيكُم . رواه ابن أبي شيبة والبيهقي .

    وفي رواية قال : أحدَثتُم ! لَقَد عَجِلتُم .

    قال ابن عبد البر : لَمْ يَأتِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِن وَجْه صَحِيح أَنّ الزَّلْزَلَة كَانَت في عَصْرِه ، وَلا صَحَّت عَنْه فِيهَا سُنَّة ، وَقَدْ كَانَت أَوَّل مَا كَانَت في الإسلام عَلى عَهْد عُمَر ، فَأَنْكَرَها وقال : أَحْدَثْتُم ، وَاللَّه لَئِن عَادَت لأَخْرُجَنَّ مِن بَيْن أظهُرِكُم . (الاستذكار)

    فهذا عُمر رضي الله عنه يقول للناس : أحدَثتُم ! أي أن ما وَقَع مِن الزّلْزَلَة إنما هو بِسبب الذّنوب .

    وقال العباس رضي الله عنه : اللهم إنه لم يَنْزِل بَلاء إلاّ بِذَنْب ، ولم يُكْشَف إلاّ بِتَوبَة . رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

    وهو أعَمّ مِن قَولِ عُمرَ رضي الله عنه .

    قال ابنُ جريرٍ الطبريِّ : ذُكِر لَنَا أنَّ الكوفةَ رَجَفَتْ على عهدِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه ، فقال : يأيها الناسُّ ، إنَّ ربَّكم يَسْتَعتِبُكم فأعتِبُوه .

    قال الراغبُ في " المفرَداتِ " : الاسْتِعْتَابُ : أنْ يُطلبَ مِن الإنسانِ أنْ يَذكرَ عَتْبَهُ لِيُعْتَبَ ، يقال : اسْتَعْتَبَ فلانٌ . قال تعالى : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، يقال: " لك العُتْبَى " ، وهو إزالةُ ما لأجلِهِ يُعْتَبُ . اهـ .

    وقالت فاطمة بنت المنذِر : كانت جَدّتي أسْمَاء تَمْرَض الْمَرْضَة فتُعتِق كُلّ مَمْلوك لها . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

    وكَانَتْ أَسْمَاءُ تَصْدَعُ فَتَضَعُ يَدَهَا عَلى رَأْسِهَا وَتَقُول : بِذَنْبِي ، وَمَا يَغْفِرُه اللهُ أَكْثَر . رواه ابن سعد في " الطبقات الكبرى " ، ومِن طريقِه : رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " .

    وفي ترجمة الإمام وَكِيع بن الجرّاح رحمه الله أن رجلاً أغْلَظَ لِوَكِيع ، فَدَخَل وَكِيع بَيْتًا فَعَفّر وَجْهه بِالتّراب ، وخَرجَ إلى الرّجُل فقال له : زِدْ وَكِيعًا بِِذَنْبِه ، فَلَوْلاَه ما سُلِّطتَ عَليَّ . رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " .

    وسبق :

    ما الرد على من يقول إن فيروس (كورونا) مذكور في سورة المدثر ؟

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22238

    هل يجوز أن يُقال عن كورونا : إنه جند مِن جنود الله ؟

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?p=22235

    كيف تكون محاسبة الإنسان لنفسه ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=14206

    كيف يُفَرّق المرء بين العقاب مِن الله والابتلاء ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2083

    تنظُر إلى عبادتها بأنها أفضل مِن غيرها . هل بهذا قد حَبط عملها ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=11224

    ما الذي بِالله غرّك ؟

    http://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=6118

    هـذا بِـذنْـبِـي

    https://al-ershaad.net/vb4/showthread.php?t=2050

    وبالله تعالى التوفيق .

    كتبه فضيلة الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

    ==================