مجموع مقالات ابن وهف في مناسبات متعددة
التصنيفات
الوصف المفصل
- مجموع
مقالات ابن وهف في مناسبات متعددة
- المقدمة
- قسم العقيدة
- 1- مفهوم أهل السنة والجماعة
- 2- بيان في الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة وشكر من عمل بذلك
- 3- تعظيم شعائر اللَّه وحرماته تعالى
- 4- البيان في نبذ العادات الجاهلية والاتفاقيات المخالفة للشريعة الإسلامية
- 5- من علامات الساعة أن يقتل الرجل أخاه وأباه وابن عمه وذا قرابته
- 6- مقدمة كتاب «الغرم القبلي»
- 7- وجوب محبة النبي ونصرته وحكم من سبه، وعموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -
- 8- حكم تمثيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -
- 9- من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وآياته التي تدل على أنه رسول اللَّه حقاً
- 10-نبذة من فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
- 11-نبذة من سيرة أبي بكر- رضي الله عنه -
- 12-نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
- 13-نبذة يسيرة من سيرة عثمان - رضي الله عنه -
- 14-نبذة يسيرة من سيرة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
- 15-حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
- 16-بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
- 17-بيان فضل الحراسة والرباط في سبيل الله، والتحذير من الخوارج، ومن مذهبهم الباطل
- 18-خطر المظاهرات على الدين والبلاد والعباد
- 19-من أقبح الجرائم التي تتصدع لها القلوب: قتل الأمهات والآباء
- 20-وصيتي لأولادي وإخوتي وجميع أسرتي ومن اطلع عليها من المسلمين
- 21-بيان خطر مذهب الخوارج، وقتل الأنفس المعصومة بغير حق، والانتحار ، وتخريب المساجد، وتلويث المصاحف
- 22-نقص الرواتب والبدلات والعلاوات
- 23-الهلاك والدمار والهزائم والخذلان بارتكاب المعاصي والمنكرات
- قسم الصلاة
- قسم الزكاة
- قسم الصوم
- قسم
الحج
- 36-التشويق إلى حج بيت اللَّه العتيق
- 37-السنن
في مناسك الحج
- أولاً: سنن الإحرام:
- ثانياً: سنن دخول مكة:
- ثالثاً: سنن الطواف بالبيت الحرام:
- رابعاً: سنن السعي بين الصفا والمروة:
- خامساً: سنن الخروج إلى منى يوم الثامن (يوم التروية):
- سادساً: سنن الوقوف بعرفة:
- سابعاً: سنن المبيت بمزدلفة:
- ثامناً: سنن يوم النحر في منى:
- تاسعاً: سنن أيام التشريق:
- عاشراً: سنن طواف الوداع:
- 38-من آداب الحج
- 39-فضائل مكة والمدينة
- 40-الطاعة في الحرم
- 41-فضل عشر ذي الحجة وما يشرع فيها لغير الحاج
- 42-فضل العمرة وحكمها
- 43-منافع الحج
- 44- أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة، وما يشرع فيها من الأعمال الصالحة
- 45-آداب العيد
- 46-منكرات العيد
- قسم
المقالات المتنوعة
- 47-تعزية أصحاب المصائب
- 48-سماحة العلامة ابن باز لم يمت حقيقة
- 49-لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ: مفهومها، وفضلها، وفوائدها
- 50-الاختلاف والنزاع، وعلاج ذلك، وإثم من أضل الناس بغير علم
- 51-خطـر الغناء المحرم والمعازف، والموسيقى، والسينما الماجنة، والألعاب المفسدة للقلوب والأخلاق
- 52-وسائل تجلب المحبة والألفة بين الأسر والزملاء والأقران
- 53-أسباب المعاصي وأنواعها
- 54-أضرار المعاصي على القلوب
- 55-أضرار المعاصي على الأخلاق والدين
- 56-أضرار المعاصي على الأبدان
- 57-آثار المعاصي وأضرارها على الأرزاق
- 58-أضرار المعاصي العامة على الفرد والأعمال
- 59-أضرار المعاصي وآثارها المدمرة على المجتمع
- 60-أسباب السلامة والنجاة من أضرار المعاصي
مجموع مقالات ابن وهف في مناسبات متعددة
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخليله، وخيرته من خلقه، صلَّى اللَّه عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذا كتاب مجموع «مقالات ابن وهف في مناسبات متعددة في ضوء الكتاب والسنة» التي كتبتها في أزمنة متفرقة، في مناسبات مهمة عظيمة في وقتها، وهي في موقعي الرسمي، فأحببت أن أجمعها، وأرتِّبها ترتيباً حسناً، على النحو الآتي: قسم العقيدة، وقسم الصلاة، وقسم الزكاة، وقسم الصوم، وقسم الحج، وقسم المقالات المتنوعة، وكلها بالأدلة من الكتاب والسنة، ولا تخرج عن فتاوى العلماء الراسخين في العلم.
واللَّه أسأل بوجهه الكريم أن يجعلها خالصة لوجهه، مقبولة عنده سبحانه، وأن ينفعني بها في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع بها كل من انتهت إليه، فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، وصلى اللَّه وسلّم على نبينا، وقدوتنا، وإمامنا؛ محمد بن عبداللَّه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وسلّم تسليماً كثيراً.
كتبه الفقير إلى اللَّه تعالى
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر في 15/ 11/ 1439هـ.
قسم العقيدة
1- مفهوم أهل السنة والجماعة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد:
فقد قرأت المنشور الإعلامي الذي أصدره المؤتمر العالمي الذي انعقد في مدينة جروزني عاصمة جمهورية الشيشان الذي استمر ثلاثة أيام من 25- 27 أغسطس 2016م تحت عنوان: «من هم أهل السنة والجماعة»، وانتهى المجتمعون إلى عدد من النتائج، من أخطرها على أمة الإسلام، وعلى القرآن والسنة: زعمهم الباطل أن أهل السنة والجماعة: هم الأشاعرة، والماتريدية... وأهل التصوف... إلخ. وقد صدر هذا المنشور في 24/ 11/ 1437هـ، 27 أغسطس 2016م.
وهذا المنشور خلاف الحق والصواب، بل هو باطل مخالف لما كان عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وأتباعهم بإحسان، ومخالف لما عليه أئمة المذاهب الأربعة: الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد بن حنبل رحمهم اللَّه تعالى، وقد كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «...فإنَّه من يَعِشْ منكم بَعْدي فسَيَرى اختلافاً كثيراً، فعليكُم بسنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ، المَهديِّينَ الرَّاشدينَ، تَمَسَّكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأمورِ، فإن كُلَّ مُحدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكل بدعَةٍ ضَلالةٌ»([1]).
والحق الذي لا شك فيه أن أهل السنة والجماعة هم من كان على مثل ما كان عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -، وسأبين مَنْ هم أهل السنة والجماعة بالأدلة: من الكتاب، والسنة، وإجماع أهل الحق على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم أهل السُّنَّة:
السنة في اللغة: الطَّريقة والسِّيرة، حسنة كانت أم قبيحة([2])، وهي في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: الهدي الذي كان عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه: علمًا واعتقادًا، وقولاً، وعملاً، وهي السنة التي يجب اتباعها، ويُحمد أهلُها، ويُذمُّ من خَالَفها؛ ولهذا قيل: فلان من أهل السنة: أي من أهل الطريقة الصحيحة المستقيمة المحمودة([3]).
ثانياً: مفهوم الجماعة:
الجماعة في اللغة مأخوذة من مادَّة جمع وهي تدور حول الجمع والإجماع والاجتماع وهو ضد التفر ق ([4])، والجماعة في اصطلاح علماء العقيدة الإسلامية: هم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، الذين اجتمعوا على الحق الصَّريح، وتطلق الجماعة على من وافق الحق، وإن كان مسلم وحده، قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: «الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك»، قال نعيم بن حماد: «يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ». ذكره الإمام ابن القيم([5])، وعزاه إلى البيهقي([6]).
ثالثاً: أسماءُ أهلِ السُّنَّة وصِفَاتُهُم:
1- أهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، وهم المتمسِّكون بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهم الصحابة، والتابعون، وأئمة الهدى المُتَّبِعون لَهُم، وهم الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة([7])، وسمُّوا بذلك لانتسابهم لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، واجتماعهم على الأخذ بها: ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد([8]).
فعن عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقةً فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَـتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار»، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: «الجماعة»([9]) ، وفي رواية الترمذي عن عبد اللَّه بن عمرو ب: قالوا: ومن هي يا رسول الله، قال: «ما أنا عليه وأصحابي»([10]) أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
2- أهل السنة والجماعة هم: الفرقة الناجية: أي الناجية من النار؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استثناها عندما ذكر الفرق، وقال: «كُلُّها في النار إلاّ واحدة»، أي ليست في النار([11]).
3- أهل السنة والجماعة هم الطائفة المنصورة: فعن معاوية - رضي الله عنه - قال سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تزالُ طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر اللَّه لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهُم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس»([12])، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - نحوه([13])، وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر اللَّه وهم كذلك»([14]).
4- أهل السنة والجماعة هم المعتصمون المتمسكون بكتاب اللَّه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، قال اللَّه تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([15])؛ ولهذا قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أنا عليه وأصحابي»([16])، أي هم من كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي.
5-أهل السنة واجماعة هم القدوة الصالحة الذين يهدون إلى الحق وبه يعملون، قال أيوب السختيَانِي :: «إنَّ من سعادةِ الحَدَث([17])، والأعجمي أن يوفقهما اللَّه لعالم من أهل السنة»([18])، وقال الفضيل بن عياض :: «إن للَّه عبادًا يُحيي بِهمُ العباد والبِلادَ وهم أصحاب السنة ومن كان يعقل ما يَدخُلُ جَوفَه من حله كان من حزب الله»([19]).
6- أهل السنة خيار الناس ينهون عن البدع وأهلِها، قيل لأبي بكر بن عياش: مَن السنّي؟ قال: «الذي إذا ذُكِرَتِ الأهواء لم يتعصب لشيء منها»([20])، وذكر ابن تيمية :: أن أهل السنة هم خيار الأمة ووسطها الذين على الصراط المستقيم: طريق الحق والاعتدال([21]).
7- أهل السنة هم الغرباء إذا فسد الناس، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا، فطوبى للغرباء»([22]) ، وفي رواية عن الإمام أحمد : عن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، قيل: ومن الغرباء؟ قال: «النُّزَّاع([23]) من القبائل»([24]) ، وفي رواية عند الإمام أحمد عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ب فقيل: ومن الغرباء يا رسول الله، قال: «أُنَاسٌ صالحون في أُناسِ سوءٍ كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهُم»([25]) ، وفي رواية من طريق آخر: «الذين يصلحون إذا فسد الناس»([26]) ، فأهل السنة الغرباء بين جموع أصحاب البدع والأهواء والفرق.
8- أهل السنة هم الذين يحملون العلم، أهل السنة: هم الذين يحملون العلم، وينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين؛ ولهذا قال ابن سيرين :: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سمُّوا لنا رجالكم، فيُنظَرُ إلى أهل السنّةِ فيؤخذ حديثُهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»([27]).
9- أهل السنة هم الذين يحزن الناس لفراقهم؛ ولهذا قال أيوب السّختياني :: «إني أُخبَرُ بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي»([28])،وقال: «إن الذين يتمنون موتَ أهلِ السُّنّةِ يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم واللَّه مُتِمّ نوره ولو كره الكافرون»([29]).
رابعا: أصولُ أهلِ السُّنّةِ والجماعة:
إن أهل السنة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة، في الاعتقادِ والعمل والسلوكِ، وهذه الأصول مُستمدَّةٌ من كتاب اللَّه - عز وجل -، وسُنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما كان عليه سلفُ هذه الأمةِ: من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم من القرون الثلاثة المفضلة، ومن سار على نهجهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذه الأصول هي:
الأصل الأول: الإيمان باللَّه - عز وجل -: الإيمانُ باللَّه تعالى: هو الاعتقاد الجازم الذي لا يتطرقُ إليه شك بأن اللَّه - عز وجل - ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه، وأنه المستحق للعبادة وحده دون ما سواه وأن يُفردَ بالعبادة مع كمال المحبة والذُّلِّ والخضوع، وأنه المتّصف بصفات الكمال فله الأسماءُ الحسنى والصِّفاتُ العُلا، وهو سبحانه منزَّهٌ عن كل عيب ونقص، فظهر من ذلك أن الإيمان باللَّه - عز وجل - يتضمنُ أربعة أمور([30]):
الأمر الأول: الإيمان بوجود اللَّه - عز وجل -، وقد دلّ على ذلك الفطرة، والعقل، والشرع، والحس.
الأمر الثاني: الإيمان بالربوبية، وأن اللَّه - عز وجل - هو الرب الخالق، المالكُ المدبر، قال - عز وجل -: ﴿ذَلِكُمُ اللَّه رَبُّكُمْ لَهُ الـْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾([31]).
الأمر الثالث: الإيمان بالألوهية، وأن اللَّه - عز وجل - هو الإله الحق المستحق للعبادة دون ما سواه؛ لكونه خالق العباد والمحسن إليهم، والقائم بأرزاقهم، والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم، وعقاب عاصيهم؛ ولهذه العبادة خلق اللَّه الثقلين، قال - عز وجل -: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الـْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّه هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الـْمَتِينُ﴾([32])، وقال - عز وجل -: ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾([33])، وقد أبطل اللَّه - عز وجل - اتخاذ المشركين آلهة من دونه فبيّن ضَعفَها من كلِّ وجه، فقال: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّه لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لـَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾([34])، فالعبادة حق اللَّه - عز وجل -؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ - رضي الله عنه -: «حق اللَّه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا»([35]) ، وهذا كله: توحيد الألوهية: وهو إفراد اللَّه تعالى بالعبادة.
الأمر الرابع: الإيمان بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العلا: أهل السنّةِ والجماعة يُثبتون ما أثبتَهُ اللَّه - عز وجل - لنفسه، وما أثبتَه له رسولُهُ - صلى الله عليه وسلم -، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ويُمِرّونها كما جاءت مع الإيمان بما دلّت عليه من المعاني العظيمة، فكل ما أثبته اللَّه لنفسه أو أثبته له رسولُهُ من جميع الأسماء والصفات أثبتوه على الوجه اللاَّئق به تعالى، إثباتًا مفصلاً على حدِّ قوله سبحانه: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ وينفون عنه ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - نفيًا إجماليًّا غالبًا على حد قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء﴾ والنفي يقتضي إثباتَ ما يُضادُّه من الكمال، فكل ما نفى اللَّه عن نفسه من النقائص فإن ذلك يدل على ضِدِّهِ من أنواع الكمال، وقد جمع اللَّه النفي والإثبات في آية واحدة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، فهذه الآية تضمنّتْ تنزيه اللَّه من مُشابَهةِ خلقه: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وفي أولها ردٌّ على المشبِّهَةِ وهو قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وفي آخرها ردّ على المعطلة وهو قوله تعالى: ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ وفي أولها نفي مُجمل، وفي آخرها إثبات مفصل، وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ للَّه الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّه يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([36])، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأتباعهم بإحسان. نَقَلَها عنهم أئمةُ أهل السُّنّةِ([37])، قال الوليد بن مسلم ؒ: سألت الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، عن هذه الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقالوا: «أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف»([38])،وقد ذكر أهل السنة كلام الأئمة على قوله - عز وجل -: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وأن ذلك يدل على علوِّ اللَّه على خلقه كما قال I:﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾([39])، وقال - عز وجل -: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾([40]) ،قال أبو القاسم اللالكائي :: «فدلت هذه الآية أنَّهُ تعالى في السماء وعلمه مُحيطٌ بكلِّ مكان من أرضه وسمائه، وقال: وروى ذلك من الصحابة: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأمُّ سلمة - رضي الله عنهم -، ومن التابعين ربيعةُ بن أبي عبدالرحمن، وسليمان التيمي، ومقاتل بن حيان، وبه قال من الفقهاء مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل»([41])، وسئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ قال: «الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ومِنَ اللَّه الرِّسالة، وعلى الرَّسول البلاغ، وعلينا التَّصديق»([42])، وقال رجل للإمام مالك :: يا أبا عبد اللَّه ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ كيف استوى؟ فقال: «الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالاًّ، وأَمَر به فَأُخرِج»([43])، وقيل لأبي عبد اللَّه أحمد بن حنبل :: اللَّه - عز وجل - فوق السماء السابعة على عرشه بائنٌ من خلقه، وقدرتُه وعلمه في كل مكان؟ قال: «نعم على العرش وعلمه لا يخلو منه مكان»([44])، وفي رواية: «أنه سئل عن قوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾» فقال الكلام السابق، وهذه النقولات تدل على أن أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات وما دلَّت عليه من المعاني العظيمة مع إمرارها كما جاءت بلا كيف. والمعيَّة معيتان: معيَّة عامة لجميع الناس، ومعيَّة خاصة تقتضي التوفيق والإلهام، والنُّصرة.
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة: الإيمان بالملائكة يتضمَّن أربعة أمور([45]): 1- الإيمان بوجودهم. 2- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه، ومن لم نعلم اسمه نؤمن به إجمالاً. 3- الإيمان بما علمنا به من صفاتهم، كصفة جبريل فقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رآه على صفته التي خُلِقَ عليها وله ستمائة جناح كل جناح قد سدَّ الأُفق.4- الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر اللَّه - عز وجل -. كتسبيحه تعالى كما قال - عز وجل -: ﴿وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾([46])، وعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - يرفعه: «إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطَّتِ السماء وحُقَّ لها أن تئِطَّ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله..»([47])، وهذا يدل على كثرتهم وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رُفع له البيت المعمور في السماء يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك بلا رجعة([48])، ومن أعمالهم: أن جبريل أمين الوحي، وإسرافيل الموكّل بالنفخ في الصور، وملك الموت الموكّل بقبض الأرواح وغير ذلك.
الأصل الثالث: الإيمان بالكتب: يجب الإيمان بالكتب إجمالاً وأن اللَّه - عز وجل - أنزلها على أنبيائه ورسله لبيان حقيقة التوحيد والدعوة إليه، قال - عز وجل -: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالـْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾([49])، ونؤمن على سبيل التفصيل بما سَمَّى اللَّه منها: كالتوراة، والإنجيل، والزَّبور، والقرآن العظيم، والقرآن أفضلُها وخاتَمها والمُهَيمِنُ عليها، والمصدِّقُ لها، وهو الذي يجب على جميع العباد اتباعه وتحكيمه، مع ما صحَّت به السُّنّة، فظهر أن الإيمان بالكتب يتضمن أربعة أمور: 1- الإيمان بأنها من عند اللَّه - عز وجل -. 2- الإيمان بما علمنا اسمه منها باسمه.3- تصديق ما صحّ من أخبارها.4- العمل بأحكام ما لم يُنسخ منها والرضا والتسليم به، وجميع الكتب منسوخة بالقرآن الكريم، فهو الذي يجب العمل بما فيه([50]).
الأصل الرابع: الإيمان بالرسل: الإيمان بالرسل، فيُصدّق المُسلم تَصدِيقًا جازمًا بأن اللَّه - عز وجل - أرسل الرسل؛ لإخراج الناس من الظُّلمات إلى النُّور، فيجب الإيمان بهم إجمالاً وتفصيلاً، فيجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، ويجب الإيمان بمن سَمَّى اللَّه منهم على وجه التفصيل، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حَكِيمًا﴾([51]) ، فيؤمن العبد أن من أجاب الرسل فاز بالسعادة ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة، وخاتمهم وأفضلهم هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور: الإيمان بأن رسالتهم حق من عند اللَّه - عز وجل -. الإيمان بمن علمنا اسمه منه باسمه تصديق ما صح عنهم من أخبارهم العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم وهو خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد نَسَخَت شريعته جميع الشرائع السابقة([52]).
الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر:
1- الإيمان باليوم الآخر يدخل فيه الإيمان بكل ما أخبر اللَّه به وأخبر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - مما يكون بعد الموت ومن ذلك ما يأتي: 1- عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدِّموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتَها كلُّ شيءٍ إلاَّ الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق»([53])، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «أسرعوا بالجنازة فإن تكُ صالحةً فخير تقدمونها إليه وإن تَكُنْ غير ذلك فشرٌّ تضعونَهُ عن رقابكم»([54]).
2- الإيمان بفتنة القبر وأن الناس يمتحنون في قبورهم بعد الموت فيقال للإنسان: مَن ربُّك وما دينك ومن نبيُّك؟ فالمؤمن يقول: رَبِّي اللَّه وديني الإسلام، ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -، والفاجر يقول: هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيُضرب بمطرقةٍ من حديد فيصيح صيحةً يسمعها كلَّ شيء إلاَّ الإنسان، وفي رواية: «يسمعها من يليه إلا الثَّقلين». قال اللَّه تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّه الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الـْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّه الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّه مَا يَشَاءُ﴾([55]).
3- الإيمان بنعيم القبر وعذابه: فقد ثبت بالكتاب والسنة وهو حق يجب الإيمان به، والعذاب يجري على الروح والجسد تبع له ويوم القيامة على الروح والبدن جميعًا. فعذاب القبر ونعيمه حق دلّ عليه كتاب اللَّه وسنةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -([56]).
4- القيامة الكبرى: حين ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى ثم ينفخ نفخة البعث والنشور فتعاد الأرواح إلى أجسادها فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرلاً ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْـمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾([57]).
5- الميزان الذي توزن به الأعمال، ويوزن العاملُ وعملُه ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الـْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴾([58]).
6- الدَّواوين وتطاير الصُّحف، فآخذ كتابه وصحائِفَ أعماله بيمينه، وآخذ كتابه بشماله من وراءِ ظهره: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الـْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ﴾([59]) ، وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا﴾([60]).
7- الحساب؛ فإن اللَّه يوقف عباده على أعمالهم قبل الانصراف من المحشر فيرى كلُّ إنسان عمله: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾([61]) ، ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾([62]).
8- الحوض؛ فيجب التصديق الجازم بأنَّ حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في عرصات القيامة ماءُهُ أشدُّ بياضًا من اللَّبن، وأحلى من العسل، آنيته عدد نجوم السماء، وطوله شهر وعرضه شهر، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا([63])، وهذا مختصّ بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ولكل نبي حوض ولكن أعظمها حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -.
9- الصِّراط؛ وبعده القنطرة بين الجنة والنار يجب الإيمان بذلك وهو منصوب على متن جهنم، يمر عليه الأولون والآخِرون، وهو أحدُّ من السيف وأدقُّ من الشعر، يمرّ عليه الناس على حسب أعمالهم: فمنهم من يتجاوزه كلمح البصر، وكالبرق، وكالريح، وكالفرس الجواد، وكركاب الإبل، ومنهم من يعدو عدوًا، ومنهم من يمشي، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يسقط في جهنم، وعلى حافة الجسر كلاليب تخطف من أمرت بخطفه، فإذا تجاوز المؤمنون وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا نُقُّوا أُذِنَ لهم في دخول الجنة([64]).
10- الشفاعة وهي سؤال الخير للغير، وهي أنواع، منها: الشفاعة العظمى لأهل الموقف، والشفاعة في أهل الجنة أن يدخلوها والشفاعة في تخفيف العذاب عن أبي طالب، وهذه الثلاثة خاصة بمحمد - صلى الله عليه وسلم -. والشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وفيمن دخلها أن يخرج منها، وهذه الشفاعة يشترك فيها النَّبيُّون، والصِّدّيقون، والشُّهداء، والصَّالحون، وهي تتكرر من النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع مرات: يشفع فيمن كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان. يشفع فيمن كان في قلبه مثقال ذرة أو خردل من إيمان. ثم فيمن كان في قلبه أدنى حبة من خردل من إيمان. ثم فيمن قال: لا إله إلاّ الله. ثم يخرج اللَّه - عز وجل - من النار أقواماً بغير شفاعة، بل برحمته، وفضله، وإحسانه، فيقول اللَّه تعالى: «شفعت الملائكة وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط»([65])، وقد أوصلها ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية إلى ثمانية أقسام: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - العظمى لفصل القضاء. الشفاعة في أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم. الشفاعة في أقوام أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها. الشفاعة في رفع درجات من دخل الجنة. الشفاعة في أقوام أن يدخلوا الجنة بغير حساب. شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب .شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن يؤذن لجميع المؤمنين بدخول الجنة.الشفاعة في أهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -([66]).
11- الجنة والنار، يجب الاعتقاد بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، والجنة دار أوليائه، والنار دار أعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون وأهل النَّار من الكفار مخلدون، والجنة والنار موجودتان الآن، وقد رآهما رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الكسوف، وليلة المعراج، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الموت يُجاء به في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ويُذبح ويُقال: «يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ويا أهل النار خلودٌ فلا موت»([67]).
الأصل السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره: ويتضمن الإيمان بأمور أربعة:
1- الإيمان بأنَّ اللَّه تعالى علم أحوالَ عباده، وأرزاقَهم، وآجالهم، وأعمالهم، وما كان ويكون، لا يخفى عليه شيء: ﴿إِنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾([68]) ، ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾([69]).
2- كتابتهُ - عز وجل - لكل المقادير([70])، قال - عز وجل -: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾([71])، وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّه يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِيرٌ ﴾([72])، وفي صحيح مسلم: «كتب اللَّه مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة»([73]).
3- الإيمان بمشيئة اللَّه النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، قال - عز وجل -: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللَّه رَبُّ الْعَالـَمِينَ﴾([74])، وقال: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾([75]).
4- الإيمان بأن اللَّه هو الخالق لكل شيء وما سواه مخلوق له، قال - عز وجل -: ﴿اللَّه خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾([76]).
أمور تدخل في الإيمان باللَّه - عز وجل -:
1- يدخل في الإيمان باللَّه الإيمان الصادق بجميع ما أوجبه اللَّه على عباده وفرضه عليهم، كأركان الإسلام الخمسة، وغيرها مما أوجب اللَّه على عباده.
2- ومن الإيمان بالله: الاعتقاد بأن الإِيمان قول وعمل، [يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية].
3- ومن الإيمان الحبُّ في اللَّه والبغض في الله([77]).
خامساً: وسطية أهل السنة والجماعة:
1- أهل السنة وسط في باب صفات اللَّه - عز وجل - بين أهل التعطيل وأهل التمثيل: قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ فأهل الإسلام وسط بين الملل، وأهل السنة وسط بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام، فهم وسط بين أهل التعطيل الذين ينفون صفات اللَّه - عز وجل - وبين أهل التمثيل الذين أثبتوها وجعلوها مماثلة لصفات المخلوقين. فأهل السنة أثبتوا صفات اللَّه إثباتًا بلا تمثيل، وينزِّهون اللَّه - عز وجل - عن مشابهة المخلوقين تنزيهًا بلا تعطيل، فجمعوا بين التنزيه والإثبات وقد ردَّ اللَّه على الطائفتين بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ رَدٌّ على المشبهة، ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ ردّ على المعطّلة([78]).
2- أهل السنة وسط في باب أفعال العباد بين الجبرية والقدرية: فالجبرية: الذين هم أتباع جهم بن صفوان يقولون: إن العبد مجبور على فعله كالرِّيشة في مهب الريح، والقدرية الذين هم المعتزلة أتباع معبد الجهني ومن وافقهم قالوا: إن العبد هو الخالق لأفعاله دون مشيئة اللَّه وقدرته، وهدى اللَّه أهلَ السنة والجماعة لأن يكونوا وسطًا بين هاتين الفرقتين فقالوا إن اللَّه هو الخالق للعباد وأفعالِهِم، والعبادُ فاعلون حقيقة ولهم قدرة على أعمالهم، واللَّه خالقهم وخالق أعمالهم وقدراتهم ﴿وَاللَّه خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾([79]) ، وأثبتوا للعبد مشيئة واختيارًا تابعين لمشيئة اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللَّه رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾([80]) ، واللَّه المستعان([81]).
3- أهل السنة وسط في باب وعيد اللَّه بين الوعيدية والمرجئة: فالمرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم أن الأعمال ليست داخلة في مُسمَّى الإيمان، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وهذا باطل.
والوعيدية: هم الذين قالوا: إن اللَّه يجب عليه عقلاً أن يُعذَّب العاصي كما يجب عليه أن يُثيب الطائع فمن مات على كبيرة ولم يتب منها فهو خالد مخلد في النار، وهذا أصل من أصول المعتزلة، وبه تقول الخوارج.
أما أهل السنة، فقالوا: مرتكب الكبيرة إذا لم يستحلها، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، وإن ماتَ ولم يتب فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه برحمته، وإن شاء عذبه بعدله بقدر ذنوبه ثم يخرجه، قال اللَّه سبحانه([82]): ﴿إِنَّ اللَّه لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾([83]).
4- أهل السنة وسط في باب أسماء الدين والإيمان والأحكام بين الخوارج والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية: المراد بأسماء الدين هنا: مثل مؤمن، مسلم، كافر، فاسق، والمراد بالأحكام: أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة:
1- الخوارج عندهم أنه لا يُسمَّى مؤمنًا إلا من أدَّى جميع الواجبات واجتنب الكبائر ويقولون: إن الدين والإيمان: قول، وعمل، واعتقاد، ولكنه لا يزيد ولا ينقص فمن أتى كبيرة كفر في الدنيا، وهو في الآخرة خالد مخلد في النار إن لم يتب قبل الموت.
2- المعتزلة قالوا بقول الخوارج، إلا أنه وقع الاتفاق بينهم في موضعين:
* نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة، وخلوده في النار مع الكافرين.
ووقع الخلاف بينهم في موضعين:
* الخوارج سموه في الدنيا كافرًا، والمعتزلة قالوا في منزلة بين المنزلتين: فهو خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر.
والخوارج استحلوا دمه وماله والمعتزلة لم يستحلوا ذلك.
3- المرجئة قالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فهم يقولون: إن الإيمان مُجَرَّد التَّصديق بالقلب فمرتكب الكبيرة عندهم كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار، وهذا يُبيّن أن إيمان أفسق الناس عندهم كإيمان أكمل الناس.
4- الجهمية وافقوا المرجئة في ذلك تمامًا، فالجهم قد ابتدع التعطيل، والجبر، والإرجاء كما قال ابن القيم ؒ.
5- أما أهل السنة فوفقهم اللَّه للوسطية بين هذين المذهبين الباطلين فقالوا: الإيمان قول وعمل: قول القلب واللِّسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقول القلب تصديقه وإيقانه، وقول اللسان النطق بالشهادتين والإقرار بلوزامها، وعمل القلب: النِّيّة، والإخلاص، والمحبة، والانقياد، والإقبال على اللَّه - عز وجل -، والتوكل عليه، ولوازم ذلك وتوابعه، وكل ما هو من أعمال القلوب، وعمل اللسان، ما لا يُؤدَّى إلا به: كتلاوة القرآن، وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى اللَّه - عز وجل -، وغير ذلك، وعمل الجوارح: القيام بالمأمورات، واجتناب المنهيات، ومن ذلك الركوع والسجود وغير ذلك.
فمرتكب الكبيرة عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا ينفون عنه الإيمان أصلاً كالخوارج والمعتزلة، ولا يقولون: بأنه كامل الإيمان كالمرجئة والجهمية، أما حُكْمُهُ في الآخرة فهو تحت مشيئة اللَّه - عز وجل - إن شاء أدخله الجنة من أول وهلةٍ رحمةً منه وفضلاً وإن شاء عذبه بقدر معصيته عدلاً منه سبحانه ثم يخرجه بعد التطهير ويدخله الجنة. هذا إن لم يأتِ بناقض من نواقض الإسلام([84]).
5- أهل السُّنّة وسط في أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين الروافض والخوارج: الرافضة غلوا في علي - رضي الله عنه - وأهل البيت، ونصبوا العداوة لجمهور الصحابة كالثلاثة، وكفَّروهم ومن والاهم، وكفَّروا من قاتل عليًّا، والخوارج قابلوا هؤلاء فَكَفَّرُوا عليًّا ومعاوية ومن معهما من الصحابة. والنواصب نصبوا العداوة لأهل البيت وطعنوا فيهم.
أما أهل السنة فهداهم اللَّه للحق فلم يغلوا في عليٍّ وأهل البيت، ولم ينصبوا العداوة للصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يكفروهم، ولم يفعلوا كما فعل النواصب من عداوة أهل البيت، بل يعترفون بحق الجميع وفضلهم، ويدعون لهم، ويوالونهم، ويَكُفُّون عن الخوض فيما جرى بينهم، ويترحَّمون على جميع الصحابة فكانوا وسطًا بين غلوِّ الرافضة وجفاء الخوارج، ويقول أهل السنة أفضل الصحابة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم يُرتِّبون الصحابة على حسب مراتبهم ومنازلهم - رضي الله عنهم -([85]).
6- أهل السنة وسط في التعامل مع العلماء:
أهل السنة يُحِبُّون علماءَهم، ويتأدبون معهم، ويذبُّون عن أعراضهم، وينشرون محامدَهم، ويأخذون عنهم العلمَ بالأدلة، ويرون أن العلماء من البشر غير معصومين، إلا أنه إذا حصل شيء من الخطأ والنسيان والهوى لا ينقص ذلك من قدرهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر، فلا يجوز سبَّهم ولا التشهير بهم، ولا تَتَبُّع عَثَراتِهم ونشرها بين الناس؛ لأن في ذلك فسادًا كبيرًا([86])، وقد أحسن ابن عساكر : فيما نُقل عنه أنه قال: «اعلم يا أخي - وفقني اللَّه وإياك لمرضاتِهِ وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته - أن لحومَ العلماءِ مسمومة، وعادةُ اللَّه في هتكِ أستار منتقصيهم معلومة)([87]) وأنَّ من أطال لسانَه في العلماءِ بالثَّلبِ بلاه اللَّه قبل موته بموت القلب ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([88])
7- أهل السنة وسط في التعامُلِ مع ولاة الأمور: فهم وسط بين المُفْرِطِين والمفرِّطين، فأهل السنة يُحرِّمون الخروج على أئمة المسلمين، ويوجبون طاعتهم والسمع لهم في غير معصية الله، ويدعون لِوُلاتهم بالتوفيق والسداد؛ لأن اللَّه أمر بطاعتهم فقال - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّه وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([89]).
وعن عبد اللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحب وكره إلا أن يُؤمَر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعة»([90]).
وعن حذيفة - رضي الله عنه - يرفعه: «يكون بعدي أئمةٌ لا يهتدون بِهُداي ولا يستنُّون بسنَّتِي، وسيقوم فيهم رجال قلوبُهم قُلوبُ الشياطين في جُثماِن إنس»، قال قلت: كيف أصنعُ يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمَعُ وتطيعُ للأمير وإن ضرب ظهرَك وأخذ مالَك فاسمع وأطع»([91])، وقد حثَّ أهل السنة والجماعة على ذلك. قال الإمام أبو الحسن علي بن خلف البَربَهاري ؒ في كتابه شرح السنة: «إذا رأيتَ الرجلَ يَدعُو على السلطان فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ هَوَىً، وَإِذَا رأيتَ الرجلَ يدعو للسُّلطان بالصَّلاح فاعلم أنه صاحِبُ سُنَّةٍ إن شاء الله»([92]).
وساق بسنده عن الفضيل بن عياض أنه قال: «لو أن لي دعوةً مستجابة ما جعلتُها إلا في السلطان»، قيل له: «يا أبا علي فسّر لنا هذا؟» قال: «إذا جعلتُها في نفسي لم تَعْدُني، وإذا جعلتُها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد»([93]).
سادساً: من طريقة أهل السنة والجماعة: مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَاتِّبَاعُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حَيْثُ قَالَ : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - وَيُؤْثِرُونَ كَلَامَ اللَّه عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ أَصْنَافِ النَّاسِ، وَيُقَدِّمُونَ هَدْيَ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ، وَبِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ الِاجْتِمَاعُ، وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ؛ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْمًا لِنَفْسِ الْقَوْمِ الْمُجْتَمِعِينَ؛ وَالْإِجْمَاعُ: هُوَ الْأَصْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ، وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ؛ إذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ، وَانْتَشَرَتْ الْأُمَّةُ([94]).
سابعاً: أخلاق أهل السنة والجماعة: من أعظم أخلاق أهل السنة والجماعة:
أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الـْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالـْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الـْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الـْمُفْلِحُونَ﴾([95])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»([96]).
ثانياً: النَّصيحة: لله، وكتابه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأئمة المسلمين، وعامتهم، وأن المؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا.
ثالثاً: يرحمون إخوانهم المسلمين، ويحثُّون على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويأمرون بالصبر والإحسان إلى عباد اللَّه على حسب أحوالهم، وما يجب لهم من أقارب، وأيتام، وفقراء، وغير ذلك من مكارم الأخلاق([97]).
نسأل اللَّه - عز وجل - أن يجعلنا من الفرقة الناجية التي لا يضرُّها من خذلها ولا من خالفها حتى يأتي أمر الله؛إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وصلى اللَّه وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين([98]).
الخميس 28/ 12/ 1437هـ
& & &
2- بيان في الدعوة إلى العمل بالكتاب والسنة وشكر من عمل بذلك
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى قبيلة آل جحيش وفقهم اللَّه لكل خير، وصرف عنهم كل شر، وأعانهم على أمور دينهم ودنياهم، وجعلنا وإياهم ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر فإن هذه الثلاث عنوان السعادة في الدنيا والآخرة.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد،
1- فإشارة إلى قوله: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([99])، وقوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه ذَلِكُمُ اللَّه رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾([100])، وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾([101]).
وقول النبي «... إني تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً: كتاب اللَّه وسنة نبيه»([102]).
وقال «وجُعِلَ الذُّل والصغار على من خالف أمري»([103])، وقال اللَّه في النبي: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([104])، وقال: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([105])، وقوله: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([106]).
2- وإشارة إلى فتوى مفتي الديار السعودية في عهده العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ : رقم 2065/1 بتاريخ 23/4/1387هـ والمتضمنة أن التحاكم إلى العادات من أقبح السيئات وأعظم المنكرات.
3- وإشارة إلى فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الإمام بن باز : برقم 18982، وتاريخ 19/7/1417هـ، بتحريم الاتفاقيات المخالفة للشرع، وغير ذلك فتاوى كثيرة لا تحصر.
4- وإشارة إلى فتوى اللجنة الدائمة مع الإمام بن باز : برقم 192/2 وتاريخ 9/1/1420هـ، وهو عبارة عن خطاب موجه إلى وزير الداخلية يطلب فيه منع الاتفاقيات المخالفة للشرع، فوافق وزير الداخلية على ذلك ؒ، وأصدر تعاميمه إلى أمراء المناطق بمنع ذلك.
5- وإشارة إلى تعميم وزير الداخلية ولي العهد برقم 48/7 وتاريخ 29/4/1420هـ، يعمد فيه أمراء المناطق بتنفيذ منع العادات المخالفة للشرع والتمشي بما جاء في فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وفتاوى اللجنة الدائمة.
6- وإشارة إلى تعاميم الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين الملك الحازم حفظه اللَّه حينما كان أميراً للرياض تعميمه رقم 3186/5 وتاريخ 19/5/1420هـ، وتعميمه رقم 6583/ش، وتاريخ 12/4/1425هـ، وتعميمه رقم 20514/ش، وتاريخ 18/11/1427هـ، يمنع فيها العادات الجاهلية والاتفاقيات المخالفة للشرع منعاً باتاً، والحزم في ذلك، والأمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة، وعلى كل شيخٍ إبلاغ نوابه، وأخذ توقيعهم، وإنذارهم بأن من عاد منهم فسوف يحال إلى المحكمة، وينظر فيها شرعاً، بالحقين: الخاص، والعام لتقرر المحكمة حيال القضية، وقال : «موضوع رد الشأن غير مقبول والدولة هي المسؤولة».
7- وإشارة إلى تعاميم أمير منطقة عسير: تعميم رقم 6192، وتاريخ 29/9/1433هـ، وتعميم رقم 255 وتاريخ 18/10/1418هـ، وتعميم رقم 610 وتاريخ 5/1/1413هـ، وتعميم رقم 490 وتاريخ 3/1/1415هـ، بشأن الجيرة وبعض الأعراف القبلية في المنطقة، المخالفة للشرع، وتعميمه رقم 7421 المؤكد لمنع الجيرة المحرمة المذكورة في 8/12/1433هـ.
8- وإشارة إلى تحريم عشرة من علماء المملكة العربية السعودية، للجيرة الممنوعة إضافة إلى فتاوى أهل العلم وأوامر ولاة الأمر بمنعها.
9- وإشارة إلى بيان خمسة من كبار علماء المملكة في إبطال اتفاقية آل جحيش وأنها اتفاقية باطلة، بناء على الدليل من الكتاب والسنة.
10- وإشارة إلى ما تم في اجتماع آل جحيش في منزل نائبهم في شهر شعبان في عام 1433هـ، وقُرئت عليهم الفتاوى، وتعاميم ولاة الأمر في مكبر الصوت بعد صلاة العشاء في المسجد داخل منزل نائبهم فلم يستجيبوا ولم يستجب نائبهم، ومن باب تعليمهم وإرشادهم إضافة إلى ما سبق أرسل إليهم كتاب الجيرة الممنوعة وكتاب العادات المخالفة للشريعة، وكتاب البراهين الجلية في إبطال العادات الجاهلية، وبيان يتضمن 18 بنداً من العادات الجاهلية الممنوعة، فلم يستجيبوا ولم يستجب نائبهم.
11- وإشارة إلى مناصحة نائب القبيلة مع مجموعة من أعيان قبيلته وذلك بمنزله في شهر شعبان عام 1433هـ، وكان الناصحون من المشايخ والدعاة، وطلبوا منه الالتزام بالكتاب والسنة، وفتاوى العلماء، وتنفيذ أوامر ولاة الأمر، فلم يستجب لذلك ولم يستجب من معه من أعيانهم، ثم أعيدت مناصحته في مدينة الرياض لهذا العام 1437هـ في شهر رجب فلم يستجب لذلك.
12- وإشارة إلى التواصل مع وجهاء قبيلة آل جحيش الذين لهم مكانة في مجتمعهم وطُلب منهم الحضور من أجعل أن يطلب منهم ترك العادات الجاهلية ولكنهم لم يستجيبوا للحضور.
*- وقد استجاب للحق منكم مجموعة كبيرة مباركة من أهل الصدق، والإخلاص، والرغبة فيما عند اللَّه، فتركوا هذه العادات الخبيثة والاتفاقيات الباطلة، طاعةً للَّه ولرسوله ثم لولاة الأمر، والتزموا بالكتاب والسنة وأخذوا بفتاوى علماء أهل الإسلام ونفذوا أوامر ولاة الأمر، فجزاهم اللَّه خيراً، وثبتنا وإياهم على دينه حتى نلقاه وهو راضٍ عنا، وشكر اللَّه سعيهم، وأصلح لهم دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وذرياتهم، فنرجو ممن بقي على العادات والاتفاقيات الباطلة المخالفة للشرع أن يتوبوا إلى اللَّه، ويخشوا عقابه، قبل أن يهجم عليهم الموت وحينئذٍ لا ينفع الندم.
واللَّه أسأل التوفيق والسداد والإعانة للجميع، كما أسأله أن يجزي ولاة أمرنا خيراً على أعمالهم المباركة، وحكمهم بالشريعة الإسلامية، فجزاهم اللَّه خيراً، وبارك في حياتهم، وفي عملهم، ونفع بهم الإسلام والمسلمين.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
& & &
3- تعظيم شعائر اللَّه وحرماته تعالى
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين؛ نبينا، وإمامنا؛ محمد بن عبداللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن تعظيم شعائر اللَّه تعالى، وتعظيم حرماته من أجلِّ العبادات التي تدل على تعظيم العبد للَّه، وإجلاله، وتدل على محبته، وتعظيم ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه سبحانه، وتدل أيضاً على كمال التقوى في القلوب، وهذا خير للعبد في الدنيا والآخرة، وتعظيم شعائر اللَّه، وحرماته باختصار على النحو الآتي:
1- شعائر اللَّه: هي أوامره، وهي أعلام دينه الظاهرة، وتعظيمها: إجلالها، وتكميلها على أكمل وجه يقدر عليه العبد، وهذا دليل واضح، وبرهان قاطع على التقوى، والإيمان الصحيح الكامل، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ ([107]).
قال ابن الأثير :: «قد تكرر في الحديث ذكر (الشعائر) وشعائر الحج: آثاره، وعلاماته، جمع شعيرة، وقيل: هو كل ما كان من أعماله : كالوقوف، والطواف، والسعي، والرمي، والذبح، وغير ذلك، وقال الأزهري: الشعائر: المعالم التي ندب اللَّه إليها، وأمر بالقيام عليها، ومنه سُمِّي المشعر الحرام؛ لأنه معلم للعبادة وموضع، ومنه حديث [زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «جاءني جبريل، فقال: يا محمد، مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية؛ فإنها من شعار الحج»]([108]).
ومنه: (إشعار البدن)، وهو أن يشقَّ أحد جَنْبَتَي سنام البدنة حتى يسيل دمها، ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هديٌ ...»([109]).
والشعار: علامة القوم في الحرب، وهو ما ينادون به؛ ليعرف بعضهم بعضاً، والعيد شعار من شعائر الإسلام،..والشعائر: أعلام الحج، وأفعاله .. والمشاعر: مواضع المناسك، والمشعر الحرام :جبل بآخر مزدلفة، واسمه قُزَح ...»([110]).
وقيل: شعائر اللَّه: يعني مناسك الحج، وقال الزجاج في شعائر اللَّه: يعني بها جميع متعبدات اللَّه التي أشعرها اللَّه: أي جعلها أعلاماً لنا، وهي كل ما كان من موقف، أو سعي ، أو ذبح ، وإنما قيل: شعائر اللَّه لكل علم مما تُعبِّد به؛ لأن قولهم: شعرت به: علمته؛ فلهذا سميت الأعلام التي هي مُتَعَبَّدات اللَّه تعالى شعائر، والمشاعر مواضع المناسك([111]).
وقال الراغب الاصفهاني :: «ومشاعر الحج: معالمه الظاهرة للحواس، و الواحد مشعر، ويقال: شعائر الحج، الواحد: شعيرة، قال اللَّه تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾([112])، وقال - عز وجل -:﴿فَاذْكُرُواْ اللَّه عِندَ الْـمَشْعَرِ الْـحَرَامِ ﴾([113])، وقال I: ﴿لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ﴾([114])،أي ما يُهدى إلى بيت اللَّه، وسُمِّي بذلك؛ لأنها تشعر: أي تُعلَّم بأن تُدْمَى بشعيرة: أي حديدة يشعر بها([115]).
وقال الإمام الطبري :: «﴿ذلك ومن يعظِّم شعائر اللَّه فإنها من تقوى القلوب ﴾: يقول تعالى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس، وأمرتكم به، من اجتناب الرجس من الأوثان، واجتناب قول الزور حنفاء لله، وتعظيم شعائر اللَّه، وهو استحسان البدن، واستسمانها، وأداء مناسك الحج على ما أمر اللَّه جل ثناؤه من تقوى قلوبكم»، ثم قال: «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللَّه تعالى ذِكْرُهُ أخبر أن تعظيم شعائره: وهي ما جعله أعلاماً لخلقه فيما تعبَّدهم به من مناسك حجِّهم من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها، والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم من تقوى قلوبهم لم يخصص من ذلك شيئاً، فتعظيم ذلك من تقوى القلوب ... وحقٌّ على عباده المؤمنين تعظيم جميع ذلك ... فإن تلك التعظيمة: من اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب: .. أي فإنها من وجل القلوب من خشية اللَّه، وحقيقة معرفتها، وإخلاص توحيده»([116]).
وقال الإمام القرطبي :: « ﴿ومن يعظم شعائر اللَّه﴾: الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء للَّه تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب: أي علاماتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة، وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدم، فيكون علامة، فتسمَّى شعيرة، بمعنى المشعورة، فشعائر اللَّه: أعلام دينه، لاسيما ما يتعلق بالمناسك .. وأضاف التقوى إلى القلوب؛ لأن حقيقة التقوى في القلب؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - في صحيح الحديث: «التقوى ها هنا»([117])، وأشار إلى صدره([118]).
وقال الإمام البغوي :: «قال ابن عباس ب: شعائر اللَّه: البُدْن، والهدي، وأصلها من الإشعار، وهو إعلامها، ليُعلم أنها هدي، وتعظيمها استسمانها واستحسانها، وقيل: شعائر اللَّه: أعلام دينه، فإنها من تقوى القلوب: أي: إن تعظيمها من تقوى القلوب»([119]).
وقال ابن كثير :: «﴿ومن يعظم شعائر اللَّه﴾: أي أوامره ﴿فإنها من تقوى القلوب﴾، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقسم، عن ابن عباس: تعظيمها: استسمانها، واستحسانها»([120]).
وقال العلامة السعدي :: «والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه﴾([121])، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدّم أن معنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها، على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها باستحسانها، واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر اللَّه صادر من تقوى القلوب، فالمعظِّم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأنّ تعظيمها تابع لإعظام اللَّه وإجلاله»([122]) .
وقال :: «﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾([123]): يخبر تعالى: أن الصفا والمروة ... من شعائر اللَّه: أي: أعلام دينه الظاهرة التي تعبَّد اللَّه بها عباده، وإذا كانا من شعائر اللَّه، فقد أمر اللَّه بتعظيم شعائره فقال: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾([124]) ، فدلّ مجموع النصين أنهما من شعائر اللَّه، وأن تعظيم شعائره من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلَّف، وذلك يدلّ على أن السعي بهما فرض لازم للحج والعمرة كما عليه الجمهور، ودلّت عليه الأحاديث النبوية، وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: «خذوا عني مناسككم»([125])» ([126]).
وقال العلامة الشنقيطي :: « ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ عام في جميع شعائر اللَّه، وقد نصَّ على أن البُدن فرد من أفراد هذا العموم داخل فيه قطعاً، وذلك في قوله: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾([127]) ، فيدخل في الآية تعظيم البُدن، واستسمانها، واستحسانها، كما قدمنا عن البخاري: أنهم كانوا يستسمنون الأضاحي، وكانوا يرون أن ذلك من تعظيم شعائر اللَّه، وقد قدمنا أن اللَّه صرح بأن الصفا والمروة داخلان في هذا العموم بقوله: ﴿إنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ ([128]) الآية: وأن تعظيمهما المنصوص في هذه الآية: عدم التهاون بالسعي بين الصفا والمروة ...»([129]).
2- حرمات اللَّه معاصيه ومحارمه، وتعظيمها: باجتناب المعاصي، والابتعاد عن المحرمات التي حرمها اللَّه - عز وجل -، ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّه فَ هُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾([130])، فقال الإمام ابن جرير :: «ومن يجتنب ما أمره اللَّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيماً منه لحدود اللَّه أن يواقعها، وحُرَمهُ أن يستحلَّها فهو خير له عند ربه في الآخرة»([131]).
وقال الإمام البغوي :: «﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أي معاصي اللَّه وما نهى عنه، وتعظيمها: ترك ملابستها ... وذهب قوم إلى أن الحرمات هنا: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي تعظيم الحرمات خير له عند اللَّه في الآخرة»([132]).
وقال الإمام ابن كثير :: «﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أي ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل، فكما [أن] على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل، كذلك على ترك المحرمات والمحظورات»([133]).
وقال الإمام القرطبي :: «الحرمات: المقصود هنا هي: أفعال الحج المشار إليها في قوله: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، ... ويجمع ذلك أن تقول: الحرمات: امتثال الأمر: من فرائضه وسننه، وقوله: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي التعظيم خير له عند ربه من التهاون بشيء منها ...»([134]).
وقال العلامة السعدي :: «﴿ذَلِكَ﴾ الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات اللَّه، وإجلالها وتكريمها؛ لأن تعظيم حرمات اللَّه من الأمور المحبوبة المقربة إليه، التي من عظَّمها وأجلَّها أثابه اللَّه ثواباً جزيلاً، وكانت خيراً له في دينه ودنياه، وأخراه عند ربه.
وحرمات اللَّه: كلُّ ما له حرمة، وأمر باحترامه بعبادة أو غيرها: كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر اللَّه العباد القيام بها: فتعظيمها: إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاونٍ ومتكاسلٍ، ولا متثاقلٍ»([135]).
فيجب على العبد أن يعظِّم حرمات اللَّه: باجتنابها، سواء كان ذلك في الحج أو في غيره ، ويعظم حرمات اللَّه كما تقدم، ويدلّ على عبودية العبد للَّه تعالى تعظيم شعائره كما تقدم.
وقد ذكر الإمام ابن القيم :: أن استقامة القلب بشيئين:
الأول: أن تكون محبة اللَّه تتقدم عنده على جميع المحابّ.
الثاني: تعظيم الأمر والنهي؛ فإنه ذم من لا يعظمه، ولا يعظم أمره ونهيه قال سبحانه: ﴿مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ للَّه وَقَاراً﴾([136]) ... وما أحسن ما قاله شيخ الإسلام في تعظيم الأمر والنهي: هو أن لا يعارضا بترخيصٍ جافٍ، ولا يعارضا لتشديدٍ غالٍ، ولا يحملا على علةٍ توهن الانقياد»([137]).
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربي أصحابه، بل وأمته على تعظيم شعائر اللَّه تعالى فكان يقول - صلى الله عليه وسلم -:«من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»([138]).
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: «...وصلوا كما رأيتموني أصلي»([139]).
وقال - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع وهو يرمي جمرة العقبة: «لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلِّي لا أحجُّ بعد حجتي هذه»([140]).
فمن تعظيم شعائر اللَّه تعالى، وتعظيم حرماته: الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في جميع مناسك الحج، وما يعمله الحاجّ في المشاعر، وإذا قصَّر في شيء من ذلك متعمِّداً راغباً عن سنته - صلى الله عليه وسلم - فليس منه في شيء، وكذلك جميع العبادات التي شرعها النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن تعظيم حرمات اللَّه - عز وجل - الابتعاد عن جميع ما حرم اللَّه، والابتعاد أيضاً عن محظورات الإحرام من ذلك.
ومن تتبّع أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتأمّل في صفة حجة الوداع ظهر له تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - لشعائر اللَّه، وتعظيمه لحرمات اللَّه - عز وجل - .
ذكر شيخنا شيخ الإسلام الإمام المجدد عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز : بعد أن ذكر آية تعظيم حرمات اللَّه، وآية تعظيم شعائر اللَّه قال: «... هذا كله يورث القلوب وازعاً عظيماً من تعظيم شعائر اللَّه، ومن تعظيم حرمات اللَّه, حتى يكون عند العبد وازع من قلبه، ودافع من خشيته، وحافز من إيمانه إلى أداء الواجبات، وإلى ترك السيئات، وإلى الإنصاف من نفسه، وإلى أداء الأمانة: أداء الحق الذي عليه لأخيه...»([141]).
واللَّه أسأل التوفيق والإخلاص لي، ولجميع المسلمين، وأن يجعلنا جميعاً ممن يعظِّم شعائر اللَّه، وحرماته، على الوجه الذي يرضيه عنا، وصلى اللَّه وسلم على عبده، ورسوله، وخيرته من خلقه نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
& & &
4- البيان في نبذ العادات الجاهلية والاتفاقيات المخالفة للشريعة الإسلامية
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى من يراه من قبائل المنطقة الجنوبية وغيرهم، وفّقهم اللَّه لكل خير.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته أما بعد:
فاللَّه أسأل لي، ولكم التوفيق، والسداد، والإعانة، والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.
أخبركم وفقكم اللَّه: أني وجميع أبنائي، وجميع إخواني آل وهف، وأبنائهم كافة لا نقرّ العادات القبليَّة الجاهليَّة المخالفة للشريعة الإسلامية، التي يعمل بها كثير من الناس في المنطقة الجنوبية وغيرها، ولا نعمل بها، ولا نعين عليها، ونبرأ إلى اللَّه منها، وممن لم يتب منها، والتفصيل المختصر لهذا البيان على النحو الآتي:
أولاً: العادات والأعراف المحمودة التي لا تخالف شرع اللَّه تعالى، هي من الأعمال الصالحة، مثل: الكرم، والجود، والإحسان، ونصر المظلوم على الوجه الذي شرعه اللَّه، وإعانة الضعيف الملهوف، وإكرام الضيف، والعفة، والعفو، والصفح، والحلم، والشجاعة في الحق على الوجه المشروع: قولاً وفعلاً، هذه العادات، وغيرها من العادات المحمودة التي لا تخالف شرع اللَّه تعالى، فينبغي العمل بها، ودعوة الناس إليها: بالقول والفعل.
ثانياً: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحلَّ حراماً أو حرم حلالاً وهذا يعرفه أهل العلم بشروطه المعتبرة شرعاً، والحكم بالعادات القبلية الجاهلية، لا يسمى صلحاً، بل يسمى حكماً جاهليّاً محرّماً، وإن دلّس المدلّسون، وحرّف الكاذبون.
ثالثاً: وجوب طاعة اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - طاعة مطلقة، ثم طاعة ولاة الأمر بالمعروف، في العسر، واليسر، والمنشط، والمكره([142])؛ ولحديث حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّه، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ»([143])، وفي الحديث الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»([144]) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّه، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ»([145]).
رابعاً: العادات والأعراف المخالفة لشريعة محمد بن عبداللَّه - صلى الله عليه وسلم - لا نقرُّها ولا نعمل بها ولا نساعد عليها بأي وجه من الوجوه بل نرفضها ونبطلها، ونبرأ إلى اللَّه منها، وممن لم يتب منها، ومنها العادات الأتية:
1- جميع المثارات الجاهلية، ومنها: مثار العاني، ومثار الجار، ومثار الخوي، ومثار الجيرة، ومثار القبالة، ومثار الضيف، ومثار الدم، والمثار الأسود، والمثار الأبيض، والمثار الدسم([146])، وهي عادات قبيحة معروفة عند بعض القبائل الذين يعملون بها، فنبرأُ إلى اللَّه منها، وممن لم يتب منها.
2- الأيمان والحلف بغير ما شرع اللَّه: كدين الخمسة، ودين العشرة، ودين الخمسة عشر، ودين العشرين ودين الخمسة والعشرين، ودين الأربعين، ودين الأربعة والأربعين، وغير ذلك كلها من العادات الممقوتة الجاهلية المنبوذة، فلا نقرها ولا نعترف بها ولا نعمل بها.
3- الحكم بأيمان الوسيَّة: أو أيمان المثل [على خطَّها والمثل] بأن يقول: واللَّه قاطع المال، والذريَّة، والعصبة القويَّة الذي لا يُبقي للظالم تريَّه لو كنَّا بالمثل مثلكم أن نجزع مجزعكم ونبلع مبلعكم، أو غير ذلك من الألفاظ التي تقال في هذه الأيمان المخالفة للشريعة السمحة، ولا نقرُّ هذه الأيمان الجاهلية ونبطلها كلها.
4- التحاكم إلى الطاغوت: وهو ما يسمى عند بعض القبائل بالحق الذي يحكم بغير ما أنزل اللَّه، لأن اللَّه أمر أن يُكفَر به بقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾([147])، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه: من معبودٍ، أو متبوعٍ، أو مطاع: فالمعبود بالباطل طاغوت، إذا رضي بذلك، والمتبوع مثل: الكهان، والسحرة، وعلماء السوء، والمطاع مثل: الأمراء، والمشايخ الخارجين عن طاعة اللَّه وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
فمن تحاكم إلى غير ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقد حَكَّمَ الطاغوت، وتحاكم إليه، فطاغوت كل قومٍ من يتحاكمون إليه غير اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو يعبدونه من دون اللَّه، أو يتبعونه على غير بصيرة من اللَّه، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعةً للَّه، قال ابن القيم :: «فهذه طواغيت العالم».
ومن رؤوس الطواغيت من حكم بين الناس بغير ما أنزل اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([148])، وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب: في آخر كتابه: الأصول الثلاثة أن الطواغيت كثيرون، ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه اللَّه، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن عُبِد وهو راضٍ، ومن ادّعى علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل اللَّه.
5- الحق أو مقطع الحق: كما يقولون: والحق هو اللَّه تعالى فالحكم له، والتحاكم إليه وحده، وبما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أما من جعل نفسه حقاً أو مقطع حق، أو جعله الناس مقطع حق: يحكم بينهم بالسلوم، والعادات، والأعراف الجاهلية، ويلزمهم بغير ما لم يلزمهم اللَّه به، ويفرض عليهم ما لم يفرضه اللَّه عليهم، فقد حكم بغير ما أنزل اللَّه، فهو طاغوت، ومن تحاكم إليه فقد تحاكم إلى الطاغوت، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، فلا نقرُّ ذلك ولا نعمل به، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([149])، وقال - عز وجل -: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه﴾([150]).
6- الجيرة «ردُّ الشان»: كأن يقول أنا رادٌ فيك الشأن أو غير ذلك، وهذه تسبب سفك الدماء كثيراً، والاعتداء على المعصومين، وتفرِّق بين الناس، وتورِّث العداوة والشحناء، وتسبِّب قتل الأنفس المعصومة، وأما الجيرة المشروعة فهي لولي أمر المسلمين للمشركين الحربيين حتى يسمعوا كلام اللَّه، وهي لكل فرد من المسلمين يجير المشرك الحربي إذا أَذِن ولي أمر المسلمين له بذلك ومن الجيرة المذمومة المحرمة المجلِّيات : ( جيرة الأسود ) وهي الحماية القصيرة ثمانية أيام أو ما يقاربها، وهي من العادات الجاهلية القبيحة، ومن حكم بها بين الناس، فهو طاغوت، ومن تحاكم إليه فيها فقد تحاكم إلى الطاغوت، الذي أمر اللَّه أن يُكفر به، فلا نقر هذه الجيرة المحرمة ولا نعمل بها.
7- إيواء المحدث الجاني وحمايته وتهريبه: لأن من آواه يكون ملعوناً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لعن اللَّه من آوى محدثاً»([151])، وهذا وعيدُ شديد لمن آوى المحدث: أن يطرده اللَّه ويبعده من رحمته والعياذ باللَّه.
8- القبالة: عادة جاهلية تسبب سفك الدماء كثيراً، واستحلال الأموال المعصومة، بغير حق، وتسبب الشحناء، والقطيعة، وقتل الأنفس المعصومة فلا نقر القبيل الذي ينصبه أهل العادات الجاهلية المخالفة للشرع ولا نعترف به.
9- إكراه الناس على حقوقهم: في القصاص، والشجاج، فيكرهون صاحب الحق بجميع أنواع الإكراه، والضغط الاجتماعي حتى يحصل العفو، ويحرمون صاحب الحق الأجر؛ لأنه يعفو بلا نية صالحة، وهذا لا يجوز شرعاً، ولا شك أن الصلح خير ولكن الصلح له شروط شرعية: منها رضى الطرفين بدون إكراه، ومنها أن لا يخالف الشريعة الإسلامية، فإذا خالفها فهو باطل، والقضاة الشرعيون لديهم المعرفة الكاملة في ذلك([152]).
10- إلْزامُ النّاسِ بتَوزيعِ الدّياتِ عليهِمْ بالسّويّةِ: وَالمَشْروعُ أنَّ عاقِلةَ الجاني هِي التي تَتحمَّلُ عنهُ ديَةَ قتل الخَطأ، وشبه العمد، تُقسَّط الدية عليهم ثلاث سنين، ولا يلزم القاتل شيء من دية الخطأ، ويعدل قسطه من الدية أن الكفارة تلزمه في ماله، وأما جناية الخطأ على ما دون النفس، فالعاقلة تحمل منه ما بلغ ثلث الدية فصاعداً، ولا تحمل ما دونه، ولا تحمل العاقلة: عمداً محضاً، ولا عبداً، ولا صلحاً، ولا اعترافاً لم تصدقه به، ولا عقلَ على غير مكلف ولا فقير ولا أنثى، والعاقلة هم: ذكور عصبة الجاني نسباً، والحاضر والغائب سواء، حتى أصوله وفروعه الذكور، ويقدم الأقرب فالأقرب من العصبات، فيُبدأ بإخوة القاتل، وبنيهم، وأعمامه وبنيهم، وأعمام أبيه وبنيهم، حتى ينقرض المناسبون، ومتى اتسع الأقرب لم يدخل معهم من بعدهم([153])، وهُمْ ذكورُ عصبتِهِ نسَباً، فهُؤلاءِ الذين يتحملونَ عنْهُ دِيَةَ الخطأِ، وليسَ غيرَهُمْ، فالزّوجُ مثلاً ، والإخْوَةُ لأمٍّ، وأبناءُ العَمَّاتِ، وأبنَاءُ الخَالاَتِ، إذا لَمْ يكُونُوا مِنَ العَصَبَةِ، وسَائرُ ذوي الأرحَامِ لا يتحمَّلُونَ مِنَ الدّيةِ شيئاً شَرْعاً، أمَّا دِيةُ قَتْلِ العَمْدِ فهِيَ عَلى القاتِلِ وحْدَهُ، إلاَّ مَنْ أرَادَ أنْ يُساعِدَهُ بِدُونِ إلْزَامٍ، وَلا إكْراهٍ، ولاَ يُلْزِمُ هَذا المساعدُ غيرَهُ بذلكَ أيضاً، بلْ مَنْ أرادَ مساعَدتَهُ، والإحسَانَ إليهِ ابتغَاءَ مَرضاةِ اللَّه فَهُوَ مأجورٌ، لكِنْ لا يجبُ عليهِ، ولا يُلْزَمُ من القبيلة، أو غيرِهِمْ مِنَ القبائِلِ الأُخْرَى، ولاَ يُلْزَمُ مِنْ فَخْذِهِ، بلْ بطيبِ نفسٍ منهُ.
11- الغرم: المبني على الحكم بالأعراف، والعادات القبليَّة الجاهلية، فأخْذُ أموال الناس في ديات الخطأ، أو العمد، وغير ذلك بالضغط الاجتماعي، فيه إلزام الناس بغير حق، فيُلزمُ بدفع الأموال بالسويَّة: الفقير، والضعيف، والكبير، والصغير مادام عنده هوية [بطاقة] وقد بلغني عن بعض القبائل أن ذلك يكون على الطفل الرضيع أيضاً يدفعه عنه ولي أمره، وهذا فيه ظلم وعدوان، وإلزام الناس بما لم يلزمهم اللَّه تعالى به، وأكل أموالهم بالباطل فلا نقره ولا نعترف به بل نبطله، وننبذه.
12- القرعي: كأن يقول أنت مقروع، وهو يصدر ممن يردُّ فيه الشان، وهذا فرع من الجيرة، وأول بدايتها، ويسبب سفك الدماء المعصومة كثيراً، والقتل العمد، وغير ذلك من الفساد الكبير والشر المستطير فلا نقره ولا نعترف به ولا نعمل به.
13- غضب قبيلة قاتل العمد على قبيلة المقتول: إذا أقيم القصاص على القاتل ولم يعفوا عنه، ومقاطعتهم مقاطعةً دائمة، وعدم الزواج منهم، ولا تزويج أحداً منهم، وهذا فيه عدم الرضى بحكم اللَّه تعالى، والسخط من ذلك، وفيه عدوانٌ، وظلمٌ، وجهل، وسفه، فلا نقر هذه العادة القبيحة ولا نرضى بها ولا نعمل بها يقول اللَّه I: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([154]).
14- السَّواد: ونصبه على الجبال، أو الطرقات، أو النداء به في الأسواق، أو نشره في وسائل الإعلام، أو التلفظ به في الأماكن العامة أو الخاصة كأن يقول: [ سوَّد اللَّه وجوه آل فلان ، أو فلان ] وهذا يسبب الشحناء، والبغضاء والأحقاد، وسفك الدماء، حتى إنه يسوَّد لمن لم يعفُ عن القصاص، أو غير ذلك، وهذا منكرٌ قبيحٌ يجب أن يتوب منه من يعمله، فنحن لا نقر هذه العادة الخبيثة، ولا نعمل بها، ولا نعين عليها، بل ندفنها في التراب.
15- التعاون والتكاتف على المبالغة في دفع الملايين الكثيرة: في ديات العمد، وإرهاق القبائل بدفع هذه الأموال عن طريق الضغط الاجتماعي بتوزيع هذه المبالغ على أفراد القبائل: سواءً كانوا فقراء، أو أغنياء، ولا شك أن الصلح خير ولكن بشرط أن لا يكون فيه مضرة للآخرين، وإلزامهم بما لم يلزمهم اللَّه تعالى به، ويكون برضى الطرفين ولا يخالف الشرع، وإذا كان هذا التعاون والتكاتف مما يُعين الظالم على ظلمه، ويزيد في إحصائيات قتل العمد، ويشجِّع المعتدي، ويساعده على الاعتداء، ما دامت قبيلته والقبائل الأخرى المحالفة لها تساعده، وتناصره، وتعينه في دفع ما يترتب عليه، فلا يجوز؛ ولهذا قال العلامة مفتي الديار السعودية في عهده محمد بن إبراهيم آل الشيخ :: «... مثل هذه العوائد من عوائد الجاهلية المبني كثير منها على الظلم ومناصرة أهله، فيتعين إبطال هذه الاتفاقيات والاقتصار على حكم اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -»([155]).
16- التعصب للطواغيت: لا يجوز للإنسان المسلم أن يتعصَّب للطواغيت، ويتلفظ بالألفاظ الكفرية المخرجة من دين الإسلام مثل من يقول: إنه متمسك بعادات أبائه وأجداده حتى لو دخل جهنم، أو يقول: لا أترك سلوم ربعي حلالاً كانت أم حراماً، ويستحل الحرام، أو يقول: الفرع أحسن من الشرع، ويقصد بالفرع عادات أبائه وقبائله، ويقصد بالشرع شرع اللَّه تعالى، والعياذ باللّه، أو يقول: النار ولا العار، ويستحل ما يُدخل النار، أو يقول: الشرع لا ينصفنا، أو يقول: الشرع لا يعرف عاداتنا، وتقاليدنا، وأعرافنا، أو يقول: حكمٌ أعوجٌ، ولا شريعة سمحة، أو يقول: شرع الرفاقة؛ فإنه لا شرع إلا ما شرعه اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا نقر هذه العادة القبيحة، ولا نرضى بها، ولا نعمل بها، ونبرأ إلى اللَّه منها، وممن لم يتب منها.
17- دية قتل الخطأ: تكون على حسب ما شرعه الشارع الحكيم على العاقلة إلى الجد الخامس أو السادس، فحسب، على حسب الشروط المعتبرة عند العلماء رحمهم اللَّه تعالى، ولا يجوز إلزام الناس بغير ذلك في هذه المسألة، وقد تقدم التفصيل في دية قتل الخطأ، ومن هم العاقلة في البند رقم (10) في هذا البيان.
18- جميع العادات القبليَّة الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية المذكورة هنا والتي لم تذكر نبطلها كلها ولا نعترف بها بل نضعها تحت الأقدام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو واقف في خطبة حجة الوداع بعرفات: «... ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع... »([156])، وكل عادةٍ أو اتفاقيةٍ تصدر فيها فتوى من أهل العلم الراسخين بالتحريم، فنحن من أول من يبتعد عنها.
ويجب على من ابتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى اللَّه تعالى؛ فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»، وإذا أخلص في توبته وحقق شروطها: من الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فعل، والعزيمة على أن لا يعود، وردَّ الحقوق إلى أهلها، أو طلب العفو منهم، فإن اللَّه يُبدِّل سيئاته حسنات وكان اللَّه غفوراً رحيماً.
ويجب على مشايخ الشمل، ومشايخ القبائل، والعشائر، ونواب القبائل الحذر من هذه العادات، وتحذير الناس عن هذه الأحكام، والأعمال، والأقوال الجاهلية، ومنعهم من التحاكم إليها، وإلزامهم بالتحاكم إلى الشرع المطهر في الخصومات وغيرها، وترغيبهم في التحاكم إلى الشريعة الإسلامية، وإرشاد كل من يتعاطى ذلك: طاعة للَّه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وخوفاً من عقابه، ومن مخالفة أمره وقد قال اللَّه سبحانه: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([157])، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾([158])، وقال - عز وجل -: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾([159]).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَ الذُّل والصغار على من خالف أمري»([160]).
كما يجب على كلِّ من جهل أحكام هذه العادات، أو غيرها: سؤال أهل العلم بالكتاب والسنة عمَّا أشكل، وخفي حكمه عليهم، كما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾([161]).
ويجب على أهل العلم الشرعي: من القضاة، والدعاة إلى اللَّه تعالى، وأئمة المساجد، والخطباء أن يبّينوا للناس قبح هذه العادات، ويرغَّبونهم في تركها، ويحذرونهم منها، ومن سوء عاقبتها، وخطر إهلاكها.
ولا شك أن من اعتقد أن الحكم بهذه العادات، والسلوم أفضل من حكم اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو اعتقد أنها مثل حكم اللَّه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو اعتقد جواز الحكم بها، وقد بلغه أن الحكم بغير حكم اللَّه لا يجوز، فهو طاغوت، كافرٌ بإجماع العلماء، قد خلع ربقة الإسلام من عنقه، والعياذ باللَّه، وإن زعم أنه مؤمن، وأما من حكم بغير ما أنزل اللَّه، وحمله على ذلك شهوته، وهواه، مع اعتقاده أن حكم اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو الحق، وهو الواجب، ولا يجوز الحكم بغيره، واعترافه على نفسه بالخطأ، فهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة، فهو معصية عظمى أكبر من الكبائر: كالزنا [أي: أكبر من الزنا]، وشرب الخمر، والسرقة، واليمين الغموس، وغيرها؛ فإن معصية سمّاها اللَّه كفراً في كتابه أعظم من معصية لم يسمّها كفراً([162]).
واللَّه أسأل التوفيق والسداد للجميع وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين([163]).
حرر في 9/ 8/ 1433هـ.
& & &
5- من علامات الساعة أن يقتل الرجل أخاه وأباه وابن عمه وذا قرابته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه ، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإن ما حصل من بعض الخوارج في مدينة حائل في عيد الأضحى، لعام 1436هـ، حينما عيّد بابن عمه فقتله، وكبَّر عليه طاعة لولي أمره من الدواعش، وهو يستجير باللَّه، ثم به، ولكنه لم ينفع فيه التذكير باللَّه تعالى، ولا بندائه بقوله: «تكفى يا سعد لا تقتلني»، ومع ذلك رماه؛ لأنه يعتبره كافراً على مذهب الدواعش، والعياذ باللَّه تعالى، وقد أخبرنا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى: أن الرجل يقتل جاره، وأخاه، وأباه، وابن عمه، وذا قرابته، فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتُلَ الرَّجُلُ جَارَه، وأخاه، وأباه»([164]).
وعن أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - أيضاً قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجًا» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، الْقَتْلُ» فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِن الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ» فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ»، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: وَايْمُ اللَّهِ، إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ، إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ منها كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا([165]).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أيضاً: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن بين يدي الساعة الهرج» قلنا : وما الهرج قال: «القتل القتل، حتى يقتل الرجل جاره، وابن عمه، وأباه»، قال : فرأينا من قتل أباه زمان الأزارقة([166])([167]).
وهذه الأحاديث تدل على أن من قتل أباه، أو أخاه، أو جاره، أو ابن عمه، أو ذا قرابته لا عقل له، بل ينزع عقله، ويكون كالغبار، ويكون من أراذل الناس، والعياذ باللَّه تعالى، وقد أشار إلى ذلك الإمام السندي :([168])، وهذا من الفتن التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»([169]). قال الإمام النووي :: «مَعْنَى الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا، وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَرَاكِمَةِ كَتَرَاكُمِ ظَلَامِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لَا الْمُقْمِرِ، وَوَصَفَ - صلى الله عليه وسلم - نَوْعًا مِنْ شَدَائِدِ تِلْكَ الْفِتَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِي مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا، أَوْ عَكْسُهُ، شَكَّ الرَّاوِي، وَهَذَا لِعِظَمِ الْفِتَنِ، يَنْقَلِبُ الْإِنْسَانُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ هَذَا الِانْقِلَابَ. وَاللَّه أَعْلَمُ»([170]).
ومن أعظم الفتن التي فرقت بين المسلمين، وشوهت صورة الإسلام، ما يعمله الخوارج، الذين يقال لهم (الدواعش) في هذا الزمان، فقد شوَّهوا الإسلام، وقد أخبرنا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم سفهاء الأحلام، أحداث الأسنان، فعن علي - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([171])، قال الإمام النووي :: «قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ: مَعْنَاهُ: صِغَارُ الْأَسْنَانِ، صِغَارُ الْعُقُولِ»([172]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ...»([173]) الحديث.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ». فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّه إِذَا عَصَيْتُ؟ [وفي لفظ لمسلم: «فمن يطع اللَّه إن عصيته»] أَيَأْمَنُنِي اللَّه عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([174]).
قال الإمام النووي : في معنى قوله: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ: أَيْ: قَتْلًا عَامًّا، مُسْتَأْصِلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية﴾ ([175]).
فيا ويح هؤلاء الخوارج، ويا ويلهم من قول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([176])، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ([177]).
فينبغي لكل مسلم أن يخاف على نفسه من هذه الفتن، ويجب عليه أن يبتعد عنها، ولا يقرب من أهلها، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً، أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ»([178])، وأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نستعيذ باللَّه من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، كما في حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « تَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»([179]).
ويجب على المسلم أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يخاف على نفسه، وهو رسول اللَّه حقاً، فيقول كما في حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّه يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» ([180])، ومن حديث عَبْدَ اللَّه بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ب، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»([181]).
فأرجو ممن اطلع على هذه الأحاديث أن يعمل بها، ويتأملها، ويتدبر معانيها.
واللَّه أسأل أن يعيذنا من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، ومن شرور أنفسنا، ومن نزغات الشيطان، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومن عبث العابثين، ومن كل سوء، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، ويصرف عنهم كل شر، وأن يصلح بطانتهم، وأن يعينهم لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الإثنين 29/ 12/ 1436هـ.
& & &
6- مقدمة كتاب «الغرم القبلي»
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد قرأت كتاب «الغرم القبلي» الذي تفضَّل بتأليفه صاحب الفضيلة الشيخ علي بن محمد بن علي آل نومه القحطاني، فوجدته بحثاَ مُوفَّقاً، ومُسدَّداً، وقد أجاد في بحثه وأفاد، وبيّن ما ينبغي بيانه، في إبطال الغرم القبلي الجاهلي الذي يدخل تحته أعراف جاهلية كثيرة، وعادات قبلية مخالفة للشرع المطهر، واستدل بالأدلة: من الكتاب، والسنة، وجمَّل بحثه، وزيَّنه، وتوَّجه بذكره، ونقله لأقوال العلماء الراسخين في العلم، وذكر الشبه التي يتعلَّق بها أصحاب هذه العادات القبيحة، وردَّ عليها ردَّاً مفصلاً بالأدلة، وذكر في كتابه هذا أكثر من عشرين عادة قبلية أكثرها تتعلق بالغرم القبلي، وأبطلها بأسلوب علمي، ولغةٍ سليمةٍ مستقيمةٍ، وحكمةٍ، وموعظةٍ حسنةٍ، وجدالٍ بالتي هي أحسن، فجزاه اللَّه خيراً، وضاعف مثوبته، وأكثر من أمثاله، وزادنا وإياه: علماً، وهُدىً، وتوفيقاً.
ولا شك أن الحكم بالعادات القبلية، والتحاكم إليها من الحكم بالطاغوت، والتحاكم إليه، وقد حذَّر العلماء رحمهم اللَّه تحذيراً بالغاً قديماً وحديثاً من هذه العادات المخالفة للشريعة الإسلامية، ومن هؤلاء على سبيل الاختصار:
1- قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ : (ت 728هـ): «ولاَ ريبَ أنَّ مَنْ لم يعْتقدْ وُجوبَ الحُكْمِ بمَا أنزَلَ اللَّه على رسولِهِ، فهُوَ كافرٌ، فَمنِ استحلَّ أنْ يَحكُمَ بينَ الناسِ بمَا يراهُ هو عَدْلاً مِنْ غَيرِ اتِّباعٍ لمَا أنزلَ اللَّه فهُوَ كافرٌ، فإنَّهُ ما مِنْ أمَّةٍ إلاَّ وهيَ تأمُرُ بالحُكْمِ بالعَدْلِ، وقَد يكُونَ العَدْلُ في دينِهَا ما رآهُ أكابِرُهُمْ؛ بلْ كثيرٌ مِنَ المنتَسبينَ إلى الإسْلامِ يحْكمُونَ بعاداتِهِمُ التي لم يُنزِلْهَا اللَّه I كسَوَالِفِ الباديَةِ، وَكأوامِرِ المُطاعينَ فيهِمْ، ويرَوْنَ أنَّ هَذا هُوَ الذي ينبَغِي الحُكْمُ بهِ دُونَ الكتابِ والسُّنَّةِ، وهَذا هُو الكُفْر؛ فإنَّ كثيراً مِنَ النّاسِ أسْلَمُوا، وَلكن مَع هَذا لا يَحْكُمونَ إلاَّ بالعَاداتِ الجَاريةِ لهُمُ التي يأمُرُ بها المُطاعُونَ، فَهُؤُلاءِ إذَا عَرَفُوا أنَّهُ لا يَجوزُ الحُكْمُ إلاَّ بِمَا أنزَلَ اللَّه ، فَلمْ يَلْتَزِمُوا ذلكَ، بَلِ استَحَلُّوا أنْ يَحْكُمُوا بِخِلافِ مَا أنزلَ اللَّهُ، فَهُمْ كُفَّارٌ»([182]).
2- قَالَ العَلاّمَةُ ابنُ القَيِّمِ : (ت 751) : «...لمَّا أعْرَضَ النّاسُ عنْ تَحْكيمِ الكِتابِ، والسّنّةِ، والمحَاكَمةِ إليهِمَا، واعتَقَدُوا عَدَمَ الاكْتِفاءِ بهِمَا، وعَدَلُوا إلى الآراءِ، وَالقِيَاسِ، والاسْتِحْسَانِ، وَأقْوالِ الشّيوخِ، عرَضَ لهُمْ منْ ذلكَ فسادٌ في فِطَرِهِمْ، وظُلْمَةٌ في قُلوبِهِمْ، وكَدَرٌ في أفْهامِهِمْ، ومَحْقٌ في عُقُولِهِمْ، وعمَّتْهُمْ هَذِهِ الأُمُورُ، وغَلَبَتْ عَليهِمْ، حتَّى رُبِّي فيها الصَّغيرُ، وهَرِمَ علَيها الكَبيرُ». إلَى أنْ قالَ :: «إذَا رأيتَ دَوْلَةَ هَذهِ الأمُورِ قَد أقْبَلتْ، ورَاياتُهَا قدْ نُصِبَتْ، وجُيُوشُها قَد رَكِبَتْ، فَبَطْنُ الأرضِ واللَّه خَيْرٌ مِنْ ظهْرِهَا، وقُلَلُ الجِبالِ خَيرٌ منَ السُّهولِ، ومُخالَطَةُ الوُحوشِ أسْلَمُ مِن مُخالَطَةِ النَّاسِ اقشَعَرَّتِ الأرضُ، وأظْلَمَتِ السّمَاءُ، وظَهرَ الفَسادُ في البَرِّ والبَحْرِ مِنْ ظُلْمِ الفَجَرَةِ، وذَهَبَتِ البرَكاتُ، وقَلَّتِ الخَيْراتُ، وهُزِلَتِ الوُحُوشُ، وتَكَدَّرَتِ الحيَاةُ مِنْ فِسْقِ الظَّلَمَةِ...» ([183]).
3- قالَ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهابِ : (ت 1206هـ): «الطَّواغِيتُ كَثيرَةٌ، ورُؤوسُهُمْ خَمْسَةٌ: إبلِيسُ لعنَهُ اللَّه ، ومَنْ عُبِدَ وهوَ رَاضٍ، ومَنْ دعَا الناسَ إلى عِبادَةِ نَفْسِهِ، ومَنِ ادَّعَى شَيئاً مِنْ عِلْمِ الغَيْبِ، ومَنْ حَكمَ بغَيْرِ مَا أنْزَل اللَّهُ»([184]).
4- العلاَّمَةُ عَبْدُ اللَّطيفِ بْنُ عبدِ الرَّحمَنِ آلِ الشَّيخِ : (ت 1292هـ) سُئِلَ /: «عَمَّا يَحْكُمُ بهِ أهْلُ السَّوالِفِ مِنَ البَوَادي وغَيرِهِم مِنْ عَاداتِ الآباءِ والأجْدادِ، هَلْ يُطْلَقُ عَليهِمْ بذلكَ الكُفْرِ بعدَ التّعريفِ... إلخ؟
فأجابَ :: «مَنْ تَحَاكمَ إلى غَيْرِ كتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - بعْدَ التعريفِ، فهُوَ كَافرٌ....» ([185]).
5- قالَ العَلاَّمَةُ حَمَدُ بْنُ عَتيقٍ : (ت 1301هـ) عِندَ هَذِهِ الآيةِ: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾([186])، بعدَ ذِكْرِ قَوْلِ ابنِ كَثيرٍ /، قَالَ: «قُلْتُ: وَمِثْلُ هَؤُلاءِ مَا وَقَعَ فِيهِ عامَّةُ البَوَادي وَمَنْ شَابَهَهمْ، مِنْ تَحْكيمِ عَاداتِ آبَائِهِمْ، ومَا وَضَعَهُ أوائِلُهُمْ مِنَ المَوْضُوعَاتِ المَلْعُونَةِ التي يُسمُّونَها (شَرْع الرفاقة) يُقدِّمُونَها عَلى كِتابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومَنْ فَعلَ ذلكَ فهُوَ كَافرٌ، يَجبُ قِتَالُهُ حتّى يَرجِعَ إلى حُكْمِ ال لَّهِ ورسُولِهِ»([187]).
6- قالَ العَلاَّمَةُ سُليمانُ بنُ سَحْمَان (ت 1349هـ) :: «الطَّاغُوتُ ثلاثَةُ أنْواعٍ: طَاغوتُ حُكْمٍ، وطَاغُوتُ عِبادةٍ، وطَاغوتُ طَاعةٍ ومُتابعَةٍ؛ والمَقْصُودُ في هذهِ الورَقَةِ هُو طَاغُوتُ الحُكْمِ، فإنَّ كَثيرًا مِنَ الطَّوَائِفِ المُنتسبينَ إلى الإسلاَمِ، قَد صَارُوا يَتحاكَمُوَن إلَى عَاداتِ آبَائِهِمْ، ويُسمُّون ذلكَ الحَقَّ بِشَرْعِ الرفاقة، كقَوْلِهِمْ شَرْعُ عجمان، وشَرْعُ قَحْطان، وغَيْرُ ذلكَ، وهَذا هُو الطَّاغوتُ بعَينِهِ، الّذي أمَرَ اللَّه باجْتِنَابِهِ.
ذكرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ في مِنهَاجِهِ([188])، وابنُ كَثيرٍ في تفسيرِهِ([189]): أنَّ مَنْ فَعلَ ذلكَ فهوَ كَافرٌ بِاللَّهِ، زادَ ابنُ كَثيرٍ: يَجبُ قِتالُهُ، حتَّى يَرجِعَ إلى حُكْمِ اللَّه ورسُولِهِ»([190]).
وقالَ ابنُ سَحْمَان أيضاً: «ومَا ذَكَرْناهُ مِنْ عاداتِ البوَادي، التي تُسمَّى (شرع الرفاقة) هُوَ مِنْ هَذا الجِنْسِ، مَنْ فَعَلَهُ فَهوَ كَافرٌ، يَجبُ قِتالُهُ حتّى يَرجعَ إلَى حُكمِ اللَّه ورسولِهِ، فَلا يُحكِّمُ سِواهُ في قَليلٍ ولاَ كَثيرٍ»([191]).
7- قالَ الإمامُ مُحمَّدُ بنُ إبْراهيمَ آلِ الشيخِ مُفتي الدِّيارِ السُّعوديَّةِ في عَهدِهِ، (ت 1389هـ) :: «... بلَغَنَا ... أنَّه مَوْجودٌ من بعضِ الرُّؤساءِ ببلَدِ الرين مَنْ يَحْكمُ بالسُّلومِ الجَاهليَّةِ، فسَاءَنا ذلكَ جِدّاً، وأوْجَبَ عَلينا الغَيْرَةَ لأحْكامِ اللَّه وشَرْعِهِ؛ لأنَّ ذلكَ في الحقيقةِ حُكْمٌ بِغيْرِ مَا أنزَلَ اللَّهُ...»، ثُمَّ قَالَ :: «يتحَتَّمُ عَلى ولاةِ الأمُورِ التَّأديبُ البَليغُ لِكلِّ مَنِ ارْتكَبَ هَذهِ الجريمةَ الّتي قَدْ تُفْضي إلَى مَا هُو أكْبرُ إثْماً مِنَ الزِّنا والسَّرقةِ؛ لأنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ أمرَ اللَّهِ، وأمْرَ رسولِهِ، وحَكَمَ بينَ النّاسِ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّه مُتّبِعاً لِهَواهُ، وَمُعْتقِداً أنَّ الشَّرعَ لاَ يَكفِى لِحلِّ مَشاكِلِ النَّاسِ، فَهُوَ طَاغوتٌ قَدْ خَلعَ رِبْقَةَ الإيمانِ مِنْ عُنُقِهِ، وَإنْ زَعَمَ أنَّهُ مُؤمِنٌ...» ([192]).
وقَالَ الإمَامُ مُحمَّدُ بْنُ إبراهيمَ : أيضاً: «...سَجَّلَ اللَّه تعَالى عَلى الحَاكِمينَ بِغيرِ مَا أنزلَ اللَّه الكفرَ، والظُّلمَ، والفُسوقَ، ومِنَ المُمْتَنِع أنْ يُسمِّيَ اللَّه I الحَاكِمَ بغَيْرِ ما أنزلَ اللَّه كَافِراً، وَلاَ يَكُونُ كافراً، بل هُوَ كافرٌ مُطلقاً: إمَّا كُفْرُ عَملٍ، وَإمَّا كُفْرُ اعتقادٍ...».
ثُمّ قَسَّمَ الكُفْرَ المُخْرِجَ مِنْ المِلَّةِ، وهُو كُفْرُ الاعْتقادِ إلى ستةِ أنواعٍ ذكَرَها، وقَالَ في النَّوْعِ السَّادسِ:
«...السَّادِسُ: مَا يَحْكُم بِهِ كَثيرٌ مِنْ رُؤساءِ العَشائرِ، وَالقبائلِ مِنَ البَوَادي ونَحْوِهِمْ، مِنْ حِكايَاتِ آبائِهِمْ وأجْدَادِهِمْ، وعَاداتِهِمُ الَتي يُسمُّونَها (سلومهم) يَتوارَثُونَ ذلكَ منهُمْ، ويَحْكُمونَ بِهِ، ويَحُضُّونَ عَلى التَّحاكُمِ إليهِ عِندَ النِّزاعِ، بِناءً عَلى أحْكامِ الجَاهليَّةِ، وَإعْراضَاً وَرغْبةً عَنْ حُكْمِ اللَّه ورَسولِهِ، فَلا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ».
ثم قال :: «...وَأمَّا القِسْمُ الثّاني مِن قِسْمَي كُفرِ الحَاكمِ بغَيرِ مَا أنزلَ اللَّهُ، وهُو الّذي لا يُخرِجُ مِنَ الملّة،ِ فقَدْ تقدَّمَ أنَّ تفسيرَ ابْنِ عَباسٍ ب لقَوْلِهِ - عز وجل -: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾([193])، قَدْ شَمَلَ ذلكَ القِسْمَ، وذلكَ في قَوْلِهِ - رضي الله عنه - في الآيةِ: «كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ»، وقَوْلُهُ أيضاً: «لَيْسَ بِالكُفْرِ الذي تَذهبُونَ إليهِ»، وذَلكَ أنْ تَحْمِلَهُ شَهَوتُهُ وهَواهُ عَلى الحُكْمِ في القَضيَّةِ بغَيْرِ مَا أنْزلَ اللَّهُ، مَعَ اعْتِقادِهِ أنَّ حُكمَ اللَّه ورَسولِهِ هُوَ الحَقُّ، واعْترافُهُ عَلى نَفْسِهِ بالخَطأِ، ومُجانَبَةِ الهُدَى، وهَذا وَإنْ لَمْ يُخْرجْه كُفرُهُ عَنِ الملّة؛ فإنَّهُ مَعْصيةٌ عُظمَى، أكْبرُ مِنَ الكَبائِرِ: كَالزِّنَا، وشُرْبِ الخَمْرِ، والسَّرِقةِ، واليَمينِ الغَمُوسِ، وغيرِها؛ فإنَّ معْصيةً سَمَّاها اللَّه في كتابِهِ كُفْراً، أعظمُ من معصيةٍ لم يسمِّهَا كُفْراً، نَسألُ اللَّه أنْ يَجمعَ المُسلمينَ عَلى التّحاكُمِ إلَى كِتابِهِ، انْقِياداً، ورِضاءً، إنَّه وليُّ ذلكَ والقَادِرُ عَليهِ([194]).
وقال الإمام مُحمَّدِ بْنِ إبراهيمَ آلِ الشيخِ : أيضاً: «...إنَّ مِنْ أقْبَحِ السّيِّئَاتِ، وَأعظَمِ المُنكرَاتِ التَّحاكمَ إلَى غَيرِ شَريعَةِ اللَّه مِنَ القَوانِينَ الوضْعيَّةِ، والنُّظُمِ البشريَّةِ، وعَاداتِ الأسْلافِ والأجْدادِ التي قَدْ وقَعَ فيها كَثيرٌ مِنَ النّاسِ اليَومَ، وارتَضَاها بَدَلاً مِنْ شَريعَةِ اللَّه التي بَعثَ بِهَا رسولَهُ مُحمَّداً - صلى الله عليه وسلم -، ولاَ ريْبَ أنَّ ذلكَ مِنْ أعظمِ النِّفاقِ، ومِنْ أكْبَرِ شَعَائرِ الكُفْرِ، والظُّلْمِ، والفُسُوقِ، وأحْكَامِ الجاهليَّةِ التي أبْطَلَهَا القُرآنُ، وحَذَّرَ عَنْهَا الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -»([195]).
8- قالَ الإمَامُ عَبدُ العَزيزِ بْنُ عَبدِ اللَّه بنِ بَازٍ (ت 1420هـ) :: «... في إحْياءِ العَاداتِ القَبليَّةِ، والأَعْرافِ الجَاهليَّةِ مَا يَدْعُو إلَى تَرْكِ التَّحَاكُمِ إلَى كِتَابِ اللَّه ، وسُنَّةِ رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَفي ذَلكَ الْمُخالَفَةُ لِشَرْعِ اللَّه المُطَهَّرِ». إلَى أنْ قَالَ :: «... وَبِهذا يُعلَمُ أنَّهُ لاَ يَجُوزُ إحياءُ قَوانينَ القَبائلِ وأعْرافِهِمْ، وَأنظِمَتِهِمْ التي يتَحَاكَمُونَ إليْها بَدلاً مِنَ الشَّرعِ المُطَهَّرِ الذِي شَرعَهُ أحْكَمُ الحَاكمِينَ، وَأرْحَمُ الرّاحِمينَ، بِلْ يَجبُ دفْنُهَا، وإمَاتَتُهَا، والإعْراضُ عَنهَا، والاكْتفاءُ بالتَّحاكُمِ إلى شَرْعِ اللَّه I، فَفيهِ صَلاحُ الجَميعِ، وسَلامةُ دِينِهِمْ، ودُنْياهُمْ، وعَلى مَشايخِ القَبائلِ ألاَّ يَحْكمُوا بينَ النَّاسِ بالأعْرافِ التي لاَ أسَاسَ لها مِنَ الدِّينِ، ومَا أنزلَ اللَّه بِهَا مِنْ سُلْطانٍ، بَلْ يَجبُ أنْ يَردُّوا مَا تَنازَعَ فيه قَبائِلُهُمْ إلَى المَحَاكِم الشَّرعيَّةِ...» ([196]).
وَقالَ شيخُنَا الإمامُ ابْنُ بازٍ : أيضاً: «وَلاَ إيمانَ لِمنِ اعتَقَدَ أنَّ أحْكامَ النّاسِ، وآرَاءَهُمْ، خَيْرٌ مِنْ حُكْمِ اللَّه ، ورَسُولِهِ, أوْ تُمَاثِلُهُ، وَتُشابِهُهُ, أوْ أجَازَ أنْ يحُلَّ مَحلَّها الأحكامَ الوضعيَّةَ، والأنظمةَ البشريةَ, وإنْ كانَ مُعْتقِداً بأنَّ أحكَامَ اللَّه خيرٌ وَأكْمَلُ وأعْدَلُ...» ([197]).
وسَمعْتُ سمَاحةَ شيخِنَا الإمامَ عبدَ العَزيزِ بنَ عبدِ اللَّه ابنِ بازً : يَقُولُ: مَنْ حَكَمَ بِغيرِ مَا أنزَلَ اللَّه فَلاَ يخْرُجُ عنْ أربعةِ أنْواعٍ:
1 - مَنْ قَالَ: أنَا أحْكُمُ بهذَا؛ لأنَّهُ أفْضَلُ مِنَ الشّريعةِ الإسلاميةِ، فهُو كافِرٌ كُفْراً أكْبْرَ.
2 - وَمَنْ قالَ: أنَا أحْكُمُ بهذَا لأنَّه مِثلُ الشَّريعَةِ الإسلاميَّةِ، فَالحُكْمُ بِهذَا جَائزٌ، وبِالشَّريعَةِ جَائزٌ، فَهُوَ كافِرٌ كُفْراً أكْبَرَ.
3 - ومَنْ قَالَ: أنَا أحْكُم بِهذَا، وَالحُكْمُ بالشّريعةِ الإسلاميَّةِ أفضَلُ، لكنَّ الحُكْمَ بغيرِ مَا أنزلَ اللَّه جائزٌ، فَهُو كافرٌ كُفْراً أكْبَرَ.
4 - ومَنْ قَالَ: أنَا أحْكُمُ بهَذا، وهُوَ يَعْتَقِدُ أنَّ الحُكمَ بِغيرِ مَا أنْزَلَ اللَّه لاَ يجُوزُ، وَيَقولُ: الحُكْمُ بالشريعَةِ الإسلاميةِ أفضَلُ، ولاَ يَجوزُ الحُكْمُ بغيرِهَا، وَلكنَّهُ مُتَساهِلٌ، أوْ يفعَلُ هذَا لأمرٍ صَادرٍ مِنْ حُكَّامِهِ، فَهُوَ كافِرٌ كُفْراً أصْغَرَ، لا يُخرِجُ مِنَ المِلَّةِ، ويُعْتَبَرُ مِنْ أكْبَرِ الكَبائِرِ([198]).
9- قال العَلاَّمَةُ صَالحُ بنُ فوزانَ بْنِ عَبدِ اللَّه الفوزانِ حَفِظَهُ اللَّه : «... مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّهُ: هَذا يَعُمُّ كُلَّ حُكْمٍ بغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّه بَيْنَ النّاسِ في الخُصُوماتِ، والمُنازعَاتِ، حَكَمَ بيْنَهُمْ بالقَانُونِ، أوْ بعَوَائِدِ البَدْوِ، وَالسّلوم التي عَليها البَدْوُ والقَبَائِلُ، وأعْرَضَ عَن كِتابِ اللَّهِ، هَذا هُوَ الطَّاغوتُ، يَحْكمُونَ بغَيْرِ مَا أنزلَ اللَّهُ، وَيدّعُونَ أنَّ هَذا مِنَ الإصلاحِ، والتَّوفِيقِ بينَ الناسِ، هَذا كَذبٌ، الإصْلاحُ لا يَكونُ إلاَّ بِكتابِ اللَّهِ، والتَّوْفيقِ بَينَ المُؤْمنينَ لاَ يكونُ إلاَّ بكِتابِ اللَّه - عز وجل -...»([199]).
وقالَ صالح الفوزان حَفِظَهُ اللَّه أيضاً: «... وَالطَّاغُوتُ المُرادُ بِهِ: كُلُّ حُكْمٍ غَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، سَواءً عَوائِدِ الباديَةِ، أوْ أنْظِمَةِ الكُفَّارِ، أوْ قَوانِينَ الفِرَنْسِ، أوْ الإنكلِيزِ، أوْ عَاداتِ القَبائلِ كُلُّ هَذا طَاغوتٌ، وَكذا تَحْكيمُ الكُهَّانِ – فالّذي يقُولُ: إنَّهمَا سَواء كَافرٌ [أيْ: يُسوِّي بين حُكْمِ اللَّه وحُكمِ غَيرِهِ، والعِياذُ باللَّهِ]، وَأشدُّ مِنهُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أنْزَلَ اللَّه أحْسَنُ مِنَ الحُكْمِ بِمَا أنْزلَ اللَّهُ، هَذا أشَدُّ...» ([200]).
10- وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز : عَنْ حُكْمِ التَّحاكُمِ إلَى الأحْكَامِ العُرْفِيَّةِ عِندَ مَشايخِ القَبائِلِ فَأجَابَتْ بِالفَتْوَى رَقَمِ (6216):
«يَجِبُ علَى المُسْلِمِينَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الشّريعَةِ الإسلاميةِ لاَ إلَى الأحْكَامِ العُرفيَّةِ، ولاَ إلَى القَوَانينِ الوَضْعيَّةِ، ومَا ذَكَرْتَهُ ليسَ صُلحاً في الحَقِيقَةِ، وإنَّما هُو تَحاكُمٌ إلَى مَبادِئَ وقَواعِدَ عُرفيَّةٍ؛ ولِذَا يُسمُّونَهَا: مَذْهباً، وَيقُولُونَ لِمَنْ لَمْ يَرْضَ بالحُكْمِ بمُقْتَضَاهَا: إنَّهُ قَاطِعُ المَذْهَبِ، وتَسْمِيَتُه صُلْحاً لاَ يُخْرِجُه عَنْ حَقِيقَتِهِ مِنْ أنَّهُ تَحاكُمٌ إلَى الطَّاغُوتَ... وَعَلَى هَذَا يَجبُ عَلى مَشايخِ القَبائِلِ ألاَّ يَحْكُمُوا بينَ النّاسِ بِهَذِهِ الطّرِيقَةِ، ويَجِبُ عَلَى المُسْلِمينِ ألاَّ يتَحاكَمُوا إليْهِمْ إذَا لَمْ يَعْدِلُوا عَنهَا إلَى الحُكْمِ بالشَّرْعِ، واليَوْمَ -وللَّه الحَمْدُ- قد نَصَبَ وَلِيُّ الأمْرِ قُضاةً يَحْكُمُونَ بينَ النّاسِ، ويَفْصِلُونَ في خُصُوماتِهِمْ بكِتَابِ اللَّهِ، وسُنَّةِ رسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ويَحُلُّونَ مُشْكِلاتِهِمْ بِمَا لاَ يَتنافَى مَعَ شَرْعِ اللَّه تعَالَى، فَلا عُذْرَ لأحَدٍ في التَّحاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ بعْدَ إقَامَةِ مَنْ يتَحَاكَمُ إليهِ مِنْ عُلمَاءِ الإسْلامِ، ويَحْكُمُ بِحُكْمِ اللَّه سُبحانَهُ.
وَبِاللَّه التَّوْفِيقُ، وصَلَّى اللَّه على نَبيِّنَا مُحمَّدٍ، وَآلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ».
فَنَصِيحَتِي لِكُلِّ مُسْلِمٍ أنْ يَبْتَعِدَ عَنْ هَذِهِ العَاداتِ والأعْرافِ المُخَالِفَةِ لِشَرْعِ اللَّه تَعَالَى، وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، وَلاَ يُعينُ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا، وَيَجِبُ عَلى مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أنْ يَتوبَ إلَى اللَّه تَعَالَى؛ فَإنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ، وقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّه تَوْبَةً نَصُوحًا﴾([201])، وَقَالَ - عز وجل -: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([202])، وَإذَا أخْلَصَ في تَوْبَتِهِ وَحَقَّقَ شُرُوطَهَا: مِنَ الإقْلاعِ عَنِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَعَلَ، وَالعَزيمَةِ عَلى أنْ لا يَعُودَ، وَرَدَّ الحُقُوقَ إلَى أهْلِهَا، أوْ طَلَبِ العَفْوِ مِنْهُمْ، فَإنَّ اللَّه يُبدِّلُ سَيَّئاتِهِ حَسَناتٍ، وكَانَ اللَّه غَفوراً رَحيمَاً.
ويجبُ عَلىَ مَشايخِ الشَّمْلِ، ومَشايِخِ القَبائِلِ، والعَشَائِرِ، ونُوَّابِ القَبائِلِ الحَذَرُ مِنْ هَذِهِ العَاداتِ المخالفة للشريعة الإسلامية، وتَحْذِيرُ النّاسِ مِنْ هَذِهِ الأحْكَامِ، وَالأعْمَالِ، وَالأقْوالِ الجَاهِليَّةِ، وَمنْعُهُمْ مِنَ التَّحَاكُمِ إلَيْها، وَإلْزَامُهُمْ بالتَّحَاكُمِ إلَى الشَّرْعِ المُطَهَّرِ في الْخُصومَاتِ وغَيرِهَا، وَتَرْغِيبَهِمْ في التَّحَاكُمِ إلَى الشَّرِيعَةِ الإسْلاميَّةِ، وإرْشَادَ كُلِّ مَنْ يَتَعَاطَى ذَلكَ: طَاعَةً للَّه وَلِرَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم - وخَوْفاً مِنْ عِقَابِهِ، وَمِنْ مُخَالَفَةِ أمْرِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّه سُبحانَهُ: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([203])، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾([204])، وَقَالَ - عز وجل -: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾([205]).
وَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أمْرِي» رَواهُ أحْمَدُ وغَيْرُهُ([206]).
كَمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ جَهِلَ أحْكَامَ هَذِهِ العَادَاتِ القبلية، أوْ غَيْرِهَا: سُؤَالُ أهْلِ العِلْمِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَمَّا أشْكَلَ، وخَفِيَ حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([207]).
وَيَجِبُ عَلَى أهْلِ العِلْمِ الشَّرْعِيِّ: مِنَ القُضَاةِ، وَالدُّعَاةِ إلَى اللَّه تَعَالَى، وَأئمَّةِ المَسَاجِدِ، وَالخُطَبَاءِ أنْ يُبِّينُوا لِلنَّاسِ قُبْحَ العَادَاتِ المخالفة للشرع المطهر، وَيُرَغِّبُوهُمْ في تَرْكِهَا، وَيُحَذِّرُوهُمْ مِنْهَا، وَمِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهَا، وَخَطَرِ إهْلَاكِهَا.
واللَّه أسأل أن يجزي الشيخ علي بن محمد بن نومه خيراً على هذا البحث المبارك، وأن ينفع بهذا المؤلف، وأن يوفق مشايخ القبائل إلى التوبة من الحكم والتحاكم إلى العادات المخالفة للشريعة الإسلامية. وصلى اللَّه، وسلّم، وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأحد 1/ 1/ 1438هـ.
& & &
7- وجوب محبة النبي ونصرته وحكم من سبه، وعموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -
إن الحمد للَّه ، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، الذي ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، كما وعد في كتابه، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل المرسلين وأكرم العباد، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كُلِّه ولو كره أهلُ الشرك والعِنَاد، ورفع له ذكره ولا يُذكر إلا ذُكِرَ معه كما في الأذان، والتشهدِ، والخُطبِ، والمجامعِ والأعيادِ، وكَبَتَ مُحادّه، وأهلكَ مُشاقّهُ وكفاه المستهزئين به ذوي الأحقاد، وبَتَر شانئهُ ولعن مُؤذيه في الدنيا والآخرة، وجعل هوانه بالمرصاد أما بعد:
فقد هدانا اللَّه تعالى بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وآتانا ببركة رسالته خير الدنيا والآخرة، وأجوب اللَّه علينا حبَّهُ، وتعزيره، ونصره بكل طريق، وإيثارهُ بالنفسِ والمال في كل موطن، وحفظه وحمايته من كل مؤذٍ، وإن كان اللَّه قد أغنى رسوله عن نصر الخلق، ولكن ليبلوَ بعضكم ببعض وليعلم اللَّه من ينصره ورسله بالغيب.
ولا شك ولا ريب أن محبة اللَّه - عز وجل - لا تحصل للعبد إلا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال اللَّه تعالى: âقُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌá([208])، وقال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث م كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: من كان اللَّه ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اللَّه منه كما يكره أن يُقذف في النار»([209]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه: من أهله، وماله، والناس أجمعين». وفي لفظ: «من ولده، ووالده، والناس أجمعين»([210]). وعن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه -: أنه سمع رسول اللَّه يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي باللَّه ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً»([211]).
ومحبة اللَّه ورسوله فرض بل أفرض الفروض، وتقديمها على محبة كل شيء، قال اللَّه تعالى: âقُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَá([212]). وهذا يدل على وجوب محبة اللَّه ورسوله وتقديمها على محبة كل شيء، ويدل على الوعيد الشديد والمقت الأكيد على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من اللَّه ورسوله، وجهاد في سبيله، وعلامة ذلك أنه إذا عُرِضَ عليه أمران: أحدهما يحبه اللَّه ورسوله وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسُهُ وتشتهيه ولكنه يفوِّت عليه محبوباً للَّه ورسوله أو ينقصه؛ فإنه إن قدَّم ما تهواه نفسه على ما يحبه اللَّه ورسولُهُ دلَّ ذلك على أنه ظالم تاركٌ لما يجب عليه([213]).
وما أحسن ما قاله القائل:
تعصي الإله وأنت تُظهرُ حُبَّهُ | هذا لعمري في القياس بديعُ | |
لو كان حُبَّك صادقاً لأطعتَه | إن المحبَّ لمن يُـحِبُّ مُطيعُ([214]) |
وقال الإمام ابن القيم في نويته:
شرطُ المحبةِ أن توافِقَ مَنْ تحبَّ | على محبَّته بلا عصيان | |
فإذا ادَّعيتَ له المحبةَ مع خلافِكَ | ما يُحبُّ فأنت ذو بُهتانِ | |
أتحبُّ أعداء الحبيب وتدَّعي | حُبّاً له ما ذاك في إمكان | |
وكذا تُعادي جَاهداً أَحبَابَهُ | أين المحبَّةُ يا أخا الشيطانِ([215]) |
ولما قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله، لأنت أحبَّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك» فقال له عمر: فإنه الآن واللَّه لأنت أحبَّ إليَّ من نفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الآن يا عمر»([216]) أي الآن عرفتَ فنطقت بما يجب([217]).
وهذا الحب لا يكون بالدعوى بل بالصدق، والمحبة تثمر طاعة اللَّه ورسوله، والبعد عما نهى اللَّه عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ولا شك أن العبد إذا أحب اللَّه ورسوله، فإنه يحبُّ ما يحبه اللَّه ورسولُه؛ لأن من أحبَّ أحداً أحب من يحبه؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومَنَعَ لله، فقد استكمل الإيمان»([218]).
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن من ثواب محبته الاجتماع معه في الجنة، فقد سأله رجلٌ عن الساعة؟ فقال: «ما أعددتَّ لها؟» قال: يا رسول الله: ما أعددتُ لها كبير صيام، ولا صلاة، ولا صدقة، ولكني أحبُّ اللَّه ورسوله، قال: «فأنت مع من أحببت»([219]). قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشدُّ من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنت مع من أحببت» فأنا أحبُّ اللَّه ورسوله، وأبا بكر، وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم([220]). وعن عبداللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه فقال: يا رسول الله: كيف تقول في رجل أحبَّ قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال: «المرء مع من أحب»([221]). ومعنى «ولم يلحق بهم» أي في الأعمال، والآية في سورة آل عمران: âقُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌá([222]). يقال لها آية المحنة، امتحن اللَّه بها العباد، فعلامة المحبة للَّه تعالى اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - والابتعاد عما نهى عنه، وفي الآية والأحاديث السابقة الدلالة على أن المرء مع من أحبَّ: فمن أحب النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين فهو معهم، ومن أحب الكفار فهو معهم.
ومن صِدْقِ المحبة له - صلى الله عليه وسلم -: نُصرته، وتعزيره، وتوقيره، قال اللَّه تعالى: âإِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًاá([223]). وقال تعالى: âفَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَá([224]).
ومعنى âوَتُعَزِّرُوهُá ذكر ابن كثير عن ابن عباس ب «تعظموه» وقال البغوي âوَتُعَزِّرُوهُá تعينوه وتنصروه âوَتُوَقِّرُوهُá من التوقير وهو الاحترام([225]). وقد لعن اللَّه تعالى من آذاه وآذى رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال: âإِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًاá([226]). وقال تعالى: âأُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًاá([227]).
ولا شك أن من استهزأ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يستحق لعنة اللَّه تعالى، وقد لعنه، âوَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًاá.
فإذا كان مسلماً قبل سبّه ارتدَّ ولا تقبل توبته عندنا ولو تاب؛ لقول اللَّه تعالى: âقُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْá([228]). ويجب قتله بدون استتابة على القول الصحيح.
أما إذا كان السابُّ ذميًّا أو معاهداً فإنه ينتقضُ عهدهُ ويقتل ولا يجوز المنُّ عليه ولا مفاداته بل يقتل على كل حال. وإذا تاب السابُّ فالصواب أنه يقتل ولو كان أصله مسلماً فلا تقبل توبته عندنا، أما عند اللَّه فهذا إليه سبحانه.
وقد ضَمَّن ذلك شيخ الإسلام في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول - صلى الله عليه وسلم -» قال ؒ: «وقد رتبته على أربع مسائل:
المسألة الأولى: أن السابَّ يقتل: سواء كان مسلماً أو كافراً.
المسألة الثانية: في أنه يتعين قتله وإن كان ذميًّا فلا يجوز المنُّ عليه ولا مفاداته.
المسألة الثالثة: في حكمه إذا تاب, وكذا لو أسلم الكافر بعد السبِّ.
المسألة الرابعة: في بيان السبّ وما ليس بسبٍّ والفرق بينه وبين الكفر. وقد أجاد وأفاد ؒ.
ومن اتّبع النبيَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - كتب اللَّه له رحمته التي وسعت كل شيء، قال اللَّه - عز وجل -: â وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([229]).
وقد أرسله اللَّه - عز وجل - للجن والإنس، فرسالته عامة، ولا نبي بعده، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَá([230]).
لقد أرسل اللَّه هذا النبي الكريم رحمة للعالمين كما قال اللَّه تعالى: âوَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَá([231]). وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، âمَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَá([232]). فلا نبي بعده عليه الصلاة والسلام، وهو الداعي لكل خير، المحذر من كل شر لجميع الجن والإنس، âيَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًاá([233]).
âياأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍá([234]).
وهو - صلى الله عليه وسلم - منةٌ من اللَّه تعالى على المؤمنين خاصة، âلَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍá([235]). وقد عصمه اللَّه تعالى وتكفل بحمايته فقال تعالى: âيَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَá([236]). وكفاه اللَّه تعالى المستهزئين فقال: âفَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُá ([237]).
فيا عبداللَّه المؤمن كن من الطائعين المتبعين لهذا النبي الكريم ولا تُعِن الكافرين بل أبغضهم للَّه رب العالمين ولا تتشبه بهم؛ فإن «من تشبه بقوم فهو منهم»، وانصر نبيك محمداً - صلى الله عليه وسلم - باتباعه، ومحبته، ومقاطعة المشركين، واللَّه تعالى ناصر نبيه ومُعلي كلمته ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون، ولو كره المنافقون، âوَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَá([238])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة: يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار»([239]).
فدعوته - صلى الله عليه وسلم - عامة للإنس والجن إلى قيام الساعة، ومن آذاه وسبه فقد تولى اللَّه عقابه في الدنيا والآخرة. âإِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًاá([240]). وقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾([241]).
فمن شتم رسول اللَّه أونال منه فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.
وقد أحسن حسانُ بن ثابت - رضي الله عنه - حين قال لمن سب النبي - صلى الله عليه وسلم -:
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه | وعند اللَّه في ذلك الجزاءُ | |
فإن أبي ووالدتي وعرضي | لعرضِ محمدٍ منكم وِقاءُ |
فهذه نبذة يسيرة في وجوب محبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونصرته، واتباع دينه، والعمل به ظاهراً، وباطناً، واتباع سنته، والذب عنها، وعموم رسالته - صلى الله عليه وسلم -.
وصلوات اللَّه وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر 10/ 11/ 1433هـ
& & &
8- حكم تمثيل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم -
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أمّا بعد.
فقد ظهر في فقد كثر في هذه الأزمان تمثيل شخص النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه الكرام - رضي الله عنهم -، وهذا فيه امتهان لمقام النبوة، ولأصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولأهمية هذا الموضوع، وخطورته على العقيدة، أكتفي بالقرارات، والبيانات الآتية:
1- قرار هيئة كبار العلماء رقم (107) في 2 \ 11\ 1403هـ
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على عبد اللَّه ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد:
ففي الدورة العشرين لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف من 25/ 10/ 1402هـ حتى 6/ / 1402هـ اطَّلَعَ المجلسُ على الأمر السامي رقم (1244)، وتاريخ / 7/ 1402 هـ المتضمن الرغبة الكريمة في قيام مجلس هيئة كبار العلماء بالنظر في موضوع تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وتمثيل الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم -، وحكم تمثيل الأنبياء وأتباعهم من جانب، والكفار من جانب آخر.
بعد صدور الفتوى رقم (4723) وتاريخ 11/ 7 / 1402هـ من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتحريم ذلك؛ لأن الموضوع من الأمور المهمَّة والحسّاسة، ولا يقتصر أثره على هذه الدولة، بل يتعدَّاها إلى سواها من الدول الإسلامية الأخرى، ولأنه سبق أن أُجيز مثل هذا العمل من عدد من مشايخ الدول الإسلامية، وبما أنه سوف يترتب على البتِّ فيه كثيرٌ من الأمور التي لها مساسٌ بوسائل الإعلام المختلفة، وما يترتب على ذلك إنتاج وبث كثير من البرامج، أو منعها نهائياً، ولأن بعض الدول الإسلامية قد تأخذ المملكة قدوة في ذلك إذا دُرِس من قبل مجلس هيئة كبار العلماء.
وَلمَّا استمع المجلس إلى فتوى اللجنة الدائمة، رأى أن الموضوع يحتاج إلى مزيدٍ من النظر والتأمل، فأجّل البتَّ فيه إلى دورة أخرى.
وفي الدورة الثانية والعشرين المنعقدة بمدينة الطائف من العشرين من شهر شوال حتى الثاني من شهر ذي القعدة عام 1403 هـ، أعاد المجلس النظر في الموضوع، ورجعَ إلى قراره السابق رقم (13)، وتاريخ 16/ 4 / 1393هـ، وإلى الكتاب المرفوع من المجلس بتوقيع رئيس الدورة الخامسة إلى جلالة الملك فيصل / برقم (1875 / 1)، وتاريخ 27 / 8 / 1394 هـ، المتضمِّن تأييد مجلس هيئة كبار العلماء لما قرَّره مؤتمر المنظمات الإسلامية من تحريم إظهار فيلم محمد رسول اللَّه، وإخراجه، ونشره، سواء فيما يتعلق بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو بأصحابه الكرام - رضي الله عنهم -؛ لِما في ذلك من تعريض مقام النبوة، وجلال الرسالة، وحُرمة الإسلام، وأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للازدراء، والاستهانة، والسخرية، وبعد المناقشة، وتداول الرأي، قرّر المجلسُ تأييدَ رأيه السابق الذي تضمَّنه القرار، والكتاب المشار إليهما آنفاً.
واللَّه ولي التوفيق، وصلَّى اللَّه وسلّم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة
عبد العزيز بن صالح
عبد الرزاق عفيفي | عبد اللَّه خياط | عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز | محمد بن جبير | |
إبراهيم بن محمد آل الشيخ | سليمان بن عبيد | صالح بن غصون | عبد المجيد حسن | |
راشد بن خنين | عبد اللَّه بن منيع | صالح اللحيدان | عبد اللَّه بن غديان | عبد اللَّه بن قعود([242]) |
2- قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي
استنكار المجلس تصوير النبي - صلى الله عليه وسلم - وســائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام.
الحمد للَّه وحدهُ، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعدَهُ، سيدنا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
أما بعد: فإنّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة، المنعقدة في الفترة ما بين 27 ربيع الآخر 1405هـ، و8 جمادى الأولى 1405هـ، قد اطَّلع على الخطاب الموجّه إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز من مكتب الرئاسة في قطر برقم 5021/5، وتاريخ 25 ربيع الأول 1405هـ، ومرفقٌ به كتيِّب فيه صورة مرسومة يزعم صاحبُها أنها صورةٌ للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصورة أخرى يزعم صاحبها أنها صورة لعلي بن أبى طالب - رضي الله عنه -، فأحالها سماحته بموجب خطابه رقم 318/2، وتاريخ 30 ربيع الآخر 1405هـ إلى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، لإصدار ما يجب حيال ذلك.
وبعد أن اطَّلع المجلس على الصورتين المذكورتين، في دورته الثامنة، المنعقدة في مكة المكرمة بمقر الرابطة قرر ما يلي:
إنَّ مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - مقام عظيم عند اللَّه تعالى، وعند المسلمين، وإن مكانته السامية، ومنزلته الرفيعة، معلومة من الدين بالضرورة، فقد بعثه اللَّه تعالى رحمة للعالمين، وأرسله إلى خلقه بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللَّه بإذنه وسراجًا منيرًا، وقد رفع ذكرَه، وأعلى قدرَه، وصلَّى عليه وملائكتُه، وأمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، فهو سيد ولد آدم، وصاحب المقام المحمود - صلى الله عليه وسلم -.
وإنّ الواجب على المسلمين احترامه، وتقديره، وتعظيمه التعظيم اللائق بمقامه ومنزلته - صلى الله عليه وسلم -.
فإن أي امتهان له، أو تنقُّصٍ من قدره، يعتبر كفرًا، وردّة عن الإسلام، والعياذ باللَّه تعالى.
وإنّ تخييل شخصه الشريف بالصور، سواءً كانت مرسومة متحركة، أو ثابتة، وسواء كانت ذات جرم وظل، أو ليس لها ظل وجرم، كل ذلك حرام، لا يحل، ولا يجوز شرعًا.
فلا يجوز عمله، أو إقراره لأي غرض من الأغراض، أو مقصدٍ من المقاصد، أو غايةٍ من الغايات، وإنْ قُصد به الامتهان كان كفرًا.
لأنّ في ذلك من المفاسد الكبيرة، والمحاذير الخطيرة شيئًا كثيرًا وكبيرًا.
وأنه يجب على ولاة الأمور، والمسؤولين، ووزارات الإعلام، وأصحاب وسائل النشر، منع تصوير النبي - صلى الله عليه وسلم -، صورًا مجسمة، أو غير مجسمة: في القصص، والروايات، والمسرحيات، وكتب الأطفال، والأفلام، والتلفاز، والسينما، وغير ذلك من وسائل النشر، ويجب إنكاره وإتلاف ما يوجد من ذلك.
وكذلك يُمنع ذلك في حقّ الصحابة - رضي الله عنهم -؛ فإن لهم من شرف الصحبة، والجهاد مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، والدفاع عن الدين، والنصح للَّه ورسوله ودينه، وحمل هذا الدين والعلم إلينا، ما يوجب تعظيم قدرهم، واحترامهم، وإجلالهم.
ومثل النبي - صلى الله عليه وسلم - سائر الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيحرم في حقهم ما يحرم في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -.
لذا فإن المجلس يقرر: أن تصوير أيِّ واحدٍ من هؤلاء حرامٌ، ولا يجوز شرعًا، ويجب منعه.
وسلام على المرسلين، والحمد للَّه ربّ العالمين.
نائب الرئيس رئيس مجمع الفقه الإسلامي
د. عبد اللَّه بن عمر نصيف عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز
الأعضاء
محمد بن صالح بن عثيمين | محمد بن جبير | عبد اللَّه العبد الرحمن البسام | صالح بن فوزان الفوزان |
محمد بن عبد اللَّه بن سبيل | مصطفى أحمد الزرقاء | محمد محمود الصواف | محمد رشيد قباني |
أبو بكر جومي | محمد الحبيب بن الخوجة | بكر أبو زيد | مبروك بن مسعود العوادي |
محمد بن سالم عبد الودود | د. طلال عمر بافقيه مقرر المجمع الفقهي الإسلامي([243]) |
3- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم (4723) في 11/ 7/ 1402هـ:
س: حكم تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة، والتابعين - رضي الله عنهم -؟ وعن تمثيل الأنبياء، وأتباعهم من جانب، والكفار من جانب آخر؟
ج: أولاً: إن المُشاهَد في التمثيليات التي تُقام، والمعهود فيها طابع اللَّه و، وزخرفة القول، والتصنّع في الحركات، ونحو ذلك، مما يلفت النظر، ويستميل نفوس الحاضرين، ويستولي على مشاعرهم، ولو أدَّى ذلك إلى ليٍّ في كلام من يُمثّله، أو تحريف له، أو زيادة فيه، وهذا مما لا يليق في نفسه، فضلاً عن أنه يقع تمثيلاً من شخص، أو جماعة للأنبياء، وصحابتهم، وأتباعهم فيما يصدرُ عنهم من أقوال في الدعوة والبلاغ، وما يقومون به من عبادةٍ، وجهادٍ، أداء للواجب، ونصرة للإسلام.
ثانياً: إن الذين يشتغلون بالتمثيل، يغلب عليهم عدم تحري الصدق، وعدم التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وفيهم جرأة على المجازفة، وعدم مبالاة بالانزلاق إلى ما لا يليق، ما دام في ذلك تحقيق لغرضه من استهواء الناس، وكسب للمادة، ومظهر نجاح في نظر السواد الأعظم من المتفرجين، فإذا قاموا بتمثيل الصحابة ونحوهم، أفضى ذلك إلى السخرية، والاستهزاء بهم، والنيل من كرامتهم، والحط من قدرهم، وقضى على ما لهم من هيبة، ووقار في نفوس المسلمين.
ثالثاً: إذا قُدِّر أن التمثيلية لجانبين، جانب الكافرين كفرعون ،وأبي جهل، ومن على شاكلتهما، وجانب المؤمنين كموسى، ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وأتباعهم، فإن من يُمثّل الكافرين سيقوم مقامهم، ويتكلم بألسنتهم، فينطق بكلمات الكفر، ويوجه السباب والشتائم للأنبياء، ويرميهم بالكذب، والسحر، والجنون.. إلخ، ويسفه أحلام الأنبياء، وأتباعهم، ويبهتهم بكل ما تسوله له نفسه من الشر، والبهتان، مما جرى من فرعون، وأبي جهل، وأضرابهما مع الأنبياء وأتباعهم، لا على وجه الحكاية عنهم، بل على وجه النطق بما نطقوا به من الكفر والضلال، هذا إذا لم يزيدوا من عند أنفسهم ما يُكسب الموقف بشاعة، ويزيده نكراً وبهتاناً، وإلا كانت جريمة التمثيل أشدّ، وبلاؤها أعظم.
وذلك مما يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من الكفر، وفساد المجتمع، ونقيصة الأنبياء والصالحين.
رابعاً: دعوى أن هذا العرض التمثيلي لما جرى بين المسلمين والكافرين طريقٌ من طرق البلاغ الناجح، والدعوة المؤثرة، والاعتبار بالتاريخ، دعوى يردها الواقع، وعلى تقدير صحتها، فشرها يطغى على خيرها، ومفسدتها تربو على مصلحتها.
وما كان كذلك يجب منعه، والقضاء على التفكير فيه.
خامساً: وسائل البلاغ، والدعوة إلى الإسلام، ونشره بين الناس كثيرة، وقد رسمها الأنبياء لأممهم، وآتت ثمارها يانعة؛ نصرة للإسلام، وعزة للمسلمين، وقد أثبت ذلك واقع التاريخ.
فلنسلك ذلك الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم اللَّه عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.
ولنكتفِ بذلك عما هو إلى اللعب، وإشباع الرغبة والهوى، أقرب منه إلى الجدّ، وعلوّ الهمة.
وللَّه الأمر كله من قبل ومن بعد، وهو أحكم الحاكمين.
وباللَّه التوفيق، وصلّى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو | عضو | نائب الرئيس | الرئيس |
عبد اللَّه بن قعود | عبد اللَّه بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز([244]) |
4- قرار هيئة كبار العلماء رقم (13) وتاريخ 16\ 4 \ 1393 هـ
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1\ 4 \ 1393هـ، و10/ 4 / 1393هـ، قد اطّلعت على خطاب المقام السامي رقم (44 / 93 / 1)، وتاريخ 1/ 1 / 1393 هـ، الموجّه إلى رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والذي جاء فيه ما نصه:
«نبعث إليكم مع هذا الرسالة الواردة إلينا من طلال ابن الشيخ محمود البسني المكي مدير عام شركة لونا: فيلم من بيروت، بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي، يصور حياة (بلال) مؤذن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ونرغب إليكم بعد الاطلاع عليها، عرض الموضوع على كبار العلماء؛ لإبداء رأيهم فيه، وإخبارنا بالنتيجة»:
وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي، وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك، وتداول الرأي فيه، قررت الهيئة بالإجماع ما يلي:
1 - أن اللَّه I أثنى على الصحابة، وبين منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة، وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية، أو فيلم سينمائي، منافاة لهذا الثناء الذي أثنى اللَّه تعالى عليهم به، وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها اللَّه لهم، وأكرمهم بها.
2 - أن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية، والاستهزاء به، ويتولاّه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي، وأنه مهما حصل من التحفظ، فيشتمل على الكذب والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان اللَّه عليهم في أنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتخفّ الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين، وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، ويتضمّن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سبّ بلال، وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به من الإسلام، ولا شك أن هذا منكر، وكما يتخذ هدفاً لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم، وكتاب ربهم، وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3 - ما يقال من وجود مصلحة، وهي: إظهار مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب، مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة، وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه؛ رغبة في العبرة والاتعاظ: فهذا مجرد فرض وتقدير، فإن من عرف حال الممثلين، وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
4 - من القواعد المقررة في الشريعة: أن ما كان مفسدة محضة، أو راجحة؛ فإنه محرم، وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة؛ فرعاية للمصلحة، وسداً للذريعة، وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - يجب منع ذلك.
وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وخلفاءه الراشدين هم أرفعُ من أن يظهروا صورة، أو صوتاً في هذا الفيلم.
لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير (بلال - رضي الله عنه -)، وأمثاله من الصحابة، إنما كان لضعف مكانتهم، ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة، فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم، وتعريضهم للسخرية، والاستهزاء في نظرهم، فهذا غير صحيح؛ لأن لكل صحابي فضلاً يخصه، وهم مشتركون جميعاً - رضي الله عنهم - في فضل الصحبة، وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند اللَّه جل وعلا، وهذا القدر المشترك بينهم، وهو فضل الصحبة، يمنع من الاستهانة بهم.
وصلّى اللَّه ، وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثالثة
محمد الأمين الشنقيطي
عبد اللَّه بن حميد | عبد اللَّه خياط | عبد الرزاق عفيفي | عبد المجيد حسن |
عبد العزيز بن صالح | عبد العزيز بن باز | إبراهيم بن محمد آل الشيخ | سليمان العبيد |
محمد الحركان | عبد اللَّه بن غديان | راشد بن خنين | صالح بن غصون |
صالح بن لحيدان | عبد اللَّه بن منيع | محمد بن جبير([245]) |
5- فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم ( 2044 ):
«س: هل يجوزُ تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - لأننا نقدِّم تمثيليات، وقد أوقفنا إحداها رغبة في معرفة الحكم؟.
ج: تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم -، أو أحد منهم ممنوع؛ لِما فيه من الامتهان لهم، والاستخفاف بهم، وتعريضهم للنيل منهم، وإن ظُنَّ فيه مصلحة، فما يؤدّي إليه من المفاسد أرجح، وما كانت مفسدته أرجح فهو ممنوع، وقد صدر قرارٌ من مجلس هيئة كبار العلماء في منع ذلك.
وباللَّه التوفيق، وصلّى اللَّه على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو | عضو | نائب رئيس اللجنة | الرئيس |
عبد اللَّه بن قعود | عبد اللَّه بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز([246]) |
6- بيان الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز ت 1420 / المفتي العام للمملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء
استنكار إخراج فيلم محمد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فقد اطلعتُ على ما نشرته مجلة المجتمع الكويتية في عددها 162، الصادر بتاريخ 9 / 7 / 1393 هـ تحت عنوان (فيلم محمد رسول اللَّه )، وقد تضمّن الخبر المذكور أنه خلال الأيام الماضية تمّ التوقيع على عقد تأسيس الشركة العربية للإنتاج السينمائي العالمي, وتولَّى التوقيع ممثلو حكومات ليبيا، والكويت، والمغرب، والبحرين, وأن الشركة المذكورة تعاقدت مع المخرج مصطفى عقاد لإنتاج فيلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حياته وتعاليمه (بالسينما سكوب) والألوان, يستمرّ عرضه ثلاث ساعات، ويخرج بعشرين لغة عالمية، بما فيها العربية.
وذلك بالاستناد إلى قصة أقرّها الأزهر، والمجلس الشيعي الأعلى، واشترك في صياغتها: توفيق الحكيم، وعبد الحميد جودة السّحار، وعبد الرحمن الشرقاوي, انتهى الخبر المذكور.
ولكون ذلك فيما نعتقد أمراً منكراً, وحدثاً خطيراً يترتب عليه مفاسد كبرى, وأضرار عظيمة، واستهانة بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وتعريض لذاته الشريفة إلى التلاعب بها، والاستهزاء والتنقص، رأيتُ المساهمة في إنكار هذا المنكر, والإهابة بالدول الأربع الموافقة على إخراجه بالرجوع عن ذلك؛ تعظيماً للنبي - صلى الله عليه وسلم -, واحتراماً له, واحترازاً عن تعريض ذاته الشريفة للتنقص، والاستهانة والسخرية، ومعلوم أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وقد عرض هذا الموضوع على المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، فقرر: تحريم إخراج فيلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, وتحريم تمثيل الصحابة - رضي الله عنه -, وذلك في المادة السادسة من قراره المتخذ في دورته الثالثة عشرة، المنعقدة خلال المدة من 1 شعبان 1391 إلى 13 شعبان 1391 هـ, وهذا نص المادة المذكورة:
«1- يُقرّر المجلس التأسيسي بالإجماع تحريم إخراج فيلم محمد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيه من تمثيله - صلى الله عليه وسلم - بآلة التصوير الكاميرا، مشيرة إليه، وإلى موضعه، وحركاته، وسائر شؤونه بالتحديد, وتمثيل بعض الصحابة - رضي الله عنه - في مواقف عديدة، ومشاهد مختلفة، وهو مُحرَّم بالإجماع.
2 - يوصي المجلس الأمانة العامة للرابطة بإبلاغ هذا القرار لجميع الدول الإسلامية, والمنظمات الإسلامية, والجمعيات الدينية في البلاد العربية والإسلامية، ووزارات الإعلام, ومشيخة الأزهر, ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر, والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة, والصحف, والإذاعات في البلاد الإسلامية كافة.
3 - يوصي المجلسُ الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي, بإخطار مُخرج هذا الفيلم بهذا القرار جواباً على طلبه الأخير بإخراج الفيلم، وإنذاره بأن الأمانة العامة للرابطة ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول الاعتداء على قدسية، وحرمة صاحب الرسالة العظمى - صلى الله عليه وسلم -, وحرمة أصحابه الأكرمين في أية جهة من العالم.
4 - يوصي المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بوضع رسالة في حرمة إخراج فيلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن أصحابه رضوان اللَّه عليهم أجمعين، تضمّ ما أجرته الأمانة العامة للرابطة بشأنه في جميع مراحله, وما صدر فيه من قرارات في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والمنظمات الإسلامية الأخرى, وما صدر بشأنه من القرارات والفتاوى في البلاد الإسلامية عامة, ونشر ذلك في البلاد الإسلامية تبصرة، وتنويراً وإرشاداً، وتحذيراً.
5- يشكر المجلس الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي على ما قامت به من جهود موفقة في هذا الموضوع الخطير». انتهى.
كما قرَّرت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، منع تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - من باب أولى، وذلك بقرارها رقم 13، وتاريخ 16\4 \ 1393 هـ الآتي نصُّه:
«الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعد: فإن هيئة كبار العلماء في دورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1 /4 / 1393هـ، و17/ 4 / 1393 هـ، قد اطَّلعت على خطاب المقام السامي رقم 44 / 93، وتاريخ 1 / 1 / 1393 هـ الموجَّه إلى الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والذي جاء فيه ما نصُّه:
نبعثُ إليكم مع الرسالة الواردة إلينا من طلال بن الشيخ محمود البسني المكي مدير عام شركة لونا، فيلم من بيروت، بشأن اعتزام الشركة عمل فيلم سينمائي يصور حياة (بلال) مؤذن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
نرغب إليكم بعد الاطلاع عليها عرض الموضوع على كبار العلماء؛ لإبداء رأيهم فيه، وإخبارنا بالنتيجة, وبعد اطلاع الهيئة على خطاب المقام السامي, وما أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ذلك وتداول الرأي قرّرت ما يلي:
1 - إن اللَّه سبحانه أثنى على الصحابة, وبين منزلتهم العالية، ومكانتهم الرفيعة, وفي إخراج حياة أي واحد منهم على شكل مسرحية، أو فيلم سينمائي، منافاة لهذا الثناء الذي أثنى اللَّه عليهم به, وتنزيل لهم من المكانة العالية التي جعلها اللَّه لهم، وأكرمهم بها.
2 - إن تمثيل أي واحد منهم سيكون موضعاً للسخرية، والاستهزاء, ويتولاه أناس غالباً ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة، والأخلاق الإسلامية، مع ما يقصده أرباب المسارح من جعل ذلك وسيلة إلى الكسب المادي, وأنه مهما حصل من التحفظ، فسيشتمل على الكذب، والغيبة، كما يضع تمثيل الصحابة رضوان اللَّه عليهم في أنفس الناس وضعاً مزرياً، فتتزعزع الثقة بأصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -, وتخفّ الهيبة التي في نفوس المسلمين من المشاهدين, وينفتح باب التشكيك على المسلمين في دينهم، والجدل والمناقشة في أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -, ويتضمن ضرورة أن يقف أحد الممثلين موقف أبي جهل وأمثاله، ويجري على لسانه سبّ بلال، وسبّ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به الإسلام، ولا شك أن هذا منكر, كما يتخذ هدفاً لبلبلة أفكار المسلمين نحو عقيدتهم، وكتاب ربهم وسنة نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3 - ما يُقال من وجود مصلحة، وهي إظهار مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب مع التحري للحقيقة، وضبط السيرة، وعدم الإخلال بشيء من ذلك بوجه من الوجوه؛ رغبة في العبرة، والاتعاظ، فهذا مجرد فرض وتقدير, فإن من عرف حال الممثلين، وما يهدفون إليه، عرف أن هذا النوع من التمثيل يأباه واقع الممثلين، ورواد التمثيل، وما هو شأنهم في حياتهم وأعمالهم.
4 - من القواعد المقرّرة في الشريعة أن ما كان مفسدة محضة، أو راجحة؛ فإنه محرم, وتمثيل الصحابة على تقدير وجود مصلحة فيه، فمفسدته راجحة, فرعاية للمصلحة، وسداً للذريعة، وحفاظاً على كرامة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - منع ذلك، وقد لفت نظر الهيئة ما قاله طلال من أن محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وخلفاءه الراشدين، هم أرفع من أن يظهروا صورة، أو صوتاً في هذا الفيلم, لفت نظرهم إلى أن جرأة أرباب المسارح على تصوير بلال وأمثاله من الصحابة، إنما كان لضعف مكانتهم، ونزول درجتهم في الأفضلية عن الخلفاء الأربعة, فليس لهم من الحصانة والوجاهة ما يمنع من تمثيلهم، وتعريضهم للسخرية والاستهزاء في نظرهم، فهذا غير صحيح؛ لأن لكل صحابي فضلاً يخصه، وهم مشتركون جميعاً في فضل الصحبة، وإن كانوا متفاوتين في منازلهم عند اللَّه جل وعلا.
هذا القدر المشترك بينهم، وهو فضل الصحبة، يمنع من الاستهانة بهم، وصلّى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه». انتهى.
ولكل ما تقدم، وما سوف يُفضي إليه الإقدام على هذا الأمر من الاستهانة بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وبأصحابه - رضي الله عنهم -، وتعريض سيرته، وأعماله، وسيرة أصحابه، وأعمالهم للتلاعب، والامتهان من قبل الممثلين، وتجار السينما، يتصرّفون فيها كيف شاؤوا, ويبرزونها على الصفة التي تلائمهم، بغية التكسُّب والاتجار من وراء ذلك, ولما في هذا العمل الخطير من تعريض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه - رضي الله عنهم - للاستهانة والسخرية, وجرح مشاعر المسلمين, فإني أكرر استنكاري بشدة لإخراج الفيلم المذكور.
وأطلب من جميع المسلمين في كافة الأقطار استنكارهم لذلك, كما أرجو من جميع الحكومات والمسؤولين بذل جهودهم لوقف إخراجه، وفي إبراز سيرته - صلى الله عليه وسلم -، وسيرة أصحابه - رضي الله عنهم - بالطرق التي درج عليها المسلمون من عهده - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ما يكفي، ويشفي، ويغني عن إخراج هذا الفيلم.
وأسأل اللَّه - عز وجل - أن يوفق المسلمين جميعاً، وحكوماتهم لكل ما فيه صلاح المسلمين في العاجل والآجل, ولكل ما فيه تعظيم نبيهم - صلى الله عليه وسلم - التعظيم الشرعي اللائق به، وبأصحابه الكرام, والحذر من كل ما يفضي إلى التنقص لهم، أو السخرية منهم، أو يعرّضهم لذلك, إنه جواد كريم، وصلى اللَّه وسلم على عبده، ورسوله، نبينا محمد وآله وصحبه([247]).
7- فتوى الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين / عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة:
حكم مشاهدة تمثيليات الصحابة - رضي الله عنهم -
إن ممَّا عمَّت به البلوى هذا التلفاز الذي لا يكاد يخلو منه بيت في برٍّ، أو بحرٍ، مع العلم أنه يعرض فيه ما يلي:
1- الغناء بميوعته، والموسيقى بمختلف آلاتها.
2- المسلسلات البوليسية الإجرامية.
3- الروايات الخرافية، والخيالية.
4- التمثيل المختلط بين الجنسين.
5- تشويه تاريخ الإسلام والمسلمين، والصالحين حيث تمثل نساؤهم معهم سافرات، وهذا يشاهد في المسرحيات التاريخية.
6- يُعرض في بعض التمثيليات خيانات زوجية، والعياذ باللَّه.
7- ظهور المرأة فيه سافرة، أو متبرجة، أو مغنية، أو ممثلة، أو غير ذلك.
8- وفي وسط ما سبق، أو قبله، أو بعده يُتلى القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، والتوجيهات الدينية.
9- تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم -:
وإذا عُلم أن إذاعة القرآن الكريم تُقدِّم برامج دينية تفوق ما يُعرض في التلفاز، حتى الأخبار المحلية والعالمية، فإذا علمنا ذلك، فهل يجوز إدخاله حتى تصلَ إليه أيدي ضعفاء الإدراك من النساء والأطفال، فينظرون إلى ما فيه، فيختلط عليهم الحق بالباطل.
وهل يجوزُ النظرُ إلى المرأة فيه؟ وإلى المردان؟ والذين يظهرون بشكل يتنافى مع الرجولة في بعض الأحيان.
وماذا يجبُ على من أصرّ على إدخاله، أو قال لا أستطيع إخراجه؟.
وهل يجوز إدخاله لمن يقول: إنه يصعب عليه قفله أمام الغناء، والموسيقى التي تكتنف برامجه، ونحو ذلك، وهل برامجه السابقة تتفق مع الشريعة الإسلامية؟.
وهل يجوز للرجال والنساء عامة النظر إلى البرامج السابقة ونحوها؟ وفقكم اللَّه للجواب الصحيح الشافي.
ج- لا شك أن الفقرات التي صدرتم بها كلامكم عن التليفزيون، فقراتٌ مُحرَّمةٌ، لا يتريَّب في تحريمها من عرف مصادر الشريعة الإسلامية، ومواردها؛ لِما تتضمَّنه من المفاسد الدينية، والأخلاقية، والأمنية، والاجتماعية، فنسأل اللَّه تعالى أن يوفق القائمين عليه لاجتنابها، والبعد عنها، حتى يحصل الخير والفلاح، والبعد عن أسباب الشر والفتنة.
كما أن إحاطة القرآن، والبرامج الدينية بمثل هذه الأمور، جمْعٌ بين الضِّدَّيْن، ولاشك أن اقتناءه لمن يستعمله فيما ذكر محرَّمٌ؛ لأن مشاهدة الحرام حرام، وعلى هذا فمن اقتناه، وهو يعلم، أو يغلب على ظنه، أنه لا يتمكن من اجتناب البرامج المذكورة، فقد أصرَّ على محرم ،وكذلك من اقتناه لأهله وأولاده الذين لا يتحاشون من ذلك، وإن كان هو لا يُشاهده؛ فإنه قد اقترف إثماً؛ لكونه أعان على محرم، وهو من سوء التربية التي سيُحاسبُ عليها المرء يوم القيامة.
وأما مشاهدة التليفزيون بدون اقتناء؛ فإنها على ثلاثة أقسام:
1- مشاهدة ما فيه منفعة دينية أو دنيوية، فهذا لا بأس بها إلا أن يتوصَّل بها المشاهد إلى شيء محرَّم، مثل أن تتمتع المرأة بالنظر إلى مُقدِّم البرامج، فيكون بذلك فتنة.
2- مشاهدة ما فيه مضرة في الدين، فهذا حرام؛ لأن الواجب على المؤمن أن يحمي دينه عما يضرُّه.
3- مشاهدة ما لا ينفع، ولا ضرر، فهذه من اللغو الذي لا يليق بالمؤمن الحازم أن يضيع وقته بمثلها.
واللَّه أسأل أن يُصلح أمر المسلمين، ويقيهم السوء في الدنيا والآخرة»([248]).
8- بيان العلامة بكر بن عبد اللَّه أبو زيد عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، وعضو هيئة كبار العلماء.
إجماع العلماء على تحريم تمثيل الأنبياء والخلفاء الراشدين
«أجمع القائلون بالجواز [التمثيل] المقيَّد، على تحريمه في حق أنبياء اللَّه ورسله - عليهم والصلاة والسلام -، وعلى تحريمه في حقِّ أمَّهات المؤمنين زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وولده - عليهم السلام -، وفي حق الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -.
فنسألُ المُجيزَ مُقيِّداً، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قال: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه)، وهو الذي حرم - صلى الله عليه وسلم - المحاكاة، وحرّم الكذب، فلماذا نُهدرُ هذه الحُرُمات في حق بقية سلف هذه الأمة، وصالحها، وفيهم العَشَرة المبشَّرون بالجنة، وأعمام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولحمة قريش، وسداها ممن أسلموا، هم عشيرته، وقراباته - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى بعترته أهل بيته، وهكذا في كوكبة الصحابة - رضي الله عنهم -ـ والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أقول:
اللَّهمَّ إني أبرأ إليك من إهدار حُرُمات المسلمين، أو النيل منهم»([249]) .
9- فتوى العلامة صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
لا يجوز تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم - بالإجماع
«أحسن اللَّه إليكم، يقول السائلُ: هل يجوزُ تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم -؟ أو الصحابي عمر - رضي الله عنه - في مسلسلات تاريخية؟.
الجواب:
هذا لا يجوز بالإجماع، أجمعَ العلماءُ لمعاصرون على تحريم ذلك، وصدَرَت فيه قرارات، قرارات هيئة كبار العلماء، والمجامع الفقهية بتحريم تمثيل الصحابة - رضي الله عنهم -، ورابطة العالم الإسلامي، أجمعوا على هذا، نعم.
لكن هؤلاء يُدوِّرون دراهم، يحطُّون هذه المسلسلات، ويذيعونها، يبون دراهم، ولا عليهم من حلالٍ ولاحرام»([250]).
وصلَّى اللَّه، وسلّم، وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 20/11/ 1433هـ.
& & &
9- من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - وآياته التي تدل على أنه رسول اللَّه حقاً
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإن ما حصل من بعض الخوارج الذين يطلق عليهم الدواعش في هذ الزمن، من قتلهم لإخوانهم، وآبائهم، وأعمامهم، وأبناء أعمامهم، وأبناء أخوالهم، وأقربائهم، من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - التي تدل على أنه رسول اللَّه حقاً؛ لأنه أخبر بأمور غيبية، أوحى اللَّه إليه بها، فوقعت كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقد أخبر - صلى الله عليه وسلم -: أن الرجل يقتل جاره، وأخاه، وأباه، وابن عمه، وذا قرابته، فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتُلَ الرَّجُلُ جَارَه، وأخاه، وأباه»([251])، فوقع ذلك كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فدل ذلك على أنه رسول اللَّه حقاً، وأخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن هؤلاء الخوارج حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، وأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، فوقع ذلك كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -.
وعن أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - أيضاً قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجًا» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، الْقَتْلُ» فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِن الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ» فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ»، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: وَايْمُ اللَّهِ، إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ، إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ منها كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا([252]).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أيضاً: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ»، قُلْنَا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ، وَأَبَاهُ»، قال : فرأينا من قتل أباه زمان الأزارقة([253])([254]).
وهذه الأحاديث، والأحاديث الآتية، تدل على أمور منها:
الأمر الأول: صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول اللَّه حقاً؛ لأنه أخبر بهذه الأمور الغيبية، من قتل بعض هؤلاء الخوارج لآبائهم، وإخوانهم، وأعمامهم، وأبناء أعمامهم، وجيرانهم، وذوي قرابتهم، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنهم سفهاء الأحلام، أي: صغار العقول، حدثاء الأسنان، أي: صغار الأسنان، وأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، فوقع جميع هذه الأمور كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فدل ذلك كله على أن اللَّه أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنه رسول اللَّه بلا شك ولا ريب.
الأمر الثاني: فساد مذهب الخوارج، واستحقاق من عمل هذه الأعمال لسخط اللَّه تعالى وغضبه، ولعنته، والعياذ باللَّه تعالى.
فيا ويح هؤلاء الخوارج، ويا ويلهم من قول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([255])، ومن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ([256]).
الأمر الثالث: قطيعتهم لأرحامهم، ومعصيتهم ربهم - عز وجل -؛ لقوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾ ([257])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ»([258])، وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ([259]) مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ»([260])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ»([261]) يعني: قاطع رحم([262])، ولفظ أبي داود في سننه: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»([263])، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْثَ»([264])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّه - عز وجل - إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ([265])، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ على الْخَمْر، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى»([266])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّه تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» ([267]).
الأمر الرابع: أن من قتل أباه، أو أخاه، أو جاره، أو ابن عمه، أو ذا قرابته لا عقل له، بل ينزع عقله، ويكون كالغبار، ويكون من أراذل الناس، والعياذ باللَّه تعالى، وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام السندي :([268]) في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي سبق ذكره «تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ»، وهذا من الفتن التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»([269]). قال الإمام النووي :: «مَعْنَى الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا، وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَرَاكِمَةِ كَتَرَاكُمِ ظَلَامِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لَا الْمُقْمِرِ، وَوَصَفَ - صلى الله عليه وسلم - نَوْعًا مِنْ شَدَائِدِ تِلْكَ الْفِتَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِي مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا، أَوْ عَكْسُهُ، شَكَّ الرَّاوِي، وَهَذَا لِعِظَمِ الْفِتَنِ، يَنْقَلِبُ الْإِنْسَانُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ هَذَا الِانْقِلَابَ. وَاللَّه أَعْلَمُ»([270]).
ومن أعظم الفتن التي فرقت بين المسلمين، وشوهت صورة الإسلام، ما يعمله الخوارج، الذين يقال لهم (الدواعش) في هذا الزمان، فقد شوَّهوا الإسلام، وقد أخبرنا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم سفهاء الأحلام، أحداث الأسنان، فعن علي - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([271])، قال الإمام النووي :: «قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ: مَعْنَاهُ: صِغَارُ الْأَسْنَانِ، صِغَارُ الْعُقُولِ»([272]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ...»([273]) الحديث.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ». فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّه إِذَا عَصَيْتُ؟ [وفي لفظ لمسلم: «فمن يطع اللَّه إن عصيته»] أَيَأْمَنُنِي اللَّه عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([274]).
قال الإمام النووي : في معنى قوله: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ: أَيْ: قَتْلًا عَامًّا، مُسْتَأْصِلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية﴾ ([275]).
فينبغي لكل مسلم أن يخاف على نفسه من هذه الفتن، ويجب عليه أن يبتعد عنها، ولا يقرب من أهلها، فقد بيَّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -: كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً، أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ»([276])، وأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نستعيذ باللَّه من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، كما في حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «تَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»([277]).
ويجب على المسلم أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يخاف على نفسه، وهو رسول اللَّه حقاً، فيقول كما في حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّه يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» ([278])، ومن حديث عَبْدَ اللَّه بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ب، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»([279]).
فأرجو ممن اطلع على هذه الأحاديث أن يعمل بها، ويتأملها، ويتدبر معانيها.
واللَّه أسأل أن يعيذنا جميعاً من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، ومن شرور أنفسنا، ومن نزغات الشيطان، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومن عبث العابثين، ومن كل سوء، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، ويصرف عنهم كل شر، وأن يصلح بطانتهم، وأن يعينهم لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأحد 11/ 6/ 1437هـ.
& & &
10-نبذة من فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
الحمد للَّهِ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فإن أصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - هم أفضل البشر، - صلى الله عليه وسلم - بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد اختارهم اللَّه - عز وجل - لصحبة نبيه، ونصرته، ومدحهم، وأثنى عليهم I في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، ومدحهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، واثنى عليهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك الآيات والأحاديث الآتية:
1- قال اللَّه - عز وجل - في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّه وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾([280]).
وقد ثبت في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ: ﴿للَّه مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟، بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه فِي إِثْرِهَا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّه وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّه تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّه - عز وجل -: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾، قَالَ: «نَعَمْ»، ﴿وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، قَالَ: «نَعَمْ»([281]).
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ ب، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا»، قَالَ: فَأَلْقَى اللَّه الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ ﴿وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ»([282]).
2- وقال اللَّه I في مدح المهاجرين والأنصار: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّه وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾([283])، والمعنى أن اللَّه - عز وجل - مدح المهاجرين والأنصار أصحاب النبي محمد بن عبد اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وأثنى عليهم بالإيمان، وبيَّن ثوابهم؛ لأنهم صدَّقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة؛ بعضهم لبعض، وجهادهم لأعداء اللَّه ورسوله، من الكفار والمنافقين ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ﴾([284]).
3- وقال - عز وجل -: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّه وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾([285])، «يخبر تعالى عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجلّ الأحوال، وأنهم ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾، أي: جادُّون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذلّ أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، ﴿رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾، أي: متحابُّون، متراحمون، متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق؛ فإنك ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا﴾، أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود، ﴿يَبْتَغُونَ﴾ بتلك العبادة ﴿فَضْلا مِنَ اللَّه وَرِضْوَانًا﴾، أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه، ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾، أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم، ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾، أي: هذا وصفهم الذي وصفهم اللَّه به، مذكور بالتوراة هكذا، وأمّا مثلهم في الإنجيل؛ فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم ﴿كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ﴾، أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء، ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ ذلك الزرع، أي: قوي وغلظ ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ﴾ جمع ساق، ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة - رضي الله عنهم -، هم كالزرع في نفعهم للخلق، واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم، وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع، وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق، ووازره، وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين اللَّه والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم، وهم في معارك النزال، ومعامع القتال، ﴿وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ فالصحابة - رضي الله عنهم -، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع اللَّه لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة»([286]).
4- وقال I: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([287]). ذكر اللَّه - عز وجل - أموال الفيء، وحدد أصحابها «ثم ذكر تعالى الحكمة، والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له، وأنهم حقيقون بالإعانة، مستحقون لأن تجعل لهم، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار، والأوطان، والأحباب، والخلان، والأموال، رغبة في اللَّه، ونصرة لدين اللَّه، ومحبة لرسول اللَّه، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، والعبادات الشاقة، بخلاف من ادّعى الإيمان، وهو لم يصدقه بالجهاد، والهجرة وغيرهما من العبادات، وبين أنصار، وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا باللَّه ورسوله؛ طوعاً، ومحبة، واختياراً، وآووا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوؤوا دار الهجرة والإيمان، حتى صارت موئلاً، ومرجعاً يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب، وشرك، وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام، وقوي، وجعل يزيد شيئاً شيئاً فشيئاً، وينمو قليلاً قليلاً، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان، والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان، الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾؛ وهذا لمحبتهم للَّه، ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه، ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا﴾، أي: لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم اللَّه من فضله، وخصَّهم به من الفضائل، والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغلِّ، والحقد، والحسد عنها، ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن اللَّه قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، فدل على أن اللَّه تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة، وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميّزوا بها على من سواهم: الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحابّ النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة للَّه تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه، وطعام أهله وأولاده، وباتوا جياعاً، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل، والشح، ومن رزق الإيثار فقد وُقي شح نفسه ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ووقاية شحّ النفس، يشمل وقايتها الشحّ، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وُقي العبد شحّ نفسه، سمحت نفسه بأوامر اللَّه ورسوله، ففعلها طائعاً منقاداً، منشرحاً بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى اللَّه عنه، وإن كان محبوباً للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل اللَّه، وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شحّ نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر، ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق، والفضائل، والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين»([288]).
5- وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للَّه وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّه وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّه وَاللَّه ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾([289])، لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من (أحد) إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان، ومن معه من المشركين، قد همّوا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة للَّه ولرسوله، وطاعة للَّه ولرسوله، فوصلوا إلى (حمراء الأسد)، وجاءهم من جاءهم، وقال لهم: ﴿إن الناس قد جمعوا لكم﴾، وهمّوا باستئصالكم، تخويفاً لهم وترهيباً، فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً باللَّه، واتكالاً عليه، ﴿وقالوا حسبنا اللَّه﴾ أي: كافينا كل ما أهمّنا ﴿ونعم الوكيل﴾ المفوّض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم، ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّه وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّه وَاللَّه ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿فانقلبوا﴾ أي: رجعوا ﴿بنعمة من اللَّه وفضل لم يمسسهم سوء﴾، وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم، وندم من تخلّف منهم، فألقى اللَّه الرعب في قلوبهم، واستمروا راجعين إلى مكة، ورجع المؤمنون بنعمة من اللَّه وفضل، حيث مَنَّ عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة، والاتكال على ربهم، ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم، وتقواهم عن معصيته، لهم أجر عظيم، وهذا فضل اللَّه عليهم»([290]).
6- وقال - عز وجل -: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([291])، «السابقون هم الذين سبقوا هذة الأمة، وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللَّه ﴿مِنَ الْمُهَاجِرِينَ﴾، ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾([292])، ﴿و﴾ من ﴿الأنْصَارِ﴾ ﴿الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾، ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾([293])، ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ بالاعتقادات، والأقوال، والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذمّ، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللَّه، ﴿رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ﴾، ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، ﴿وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ﴾ الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ لا يبغون عنها حولاً، ولا يطلبون منها بدلاً؛ لأنهم مهما تمنّوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذّةٍ للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور»([294]).
7- وقال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّه عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾([295])، «يخبر تعالى بفضله ورحمته، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلك المبايعة التي بيّضت وجوههم، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها (بيعة الرضوان) لرضا اللَّه عن المؤمنين فيها، ويقال لها (بيعة أهل الشجرة) - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لمّا دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد، وإنما جاء زائراً هذا البيت، معظماً له، فبعث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق، أن عثمان قتله المشركون، فجمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من معه من المؤمنين، وكانوا نحواً من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفرّوا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال، التي هي من أكبر الطاعات، وأجل القربات، ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ من الإيمان، ﴿فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ﴾ شكراً لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدى، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم، ﴿وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾وهو: فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية، فاختصّوا بخيبر وغنائمها، جزاءً لهم، وشكراً على ما فعلوه من طاعة اللَّه تعالى، والقيام بمرضاته»([296]).
8- وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾([297]). فقد تقرر أن من اتبع غير سبيلهم ولاَّه اللَّه ما تولَّى وأصلاه جهنم([298]).
9- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه»([299]).
10- وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»([300]).
11- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي»([301]).
12- وعن عمرو بن العاص بأنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: «عائشة»، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «ثم عمر بن الخطاب»، فعدّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم([302]).
13- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ، وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ»([303]).
14- وعن عبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنه - أنّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»([304]).
15- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمر - رضي الله عنه - أيضاً: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([305]).
16- وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن عبد اللَّه رجل صالح»([306])، يعني عبد اللَّه بن عمر ب.
17- وعَنْ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»([307]).
18- وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم من بعد ذلك تسبق أيمانهم شهاداتهم، وشهاداتهم أيمانهم»([308]).
فهؤلاء الصحابة وغيرهم من أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الذين مدحهم اللَّه في كتابه، ومدحهم ودعا لهم بالمغفرة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الناطق بالوحي، واحداً واحداً، وجماعةً جماعةً، ويمدحهم ويُثني عليهم كل من سلك مسلكه، واتبع سبيله من المؤمنين غير المنافقين من أتباع اليهود، والمجوس، والرافضة الذين أكلت قلوبهم البغضاء والشحناء، والحسد عليهم لأعمالهم الجبَّارة في سبيل اللَّه، وفي سبيل نشر هذا الدين الميمون المبارك، وكان هذا هو السبب الحقيقي لحنق الكفرة على هؤلاء المجاهدين، العاملين بالكتاب والسنة، وخاصة على أبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم - ، الذين قادوا جيوش الظفر، وجهزوا عساكر النصر، وكان سبب احتراق اليهود على المسلمين خاصة أنهم هدموا أساسهم وقطعوا جذورهم، واستأصلوهم استئصالاً، تحت راية النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين كان أسلافهم من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، يقطنون المدينة، ومن بعد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في زمن عمر الفاروق - رضي الله عنه -؛ حيث نفَّذ فيهم وصية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»([309])، وطهَّر جزيرة العرب من نجاستهم ودسائسهم، ولم يترك أحداً من اليهود في الجزيرة طبقاً لأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -([310]).
وقد أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم باقي أهل البيعة [بيعة الرضوان في الحديبية تحت الشجرة]، ثم باقي الصحابة، هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي([311]).
«وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ، وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّه بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَاغِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([312])، وَطَاعَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي قَوْلِهِ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ»([313]).
وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَالسَّنَّةُ، وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ، وَمَرَاتِبِهِمْ، وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ - وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ - وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ، وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ، وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّه قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ - وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَر-: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُم. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([314])، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللَّه عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَلْفاً وَخَمْسَماِئَة؛ لحديث: سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: «لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ»([315])، وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ.
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ - رضي الله عنهم -؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانُ فِي الْبَيْعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ب- بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ: وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.
لَكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ - مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - لَيْسَتْ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
لَكِنِ المسألة الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلاَفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ.
وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّه فِي أَهْلِ بَيْتِي»([316]). وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّه - وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ - فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للَّه وَلِقَرَابَتِي»([317])، وَقَالَ: «إِنَّ اللَّه اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»([318]).
وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ: خُصُوصًا خَدِيجَةَ ب أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمْرِه، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.
وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ ب، الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»([319]).
وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ، وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ، وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.
وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ - إِنْ صَدَرَ -، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ([320])، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ([321]). ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا، كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللَّه عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ، وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ([322]).
واللَّه أسأل أن يحشرنا، ووالدينا، ومشايخنا، وأزواجنا، وذرياتنا في زمرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه السابقين من المهاجرين، والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان.
وصلّى اللَّه وسلّم على نبيّنا محمّد بن عبد اللَّه، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 17/ 11/ 1433هـ
& & &
11-نبذة من سيرة أبي بكر- رضي الله عنه -
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -([323])؛ خليفة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو أول الخلفاء، وأفضلهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([324])، وهو الذي أثنى عليه اللَّه تعالى بقوله: ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّه مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾([325])، وقد قال أبو بكر - رضي الله عنه - عندما كان مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الغار، قال: «يا نبي اللَّه، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّه ثَالِثُهُمَا؟»([326])، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([327]).
ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:
أولاً: ولادته، وأعماله، ووفاته - رضي الله عنه -:
ولد أبو بكر - رضي الله عنه - بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين و أشهر؛ فإنه مات و له ثلاثة وستون سنة([328])، وهو أول من أسلم من الرجال([329])، صحب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه حضراً ولا سفراً، إلا فيما أَذِنَ له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الخروج فيه، من: حجٍ، أو غزوٍ، و شهد معه الغزوات كلها، وجميع المشاهد، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده، رغبة في اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -([330])، وهو أفضل أصهار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، حيث زوجه عائشة ل أحب النساء لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقد وقع في خلافته الأمور العظيمة: من تنفيذ جيش أسامة، وقتال أهل الردة، وما نعي الزكاة، وقتال مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة حتى قتل، وانهزم أصحابه، وهو أول من شهد له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالجنة من العشرة المشهود لهم الجنة، وجمع القرآن - رضي الله عنه - ، وأول من سمَّاه مصحفاً، وأول من سُمِّي خليفة([331])، وهو أعلم الصحابة، وأفقههم، وقد توفي- رضي الله عنه - في سنة ثلاث عشرة، في شهر جمادى الآخرة للهجرة، في يوم الثلاثاء، وله ثلاث وستون سنة، وعلى رأس سنتين وثلاثة أشهر، واثني عشر يوماً من مُتوفَّى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -([332]).
ثانياً: دفاعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والقيام بنصرته:
عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: قلت لعبد اللَّهبن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: بينما رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي مُعيط، فأخذ بمنكب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّه وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾([333]).
وهو أشجع الصحابة - رضي الله عنه - فقد رُوي عن علي - رضي الله عنه - أنه خطب، فقال: أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ [أي بعد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشجع الناس]، قالوا: أنت يا أمير المؤمنين! قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس! قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر. إنه لما كان يوم بدر، جعلنا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عريشاً، فقلنا: من يكون مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لئلا يهوي عليه أحد من المشركين، فواللَّه ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، شاهراً بالسيف على رأس رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.
قال علي - رضي الله عنه -: ولقد رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأخذته قريش، فهذا يحاده، وهذا يتلتله([334])، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً، فواللَّه ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويُجاهد هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم، ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّه﴾، ثم رفع عليٌّ بردةً كانت عليه، ثم بكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال علي: أنشدكم اللَّه، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم. ثم قال: ألا تجيبوني؟ فواللَّه لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه([335]).
ثالثاً: تصديقه للنبي - صلى الله عليه وسلم - والحرص على حمايته:
عن جابر بن عبد اللَّه أنه سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لما كذبني قريش قمت في الحجر، فجلَّى اللَّه لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه»[336]).
وقد افتتن ناس كثير عقب الإسراء، فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له قصة الإسراء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس، فقال أبو بكر: أشهد أنه صادق، فقالوا: وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، فسُمّي بذلك الصديق([337]).
وقد كان - رضي الله عنه - يحرص على حماية النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد الحرص، فقد ذكر رجال على عهد عمر - رضي الله عنه - فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر، فقال: واللَّه لليلة من عمري من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشى ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة خلفي، وساعة بين يدي؟» فقال: يا رسول اللَّه، أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فقال: «يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟» قال: نعم، والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول اللَّه حتى أستبرئ لك الغار، فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرئ الجحرة([338])، فقال: مكانك يا رسول اللَّه حتى أستبرئ، فدخل فاستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول اللَّه، فنزل. ثم قال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر([339]).
وعندما دخل أبو بكر الغار مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صار يخاف عليه من قريش حينما رآهم، فقال – رضي اللَّه عنه وأرضاه –: يا رسول اللَّه، لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما، لا تحزن فإن اللَّه معنا»([340]).
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخُوّةُ الإسلام ومودَّته»([341]).
وقال: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ اللَّه - عز وجل - صاحبكم خليلاً»([342]).
رابعاً: إنفاقه ماله في سبيل اللَّه تعالى:
عندما أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - كان من أثرى أثرياء قريش، فكانت عنده أموال كثيرة، وقد كان في منزله يوم أسلم أربعون ألف درهم أو دينار، فاستخدم أمواله كلها في طاعة اللَّه، ومن ذلك ما يأتي:
1- إنفاق المال في إعتاق الرّقاب:
أعتق - رضي الله عنه - رقاباً كثيرة، حُفِظَ منهم سبع رقاب: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والهندية وبنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس، رضي اللَّه عن الجميع.
وقد كانت هذه الرقاب يُعذّب معظمها على إسلامها، فأنقذها اللَّه بأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأخذ - رضي الله عنه - ينفق أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين([343]).
2- أخذه جميع ماله يوم الهجرة لإنفاقه على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:
حمل الباقي من ماله عندما هاجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يبق لأهله شيئاً، فعن أسماء بنت أبي بكر ب قالت: «لما خرج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر معه ماله كله، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: واللَّه إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً فجعلتها في كوة([344]) في البيت – كان أبي يجعل فيها ماله – ثم جعلت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك يا أبت على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: ولا واللَّه ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك»([345]).
3- تصدُّقه بماله كله في غزوة تبوك:
وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر - رضي الله عنه - بكل ما عنده، فقال له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله، قلت: واللَّه لا أسبقه إلى شيء أبداً»([346]).
وأبو بكر - رضي الله عنه - أولى الأمة بقوله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾([347]).
خامساً: موقف أبي بكر عقب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ([348]):
أُصيب المسلمون يوم وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمصيبة عظيمة، وهزّة عنيفة، أفقدت الكثير منهم صوابهم، حتى إن عمر أنكر موت النبي - صلى الله عليه وسلم - وخرج إلى الناس وخطبهم، وقال: «واللَّه ما مات رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وليبعثنه اللَّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم».
وأقبل أبو بكر - رضي الله عنه - على فرس من مسكنه بالسُّنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة ل فتيمم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبتْ لك فقد متها([349])، ثم خرج أبو بكر – وعمر يُكلم الناس – فقال: أيها الحالف على رسْلِك، وقال: اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر - رضي الله عنه - فحمد اللَّه أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً - صلى الله عليه وسلم - فإن محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد مات، ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، قال اللَّه– تعالى –: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ ([350]). وقال: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ﴾ ([351]).
فواللَّه لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن اللَّه أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر - رضي الله عنه - وقال عمر: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات.
وقال الراوي: فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون»([352]).
إن المصيبة عظيمة، والأمر كبير، والحادث جليل، والخلاف واقع؛ ولكن أبا بكر – - رضي الله عنه - بفضل اللَّه تعالى – حل الخلاف، وألف بين القلوب وثبّتها، ولا يقدر على هذا إلا من أوتي قلباً ثابتاً، وشجاعة فائقةً، وعقلاً راجحاً، وحكمة بالغةً، - رضي الله عنه - وأرضاه.
وفي اليوم الثاني – يوم الثلاثاء – خطب أبو بكر الناس، وبين لهم ما عليهم، وما لهم، فقام – - رضي الله عنه - وأرضاه – فحمد اللَّه وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أريح عليه([353]) حقه إن شاء اللَّه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء اللَّه، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللَّه إلا ضربهم اللَّه بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم اللَّه بالبلاء، أطيعوني ما أطعت اللَّه ورسوله فيكم، فإذا عصيت اللَّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم اللَّه([354]).
وقوله - رضي الله عنه -: ولِّيت عليكم ولست بخيركم: من باب التواضع، وإلا فإن الصحابة كلهم مُجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم، رضي اللَّه عنهم أجمعين([355]).
سادساً: موقفه - رضي الله عنه - في إنفاذ جيش أسامة بن زيد ب:
ظهرت حكمة الصديق - رضي الله عنه - أثناء تنفيذ جيش أسامة بن زيد ب من عدة وجوه:
1- تنفيذ بعث أسامة - رضي الله عنه - على الرغم من شدة الأحوال ومعارضة بعض الصحابة، وذلك امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد ب في مرضه الذي توفي فيه([356])، وندب الناس إلى غزو الروم، وكان تجهيز جيش أسامة قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيومين، وكان ذلك يوم السبت، وقد كان ابتداء ذلك قبل مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم اشتد به مرضه، فأمر بإنفاذ جيش أسامة، وتوفي - صلى الله عليه وسلم - فعَظُم الخطب، واشتد الحال، وظهر النفاق بالمدينة، وارتدت أحياء من العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من دفع الزكاة، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق؛ وثبتت ثقيف بالطائف على الإسلام لم يرتدوا.
وعندما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على أبي بكر الصديق ألا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأن ما جُهِّز بسببه في حال السلامة.
وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال كلمته العظيمة: واللَّه لا أحل عقدة عقدها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين، لأجهزنَّ جيش أسامة، وأمر الحرس أن يكونوا حول المدينة.
2- ثم إن بعض الناس أشار على أبي بكر أن يولي الجيش رجلاً أقدم سنًّا من أسامة؛ فغضب - رضي الله عنه - لذلك، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أَمَّر أسامة على الجيش، فلا يريد - رضي الله عنه - أن يغير شيئاً فعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
3- وخرج أبو بكر - رضي الله عنه - يشيع الجيش ويودع أسامة وجيشه، وأبو بكر يسير على قدميه، وأسامة راكباً، فقال له أسامة: يا خليفة رسول اللَّه، إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: واللَّه لستُ براكب ولستَ بنازل، وما عليَّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل اللَّه.
4- واستأذن أبو بكر - رضي الله عنه - من أسامة لعمر بن الخطاب، وقد كان عمر من ضمن الجنود في جيش أسامة، فأذِنَ أسامة لعمر بن الخطاب – رضي اللَّه عن الجميع وأرضاهم.
فكان خروج أسامة إلى الروم بأرض الشام في ذلك الوقت من أكبر المصالح، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أُرعبوا منهم وأخذهم الخوف والفزع، وقالوا: ما خرج هؤلاء القوم إلا وبهم منعة شديدة، وسنتركهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم، وبقوا أربعين يوماً – وقيل سبعين يوماً – ثم أتوا سالمين غانمين، وعندما رجعوا جهزهم أبو بكر مع الجيش لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة([357]).
اللَّه أكبر ما أعظم هذا الموقف، وما أحكمه! فقد ظهرت حكمته وشجاعته وطاعته لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وهي سبب النصر والفلاح، وبتنفيذ هذا الجيش أدخل اللَّه الرعب في قلوب المرتدين، واليهود، والنصارى، وهذا كله بفضل اللَّه، ثم بامتثال أمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بإنفاذ جيش أسامة بن زيد ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ([358]).
وهذا مما يؤكد على كل مسلم أن يعتني بأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ويبتعد عن نهيه، وذلك كله هو مدار السعادة والفلاح، والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة. سابعاً: موقف أبي بكر - رضي الله عنه - مع أهل الردة ومانعي الزكاة:
عندما توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ارتدت أحياء كثيرة من العرب، وظهر النفاق، وقد كان أهل الردة على قسمين:
القسم الأول: ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة، وهذه الفرقة طائفتان:
مُدّعو النبوة كمسيلمة الكذاب، وأتباعهم.
والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين، وتركوا الصلاة والزكاة، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية.
القسم الثاني: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها.
وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلاف، فثبت أبو بكر - رضي الله عنه - ثم وافقه جميع الصحابة على قتال جميع المرتدين ومانعي الزكاة([359]).
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: لما توفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فمن قال: لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه»؟! فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عِقالاً([360]) كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه - عز وجل - قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق([361]).
وفي رواية: أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: «واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها...»([362]).
وفي هذا الموقف الحكيم لأبي بكر أدلّ دليل على شجاعته - رضي الله عنه - وتقدّمه في الشجاعة والعلم على غيره، فإنه ثبت للقتال في هذا الموطن العظيم الذي هو أكبر نعمة أنعم اللَّه– تعالى – بها على المسلمين بعد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، واستنبط - رضي الله عنه - من العلم بحكمته، ودقيق نظره، ورصانة فكره، ما لم يُشاركه في الابتداء به غيره، فلهذا وغيره مما أكرمه اللَّه به، أجمع أهل العلم بالحق على أنه أفضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ([363]).
فرضي اللَّه عن أبي بكر وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء؛ فإنه قد قام بما يجب عليه نحوها، من ترسيخ معاني الإسلام في قلوب ونفوس وحياة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأمرها بالثبات على دين اللَّه الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا نقص، وطبق ذلك تطبيقاً عمليّا على نفسه، وعلى جميع من بايعه، وقاتل من أنكر شيئاً من ذلك، فقد أعز اللَّه به الإسلام والمسلمين، وخذل به أعداء اللَّه وأعداء الدين، ولهذا لم ينقص الدين في حياته كما قال - رضي الله عنه - لعمر بن الخطاب حينما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة: إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين، أفينقص وأنا حيّ؟ واللَّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إلا بحقها»، ومن حقها: إيتاء الزكاة، واللَّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي»([364]).
وصدق - رضي الله عنه -، فقد حفظ اللَّه به الدين، ولم ينقص وهو حي، ولهذا كانت خلافته مليئة بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السنوات الطوال لإنجازها على الرغم من قصر مدة خلافته - رضي الله عنه -، فهي لم تزد على سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وهذا يدل على حكمة أبي بكر العظيمة ووعيه التام بالإسلام، وعزيمته الثابتة الراسخة كالجبال الرواسي، وإيمانه الذي لو وُزِنَ وإيمان الأمة كلها([365]) لرجح إيمان أبي بكر بإيمان أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا يُعدّ - رضي الله عنه - هو الذي أرسى الدعائم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأثبت المفاهيم، فرضي اللَّه عنه وأرضاه، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 7/11/ 1433هـ.
& & &
12-نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -([366])؛ خليفة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الثاني، بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبعد أبي بكر - رضي الله عنه -، فهو ثاني الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([367])، وهو الذي أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([368])، وبشره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصر في الجنة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا ، أَوْ قَصْرًا ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ : أَيْ رَسُولَ اللَّه أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ؟»، وفي لفظ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَبَكَى عُمَرُ»([369])، وهو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»([370])،وهو الفاروق فرق اللَّه به بين الحق والباطل»([371])، وهو من المحدَّثين؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ»([372])، ولفظ مسلم: «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ»([373]).ومن سبَّه، أو انتقص من حقه،فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([374]).
ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:
أولاً: ولادته، وأعماله، ووفاته:
ولد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة([375])، وأسلم بعد رجال سبقوه في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة، وقيل: ست وعشرون سنة، أسلم - رضي الله عنه - بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة([376]).
فهو أحد السابقين الأولين، وكان إسلامه عزاً ظهر به الإسلام، ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، حيث زوّج رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ابنته حفصة بنت عمر، وهو أحد كبار علماء الصحابة، وزهادهم([377]).
وقد اتفق العلماء على أن عمر شهد بدراً، وأحداً، وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يغب عن غزوة غزاها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عنه راضٍ، وولي الخلافة بِعَهْدٍ من أبي بكر، وبويع له بها يوم مات أبو بكر - رضي الله عنه - باستخلافه له في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقد كثرت الفتوحات الإسلامية في خلافته، فقد فتح اللَّه له الفتوح بالشام، والعراق، ومصر([378])، ففي سنة أربع عشرة للهجرة فتحت: دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة([379])، وهو الذي دوّن الدواوين في العطاء، ورتب الناس فيه على سوابقهم، وكان لا يخاف في اللَّه لومة لائم، وهو الذى نوَّر شهر الصوم بصلاة الإشفاع فيه [التراويح، فجمع الناس على إمام واحد]، وأرخ التاريخ من الهجرة الذى بأيدي الناس إلى اليوم بقصة مشهورة، وهو أوَّل من سُمِّي بأمير المؤمنين، فسار بأحسن سيرة وأنزل نفسه من مال اللَّه بمنزلة رجل من الناس([380])، وهو أول من اتخذ بيت المال، وأوّل من عسَّ بالليل، فطاف يتفقد أحوال الناس، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات، وأول من اتخذ الديوان، وأول من فتح الفتوح، ومسح السواد، وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة، وأول من احتبس صدقة في الإسلام، وأول من أعال الفرائض، وأول من أخذ زكاة الخيل، وأول من قال: أطال اللَّه بقاءك، قاله لعليٍّ، وأول من قال: أيّدك اللَّه، قاله لعليٍّ، وهو أول من اتخذ الدرة، وقد قيل بعده: لَدرّة عمر أهيب من سيفكم، وهو أول من استقضى القضاء في الأمصار، وأول من مصر الأمصار: الكوفة، والبصرة، و الجزيرة، والشام، ومصر، والموصل، ومرّ علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر اللَّه على عمر في قبره، كما نوّر علينا في مساجدنا، واتخذ دار الدقيق، فجعل فيها الدقيق، والسويق، والتمر، والزبيب، وما يحتاج إليه: يعين به المنقطع، ووضع فيما بين مكة والمدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به، وهدم المسجد النبوي، وزاد فيه، ووسعه، وفرشه بالحصباء، وهو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام، وأخرج أهل نجران إلى الكوفة، وهو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت([381])، وفي سنة خمس عشرة للهجرة فتحت الأردن كلها، وفيها كانت وقعة اليرموك لمشهورة، والقادسية، وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز، والمدائن، وفيها كانت وقعة جلولاء، وفيها أقيمت أول جمعة في العراق، وفيها فتحت تكريت، وفيها سار عمر وفتح بيت المقدس، وفيها فتحت حلب، وأنطاكية، وغيرها، وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي، وفي سنة ثمان عشرة فتحت جنديسابور، وحلوان، وفيها فتحت الرها، وسميساط، وحران، ونصيبين، وطائفة من الجزيرة، والموصل ونواحيها، وفي سنة تسع عشرة فتحت قيسارية، وفي سنة عشرين فتحت مصر، وفيها فتحت تستر، وفيها هلك قيصر عظيم الروم، وفيها أجلى عمر اليهود عن خيبر، وعن نجران، وفي سنة إحدى وعشرين فتحت الإسكندرية، ونهاوند، وبرقة، وغيرها، وفي سنة اثنتين وعشرين فتحت أذربيجان، والدِّينَوَرُ، وماسبذان، وهمذان، وطرابلس المغرب، والري، وعسكر، وقومس، وفي سنة ثلاث وعشرين كان فتح كرمان، وسجستان، ومكران من بلاد الجبل، وأصبهان ونواحيها، وغيرها([382])، وفي آخر هذه السنة توفي عمر - رضي الله عنه - شهيداً بعد رجوعه من الحج([383])، قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وهو يصلي بالناس في مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر - رضي الله عنه -، فطعن لثلاث بقين من ذي الحجة، فعاش ثلاثة أيام، ويقال سبعة أيام، وعن معدان بن طلحة قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وخمسة أيام أو تسعة([384]).
ثانياً: موقفه في إظهار الإسلام وهجرته:
عندما أسلم عمر - رضي الله عنه - على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يَعلم قريش بإسلامه، فسأل عن أنقلهم للحديث، لينقل خبر إسلامه إلى قريش، فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فذهب عمر - رضي الله عنه - إلى جميل، وقال له: أعلمت يا جميل أنّي قد أسلمت، ودخلت في دين محمد؟ فقام جميل بن معمر يجر رداءه مُسرعاً حتى قام على باب المسجد، ثم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ، فقال عمر وهو واقف خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فثار عليه قريش من أنديتهم حول الكعبة، وقاتلهم وقاتلوه، واستمر القتال بينهم وبينه في هذا الموقف حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وقد تعب عمر - رضي الله عنه - فقعد وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف باللَّه أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لتركناها لكم، أو لتركتموها لنا، وبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلّة حبرة، وقميص مُوشّح، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عديّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلُّوا عن الرجل! قال عبد اللَّه بن عمر: فواللَّه لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه، قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك، -جزاه اللَّه خيرا؟ - قال: يا بُنيَّ ذلك العاص بن وائل – لا جزاه اللَّه خيراً –([385]).
وبإسلام عمر وإظهاره إسلامه - رضي الله عنه - أعز اللَّه به الإسلام، وفرّق به بين الحق والباطل، فسُمِّي الفاروق - رضي الله عنه - وأظهر الصحابة صلاتهم حول الكعبة، وقريش ينظرون إليهم([386]).
قال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: «مازلنا أعزّة منذ أسلم عمر»([387]).
وقال - رضي الله عنه - أيضاً: «كان إسلام عمر فتحاً، وهجرته نصراً، وإمارته رحمةً، واللَّه ما استطعنا أن نُصلّي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي»([388]).
وقد كان عمر - رضي الله عنه - يتعرّض لرؤوس الكفر، ويعلن أمامهم إسلامه، بل يذهب إلى بيوتهم، ويطرق أبوابهم، ليخبرهم بأنه قد أسلم، لعلّهم يقومون بشيء ضدّه فيُصيبه ما يُصيب إخوانه من المسلمين، ويستطيع في الوقت نفسه أن ينتقم من تلك الرؤوس، ولم يُرد عمر أن يكون هو في نعمة وعافية وراحة، والمسلمون في إيذاء وتعذيب، فعندما أعلن إسلامه، وبدأت قريش تقاتله وثب على عتبة بن ربيعة فبرك عليه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عن عمر، وقام عمر، فجعل أحد لا يدنو منه إلا أخذ شريف من دنا منه، حتى تراجع الناس عنه([389]).
وعندما اشتد أذى المشركين على المسلمين، وأذن لهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالهجرة من مكة إلى المدينة، وابتدأت وفود المسلمين متجهة إلى المدينة وكلها مختفية في هجرتها وانتقالها، إلا هجرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً وأتى الكعبة، وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم أتى حلقهم، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تَثْكَله أمه وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني خلف هذا الوادي، فما تبعه منهم من أحد([390]).
ثالثاً: موقفه الحكيم في تثبيته الناس على بيعة أبي بكر - رضي الله عنه -:
عقب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - «اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب داراً، وأعربهم أحساباً، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس»([391]).
فرضي اللَّه عن عمر وأرضاه، فإنه عندما ارتفعت الأصوات في السقيفة وكثر اللَّغَطُ، وخشي عمر الاختلاف، ومن أخطر الأمور التي خشيها عمر أن يُبْدأ بالبيعة لأحد الأنصار، فتحدث الفتنة العظيمة؛ لأنه ليس من اليسير أن يبايع أحد بعد البدء بالبيعة لأحد الأنصار، فأسرع عمر - رضي الله عنه - إخماداً للفتنة، فقال لأبي بكر: ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، وبايعه المهاجرون، ثم الأنصار([392]).
وعندما كان يوم الثلاثاء جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت، وما وجدتها في كتاب اللَّه، ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولكني قد كنت أرى أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سيدبر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن اللَّه قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن اعتصمتم به هداكم اللَّه لما كان هداه له، وإن اللَّه قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعته العامة بعد بيعة السقيفة([393]).
فكان عمر - رضي الله عنه - يذود ويقوي، ويشجع الناس على بيعة أبي بكر حتى جمعهم اللَّه عليه، وأنقذهم من الاختلاف والفرقة والفتنة.
فهذا الموقف الذي وقفه عمر مع الناس من أجل جمعهم على إمامة أبي بكر، موقف عظيم من أعظم مواقف الحكمة، التي ينبغي أن تسجل بماء الذهب من مواقف عمر الحكيمة.
رابعاً: موقفه الحكيم في إصلاح الأهل قبل الناس:
كان عمر - رضي الله عنه - مع أهله قوياً، فكان إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه صلاحهم ونجاحهم وفلاحهم، بدأ بأهله، وتقدم إليهم بالوعظ لهم، والوعيد على خلافهم أمره، فعن سالم بن عبد اللَّه بن عمر قال: «كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم باللَّه لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة»([394]).
وهذا من أعظم مواقف الحكمة؛ لأن الناس ينظرون إلى الداعية ومدى تطبيقه العملي والقولي لما يدعو إليه، كما ينظرون إلى تطبيقه ذلك على أهله ومن تحت يده.
خامساً: موقفه الحكيم في دعوته بتواضعه للَّه تعالى:
كان عمر - رضي الله عنه - مع قوته في دين اللَّه، وشجاعته، وشدته على أعداء اللَّه، وهيبة الناس له، وفرار الشيطان منه، كان مع ذلك كله متواضعاً، وقَّافاً عند حدود اللَّه، وقد كان يقول: أحبّ الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي([395])، ومن ذلك ما يلي:
1- عندما مر بالجابية على طريق إيلياء وجلس عندهم، قيل له: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فلو لبست شيئاً غير هذا – يعنون قميصه المرقع – وركبت برذوناً([396])، لكان ذلك أعظم في أعين الروم، فقال: نحن قوم أعزنا اللَّه بالإسلام، فلا نطلب غير اللَّه بديلاً.
ثم سار عمر من الجابية إلى بيت المقدس، وقد تعبت دابته، فأتوه ببرذون فجعل يهملج به، فقال: لمن معه: احبسوا، احبسوا، فنزل عنه، وضرب وجهه، وقال: لا علّم اللَّه من علّمك، هذا من الخيلاء، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين، هاتوا جملي، ثم نزل وركب الجمل، ثم لم يركب برذوناً قبله ولا بعده([397]).
2- ولما قدم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع خُفَّيه، وأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره، وقال: أوَّه، لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذَّل الناس، وأحقر الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يُذلكم اللَّه([398]).
وله مواقف حكيمة في دعوته إلى اللَّه تعالى لا يتسع المقام لذكرها([399]).
وهذه المواقف العظيمة يبين فيها للناس بقوله وفعله أن العزة والرفعة والتمكين لا تأتي عن طريق الكبر، والغطرسة، والإعجاب بالنفس أو الجاه أو السلطان، وإنما يأتي ذلك كله لمن تمسك بالإسلام، ولهذا قال لأبي عبيدة في الخبر السابق: «إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقرَ الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة من غير اللَّه يذلّكم اللَّه».
رضي اللَّه عن الفاروق وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء، فقد قام بالأعمال العظيمة، وسلك مسلك الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتي خيراً كثيراً، ونفَّذ وصية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في المشركين، من: يهود، ونصارى، ومجوس، وغيرهم من المشركين، حيث قال - صلى الله عليه وسلم - قُبيل موته: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»([400]).
فطهَّر - رضي الله عنه - جزيرة العرب من المشركين، ولم يترك أحداً منهم فيها، طبقاً لأمر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
فرضي اللَّه عنه وأرضا، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر - رضي الله عنه -، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 7/11/ 1433هـ
& & &
13-نبذة يسيرة من سيرة عثمان - رضي الله عنه -
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه -([401])؛ خليفة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الثالث، بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأبي بكر، وعمر - رضي الله عنهم -، فهو ثالث الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([402])، وهو الذي أثنى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأثبت له الشهادة، كما في صحيح البخاري: «صَعِدَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، وَقَالَ: «اسْكُنْ أُحُدُ - أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»([403])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: «أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ»([404])، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([405]).
ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:
أولاً: مولده، وأعماله، ووفاته:
ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وأسلم قديماً، وهو ممن دعاه الصِّدِّيق إلى الإسلام، وقد كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر، وعلي، وزيد بن حارثة، وهاجر الهجرتين: الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة([406])، فاراً بدينه مع زوجته رقية بنت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وكان أول خارج إليها، وتابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة، ولم يشهد بدراً لتخلفه على تمريض زوجته رقية، كانت عَلِيلَةً، فأمره رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بالتخلف عليها، وضرب له - صلى الله عليه وسلم - بسهمه وأجره، فهو معدود فى البدريين لذلك، وماتت رقية فى سنة اثنتين من الهجرة حين أتى خبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بما فتح اللَّه عليه يوم بدر([407])، وبعدها زوّجه أم كلثوم، ولم يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره([408])، وقيل لعثمان ذا النورين؛ لأنه لم يعلم أن أحداً أرسل ستراً على ابنتي نبي غيره، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وأخبر أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - توفي وهو عنهم راضٍ([409])، وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن الكريم([410])، وقد بويع له - رضي الله عنه - بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بثلاثة أيام باجتماع الناس عليه، وفي هذه السنة فتح من حصون الروم حصوناً كثيرة ([411])، وفي سنة ست وعشرين زاد في المسجد الحرام، ووسَّعهُ، واشترى أماكن للزيادة، وفيها فتحت بعض الفتوحات.
وفي سنة سبع وعشرين غزا قبرص، وفيها فتحت بعض الفتوحات، وفيها فتحت إفريقية، ففتحت سهلاً وجبلاً، وفيها فتحت الأندلس، وفي سنة تسع وعشرين فتحت بعص الفتوحات، وزاد عثمان في المسجد النبوي، ووسعه، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة، وسقفه بالساج، وفي سنة ثلاثين فتحت بلاد كثيرة من أرض خراسان، وفتحت نيسابور، ومرو، وفتحت بلاد واسعة([412])، وفي سنة خمس وثلاثين قتل عثمان رحمة اللَّه عليه يوم الجمعة لأيام بقين من ذي الحجة، في أوسط أيام التشريق، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وثمانية عشر يوماً، ويقال أربعة عشر يوماً، واختلف في سنه، فقيل: قتل وهو ابن ست وثمانين سنة، وقيل: قتل وهو ابن اثنتين وثمانين، ويقال أربع وثمانين([413]).
ثانياً: إنفاقه الأموال العظيمة الكثيرة في سبيل اللَّه تعالى:
كان عثمان - رضي الله عنه - من الأغنياء الذين أغناهم اللَّه - عز وجل -، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة؛ ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة اللَّه - عز وجل - ابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقاً لكل خير، ينفق ولا يخشى الفقر.
ومما أنفقه - رضي الله عنه - من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي:
1- عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة»([414]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من حفر بئر رومة فله الجنة»([415]).
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تبيعنيها بعين في الجنة؟» فقال: يا رسول اللَّه! ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان - رضي الله عنه - فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: «نعم»، قال: قد جعلتها للمسلمين([416]).
وقيل: كانت رومة ركية ليهودي يبيع للمسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل([417]).
2- بعد أن بنى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مسجده في المدينة فصار المسلمون يجتمعون فيه، ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يُصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلمون في المسجد أمور دينهم، وينطلقون منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها، ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد، لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة»، فاشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - من صلب ماله([418]) بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفاً، ثم أضيفت للمسجد([419]).
ووسع على المسلمين رضي اللَّه عنه وأرضاه([420]).
3- عندما أراد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الرحيل إلى غزوة تبوك حثّ الصحابة الأغنياء على البذل؛ لتجهيز جيش العسرة، الذي أعده رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لغزو الروم، فأنفق أهل الأموال من صحابة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كل على حسب طاقته وجهده.
أما عثمان بن عفان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها، فقد ثبت أنه أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقلِّبها في حجره، ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم؟» قالها مراراً([421]).
وهذه نفقة عظيمة جداً تدل على صدق عثمان وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند اللَّه– تعالى – وإيثار الآخرة على الدنيا – فرضي اللَّه عنه وأرضاه – فقد حصل على الثواب العظيم والجزاء الذي ليس بعده جزاء: «من جهز جيش العسرة فله الجنة»([422]).
ثالثاً: موقفه العظيم في جمع الأمة على قراءة واحدة، وحسم الاختلاف:
كان من أعظم مواقف الحكمة التي وقفها عثمان جمع شمل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على قراءة واحدة، فقد كان من مناقبه الكبار، وحسناته العظيمة، أنه جمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول اللَّه في آخر سني حياته، وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في غزوة أهل الشام في فتح أرمينية، وأذربيجان، مع أهل العراق، وقد اجتمع في هذه الغزوة خلق من أهل الشام، ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود، وأبي الدرداء، وأُبيّ بن كعب، وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على عبد اللَّه بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بجواز القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على غيره، وربما خطَّأ الآخر أو كفَّره، فأدَّى ذلك إلى اختلاف شديد، وانتشار في الكلام السيئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان وقد أفزعه اختلافهم في القراءة، فقال: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه، لما رأى في ذلك من مصلحة كفّ المنازعة، ودفع الاختلاف، فأرسل عثمان إلى حفصة ب يستدعي بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين.
وعندما جاءت الصحف أمر عثمان زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق من الآفاق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق([423]).
وكانت المصاحف الأئمة سبعة كالآتي:
أرسل مصحفاً إلى مكة، ومصحفاً إلى الشام، ومصحفاً إلى اليمن، ومصحفاً إلى البحرين، ومصحفاً إلى البصرة، ومصحفاً إلى الكوفة، وأقر بالمدينة مصحفاً، وهذه المصاحف كلها بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمر عثمان وزمانه وإمارته، وحرق ما سوى هذه المصاحف مما بأيدي الناس مما يخالف هذه المصاحف السبعة، وأجمع الصحابة على ذلك عند الشورى بالرسم، وعند التلقي فاجتمع شمل الأمة على هذه المصاحف وللَّه الحمد والمنة([424]).
فحصل الاجتماع والائتلاف، وزال الاختلاف والفرقة، واجتمعت القلوب بفضل اللَّه– تعالى –، ثم بفضل حكمة عثمان – رضي اللَّه عنه وأرضاه –.
فرضي اللَّه عنه وأرضاه، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر وعمر ب، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 7/11/ 1433هـ.
& & &
14-نبذة يسيرة من سيرة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -([425])؛ خليفة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - الرابع بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم -، وهو رابع الخلفاء، وأفضلهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([426])، وهو الذي شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ»، وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنهم -، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([427]).
ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:
أولاً: مولده، وأعماله، ووفاته:
قال الحافظ ابن حجر /: ولد على الصحيح قبل البعثة بعشر سنين، فرُبّي في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة... وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد([428]).
وعلي - رضي الله عنه - أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو صهر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على فاطمة سيدة نساء العالمين، وهو أحد السابقين، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأول من أسلم من الصبيان([429]).
وفي سنة ست وثلاثين بعد الهجرة النبوية بويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة بالخلافة، بعد مقتل عثمان - رضي الله عنه -، فأتاه أصحاب رسول اللَّه فقالوا: لا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، ولا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس([430]).
ولد علي بمكة في شعب بني هاشم وقتل بالكوفة([431])، وفي سنة ثمان وثلاثين([432]) بدأ بحروب الخوارج في معركة النهروان، وقام الخوارج باغتياله، فمات شهيداً، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي في مسجد الكوفة بسيف مسموم، عند قيامه إلى الصلاة، وذلك ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ومات - رضي الله عنه - غداة يوم الجمعة، وله يوم مات اثنتان وستون سنة([433])، وكانت خلافته خمس سنين، وثلاثة أشهر إلا أربعة عشر يوماً([434]).
ثانياً: موقفه - رضي الله عنه - في تقديم نفسه فداء للنبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوته:
عندما اجتمع قريش في دار الندوة، وأجمعوا على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - والتخلص منه، أعلم اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحكم خلق اللَّه، فأراد أن يبقى من أراد قتله ينظر إلى فراشه ينتظرونه يخرج عليهم، فأمر علي بن أبي طالب الشاب البطل أن ينام في فراشه تلك الليلة، ومن يجرؤ على البقاء في فراش رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والأعداء قد أحاطوا بالبيت يتربصون به ليقتلوه؟ من يفعل هذا ويستطيع البقاء في هذا البيت وهو يعلم أن الأعداء لا يفرقون بينه وبين رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في مضجعه؟ إنه لا يفعل ذلك إلا أبطال الرجال وشجعانهم بفضل اللَّه– تعالى – فرضي اللَّه عن علي وأرضاه.
وقد أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُقيم بمكة أياماً حتى يؤدي أمانة الودائع والوصايا التي كانت عنده إلى أصحابها من أعدائه كاملة غير منقوصة، وهذا من أعظم العدل وأداء الأمانة([435]).
ثالثاً: موقفه في بدر مع رؤوس الكفر:
عندما تراجع غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - الكبيرة يوجد ذكر على بن أبي طالب مقروناً بها، فتارة يحمل اللواء، وتارة يفرق جموع الأعداء، وتارة يفتح الحصون المستعصية ويهدم الأصنام، فهو بطل معلم.
عندما تواجه الجيشان في معركة بدر الكبرى، والتقى الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربه سيد الأنبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء، وكاشف البلاء، وقبل اشتباك المعركة والتحامها خرج من جيش المشركين عتبة بن ربيعة – يريد أن يظهر شجاعته – فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار: عوف بن الحارث، ومعوذ بن الحارث – ابنا العفراء – وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة، ونادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقيل: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي، فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي. قالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة – وكان أسن القوم – عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.
فقتل علي الوليد فوراً، وقتل حمزة شيبة في الحال، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، فكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأكملا قتله، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما - رضي الله عنهم -.
وكان ذلك – بإذن اللَّه تعالى – بداية النصر وتشجيع المسلمين، وخذلان ورعب في قلوب المشركين([436]).
روى البخاري عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: «أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، وقال قيس بن عباد: وفيهم أنزلت: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ ([437]).
قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة«([438]).
فرضي اللَّه عن جميع الصحابة وأرضاهم، فإنهم كانوا لا تأخذهم في اللَّه لومة لائم، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّه عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ ([439]).
رابعاً: موقف علي - رضي الله عنه - في يوم الأحزاب (يوم الخندق):
في سنة خمس من الهجرة كانت غزوة الخندق في شهر شوال.
وكان سبب هذه الغزوة أن جماعة من اليهود خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فتعاهدوا على حرب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم خرج هؤلاء الجماعة من اليهود حتى جاءوا قبائل غطفان فدعوهم لذلك، فأجابوهم، ثم طافوا في قبائل العرب، فاستجاب لهم من استجاب، ونقضت بنو قريظة العهد امتثالاً لأمر حيي بن أخطب، عندما حرض كعب بن أسد القرظي على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولما سمع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بهم، وبما أجمعوا عليه من الأمر ضرب الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي، فحفروا الخندق بينهم وبين العدو، وجعلوا جبل سلع من خلف ظهورهم، وقد صار المحاربون لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، وكان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - شهراً، ولم يكن بينهم قتال، لأجل ما حال اللَّه به من الخندق بينهم وبين المسلمين، إلا أن فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبد وُدٍّ العامري أقبلوا، فجالت بهم خيولهم، فنظروا إلى مكان ضيق من الخندق فاقتحموه، ثم جالت بهم خيولهم في السبخة بين الخندق وسلع، ودعوا إلى البراز([440]).
وهذا هو موضع الشاهد لموقف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
قال عمرو بن عبد ودّ في هذا الموقف: من يُبارز؟ فقام علي بن أبي طالب، فقال: أنا لها يا رسول اللَّه! فقال: «إنه عمرو، اجلس»، ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنبهم، ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليَّ رجلاً؟ فقام علي، فقال: أنا يا رسول اللَّه! فقال: «اجلس» ثم نادى الثالثة... فقام علي - رضي الله عنه - فقال: يا رسول اللَّه، أنا، فقال: «إنه عمرو»، فقال: وإن كان عمراً! فأذن له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فمشى إليه علي حتى أتى إليه، فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي. قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال علي: يا عمرو، إنك كنت عاهدت اللَّه ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال له: أجل، قال علي: فإني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى النزال، فقال له: لم يا ابن أخي؟ فواللَّه ما أحب أن أقتلك. قال له علي: ولكني واللَّه أحب أن أقتلك، فغضب عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على عليٍّ وسل سيفه كأنه شعلة نار، فاستقبله عليٌّ بالترس، فشق السيف الترس، فضربه عليُّ على حبل عاتقه، فسقط وثار الغبار، وسمع المسلمون التكبير، فعرفوا أن عليًّا قتله.
وقال علي - رضي الله عنه -:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه | ونصرت رب محمد بصوابي | |
فصدرت حين تركته متجدلاً | كالجذع بين دكادك وروابي |
وبعد هذه المبارزة انهزم الباقون، وخرجت خيولهم حتى اقتحمت الخندق([441]).
وهكذا ظهرت الشجاعة العظيمة الحكيمة، ومن عظم هذه الحكمة أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - دعا عمراً إلى اللَّه فأبى ذلك، فدعاه إلى النزال فنزل، فقتله - رضي الله عنه - فكان ذلك من أسباب نصر المسلمين بإذن اللَّه تعالى([442]).
فظهرت حكمة علي - رضي الله عنه - في هذا الموقف من عدة وجوه، منها:
1- استئذانه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المبارزة.
2- تذكيره لعمرو بن عبد ودّ ما عاهد عليه اللَّه من قبول ما يعرض عليه من الخصال من قريش
3-وعند إقرار عمرو بما عاهد اتخذ عليٌّ ذلك مدخلاً، فقال: إني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام.
4-وعندما امتنع من قبول هذه الدعوة دعاه إلى النزال، فلم ينزل فاستفزه ليغضبه، فلما نزل قتله - رضي الله عنه - فانهزم المشركون بفضل اللَّه، ثم بدخول الرعب في قلوبهم بهذا الموقف الحكيم.
خامساً: موقف علي - رضي الله عنه - في غزوة خيبر:
في السنة الرابعة للَّهجرة سار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى يُصبح، فلما أصبح صبح خيبر بكرة، فخرج أهلها بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّه أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»([443]).
وعندما رأى أهل خيبر الجيش رجعوا هاربين إلى حصونهم، وخرج ملكهم مَرْحَب يرفع سيفه مرة، ويضعه أخرى ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب | شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز له عامر بن الأكوع، فقال:
قد علمت خيبر أني عامر | شاكي السلاح بطل مغامر |
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يضربه من أسفله، فرجع سيفه على نفسه فمات شهيداً([444]).
ثم قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله»، فبات الناس يدوكون([445]) ليلتهم: أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: «أين علي بن أبي طالب؟» قيل: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال: «فأرسلوا إليه»، فأُتي به، فبصق رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»([446]).
وبدأ علي - رضي الله عنه - وأخذ الراية، وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب | شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الحروب أقبلت تلهب
فقال علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدره([447]) | كليث غابات كريه المنظره |
أوفيهم بالصاع كيل السندره([448])
فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه([449]).
فرضي اللَّه عن علي وأرضاه، فقد قام بهذه البطولة النادرة بعد حصار النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل خيبر قريباً من عشرين يوماً، ثم يسر اللَّه فتحها على يد علي - رضي الله عنه - فخرج الناس من حصونهم يسعون في السكك، فقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، ثم صارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فأصبحت أما للمؤمنين([450]).
وعلي - رضي الله عنه - له مواقف أخرى كثيرة، تظهر فيها الحكمة العظيمة، ولكن المقام لا يتسع إلا لما ذكر من المواقف السابقة، وهكذا يفعل من يرجو اللَّه واليوم الآخر، فإن الإنسان إذا كان همه للَّه، وقلبه معلق باللَّه، عمل كل ما يحب مولاه تبارك وتعالى.
وقد ظهرت حكمة علي - رضي الله عنه - في هذا الموقف من عدّة وجوه، منها:
1- قوله: «أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟»؛ فإنه - رضي الله عنه - استفسر من النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل القتال، إلى أي مدى يستمر القتال؟ وهذا من أعظم الحكمة؛ لأن الداعية لابد له من وضوح الهدف والغاية، وأن يكون على بصيرة من أمره.
2- وقوله: «أنا الذي سمتني أمي حيدرة»، وهذا فيه تذكير لمرحب؛ لأنه قد رأى في المنام أن أسداً يقتله، فذكره علي - رضي الله عنه - بذلك، ليخيفه ويضعف نفسه، حتى يستولي على قتله.
3- وقوله: «أوفيهم بالصاع كيل السندرة» هذا فيه إرهاب وإخبار لمرحب أن علي بن أبي طالب يقتل الأعداء قتلاً واسعاً ذريعاً.
4- ثم ختم هذه الحكم بقتل مرحب، فهزم اللَّه به الأعداء، ونصر المسلمين عليهم نصراً مؤزراً، فله الحمد أولاً وآخراً.
وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي الله عنهم -، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 7/11/ 1433هـ.
& & &
15-حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله، وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فقد أكمل اللَّه لهذه الأمة دينها، وأتمّ عليها النعمة، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾([451])، وقال I: ﴿أَمْ لَـهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَـهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَـمْ يَأْذَن بِهِ اللَّه ﴾([452])، وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([453]).
وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من البدع، وصرّح بأن كل بدعة ضلالة، وأنها مردودة على صاحبها، ففي الصحيحين عن عائشة ل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»([454])، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»([455]).
وحذّر السلف الصالح من البدع؛ لأنها زيادة في الدين، وشرعٌ لم يأذن به اللَّه، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتشبُّهٌ بأعداء اللَّه: من اليهود والنصارى في زياداتهم في دينهم([456]).
ومن البدع الاحتفال بليلة النصف من شعبان.
فقد أخرج الإمام محمد بن وضَّاح القرطبي بإسناده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال: لم أدرك أحداً من مشيختنا، ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولم ندرك أحداً منهم يذكر حديث مكحول([457])، ولا يرى لها فضلاً على ما سواها من الليالي»([458]).
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي :: «وأخبرني أبو محمد المقدسي، قال: لم تكن عندنا ببيت المقدس قطُّ صلاة الرغائب هذه التي تُصلّى في رجب وشعبان، وأوّل ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة [448هـ]، قَدِمَ علينا في بيت المقدس رجل من أهل نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلَّى في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث، ورابع، فما ختمها إلا وهم في جماعة كبيرة، ثم جاء في العام القابل فصلّى معه خلق كثير، ثم جاء من العام القابل فصلَّى معه خلق كثير، وشاعت في المسجد، وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس، ومنازلهم، ثم استقرّت كأنها سُنَّة إلى يومنا هذا»([459]).
وأخرج الإمام ابن وضاح بسنده أن ابن أبي مليكة قيل له إن زياداً النميري يقول: إن ليلة النصف من شعبان أجرها كأجر ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: «لو سمعته منه وبيدي عصاً لضربته بها، وكان زيادٌ قاضياً»([460]).
وقال الإمام أبو شامة الشافعي :: «وأما الألفية فصلاة النصف من شعبان سُمِّيت بذلك لأنها يُقرأ فيها ألف مرة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهأَحَدٌ ﴾ لأنها مائة ركعة, في كل ركعة يقرأ الفاتحة مرة, وسورة الإخلاص عشر مرات، وهي صلاة طويلة مستثقلة لم يأتِ فيها خبر, ولا أثر, إلا ضعيف، أو موضوع, وللعوامّ بها افتتان عظيم, والتزم بسببها كثرة الوقيد في جميع مساجد البلاد, التي تصلَّى فيها، ويستمر ذلك الليل كله, ويجري فيه الفسوق والعصيان, واختلاط الرجال بالنساء, ومن الفتن المختلفة ما شهرته تُغني عن وصفه, وللمتعبّدين من العوامِّ فيها اعتقاد متين, وزيّن لهم الشيطانُ جَعْلَها من أصل شعائر المسلمين»([461]).
وقال الحافظ ابن رجب : بعد كلام نفيس: «وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام: كخالد بن معدان, ومكحول, ولقمان بن عامر, وغيرهم يعظّمونها، ويجتهدون فيها في العبادة, وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها, وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثارٌ إسرائيلية, فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختُلف في تعظيمها، فمنهم من قبله منهم، ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة، وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر العلماء من أهل الحجاز، منهم: عطاء، وابن أبي مليكه، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة، واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعةً في المساجد، كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخّرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامها في المساجد ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يُكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة، والقصص، والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي، إمام أهل الشام، وفقيههم، وعالمهم، وهذا الأقرب إن شاء اللَّه تعالى...»، ثم قال: «ولا يُعرف للإمام أحمد كلامٌ في ليلة نصف شعبان، ويُخرَّج في استحباب قيامها عنه روايتان، من الروايات عنه في قيام ليلة العيد؛ فإنه في رواية لم يستحبّ قيامها جماعةً؛ لأنه لم يُنقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، واستحبّها في رواية؛ لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، فكذلك قيام ليلة النصف من شعبان، لم يثبت فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام»([462]).
قال الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز : بعد أن نقل كلام الحافظ ابن رجب :: «انتهى المقصود من كلام الحافظ ابن رجب :، وفيه التصريح بأنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه- رضي الله عنهم - شيء بليلة النصف من شعبان، وأما ما اختاره الأوزاعي : من استحباب قيامها للأفراد، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول، فهو غريب وضعيف؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعاً لم يجزْ للمسلم أن يحدثه في دين اللَّه، سواء فعله مفرداً أو جماعةً، وسواءً أسرّه أو أعلنه، لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([463])، وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها»([464]).
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية في حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان: «وردت أحاديث صحيحة في فضيلة صوم أيام كثيرة من شعبان، إلا أنها لم تخصَّ بعضاً من أيامه دون بعض، فمنها ما في الصحيحين أن عائشة ل قالت: «ما رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، فكان يصوم شعبان كله إلا قليلاً»([465]) ، وفي حديث أسامة بن زيد أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم»([466])، ولم يصح حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيام يوم بعينه من شعبان، أو كان يخص أياماً منه بالصوم، لكن وردت أحاديث ضعيفة في قيام ليلة النصف من شعبان، وصيام نهارها، منها ما رواه ابن ماجه في سننه([467])، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن اللَّه تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفر فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا حتى يطلع الفجر» ، وقد صحح ابن حبان بعض ما ورد من الأحاديث في فضل إحياء ليلة النصف من شعبان، من ذلك ما رواه في صحيحه، عن عائشة أنها قالت: «فقدت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فخرجت فإذا هو في البقيع رافع رأسه، فقال: أكنت تخافين أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ فقلت: يا رسول اللَّه، ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: «إن اللَّه تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب»([468]) ، وقد ضعف البخاري وغيره هذا الحديث، وأكثر العلماء يرون ضعف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، وصوم يومها، وقد عرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث.
وبالجملة فإنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان، وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث؛ ولذا أنكروا قيامها، وتخصيص يومها بالصيام، وقالوا إن ذلك بدعة»([469]).
وقال العلامة محمد بن صالح بن عثيمين : في حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام، أو تخصيص يومه بصيام: « بعض الناس يخصّ ليلته بقيام، ويومه بصيام بناء على أحاديث ضعيفة وردت في ذلك، ولكن حيث لا تصحّ هذه الأحاديث الضعيفة، فإن ليلة النصف من شعبان لا تخصّ بقيام، ولكن إن كان الإنسان قد اعتاد أن يقوم الليل، فليقم ليلة النصف كغيرها من الليالي، وإن كان لم يعتد ذلك، فلا يخصّها بقيام، كذلك في الصوم لا يخصّ النصف من شعبان بصوم، لأن ذلك لم يرد عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، لكن لو صام الأيام الثلاثة البيض وهي اليوم الثالث عشر واليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، لو صامها فإن صيامها من السنة، لكن ليس باعتقاد أن لهذا مزية على سائر الشهور، وإن «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يكثر الصوم في شعبان أكثر من غيره من الشهور، حتى كان يصومه كله، أو إلا قليلاً منه»([470]).
فمما تقدم من كلام الإمام ابن وضاح، والإمام الطرطوشي، والإمام عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة، والحافظ ابن رجب رحمهم اللَّه، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية، وإمام هذا الزمان عبد العزيز ابن باز :، والعلامة ابن عثيمين :، يتضح أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة أو غيرها من العبادة غير المشروعة بدعة لا أصل لها من كتاب، ولا سنة، ولا عملها أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّه كَثِيرًا﴾([471])، وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾([472])، وصلى اللَّه، وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر يوم الجمعة 13/ 8/ 1437هـ.
& & &
16-بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، «مَنْ يَهْدِهِ اللَّه فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْللَّه فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ»([473]). أما بعد، فلا شك أن الاحتفال بالأمور المخالفة للشريعة كالاحتفال بالمولد النبوي من البدع المحدثة في الدين من أعظم المحرمات، للأمور الآتية:
الأول: الاحتفال بالمولد بدعة منكرة ليس من أعياد المسلمين في الشريعة الإسلامية، لأن أعياد المسلمين ثلاثة لا رابع لها: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد يتكرر في كل أسبوع، وهو يوم الجمعة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللَّه قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ»([474])، ، وقال - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيدٍ: «قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ»([475])، ، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ»([476])، ، فهذه أعياد ثلاثة ثابتة في الشريعة الإسلامية، وما عدا هذه الثلاثة مما استحدثه الناس من أعياد، فهي أعياد بدعية، كالاحتفال بالمولد النبوي، وأول ليلة من شهر رجب، وليلة الإسراء والمعراج، والاحتفال بليلة النصف من شعبان، ورأس السنة الهجرية، والميلادية، وعيد الأم، وجميع الأعياد التي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية، كلها بدع محدثة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الثاني: الاحتفال بالمولد من البدع المحدثة في الدين التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشرعه لا بقوله، ولا فعله، ولا تقريره، وهو قدوتنا وإمامنا، قال اللَّه - عز وجل -:﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُو وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾([477]) ، وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّه كَثِيرًا﴾([478]) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ»([479]) ، وفي لفظ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
الثالث: الخلفاء الراشدون ومن معهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحتفلوا بالمولد، ولم يدعوا إلى الاحتفال به، وهم خير الأمة بعد نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في حق الخلفاء الراشدين: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»([480]).
الرابع: الاحتفال بالمولد من سنة أهل الزيغ والضلال؛ فإن أول من أحدث الاحتفال بالمولد الفاطميون، العبيديون في القرن الرابع الهجري، وقد انتسبوا إلى فاطمة ل ظلماً وزوراً، وبهتاناً؛ وهم في الحقيقة من اليهود، وقيل من المجوس، وقيل من الملاحدة([481])، وأولهم المعز لدين اللَّه العُبيدي المغربي الذي خرج من المغرب إلى مصر في شوال سنة 361هـ، وقدم إلى مصر في رمضان سنة 362هـ([482])، فهل لعاقلٍ مسلمٍ أن يُقلّد الرافضة، ويتّبع سنتهم، ويخالف هدي نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -؟.
الخامس: إن اللَّه - عز وجل - قد كمَّل الدين، فقال I: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾([483]) ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة، ويُباعد من النار إلا بيَّنه للأمة، ومعلوم أن نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - هو أفضل الأنبياء، وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً، ونصحاً لعباد الله، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه اللَّه - عز وجل - لبيَّنه - صلى الله عليه وسلم - لأمته، أو فعله في حياته، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»([484]).
السادس: إحداث مثل هذه الموالد البدعية يُفهم منه أن اللَّه تعالى لم يُكمل الدين لهذه الأمة، فلا بد من تشريع ما يكمل به الدين! ويفهم منه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة حتى جاء هؤلاء المبتدعون المتأخرون، فأحدثوا في شرع اللَّه ما لم يأذن به سبحانه، زاعمين أن ذلك يقرّبهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على اللَّه - عز وجل -، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -، واللَّه - عز وجل - قد أكمل الدين، وأتمّ على عباده نعمته.
السابع: صرّح علماء الإسلام المحقّقون بإنكار الموالد، والتحذير منها عملاً بالنصوص من الكتاب والسنة، التي تحذّر من البدع في الدين، وتأمر باتّباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتحذّر من مخالفته في القول وفي الفعل والعمل.
الثامن: إن الاحتفال بالمولد لا يحقّق محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يحقّق ذلك: اتّباعه، والعمل بسنته، وطاعته - صلى الله عليه وسلم -، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾([485]).
التاسع: الاحتفال بالمولد النبوي، واتخاذه عيداً فيه تشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وقد نُهينا عن التشبه بهم، وتقليدهم([486]).
العاشر: العاقل لا يغترّ بكثرة من يحتفل بالمولد من الناس في سائر البلدان، فإن الحقّ لا يُعرف بكثرة العاملين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، قال اللَّه I: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله﴾([487]) ، وقال - عز وجل -: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾([488]) ، وقال سبحانه: ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾([489]).
الحادي عشر: القاعدة الشرعية: ردّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال اللَّه - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّه وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا﴾([490]) ، وقال - عز وجل -: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله﴾([491])، ، ولا شك أن من ردّ الاحتفال بالمولد إلى اللَّه ورسوله يجد أن اللَّه يأمر باتّباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([492]) ، ويبين I أنه قد أكمل الدين، وأتمّ النعمة على المؤمنين، ويجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بالاحتفال بالمولد، ولم يفعله، ولم يفعله أصحابه، ولم تفعله القرون المفضلة من الأئمة الأربعة وغيرهم من علماء الإسلام في سائر العصور، فعلم بذلك أن الاحتفال بالمولد ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة التي ما أنزل اللَّه بها من سلطان.
الثاني عشر: إن المشروع للمسلم يوم الإثنين أن يصوم إذا أحبّ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صوم يوم الإثنين، فقال: «ذاك يومٌ ولدت فيه، ويومٌ بعثت، أو أُنزل عليَّ فيه»([493]) ، فالمشرع التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام يوم الإثنين، وعدم الاحتفال بالمولد.
الثالث عشر: عيد المولد النبوي لا يخلو من وقوع المنكرات والمفاسد غالباً، ويعرف ذلك من شاهد هذا الاحتفال، ومن هذه المنكرات على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
1- أكثر القصائد والمدائح التي يتغنَّى بها أهل المولد لا تخلو من ألفاظ شركية، والغلوّ، والإطراء الذي نهى عنه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّه ، وَرَسُولُهُ»([494]).
2- يحصل في الاحتفالات بالموالد في الغالب بعض المحرمات الأخرى: كاختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وقد يحصل فيها الشرك الأكبر كالاستغاثة بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو غيره من الأولياء، والاستهانة بكتاب اللَّه - عز وجل -، فيشرب الدخان في مجلس القرآن، ويحصل الإسراف والتبذير في الأموال، وإقامة حلقات الذكر المحرَّف في المساجد أيام الموالد، مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق القوي من رئيس الذاكرين، وكل ذلك غير مشروع بإجماع علماء أهل الحق([495]).
3- يحصل عمل قبيح في الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك يكون بقيام البعض عند ذكر ولادته - صلى الله عليه وسلم - إكراماً له وتعظيماً، لاعتقادهم أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يحضر المولد في مجلس احتفالهم؛ ولهذا يقومون له محيِّين ومرحبِّين، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل؛ فإن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة([496])، كما قال اللَّه - عز وجل -: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَـمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾([497]) ، وقال عليه الصلاة والسلام: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ»([498])، ، فهذه الآية، والحديث الشريف، وما جاء في هذا المعنى من الآيات والأحاديث، كلّها تدلّ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة.
قال سماحة العلامة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :: «وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين، ليس فيه نزاعٌ بينهم»([499]).
أسأل اللَّه التوفيق لجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأربعاء 11/ 3/ 1439هـ.
& & &
17-بيان فضل الحراسة والرباط في سبيل الله، والتحذير من الخوارج، ومن مذهبهم الباطل
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أما بعد:
فقد «صرح المتحدث الأمني بوزارة الداخلية أن الجهات الأمنية، وبفضل من اللَّه سبحانه وتعالى، ثم من خلال أدائها لمهامها، وواجباتها في مكافحة الإرهاب، وملاحقة عناصره، وكشف مخططاتهم، والإطاحة بشبكاتهم، وإحباط عملياتهم التي يستهدفون بها أمن البلاد واستقرارها، فقد تمكنت من رصد تواجد المطلوب الخطر: طايع بن سالم بن يسلم الصيعري – سعودي الجنسية، المعلن عنه بتاريخ 21 / 4 / 1437هـ؛ لدوره الخطير في تصنيع أحزمة ناسفة، نفذت بها عدد من الجرائم الإرهابية، مختبئاً في منزل يقع بحي الياسمين، شمال مدينة الرياض، ومعه شخص آخر، ظهر أنه يدعى: طلال بن سمران الصاعدي – سعودي الجنسية، واتخاذهما من ذلك المنزل وكراً إرهابياً؛ لتصنيع المواد المتفجرة من أحزمة، وعبوات ناسفة، ووفقاً لهذه المعطيات، باشرت الجهات الأمنية فجر اليوم السبت الموافق 9 / 4 / 1438هـ في تطويق الموقع، وتأمين سلامة سكان المنازل المجاورة، والمارة وتوجيه نداءات في الوقت ذاته لتسليم نفسيهما، إلا أنهما رفضا الاستجابة، وبادرا بإطلاق النار بشكل كثيف على رجال الأمن في مُحاولةٍ للهروب من الموقع، مما أوجب تحييد خطرهما، خاصة أنهما يرتديان حزامين ناسفين، كانا على وشك استخدامهما، لولا عناية الله، ثم سرعة تعامل رجال الأمن معهما، مما حال دون ذلك، ونتج عن العملية مقتلهما، وإصابة أحد رجال الأمن بإصابة طفيفة، نقل على إثرها للمستشفى، وحالته مستقرة، فيما لم يَصْب أحد من الساكنين، أو المارة بأي أَذًى، وللَّه الحمد، وقد ضبط في المنزل، وبحوزة الإرهابيين المذكورين الآتي: 1- حزامان ناسفان في حال تشريك كاملة وتم إبطالهما. 2- قنبلة يدوية محلية التصنيع. 3- حوضان صغيران بهما مواد يشتبه بأن تكون كيميائية، تستخدم لتصنيع المواد المتفجرة من أحزمة، وعبوات ناسفة.
وقد أكدت تلك المضبوطات مدى خطورة ما كان المذكوران يخططان للإقدام عليه من عمل إجرامي، عملا للإعداد عليه، خاصة أن طايع المذكور يعد خبيراً، يعتمد عليه تنظيم (داعش) الإرهابي في تصنيع الأحزمة الناسفة، والعبوات المتفجرة، وتجهيز الانتحاريين بها، وتدريبهم عليها؛ لتنفيذ عملياتهم الإجرامية التي كان منها عملية استهداف المصلين بمسجد قوة الطوارئ بعسير، بتاريخ 24/10/ 1436هـ، والعمليتين اللتين جرى إحباطهما بتاريخ 29 / 9 / 1437هـ، وكانت الأولى في المواقف التابعة لمستشفى سليمان فَقِيه، فيما استهدفت الثانية بكل خسة ودناءة المسجد النبوي الشريف...».
ولا شك أن هذا يدل على أمور بيانها على النحو الآتي:
أولاً: فضل الحراسة والرباط للدفاع عن المسلمين: وقد أ كرم اللَّه تعالى جنود الأمن بذلك، إن شاء اللَّه تعالى، إن صحت نياتهم.
1- عن سلمان - رضي الله عنه - سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ([500])»([501]).
2- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه- صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّه خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»([502]).
3- وعن أبي ريحانة: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ أَوْ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ»([503]).
4- وعن ابن عباس ب سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»([504]).
وهذا الفضل العظيم والأجر الكبير، يكون للرجال المرابطين على الحدود لصد العدوان عن المسلمين، ويكون لرجال الأمن الحرَّاس الساهرين على أمن البلاد المسلمة إذ أخلصوا أعمالهم للَّه - عز وجل -، واللَّه أسأل أن يحقق لهم ذلك.
ثانياً: حقيقة مذهب الخوارج: تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم:
وهذا حصل بسبب تكفير المسلمين، فهؤلاء السفهاء كفّروا، وأفسدوا، والخوارج خطر على أمة الإسلام، وهذا عملهم، والخوارج فرق كثيرة، يُقال لبعضهم في أول الإسلام (الحرورية) نسبة إلى قرية خرجوا منها، يقال لها: حروراء، وكل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة، وكفّر بكبائر المعاصي، وخلد أصحابها في النار، فهو من الخوارج، فهم يُكفّرون أصحاب الكبائر، ويستحلِّون دماءَهم، وأموالهم، ويخلدونهم في النار، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، حتى لو كانت متواترة، ويكفِّرون من خالفهم لارتداده عندهم عن دين الإسلام.
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - صفاتهم بياناً واضحاً جليِّاً في الأحاديث الآتية:
1- جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم غنيمة بالجعرانة بعد غزوة حنين، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ([505]) إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللَّه فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: «مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»([506]).
2- وفي لفظ آخر: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَنْ يُطِعِ اللَّه إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي»، ثم قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ([507]) هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ([508]) يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ([509])، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ([510])»([511]).
3- وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ»([512]).
4- وعن عَلِيّ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ([513])، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ([514])، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ([515])، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([516]).
وهذه الأحاديث فيها بيان شافٍ كامل في منهج الخوارج، وفيها معجزة باهرة، دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول اللَّه حقاً، فقد أخبر بأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وأنهم صغار الأسنان، وسفهاء العقول، وقد حصل هذا كالشمس في رابعة النهار، وهو من الأمور الغيبية التي أخبر اللَّه بها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
ثالثاً: وقوعهم في قتـل الأنفس المعصـومة جريـمة كبيـرة وفاحشة عظيمة؛ للأدلة الآتية:
1- قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([517]).
2- وقال - عز وجل -: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾([518]) .
3- وعن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ»([519]).
4- وعن مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّه أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُل يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُل يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»([520]).
5- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»([521]).
رابعاً: الانتحار، فهؤلاء فجّروا أنفسهم، وقتل الإنسان نفسه جريمة عظيمة، وذنب عظيم؛ للأدلة الاتية:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَتَوَجَّأُ بِهَا([522]) فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ([523]) فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى([524]) مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»([525]).
2- وعن ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه -، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ»([526]).
فيجب على المسلمين الحذر من هذه الجرائم العظيمة.
ويجب على الآباء خاصة تعليم أولادهم منهج أهل السنة والجماعة؛ فإن من الغرائب أن أغلب هؤلاء الخوارج في هذه الأزمان الذين يكفرون فيفجرون هم من صغار الأسنان: في السادسة عشرة، والسابعة عشرة، والعشرين إلى الخامسة والعشرين، وهذا يدل على إهمال في التربية، فكيف يتعلم هذا الشاب الصغير صنع المتفجرات والأحزمة الناسفة في هذا السن؟ وهذا يدل على ترك الحبل من بعض ولاة أمور الشباب على الغارب، فيجب على الوالد، أو من يقوم مقامه، أن يراقب ولده، ويلزمه بطاعة اللَّه، ولا يهمله، فيخرج مع أهل الضلال والفساد، فيعلمونه وسائل التدمير والخراب والهلاك.
ويجب على العلماء، وطلاب العلم والخطباء أن يبينوا للناس منهج الخوارج، وأن يردوا على الشبه المضلة، ويبينوا الحق بدليله.
واللَّه تعالى قد أوجب على ولاة أمر المسلمين كفّ شرّ هؤلاء الخوارج، وقتلهم لإراحة المسلمين من شرهم امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([527])، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([528]).
وأرجو ممن بلغه بياني هذا أن يبلغه لغيره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»([529])، وله من اللَّه الأجر العظيم، والثواب الكبير؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»([530]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين لكل خير، وأن يكفيهم شر الخوارج، وأعداء الدين، وأن يجعل كيد هؤلاء المارقين في نحورهم، وأن يوفق ولاة الأمر لقتلهم، وإراحة المؤمنين من شرهم، وأذاهم، وأن يجزي ولاة الأمر خيراً على كبت هؤلاء المجرمين، وأن يسدد رجال الأمن، ويعينهم، ويجزيهم خير الجزاء على رباطهم، وسهرهم، وحمايتهم لبلاد الحرمين الشريفين، وأن يعيذنا جميعاً من نزغات الشيطان، فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخميس 14/ 4/ 1438هـ.
& & &
18-خطر المظاهرات على الدين والبلاد والعباد
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فإن الدعوة إلى المظاهرات، وتفريق المجتمع المسلم من المفاسد العظيمة، والمخالفات الظاهرة لدين اللَّه - عز وجل -؛ لأن المظاهرات من مبادئ أعداء الإسلام، والمسلمين، وليس للمظاهرات أصل في دين اللَّه، ولم تحصل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا خلفائه الراشدين، ولا في القرون المفضَّلة، ولم يأمر بها علماء الإسلام من الأئمة الأعلام، وليس لها أصل في كتاب اللَّه، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وإنما تحصل المظاهرات في المجتمعات الكافرة، أو المجتمعات الجاهلية، الضالة المنحرفة، أو في المجتمعات الجاهلة التي لم توفق للصواب؛ لجهلها، وبعدها عن كتاب اللَّه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعدم رجوعها للعلماء الربانيين الراسخين في علم الكتاب والسنة.
والمظاهرات لها أخطار عظيمة، وأضرار جسيمة، منها الأضرار والأخطار الآتية:
أولاً: المظاهرات دعوة إلى تفريق المسلمين، وإلى محادَّة اللَّه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن اللَّه قد أمر بالاجتماع، ونهى عن التفرق، والاختلاف في الدين، وهذا أصل من أصول الدين.
1- قال اللَّه تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّه لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾([531]).
2- وقال - عز وجل -: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾([532]).
3- وقال سبحانه: ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّه ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾([533]).
ثانياً: الاجتماع أصل من أصول الإسلام؛ ولهذا قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب :: «من أعجب العجائب، وأكبر الآيات الدالات على قدرة الملك الغلاب: ستة أصول، بيَّنها اللَّه تعالى بياناً واضحاً للعوام، فوق ما يظنه الظانون، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم، وعقلاء بني آدم، إلا أقل القليل»([534]) ، ثم ذكر هذه الأصول:
الأصل الأول: إخلاص الدين للَّه وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك باللَّه.
الأصل الثاني: أمر اللَّه بالاجتماع في الدين، ونهى عن التفرق فيه.
الأصل الثالث: أن من تمام الاجتماع، السمع والطاعة لمن تأمّر علينا، ولو كان عبداً حبشياً.
وقد أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ، وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ »([535]).
ثالثاً: المظاهرات فيها دعوة إلى الانحراف عن شرع اللَّه بالخروج على ولي أمر المسلمين، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([536]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([537]).
رابعاً: المظاهرات تسبب قتل الأنفس المعصومة المحرمة، وتوجب لمن فعل ذلك الخسران والهلاك.
1- قال اللَّه تعالى:﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما﴾([538]).
2- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّه مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»([539]).
3- وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّه أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا رَجُلٌ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»([540]).
خامساً: المظاهرات تسبب إراقة الدماء المعصومة، وانتهاك المحرمات التي حرّم اللَّه - عز وجل -.
1- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»([541]).
2- وقال عبد اللَّه بن عمر ب: «إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ»([542]).
سادساً: المظاهرات تسبب اختلال الأمن، وانتهاك الأعراض، واغتصاب النساء، واختلاط الأنساب.
سابعاً: المظاهرات يخرج بسببها الخَمَّارون، والسُّرَّاق، والقتلة، والمفسدون من السجون، فينتهكون أعراض المسلمين، وينتهبون أموالهم، وممتلكاتهم، ويفسدون الحرث، والنسل، واللَّه لا يحب الفساد.
ثامناً: المظاهرات يحصل بسببها اختلال أمن الطرق، واعتداء قطاع الطرق، ونهبهم للأموال، وقتل الأنفس، واستباحة المحرمات، والوقوع في الفواحش والمنكرات.
تاسعاً: المظاهرات تحصل بها الفوضى، وتخرج العصابات المجرمة باختلاس الأموال والممتلكات.
عاشراً: المظاهرات يحصل بها تدمير المساكن، وإهلاك المتاجر، وتشريد المواطنين.
الحادي عشر: يكفي في فساد المظاهرات وقبحها ما حل لمن حولنا ممن استحلوا المظاهرات، والخروج على الحكام، فلا أعرف أحداً ربح منها، بل خسروا الأهل، والمال، والمساكن، والأوطان، وشردوا من بلادهم، واستُحلَّت أعراضهم، ويُتّم أطفالهم، واختلّ أمنهم، ورُمّلت نساؤهم، ودُمّرت الممتلكات بسبب المظاهرات القبيحة.
وطريق النجاة والسلامة على النحو الآتي:
1- سؤال اللَّه العفو والعافية، والسلامة، والتوفيق، والهداية لجميع المسلمين.
2- الاعتصام بالكتاب والسنة، وسؤال اللَّه الثبات.
3- طاعة ولاة الأمر بالمعروف، قال الإمام ابن رجب :: «وَأَمَّا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِوُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، فَفِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا، وَبِهَا تَنْتَظِمُ مَصَالِحُ الْعِبَادِ فِي مَعَايِشِهِمْ، وَبِهَا يَسْتَعِينُونَ عَلَى إِظْهَارِ دِينِهِمْ، وَطَاعَةِ رَبِّهِمْ»([543]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «فَطَاعَةُ اللَّه وَرَسُولِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَطَاعَةُ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَمْرِ اللَّه بِطَاعَتِهِمْ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّه وَرَسُولَهُ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ للَّه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ كَانَ لَا يُطِيعُهُمْ إلَّا لِمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْوِلَايَةِ، وَالْمَالِ؛ فَإِنْ أَعْطَوْهُ أَطَاعَهُمْ، وَإِنْ مَنَعُوهُ عَصَاهُمْ، فَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»([544]).
4- الالتفاف حول علماء أهل السنة الراسخين في علم الكتاب والسنة، قال اللَّه تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([545]).
5- العلم بأن من يعادي المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين، فإنما يدعو إلى إلغاء الأحكام الشرعية التي تحكم بها المملكة من كتاب اللَّه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويدعو إلى الحرية المحرّمة، ويدعو إلى الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، ويدعو إلى الإلحاد في الحرمين الشريفين، وإلى تخريبهما، وصدّ الناس عنهما، والعياذ باللَّه تعالى، ويدعو إلى نبذ التوحيد، وعلوم الشريعة، ويدعو إلى الإفساد في الأرض.
فإن المملكة العربية السعودية من عهد مؤسسها الملك عبد العزيز : إلى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه اللَّه، حكمها قائم على الكتاب والسنة، وتدريس التوحيد، والفقه، وأحكام الشريعة الإسلامية في الجامعات، والمدارس، وتحمي الحرمين الشريفين، وتقوم بتوسعتهما، والعناية بهما عناية فائقة، وتعيّن الدعاة إلى التوحيد في كل مكان حتى خارج الدول الإسلامية في جميع أقطار الأرض، وتبني المساجد في جميع الدول، وتطبع المصحف الشريف، ويوزع في جميع أقطار الدنيا، وتطبع كتب الحديث، والفقه، وتوزع على طلاب العلم في الداخل والخارج، وتقوم بخدمة الحجاج والمعتمرين والزائرين، وتصرف على ذلك البليارات من الأموال، وتُعين الدول الإسلامية المحتاجة بالأموال الطائلة، فتبيّن بأن من يعادي المملكة العربية السعودية، فإنما يعادي دين اللَّه، ويكون بهذا عدوّاً للَّه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ودين الإسلام.
6- وليعلم كل عاقل أن له في المملكة العربية السعودية بيتين: البيت الكبير الأول هو وطنه، وبلاده، والبيت الصغير الثاني: هو بيته الذي فيه أبوه وأمه، وزوجته وبناته وأبناؤه، فإذا حافظ على أمن بيته الكبير، سلم له بيته الصغير، وحصل الأمن فيه على أولاده، وأسرته، وإذا أضاع بيته الكبير، واختلّ الأمن فيه، اختلّ الأمن في بيته الصغير، وشُرِّد أولاده، وحصل فيه الخوف والرعب، فليحافظ على أمن بيته الكبير، وهو وطنه، حتى يحصل له الأمن في بيته الصغير، وهو مسكنه.
7- من كان له حق من الحقوق، فعليه أن يراجع المحاكم الشرعية التي أقامها ولي الأمر، أو ديوان المظالم، وسوف يجد حقه حتى من الدولة، إن كان له حق، إن شاء اللَّه تعالى.
واللَّه أسأل التوفيق، والسداد لنا، ولولاة أمرنا، وجميع ولاة أمر المسلمين، وأن يديم علينا أمننا، وأماننا، ويحفظ بلادنا، وبلاد المسلمين من كل مكروه.
وصلى اللَّه، وسلّم على نبيّنا محمّد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
حرر في 24/ 12/ 1438هـ، الموافق 15/ 9/ 2017م
& & &
19-من أقبح الجرائم التي تتصدع لها القلوب: قتل الأمهات والآباء
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد، فإن ما حصل من بعض الخوارج (الدواعش) التوأمان (من مواليد 1417هـ) اللذان قتلا أمهما (67 عاماً)، وحاولا قتل أبيهما (73 عاماً)، وأخيهما (22 عاماً) اللذين أصيبا إصابة بالغة، وهما في حالة حرجة في العناية الطبية في المستشفى في مدينة الرياض، حدث هذا في فجر الجمعة الموافق التاسع عشر من شهر رمضان سنة 1437هـ في حي الحمراء في مدينة الرياض، وقد ذكر المتحدث الأمني في وزارة الداخلية قوله: «اتضح للجهات الأمنية من مباشرتها لهذه الجريمة النكراء أن الجانيين قاما باستدراج والدتهما إلى غرفة المخزن، ووجها لها عدة طعنات غادرة، أدت إلى مقتلها، ليتوجها بعدها إلى والدهما، ومباغتته بعدة طعنات، ثم اللحاق بشقيقهما سليمان، وطعنه عدة طعنات، مستخدمين في تنفيذ جريمتهما ساطوراً وسكاكين حادةً، جلبوها من خارج المنزل، والتي ضبطت بمسرح الجريمة»، وهذه جريمة غريبة جداً تتصدع لها القلوب في هذا الشهر المبارك الكريم، ويهتز لها كل من سمع بها من العالم، ولم أسمع بمثل هذا من اليهود، ولا المجوس، ولا الملحدين، وهو فساد عظيم، وجرم كبير، وقد سبق من بعض هؤلاء قتلهم لإخوانهم، وآبائهم، وأعمامهم، وأبناء أعمامهم، وأبناء أخوالهم، وأقربائهم، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن الرجل يقتل جاره، وأخاه، وأباه، وابن عمه، وذا قرابته، فعن أبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ: قال رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يقتُلَ الرَّجُلُ جَارَه، وأخاه، وأباه»([546])، فوقع ذلك كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فدل ذلك على أنه رسول اللَّه حقاً، وأخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أن هؤلاء الخوارج حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، وأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، فوقع ذلك كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -.
وعن أَبي مُوسَى - رضي الله عنه - أيضاً قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجًا» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ، الْقَتْلُ» فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِن الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ» فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ»، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ: وَايْمُ اللَّهِ، إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ، إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ منها كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا([547]).
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أيضاً: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ»، قُلْنَا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ، وَأَبَاهُ»، قال : فرأينا من قتل أباه زمان الأزارقة([548])([549]).
وهذه الأحاديث، والأحاديث الآتية، تدل على أمور منها:
الأمر الأول: صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول اللَّه حقاً؛ لأنه أخبر بهذه الأمور الغيبية، من قتل بعض هؤلاء الخوارج لآبائهم، وإخوانهم، وأعمامهم، وأبناء أعمامهم، وجيرانهم، وذوي قرابتهم، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنهم سفهاء الأحلام، أي: صغار العقول، حدثاء الأسنان، أي: صغار الأسنان، وأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويتركون أهل الأوثان، فوقع جميع هذه الأمور كما أخبر - صلى الله عليه وسلم -، فدل ذلك كله على أن اللَّه أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنه رسول اللَّه بلا شك ولا ريب.
الأمر الثاني: فساد مذهب الخوارج، واستحقاق من عمل هذه الأعمال لسخط اللَّه تعالى وغضبه، ولعنته، والعياذ باللَّه تعالى.
فيا ويح هؤلاء الخوارج، ويا ويلهم من قول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([550])، ومن قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» ([551]).
الأمر الثالث: قطيعتهم لأرحامهم، ومعصيتهم ربهم - عز وجل -؛ لقوله تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾([552])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ»([553])، وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «إِنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ([554]) مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ»([555])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ»([556]) يعني: قاطع رحم([557])، ولفظ أبي داود في سننه: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ»([558])، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخُبْثَ»([559])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّه - عز وجل - إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ([560])، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ على الْخَمْر، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى»([561])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّه تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» ([562]).
الأمر الرابع: أن من قتل أمه، أو أباه، أو أخاه، أو جاره، أو ابن عمه، أو ذا قرابته لا عقل له، بل ينزع عقله، ويكون كالغبار، ويكون من أراذل الناس، والعياذ باللَّه تعالى، وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام السندي :([563]) في شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي سبق ذكره «تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ»، وهذا من الفتن التي حذر منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»([564]). قال الإمام النووي :: «مَعْنَى الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ تَعَذُّرِهَا، وَالِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِمَا يَحْدُثُ مِنَ الْفِتَنِ الشَّاغِلَةِ الْمُتَكَاثِرَةِ الْمُتَرَاكِمَةِ كَتَرَاكُمِ ظَلَامِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لَا الْمُقْمِرِ، وَوَصَفَ - صلى الله عليه وسلم - نَوْعًا مِنْ شَدَائِدِ تِلْكَ الْفِتَنِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُمْسِي مُؤْمِنًا، ثُمَّ يُصْبِحُ كَافِرًا، أَوْ عَكْسُهُ، شَكَّ الرَّاوِي، وَهَذَا لِعِظَمِ الْفِتَنِ، يَنْقَلِبُ الْإِنْسَانُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ هَذَا الِانْقِلَابَ. وَاللَّه أَعْلَمُ»([565]).
ومن أعظم الفتن التي فرقت بين المسلمين، وشوهت صورة الإسلام، ما يعمله الخوارج، الذين يقال لهم (الدواعش) في هذا الزمان، فقد شوَّهوا الإسلام، وقد أخبرنا عنهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم سفهاء الأحلام، أحداث الأسنان، فعن علي - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([566])، قال الإمام النووي :: «قَوْلُهُ - صلى الله عليه وسلم -: «أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ: مَعْنَاهُ: صِغَارُ الْأَسْنَانِ، صِغَارُ الْعُقُولِ»([567]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرؤُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ...»([568]) الحديث.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ: الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ المُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ، وَيَدَعُنَا، قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ». فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّه إِذَا عَصَيْتُ؟ [وفي لفظ لمسلم: «فمن يطع اللَّه إن عصيته»] أَيَأْمَنُنِي اللَّه عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([569]).
قال الإمام النووي : في معنى قوله: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ: أَيْ: قَتْلًا عَامًّا، مُسْتَأْصِلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية﴾ ([570]).
فينبغي لكل مسلم أن يخاف على نفسه من هذه الفتن، ويجب عليه أن يبتعد عنها، ولا يقرب من أهلها، فقد بيَّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -: كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً، أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ»([571])، وأمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نستعيذ باللَّه من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، كما في حديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : «تَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ». قَالُوا نَعُوذُ بِاللَّه مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»([572]).
ويجب على المسلم أن يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يخاف على نفسه، وهو رسول اللَّه حقاً، فيقول كما في حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّه يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» ([573])، ومن حديث عَبْدَ اللَّه بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ب، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»([574]).
فأرجو ممن اطلع على هذه الأحاديث أن يعمل بها، ويتأملها، ويتدبر معانيها.
واللَّه أسأل أن يعيذنا جميعاً من الفتن، ما ظهر منها، وما بطن، ومن شرور أنفسنا، ومن نزغات الشيطان، وأن يحفظ بلاد الحرمين الشريفين من كيد الكائدين، ومن عبث العابثين، ومن كل سوء، وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، ويصرف عنهم كل شر، وأن يصلح بطانتهم، وأن يعينهم لنصرة الإسلام والمسلمين، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأحد 21/ 9/ 1437هـ.
& & &
20-وصيتي لأولادي وإخوتي وجميع أسرتي ومن اطلع عليها من المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فهذا ما أوصيت به أنا سعيد بن علي بن وهف آل جحيش آل سليمان القحطاني، وأنا في كامل صحة عقلي، وبدني، وقوتي التي منَّ اللَّه تعالى بها عليَّ، فله الحمد والمنَّة، وأنا أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد اللَّه ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن اللَّه يبعث من في القبور، أُوصي بالأمور الآتية:
أوصي أولادي: ذكوراً وإناثاً، وزوجاتي، وإخوتي، وأختي، وذرياتهم، وجميع أسرتي بوصية إبراهيم ويعقوب: ﴿إِنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾([575])، وأوصيهم بوصية اللَّه تعالى للأولين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه﴾([576])، وأن يتقوا اللَّه حق تقاته: يطيعوه فلا يعصوه، ويذكروه فلا ينسوه، ويشكروه ولا يكفروه، في سرِّهم وعلانيتهم، وفي أقوالهم وأفعالهم، ويلزموا طاعته، وينتهوا عن معصيته، وأن يقيموا الدين، ولا يتفرقوا فيه، وأن يجتمعوا على الحق، ولا يتفرَّقوا، وأن يُصلِحوا ذات بينهم؛ فإن صلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة، وفساد ذات البين هي الحالقة([577])، وفي رواية الترمذي: «لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين»، والحالقة: الماحقة للأجر والحسنات.
وعلى الجميع أن يعلموا أنهم ملاقو اللَّه تعالى، فلا ينفعهم إلا ما قدموا من عمل صالح: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾([578]).
فأوصي الجميع بالمحافظة على أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله: ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، وأن محمداً رسول الله: ومعناها: الاعتقاد الجازم أنه رسول اللَّه حقاً للجن والإنس، لا نبي بعده، ومن مقتضى ذلك طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد اللَّه إلا بما شرع، وإقام الصلاة، ويحافظ عليها الرجال مع الجماعة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وأوصي الجميع بالإيمان الكامل باللَّه تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من اللَّه تعالى، وأوصيهم جميعاً بإحسان العبادة للَّه تعالى، فيعبدوه كأنهم يرونه، فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم I.
وأوصيهم: بصدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، والوفاء بالوعد، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، واليتيم، والمسكين، والبهائم، وإكرام الضيف، وتنفيس الكرب عن المكروب من المسلمين، والتيسير على المعسر، وستر المسلم، وإعانته، والإخلاص للَّه، والتوكل عليه، والمحبة للَّه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخشية اللَّه، ورجاء رحمته، والتوبة والرجوع إليه، والصبر على حكمه، والشكر لنعمه، وقراءة القرآن مع التدبُّر والعمل به، ومراجعته، وذكر اللَّه تعالى، ودعائه، وسؤاله بقلب حاضر، والرغبة إليه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن يصلوا من قطعهم، ويُعطوا من حرمهم، ويعفوا عمن ظلمهم، والعدل في جميع الأمور، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام، وحسن الخلق، والنصيحة للَّه ولرسوله، ولكتابه، وللأئمة المسلمين، وعامتهم، وغض البصر عما حرم اللَّه تعالى، وإعفاء اللحى للرجال، والتزام الحجاب الإسلامي للنساء، وعدم سفرهن بدون محرم، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي هي أعمال أهل الجنة، وبها يصل العبد إلى جنات النعيم، وإلى رضوانه الأكبر.
ويجمع ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([579]).
وأوصيهم، وأحذرهم من الشرك بالله، وهو صرف شيء من العبادة لغير الله، وأحذرهم من الحسد، والكذب، والفجور، والخيانة، والظلم، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد المشروع بشروطه الشرعية، والبخل، والشح، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض اللَّه تعالى، واعتداء حدود اللَّه تعالى، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، ورجاء المخلوق دون الخالق، والتوكل على المخلوق دون الخالق، والعمل رياء وسمعة، ومخالفة الكتاب والسنة، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب بالباطل، والاستهزاء بآيات الله، وجحد الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم، وشهادة، والسحر، والذهاب إلى السحرة، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، وقتل النفس التي حرَّم اللَّه إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وإعطاء الرشوة، وأخذها، وأكل أموال الناس بالباطل، والفرار من الزحف بالنسبة للرجال، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، وشرب الخمر، والكبر والخيلاء، والسرقة، واليمين الغموس، وتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، والمنّ بالعطية، وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب، وتصديق الكاهن والمنجم، والتصوير لذوات الأرواح، واتخاذ القبور مساجد، والنياحة على الميت، وإسبال الثياب والبشوت والسراويل للرجال، ولبس الحرير، والذهب للرجال، وأذى الجار، وإخلاف الوعد، وحلق الحلى للرجال، أو تقصيرها، فإن في ذلك معصية للَّه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وتغيير لخلق الله، وتشبه بالكفار والنساء، والتبرج والسفور للنساء، والخلوة بالمرأة بدون محرم، وسفر المرأة بدون محرم، والخلوة بالمرأة داخل البلد بدون ثالث، أما في السفر فلا بد من محرم، واستماع الغناء والمعازف، والنظر إلى ما حرم اللَّه تعالى، وغير ذلك من أمثال هذه الأعمال التي يصل بها الإنسان إلى جهنم، نعوذ باللَّه منها، ويجمع ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾([580])، وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾([581]).
ويجمع كل ما تقدم قول اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾([582])، وقوله - عز وجل -: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([583]).
واللَّه أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهديكم سواء السبيل، وأن يجمعني بكم جميعاً في الفردوس الأعلى، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾([584]).
أسأل اللَّه أن يحقق لي ولكم ما وعد في هذه الآية، وفي قوله تعالى: ﴿للَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى﴾ وقوله: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾([585]).
وصلى اللَّه على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
حرر في 1/1/ 1429هـ.
& & &
21-بيان خطر مذهب الخوارج، وقتل الأنفس المعصومة بغير حق، والانتحار ، وتخريب المساجد، وتلويث المصاحف
الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسول اللّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أما بعد:
فإن ما حصل يوم الخميس 21/ 10/ 1436هـ من تفجير في مسجد مقر قوات الطوارئ الخاصة بمنطقة عسير، أثناء أداء صلاة الظهر جماعة، فنتج عنه استشهاد 15 مصلياً، وإصابة 33 آخرين من المصلين في هذا المسجد، وتلويث المسجد بالدماء نتيجة الانفجار، وانتشار الدماء على بعض المصاحف في المسجد، وتمزيق بعضها، فهذا عملٌ قبيح، وذنب عظيم، وجرم كبير، وفساد عريض، وعدوانٌ أثيم، وتعدٍ لحدود اللَّه ، لا يقرّه دين، ولا عقل صحيح، وقد وقع فاعله في أربع جرائم عظيمة: تكفير المسلمين واستحلال دمائهم بغير حق وقتل الأنفس المعصومة، والانتحار بقتل نفسه، وتخريب بيوت اللَّه والسعي في خرابها، وإهانة المصحف الشريف، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: مذهب الخوارج تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم:
هذا التفجير، وقتل الأنفس بغير حق حصل بسبب تكفير المسلمين، فهؤلاء السفهاء كفّروا، ففجروا، وأفسدوا، والخوارج خطر على أمة الإسلام، وهذا عملهم، والخوارج فرق كثيرة، يُقال لبعضهم في أول الإسلام (الحرورية) نسبة إلى قرية خرجوا منها، يقال لها: حروراء، وكل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت عليه الجماعة، وكفّر بكبائر المعاصي فهو من الخوارج، فهم يُكفّرون أصحاب الكبائر، ويستحلون دماءَهم، وأموالهم، ويخلدونهم في النار، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب، حتى لو كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم لارتداده عندهم عن دين الإسلام.
وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - صفاتهم بياناً واضحاً جليِّاً في الأحاديث الآتية:
1- جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقسم غنيمة بالجعرانة بعد غزوة حنين، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ([586]) إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ» فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللَّه فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: «مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ»([587]).
2- وفي لفظ آخر: اتَّقِ اللَّه يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَنْ يُطِعِ اللَّه إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي»، ثم قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ([588]) هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ([589]) يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ([590])، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ([591])»([592]).
3- وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ»([593]).
4- وعن عَلِيّ - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ([594])، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ([595])، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ([596])، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([597]).
وهذه الأحاديث فيها بيان شافٍ كامل في منهج الخوارج، وفيها معجزة باهرة، دالة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه رسول اللَّه حقاً، فقد أخبر بأنهم يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، وأنهم صغار الأسنان، وسفهاء العقول، وقد حصل هذا كالشمس في رابعة النهار، وهو من الأمور الغيبية التي أخبر اللَّه بها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: وقوعهم في قتل الأنفس المعصـومة جريمة كبيـرة فاحشة؛ للأدلة الآتية:
1- قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾([598]).
2- وقال - عز وجل -: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ ([599]) .
3- وعن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّه مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ»([600]).
4- وعن مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّه أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُل يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُل يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا»([601]).
5- وعَنْ ابْنِ عُمَرَ ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا»([602]).
ثالثاً: الانتحار، فهؤلاء فجّروا أنفسهم، وقتل الإنسان نفسه جريمة عظيمة، وذنب عظيم؛ للأدلة الاتية:
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَتَوَجَّأُ بِهَا([603]) فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ([604]) فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى([605]) مِنْ جَبَلٍ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا»([606]).
2- وعن ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ - رضي الله عنه -، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ»([607]).
رابعاً: حرم اللَّه - عز وجل - السعي في خراب المساجد، وبيّن أن من فعل ذلك فله الخزي في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة، ولا أحد أظلم منه، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّه أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾([608])، والخراب للمساجد: حسي، ومعنوي، فالخراب الحسي: هدمها، وتخريبها، وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم اللَّه فيها، وهذا عام لكل من اتصف بهذه الصفة([609]).
وقد بيّن اللَّه تعالى أن المشركين لا يعمرون مساجد اللَّه ، ولا ينبغي لهم ذلك، ولا يليق بهم، ثم بين ما لهم من الهلاك ببطلان الأعمال، والخلود في النار، وبيّن سبحانه من هم عمّار المساجد حسياً ومعنوياً، وذكر صفاتهم، ومدحهم، وأثنى عليهم، وبيّن أنهم يؤمنون باللَّه واليوم الآخر، ويخشون اللَّه، وأنهم من المهتدين، فقال تعالى([610]): ﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّه مَنْ آمَنَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّه فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾([611]).
وهذا يدل بمفهومه أن من هدم المساجد، وسعى في تخريبها، وتدميرها، وتلويثها، لا يؤمن باللَّه ، ولا باليوم الآخر، ولا يخشى اللَّه، ولا يكون من المهتدين، بل من الضالين.
وبيَّن اللَّه - عز وجل - حكمة الجهاد في سبيله، ثم بيّن أنه يدفع بالمجاهدين ضرر الكافرين، والمفسدين لدين اللَّه، ويحفظ المساجد([612]) وغيرها من مصالح المسلمين، فقال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّه النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّه كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّه مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّه لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾([613])، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّه النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّه ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾([614]).
وهذا فيه بيان أن من يدافع عن الدين، وحرمات المسلمين، ويدافع عن المساجد، ويحفظها، ويمنعها من تخريب العابثين، فهو من المجاهدين في سبيل اللَّه، وأن من يسعى في تخريب المساجد، ويعبث فيها بالإفساد، وتلويثها بالدماء المعصومة، فهو من المفسدين الضالين.
وبيّن اللَّه - عز وجل - أن أكثر نور القرآن، ونور الإيمان يحصل في المساجد([615])، فقال اللَّه - عز وجل -: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّه أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّه يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾([616]).
فكل هذه الجرائم الأربع: تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم، وقتل الأنفس المعصومة بغير حق، والانتحار بالتفجير وغيره، وتخريب المساجد وتلويثها وتلويث المصاحف الشريفة، الواحدة من هذه الجرائم توجب على فاعلها غضب اللَّه، وسخطه، وعقوبته في الدنيا والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
فيجب على المسلمين الحذر من هذه الجرائم العظيمة.
ويجب على الآباء خاصة تعليم أولادهم منهج أهل السنة والجماعة؛ فإن من الغرائب أن أغلب هؤلاء الخوارج في هذه الأزمان الذين يكفرون فيفجرون هم من صغار الأسنان: في السادسة عشرة، والسابعة عشرة، والعشرين إلى الخامسة والعشرين، وهذا يدل على إهمال في التربية، فكيف يتعلم هذا الشاب الصغير صنع المتفجرات والأحزمة الناسفة في هذا السن؟ وهذا يدل على ترك الحبل من بعض ولاة أمور الشباب على الغارب، فيجب على الوالد، أو من يقوم مقامه، أن يراقب ولده، ويلزمه بطاعة اللَّه، ولا يهمله، فيخرج مع أهل الضلال والفساد، فيعلمونه وسائل التدمير والخراب والهلاك.
ويجب على العلماء، وطلاب العلم والخطباء أن يبينوا للناس منهج الخوارج، وأن يردوا على الشبه المضلة، ويبينوا الحق بدليله.
واللَّه تعالى قد أوجب على ولاة أمر المسلمين كفّ شرّ هؤلاء الخوارج، وقتلهم لإراحة المسلمين من شرهم امتثالاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([617])، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([618]).
وأرجو ممن بلغه بياني هذا أن يبلغه لغيره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»([619])، وله من اللَّه الأجر العظيم، والثواب الكبير؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»([620]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين لكل خير، وأن يكفيهم شر الخوارج، وأعداء الدين، وأن يجعل كيد هؤلاء المارقين في نحورهم، وأن يوفق ولاة الأمر لقتلهم، وإراحة المؤمنين من شرهم، وأذاهم، وأن يجعل هؤلاء المقتولين ظلماً وعدواناً شهداء، أحياء، عند ربهم يرزقون، وأن يجزي ولاة الأمر خيراً على كبت هؤلاء المجرمين، وأن يسدد رجال الأمن، ويعينهم، ويجزيهم خير الجزاء على رباطهم، وسهرهم، وحمايتهم لبلاد الحرمين الشريفين، وأن يعيذنا جميعاً من نزغات الشيطان، فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الجمعة 22/ 10/ 1436هـ.
& & &
22-نقص الرواتب والبدلات والعلاوات
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فقد سمعنا، وسمع غيرنا بالقرارات في تخفيض بعض الرواتب، والبدلات والعلاوات من ولاة الأمر وفقهم اللَّه لحكمة ومصلحة للمسلمين رأوها.
ولا شك أن ما يصيب الناس من ضراء، ونقص في الأموال، وغيرها، بسبب ذنوبهم، ومعاصيهم، كما قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾([621]) ، قال الإمام ابن كثير :: «أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدمت لكم ﴿ويعفو عن كثير﴾ أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها، ﴿ولو يؤاخذ اللَّه الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة﴾([622])» ([623])، وقال العلامة السعدي :: «يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم، وأموالهم، وأولادهم، وفيما يحبون، ويكون عزيزاً عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللَّه عنه أكثر، فإن اللَّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون»([624])، وقال اللَّه تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾([625])، قال العلامة السعدي: «أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن، ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة اللَّه تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر، هذه فائدة المحن، لا إزالة ما مع المؤمنين من الإيمان، ولا ردهم عن دينهم، فما كان اللَّه ليضيع إيمان المؤمنين، فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾ من الأعداء ﴿وَالْجُوعِ﴾ أي: بشيء يسير منهما؛ لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ﴾، وهذا يشمل جميع النقص المعتري للأموال من جوائح سماوية، وغرق، وضياع، ... وغير ذلك»([626]).
وعلاج ذلك التوبة النصوح، والرجوع إلى اللَّه تعالى، والاستغفار، والصبر ابتغاء مرضاة اللَّه تعالى لقول اللَّه تعالى في الآية السابقة: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للَّه وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾([627])، وقول اللَّه - عز وجل -: ﴿إِنَّ اللَّه لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾([628]) ، قال العلامة السعدي :: «﴿إِنَّ اللَّه لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ﴾ من النعمة، والإحسان، ورغد العيش ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أو من شكر نعم اللَّه إلى البطر بها، فيسلبهم اللَّه عند ذلك إياها، وكذلك إذا غير العباد ما بأنفسهم من المعصية، فانتقلوا إلى طاعة اللَّه ، غير اللَّه عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير، والسرور، والغبطة، والرحمة»([629]) ، وقال اللَّه تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾([630])، قال العلامة السعدي :: «﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ أي: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا اللَّه منها، ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، واندفاع العقاب، ورغبهم أيضاً، بخير الدنيا العاجل، فقال: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ أي: مطراً متتابعاً، يروي الشعاب والوهاد، ويحيي البلاد والعباد، ﴿وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا، وأولادكم، ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ وهذا من أبلغ ما يكون من لذات الدنيا ومطالبها»([631]) ، وبالصبر على المصائب يحصل الثواب العظيم، لقول اللَّه تعالى في الآية السابقة: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ قال العلامة السعدي :: «وأما من وفقه اللَّه للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط، قولاً وفعلاً واحتسب أجرها عند اللَّه، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه؛ لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له، وأنفع منها، فقد امتثل أمر اللَّه، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب، فالصابرون، هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة»([632]) ، وثبت في حديث أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّه بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ»([633]).
ويجب طاعة ولاة الأمر في طاعة اللَّه تعالى؛ لقول اللَّه - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([634]) ، وولاة الأمر هم: العلماء، والولاة، والأمراء([635])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني»([636])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «عليك السّمعُ والطّاعةُ في عُسْرِك، ويُسرِك، ومَنشطك ومَكرهك([637])، وأثرةٍ([638]) عليكَ»([639]) ، وثبت من حديث أم الحصين ل أنها قالت: «سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع وهو يقول: «وَلَوِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا»([640]) ، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ العَصْرِ، فَقَالَ: وَاللَّه الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ» ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾([641])» ([642])، وعن عبد اللَّه بن عمر ب قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللَّه يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([643]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «فطاعة اللَّه ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة؛ لأمر اللَّه بطاعتهم، فمن أطاع اللَّه ورسوله بطاعة ولاة الأمر للَّه فأجره على اللَّه ، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم: فما له في الآخرة من خلاق»([644])، وقال ابن رجب :: «أما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم»([645]).
واللَّه أسأل أن يصلح أحوالنا، وأحوال جميع المسلمين، وأن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه، وسلم، وبارك على نبيِّنا محمد.
حرر يوم الإثنين 2/1/ 1438هـ.
& & &
23-الهلاك والدمار والهزائم والخذلان بارتكاب المعاصي والمنكرات
الحمد لَّله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي تسبب الهلاك والدمار، والهزائم، والخذلان، والأمراض التي لم تكن في الأسلاف، والمعاصي في الاصطلاح الشرعي: هي ترك المأمورات، وفعل المحظورات، فتبين بذلك أن المعاصي هي ترك ما أمر اللَّه به أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفعل ما نهى اللَّه عنه، أو نهى عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -: من الأقوال، والأعمال، والمقاصد الظاهرة والباطنة([646])، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾([647])، وقال I: +وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَـهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا_([648])، وقال - عز وجل -: +وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا_.
والمعاصي لها أسباب كثيرة تحصل بسببها، وتكثر وتقل بذلك، وهذه الأسباب نوعان، على النحو الآتي:
الابتلاء بالخير والشر، والابتلاء بالمال والولد، وقد تكون الفتنة أعمَّ مما تقدّم، قال اللَّه - عز وجل -: +وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا_([649])، وهذه الفتن وغيرها مما في معناها تكون من أسباب النجاة عند النجاح في الاختبار، وتكون من أسباب المعاصي والهلاك عند الإخفاق والرسوب في الامتحان، واللَّه نسأل التوفيق والعفو والعافية في الدنيا والآخرة، والمعاصي لها أسباب، منها: ضعف الإيمان واليقين باللَّه - عز وجل -، والجهل به سبحانه، والشبهات، والشهوات، والشيطان من أعظم أسباب وقوع المعاصي: لأنه أخبث عدو للإنسان.
ولا شك أن أصول المعاصي ثلاثة: الكِبْر: وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحِرْص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحَسَد: وهو الذي جرَّأَ أحد ابني آدم على أخيه، فمن وُقِيَ شر هذه الثلاثة فقد وُقِيَ الشر، فالكفر من الكِبْر، والمعاصي من الحِرص، والبغي والظلم من الحسَد »([650]).
والمعاصي لها أقسام:
القسم الأول: أن يتعاطى الإنسان ما لا يصلح له من صفات الربوبية: كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلو، واستعباد الخلق، ونحو ذل.
والقسم الثاني: الذنوب التي يتشبه الإنسان بالشيطان في عملها، فالتشبه بالشيطان: في الحسد، والبغي، والغش، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله، وتحسينها، والنهي عن طاعة الله، وتهجينها، والابتداع في الدين، والدعوة إلى البدع والضلال، وهذا القسم يلي القسم الأول في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه.
والقسم الثالث: ذنوب العدوان، وهي الذنوب التي يشبه الإنسان في فعلها السباع، وهي ذنوب العدوان، والغضب، وسفك الدماء، والتوثّب على الضعفاء والعاجزين، ويتولّد من هذا القسم أنواع أذى النوع الإنساني، والجرأة على .
والقسم الرابع: وهي الذنوب التي يشبه الإنسان في فعلها البهائم، مثل: الشره، والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولّد الزنا، والسرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشحّ، والجبن، والهلع، والجزع، وغير ذلك، وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق؛ لعجزهم عن الذنوب الملكية، والسبعية، ومن هذا القسم يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرّهم إليها بالزّمام([651]).
ولا شك أن المعاصي نوعان: كبائر وصغائر، قال الإمام ابن القيم :: «وقد دلّ القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم، والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر»([652])، قال اللَّه - عز وجل -: +إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا_([653])، وقال - عز وجل -: +الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ_([654])، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أيّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل للَّه نِدّاً وهو خلقك»، قلت: إن ذلك لعظيم. قال قلت: ثم أيُّ؟ قال: «ثم أن تقتل ولدَك مخافةَ أن يَطعمَ معك»، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: «ثم أن تزاني حَليلةَ جارك»([655]).
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وجلس وكان متكئاً فقال: «ألا وقول الزور»، فمازال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت([656]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنِبَتِ الكبائر»، وفي رواية: «ما لم تُغْشَ الكبائر»([657]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول اللَّه وما هنّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم اللَّه إلا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([658]).
والصواب: أن الكبائر كل ذنب ترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، أو تُوعِّد عليه بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو العقوبة، أو نفي إيمان، وما لم يترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، ولا وعيدٌ في الآخرة، فهو صغيرة([659])، ولكن قد تكون الصغائر من الكبائر لأسباب، منها:
1 - الإصرار والمداومة عليها، كما في قول ابن عباس ب: «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار»([660]).
2 - استصغار المعصية واحتقارها، فعن عائشة ل قالت: قال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائشة إيَّاكِ ومُحقرَاتِ الأعمال فإن لها من اللَّه طالباً»([661])، وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال:قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:«إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه»([662])، وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا»، قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه([663]).
3 - الفرح بالصغيرة والافتخار بها، كأن يقول ما رأيتني كيف مَزَّقت عِرض فلان، وذكرت مساويه حتى خجَّلته، أو خدعته، أو غبنته.
4 - أن يكون عالماً يُقتدى به.
5 - إذا فعل الذنب ثم جاهر به؛ لأن المجاهر غير معافى([664])، فينبغي لكل مسلم أن يبتعد عن جميع الذنوب صغيرها وكبيرها؛ ليكون من الفائزين في الدنيا والآخرة.
ولا شك أن المعاصي لها أضرار على الفرد والمجتمع، منها: آثارها على القلب: 1 - ضرر المعاصي على القلب كضرر السموم على الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلا سببه الذنوب والمعاصي؟([665])، 2 - حرمان العلم؛ فإن العلم نور يقذفه اللَّه في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور، وتُعمي بصيرة القلب، وتسدُّ طرق العلم، وتحجب موارد الهداية، قال اللَّه - عز وجل -: +فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ_([666])، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: «إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية»([667])، وقال الشافعي ::
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي | فأرشدني إلى ترك المعاصي | |
وأخبرني بأن العلم نورٌ | ونورُ اللَّه لا يُهدَى لعاصي([668]) |
3 - الوحشة في القلب بأنواعها: وحشة بين العاصي وبين ربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الخلق، وكلّما كثرت الذنوب اشتدّت الوحش.
4 - الظلمة في القلب؛ فإن العاصي يجد ظلمة في قلبه حقيقة يُحسّ بها كما يُحسّ بظلمة الليل البهيم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسِّية لبصره؛ فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع، والضلالات، والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً فيه يراه كل أحد([669])،قال عبد اللَّه بن عباس ب: «إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق»([670]).
5 - تُوهن القلب وتُضعفه.
6 - تحجب القلب عن الربّ في الدنيا، والحجاب الأكبر يوم القيامة، كما قال اللَّه - عز وجل -: +كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ*كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّـمَحْجُوبُونَ_([671])، فكانت الذنوب حجاباً بينهم وبين قلوبهم، وحجاباً بينهم وبين ربهم وخالقهم([672]).
7 - يألف المعصية، فينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.
8 - هوان المعاصي على المصرّين عليها، فلا يزال العبد يرتكب المعاصي حتى تهون عليه، وتصغر في قلبه وعينه، وذلك علامة الهلاك؛ لأن الذنب كلما صغر في قلب العبد وعينه عَظُم عند الله.
9 - تُورث الذلّ، فإنّ العزّ كلّ العزّ في طاعة اللَّه - عز وجل - ،والذلّ كلّ الذلّ في معصية اللَّه I،قال اللَّه - عز وجل -:+مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللَّه الْعِزَّةُ جَمِيعًا _([673])، وقال - عز وجل -: +وَللَّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْـمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ _([674]).
10 - تُفسد العقل وتُؤثر فيه؛ فإن للعقل نوراً، والمعصية تُطفئ نور العقل.
11 - تطبع على القلب، فإذا تكاثرت طبعت على قلب صاحبها، فكان من الغافلين.
12 - الذنوب تطفئ غيرة القلب؛ فإنّ أشرف الناس وأعلاهم همّةً أشدّهم غيرةً على نفسه وخاصته، وعموم الناس؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الخلق على الأمة، واللَّه - عز وجل - أشد غيرة منه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فواللَّه لأنا أغير منه، واللَّه أغير مني، من أجل غيرة اللَّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث اللَّه المرسلين مُبشّرين ومُنذِرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد اللَّه الجنة»([675])، وعن عائشة ل أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أُمة محمد ما أحد أغير من اللَّه أن يرى عبده أو أمته يزني، يا أُمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً»([676])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللَّه يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة اللَّه أن يأتي المؤمن ما حرَّم [الله] عليه»([677])، وعن جابر بن عتيك مرفوعاً: «إن من الغيرة ما يـحـــب الله، ومنـــها ما يُبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يُبغض الله، فأما الغيرة التي يحب اللَّه فالغيرة في ريبة، وأما التي يُبغض اللَّه فالغيرة في غير الريبة، والاختيال الذي يحب اللَّه اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض اللَّه - عز وجل - الخيلاء في الباطل»([678])، والمقصود بالغيرة في الريبة: الغيرة في مواضع التهمة والتردّد، فتظهر فائدتها، وهي الرهبة والانزجار، وإن كانت الغيرة بدون ريبة فإنها تورث البغض والفتن([679])، والاختيال في الصدقة أن يكون سخياً، فيعطي طيبة بها نفسه، فلا يستكثر كثيراً، ولا يعطي منها شيئاً إلا وهو مستقلّ، وأما الحرب: فأن يتقدم فيها بنشاط وقوة وعدم جبن([680]).
13 - الذنوب تذهب الحياء من القلب، وهو أصل كلّ خير، وذهابه ذهاب الخير كله، فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الحياءُ خير كله»، أو قال: «الحياءُ كله خير»([681])، وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الحياء لا يأتي إلا بخير»([682]).
14 - المعاصي تلقي الخوف والرعب في القلوب، فلا ترى العاصي دائماً إلا خائفاً .
15 - تُمْرِضُ القلب، وتَصْرِفُهُ عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، وتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب، ولا دواء لها إلا تركها.
16 - المعاصي تُصغّر النفوس، وتقمعها، وتدسِّيها، وتحقِّرها حتى تصير أصغر شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها.
17 - خسف القلب ومسخه، وعلامة خسف القلب أنه لا يزال جوّالاً حول السفليات والقاذورات والرذائل، كما أن القلب الذي رفعه اللَّه وقرَّبه إليه لا يزال جوالاً حول العر.
18 - المعاصي تُنكّس القلب حتى يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً، والمنكر .
19 - تُضَيِّق الصدر، فالذي يقع في الجرائم، ويُعرض عن طاعة اللَّه يضيق صدره بحسب إعراضه، قال اللَّه - عز وجل -: +فَمَن يُرِدِ اللَّه أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّه الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ_([683]).
والمعاصي لها آثار على الدين:
20 - تزرع المعاصي أمثالها، ويولد بعضها بعضاً، حتى يصعب على العبد التخلص منها، كما قال بعض السلف: «إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها».
21 - تَحْرِمُ الطاعة وتُثَبِّطُ عنها.
22 - المعصية سبب لهوان العبد العاصي على اللَّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري :: «هانوا عليه فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم»([684])، وإذا هان العبد على اللَّه لم يكرمه أحد، كما قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَن يُهِنِ اللَّه فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ_([685]).
23 - تُدخل الذنوب العبد تحت لعنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لعن على معاصٍ وغيرها أكبر منها، فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة، فلعن: الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة([686])، ولعن النامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللَّه تعالى([687])، ولعن آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء([688])، ومرَّ على حمار قد وُسِمَ في وجهه فقال: «لعن اللَّه الذي وسمه»([689])، ولعن السارق يسرق البيضة فتُقطع يده، ويسرق الحبل فتُقطع يده([690])، ولعن من ذبح لغير الله، ومن آوى مُحدِثاً، ومن لعن والديه، ومن غيّر منار الأرض([691])، ولعن المتشبّهات بالرجال من النساء، والمتشبّهين بالنساء من الرجال([692])، ولعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه [وآكل ثمنها]([693])، ولعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً يرميه([694])، ولعن المصور([695])، ولعن من سبَّ أباه، ومن سبَّ أمه، ومن كمه أعمى عن الطريق، ومن وقع على بهيمة، ومن عمل بعمل قوم لوط([696])، ولعن الراشي والمرتشي([697])، ولعن زوّارات القبور والمتّخذين عليها المساجد والسُّرُج([698])، ولعن من أتى امرأة في دبرها([699])، وأخبر أن من باتت مهاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح([700])، وأخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه([701])، وقد لعن اللَّه - عز وجل - في كتابه من آذاه وآذى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ([702])، ولعن من أفسد في الأرض، ونقض عهد اللَّه وقطع ما أمر اللَّه به أن يوصل ([703])، ولعن من كتم ما أنزل اللَّه من البينات والهدى ([704])، ولعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة([705])، ولعن من جعل سبيل الكافرين أهدى من سبيل المؤمنين([706])، ولعن اللَّه ورسوله على أشياء غير هذه، فلو لم يكن في فعل ذلك إلا رضاء فاعله بأن يكون ممن يلعنه اللَّه ورسوله وملائكته لكان في ذلك ما يدعو إلى تركه، فليبتعد العاقل عن كل معصية حتى ينجو،واللَّه المستعان([707]).
24 - حرمان دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والملائكة، فإن اللَّه سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وبيّن سبحانه أن الملائكة يستغفرون لهم.
25 - والمعاصي تُسبّب نسيان اللَّه لعبده ونسيان العبد نفسه، فإذا نسي اللَّه العبد فهناك الهلاك الذي لا يُـرجى معــه نجا.
26 - تخرج صاحبها من دائرة الإحسان، فإن من عقوبات المعاصي أن تمنع العاصي ثواب المحسنين.
27 - تفوِّت ثواب المؤمنين، ومن فاته ثواب المؤمنين وحسن دفاع اللَّه عنهم فاته كل خير، رتبه اللَّه في كتابه على الإيمان، وهو نحو مائة خصلة كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها.
28 - توجب القطيعة بين العبد والرب، وإذا وقعت القطيعة بين العبد وربه انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب .
29 - المعاصي تجعل صاحبها أسيراً للشيطان، وفي سجن شهواته وقيود هواه، فهو أسير مسجون .
30 - المعاصي تجعل صاحبها من السفلة؛ فإن اللَّه خلق خلقه قسمين: عُلية، وسفلة، وجعل عليين مستقرّ العلية، وأسفل سافلين مستقر السفلة، وجعل أهل طاعته الأعلين في الدنيا والآخرة، وأهل معصيته الأسفلين في الدنيا والآخرة([708]).
31 - المعاصي تُسْقِط الكرامة، فإن من عقوباتها: سقوط الجاه، والمنزلة والكرامة عند اللَّه - عز وجل - ؛ فإن أكرم الخلق عند اللَّه أتقاهم([709]).
32 - كراهية اللَّه للعاصي، قال اللَّه - عز وجل -: +وَاللَّه لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ_([710])، وقال - عز وجل -: +إِنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا_([711]).
36 - المعاصي تحرم الرزق، ولا شك أن الرجل قد يُحرم الرزق بالذنب لحديث ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ»([712])، وكما أن تقوى اللَّه مجلبة للرزق كما قال سبحانه: +وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ_([713]).
37 - المعاصي تُزيل النعم، وتحلّ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلّت به نقمة إلا بذنب، كما ذُكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال:«ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة»([714])، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ_([715])، وقال - عز وجل -: +ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ_([716])، فلا يغيّر اللَّه تعالى نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة اللَّه بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّر غُيِّر عليه جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبي، فإن غيّر المعصية بالطاعة غيَّر اللَّه عليه العقوبة بالعافية، والذلّ بالعزّ، قال اللَّه تعالى: +إِنَّ اللَّه لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَـهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ_، ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها | فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَم | |
وحطها بطاعة ربِّ العباد | فربُّ العباد سريع النقم([717]) |
38 – المعاصي تزيل البركة في المال، وقد تُتلفه، ومن ذلك أن من كذب في بيعه وشرائه، وكتم العيوب في السلعة، عُوقب بمحق البركة، فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما»([718])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى اللَّه عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»([719])، والمعنى أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن اللَّه يفتح عليه في الدنيا، فييسّر له أداءه، أو يتكفّل اللَّه به عنه يوم القيامة، ومن أخذها يريد إتلافها وقع له الإتلاف في معاشه وماله، وقيل: المراد بذلك عذاب الآخرة([720]).
39 – والمعاصي من آثارها على الفرد أنها تمحق البركات: بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاع.
40 - والمعاصي مجلبة للذمّ، فإن من عقوباتها أن تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذمّ والصَّغار.
41 - والمعاصي تجرِّئ على الإنسان أعداءه، وهذا من عقوباتها على فاعلها، فتجرِّئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء، والوسوسة، التخويف، والتحزين، وإنسائه ما فيه مصلحته، وتجرئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، وتجرئ عليه أهله، وخدمه وأولاده، وجيرانه، وهذا يكفي في قبح المعاصي، واللَّه المستعان([721]).
42 – والمعاصي تضعف العبد أمام نفسه، وهذا من أعظم عقوبات المعاصي، فإنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل.
43 – من أعظم أخطار المعاصي: مكر اللَّه بالماكر، ومُخادعته للمُخادع، واستهزاؤه بالمستهزئ، وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق، وكل ذلك من عقوبات المعاصي، وأضرارها، نسأل اللَّه العفو والعافية([722].
44 – المعاصي تسبب المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذاب في الآخرة، كلّ ذلك من عقوبات المعاصي، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى_([723]).
45 – المعاصي تسبب للعاصي تعسير أموره عليه، وهذا من أعظم ما يصيب العاصي، فلا يتوجَّهُ لأمر إلا يجده مُغلقاً دونه، أو متعسّراً عليه، وهذا كما أن من اتقى اللَّه جعل له من أمره يسراً.
46 - تُقصِّر المعاصي العمر، وتمحق بركته ولا بدّ؛ فإن البر كما يزيد في العمر، فالفجور يقصّر العم.
47 – بالمعاصي يرفع اللَّه مهابة العاصي من قلوب الخلق،وهذا من بعض عقوبات المعاصي.
والمعاصي لها آثار على الأعمال: فلاشك أن الأعمال تتأثر في بعض الأحوال بالمعاصي.
48 - فعن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لأعلمنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضاً فيجعلها اللَّه - عز وجل - هباءً منثوراً»، قال ثوبان - رضي الله عنه -: يا رسول اللَّه صفهم لنا، جَلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللَّه انتهكوها»([724])، قلت: ولعل هؤلاء استحلّوا هذه المحارم، أو عملوا عملاً يخرجهم عن الإسلام، أو لهم غرماء أُعطوا هذه الحسنات كلها، واللَّه - عز وجل - أعلم.
49 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة: بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرح في النار»([725]).
50 - إهلاك الأمم بسبب المعاصي ولاشك أن جميع الأضرار في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة، والنعيم، والبهجة، والسرور، إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب؟، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّل بالقرب بُعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظّى، وبالإيمان كفراً؟، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماءُ فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظّى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم: فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون، وداره، وماله، وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّه لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾([726]) لاشك أن الذي أصاب هؤلاء جميعاً وأهلكهم هي ذنوبهم.
51 - إزالة النعم، فالمعاصي تزيل النعم بأنواعها؛ فإن شكر اللَّه على نعمه يزيدها، قال اللَّه - عز وجل -: +وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد_([727])، ونعم اللَّه على عباده كثيرة لا تُحصى، كما قال - عز وجل -: +وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّه لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ_([728])، +وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّه لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ_([729])، ومن النعم على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: نعمة الإيمان، وهي أعظم النعم على الإطلاق، ونعمة المال والرزق الحلال، ونعمة الأولاد، ونعمة الأمن في الأوطان، ونعمة العافية في الأبدان([730])، وهذه النعم وغيرها تزيد بالشكر، وتزول أو تنقص، أو لا يبارك فيها للعبد بالذنوب والمعاصي، والإعراض عن اللَّه - عز وجل -. قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ _([731]).
52 – ومن خطر المعاصي نزول العقوبات العامة المهلكة، من ظهور الطاعون، ونزول الأوجاع التي لم تكن في الأسلاف الذين مضوا، والأخذ بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ومنع القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، وتسليط الأعداء، ويجعل اللَّه بأسهم بينهم، فعن عبد اللَّه بن عمر ب قال: أقبل علينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ باللَّه أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط اللَّه عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب اللَّه ويتخيروا مما أنزل اللَّه إلا جعل اللَّه بأسهم بينهم».
53 - وحلول الهزائم، فإن ذلك بأسباب المعاصي والإعراض عن دين اللَّه - عز وجل -، كما أن من أسباب النصر الطاعة والإقبال على اللَّه I، قال اللَّه - عز وجل -: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّه كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّه وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّه وَاللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ _([732])، وقال سبحانه: +إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ _([733])، وقال اللَّه - عز وجل -: +وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ_([734])، وقال سبحانه: +وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّه لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ_([735])، وقال اللَّه - عز وجل -: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّه يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لّـَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَـهُمْ_([736])، فالأخذ بهذه الأسباب من أعظم أسباب النصر، وتركها من أعظم أسباب حلول الهزائم والخسارة في الدنيا والآخرة([737]).
54 - المعاصي مواريث الأمم الظالمة، فليحذر المسلم أن يرث المعاصي عن الظالمين، فإن اللوطية: ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص: ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض بالفساد: ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتجبر: ميراث عن قوم هود، وغير ذلك، فالعاصي لابس ثياب هذه الأمم، وهم أعداء اللَّه - عز وجل -([738]).
55 - المعاصي تؤثر حتى على الدوابّ، والأشجار، والأرض وعلى المخلوقات.
56 - تسبب عذاب القبر، وعذاب يوم القيامة، وعذاب النار، نعوذ باللَّه من ذلك([739]).
أما العلاج، وأسباب السلامة، فتكون:
أولاً: بالتوبة النصوح والاستغفار من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، قال اللَّه - عز وجل -: +وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ_([740])، وقال سبحانه: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّه تَوْبَةً نَّصُوحًا_([741])، وقال - عز وجل -: +قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ_([742])، وقد مدح اللَّه المسارعين إلى التوبة فقال: +وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّه فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّه وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ_([743])، وقال اللَّه - عز وجل -: +وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّـمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا ثُمَّ اهْتَدَى_([744]).
ثانياً: تقوى اللَّه - عز وجل - ، في السر والعلن، وهي أن يعمل العبد بطاعة اللَّه على نور من اللَّه يرجو ثواب الله، ويترك معصية اللَّه على نور من اللَّه يخاف عقاب الله. ويجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك.
ثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال اللَّه - عز وجل -: +وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ﴾([745])، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعُنُّه فلا يستجيب لكم»([746])، وقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ قَالَ عَنْ خَالِدٍ وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ»، وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه مِنْهُ بِعِقَابٍ »، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ كَمَا قَالَ خَالِدٌ أَبُو أُسَامَةَ وَجَمَا، وَقَالَ شُعْبَةُ فِيهِ «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ»([747]) وقال اللَّه - عز وجل -: +فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ_([748]).
رابعاً: الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، في جميع الاعتقادات، والأقوال والأفعال([749]).
خامساً: الدعاء والالتجاء إلى اللَّه - عز وجل -: فالدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلَّف عنه أثره: إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله؛ لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على اللَّه - عز وجل -، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو، وإما لعدم توافر شروط الدعاء المستجاب([750])، والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء: يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن([751])، ومقامات الدعاء مع البلاء ثلاثة:
المقام الأول: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
المقام الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً.
المقام الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه([752])، فعن ابن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد اللَّه بالدعاء »([753])، وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر»([754])، الإلحاح في الدعاء من أنفع الأدوية، فالمسلم الصادق يُقبل على الدعاء، ويلزمه، ويُواظب عليه، ويُكرره في أوقات الإجابة، وهذا من أعظم ما يُطلب به إجابة الدعاء([755]).
وآفات الدعاء التي تمنع ترتّب أثره، أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويترك الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعهّده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله([756])، وأوقات إجابة الدعاء مهمة ينبغي أن يعتني الداعي في دعائه بها، ومن أعظمها: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى صلاة الجمعة، وآخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة، فإذا حضر القلب في هذه الأوقات، وصادف خشوعاً وانكساراً بين يدي الرب، وذلاً له وتضرّعاً ورقّة، واستقبل الداعي القبلة؛ وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه، ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على اللَّه وألحّ عليه في المسألة، وتوسّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته، وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردّ أبداً([757]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، ويصلح بطانتهم، ويعينهم على أمور دينهم، ودنياهم، ويجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين، ولا مضلين، وأن ينفع بهم الإسلام، والمسلمين، وصلى اللَّه ، وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الخميس 13/ 2/ 1439هـ
& & &
قسم الصلاة
24-فضل الأذان والإمامة وثواب الأئمة المؤذنين
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد.
فإن من فضل اللَّه تعالى على الأئمة والمؤذنين أن جعل لهم الأجر العظيم، والثواب الكبير على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم الأذان والإقامة:
1ـ الأذان في اللغة: الإعلام بالشيء، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّه وَرَسُولِهِ﴾([758])، أي إعلام. وقوله: ﴿آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنبياء: 109]، أي أعلمتكم فاستوينا في العلم([759]).
والأذان في الشرع: الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مخصوصة مشروعة([760])، وسُمِّي بذلك؛ لأن المؤذن يعلم الناس بمواقيت الصلاة، ويُسمى النداء؛ لأن المؤذن ينادي الناس ويدعوهم إلى الصلاة([761])، قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: 58]، وقال: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّه﴾ [الجمعة: 9].
2- الإقامة في اللغة: مصدر أقام، من إقامة الشيء إذا جعله مستقيمًا.
والإقامة في الشرع: الإعلام بالقيام إلى الصلاة المفروضة بذكر مخصوص مشروع([762]) فالأذان إعلام بالوقت والإقامة إعلام بالفعل، وهي تسمى الأذان الثاني والنداء الثاني([763]).
3- الأذان والإقامة فرضا كفاية على الرجال دون النساء للصلوات الخمس المكتوبة، وصلاة الجمعة خامسة يومها، فهما مشروعان بالكتاب، لقول اللَّه تعالى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾([764])، وقوله I: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾([765])، وبالسنة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث مالك بن الحويرث: «فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم»([766])، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أحدكم» يدل على أن الأذان فرض كفاية([767]).
قال ابن تيمية :: «وفي السنة المتواترة أنه كان يُنادى للصلوات الخمس على عهد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وبإجماع الأمة وعملها المتواتر خلفًا عن سلف»([768]).
والصواب أن الأذان يجب على الرجال: في الحضر، والسفر، وعلى المنفرد، وللصلوات المؤداة والمقضية، وعلى الأحرار والعبيد([769]).
ثانيًا: فضل الأذان:
قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّه وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([770]).
وثبت في فضل الأذان والمؤذنين أحاديث منها:
1- المؤذنون أطول أعناقًا يوم القيامة؛ لحديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة»([771]).
2- يطرد الشيطان؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا نُودي للصلاة أدبر الشيطان له ضُراط حتى لا يسمع التأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أقبل حتى إذا ثُوِّب للصلاة أدبَرَ، حتى إذا قُضِيَ التَّثْويبَ([772]) أقبلَ حتى يَخطُرُ بين المرء ونفسه، يقول له: اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى»([773]).
3- لو يعلم الناس ما في النداء لاستهموا عليه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير([774]) لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة([775]) والصبح لأتوهما ولو حبوًا»([776]).
4- لا يسمع صوت المؤذن شيء إلا شهد له، قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - لعبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري: «إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء؛ فإنه لا يسمعُ مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»([777]).
5- يغفر للمؤذن مدى صوته وله مثل أجر من صلى معه؛ لحديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اللَّه وملائكته يصلون على الصف المقدَّم، والمؤذنُ يغفرُ له مدَّ صوته، ويصدقه من سمعه من رطبٍ ويابسٍ وله مثلُ أجر من صلى معه»([778]).
6- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له بالمغفرة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الإمام ضامنٌ([779]) والمؤذن مؤتمن([780])، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»([781]).
7- الأذان تُغفر به الذنوب ويُدخِل الجنة؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يعجب ربكم من راعي غنمٍ في رأس شظيَّة(21) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول اللَّه - عز وجل -: انظروا إلى عبدي هذا يؤذنُ ويقيمُ يخاف مني، فقد غفرتُ لعبدي وأدخلته الجنة»([782]).
8- عن ابن عمر أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أذَّن ثنتَي عشرةَ سنةً وجبتْ له الجنة، وكتب له بتأذينه في كلِّ يومٍ ستونَ حسنةً، ولكلِّ إقامةٍ ثلاثونَ حسنةً»([783]).
ثالثاً: مفهوم الإمامة والإمام:
الإمامة: مصدر أمَّ الناس: صار لهم إماماً يتبعونه في صلاته([784]). أي: تقدّم رجل المصلين ليقتدوا به في صلاتهم، والإمامة: رياسة المسلمين، والإمامة الكبرى: رياسة عامة في الدين والدنيا، خلافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والخلافة هي الإمام الكبرى، وإمام المسلمين: الخليفة ومن جرى مجراه([785]). والإمامة الصغرى: ربط صلاة المؤتم بالإمام بشروط([786]).
الإمام: كل من اقتُدِي به، وقُدِّم في الأمور، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إمام الأئمة، والخليفة: إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام الجند: قائدهم.
والإمام جَمْعُهُ: أئمة، والإمام في الصلاة: من يتقدم المصلين ويتابعونه في حركات الصلاة. والإمام: من يأتم به الناس من رئيس وغيره، محقّاً كان أو مبطلاً، ومنه: إمام الصلاة، والإمام: العالم المقتدى به، وإمام كل شيء: قيمه والمصلح له([787]).
رابعاً: فضل الإمامة في الصلاة:
1- الإمامة في الصلاة ولاية شرعية ذات فضل، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله»([788]). ومعلوم أن الأقرأ أفضل، فقرنا بأقرأ يدل على أفضليتها([789]).
2- الإمام في الصلاة يُقتدى به في الخير، ويدلّ على ذلك عموم قول اللَّه - عز وجل - في وصفه لعباد الرحمن، وأنهم يقولون في دعائهم لربهم: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾([790]) المعنى: اجعلنا أئمة يقتدى بنا في الخير، وقيل: المعنى: اجعلنا هداة مهتدين دعاة إلى الخير([791]). فسألوا اللَّه أن يجعلهم أئمة التقوى يقتدي بهم أهل التقوى، قال ابن زيد كما قال لإبراهيم: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما﴾([792])، وامتنّ اللَّه - عز وجل - على من وفقه للإمامة في الدين فقال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ﴾ ([793]) أي لَمّا كانوا صابرين على أوامر اللَّه - عز وجل - وترك نواهيه، والصبر على التعلم والتعليم والدعوة إلى اللَّه، ووصلوا في إيمانهم إلى درجة اليقين – وهو العلم التام الموجب للعمل – كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر اللَّه، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر([794]).
3- دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للأئمة بالإرشاد وللمؤذنين بالمغفرة، كما سيأتي في الحديث.
4- الإمامة فضلها مشهور، تولاها النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولاها أفضل المسلمين علماً وعملاً، ولا يمنع هذا الفضل العظيم أن يكون الأذان له ثواب أكثر، لِمَا فيه من إعلان ذكر اللَّه تعالى، ولِمَا فيه من المشقّة، ولهذا اختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ فمنهم من قال: الإمامة أفضل، لِمَا سبق من الأدلة، ومنهم من قال: الأذان أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين»([795])، ومنزلة الأمانة فوق منزلة الضمان وأعلى منه، والمدعو له بالمغفرة أفضل من المدعو له بالرشد، فالمغفرة أعلى من الإرشاد، لأن المغفرة نهاية الخير([796]).
واختار شيخ الإسلام : أن الأذان أفضل من الإمامة([797]). وأما إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإمامة الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - فكانت متعينة عليهم، فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يمكن الجمع بينها وبين الأذان فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل([798]).
5- عظم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها ظاهر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم [ولهم] وإن أخطأوا فلكم وعليهم»([799]). والمعنى: «يصلون» أي الأئمة «لكم» أي لأجلكم، «فإن أصابوا» في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن «فلكم» ثواب صلاتكم، «ولهم» ثواب صلاتهم، «وإن أخطأوا» أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم محدثين «فلكم»، ثوابها، «وعليهم» عقابها([800]). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: « مَن أمّ الناس فأصاب الوقت فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم »([801]).
وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء – يعني – فعليه ولا عليهم»([802]).
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حرر في يوم السبت 12/ 6/ 1427هـ.
& & &
25-حكم الصلاة وعظم شأنها في دين الإسلام
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلا شك أن الصلاة أعظم ما أمر اللَّه به ورسوله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بعد الشهادتين، ولها مكانة عظيمة، ومنزلة رفيعة، وأهمية بالغة مؤكد، ولها خصائص عظيمة انفردت بها على سائر الأعمال الصالحة للأمور الآتية:
1- الصلاة فريضة على كل مسلم بالغ عاقل، إلا الحائض والنفساء، لقول اللَّه تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيّمَةِ﴾([803]). وقوله - عز وجل -: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾([804]).
ولحديث معاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وقال له: «وأعلمهم أن اللَّه افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة»([805]).
وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - يقول: «خمس صلوات كتبهن اللَّه على العباد، فمن جاء بهن لم يضيّع منهن شيئًا استخفافًا بحقّهنّ، كان له عند اللَّه عهدًا أن يدخله الجنة... » الحديث([806]).
وقد أجمعت الأمة على وجوب خمس صلوات في اليوم والليلة([807]).
2- الصلاة عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، ففي حديث معاذ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأس الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِه الجهادُ»([808]). وإذا سقط العمود سقط ما بني عليه.
3- أول ما يحاسب عليه العبد من عمله، فصلاح عمله وفساده بصلاح صلاته وفسادها، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة: الصلاة، فإن صلحت صلح سائرُ عمله، وإن فسدت فسد سائرُ عمله». وفي رواية: «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته، فإن صلحت فقد أفلح، [وفي رواية: وأنجح]، وإن فسدت فقد خاب وخسر»([809]).
وعن تميم الداري - رضي الله عنه - مرفوعًا: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال اللَّه - عز وجل - لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون بها فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تُؤخذ الأعمال على حسب ذلك»([810]).
4- آخر ما يُفقد من الدين، فإذا ذهب آخر الدين لم يبق شيء منه، فعن أبي أمامة مرفوعًا: «لتُنقضن عُرَى الإسلام عُروة عُروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضًا الحكم، وآخرهن الصلاة»([811]). وفي رواية من طريق آخر: «أول ما يُرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، وربّ مصلٍّ لا خير فيه»([812]).
وعن أنس - رضي الله عنه - مرفوعاً: «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة»([813]).
5- آخر وصية أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته، فعن أم سلمة ل أنها قالت: كان من آخر وصية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، حتى جعل نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه»([814]).
6- مدح اللَّه القائمين بها ومن أمر بها أهله، فقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا﴾([815]).
7- ذم اللَّه المضيعين لها والمتكاسلين عنها، قال اللَّه تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾([816]). وقال - عز وجل -: ﴿إِنَّ الْـمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّه إِلاَّ قَلِيلاً﴾([817]).
8- أعظم أركان الإسلام ودعائمه العظام بعد الشهادتين، فعن عبد اللَّه بن عمر ب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدًا رسول اللَّه، وإقام الصَّلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»([818]).
9- مما يدل على عظم شأنها أن اللَّه لم يفرضها في الأرض بواسطة جبريل، وإنما فرضها بدون واسطة ليلة الإسراء فوق سبع سموات.
10- فُرضت خمسين صلاة، وهذا يدل على محبة اللَّه لها، ثم خفف اللَّه - عز وجل - عن عباده، ففرضها خمس صلوات في اليوم والليلة، فهي خمسون في الميزان، وخمس في العمل، وهذا يدل على عظم مكانتها([819]).
11- افتتح اللَّه أعمال المفلحين بالصلاة، واختتمها بها، وهذا يؤكد أهميتها، قال اللَّه تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِـهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِـهِمْ يُحَافِظُونَ﴾([820]).
12- أمر اللَّه النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه أن يأمروا بها أهليهم، فقال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾([821]).
وعن عبد اللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع»([822]).
13- أُمِرَ النائم والناسي بقضاء الصلاة، وهذا يؤكد أهميتها، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من نسي صلاةً فليصلّها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك». وفي رواية لمسلم: «من نسي صلاةً أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها»([823]). وأُلحق بالنائم الـمُغمى عليه ثلاثة أيام فأقل، وقد رُوي ذلك عن عمار، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب - رضي الله عنهم -([824]). أما إن كانت المدة أكثر من ذلك فلا قضاء؛ لأن الـمُغمى عليه مدة طويلة أكثر من ثلاثة أيام يشبه المجنون بجامع زوال العقل، واللَّه أعلم([825]).
14- سمى اللَّه الصلاة إيمانًا([826]) بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّه بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾([827]).يعني صلاتكم إلى بيت المقدس؛ لأن الصلاة تصدّقُ عَمَلهُ وقَوْلَهُ.
15- خصها بالذكر تمييزًا لها من بين شرائع الإسلام، قال اللَّه تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾([828])، وتلاوته اتباعه والعمل بما فيه من جميع شرائع الدين، ثم قال: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ﴾، فخصها بالذكر تمييزًا لها، وقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْـخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ﴾([829]). خصها بالذكر مع دخولها في جميع الخيرات، وغير ذلك كثير.
16- قُرِنَت في القرآن الكريم بكثير من العبادات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾([830]). وقال: ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وَانْحَرْ﴾([831]). وقال: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّه رَبّ الْعَالَمِينَ﴾([832])، وغير ذلك كثير.
17- أمر اللَّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يصطبر عليها، فقال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ﴾([833]) مع أنه - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالاصطبار على جميع العبادات؛ لقوله تعالى: ﴿وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾([834]).
18- أوجبها اللَّه على كل حال، ولم يعذر بها مريضًا، ولا خائفًا، ولا مسافرًا، ولا غير ذلك؛ بل وقع التخفيف تارة في شروطها، وتارة في عددها، وتارة في أفعالها، ولم تسقط مع ثبات العقل.
19- اشترط اللَّه لها أكمل الأحوال: من الطهارة، والزينة باللباس، واستقبال القبلة مما لم يشترط في غيرها.
20- استعمل فيها جميع أعضاء الإنسان: من القلب، واللسان، والجوارح، وليس ذلك لغيرها.
21- نهى أن يشتغل فيها بغيرها، حتى بالخطرة، واللفظة، والفكرة.
22- هي دين اللَّه الذي يدين به أهل السموات والأرض، وهي مفتاح شرائع الأنبياء، ولم يُبْعَث نبيٌّ إلا بالصلاة.
23- قُرنت بالتصديق بقوله: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾([835])،([836]).
واللَّه أسأل التوفيق لنا ولجميع المسلمين للقيام بهذه الشعيرة العظيمة على الوجه الذي يرضيه، وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه؛ نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
في 2/1/1433هــ.
& & &
26-فضل الصلاة في الإسلام
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:
فالصلاة لها فضائل عظيمة وكثيرة، منها الفضائل الآتية:
1- تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ قال اللَّه تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْـمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّه أَكْبَرُ وَاللَّه يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾([837]).
2- أفضل الأعمال بعد الشهادتين؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها» قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» قال: قلت: ثم أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل اللَّه»([838]).
3- تغسل الخطايا؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات»([839]).
4- تكفّر السيئات؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر»([840]).
5- نور لصاحبها في الدنيا والآخرة؛ لحديث عبداللَّه ابن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبيّ بن خلف»([841]).
وفي حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -: «الصلاة نور»([842])؛ ولحديث بريدة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «بشر المشَّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة»([843]).
6- يرفع اللَّه بها الدرجات، ويحط الخطايا؛ لحديث ثوبان مولى رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال له: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد للَّه سجدةً إلا رفعك اللَّه بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة»([844]).
7- من أعظم أسباب دخول الجنة برفقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - قال: كنت أبيت مع رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم -، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سَلْ» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك؟» قلت: هو ذاك، قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود»([845]).
8- المشي إليها تكتب به الحسنات وترفع الدرجات وتحط الخطايا؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت اللَّه؛ ليقضي فريضة من فرائض اللَّه، كانت خَطْوَتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة»([846]).
وفي الحديث الآخر: «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب اللَّه - عز وجل - له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط اللَّه - عز وجل - عنه سيئة.. »([847]).
9- تُعدُّ الضيافة في الجنة بها كلما غدا إليها المسلم أو راح؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من غدا إلى المسجد أو راح، أعد اللَّه له في الجنة نُزُلاً كُلَّما غدا أو راح»([848]). والنزل ما يهيأ للضيف عند قدومه.
10- يغفر اللَّه بها الذنوب فيما بينها وبين الصلاة التي تليها؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يتوضأ رجل مسلم فيحسن الوضوء، فيصلي صلاة إلا غفر اللَّه له ما بينه وبين الصلاة التي تليها»([849]).
11- تكفر ما قبلها من الذنوب؛ لحديث عثمان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها، وخشوعها، وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرة، وذلك الدهر كلّه»([850]).
12- تُصلّي الملائكة على صاحبها ما دام في مُصلاّه، وهو في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجةً. وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد، لا ينهزه إلا الصلاة، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطْوَة إلا رُفِعَ له بها درجةً، وحُطَّ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه، والملائكة يُصلُّون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللَّهم ارحمه، اللَّهم اغفر له، اللَّهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يحدث فيه»([851]).
13- انتظارها رباط في سبيل اللَّه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أدلكم على ما يمحو اللَّه به الخطايا ويرفع به الدرجات»؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط»([852]).
14- أجر من خرج إليها كأجر الحاج المحرم؛ لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة، فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى([853]) لا ينصبه([854]) إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتابٌ في عليين»([855]).
15- من سُبِق بها وهو من أهلها فله مثل أجر من حضرها؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللَّه - عز وجل - مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا»([856]).
16- إذا تطهر وخرج إليها فهو في صلاة حتى يرجع، ويكتب له ذهابه ورجوعه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إذا توضأ أحدكم في بيته، ثم أتى المسجد، كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل: هكذا» وشبك بين أصابعه([857])، وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: «من حين يخرج أحدكم من منزله إلى مسجدي، فرِجْلٌ تكتُبُ حسنة ورِجلٌ تحطُّ سيئة حتى يرجع»([858]).
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 2/1/1433هـ.
& & &
27-حكم تارك الصلاة في الإسلام
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فترك الصلاة المفروضة كفر، فمن تركها جاحدًا لوجوبها كفر كفرًا أكبر بإجماع أهل العلم، ولو صلَّى([859])،أما من ترك الصلاة بالكلّيّة، وهو يعتقد وجوبها ولا يجحدها، فإنه يكفر، والصحيح من أقوال أهل العلم أن كفره أكبر يخرج من الإسلام؛ لأدلة كثيرة منها على سبيل الاختصار ما يأتي:
1- قال اللَّه تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾([860]). وهذا يدل على أن تارك الصلاة مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجد المسلمون قائمة، ولو كانوا من المسلمين لأُذِنَ لهم بالسجود كما أُذِنَ للمسلمين.
2- وقال I: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْـمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْـمُصَلّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْـخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذّبُ بِيَوْمِ الدّينِ﴾([861]). فتارك الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الْـمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ ([862]).
3- وقال اللَّه - عز وجل -:﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾([863]).فعلق أخوَّتهم للمؤمنين بفعل الصلاة.
4- عن جابر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»([864]).
5-وعن عبد اللَّه بن بريدة عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر»([865]).
6- وعن عبد اللَّه بن شقيق - رضي الله عنه - قال: «كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة»([866]) .
7- وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة غير واحد من أهل العلم([867]).
8-وذكر الإمام ابن تيمية أن تارك الصلاة يكفر الكفر الأكبر لعشرة وجوه([868]).
9- وأورد الإمام ابن القيم : أكثر من اثنين وعشرين دليلاً على كفر تارك الصلاة الكفر الأكبر([869]).
والصواب الذي لا شك فيه، أن تارك الصلاة مطلقًا كافر لهذه الأدلة الصريحة([870]).
10- قال الإمام ابن القيم :: «وقد دلّ على كفر تارك الصلاة: الكتاب والسنة، وإجماع الصحابة»([871]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين للمحافظة على هذه الصلاة العظيمة التي هي أعظم شعائر الإسلام بعد الشهادتين، وأن يوفق جميع ولاة أمر المسلمين لإلزام من ولاّهم اللَّه أمرهم بإقامة الصلاة، وتيسير الأسباب للمحافظة عليها، وإقامة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في 2/1/1433هـ
& & &
28- وجوب صلاة الجماعة في المساجد
إن الحمد للَّه نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى اللَّه عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً، أَمّا بعد:
فإن صلاة الجماعة فرض عين على الرجال المكلفين القادرين، حضراً وسفراً، للصلوات الخمس؛ لأدلة صريحة كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة، والآثار، ومنها ما يأتي:
أمر اللَّه تعالى حال الخوف بالصلاة جماعة فقال: ﴿وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ﴾([872])، فاللَّه - عز وجل - أمر بالصلاة في الجماعة في شدة الخوف، ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية، فلو كانت الجماعة سُنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لأسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى، فدّل ذلك على أن الجماعة فرض على الأعيان.
وأمر اللَّه - عز وجل - بالصلاة مع المصلين فقال: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾([873])،فقد أمر اللَّه - عز وجل - بالصلاة مع جماعة المصلين، والأمر يقتضي الوجوب.
وعاقب اللَّه من لم يُجب المؤذن فيصلي مع الجماعة بأن حال بينهم وبين السجود يوم القيامة، قال - عز وجل -: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾([874])، فقد عاقب سبحانه من لم يجب الداعي إلى الصلاة مع الجماعة بأن حال بينه وبين السجود يوم القيامة، وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً»، وفي لفظ: «.. فيُكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه...»([875]).
وهذا فيه عقوبة للمنافقين وأن ظهورهم يوم القيامة تكون طبقاً واحداً: أي فقار الظهر كله يكون كالفقارة الواحدة، فلا يقدرون على السجود([876]).
وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة مع الجماعة، فعن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة – وكان رحيماً رفيقاً- فلما رأى شوقنا إلى أهالينا قال: «ارجعوا فكونوا فيهم، وعلّموهم، وصلُّوا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم»([877]).
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصلاة الجماعة، والأمر يقتضي الوجوب.
وهمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق البيوت على المتخلفين عن صلاة الجماعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ناساً في بعض الصلوات فقال: «لقد هممتُ أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أُخالِفَ([878]) إلى رجالٍ يتخلَّفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو عَلِمَ أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها»، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: «والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطب ليحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذّن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمُّ الناس، ثم أخالف إلى رجالٍ فأحرّق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً([879])، أو مرماتين حسنتين([880]) لشهد العشاء»، وفي لفظ لمسلم: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً([881])، ولقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»([882])، وفي هذا الحديث دلالة على أن صلاة الجماعة فرض عين([883]).
ولم يرخص النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعمى بعيد الدار في التخلف عن الجماعة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول اللَّه إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له؛ فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟»، فقال: نعم، قال: «فأجب»([884]).
وعن ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول اللَّه، إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: «هل تسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «لا أجد لك رخصة»([885]). وفي لفظ أنه قال: يا رسول اللَّه، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتسمع حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح؟ فحي هلا([886])»([887]).
وهذا يصرح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لا رخصة للمسلم في التخلف عن صلاة الجماعة إذا سمع النداء، ولو كان مخيراً بين أن يصلي وحده أو جماعة، لكان أولى الناس بهذا التخيير هذا الأعمى الذي قد اجتمع له ستة أعذار: كونه أعمى البصر، وبعيد الدار، والمدينة كثيرة الهوام والسباع، وليس له قائد يلائمه، وكبير السن، وكثرة النخل والشجر بينه وبين المسجد([888]).
وبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له؛ فعن ابن عباس ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاةَ له إلا من عُذرٍ»([889]). وهذا يدل على أن صلاة الجماعة فرض عين، وقال الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :: «معنى لا صلاة له: أي لا صلاة كاملة بل ناقصة، والجمهور على الإجزاء...»([890]).
وتركُ صلاة الجماعة من علامات المنافقين ومن أسباب الضلال؛ لقول عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: «لقد رأيتُنا وما يتخلَّف عن الصلاة إلا منافق قد عُلِم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمنا سنن الهُدى، وإن من سنن الهُدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه»، وفي رواية: أن عبد اللَّه قال: «من سرَّه أن يلقى اللَّه تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات، حيثُ يُنادَى بهِنَّ؛ فإن اللَّه شرع لنبيكم سنن الهدى([891])، وإنهنَّ من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم([892])، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب اللَّه له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين([893]) حتى يقام في الصف»([894]).
وهذا يدل على أن التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم، وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب، ولا بفعل مكروه، ومعلوم أن من استقرأ علامات النفاق في السنة وجدها إما بترك فريضة، أو فعل محرم([895])، وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها استحب له حضورها([896]).
ومما يدل على أن ترك صلاة الجماعة من أسباب الضلال، ومن علامات المنافقين، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن للمنافقين علامات يُعرَفون بها: تحيتهم لعنةٌ، وطعامهم نُهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هَجْراً([897])، ولا يأتون الصلاة إلا دَبْراً([898]) مستكبرين، لا يألفون ولا يُؤلفون، خُشُبٌ([899]) بالليل، صُخُبٌ بالنهار»([900]).وفي لفظ: «سُخُبٌ بالنهار»([901]).
وعن عبد الله بن عمر ب قال: «كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة العشاء وصلاة الفجر أسأنا به الظن»([902]). وفي رواية عنه - رضي الله عنه -: «كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الغداة أسأنا به الظن»([903]).
وتارك صلاة الجماعة متوعد بالختم على قلبه؛ لحديث ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواده([904]): «لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم([905]) الجماعات أو ليختمنَّ الله على قلوبهم، ثم ليكوننَّ من الغافلين»([906]). وهذا التهديد لا يكون إلا على ترك واجب عظيم.
واستحواذ الشيطان على قوم لا تقام فيهم الجماعة؛ لحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من ثلاثة في قرية، ولا بدوٍ لا تقام فيهم الصلاة([907]) إلا قد استحوذ عليهم الشيطان([908])، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية»([909])، قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة([910])، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذان، وإقامة الصلاة، ولو كانت الجماعة ندباً يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها([911]).
وتحريم الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي صلاة الجماعة؛ لحديث أبي الشعثاء قال: كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة - رضي الله عنه - فَأَذَّن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «أمَّا هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -»([912])، فقد جعله أبو هريرة - رضي الله عنه - عاصياً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخروجه بعد الأذان؛ لتركه الصلاة جماعة([913]).
قال الإمام النووي :: «فيه كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر والله أعلم»([914]). وقد جاء النهي صريحاً، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي»([915]). وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق»([916]).
وذكر الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز : أنه لا يجوز الخروج من المسجد الذي أُذِّن فيه، إلا لعذر: كأن يريد الوضوء أو يصلي في مسجد آخر.
قال الترمذي :: «وعلى هذا العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن بعدهم، أن لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، أو يكون على غير وضوء، أو أمرٌ لا بد منه»([917]).
وذكر المباركفوري :: أن الحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد، بعدما أذن فيه، إلا للضرورة، كمن كان جنباً، أو عليه حدث أصغر، أو الذي حصل له رعاف، أو الحاقن، ونحوهم، وكذا من يكون إماماً لمسجد آخر، ومن في معناه([918]).
وتفقد النبي - صلى الله عليه وسلم - للجماعة في المسجد يدل على وجوب صلاة الجماعة؛ لحديث أبي بن كعب - رضي الله عنه - قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً الصبح، فقال: «أشاهد فلان؟» قالوا: لا، قال: «أشاهد فلان؟» قالوا: لا، قال: «إن هاتين الصلاتين([919]) أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما، لأتيتموها ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى اللَّه تعالى»([920]).
وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على وجوب صلاة الجماعة؛ فقد ذكر الإمام ابن القيم : إجماع الصحابة على وجوب صلاة الجماعة، وذكر نصوصهم في ذلك، ثم قال: «فهذه نصوص الصحابة كما تراها: صحةً، وشهرةً، وانتشاراً، ولم يجئ عن صحابي واحد خلاف ذلك، وكل من هذه الآثار دليل مستقل في المسألة، لو كان وحده، فكيف إذا تعاضدت وتظافرت، وبالله التوفيق»([921]).
وقال الترمذي :: «وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له»([922]). وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر»([923]).
وقال مجاهد: «وسئل ابن عباس عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولا يشهد جمعة ولا جماعة؟ قال: هو في النار»([924]).
قال الترمذي :: «ومعنى الحديث: أن لا يشهد الجماعة والجمعة رغبة عنها، واستخفافاً بحقها، وتهاوناً بها»([925]).
واللهَ أسألُ التوفيق لنا، ولجميع المسلمين للقيام بما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه، وسلّم على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 12/ 11/ 1439هـ.
قسم الزكاة
29-منزلة الزكاة في الإسلام
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وعلى آله، وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن اللَّه جل وعلا فرض الزكاة في أموال الأغنياء من المسلمين؛ ولعظم منزلتها قرنها اللَّه تعالى بالصلاة في القرآن الكريم سبعاً وعشرين مرة، وذكرها سبحانه وتعالى منفردة عن الصلاة في ثلاثة مواضع، فهذه ثلاثون مرة ذكرها اللَّه تعالى في كتابه العزيز([926]).
وجاءت الزكاة بلفظ الصدقة والصدقات في كتاب اللَّه تعالى في مواضع من كتاب اللَّه تعالى كقوله سبحانه: âخُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَاá([927]). وقوله تعالى: âإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ á([928]). والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ودعائمه العظام؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»([929])، ولعظم شأن الزكاة جاءت السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتفاصيل في أحكامها، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة في العناية بالزكاة، والأمر بإخراجها، وبيان فرضيَّتها، وبيان أصناف الأموال الزكوية: من بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والذهب والفضة، وعروض التجارة، وأوضحت النُّصُب ومقاديرها، وبيَّنت السُّنة أحكام الزكاة بياناً واضحاً، وفصَّلت أصناف أهل الزكاة الثمانية، وقد جاء في السنة أكثر من مائة وعشرة أحاديث في الزكاة([930]).
ولعظم شأنها مَدَحَ اللَّه القائمين بها في آيات كثيرة: âوَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا á([931]). وقال تعالى: âرِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِá([932]). وذمَّ التاركين لها وتارك إطعام المسكين؛ ولعظم شأنها أمر اللَّه بها أمراً مطلقاً في مكة، ثم فُرضت في السنة الثانية للهجرة: الزكاة ذات النُّصُب والمقادير، ويدل على عظم منزلتها: أن إمام المسلمين يقاتل من منعها، قال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه »([933]). وقال أبو بكر - رضي الله عنه - في مَنْ مَنَعَ الزكاة: «واللَّه لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعه». وفي رواية: «واللَّه لو منعوني عناقاً...» ([934]), ومما يؤكد عظم منزلة الزكاة أن من جحد وجوبها كفر؛ ولعظم شأنها ومنزلتها جاءت النصوص من الكتاب والسنة في بيان عقوبة تاركها، كقوله تعالى: âوالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَá([935]). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار». ثم ذكر الإبل، والغنم والبقر([936])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من آتاه اللَّه مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوِّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: âوَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّه مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌá([937]).
ومن عظم شأنها أن إمام المسلمين يعزر من تهاون بأداء الزكاة.
وأما فوائد الزكاة فكثيرة جداً، منها: أن إسلام العبد لا يتم إلا بأدائها، ويحصل بها تنفيذ أمر اللَّه رجاء ثوابه وخشية عذابه، وتُثبّت أواصر المحبة بين الغني والفقير، وتطهِّر النفس وتزكِّيها، وتعوِّد المسلم على الجود، وتحفظ النفس من الشح، وتُستجلب بها البركة âوَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَá([938]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما نقصت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ للَّه إلا رفعه»([939]). وقال اللَّه تعالى في الحديث القدسي: «انفق يا ابن آدم أنفق عليك»([940]). وهي برهان على صدق إسلام مخرجها، وتشرح صدر المسلم، وتُلحقه بالمؤمن الكامل، وهي من أسباب دخول الجنة، وتُنجي من حرِّ يوم القيامة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس»([941]). وتجعل المجتمع كالأسرة الواحدة، وسبب لنزول الخيرات ودفع العقوبات؛ لحديث عبداللَّه بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: «ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا..» ([942]). وهي تطفئ الخطايا وتكفِّرها، قال - صلى الله عليه وسلم -: «... والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»([943]), وهي وقاية لصاحب المال من العذاب، وتطهِّر المال والنفس، وتحفظ المال من الفساد، وأداؤها من أسباب الرحمة والنصر، ومن أعظم أنواع الإحسان.
وقد أوجب اللَّه على عباده زكاة في أموالهم طُهرة لأموالهم ولأنفسهم، وبركة في أموالهم، وقد أعطاهم الكثير، وأمرهم بإخراج القليل، ووعدهم بالخلف والبركة. والزكاة لا تجب إلا بشروط: تَجِبُ على المسلم، الحُرِّ، الذي مَلَكَ نصاباً مِلكاً مستقرّاً، ودار عليه الحول سنة كاملة، إلا المعشر، فتجب عند الحصاد، والأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف:
الصنف الأول: السائمة الراعية أكثر الحول من بهيمة الأنعام: وهي الإبل: وأقلُّ نصابها خمس من الإبل فيها شاة، والبقر: أقل نصابها ثلاثون فيها تبيع أو تبيعة لها سنة، والغنم: أقل نصابها أربعون، فيها شاة، والمسلم الذي عنده شيء من هذا المال يسأل أهل العلم عن ذلك.
والصنف الثاني: زكاة الخارج من الأرض: كالحبوب والثمار، وأقل النصاب خمسة أوسق، وهي ثلاثمائة صاع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -, يجب في ذلك نصف العشر إذا كان يُسقى بالسواني أو المكائن أو غير ذلك، أما ما كان يُسقى من المطر أو العيون ففيه العشر كاملاً، تؤدى عند الحصاد؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾([944])، ومن كان عنده شيء من ذلك فليسأل أهل العلم.
والصنف الثالث: الذهب والفضة، والأوراق النقدية: كالريالات، والدراهم، والدولارات، والليرات، وغير ذلك من أنواع الأوراق النقدية، فإذا بلغت قيمة هذه الأوراق نصاب الذهب أو الفضة، وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً يساوي أحد عشر جنيهاً سعودياً وثلاثة أسباع الجنيه، ومقدارها بالغرامات: اثنان وتسعون جراماً. وأما الفضة فنصابها مائتي درهم تساوي مائة وأربعون مثقالاً ونصابها بالغرامات تقريباً ستمائة وأربعة وأربعون جراماً، وهي تقارب 56 ريالاً سعودياً فضيّاً، وإذا بلغت قيمة الأوراق النقدية أو المعدنية نصاب الذهب أو الفضة زُكِّيت؛ فإن حكمها حكم النقدين: من الذهب والفضة، والواجب في الذهب والفضة ربع العُشر أي في المائة اثنان ونصف، وفي الألف خسمة وعشرون.. وهكذا.
الصنف الرابع من الأموال: عروض التجارة، وهي كل ما أُعدَّ للبيع والشراء من أجل الربح، من عقارٍ، وحيوان، وطعام، وآلات، ففي عروض التجارة ربع العشر إذا حال عليها الحول، تقوَّم بالنقود ثم تُزكَّى قيمتها إذا اكتمل النصاب بقيمة الذهب والفضة، والتقويم يكون على رأس الحول من كل سنة.
والصواب أن حُليِّ النساء المستعمل فيه الزكاة؛ لأدلة منها قول اللَّه تعالى: ﴿والَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّه فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَá، وحديث عبداللَّه بن عمرو ب: أن امرأة أتت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا. قال: «أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّرِكِ اللَّه بهما يوم القيامة سوارين من نار؟» فخلعتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالت: هما للَّه عز وجل ولرسوله»([945]). وعن عائشة ل قالت: دخل عليَّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات من وَرِق [أي فضة] فقال: «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: صنعتهنَّ أتزيَّن لك يا رسول الله! قال: «أتُؤدِّينَ زكاتهنَّ؟» قلت: لا أو ما شاءالله، قال: «هو حسبك من النار»([946]). وعن أمِّ سلمة ل قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب فقلت: يا رسول الله: أكَنزٌ هُوَ؟ فقال: «ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فُزُكِّي فليس بكنز»([947]).
فيجب على العباد أن يتقوا اللَّه تعالى، وأن يؤدُّوا زكاة أموالهم ابتغاء مرضاة ربهم، وأن يدفعوها لأهلها الذين بيَّنهم اللَّه تعالى بقوله: âإِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّه وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّه وَاللَّه عَلِيمٌ حَكِيمٌá([948]).
ومن كان عليه دين وعنده مال بلغ النصاب؛ فإن الدين لا يمنع الزكاة على الصحيح، وزكاة الدين الذي لك يا عبداللَّه على الناس فيه الزكاة إذا كان على مليء معترفٍ به باذلٍ له فتزكِّيه كل ما حال عليه الحول، أما إذا كان على معسرٍ أو جاحدٍ أو مماطل فلا يلزم على الصحيح زكاته، ولكن إذا قبضته فزكيته زكاة سنة واحدة على ما مضى من السنين كان ذلك أفضل.
والزكاة حق اللَّه تعالى لا تجوز المحاباة فيها لمن لا يستحقها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً، أو يدفع بها عن نفسه شرّاً، ولا أن يقي بها ماله، أو يدفع بها عنه مذمَّة؛ بل يجب دفعها لأهلها ابتغاء مرضاة اللَّه وثوابه.
واللَّه أسأل التوفيق للجميع، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في 14/ 9/ 1438هـ.
& & &
قسم الصوم
30-حكم صيام شهر رمضان وفضله وخصائصه، وبعض أحكام الصيام
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذه بعض أحكام الصيام، وفضائله، وخصائص شهر رمضان المبارك، وفضله على سائر الشهور، وفوائد الصيام باختصار على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم الصيام: الصيام لغة: الإمساك، قال اللَّه تعالى إخباراً عن مريم: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾([949])، أي: صمتاً؛ ويفسره قوله تعالى: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾([950])، والصيام: مصدر صام يصوم صوماً وصياماً.
والصوم شرعاً: «هو التعبد للَّه تعالى بالإمساك بنية: عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة»، وسمي الصيام صبراً؛ لحديث: (صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر»([951]) ، وقال مجاهد بن جبر في قوله: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾([952]): الصبر الصيام، وسنده صحيح([953])؛ لأن الصائم يُصبِّر نفسه عن شهواتها، وسمي أيضاً: السياحة([954])، والسائحون: هم الصائمون.
ثانياً: حكم صيام شهر رمضان: صيام شهر رمضان: واجب بالكتاب، والسنة، والإجماع، على كل مسلمٍ، بالغٍ، عاقلٍ، قادر، مقيم، خالٍ من الموانع:
أما الكتاب؛ فلقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾([955]) ، وقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه﴾([956]).
وأما السنة؛ فلحديث عبد اللَّه بن عمر ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت»([957]).
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان، وأجمعوا على أن من أنكر وجوبه كفر، إلا أن يكون جاهلاً حديثَ عهدٍ بإسلام؛ فإنه يعلّم حينئذ، فإن أصرّ على الإنكار فهو كافر، يُقتل مرتداً؛ لأنه جحد أمراً ثابتاً بنص القرآن والسنة، معلوماً من الدين بالضرورة.
ثالثا: فضائل شهر رمضان وخصائصه: شهر رمضان له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي:
1- أنزل اللَّه تعالى فيه القرآن، قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الـْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾([958]) ، فقد مدح اللَّه تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهنَّ لإنزال القرآن العظيم فيه، وكان ذلك في ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر﴾([959]) ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين﴾([960]).
2- تفتح فيه أبواب الجنة.
3- تغلق فيه أبواب النار.
4- تصفَّد فيه الشياطين ومردة الجنِّ.
5- تفتح فيه أبواب الرحمة.
6- تفتح فيه أبواب السماء.
7- ينادي فيه منادٍ: يا باغي الخير أقـبل، ويا باغي الشر أقصر.
8- للَّه فيه كل ليلة عتقاء من النار، وقد دلَّ على هذه الخصال حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا كان أوّلُ ليلة من رمضان: صُفِّدت الشياطين ومردة الجن([961])، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتح منها بابٌ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها بابٌ، ويُنادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، وللَّه عتقاء من النار، وذلك كل ليلة»، وفي لفظ للبخاري: «وفتحت أبواب السماء»، وفي لفظ لمسلم: «وفتح أبواب الرحمة»، وفي لفظ للبخاري ومسلم: «وسلسلت الشياطين»([962]).
1- شهر رمضان فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حُرِم الخير كله؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -،قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض اللَّه - عز وجل - عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين، للَّه فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حرم» ، ولفظ أحمد: «تفتح فيه أبواب الجنة» بدلاً من «أبواب السماء»([963]) ، و عن أنس - رضي الله عنه -، قال: دخل رمضان فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمها فقد حُرِمَ الخير كلَّه، ولا يُحرم خيرها إلا محروم»([964]).
2- شهر رمضان من قام فيه ليلة القدر غُفر له ما تقدم من ذنبه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([965]).
3- شهر رمضان تجاب فيه الدعوات، فقد ذكر اللَّه تعالى الدعاء أثناء آيات الصيام فقال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون﴾([966]) ، وعن أبي هريرة أو أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن للَّه عتقاء في كل يومٍ وليلة، لكل عبد منهم دعوةٌ مستجابة»([967])، قال الحافظ ابن حجر :: «يعني في رمضان»([968])، ولفظ البزار عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن للَّه تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة – يعني في رمضان – وإن لكل مسلم في يوم وليلة دعوةً مستجابةً»([969])، وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن للَّه - عز وجل - عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة»([970]) ،
4- شهر رمضان شهر الذكر والشكر؛ لأن اللَّه تعالى ذكر ذلك أثناء الكلام عن أحكام الصيام، فقال تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾([971]).
5- شهر رمضان شهر الصبر؛ لحديث الأعرابي الصحابي، وحديث ابن عباس - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر: يُذْهِبنَ وَحَرَ الصَّدرِ»([972]) ، ولا شك أن في صيام شهر رمضان: صبراً على طاعة الله، وصبراً على أقدار اللَّه المؤلمة من الجوع والعطش، وصبراً عن محارم اللَّه التي حرمها على الصائم، من المفطرات وغيرها. وقد قال اللَّه - عز وجل -: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب﴾([973]).
6- صيام شهر رمضان يكفر الخطايا؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتُنبت الكبائر»([974]).
7- شهر رمضان تُغفر فيه الذنوب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صام رمضان إيماناً([975]) واحتساباً([976]) غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه»([977]).
8- شهر رمضان أعظم الأوقات التي تغفر فيها الذنوب، ومن لم يغفر له في رمضان فقد رغم أنفه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَقِيَ المنبر فقال: «آمين، آمين، آمين»، فقيل: يا رسول اللَّه ما كنت تصنع هذا؟ فقال: «قال لي جبريل u: رَغِمَ ([978]) أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضان فلم يُغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ ذُكِرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين» ([979])، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «رَغِم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رَجُلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة»([980]) ، قال بعض رواة الحديث: وأظنه قال: «أو أحدهما».
9- إدراك شهر رمضان ترفع به الدرجات؛ لحديث طلحة بن عبيد اللَّه - رضي الله عنه -: أن رجلين من بليٍّ قدما على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وكان إسلامهما جميعاً، فكان أحدهما أشدَّ اجتهاداً من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوفِّي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة فَأَذِنَ للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج فَأَذِنَ للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعدُ. فأصبح طلحة يُحدِّثُ به الناس، فعجبوا من ذلك، فبلغ ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وحدَّثوه الحديث، فقال: «من أي ذلك تعجبون»؟ فقالوا: يا رسول اللَّه هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهاداً ثم استشهد، ودخل الآخِرُ الجنة قبله، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أليس قد مكث هذا بعده سنة؟»، قالوا: بلى، قال: «وأدرك رمضان، وصلى كذا وكذا من فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض سجدة في السنة؟»، قالوا: بلى، قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»([981]).
10-عمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث ابن عباس ب، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة من الأنصار يقال لها أمّ سنان: «فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرة في رمضان حجةٌ»، وفي لفظ: «أو حجة معي»([982]).
11- من صام رمضان كان من الصِّدِّيقين والشهداء؛ لحديث عمرو بن مُرَّة الجهني - رضي الله عنه -، قال: جاء رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - رجل من قضاعة، فقال له: يا رسول الله؛ أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته فمن أنا؟ قال: (من الصِّدِّيقين والشهداء»([983]).
12-صوم شهر رمضان يدخل الجنة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إذا صليتُ المكتوبات، وصمتُ رمضان، وأحللتُ الحلال، وحرمتُ الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخلُ الجنة؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعم»، قال: واللَّه لا أزيد على ذلك شيئاً»([984]).
13- قيام شهر رمضان إيماناً واحتساباً تغفر به الذنوب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»([985]).
14- شهر رمضان شهر صلاة التراويح؛ فإن صلاة التراويح جماعة لا تُصلَّى إلا في رمضان، وصلاة التراويح: هي قيام رمضان أول الليل، وسميت بذلك؛ لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات، بناءً على حديث عائشة ب([986]).
15-شهر رمضان من صلى فيه التراويح ليلة فلازم الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة كاملة من فضل اللَّه تعالى؛ لحديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - في قيام رمضان، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب اللَّه له قيام ليلة)، وفي لفظ: «كُتِب له قيام ليلة»([987]).
16-شهر رمضان شهر الانتصار على أعداء الإسلام في بدر مع قلة عدد المسلمين وعدَّتهم وفي غزوة الفتح، وغيرهما.
17-مضاعفة الجود في شهر رمضان المبارك، ولقد «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان في هذا الشهر المبارك أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل) ([988]).
18-شهر رمضان شهر مدارسة القرآن، فقد كان جبريل يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل سنة في رمضان وذلك في كل ليلة فيدارسه القرآن، فيعرض رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على جبريل القرآن؛ لحديث ابن عباس ب، قال: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة»، وفي لفظ: «فإذا لقيه جبريل كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة»([989]) ، وعن عائشة ل، عن فاطمة ل، قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة، وإنه عارضني العام مرتين، و لا أراه إلا حضر أجلي»([990]).
19- شهر رمضان شهر الاعتكاف، ولزوم المساجد لطاعة اللَّه تعالى، والتفرُّغ لمناجاته سبحانه؛ لحديث عائشة ل زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه تعالى، واعتكف أزواجه من بعده»([991]) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً»([992]) ، وعنه - رضي الله عنه - قال في جبريل: «كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه»([993]) ، والمراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير.
20- شهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره؛ لحديث عائشة ل، قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره»([994]) ، وعنها ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشد المئزر»([995])، ومعنى شدَّ المئزر: أي شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء، وعن عائشة ل: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، وفي لفظ: «تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»([996]) ، وقد تكون ليلة القدر في الأشفاع؛ لحديث ابن عباس ب: «التمسوها في أربع وعشرين»([997]) ، وفي لفظ له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين»، يعني ليلة القدر. وفي لفظ: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى»([998]) ، و قد كان الصحابة - رضي الله عنه - يجتهدون في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ ولهذا قالت عائشة ل: يا رسول اللَّه أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعفُ عني»([999]).
رابعاً: فضائل الصيام وخصائصه: الصيام له فضائل وخصائص عظيمة على النحو الآتي:
1- الصيام من الأعمال التي يُعِدُّ اللَّه بها المغفرة والأجر العظيم.
2- الصيام خير للمسلم لو كان يعلم.
3- الصيام سبب من أسباب التقوى.
4- الصوم جُنة، يستجنُّ بها العبد المسلم من النار.
5- الصيام حِصْنٌ حصين من النار.
6- الصيام جُنّةٌ من الشهوات.
7- صيام يوم في سبيل اللَّه يباعد اللَّه النار عن وجه صاحبه سبعين سنة.
8- صيام يوم في سبيل اللَّه يبعد صاحبه عن النار كما بين السماء والأرض؛ لحديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - ،عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صامَ يوماً في سبيل اللَّه جعل اللَّه بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض» ([1000]).
9- الصوم وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا مثل له، و لا عدل.
10- الصوم يدخل الجنة من باب الريان.
11- الصيام من أول الخصال التي تُدْخِلُ الجنةَ.
12- الصيام كفارة للذنوب.
13- يوفَّى الصائمون أجرهم بغير حساب.
14- للصائم فرحتان: فرحة في الدنيا، وفرحة في الآخرة.
15- خلوف فم الصائم أطيب عند اللَّه من ريح المسك.
16- الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة.
17- الصوم يزيل الأحقاد والضغائن والوسوسة من الصدور.
18- الصوم باب من أبواب الخير.
19- من خُتِمَ له بصيام يومٍ يريد به وجه اللَّه أدخله اللَّه الجنة.
20-أعد اللَّه الغرف العاليات في الجنة لمن تابع الصيام المشروع، وأطعم الطعام، وألان الكلام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام؛ لحديث أبي مالك الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنَّ في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدَّها اللَّه تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلَّى بالليل والناس نيام» ([1001]).
21- الصائم له دعوة لا تُردُّ حتى يفطر.
22- الصائم دعوته لا ترد حين يفطر.
23- تفطير الصائمين فيه الأجر الكبير؛ لحديث زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً»([1002]).
24- لعظم أجر الصيام جعله اللَّه تعالى من الكفارات.
خامساً: فوائد الصيام ومنافعه العظيمة وحكمه ومصالحه:
1- الصوم وسيلة إلى التقوى.
2- الصوم وسيلة إلى شكر النعم.
3- الصوم يقهر الطبع ويكسر النفس ويحدُّ من الشهوة.
4- الصوم يجعل القلب يتخلَّى للذكر والفكر.
5- الصوم به يعرفُ الغنيُّ قدر نعم اللَّه تعالى عليه.
6- الصوم سبب في التمرّن على ضبط النفس والسيطرة عليها.
7- الصوم يضبط النفس ويُقلِّل من كبريائها.
8- الصوم يسبب الرحمة والعطف على المساكين.
9- الصوم فيه موافقة للفقراء بتحمل ما يتحملون.
10- الصوم يُضيِّق مجاري الدم بسبب الجوع والعطش، فتضيق مجاري الشيطان؛ لأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم.
11- الصوم يجمع أنواع الصبر، فإن فيه صبراً على طاعة اللَّه : وهي الصيام، وصبراً عن محارم اللَّه : وهي المفطرات أثناء الصيام، وصبراً على أقدار اللَّه المؤلمة: من الجوع والعطش.
12- الصوم يترتب عليه فوائد صحية تحصل بسبب تقليل الطعام والشراب.
13- الصوم عبادة للَّه تعالى يظهر بها من كان عابداً لمولاه، ومن كان مُتَّبِعاً لهواه، فيظهر بذلك صدق إيمان العبد، ومراقبته للَّه - عز وجل -.
سادساً: آداب الصيام المستحبة التي يستحب للصائم العمل بها:
1- السحور؛ لأن فيه بركة: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «تسحَّروا فإن في السحور بركة»([1003]).
2- تأخير السحور إلى قُبَيْل طلوع الفجر الثاني.
3- السنة الإفطار، وعدم المواصلة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»([1004]).
4- الإفطار على رُطَبات، فإن عُدمت فعلى تَمَرات، فإن عُدمت حسا حسوات من ماء.
5- تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس والتحقق من غروبها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر»([1005]).
6- الدعاء أثناء الصيام، وعند الإفطار.
7- تفطير الصائمين فيه الثواب العظيم، والأجر الكبير.
8- كثرة قراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والصلاة، والصدقة.
9- استحضار نعمة اللَّه عليه بأن وفّقه للصيام، وأعانه عليه، ويسَّره له؛ فإن كثيراً من الناس حُرِم الصيام، إما بالموت قبل بلوغ الشهر، أو بالعجز والمرض، أو بالضلال والإعراض، فليحمد اللَّه الصائمُ على أن وفّقه للصيام.
10- يستحب السواك في جميع الأوقات للصائم وغير الصائم: سواء كان ذلك قبل الزوال، أو بعده.
سابعاً: المفطرات: مفسدات الصوم:
1- الجماع في نهار رمضان.
2- إنزال المني باختياره.
3- الأكل أو الشرب.
4- ما كان بمعنى الأكل والشرب: كحقن الدم في الصائم، والإبر المغذية التي تقوم مقام الطعام والشراب.
5- إخراج دم الحجامة.
6- الاستقاء عمداً؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء»([1006]).
7- خروج دم الحيض والنفاس.
8- نية الإفطار، فمن نوى الإفطار فقد أفطر؛ لأن النية أحد ركني الصيام «إنما الأعمال بالنيات»([1007]).
9- الردة عن الإسلام بقول، أو فعل، أو اعتقاد، أو شك.
ثامناً: يجب على الصائم القيام بما أوجب اللَّه، فيحافظ على الصلوات مع جماعة المسلمين، وعلى الواجبات الأخرى، ويبتعد عما حرّم اللَّه: من أنواع المفطرات أثناء الصيام، ومن المحرمات الأخرى: كالكذب، وقول الزور، وشهادة الزور، والغيبة، والنميمة، والغش، ويجتنب المعازف، وآلات اللهو؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لم يدع قول الزور، والعمل به [والجهل] فليس للَّه حاجة [في] أن يدع طعامه وشرابه»([1008]).
واللَّه أسأل لنا ولجميع المسلمين: التوفيق، والإعانة، والسداد، والقبول، وصلى اللَّه وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الخميس 26/ 8/ 1437هـ
& & &
31-حال السلف في رمضان
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن حال السلف الصالح في رمضان كان عظيماً، وذلك لفقههم قول اللَّه تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ﴾([1009])؛ ولفقههم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، ومَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّة، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللَّه عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»، وفي لفظ للبخاري: «وفُتحَتْ أبْوابُ السَّمَاء»، وفي لفظ لمسلم: «وَفُتِحَتْ أبْوَابُ الرَّحْمَةِ»، وفي لفظ للبخاري ومسلم: «وسُلْسِلَتُ الشَّيَاطِينُ»([1010])؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخل رمضان، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا، فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ، َولاَ يُحْرَمُ خَيْرُهَا إلاَّ مَحْرُومٌ»([1011])؛ ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([1012])؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً: قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([1013])، وهذه الأدلة وغيرها هي التي جعلت السلف الصالح يجتهدون اجتهاداً عظيماً في الأعمال الصالحة في شهر رمضان، فبلغوا أكمل الأحوال في عبادتهم للَّه - عز وجل - في هذا الشهر المبارك العظيم، الذي عظَّم اللَّه شأنه، وعظَّم شأنه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا قال الإمام ابن رجب : : «قال بعض السلف: كانوا يدعون اللَّه ستة أشهر في أن يبلغهم رمضان، ثم يدعون اللَّه ستة أشهر أن يتقَبَّلَه منهم»([1014])، وكان بعض السلف يقول: «اللهم سلِّمني إلى رمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلاً»([1015])، ومما يدل على اجتهاد نبيّنا - صلى الله عليه وسلم -، واجتهاد السلف الصالح في هذا الشهر العظيم الأدلة في الأحوال الآتية:
1- مضاعفة الجود والكرم في شهر رمضان المبارك، فقد كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان في هذا الشهر المبارك أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل([1016]).
2- مدارسة القرآن في رمضان، كان جبريل يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل سنة في رمضان وذلك في كل ليلة فيدارسه القرآن، فيعرض رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على جبريل القرآن؛ لحديث ابن عباس ب، قال: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كلِّ ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة»، وفي لفظ: «فإذا لقيه جبريل كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة» ([1017]).
وعن عائشة ل عن فاطمة ل، قالت: أَسَرَّ إليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كلّ سنة، وإنه عارضني العام مرتين، و لا أراه إلا حضر أجلي»([1018]).
3- الاجتهاد في العبادة في شهر رمضان؛ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في رمضان، وفي العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره؛ لحديث عائشة ل، قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» ([1019]).
وعنها ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشد المئزر»([1020]). ومعنى شدَّ المئزر: أي: شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء.
وعن عائشة ل قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخلط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر – يعني الأخير – شمّر وشدّ المئزر»([1021]).
وعن عائشة ل قالت: «وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ»([1022]).
4- الاجتهاد في تحري ليلة القدر، فعن عائشة ل أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «تحرَّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، وفي لفظ: «تحرَّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»([1023])، وقد تكون ليلة القدر في الأشفاع؛ لحديث ابن عباس ب: «التمسوها في أربع وعشرين »([1024])، وفي لفظ له عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين، أو في سبع يبقين»، يعني ليلة القدر. وفي لفظ: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى »([1025]).
و قد كان الصحابة - رضي الله عنه - يجتهدون في العشر الأواخر اجتهاداً عظيماً؛ ولهذا قالت عائشة ل: يا رسول اللَّه أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفوٌّ كريمٌ تحب العفو فاعفُ عني»([1026]) .
5- الاجتهاد في قيام رمضان وصلاة التراويح؛ وسميت بذلك لأنهم كانوا يستريحون بعد كل أربع ركعات»([1027]).
والتراويح: هي قيام رمضان أول الليل، ويقال: الترويحة في شهر رمضان؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، بناءً على حديث عائشة ل أنها سُئلت: كيف كانت صلاة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ قالت: ما كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة: يصلي أربعاً فلا تسأل عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنّ، ثم يصلِّي ثلاثاً...»([1028]). ودل قولها ل: «يصلَّي أربعاً ... ثم يصلِّي أربعاً... » على أن هناك فصلاً بين الأربع الأولى والأربع الثانية، والثلاث الأخيرة، ويسلم في الأربع من كل ركعتين([1029])؛ لحديث عائشة ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة». وفي لفظ: «يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة»([1030]). وهذا يُفسِّر الحديث الأول ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - يسلم من كل ركعتين، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى»([1031]).
قال الإمام النووي: في شأن صلاة التراويح: «اتفق العلماء على استحبابها»([1032]) ، ولا شك أن صلاة التراويح سنة مؤكدة أول من سنها بقوله وفعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -([1033]) .
والأفضل ملازمة الإمام حتى ينصرف؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: صمنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلنا: يا رسول الله، لو نفَّلتنا بقية ليلتنا هذه؟ فقال: «إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب اللَّه له قيام ليلة»، وفي لفظ: «كُتِبَ له قيام ليلة»،فلما كانت الرابعة لم يقم، فلما كانت الثالثة جمع أهله، ونساءه، والناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح، قال، قلت: ما الفلاح؟ قال: السحور، ثم لم يقم بنا بقية الشهر»([1034])؛ ولحديث عائشة ل أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلَّى في المسجد، فصلَّى رجالٌ بصلاته، فأصبح الناس يتحدَّثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج إليهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الثانية فصلُّوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فطفق([1035]) رجال منهم يقولون: الصلاةَ، فلم يخرج إليهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس،ثم تشهَّد، فقال: «أما بعد، فإنه لم يخف عليَّ شأنكم، ولكني خشيت أن تُفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها»، وذلك في رمضان»([1036]).
قال الإمام ابن رجب :: «وكان عمر - رضي الله عنه - قد أمر أبي بن كعب وتميماً الداري ب أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر، ... ثم كان في زمن التابعين يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات، فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف»([1037]).
وقال الإمام ابن رجب : أيضاً: «قال أحمد لبعض أصحابه، وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفى، اقرأ خمساً، ستاً، سبعاً، قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين، وقد رُوي عن الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس كان يقرأ خمس آيات، ست آيات، وكلام الإمام أحمد يدل على أنه يُراعَى في القراءة حال المأمومين، فلا يشق عليهم، وقاله أيضاً غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، وقد روي عن أبي ذر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل، وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا له: لو نفَّلتنا بقية ليلتنا؟ فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته» خرجه أهل السنن، وحسنه الترمذي»([1038]).
وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلِّي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلِّي بصلاته الرهط، فقال عمر: «إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل»، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعبٍ، ثم خرج معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: «نعم البدعةُ هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل - وكان الناس يقومون أوله»([1039]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز : يقول عن قول عمر - رضي الله عنه -: «نعم البدعة هذه »: «البدعة هنا يعني من حيث اللغة، والمعنى أنهم أحدثوها على غير مثال سابق بالمداومة عليها في رمضان كله، وهذا وجهُ قول عمر - رضي الله عنه - وإلا فهي سنة فعلها - صلى الله عليه وسلم - ليالي»([1040]).
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: «قمنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح. وكانوا يُسَمُّونه السحور»([1041]). وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه -: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كانت ليلة سبع وعشرين جمع أهله ونساءه والناس فقام بهم»([1042]).
وعدد صلاة التراويح: ليس له حدٌّ محدود لا يجوز غيره، وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة تُوتِرُ له ما قد صلّى»([1043]). فلو صلى عشرين ركعة وأوتر بثلاث، أو صلى ستاً وثلاثين وأوتر بثلاث، أو صلى إحدى وأربعين فلا حرج([1044])، ولكن الأفضل ما فعله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وهو ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، لحديث ابن عباس ب قال: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة»([1045])؛ ولحديث عائشة ل قالت: «ما كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة»([1046])، فهذا هو الأفضل والأكمل في الثواب([1047])، ولو صلى بأكثر من ذلك فلا حرج لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل مثنى منثى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى»([1048]). والأمر واسع في ذلك ، لكن الأفضل إحدى عشرة ركعة، واللَّه الموفق سبحانه([1049]).
6- الاجتهاد في الإكثار من قراءة القرآن في صلاة التراويح والقيام، قال الإمام ابن رجب :: «وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع منهم: قتادة، وبعضهم في كل عشرة، منهم: أبو رجاء العطاردي، وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث وكان قتادة يختم في كل سبع دائما وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام»([1050]).
وجاء عن الإمام البخاري : أنه كان يختم في رمضان أكثر من أربعين ختمة، قال الإمام الذهبي :: «قال مسبِّح بن سعيد: «كان محمد بن إسماعيل [البخاري] يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة»([1051]) .
وقال الحافظ ابن حجر :: «وقال مقسم بن سعد: «كان محمد بن إسماعيل البخاري : إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه، فيصلي بهم، ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وكذلك إلى أن يختم القرآن، وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليالٍ، وكان يختم في النهار في كل يوم ختمة، ويكون ختمه عند الإِفطار كل ليلة، ويقول: عند كل ختمة دعوة مستجابة»([1052]) .
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق: «.. كان أبو عبد اللَّه يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة، ويوتر منها بواحدة»([1053])، وكان : يصلي ذات يوم، أو ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى صلاته قال: انظروا أي شيء آذاني في صلاتي، فنظروا فإذا الزنبور قد ورّمه في سبعة عشر موضعاً، ولم يقطع صلاته»([1054])، وقد قيل: إن هذه الصلاة كانت التطوع بعد صلاة الظهر، وقيل له بعد أن فرغ من صلاته: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما لسعك؟ قال: «كنت في سورةٍ فأحببت أن أتمها»([1055]) .
ومن شعره ::
فعسى أن يكون موتك بغتة | اغتنم في الفراغ فضل ركوع | |
ذهبت نفسه الصحيحة فلتة([1056]) | كم صحيح رأيت من غير سقم |
وقال الإمام ابن رجب :: «قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم [ويقبل] على تلاوة القرآن من المصحف قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن وكانت عائشة ل تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه»([1057]).
وقال الإمام النووي : في تلاوة القرآن: «ينبغي أن يحافظ على تلاوته، ويكثر منها، وكان السلف - رضي الله عنهم - لهم عادات مختلفة في قدر ما يختمون فيه، فروى ابن أبي داود عن بعض السلف - رضي الله عنهم - أنهم كانوا يختمون في كل شهرين ختمة واحدة، وعن بعضهم في كل شهر ختمة، وعن بعضهم في كل عشر ليال ختمة، وعن بعضهم في كل ثمان ليال، وعن الأكثرين في كل سبع ليال، وعن بعضهم في كل ست، وعن بعضهم في كل خمس، وعن بعضهم في كل أربع، وعن كثيرين في كل ثلاث، وعن بعضهم في كل ليلتين، وختم بعضهم في كل يوم وليلة ختمة، ومنهم من كان يختم في كل يوم وليلة ختمتين، ومنهم من كان يختم ثلاثاً، وختم بعضهم ثمان ختمات: أربعاً بالليل، وأربعاً بالنهار، فمن الذين كانوا يختمون ختمة في الليل واليوم عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وتميم الداري - رضي الله عنه -، وسعيد بن جبير :، ومجاهد :، والشافعي :، وآخرون.
ومن الذين كانوا يختمون ثلاث ختمات سليم بن عِتْر - رضي الله عنه - قاضي مصر في خلافة معاوية - رضي الله عنه -، وروى أبو بكر بن أبي داود أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، وروى أبو عمر الكندي في كتابه في قضاة مصر أنه كان يختم في الليلة أربع ختمات، قال الشيخ الصالح أبو عبد الرحمن السلمي - رضي الله عنه -: سمعت الشيخ أبا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب - رضي الله عنه - يختم بالنهار أربع ختمات، وبالليل أربع ختمات، وهذا أكثر ما بلغنا من اليوم والليلة، وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده، عن منصور بن زاذان من عُبَّاد التابعين - رضي الله عنه - أنه كان يختم القرآن فيما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضاً فيما بين المغرب والعشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل، وروى أبو داود بإسناده الصحيح أن مجاهداً كان يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء، وعن منصور قال كان علي الأزدي يختم فيما بين المغرب والعشاء كل ليلة من رمضان، وعن إبراهيم بن سعد قال: كان أبي يحتبي فما يحل حبوته حتى يختم القرآن.
وأما الذي يختم في ركعة فلا يحصون لكثرتهم، فمن المتقدمين عثمان بن عفان، وتميم الداري، وسعيد بن جبير - رضي الله عنهم - ختمة في كل ركعة في الكعبة.
وأما الذين ختموا في الأسبوع مرة فكثيرون، نُقل عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وعبد اللَّه بن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب - رضي الله عنهم -، وعن جماعة من التابعين، كعبد الرحمن بن يزيد، وعلقمة، وإبراهيم رحمهم اللَّه»([1058]).
قال الإمام النووي :: «والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم، أو غيره من مهمات الدين، ومصالح المسلمين العامة، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين، فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة، وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه الحديث الصحيح عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص ب قال: قال رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يَفْقَهُ من قَرَأ القرآنَ في أقلَّ مِنْ ثلاثٍ»([1059])»([1060]).
وقال الإمام ابن رجب ؒ: «وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المُفَضَّلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد، وإسحاق، وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره»([1061]).
والأقرب واللَّه أعلم والأفضل ألا يختم القرآن في أقل من ثلاث، فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :: «المشروع للمؤمن والمؤمنة، العناية بالتدبر والتعقل، والإكثار من التلاوة؛ لقصد الفائدة، قصد العلم، قصد خشوع القلب، والاستفادة من كلام اللَّه - عز وجل -، لا مجرد أنه ختم، المقصود أن يستفيد من كلام اللَّه ، وأن يخشع قلبه، فيرق قلبه ويعمل، ويعلم ما يتلو، وإذا رتّل القرآن، وختم في ثلاثٍ، أو في خمسٍ، أو في سبعٍ فلا بأس، والأفضل ألا يختم في أقل من ثلاث، أقل شيء ثلاث، كل يوم عشرة أجزاء، حتى يتدبر، حتى يتعَقَّل، حتى لا يعْجَل، وفّق اللَّه الجميع»([1062]).
7- الاعتكاف في شهر رمضان، ولزوم المساجد لطاعة اللَّه تعالى، والتفرُّغ لمناجاته سبحانه؛ لحديث عائشة ل زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللَّه تعالى، واعتكف أزواجه من بعده»([1063]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً»([1064]).
وعنه - رضي الله عنه - قال في جبريل: «كان يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبِضَ فيه، وكان يعتكف في كل عامٍ عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه»([1065])، والمراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير([1066]).
8- جهاد المؤمن في رمضان، قال الإمام ابن رجب :: «واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام، وجهاد بالليل على القيام، فمن جمع بين هذين الجهادين، ووفّى بحقوقهما، وصبر عليهما، وُفّي أجره بغير حساب»([1067])، والقرآن والصيام يشفعان للعبد عند اللَّه - عز وجل - يوم القيامة، فعن عبد اللَّه بن عمرو ب أَنَّ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ»، قَالَ: «فَيُشَفَّعَانِ»([1068]).
واللَّه أسأل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يُوفِّق جميع المسلمين لكل خير، ولكل ما يرضيه I، وللاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما يحبه ربنا تبارك وتعالى.
وصلى اللَّه ، وسلّم على نبيّنا محمدٍ، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
حرر يوم الأربعاء 27/ 5/ 1436هـ
& & &
32-فضل صوم شهر شعبان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد جاءت الأحاديث الثابتة عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في استحباب وفضل صيام شهر شعبان، ومنها الأحاديث الآتية:
1- حديث عائشة ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان»، وفي لفظٍ للبخاري: «لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان، [فإنه كان يصوم شعبان كله] وكان يقول: «خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن اللَّه لا يملُّ حتى تملُّوا»، وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووم عليه، وإن قلّت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها»، وفي لفظ: «سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»، وقال: «اكلفوا من الأعمال ما تطيقون»، وفي لفظ لمسلم: «... ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً»([1069]).
2- حديث أم سلمة ل، قالت: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان»، وهذا لفظ الترمذي، ولفظ أبي داود: «أنه لم يكن يصوم من السَّنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان»، ولفظ ابن ماجه: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَصِلُ شعبان برمضان»، ولفظ النسائي: «أنه لم يكن يصوم من السَّنة شهراً تاماً إلا شعبان وَيَصِلُ بِهِ رمضان»([1070]).
3- حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه -، قال: قلت: يا رسول اللَّه لم أرَك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفُلُ الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم»([1071]).
وذكر شيخنا ابن باز : الجمع بين حديث عائشة «... وما رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - استكمل شهراً قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان» وبين حديث أم سلمة ل: «ما رأيت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان»، قال شيخنا: ما ذكَرَتْه في هذه الرواية هو الأغلب، وهو إفطاره بعض شعبان، وفي بعض الأحيان يتمه، كما قالت عائشة في رواية النسائي... وكما دل على ذلك حديث أم سلمة المذكور، واللَّه ولي التوفيق([1072]).
فيستحب للمسلم أن لا يفوته هذا الفضل العظيم، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في يوم السبت 30/ 7/ 1437هـ.
33-فضل صوم شهر اللَّه المحرم كلّه
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»([1073]).
قال الإمام النووي :: «فَإِنْ قِيلَ سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ، فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ، فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ: كَسَفَرٍ، وَمَرَضٍ، وَغَيْرِهِمَا»([1074]) فقد صرح الإمام النووي : أن شهر اللَّه المحرم أفضل الشهور للصوم([1075]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «وهذا في أفضل الصيام لمن يصوم شهراً واحداً، والأُولَى من أفضل الصيام لمن يصوم صوماً دائماً»([1076]) ، ومعنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية : في قوله: الأولى واللَّه أعلم: أن شهر اللَّه المحرم صيامه أفضل الصيام بعد رمضان لمن يصوم شهراً واحداً، أما من يصوم صوماً دائماً، فالأفضل المسألة الأولى: وهي صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً([1077]).
وقال الإمام ابن رجب :: «ولما كان هذا الشهر مختصا بإضافته إلى اللَّه تعالى، كان الصيام من بين الأعمال مضافاً إلى اللَّه تعالى؛ فإنه له من بين الأعمال ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى اللَّه بالعمل المضاف إليه، المختص به، وهو الصيام»([1078]).
وقال الإمام ابن باز :: «...أما شهر اللَّه المحرم فقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم»، فإذا صامه كله فهو طيب، أو صام التاسع والعاشر والحادي عشر، فذلك سنة»([1079]) ، وقال :: «يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم» ... والمعنى أن يصومه كله من أوله إلى آخره، من أول يوم منه إلى نهايته، هذا معنى الحديث، ولكن يُخَصُّ منه يوم التاسع والعاشر، أو العاشر والحادي عشر، لمن لم يصمه كله»([1080]) ، وقال أيضاً في موضع آخر: «وصيام يوم عاشوراء سُنَّة، والأفضل أن يصوم معه يومًا قبله أو بعده، سواء التاسع أو الحادي عشر، أو يصومهما جميعًا معه، هذا هو الأفضل، وإن صام الشهر كله، شهر محرم فهو سنة»([1081]).
وقال العلامة محمد بن عثيمين : في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم»: أي: يسن صوم شهر المحرم، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة... وصومه أفضل الصيام بعد رمضان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر اللَّه المحرم»([1082]).
واللَّه أسأل التوفيق والإعانة، لي ولجميع المسلمين لكل ما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه وسلم، وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم السبت الموافق 30/ 12/ 1437هـ
& & &
34-فضل العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر وخصائصها
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه, أجمعين، أما بعد:
فقد كُنَّا بالأمس القريب نستقبل رمضان بالبهجة والسرور، وقد أسرعت الأيامُ حتى ذهب أكثرُه، وقد أحسن أُنَاسٌ في الأيام الماضيةِ، فصاموا النهارَ، وقاموا الليلَ، وقرؤوا القرآن، وتصدقوا، وأحسنوا، وتركوا المعاصي والسيئات، فلهم الأجرُ العظيمُ، والثوابُ الكبيرُ، وعليهمُ المزيدُ في الباقي من أيامِ رمضانَ المبارك، وقد أساء آخرون فأخلُّوا بالصيامِ, وتركوا القيامَ, وسَهِروا اللياليَ الطوالَ على قيل وقال, وإضاعة المال، ومنعٍ وهات، وهجروا القرآن، وبخِلوا بأموالهم، لكن اللَّه تعالى ذو الفضلِ العظيمِ، والإحسانِ العميم, يقبل التوبةَ، ويعفو عن السيئاتِ لمن تابَ وأنابَ، وقد جعل سبحانه العشرَ الأواخرَ من رمضان فرصةً لمن أحسن في أوَّل الشهر أن يزداد، ولمن أساء أن يستدرك ما فاتَه؛ ويغتنم هذه الأيام العشر في الطاعات، وما يقربه من اللَّه تعالى.
والعشر الأواخر لها خصائصُ، وفضائلُ، منها:
أولاً: نزول القرآن في العشر الأواخر من رمضان، في ليلة القدر، قال اللَّه تعالى: âإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِá([1083])، وقال - عز وجل -: âإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَá([1084])، وهذا من أعظمِ فضائلِ العشرِ: أن اللَّه أنزل هذا النورَ المبين فأخرج به من الظلمات إلى النُّورِ، ومن الجهلِ إلى نورِ العلمِ والإيمانِ، وهذا القرآنُ العظيمُ شفاءٌ وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين، وموعظةٌ وشفاءٌ لما في الصدور، âقُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَá([1085]).
ثانياً: ومن خصائص هذه العشرِ الأواخرِ ليلةُ القدر، والعبادةُ في هذه الليلةِ خيرٌ من العبادةِ في ألفِ شَهرٍ، فالعبادةُ فيها خيرٌ، وأفضلُ من العبادةِ في ثلاثٍ وثمانين سنةً، وما يقربُ من أربعةِ أشهرٍ، وهذا فضلٌ عظيمٌ لمن وفّقه اللَّه تعالى، قال - عز وجل -: âإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِá([1086]).
وليلة القدر لها فضائل كثيرة، منها:
* الفضيلةُ الأولى: أن اللَّه أنزل القرآنَ فيها الذي به هِدايةُ العبادِ وسعادتُهم في الدنيا والآخرة âإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِá، وقال - عز وجل -: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍá.
* الفضيلةُ الثانيةُ: في هذه الليلةِ يُفْرَقُ كلُّ أمرٍ حكيمٍ، أي يُفصلُ من اللوحِ المحفوظِ ما هو كائنٌ في السنة: من الأرزاقِ، والآجالِ، والخيرِ والشرِّ.
* الفضيلةُ الثالثةُ: ما يدل عليه الاستفهامُ من التفخيمِ والتعظيمِ لهذه الليلةِ في قوله سبحانه: â وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ á .
* الفضيلةُ الرابعةُ: أن هذه الليلةَ مباركةٌ â إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ á .
* الفضيلةُ الخامسةُ: أن هذه الليلة خيرٌ من ألفِ شهر.
* الفضيلةُ السادسةُ: تتنزّل الملائكةُ فيها، والروحُ وهو جبريل؛ لِكَثْرَةِ بَركَتِها، وهم لا ينزلون إلا بالخير والبركة.
* الفضيلةُ السابعةُ: أن هذه الليلةَ سلامٌ حتى مطلعِ الفجر؛ لكثرة السلامةَ فيها من العقابِ، والعذابِ، بما يقوم به العبدُ من طاعةِ اللَّه - عز وجل -.
* الفضيلةُ الثامنةُ: أن من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه([1087]).
* الفضيلةُ التاسعةُ: أن من أدركها واجتهد فيها ابتغاءَ مرضاةِ اللَّه فقد أدرك الخيرَ كلَّه، ومن حُرِمَها فقد حُرِم الخيرَ كلَّه، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتاكم رمضانُ شهرٌ مباركٌ، فرض اللَّه - عز وجل -، علَيْكُم صيامُه، تُفتحُ فيه أبوابُ الجنةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجحيمِ، وتُغلُّ فيه مردةُ الشياطينِ، للَّه فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِم»([1088]).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: دخل رمضان فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حُرِمَ الخير كله، ولا يحرَمُ خيرَها إلا محرومٌ»([1089]).
* الفضيلةُ العاشرةُ: أن اللَّه أنزل في فضلها سورة كاملة تُتلى إلى يوم القيامة: âإِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ á.
ثالثاً: ومن خصائص هذه العشر اجتهادُ النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيامها, والأعمال الصالحة فيها اجتهاداً عظيماً، فعن عائشة ل قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدَّ، وشدَّ المئزر»([1090])، ومعنى شدِّ المئزر: أي شمَّر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء، وعنها ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره»([1091]).
وهذا الإحياءُ شاملٌ لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومما يدل على فضل العشر: إيقاظ الأهل للصلاة والذكر، ومن الحرمان العظيم أن ترى كثيراً من الناس يُضيِّعون الأوقات في الأسواق، وغيرها، ويسهرون، فإذا جاء وقت القيام ناموا، وهذه خسارة عظيمة، فعلى المسلم الصادق أن يجتهد في هذه العشر المباركة, فلعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هاذم اللذات، ولعله يجتهدُ فتصيبَهُ نفحةٌ من نفحات اللَّه تعالى، فيكون سعيداً في الدنيا والآخرة.
رابعاً: ومن خصائص هذه العشر: الاعتكاف فيها، وهو لزوم المسجد لطاعة اللَّه تعالى، وهو ثابتٌ بالكتاب والسنة، قال اللَّه تعالى: âوَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِá([1092])، وعن عائشة ل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضان حتى توفاه اللَّه، ثم اعتكف أزواجُه من بعدِه([1093])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه، اعتكف عشرين يوماً»([1094])، وفي لفظ: «كان يُعرضُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة [أي: كان جبريل يعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في كل رمضان]، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً، فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه»([1095])، وذكر ابن حجر $ أن المراد بالعشرين: العشر الأوسط، والعشر الأخير([1096])، ويدل على معناه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - في صحيح مسلم([1097]).
وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين قال: «من كان اعتكف معي، فليعتكف العشر الأواخر، فقد رأيت هذه الليلة، ثم أنسيتها... فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر»([1098])، وفي حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «إني أعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي: إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف»، فاعتكف الناس معه، قال: «وإني أُريتُها ليلة وترٍ...» ([1099])، وعن ابن عباس ب قال: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس بالخير، وكانَ أجودَ ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريلَ كان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرضُ عليه رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجودَ بالخير من الريح المرسلة»([1100]).
والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس؛ ليتفرغ لطاعة اللَّه تعالى في مسجد من مساجد اللَّه ؛ طلباً لفضل ثواب الاعتكاف من اللَّه تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وله الخروج من معتكفه فيما لا بد منه: كقضاء الحاجة, والأكل والشرب إذا لم يُمكن ذلك في المسجد.
فاغتنموا ما بقي من هذا الشهر الكريم، واجتهدوا في طاعة اللَّه تعالى، وخصُّوا هذه العشر المباركة بمزيد من الاجتهاد؛ طلباً للثواب، ومضاعفة الأجر في هذه الليالي، وطلباً لليلة القدر التي اختصت بها العشر الأواخر من رمضان، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني أُريت ليلة القدر ثم أُنسيتها – أو نُسِّيتها – فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر»([1101])، وفي حديث عائشة ل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تحرُّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»([1102])، فليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان يقيناً لا شك فيه، وهي في الأوتار أقرب؛ لحديث ابن عباس ب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، ليلة القدر: في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى»، وفي لفظ: «هي في العشر الأواخر في تسع يمضين أو في سبع يبقين»([1103])، وقد تكون في الأشفاع؛ فإنه جاء في البخاري عن ابن عباس ب: «التمسوها في أربع وعشرين»([1104])، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيره، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - يجتهدون اجتهاداً عظيماً، قالت عائشة ل: يا رسول اللَّه، أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللَّهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني»([1105])، فعلى العبد الصادق أن يجتهد في جميع ليالي العشر، ويحصل عليها يقيناً لا شك فيه، وقد أخفى اللَّه ليلة القدر رحمة بعباده؛ لأمور منها: زيادة حسناتهم إذا اجتهدوا في العبادة بأنواعها في هذه الليالي، واختباراً لعباده؛ ليتبين الصادق في طلبها من غيره؛ فإن من حرص على شيء جد في طلبه.
واللَّه أسأل أن يوفق الجميع لكل ما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر في 20/ 9/ 1438هـ.
35-فضل صيام يوم عاشوراء
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر اللَّه المحرم، وصيامه سنة مؤكدة، ويكفِّر ذنوب السنة التي قبله، وقد صامه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية وفي الإسلام، وحثَّ على صيامه، ورغَّب فيه، وصامه قبله موسى شكراً للَّه تعالى على أن نجَّاه وقومه فيه من الغرق، وأغرق عدوَّه فرعون وقومه، والسنة أن يُصام اليوم التاسع مع العاشر، فإن لم يصم التاسع صام معه الحادي عشر، وإن صام معه يوماً قبله ويوماً بعده كان أكمل، وأفضل، وأعظم في الأجر، وعاشوراء في هذا العام 1438هـ يوافق يوم الثلاثاء، فيكون السبت تمام ذي الحجة، والأحد غرة محرم، والإثنين التاسع، والثلاثاء عاشوراء، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل صيامه أحاديث كثيرة، منها الأحاديث الآتية:
1-حديث عائشة ل،قالت: كانت قُريشٌ تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصومه [في الجاهلية]، فلمَّا هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرِضَ شهر رمضان، قال: «من شاء صامه، ومن شاء تركه»([1106]).
2- حديث عبد اللَّه بن عمر ب:أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن عاشوراء يومٌ من أيام اللَّه،فمن شاء صامه ومن شاء تركه»([1107]).
3- حديث معاوية بن أبي سفيان ب وقد خطب الناس في المدينة في قدمةٍ قدمها في العام الذي حج فيه، فقال على المنبر: «يا أهل المدينة أين علماؤُكم؟ سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هذا يومُ عاشوراء ولم يكتب اللَّه عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر»([1108]).
4- حديث عبد اللَّه بن عباس ب قال قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا [اليوم الذي تصومونه؟]» قالوا: هذا يوم [عظيم] صالح [أنجى اللَّه فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً للَّه فنحن نصومه، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه وأمر بصيامه]» ([1109]).
5- حديث ابن عباس ب أيضاً قال: «ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صيام يومٍ فضَّله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني شهر رمضان»([1110]).
6- حديث ابن عباس ب أيضاً قال: «حين صام رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول اللَّه إنه يوم تُعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا كان العام المقبل - إن شاء اللَّه- صمنا اليوم التاسع»، فلم يأتِ العام المقبل حتى توفّي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -»، وفي رواية: «لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع»([1111]) ، والمعنى يعني مع العاشر، ويفسره قول ابن عباس الآتي:
7- ما ثبت من قول ابن عباس ب أنه كان يقول: «صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود»([1112]).
8- حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: «كان يوم عاشوراء [يوماً تعظِّمه اليهود تتخذه عيداً] فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «فصوموه أنتم»([1113]).
9- حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «...وصيام يوم عاشوراء أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله»([1114]).
قال الإمام النووي :: «والحاصل من مجموع الأحاديث أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم، واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكد، واللَّه أعلم»، وقال: «وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم»، وقال :: «قال الشافعي، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام العاشر ونوى صيام التاسع»([1115]): «ولم يكن واجباً كما سبق في أول الباب، وإنما كان سنة متأكدة». وسمعت شيخنا الإمام ابن باز : يقول أثناء تقريره على صحيح الإمام البخاري : الحديث رقم 2000- 2007: «... ثم لما قدم - صلى الله عليه وسلم - المدينة صامه وأمر بصيامه، فكان صيامه واجباً، فلما فرض رمضان قال: «من شاء صام ومن شاء أفطر»، فكان سنة، والأفضل أن يصوم قبله يوماً، أو بعده يوماً، أو يصوم يوماً قبله، ويوماً بعده».
10- مراتب صوم يوم عاشوراء ثلاثة:
أولاً: أكملها أن يُصام قبله يومٌ وبعده يومُ.
ثانياً:أن يُصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث.
ثالثاً: إفراد العاشر وحده بالصوم، قاله الإمام ابن القيم : ([1116])، وسمعت شيخنا الإمام ابن باز : أثناء تقريره على صحيح البخاري، الأحاديث 2000- 2007 يقول: «الظاهر أن صيام يوم عاشوراء وحده يكره، فالسنة أن يصوم يوماً قبله أو بعده، والأفضل لمن لم يصم قبله أو بعده أن لا يصومه حتى لا يوافق اليهود»، وقال : أيضاً في: «أما صومه وحده فيكره»([1117]).
وإذا عمل المسلم بالمرتبة الأولى: وهي صيام ثلاثة أيام: اليوم التاسع، والعاشر والحادي عشر، حصل على فوائد، منها:
أولاً: أدرك صيام يوم عاشوراء يقيناً لا شك فيه، لأن شهر ذي الحجة قد يكون تسعة وعشرين وقد يكون ثلاثين، فإذا لم يُرَ الهلال فقد عمل باليقين، فحينئذٍ يحصل بصيام الثلاثة الأيام على إدراك يوم عاشوراء الذي يُكفِّر اللَّه به ذنوب سنة ماضية.
ثانياً: حصل على فضل صيام ثلاثة أيام من الشهر، فيكتب له صيام شهر كامل؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها.
ثالثاً: صام ثلاثة أيام من شهر اللَّه المحرم الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّه الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ: صَلَاةُ اللَّيْلِ»([1118]).
رابعاً: خالف اليهود في صيامهم فلم يفرد عاشوراء بالصيام، بل صام معه غيره.
خامساً: حصل على فضل صيام يوم الإثنين في هذا العام 1438هـ إذا نوى ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
واللَّه أسأل التوفيق، والإعانة، والتسديد، والقبول لي، ولجميع المسلمين، وأن يوفق الجميع لكل ما يحبه، ويرضاه, وصلى اللَّه وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الأحد 8/ 1/ 1438هـ.
& & &
قسم الحج
36-التشويق إلى حج بيت اللَّه العتيق
المقدمة
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله واصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه كلمات مختصرات في التشويق إلى حج بيت اللَّه العتيق، أسأل اللَّه تعالى أن ينفعني بها، وينفع بها من انتهت إليه. إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وهي على النحو الآتي:
أولاً: من حج البيت الحرام، أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من حج هذا البيت فلم يرفث([1119])، ولم يفسق([1120])، رجع كما ولدته أمه»([1121])، وفي لفظ مسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه»([1122])، وهذا اللفظ يشمل الحج والعمرة([1123]).
ثانياً: العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما، والحج المبرور جزاؤه الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجن»([1124]).
والحج المبرور هو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثم ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفِّيت أحكامه ووقع موقعاً لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع خيراً مما كان ولا يعاود المعاصي. والمبرور مأخوذ من البر وهو الطاعة واللَّه أعلم([1125]).
ثالثاً: الحج يهدم ما كان قبله؛ لحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، وفيه: أنه قال: فلما جعل اللَّه الإسلام في قلبي أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ابسط يمينك لأُبايِعَكَ، فبسط يمينه، فقبضت يَديَ، قال: «مالك يا عمرو؟» قلت: أردتُ أن أشترط، قال: «تشترط بماذا؟» قلت: أن يغفر لي، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله»([1126]).
رابعاً: الحج المبرور من أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل اللَّه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان باللَّه ورسوله». قيل: ثم ماذا؟ قال: «جهاد في سبيل اللَّه»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»([1127]).
خامساً: الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، والحج المبرور ثوابه الجنة؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة» ([1128]).
سادساً: أفضل الجهاد وأجمله الحج المبرور؛ لحديث عائشة ل قالت: يا رسول اللَّه، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لا، ولكنَّ أفضل الجهاد حج مبرور»، وفي رواية: أنها قالت: قلت: يا رسول اللَّه ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: «لكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله الحجُّ حجٌّ مبرور»، قالت عائشة ل: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -([1129]).
وعنها: قالت: قلت: يا رسول اللَّه على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»([1130])، ولفظ النسائي أنها ل قالت: يا رسول اللَّه، ألا نخرج فنجاهد معك؛ فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد، فقال: «لا، ولَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله، حج البيت حج مبرور»([1131]).
سابعاً: الحاج والمعتمر وفدُ اللَّه تعالى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وفد اللَّه ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر»([1132]).
والمعنى: السائرون إلى اللَّه تعالى، القادمون عليه من المسافرين ثلاثة أصناف، فتخصيص هؤلاء من بين العابدين؛ لاختصاص السفر بهم عادة([1133])، وفيه إضافة تشريف لهؤلاء.
ثامناً: المعتمر والحاج يعطيهم اللَّه ما سألوه؛ لحديث ابن ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله. دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم»([1134]).
تاسعاً: الحج والعمرة جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة»([1135]).
عاشراً: الحاج والمعتمر يلبِّي معه الشجر والحجر حتى تنقطع الأرض عن يمينه وشماله؛ لحديث سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:«ما من مسلم يُلبِّي إلا لبَّى من عن يمينه وشماله، من حجرٍ، أو شجرٍ، أو مدرٍ حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا»([1136]).
الحادي عشر: اللَّه تعالى يباهي بالحجاج في عرفة الملائكة؛ لحديث عائشة ل قالت: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟»([1137]).
الثاني عشر: خير الدعاء دعاء الحجاج يوم عرفة؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»([1138]).
الثالث عشر: عمرة في رمضان تعْدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث عبداللَّه بن عباس ب، قال: لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجته قال لأم سنان: «ما منعك من الحجِّ؟» قالت: أبو فلان – تعني زوجها – كان له ناضحان، حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي»([1139]).
الرابع عشر: مسح الحجر الأسود والركن اليماني، يحطّان الخطايا حطّاً، والطواف بالبيت كعتق رقبة، وكل خطوة يُكتب له بها عشر حسنات، ويُحطُّ عنه عشر سيئات، ويُرفع له عشر درجات؛ لحديث عبداللَّه بن عُبيد بن عُمير عن أبيه، قال: قلت لابن عمر: ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إنْ أفعل فقد سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن استلامهما يحطُّ الخطايا»، قال: وسمعته يقول: «من طاف أسبوعاً يحصيه، وصلّى ركعتين كان كعدل رقبة»، قال: وسمعته يقول: «ما رفع رَجلٌ قدماً ولا وضعها إلا كُتبَ له عشرُ حسنات، وحُطَّ عنه عشرُ سيئات، ورُفع له عشرُ درجات»، وفي لفظ لأحمد: «أراك تزاحم على هذين الركنين؟» قال: «إن أفعل، فقد سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن مسحهما يَحُطَّان الخطايا»([1140]).
الخامس عشر: الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»([1141]).
السادس عشر: من طاف بالبيت العتيق واستلم الحجر الأسود شهد له يوم القيامة؛ لحديث ابن عباس ب قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: «واللَّه ليبعثنّهُ اللَّه يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمه بحق»([1142]).
وعنه أيضاً قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضاً من الثلج فسوّدته خطايا بني آدم»([1143]).
السابع عشر: من حج البيت كمل إسلامه؛ لحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في سؤال جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام، قال: يا محمد ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وأن تتم الوضوء، وتصوم رمضان»، قال: فإذا فعلت ذلك فأنا مسلم؟ قال: «نعم» قال: صدقت([1144]).
الثامن عشر: الحاج إذا خرج من بيته قاصداً البيت الحرام كتب له بكل خطوة يخطوها هو ودابته حسنة، ومحا اللَّه عنه خطيئة، ورفعت له درجة؛ لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - يرفعه، وفيه: «فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً، أو تضعها أنت ودابتك إلا كتبت لك حسنة، ورفعت لك درجة»([1145])،وفي حديث ابن عمر ب يرفعه: «...فإنك إذا خرجت من بيتك تؤمُّ البيت الحرام لا تضعُ ناقتك خفاً، ولا ترفعه إلا كتب [الله] لك به حسنة، ومحا عنك خطيئة»([1146]).
التاسع عشر: الحاج والمعتمر يكتب له بركعتي الطواف عتق رقبة من بني إسماعيل؛ لحديث ابن عمر ب وفيه: « ... وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل»([1147]).
العشرون: طواف الحاج أو المعتمر بين الصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة؛ لحديث ابن عمر ب وفيه « ... وأما طوافك بالصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة»([1148]).
الحادي والعشرون: الحاج يُغفر له في وقوفه بعرفة، ولو كانت ذنوبه عدد الرمل، أو قطر المطر، ويباهي به اللَّه الملائكة؛ لحديث ابن عمر يرفعه وفيه: «...وأما وقوفك عشية عرفة، فإن اللَّه يهبط إلى السماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، ويقول: عبادي جاؤوني شعثاً من كل فجٍّ عميقٍ يرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل، أو كقطر المطر، أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم، ولمن شفعتم له»([1149]).
وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - يرفعه: «وأما وقوفك بعرفة فإن اللَّه - عز وجل - يقول لملائكته: يا ملائكتي ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاؤوا يكتسبون رضوانك والجنة، فيقول اللَّه - عز وجل -: فإني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم، ولو كانت ذنوبهم عدد أيام الدهر، وعدد رمل عالج»([1150]).
وفي لفظ لحديث ابن عمر ب: «فإذا وقفت بعرفة، فإن اللَّه - عز وجل - ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً، اشهدوا أني قد غفرت لهم ذنوبهم، وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج([1151])...»([1152]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -قال: «إن اللَّه يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء، فيقول: «انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً»([1153]).
وعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّه - عز وجل - يُبَاهِى مَلاَئِكَتَهُ عَشِيَة عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِى، أَتَوْنِى شُعْثًا غُبْرًا»([1154]).
الثاني والعشرون: يغفر اللَّه تعالى لأهل عرفات، وأهل المشعر؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات، وقد كادت الشمس أن تؤوب([1155])، فقال: «يا بلال، أنصت لي الناس»، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ، فأنصت الناس فقال: «معشر الناس، أتاني جبريل u آنفاً، فأقرأني من ربِّي السلام، وقال: إن اللَّه - عز وجل - غفر لأهل عرفات، وأهل المشعر، وضمن عنهم التَّبعات»([1156]»، فقام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله! هذا لنا خاصة؟ قال: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة»، فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: كَثُرَ خيرُ اللَّه وطاب»([1157]) .
وعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ غَدَاةَ جَمْعٍ: «يَا بِلَالُ أَسْكِتْ النَّاسَ»، أَوْ «أَنْصِتْ النَّاسَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّه تَطَوَّلَ عَلَيْكُمْ([1158]) فِي جَمْعِكُمْ هَذَا فَوَهَبَ مُسِيئَكُمْ لِـمُحْسِنِكُمْ، وَأَعْطَى مُحْسِنَكُمْ مَا سَأَلَ، ادْفَعُوا بِاسْمِ اللَّه »([1159]).
الثالث والعشرون: الحاج له بكل حصاة يرمي بها الجمار مع التوبة تكفير كبيرة من الموبقات؛ لحديث ابن عمر ب وفيه: «وأما رميك الجمار؛ فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات...»([1160])، وعن ابن عباس ب رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لما أتى إبراهيم خليل اللَّه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ([1161]) في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض»، قال ابن عباس ب: الشيطان ترجمون، وملَّة أبيكم إبراهيم تتَّبعون»([1162]) .
الرابع والعشرون: الحاج يُعطى بكل شعرة حلقها حسنة، وتُمحى عنه بها خطيئة، وله بكل شعرة نور يوم القيامة، وما ينحره من الهدي مُدَّخَرٌ له عند اللَّه؛ لحديث ابن عمر وفيه «...وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك، فلك بكل شعرة حلقتها حسنة، وتمحى عنك بها خطيئة ...»([1163])، وفي حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: « ... وأما حلقك رأسك، فإنه ليس من شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة...»([1164]).
الخامس والعشرون: إذا لبَّى الملبِّي في الحجّ، أو كبَّر بُشِّرَ بالجنة؛ وفضل رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أهلَّ مهلٌّ([1165])، ولا كبَّر مُكبِّرٌ إلا بُشِّر»، قيل: يا رسول اللَّه بالجنة؟ قال: «نعم»([1166]).
وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: «العجُّ([1167])، والثجُّ([1168]»»([1169])، ولفظ الترمذي: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سُئل: أيُّ الحج أفضل؟ قال: «العجُّ، والثجُّ»([1170]).
السادس والعشرون: الحج يقع معظمه في أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر»– يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل الله؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل اللَّه إلا رجلٌ عَفَّر وجهه في التراب»، وذكر عرفة، فقال: «يوم مباهاةٍ ينزل اللَّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: «عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين([1171])، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ويستعيذون من عذابي، ولم يروا يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار» هذا لفظ البزار.
ولفظ أبي يعلى: «ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة»، فقال رجل يا رسول الله! هي أفضل أم عدتهنّ جهاداً في سبيل الله؟ فقال: «هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل اللَّه إلا عفيراً يعفِّر وجهه في التراب([1172])، وما من يوم أفضل عند اللَّه من يوم عرفة، ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، لم يروا رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة»([1173]).
ولعِظَمِ فضلها أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: ﴿وَالْفَجْر * وَلَيَالٍ عَشْر﴾([1174])، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف([1175]).
وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر»، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»([1176]).
وهي أيام عظيمة عند الله، والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبداللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد»([1177]).
السابع والعشرون: ماء زمزم شفاء سُقمٍ وطعام طعمٍ، وهو لما شرب له؛ لحديث أبي ذر - رضي الله عنه -، في قصته الطويلة، وفيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له وهو في المسجد الحرام: «متى كنت هاهنا؟»، قال: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين ما بين ليلة ويومٍ قال: «فمن كان يطعمك؟» قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماءُ زمزم فسمنت حتى تكسّرت عُكنُ بطني، وما أجد على كَبدي سُخْفةَ جوعٍ، قال: «إنها مباركةٌ، إنها طعامُ طُعمٍ»([1178]).
ولفظ البيهقي: «إنها مباركة، إنها طعام طُعمٍ، وشِفاء سُقْمٍ»([1179]).
ولفظ البزار: «زمزم طعام طُعم وشِفاء سُقم»([1180]).
وعن ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السُّقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي بَرَهُوت بقية [بـ]حضرموت (عليه] كرجل الجراد من الهوامِّ يصبح يتدفق، ويمسي لا بلال بها»([1181]).
وعن جابر - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ماء زمزم لما شُرِب له»([1182]).
وعن عائشة ل: أنها حَمَلَتْ ماء زمزم في القوارير، وقالت: «حمله رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الأداوي والقرب، فكان يصبُّ على المرضى ويسقيهم»([1183]).
قال ابن القيم :: «وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أموراً عجيبة، واستشفيت به من عِدَّة أمراضٍ فبرأْتُ بإذن اللَّه »([1184])، وقال :: «لقد مرَّ بي وقتٌ في مكة سقمتُ فيه ولا أجد طبيباً، ولا دواءً، فكنت أُعالج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً، آخذ شربةً من ماء زمزم وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه فوجدت بذلك البُرْءَ التَّام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع فأنتفع به غاية الانتفاع، فكنت أصف ذلك لمن يشتكي ألماً، فكان كثير منهم يبرأ سريعاً»([1185]).
الثامن والعشرون: إذا طاف الحاجُّ طواف الوداع خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ لحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، وفيه: «... وأما طوافك بالبيت إذا ودَّعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك»([1186]).
وفضائل الحج والعمرة لا تحصل إلا لمن أخلص عمله لله، وأدَّى حجه أو عمرته على هدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذان شرطان لابد منهما في قبول كل قول وعمل:
الشرط الأول: الإخلاص للمعبود؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»([1187])، ولهذا حَرِصَ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الإخلاص والدعاء به، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: حجَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على رَحْلٍ رثٍّ وقطيفة([1188]) تسْوى أربعة دراهم، أو لا تسْوَى ثم قال: «اللهم حِجةٌ لا رياءَ فيها ولا سُمعة»([1189]).
الشرط الثاني: المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([1190])، فمن أخلص أعماله لله، مُتَّبعاً في ذلك رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الذي عمله مقبول، ومن فقد الأمرين أو أحدهما فعمله مردود داخل في قوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾([1191])، ومن جمع الأمرين فهو داخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾([1192])، وقوله: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([1193])، فحديث عمر - رضي الله عنه - «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للأعمال الباطنة، وحديث عائشة ل «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» ميزان للأعمال الظاهرة، فهما حديثان عظيمان يدخل فيهما الدين كله، أصوله، وفروعه، ظاهره وباطنه([1194]).
وأسأل اللَّه تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يتقبَّل منّي ومن حجّاج بيت اللَّه العتيق، ومن جميع المؤمنين، وصلى اللَّه وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
& & &
37-السنن في مناسك الحج
الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن الحج المبرور من أعظم المطالب للمؤمن؛ لأنه ليس له جزاء إلا الجنة، وهو الذي لا رياء فيه، ولا سمعة، ولم يخالطه إثمٌ، ولا يعقبه معصية، وهو الحج الذي وُفّيت أحكامه، ووقع موقعاً كما طُلب من المكلف، على الوجه الأكمل: من القيام بشروطه، وأركانه، وواجباته، وآدابه، ومستحباته([1195]).
وسأقتصر على بيان سنن مناسك الحج التي يبلغ بها درجة الكمال، والإحسان باختصار عل النحو الآتي:
أولاً: سنن الإحرام:
1 – تقليم الأظفار، وقص الشارب، ونتف الإبطين، وحلق شعر العانة، قبل الإحرام؛ لما في ذلك من إزالة الأوساخ، والنظافة؛ ولأن ذلك من سنن الفطرة؛ لحديث أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب»([1196]).
2 – الغسل عند الإحرام؛ لحديث زيد بن ثابت t أنه رأى النبي ﷺ «تجرد لإهلاله واغتسل»([1197]).
3 -التطيب في البدن قبل الإحرام؛ لحديث عائشة ل، قالت: «كان رسول اللَّه ﷺ إذا أراد أن يُحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته بعد ذلك»([1198]).
4 – إحرام الرجل في إزار ورداء أبيضين؛ لحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفِّنوا فيها موتاكم...» ([1199]).
5 – الإحرام في نعلين؛ لحديث عبداللَّه بن عمر ب عن النبي ﷺ أنه قال: «ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين»([1200]).
6 – الإحرام بعد صلاة فريضة؛ لأن النبي ﷺ أحرم بعد صلاة الظهر؛ لحديث ابن عباس ب قال: «صلى رسول اللَّه ﷺ الظهر بذي الحليفة، ثم دعا بناقته وأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج...»([1201]). فإن لم يكن في وقت صلاة فريضة، فإنه يصلي ركعتي الوضوء؛ لأن النبي ﷺ «تجرد لإهلاله واغتسل»، وقد شرع ﷺ لأمته ركعتي الوضوء، والصواب أنها تُصلَّى في أي ساعة من ليل أو نهار، وإذا كان الإحرام من ميقات ذي الحليفة فصلَّى في وادي العقيق فريضة أو نافلة ثم أحرم بعدها، فلا بأس؛ لحديث عمر بن الخطاب t، قال: سمعت رسول اللَّه ﷺ بوادي العقيق يقول: «أتاني الليلة آتٍ من ربي فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة»([1202]).
7 – التحميد، والتسبيح، والتكبير عند الاستواء على المركوب قبل التلبية؛ لحديث أنس t قال: صلى رسول اللَّه ﷺ ونحن معه بالمدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء: حمد اللَّه، وسبح، وكبَّر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قدمنا أمر الناس فحلُّوا، حتى كان يوم التروية أهلُّوا بالحج»([1203]).
قال الحافظ ابن حجر :: «قوله عند الركوب» أي بعد الاستواء على الدابة لا حال وضع الرجل مثلاً في الركاب، وهذا الحكم – وهو استحباب التسبيح، وما ذكر معه قبل الإهلال – قلَّ من تعرض لذكره مع ثبوته»([1204]).
8 – التلفظ بالإهلال بالتلبية ونية الدخول في النسك يكون عند الاستواء على المركوب؛ لحديث ابن عمر ب قال: «أهل النبي ﷺ حين استوت به راحلته قائمة»([1205]).
9 – الإهلال بالتلبية مستقبل القبلة، فعن نافع قال: «كان ابن عمر ب إذا صلى الغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت له، ثم ركب فإذا استوت به استقبل القبلة قائماً ثم يلبِّي، حتى يبلغ الحرم ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طُوىً بات حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول اللَّه ﷺ فعل ذلك»([1206]).
وسمعت شيخنا ابن باز : يقول عن هذا الحديث: «وهذا يدل على استقبال القبلة عند الإهلال، وهو معلق صحيح»([1207])، وقال الألباني :: «وقد وصله أبو نعيم في المستخرج»([1208]).
10 – رفع الصوت بالتلبية؛ لحديث السائب بن خلاد t قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية»([1209]).
ثانياً: سنن دخول مكة:
11 –1- المبيت بذي طوى؛ لحديث نافع عن ابن عمر ب قال: «كان ابن عمر ب إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى، ثم يصلي به الصبح، ويغتسل، ويُحدّث أن النبي ﷺ كان يفعله»([1210]).
أما الإمساك عن التلبية إذا دخل الحرم، فسمعت شيخنا ابن باز : يقول: «المحفوظ عن النبي ﷺ أنه كان يلبِّي حتى يشرع في الطواف، وهذا اجتهاد من ابن عمر ب»([1211]).
12 –2- الاغتسال لدخول مكة؛ لحديث نافع السابق أن ابن عمر كان يفعله «ويحدث أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك»([1212]).
13 –3- دخول مكة نهاراً، فعن نافع عن ابن عمر ب قال: «بات النبي ﷺ بذي طوى حتى أصبح، ثم دخل مكة، وكان ابن عمر ب يفعله»([1213]).
وسمعت شيخنا ابن باز : يقول: «هذا هو الأفضل إن تيسر سواء في العمرة أو في الحج، وإن دخلها ليلاً فلا بأس»([1214])([1215]).
14 –4- دخول مكة من أعلاها، والخروج من أسفلها إن تيسير، لحديث عائشة ل: «أن النبي ﷺ لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها»([1216]).
فأعلى مكة كَداء، وأسفلها كُدى، وهما موضعان بمكة([1217])، وهما الثنية العليا، والثنية السفلى([1218])، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول: «وأهل مكة يقولون: ادخل وافتح، واخرج واضمم، كَداء، وكُداء»([1219]).
وعن ابن عمر ب قال: «كان رسول اللَّه ﷺ يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنيَّة السفلى»([1220]).
وهذا من باب الأفضلية، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول: «وهذا هو الأفضل أيضاً»([1221]).
15 –5- يقدم رجله اليمنى عند دخول المسجد الحرام، ويقول دعاء دخول المسجد([1222]).
ثالثاً: سنن الطواف بالبيت الحرام:
16 –1- طواف القدوم، للقارن والمفرد.
17 –2- استلام الحجر الأسود وتقبيله مع التكبير، أو ما يقوم مقام ذلك، من استلامه باليد وتقبيلها، أو استلامه بشيء وتقبيل ذلك الشيء، أو الإشارة إليه مع التكبير([1223]).
18 –3- استلام الركن اليماني.
19 –4- الرمل في الثلاثة الأشواط الأُوَل، والسير في الأربعة المتبقية، وذلك في طواف العمرة، وطواف الحج الأول.
20 – الاضطباع في طواف العمرة، وطواف الحج الأول أوَّلَ ما يدخل مكة.
21 –5- الدعاء في الطواف، والذكر.
22 –6- الدنوّ من البيت عند عدم المشقة.
23 –7- أن يقرأ قبل صلاة ركعتي الطواف: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾.
24 –8- أن يصلِّي ركعتي الطواف.
25 -9- القراءة في ركعتي الطواف بـ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون﴾، في الركعة الأولى بعد الفاتحة و﴿قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد﴾ في الركعة الثانية بعد الفاتحة.
26 –10- الشرب من ماء زمزم بعد ركعتي الطواف، ويصب على رأسه، فقد ثبت أن النبي ﷺ شرب منها بعد طواف القدوم، وبعد طواف الإفاضة.
27 –11- إذا فرغ من ركعتي الطواف سُنَّ عوده إلى الحجر فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا وجاء في مسند أحمد، أنه عاد إلى الحجر بعد صلاة الركعتين فاستلمه، ثم شرب من ماء زمزم، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا([1224]).
رابعاً: سنن السعي بين الصفا والمروة:
28 –1- الموالاة بين السعي والطواف، بأن لا يفصل بينهما بفصل طويل.
29 –2- يرقى على الصفا ويرقى على المروة، إلا النساء فيكفيهن أن يبدأن من الصفا ويختمنَ بالمروة.
30 – 3- يقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه﴾ أبدأ بما بدأ اللَّه به.
31 –4- يستقبل البيت وهو على الصفا حتى يراه أو يكون متجهاً حذاءه.
32 –5- يقول الذكر المشروع على الصفا، ويدعو رافعاً يديه.
33 –6- ستر العورة أثناء السعي بين الصفا والمروة.
34 –7- اجتناب النجاسة.
35 –8- يسعى على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر.
36 –9- يسعى سعياً شديداً بين العلمين الأخضرين إلا النساء.
37 –10- الذكر والدعاء أثناء السعي بين الصفا والمروة.
38 –11- يقول على المروة ما قاله على الصفا ويفعل كذلك، إلا أنه لا يقرأ الآية.
39 –12- الموالاة بين أشواط السعي بحيث لا يفصل بينها بل تكون متصلة؛ لأن الراجح أن الموالاة لا تشترط ولكن الأحوط الموالاة([1225]).
خامساً: سنن الخروج إلى منى يوم الثامن (يوم التروية):
40 –1- يفعل ما فعله عند الميقات: من الغسل، والنظافة، وتقليم الأظفار، وحلق العانة، ونتف الإبط، وقص الشارب، ولبس الإزار والرداء.
41 –2- يحرم بالحج يوم التروية من منزله.
42 –3- يصلِّي صلاة الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر في أوقاتها مع قصر الرباعية.
43 –4- المبيت بمنى ليلة عرفة حتى يصلي الفجر وتطلع الشمس.
سادساً: سنن الوقوف بعرفة:
44 –1- النزول بنمرة إن تيسر إلى الزوال.
45 –2- صلاة الظهر والعصر جمعاً وقصراً بنمرة يوم عرفة بعد الزوال.
46 –3- يستقبل القبلة في وقوفه يوم عرفة.
47 –4- يجعل الجبل بينه وبين القبلة إن تيسر وإلا فلا حرج.
48 –5- أن يكون على طهارة أثناء دعائه وذكره للَّه تعالى.
49 –6- يكثر من الدعاء، والذكر، والالتجاء إلى اللَّه تعالى، ويرفع يديه في دعائه.
سابعاً: سنن المبيت بمزدلفة:
50 –1- يصلي المغرب والعشاء عند وصوله قبل حطّ الرِّحال جمعاً وقصراً.
51 –2- ينام مبكراً ليتقوَّى على أعمال يوم النحر.
52 –3- يقف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ويستقبل القبلة ويذكر اللَّه تعالى.
53 –4- يدعو ويكبِّر ويهلِّل حتى يُسفر جداً، ثم يفيض قبل طلوع الشمس.
54 –5- يسرع في بطن محسرٍ إن تيسر له ذلك.
ثامناً: سنن يوم النحر في منى:
55 –1- يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه أثناء رمي جمرة العقبة.
56 –2- الرمي يكون ضحىً إن تيسر.
57 –3- يكبر مع كل حصاة يرمي بها.
58 –4- يقطع التلبية عند رمي جمرة العقبة.
59 –5- يبدأ بالتكبير بدلاً من التلبية.
60 –6- يرتِّب هذه الأعمال يوم النحر: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم يطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إذا كان عليه سعي، فإن قدَّم أو أخَّر شيئاً من هذه الأعمال فلا حرج.
تاسعاً: سنن أيام التشريق:
61 –1- الإكثار من التكبير، والتهليل، والتحميد «التكبير المطلق، والمقيد».
62 –2- الإكثار من ذكر اللَّه تعالى في هذه الأيام المعدودات.
63 –3- أن يجمع الحاج بين الليل والنهار في منى؛ لأن النبي ﷺ بقي في منى كذلك.
64 –5- الدعاء عند الجمرة الأولى بعد رميها، يتقدم قليلاً ثم يستقبل القبلة ويدعو طويلاً.
65 –6- الدعاء عند الجمرة الثانية بعد رميها: يتقدم قليلاً ويأخذ ذات اليسار ويستقبل القبلة ويدعو طويلاً.
66 –7- لا يقف للدعاء بعد رمي الجمرة الكبرى بل يرميها ويمضي.
67 –8- أن يكون على طهارة من الحدث الأكبر والأصغر أثناء الرمي؛ لأنه من ذكر اللَّه تعالى.
عاشراً: سنن طواف الوداع:
68 –1- يبيت بالمحصب قبل الوداع إن تيسَّر، ثم يطوف ويسافر.
69 –2- أن يفرد طواف الوداع فيطوف طواف الإفاضة يوم النحر، وطواف الوداع عند النفر.
70 –3- يُصلي ركعتين بعده، يقرأ فيهما بـالكافرون والإخلاص بعد الفاتحة.
71 –4- يخرج من أسفل مكة من كُدىً إن تيسَّر.
واللَّه أعلم. وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 25/ 8/ 1429هـ.
& & &
38-من آداب الحج
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه؛ نبينا محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أما بعد.
فالآداب التي ينبغي للحاج والمعتمر معرفتها والعمل بها؛ ليحصل على عمرة مقبولة، ويُوفَّق لحج مبرور، مبارك آداب كثيرة منها: آداب واجبة وآداب مستحبة، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآداب الآتية:
1- يستخير اللَّه سبحانه في الوقت، والراحلة، والرفيق، وجهة الطريق إن كثرت الطرق، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والصلاح، أما الحج؛ فإنه خير لا شك فيه. وصفة الاستخارة أن يصلي ركعتين ثم يدعو بالوارد([1226]).
2- يجب على الحاج والمعتمر أن يقصد بحجه وعمرته وجه اللَّه تعالى، والتقرب إليه، وأن يحذر أن يقصد حطام الدنيا أو المفاخرة،أو حيازة الألقاب، أو الرياء والسمعة؛ فإن ذلك سبب في بطلان العمل وعدم قبوله. قال سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْـمُسْلِمينَ﴾ ([1227])، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ ([1228])، والمسلم هكذا لا يريد إلا وجه اللَّه والدار الآخرة؛ ولهذا قال اللَّه- عز وجل - : ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾([1229])، وفي الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»([1230]).
وقد خاف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته من الشرك الأصغر وقال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» فسُئل عنه فقال: «الرياء»([1231]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من سمَّع سمَّع اللَّه به، ومن يُرائي يُرائي اللَّه به»([1232])، قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِـينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة﴾ ([1233]).
3- على الحاج والمعتمر التفقه في أحكام العمرة والحج، وأحكام السفر قبل أن يسافر: من القصر، والجمع، وأحكام التيمم، والمسح على الخفين، وغير ذلك مما يحتاجه في طريقه إلى أداء المناسك قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين»([1234]).
4- التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، سواء كان حاجًّا أو معتمرًا، أو غير ذلك فتجب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها، والندم على فعل ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم ردّها وتحللهم منها، سواء كانت: عرضًا أو مالاً، أو غير ذلك من قبل أن يُؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أُخِذَ من سيئات أخيه فطرحت عليه([1235]).
5- على الحاج أو المعتمر أن ينتخب المال الحلال لحجه وعمرته؛ لأن اللَّه طيب لا يقبل إلا طيّبًا؛ ولأن المال الحرام يسبب عدم إجابة الدعاء([1236])، وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به([1237]).
6- يستحب له أن يكتب وصيته، وما له وما عليه فالآجال بيد اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّه عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ([1238])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»([1239])، ويشهد عليها، ويقضي ما عليه من الديون، ويرد الودائع إلى أهلها أو يستأذنهم في بقائها.
7 - يستحب له أن يوصي أهله بتقوى اللَّه تعالى، وهي وصية اللَّه تعالى للأولين والآخرين: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّه وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّه مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّه غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ ([1240]).
8 - يجتهد في اختيار الرفيق الصالح، ويحرص أن يكون من طلبة العلم الشرعي؛ فإن هذا من أسباب توفيقه وعدم وقوعه في الأخطاء في سفره وفي حجه وعمرته؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»([1241])؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم - «لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي»([1242])، وقد مثل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير([1243]).
9- يودع أهله، وأقاربه، وأهل العلم: من جيرانه، وأصحابه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أراد سفرًا فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم اللَّه الذي لا تضيع ودائعه»([1244])، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يودع أصحابه إذا أراد أحدهم سفرًا فيقول: «أستودع اللَّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك»([1245])، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين: «زوَّدك اللَّه التقوى، وغفر ذنبك، ويسَّر لك الخير حيثُ ما كنتَ»([1246])، وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد سفرًا فقال: يا رسول اللَّه أوصني، فقال: «أوصيك بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف»، فلما مضى قال: «اللهم ازوِ له الأرض، وهوِّن عليه السفر»([1247]).
10- لا يصطحب معه الجرس والمزامير والكلب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس»([1248]). وعنه - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الجرس مزامير الشيطان»([1249]).
11- إذا أراد السفر إلى الحج بإحدى زوجاته إن كان له أكثر من واحدة أقرع بينهن فأي زوجة وقعت عليها القرعة خرجت معه؛ لحديث عائشة ل قالت: «كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه»([1250]). وهذا هو السنة، إذا أراد أن يسافر ببعض نسائه، فالقرعة فيها راحة عظيمة([1251]).
12- يستحب له أن يخرج للسفر يوم الخميس من أول النهار؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -. قال كعب بن مالك - رضي الله عنه -: «لقلَّما كان رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس»([1252]). ودعا لأمته - صلى الله عليه وسلم - بالبركة في أول النهار فقال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»([1253]).
13- يستحبُّ له أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل فيقول عند خروجه: «بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله([1254])، اللهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهلَ عليَّ»([1255]).
14- يستحبّ له أن يدعو بدعاء السفر، إذا ركب دابته، أو سيارته، أو الطائرة، أو غيرها من المركوبات فيقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر» ﴿سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾([1256])، «اللهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب: في المال، والأهل..» وإذا رجع من سفره قالهن وزاد فيهن: «آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون»([1257]).
15- يستحبّ له أن لا يسافر وحده بلا رفقة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده»([1258])، وقال - صلى الله عليه وسلم -:«الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب»([1259]).
16- يؤمِّر المسافرون أحدَهم؛ ليكون أجمعَ لشملهم، وأدعى لاتفاقهم، وأقوى لتحصيل غرضهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم»([1260]).
17-يستحب إذا نزل المسافرون منزلاً أن ينضمّ بعضهم إلى بعض، فقد كان بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إنما تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان»([1261]). فكانوا بعد ذلك ينضمُّ بعضُهم إلى بعض حتى لو بسط عليهم ثوب لوسعهم.
18- يستحبّ إذا نزل منزلاً في السفر أو غيره من المنازل أن يدعو بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -: «أعوذ بكلمات اللَّه التامات من شر ما خلق»؛ فإنه إذا قال ذلك لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك([1262]).
19- يستحبّ له أن يكبّر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات والأودية، قال جابر - رضي الله عنه -: «كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا»([1263])، ولا يرفعوا أصواتهم بالتكبير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميع قريب»([1264]).
20- يستحبّ له أن يدعوَ بدعاء دخول القرية أو البلدة فيقول إذا رآها: «اللهم ربَّ السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها»([1265]).
21- يستحبّ له السير أثناء السفر في الليل وخاصة أوله؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «عليكم بالدُّلجة؛ فإن الأرض تُطوَى بالليل»([1266]).
22- يستحبّ له أن يقول في السحر إذا بدا له الفجر: «سمّع سامعٌ بحمد اللَّه وحسن بلائه علينا. ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذًا باللَّه من النار»([1267]).
23- يستحبّ له أن يكثر من الدعاء في حجه وعمرته؛ فإنه حريٌّ بأن تجاب دعوته، ويُعطى مسألته؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده»([1268])، ويكثر الحاج من الدعاء كذلك على الصفا والمروة، وفي عرفات، وفي المشعر الحرام بعد الفجر، وبعد رمي الجمرة الصغرى، والوسطى أيام التشريق؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر في هذه المواطن الستة من الدعاء ورفع يديه([1269]).
24- يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر على حسب طاقته وعلمه، ولابد من أن يكون على علم وبصيرة فيما يأمر وفيما ينهى عنه، ويلتزم الرفق واللين، ولا شك أنه يُخشى على من لم ينكر المنكر أن يعاقبه اللَّه - عز وجل - بعدم قبول دعائه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر أو ليوشكنَّ اللَّه أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم»([1270]).
25- يبتعد عن جميع المعاصي، فلا يؤذي أحدًا بلسانه، ولا بيده، ولا يزاحم الحجاج والمعتمرين زحامًا يؤذيهم، ولا ينقل النميمة ولا يقع في الغيبة، ولا يجادل مع أصحابه وغيرهم إلا بالتي هي أحسن، ولا يكذب، ولا يقول على اللَّه ما لا يعلم، وغير ذلك من أنواع المعاصي والسيئات قال سبحانه: ﴿الـْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الـْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الـْحَجِّ﴾ ([1271])، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الـْمُؤْمِنِينَ وَالـْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾([1272])، والمعاصي في الحرم ليست كالمعاصي في غيره، قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّه وَالـْمَسْجِدِ الـْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلـْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ([1273]).
26- يحافظ على جميع الواجبات، ومن أعظمها الصلاة في أوقاتها مع الجماعة، ويكثر من الطاعات: كقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والرفق بهم، وإعانتهم عند الحاجة. قال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»([1274]).
27- يتخلق بالخلق الحسن، ويخالق به الناس، والخلق الحسن يشمل: الصبر، والعفو، والرفق، واللين، والحلم، والأناة وعدم العجلة في الأمور، والتواضع، والكرم والجود، والعدل، والثبات، والرحمة، والأمانة، والزهد والورع، والسماحة، والوفاء، والحياء، والصدق، والبر والإحسان، والعفة، والنشاط، والمروءة؛ ولعظم فضل حسن الخلق قال - صلى الله عليه وسلم -: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا..»([1275])، «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم»([1276]).
28- يعين الضعيف، والرفيق في السفر: بالنفس، والمال، والجاه، ويواسيهم بفضول المال وغيره مما يحتاجون إليه، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - «أنهم كانوا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في سفر فقال: «من كان معه فضل ظهر فليعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعُدْ به على من لا زاد له»، فذكر من أصناف المال حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل»([1277]). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: «كان رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - يتخلف في المسير فيزجي الضعيف([1278])، ويردف، ويدعو لهم»([1279]). وهذا يدل على رأفته - صلى الله عليه وسلم - وحرصه على مصالحهم؛ ليقتدي به المسلمون عامة، والمسؤولون خاصة.
29- يتعجّل في العودة ولا يطيل المكث في السفر لغير حاجة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله»([1280]).
30- يستحبّ له أن يقول أثناء رجوعه من سفره ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قفل من غزو، أو حج، أو عمرة، يكبِّر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: «لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون، تائبون، عابدون، ساجدون، لربنا حامدون، صدق اللَّه وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده»([1281]).
31- يستحبّ له إذا رأى بلدته أن يقول: «آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون». ويردِّد ذلك حتى يدخل بلدته؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -([1282]).
32- لا يقدم على أهله ليلاً إذا أطال الغَيْبة لغير حاجة إلا إذا بلَّغهم بذلك، وأخبرهم بوقت قدومه ليلاً؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، قال جابر بن عبد اللَّه ب: «نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق([1283]) الرجل أهله ليلاً»([1284]). ومن الحكمة في ذلك ما فسرته الرواية الأخرى: «حتى تمتشط الشعثة، وتستحدَّ المغيَّبة»، وفي أخرى: «نهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخوّنهم، أو يلتمس عثراتهم»([1285]).
33- يستحبّ للقادم من السفر أن يبتدئ بالمسجد الذي بجواره ويصلي فيه ركعتين؛ لفعله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه «كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين»([1286]).
34- يستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يتلطف بالوِلْدَان من أهل بيته وجيرانه ويحسن إليهم إذا استقبلوه، فعن ابن عباس ب قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدًا بين يديه والآخر خلفه([1287]). وقال عبد اللَّه بن جعفر - رضي الله عنه -: «كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تُلُقِّي بنا، فَتُلُقِّيَ بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة»([1288]).
35- تستحبّ الهدية، لما فيها من تطييب القلوب وإزالة الشحناء، ويستحب قبولها، والإثابة عليها، ويكره ردّها لغير مانع شرعي؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «تهادوا تحابّوا»([1289])، والهدية سبب من أسباب المودة بين المسلمين؛ ولهذا قال بعضهم:
هدايا الناس بعضهم لبعض | تولد في قلوبهم الوصالا |
وقد ذُكِرَ أن أحد الحجاج عاد إلى أهله فلم يقدِّم لهم شيئًا فغضب واحد منهم وأنشد شعرًا فقال:
كأن الحجيج الآن لم يقربوا منى | ولم يحملوا منها سواكًا ولا نعلاً | |
أتونا فما جادوا بعود أراكة | ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا([1290]) |
ومن أجمل الهدايا ماء زمزم؛ لأنها مباركة، قال - صلى الله عليه وسلم - في ماء زمزم: «إنها مباركة، إنها طعام طعم [وشفاء سقم]»([1291]).
وعن جابر - رضي الله عنه - يرفعه: «ماء زمزم لما شُرِبَ له»([1292]). ويُذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «كان يحمل ماء زمزم في الأداوي والقرب، فكان يصب على المرضى ويسقيهم»([1293]).
36- إذا قدم المسافر إلى بلده استحبت المعانقة؛ لما ثبت عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال أنس - رضي الله عنه -: «كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا»([1294]).
37- يستحب جمع الأصحاب وإطعامهم عند القدوم من السفر؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن جابر بن عبد اللَّه ب: «أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة نحر جزورًا أو بقرة». زاد معاذ عن شعبة عن محارب سمع جابر بن عبد اللَّه سيقول: «اشترى مني النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بأوقيتين ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرارًا([1295]) أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها...» الحديث([1296]). وهذا الطعام يقال له: (النقيعة)، وهي طعام يتخذه القادم من السفر([1297])، وهذا الحديث وما جاء في معناه يدل على إطعام الإمام والرئيس أصحابه عند القدوم من السفر، وهو مستحب عند السلف([1298]).
هذا ما تيسر إعداده من آداب الحج والعمرة، واللَّه أسأل أن يوفق جميع الحجاج والمعتمرين إلى كل ما يحبه ويرضاه، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في 19/10/1427هـ.
& & &
39-فضائل مكة والمدينة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أمّا بعد:
فقد جاءت النصوص الصريحة من الأحاديث الصحيحة في بيان فضائل مكة والمدينة، وهي كثيرة، ولكن منها على سبيل الاختصار الفضائل الآتية:
أولاً: فضائل مكة وخصائصها كثيرة، ومنها ما جاء في الأحاديث الآتية:
1- تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام؛ لحديث ابن عباس ب قال: قال رسول اللَّه ﷺ يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ([1299]) وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ([1300])، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»([1301]). وقال يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّه يوم خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّهُ لم يَحِلَّ الْقِتَالُ فيه لِأَحَدٍ قَبْلِي، ولم يَحِلَّ لي إلا سَاعَةً من نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ([1302]) شوكه، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلْتَقِطُ [لقطته]([1303]) إلا من عَرَّفَهَا، وفي لفظ: «إلا لمعرف». [وفي لفظ آخر: «إلا لمنشد»] ولا يُخْتَلَى خَلَاهَا»([1304]) فقال الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ اللَّه إلا الْإِذْخِرَ([1305]) فإنه [لا بد منه] لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ([1306]). [وفي لفظ للبخاري: فإنه لصاغتنا ولقبورنا]. وفي لفظ [ولسُقُفِ بيوتنا] فسكت ثم قال: «إلا الْإِذْخِرَ» قال عكرمة: هل تدري ما ينفَّر صيدها؟ هو أن تنحِّيه من الظل وتنزل مكانه»([1307]).
2 – حديث أبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قال لِعَمْرِو بن سَعِيدٍ، وهو يَبْعَثُ الْبُعُوثَ([1308]) إلى مَكَّةَ: ائْذَنْ لي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قام بِهِ رسول اللَّه ﷺ الْغَدَ من يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ([1309]) حين تَكَلَّمَ بِهِ، إنه حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال: «إن مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّه ولم يُحَرِّمْهَا الناس، فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بها دَمًا ولا يَعْضِدَ بها شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ([1310]) بِقِتَالِ رسول اللَّه ﷺ فيها فَقُولُوا له: إِنَّ اللَّه أَذِنَ لِرَسُولِهِ ولم يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لي فيها سَاعَةً من نَهَارٍ، وقد عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: ما قال لك عَمْرٌو؟ قال: أنا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا([1311]) ولا فَارًّا بِدَمٍ([1312]) ولا فَارًّا بِخَرْبَةٍ([1313]) [قال أبو عبداللَّه: الخربة البلية] ([1314]).
3- حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: لَمَّا فَتَحَ اللَّه - عز وجل - على رسول اللَّه ﷺ مَكَّةَ قام في الناس فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قال: «إِنَّ اللَّه حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كان قَبْلي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، ولا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، ولا تَحِلُّ سَاقِطَتهَا([1315]) إلا لِمُنْشِدٍ([1316]) وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ([1317]) فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ» فقال الْعَبَّاسُ: إلا الْإِذْخِرَ يا رَسُولَ اللَّه، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إلا الْإِذْخِرَ» فَقَامَ أبو شَاهٍ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ، فقال: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه، فقال رسول اللَّه ﷺ: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ».
قال الْوَلِيدُ فقلت لِلْأَوْزَاعِيِّ: ما قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه؟ قال: هذه الْخُطْبَةَ التي سَمِعَهَا من رسول اللَّه ﷺ ([1318]).
وفي لفظ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا من بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ([1319]) منهم قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رسول اللَّه ﷺ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فقال: «إِنَّ اللَّه - عز وجل - حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ([1320]) وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالمؤْمِنِينَ، ألا وَإِنَّهَا لم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، ألا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من النَّهَارِ، ألا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هذه، حَرَامٌ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا([1321]) ولا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إلا مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعطى (يَعْنِي الدِّيَةَ) وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ([1322]) أَهْلُ الْقَتِيلِ» قال: فَجَاءَ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ له أبو شَاهٍ فقال: اكْتُبْ لي يا رَسُولَ اللَّه، فقال: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ». فقال رَجُلٌ من قُرَيْشٍ: إلا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إلا الْإِذْخِرَ»([1323]).
4 – ويُنهى عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة؛ لحديث جابرٍ- رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقول: «لا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّة السِّلاَحَ»([1324]).
5- وأما حمل السلاح لحاجة لا بدَّ منها فلا بأس به؛ لحديث أنَسِ بنِ مَالكِ - رضي الله عنه - أَنَّ النبي ﷺ دخل مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرٌ([1325])، فلما نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فقال: إن ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فقال: «اقْتُلُوهُ»([1326]) فقال مَالِكٌ: نعم([1327]).
6 – ويجوز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد العمرة أو الحج؛ لحديث أنس السابق؛ ولحديث جَابِرِ بن عبد اللَّه الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ دخل مَكَّةَ [وقال قُتَيْبَةُ: دخل يوم فَتْحِ مَكَّةَ] وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وفي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قال: حدثنا أبو الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ([1328]).
7 - حديث جَعْفَرِ بن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ عن أبيه: أَنَّ رَسُولَ ﷺ خَطَبَ الناس وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ .
وفي رواية: قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى رسول اللَّه ﷺ على الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قد أَرْخَى طَرَفَيْهَا([1329]) بين كَتِفَيْهِ، ولم يَقُلْ أبو بَكْرٍ على الْمِنْبَرِ([1330]).
8 – ومما يدل على فضل مكة على سائر البلدان، حديث عبداللَّه بن عدي بن الحمراء قال: رأيت رسول اللَّه ﷺ وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول: «واللَّه إنَّكِ لَخيرُ أرضِ اللَّه، وأحَبُّ أرضِ اللَّه إليَّ، واللَّه لولا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ما خَرَجْتُ»([1331]).
ثانياً: فضائل المدينة وخصائصها ومنها ما جاء في الأحاديث الآتية:
9 – فضل المدينة، ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها؛ لحديث عبد اللَّه بن زَيْدِ بن عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «إِنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا وَمُدِّهَا([1332]) بمثلي ما دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ». ولفظ البخاري [مثل ما دعا إبراهيم u لمكة]([1333]).
10 – حديث رَافِعِ بن خَدِيجٍ قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ وإنِّي أُحَرِّمُ ما بين لَابَتَيْهَا»([1334]) يُرِيدُ المدِينَة([1335]).
وفي رواية عن نَافِعِ بن جُبَيْرٍ أيضاً: أَنَّ مَرْوَانَ بن الْحَكَمِ خَطَبَ الناس، فذكر مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، ولم يذكر المدِينَةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، فَنَادَاهُ رَافِعُ بن خَدِيجٍ فقال: مالي أَسْمَعُكَ ذَكَرْتَ مَكَّةَ وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، ولم تَذْكُرْ المدِينَة وَأَهْلَهَا وَحُرْمَتَهَا، وقد حَرَّمَ رسول اللَّه ﷺ ما بين لَابَتَيْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَنَا في أَدِيمٍ خَوْلَانِيٍّ([1336]) إن شِئْتَ أَقْرَأْتُكَهُ. قال: فَسَكَتَ مَرْوَانُ ثُمَّ قال: قَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ ذلك([1337]).
11 – حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - عن جَابِرٍ قال: قال النبي ﷺ: «إن إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ ما بين لَابَتَيْهَا، لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا([1338]) ولا يُصَادُ صَيْدُهَا»([1339]).
12 – حديث سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إني أُحَرِّمُ ما بين لَابَتَيْ المدِينَةِ، أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أو يُقْتَلَ صَيْدُهَا» وقال: «الْـمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عنها إلا أَبْدَلَ اللَّه فيها من هو خَيْرٌ منه، ولا يَثْبُتُ أَحَدٌ على لَأْوَائِهَا([1340]) وَجَهْدِهَا([1341]) إلا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا([1342]) يوم الْقِيَامَةِ»([1343]).
وفي لفظ عنه: وزاد في الحديث «ولا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ المدِينَةِ بِسُوءٍ إلا أَذَابَهُ اللَّه في النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ أو ذَوْبَ الْمِلْحِ في المَاءِ»([1344]).
13 – حديث عَامِرِ بن سَعْدٍ، أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إلى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ، فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أو يَخْبِطُهُ([1345]) فَسَلَبَهُ([1346])، فلما رَجَعَ سَعْدٌ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ على غُلَامِهِمْ، أو عليهم، ما أَخَذَ من غُلَامِهِمْ، فقال: مَعَاذَ اللَّه! أَنْ أَرُدَّ شيئا نَفَّلَنِيهِ([1347]) رسول اللَّه ﷺ وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عليهم([1348]).
14- حديث أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه -، قال: قالَ رسُولُ اللَّه ﷺ لأبي طَلحَةَ: «التَمِس لي غُلَامًا من غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي» فَخَرَجَ بِي أبو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّه ﷺ كُلَّمَا نَزَلَ، فكُنتُ أسمعُهُ يُكثِرُ أن يقولَ: «اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهَّمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ» فَلَمْ أزَلْ أخدُمُهُ حتَّى أقْبَلنَا مِنْ خَيبَرَ، وأقْبَلَ بصفيَّةَ بنتِ حُييٍّ، قَدْ حازَهَا، فكُنتُ أراهُ يَحَوِّي وراءَهُ بعباءَةٍ أو بِكِساءٍ، ثُمَّ يُرْدِفُها ورَاءهُ، حتَّى إذا كنَّا بالصَّهباء صَنَعَ حَيْساً في نِطَعٍ، ثم أرسَلَني، فدعوتُ رجالاً فأكلوا، وكانَ ذلِكَ بناءَهُ بها. ثُمَّ أقْبَلَ حتى إذا بَدَا له أُحُدٌ قال: «هذا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» فلما أَشْرَفَ على المدِينَةِ قال: «اللَّهم اني أُحَرِّمُ ما بين جَبَلَيْهَا مِثْلَ ما حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهم بَارِكْ لهم في مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ»([1349]).
15 – حديث أنس - رضي الله عنه - عن عاصم قال: قلت لِأَنَسِ بن مَالِكٍ أَحَرَّمَ رسول اللَّه ﷺ المدِينَةَ؟ قال: نعم. ما بين كَذَا إلى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا([1350]) قال ثُمَّ قال لي: هذه شَدِيدَةٌ «من أَحْدَثَ فيها حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالملَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا([1351]) قال: فقال ابن أَنَسٍ «أو آوَى مُحْدِثًا»([1352]).
وفي رواية لمسلم أخبرنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ قال: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَحَرَّمَ رسول اللَّه ﷺ المدِينَة؟ قال: نعم هِيَ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذلك فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ([1353]).
16 – حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال:«اللَّهم بَارِكْ لهم في مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لهم في مُدِّهِمْ» يعني أهل المدينة([1354]).
17 – حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «اللَّهم اجْعَلْ بِالمدِينَةِ ضِعْفَيْ ما بِمَكَّةَ من الْبَرَكَةِ»([1355]).
18 – حديث علي - رضي الله عنه -، فعن إبراهيم التَّيْمِيِّ عن أبيه قال: خَطَبَنَا عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ فقال: من زَعَمَ أنَّ عِنْدَنَا شيئاً نَقْرَأهُ إلا كِتَابَ اللَّه وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ (قال: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ في قِرَابِ سَيْفِهِ) ([1356]) فَقَدْ كَذَبَ([1357]) فيها أَسْنَانُ الْإِبِلِ([1358])، وَأَشْيَاءُ من الْجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا قال النبي ﷺ: «المدِينَةُ حَرَمٌ ما بين عَيْرٍ إلى ثَوْرٍ([1359]) فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًاً، أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْـمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْـمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ([1360])، يَسْعَى بها أَدْنَاهُمْ([1361])، [فمن أخفر([1362]) مسلماً فعليه لعنة اللَّه، والملائكة، والناس أجمعين،لا يقبل اللَّه منه صرفاً ولا عدلاً] وَمَنْ ادَّعَى إلى غَيْرِ أبيه([1363])، أو انْتَمَى إلى غَيْرِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْـمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّه منه يوم الْقِيَامَةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا»([1364]).
19 - حديث أبي هُرَيْرَةَ عن النبي ﷺ قال: «المدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحْدَثَ فيها حَدَثًا أو آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّه وَالْـمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ منه يوم الْقِيَامَةِ عَدْلٌ ولا صَرْفٌ»([1365]).
20 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ كان يقول: لو رأيت الظِّبَاءَ تَرْتَعُ بِالمدِينَةِ ما ذَعَرْتُهَا([1366])، قال رسول اللَّهr: «ما بين لَابَتَيْهَا حَرَامٌ». وفي رواية لمسلم: حَرَّمَ رسول اللَّه ﷺ ما بين لَابَتَيِ المدِينَةِ، قال أبو هُرَيْرَةَ: فَلَوْ وَجَدْتُ الظِّبَاءَ ما بين لَابَتَيْهَا ما ذَعَرْتُهَا وَجَعَلَ أثنى عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْـمَدِينَةِ حِمًى([1367]).
21 - حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قال: كان الناس إذا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جاؤوا بِهِ إلى النبي ﷺ فإذا أَخَذَهُ رسول اللَّه ﷺ قال: «اللَّهم بَارِكْ لنا في ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لنا في صَاعِنَا، وَبَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم إنَّ إبراهيم عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ ما دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ معه» قال ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ له فَيُعْطِيهِ ذلك الثَّمَرَ»([1368]).
22 – الترغيب في سُكْنَى المدينة والصبر على لأوائها؛ لحديث أبي سَعِيدٍ الخدري - رضي الله عنه - فعن أبي سعيد مولى الْمَهْرِيِّ، أنه أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ، وأنه أتى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فقال له: إني كَثِيرُ الْعِيَالِ وقد أَصَابَتْنَا شِدَّةٌ فَأَرَدْتُ أن أَنْقُلَ عِيَالِي إلى بَعْضِ الرِّيفِ([1369])، فقال أبو سَعِيدٍ: لَا تَفْعَلْ، الْزَمْ المدِينَة فَإِنَّا خَرَجْنَا مع نَبِيِّ اللَّه ﷺ أَظُنُّ أَنَّهُ قال حتى قَدِمْنَا عُسْفَانَ فَأَقَامَ بها لَيَالِيَ، فقال الناس: واللَّه ما نَحْنُ هَا هُنَا في شَيْءٍ وَإِنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ([1370]) ما نَأْمَنُ عليهم. فَبَلَغَ ذلك النبي ﷺ فقال: «ما هذا الذي بَلَغَنِي من حَدِيثِكُمْ؟ ما أَدْرِي كَيْفَ قال وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ أو وَالَّذِي نَفْسِي بيده لقد هَمَمْتُ أو إن شِئْتُمْ (لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قال) لَآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ([1371])، ثُمَّ لَا أَحُلُّ لها عُقْدَةً حتى أَقْدَمَ المدِينَة»([1372]). وقال: «اللَّهم إن إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَة حَرَامًا([1373]) ما بين مَأْزِمَيْهَا([1374]) أن لَا يُهْرَاقَ فيها دَمٌ ولا يُحْمَلَ فيها سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، ولا تُخْبَطَ فيها شَجَرَةٌ إلا لِعَلْفٍ([1375])، اللَّهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في صَاعِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في صَاعِنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مُدِّنَا، اللَّهم بَارِكْ لنا في مَدِينَتِنَا، اللَّهم اجْعَلْ مع الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بيده ما من الْمَدِينَةِ شِعْبٌ ولا نَقْبٌ([1376]) إلا عليه مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حتى تَقْدَمُوا إِلَيْهَا» (ثُمَّ قال لِلنَّاسِ) «ارْتَحِلُوا» فَارْتَحَلْنَا. فَأَقْبَلْنَا إلى الْمَدِينَةِ، فَوَالَّذِي نَحْلِفُ بِهِ أو يُحْلَفُ بِهِ (الشَّكُّ من حَمَّادٍ) ما وَضَعْنَا رِحَالَنَا حين دَخَلْنَا المدِينَة([1377]) حتى أَغَارَ عَلَيْنَا بَنُــــو عبداللَّه بن غَطَفَانَ، وما يَهِيجُهُمْ([1378]) قبل ذلك شَيْءٌ.
وفي رواية عن أبي سَعِيدٍ مولى الْمَهْرِيِّ، أَنَّهُ جاء أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، لَيَالِي الْحَرَّةِ([1379])، فَاسْتَشَارَهُ في الْجَلَاءِ([1380]) من الْمَدِينَةِ، وَشَكَا إليه أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ له على جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا، فقال له: وَيْحَكَ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إني سمعت رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ على لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ، إلا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا يوم الْقِيَامَةِ، إذا كان مُسْلِمًا».
وفي رواية أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: «إني حَرَّمْتُ ما بين لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ» قال: ثُمَّ كان أبو سَعِيدٍ يَأْخُذُ (وقال أبو بَكْرٍ: يَجِدُ) أَحَدَنَا في يَدِهِ الطَّيْرُ([1381]) فَيَفُكُّهُ من يَدِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ([1382]).
23 – حديث سَهْلِ بن حُنَيْفٍ - رضي الله عنه - قال: أَهْوَى رسول اللَّه ﷺ بيده إلى الْمَدِينَةِ([1383]) فقال: «إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ»([1384]).
24 – حديث عَائِشَةَ ل قالت: قَدِمْنَا المدِينَة وَهِيَ وَبِيئَةٌ([1385]) فَاشْتَكَى أبو بَكْرٍ وَاشْتَكَى بِلَالٌ، فلما رَأَى رسول اللَّه ﷺ شَكْوَى أَصْحَابِهِ قال: «اللَّهم حَبِّبْ إِلَيْنَا المدِينَة كما حَبَّبْتَ مَكَّةَ أو أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لنا في صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إلى الْجُحْفَةِ([1386])» ([1387]).
25 – حديث ابن عُمَرَ ب قال: سمعت رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: «من صَبَرَ على لَأْوَائِهَا كنت له شَفِيعًا أو شَهِيدًا يوم الْقِيَامَةِ».
وفي رواية: عن يُحَنَّسَ مولى الزُّبَيْرِ، أخبره أَنَّهُ كان جَالِسًا عِنْدَ عبد اللَّه بن عُمَرَ في الْفِتْنَةِ([1388]) فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ له تُسَلِّمُ عليه فقالت: إني أَرَدْتُ الْخُرُوجَ يا أَبَا عبد الرحمن اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ، فقال لها عبد اللَّه: اقْعُدِي لَكَاعِ([1389])، فَإِنِّي سمعت رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: «لَا يَصْبِرُ على لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلا كنت له شَهِيدًا أو شَفِيعًا يوم الْقِيَامَةِ»([1390]).
26 – حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «لَا يَصْبِرُ على لَأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ من أُمَّتِي، إلا كنت له شَفِيعًا يوم الْقِيَامَةِ أو شَهِيدًا»([1391]).
27 – صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «على أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ولا الدَّجَّالُ»([1392]).
28 – وحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «يَأْتِي الْمَسِيحُ([1393]) من قِبَلِ الْمَشْرِقِ هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ حتى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ»([1394]).
29 – المدينةُ تَنْفِي شِرَارَهَا؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ أن رسول اللَّه ﷺ قالَ: «يأتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابنَ عَمِّه وقَريبَهُ: هَلُمَّ إلى الرخاء! هَلُمَّ إلى الرَّخَاء! والمدينَةُ خَيْرٌ لهمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمونَ، والذي نَفْسي بيدهِ لا يَخْرُجُ منهُمْ أحدٌ رَغبةً عنها إلا أخْلَف اللَّه فيها خَيْراً منْهُ، ألا إنَّ المدينةَ كالكِير([1395])، تُخْرِجُ الخَبيثَ. لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى تَنْفي المدينَةُ شِرارَها. كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ»([1396]).
30 – حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول اللَّه ﷺ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى([1397]) يَقُولُونَ يَثْرِبَ([1398]) وَهِيَ المدِينَةُ، تنفي الناس كما ينفي الْكِيرُ خَبَثَ الحدِيدِ»([1399]).
31 – حديث جَابِرِ بن عبد اللَّه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّه ﷺ فَأَصَابَ الْأَعْرَابِيَّ وَعْكٌ([1400]) بِالمدِينَةِ، فَأَتَى النبي ﷺ فقال: يا محمد أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى رسول اللَّه ﷺ ثُمَّ جَاءَهُ فقال: أَقِلْنِي بَيْعَتِي، فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فقال: أَقِلْنِي بَيْعَتِي فَأَبَى، فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ فقال رسول اللَّه ﷺ: «إنما المدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا([1401])» ([1402]).
32 – حديث زَيْدِ بن ثَابِتٍ - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال: «إِنَّهَا طَيْبَةُ، يَعْنِي المدِينَة، وَإِنَّهَا تَنْفِي الخبَثَ كما تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ»([1403]).
33 – حديث جَابِرِ بن سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: «إن اللَّه تَعَالَى سَمَّى المدِينَة طَابَةَ([1404]»)([1405]).
34 – من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قال: قال أبو الْقَاسمِ ﷺ: «من أَرَادَ أَهْلَ هذه الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ([1406]) (يَعْنِي المدِينَة) أَذَابَهُ اللَّه كما يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ»([1407]).
35 - حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «مَنْ أرَادَ أهْلَ المَدينةِ بِسُوءٍ، أذَابَه اللَّه كَمَا يَذُوبُ المِلْحُ في المَاءِ». لفظ البخاري «لا يَكيدُ أهل المدينة أحدٌ إلا انْمَاعَ كمَا يَنْمَاعُ المِلْح فِي الماءِ»([1408]).
وفي رواية: «بدَهْمٍ أوْ بِسُوءٍ»([1409]).
36 – الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار؛ لحديث سُفْيَانَ بن أبي زُهَيْرٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «تُفْتَحُ الشَّامُ فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ([1410]) وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَخْرُجُ من المدِينَةِ قَوْمٌ بِأَهْلِيهِمْ يَبُسُّونَ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ».
وفي رواية: «يُفْتَحُ الْيَمَنُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ يُفْتَحُ الشَّامُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يُفْتَحُ الْعِرَاقُ فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَالمدِينَةُ خَيْرٌ لهم لو كَانُوا يَعْلَمُونَ»([1411]).
37- المدِينَةِ حين يَتْرُكُهَا أَهْلُهَا؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ لِلْمَدِينَةِ: «لَيَتْرُكَنَّهَا أَهْلُهَا على خَيْرِ ما كانت مُذَلَّلَةً لِلْعَوَافِي» يَعْنِي السِّبَاعَ وَالطَّيْرَ([1412]).
وفي رواية: «يَتْرُكُونَ المدِينَة على خَيْرِ ما كانت لَا يَغْشَاهَا إلا الْعَوَافِي (يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ) ثُمَّ يَخْرُجُ رَاعِيَانِ من مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ المدِينَة يَنْعِقَانِ([1413]) بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا([1414]) حتى إذا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا على وُجُوهِهِمَا([1415])» ([1416]).
38 – ما بين بَيْتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْبَرِهِ رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ؛ لحديث عبد اللَّه بن زَيْدٍ الْمَازِنيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «ما بين بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ»([1417]).
وفي رواية لمسلم: «ما بين مِنْبَرِي وَبَيْتِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الْجَنَّةِ»([1418]).
39 – وحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «ما بين بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ من رِيَاضِ الجنَّةِ وَمِنْبَرِي على حَوْضِي([1419]»)([1420]).
40 - أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ؛ لحديث أبي حُمَيْدٍ - رضي الله عنه - قال: خَرَجْنَا مع رسول اللَّه ﷺ في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَسَاقَ الحديث وَفِيهِ: ثُمَّ أَقْبَلْنَا حتى قَدِمْنَا وَادِي الْقُرَى([1421]) فقال رسول اللَّه ﷺ: «إني مُسْرِعٌ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيُسْرِعْ مَعِي، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَمْكُثْ فَخَرَجْنَا حتى أَشْرَفْنَا على المدِينَةِ فقال هذه طَابَةُ وَهَذَا أُحُدٌ وهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»([1422]).
41 – حديث أَنَسُ بن مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ».
وفي رواية: نَظَرَ رسول اللَّه ﷺ إلى أُحُدٍ فقال: «إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»([1423]).
42 - فَضْلِ الصَّلَاةِ بِمَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالمدِينَة؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النبي ﷺ قال: «صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا المسْجِدَ الـْحَرَامَ».
وفي رواية: «صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا خَيْرٌ من أَلْفِ صَلَاةٍ في غَيْرِهِ من الْمَسَاجِدِ إلا المسْجِدَ الْـحَرَامَ»([1424]).
43 - حديث ابن عُمَرَ ب عن النبي ﷺ قال: «صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا المسْجِدَ الْحَرَامَ»([1425]).
44 - حديث جابر - رضي الله عنه -، أن رسول اللَّه ﷺ قال: « صَلَاةٌ في مَسْجِدِي هذا أَفْضَلُ من أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وصَلاةٌ في المسْجِدِ الحَرام أفضَلُ مِنْ مائَةِ ألفِ صلاةٍ فيما سِواه»([1426]).
45 - لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ لحديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَبْلُغُ بِهِ النبي ﷺ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ([1427]) مَسْجِدِي هذا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى»([1428]).
وفي رواية لمسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «إنما يُسَافَرُ إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ([1429]»)([1430]).
46 – الْـمَسْجِدَ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى هو مَسْجِدُ النبي ﷺ بِالمدِينَةِ؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: دَخَلْتُ على رسول اللَّه ﷺ في بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ فقلت: يا رَسُولَ اللَّه أَيُّ المسْجِدَيْنِ الذي أُسِّسَ على التَّقْوَى؟ قال: فَأَخَذَ كَفًّا من حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قال: «هو مَسْجِدُكُمْ هذا»([1431]) (لِمَسْجِدِ المدِينَةِ) ([1432]).
47 - فَضْلِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَفَضْلِ الصَّلَاةِ فيه وَزِيَارَتِهِ؛ لحديث ابن عُمَرَ ب أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ كان يَزُورُ قُبَاءً([1433]) رَاكِبًا وَمَاشِيًا.
وفي رواية: كان رسول اللَّه ﷺ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ([1434]).
48 - حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «مَنْ تَطَهَّرَ في بيته، ثُمَّ أتَى مَسجدَ قُباء فصلَّى فيهِ صلاةً كانَ له كأجرِ عُمرة»([1435]).
49 – وحديث أسيد بن ظهير الأنصاري - رضي الله عنه -، عن النبي ﷺ أنه قال: «الصَّلاة فِي مسجدِ قُباء كَعُمْرةٍ»([1436]). وهذا لمن لم يشد الرحال، وإنَّما زَار مسجد قباء من المدينةِ، أو قدمَ إلى المدينة، ثم أرادَ زيارة مسجد قُباء، أما شدّ الرِّحال للسفرِ فلا يجوزُ إلاَّ إلى المساجدِ الثلاثة كما تقدم.
50 – الإيمان يأرِز إلى المدينة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه ﷺ قال: «إن الإيمانَ ليَأرِزْ([1437]) إلى المدينةِ كَمَا تأرِز الحيَّة إلى جُحْرِها»([1438]).
51 – حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «اللَّهم ارْزقني شهادةً في سَبيلك واجعل موتي في بلدِ رَسُولِك ﷺ»([1439]).
52 – حديث ابن عمر ب، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «مَن استطاعَ مِنكم أن يموت بالمدينة فليَفعل؛ فإني أشْهَدُ لمَن ماتَ بها»([1440]).
53 – حديث علي - رضي الله عنه -، عن النبي ﷺ قال: «لا يُختَلى خلاها([1441])، ولا يُنفر صَيْدها، ولا تُلتقَط لقطتها إلا لمنْ أشاد بها([1442])، ولا يصحّ لرجلٍ أنْ يحمل فيها السِّلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعْلِف رجل بعيره»([1443]).
,واللَّه ولي التوفيق، وصلَّى اللَّه وسلّم على نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
& & &
40-الطاعة في الحرم
الحمد للَّه، والصلاة والسلام الأتَّمّان الأكملان على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإن الطاعات في الحرم المكي لها فضل عظيم، وثواب كبير، كما أنّ المعاصي فيه عظيمة، وخطرها عظيم، فقد توعَّد اللَّه من أراد فيه إلحاداً بظلم بعذابٍ أليم، فكيف بمن فعل فيه الإلحاد؛ وسأبيّن ذلك باختصار على النحو الآتي:
أولاً: البيت العتيق أول بيتٍ وضع للعبادة، فقد جعل اللَّه هذا المسجد أول بيت وُضِع للعبادة، وهو أفضل المساجد مطلقاً؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَـمِينَ﴾([1444]).
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول اللَّه: أيُّ مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة»، ثم قال: «حيثما أدركت الصلاة فصلِّ، والأرض لك مسجد»، وفي لفظ مسلم: «ثم الأرض لك مسجد، فحيثما أدركت الصلاة فصل»([1445]).
فقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ يخبر تعالى عن شرف هذا البيت العظيم الحرام، وأنه أول بيت وضعه اللَّه للناس يتعبدون فيه لربهم I، ويطوفون به، ويُصلُّون إليه([1446]).
قال الإمام شيخنا ابن باز :: «أمَّا ما روي أن أوّل من عمره هو آدم، فهو ضعيف, والمحفوظ والمعروف عند أهل العلم: أنّ أوّل من عمره هو خليل اللَّه إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -, وأوّل بيتٍ وُضع بعده للعبادة هو المسجد الأقصى، على يد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام, وكان بينهما أربعون سنة, ثم عمره بعد ذلك بسنين طويلة سليمان نبيّ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -, وهذا البيت العتيق هو أفضل بيت, وأوّل بيت وُضع للناس للعبادة, وهو بيت مبارك لما جعل اللَّه فيه من الخير العظيم بالصلاة فيه, والطواف به, والصلاة حوله, والعبادة, كل ذلك من أسباب تكفير الذنوب, وغفران الخطايا»([1447]).
وقوله: ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ بكة: من أسماء مكة، قال الإمام ابن كثير ؒ: «بكة من أسماء مكة على المشهور، قيل: سُمِّيت بذلك؛ لأنها تبكّ أعناق الظلمة والجبابرة ، بمعنى أنهم يذلون بها، ويخضعون عندها، وقيل: لأن الناس يتباكّون فيها: أي يزدحمون»([1448])، وقال :: «وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين ، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى، وصلاح، والعَرَش على وزن بدر، والقادس؛ لأنها تطهِّر من الذنوب، والمقدّسة، والناسة - بالنون والباء أيضاً -، والنسَّاسة، والحاطمة، والرأس، وكوثا، والبلدة، والبنية، والكعبة»([1449]).
وقوله تعالى: (مُبَارَكَاً): أي فيه البركة الكثيرة في المنافع الدينية والدنيوية»([1450]).
ثانياً: عظّم اللَّه هذا البيت فجعل فيه آيات بينات تدل على عظمته وشرفه؛ لقوله - عز وجل -: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾([1451]) أي أدلة واضحة، ودلالات ظاهرة، وبراهين قاطعات على أن اللَّه تعالى عظَّمه وشرَّفه»([1452]).
وقوله تعالى: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ ومن الآيات البينات (مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ) الذي لما ارتفع البناء استعان به على رفع القواعد منه والجدران، حيث كان يقف عليه ويناوله ولده إسماعيل، وكان أثر قدميه عليه، وكان ملصقاً بجدار الكعبة، حتى أخَّره عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في خلافته إلى ناحية الشرق، بحيث يتمكَّن الطائفون بالصلاة خلفه، ولا يشوِّشون على الطائفين بالبيت أثناء الصلاة([1453]).
ومن الآيات البينات: الحجر الأسود، والحطيم([1454])، وزمزم، والمشاعر كلها، وقيل: مقام إبراهيم: جميع الحرم([1455]).
قال الإمام الطبري ؒ بعد أن ذكر أقوال أهل العلم: «وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال: الآيات البينات: منهن مقام إبراهيم، وهو قول: قتادة ومجاهد الذي رواه معمر عنهما، فيكون الكلام مراداً فيه: (منهن) فترك ذكره اكتفاءً بدلالة الكلام عليها، فإن قال قائل : فهذا المقام من الآيات البينات، فما سائر الآيات التي من أجلها قيل: ﴿آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ؟﴾، قيل: منهن المقام، ومنهن الحجر، ومنهن الحطيم»([1456]) .
قال الإمام ابن كثير : عن ابن عباس بفي قوله تعالى: ﴿مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ قال: الحرم كله مقام إبراهيم»([1457]).
وقال العلامة السعدي :: «ويحتمل أن المراد بمقام إبراهيم مفرد مضاف يراد به مقاماته في مواضع المناسك كلها، فيكون على هذا جميع أجزاء الحج ومفرداته آيات بينات: كالطواف، والسعي، ومواضعها، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، والرمي، وسائر الشعائر والآيات في ذلك ما جعله اللَّه في القلوب من تعظيمها واحترامها، وبذل نفائس النفوس والأموال في الوصول إليها، وتحَمُّل كل مشقة لأجلها، وما في ضمنها من الأسرار البديعة، والمعاني الرفيعة، وما في أفعالها من الحكم والمصالح التي يعجز الخلق عن إحصاء بعضها ...»([1458]) .
وقال الإمام شيخنا ابن باز :: « ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ فاللَّه جعل فيه آيات بينات, وهي التي فسّرها العلماء بمقام إبراهيم, أي: مقامات إبراهيم؛ لأن كلمة مقام لفظ مفرد مضاف إلى معرفة، فيعمّ جميع مقامات إبراهيم, فالحرم كله مقام إبراهيم تعبد فيه, ومن ذلك المشاعر; عرفات والمزدلفة ومنى, كل ذلك من مقام إبراهيم, ومن ذلك الحجر الذي كان يقوم عليه وقت البناء, والذي يصلّي إليه الناس الآن كله من مقامات إبراهيم»([1459]).
ثالثاً: من دخله وجب تأمينه، وعدم التعرّض له بأي نوعٍ من أنواع الأذى؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً﴾ يعني حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في الجاهلية، حتى أن الواحد من أهل الجاهلية يجد قاتل أبيه فلا يهيجه في الحرم([1460]).
وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من إقامة حدود اللَّه، فمن فعل ما يوجب حدّاً أقيم عليه فيه، ومن فعل حداً خارج الحرم، ثم لجأ إلى الحرم عائذاً به، فإنه يُخرَج من الحرم ثم يقام عليه الحدّ([1461]).
وذلك بدعاء إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، حين قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾([1462])، ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾([1463]).
وقال الإمام البغوي :: «(ومن دخله كان آمناً» قال: وقيل: هو خبر بمعنى الأمر، تقديره: ومن دخله فأمِّنوه، كقوله: ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْـحَجِّ﴾ أي لا ترفثوا ولا تفسقوا»([1464]).
وقال الإمام شيخنا ابن باز :: «﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ يعني وجب أن يؤمن, وليس المعنى أنه لا يقع فيه أذى لأحد, ولا قتل, بل ذلك قد يقع, وإنما المقصود أن الواجب تأمين من دخله, وعدم التعرض له بسوء...»([1465]).
وقد ذكر اللَّه منَّته على عباده فقال: ﴿أَوَلَـمْ نُمَكِّنْ لَـهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾([1466]).
وقال تعالى:﴿أَوَلَـمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِـهِمْ﴾([1467]).
رابعاً: جعل اللَّه هذا البيت مثابة للناس لقوله - عز وجل -: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾([1468]).
قال الإمام شيخنا ابن باز :: «فاللَّه سبحانه قد جعل هذا البيت مثابة للناس يثوبون إليه, ولا يشبعون من المجيء إليه, بل كلما صدروا أحبوا الرجوع إليه, والمثابة إليه, لما جعل اللَّه في قلوب المؤمنين من المحبة له، والشوق إلى المجيء إليه؛ لما يجدون في ذلك من الخير العظيم, ورفع الدرجات, ومضاعفة الحسنات, وتكفير السيئات, ثم جعله آمنا يأمن فيه العباد, وجعله آمناً للصيد الذي فيه, فهو حرم آمن يأمن فيه الصيد الذي أباح اللَّه للمسلمين أكله خارج الحرم, يأمن فيه حال وجوده به, حتى يخرج لا ينفر ولا يقتل...»([1469]).
وقد ثبت في الحديث الصحيح قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن إبراهيم حرّم مكة، ودعا لأهلها، وحرّمتُ المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، ودعوت لأهلها في مدِّها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم [u] لمكة»([1470]) .
وثبتت أحاديث أخرى تدلّ على أن اللَّه الذي حرّم مكة، ففي الصحيحين عن ابن عباس بعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن هذا البلد حرّمه اللَّه يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة اللَّه إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار ... »([1471]) .
قال الإمام ابن كثير :: «فإذا عُلم هذا ،فلا منافاة بين هذه الأحاديث الدالّة على أن اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض، وبين الأحاديث الدّالّة على أن إبراهيم u حرّمها؛ لأن إبراهيم بلّغ عن اللَّه حكمه فيها، وتحريمه إياها ... »([1472]).
خامساً: توعّد اللَّه من أراد فيه بإلحاد بظلم؛ لقول - عز وجل -: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْـحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([1473]).
فإذا كان من يهمّ بالإلحاد والظلم، ومن يريد ذلك متوعداً بالعذاب الأليم, فالذي يفعل الجريمة, ويتعدّى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب, والعذاب الأليم.
ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾([1474])، وهذا يبيّن لنا أنه محرّم, وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم, والباد, وهو: الوارد، والوافد إليه من حاجٍّ ومعتمرٍ، وغيرهما .
وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾([1475])، وبيّن جلّ وعلا عظمة هذا المكان, وأن اللَّه جعله آمناً، وجعله حرماً, ليس لأحد من المقيمين فيه، ولا من الواردين إليه, أن يتعدَّى حدود اللَّه فيه, أو أن يؤذي الناس فيه.
ومن ذلك يُعلم أن التعدّي على الناس، وإيذاءهم في هذا الحرم الآمن بقولٍ أو فعلٍ, من أشدّ المحرّمات المتوعَّد عليها بالعذاب الأليم, بل من الكبائر([1476]).
سادساً: أوجب اللَّه تعالى تطهير البيت للطائفين، والعاكفين، والركع السجود؛ لقوله - عز وجل -: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾([1477]).
أوجب على نبيه إبراهيم، وإسماعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود، أي المصلين, وقال في الآية الأخرى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾([1478]).
والقائم هنا هو: المقيم، وهو: العاكف, والطائف معروف, والركع السجود هم: المصلون .
فاللَّه جلّت قدرته أمر نبيه إبراهيم، وابنه إسماعيل أن يطهِّرا هذا البيت, وهكذا جميع ولاة الأمور, يجب عليهم ذلك؛ ولهذا نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك يوم فتح مكة, وأخبر أنه حرم آمن, وأن اللَّه حرمه يوم خلق السموات والأرض, ولم يحرمه الناس, وقال: « لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلا من عَرَّفهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا»([1479])، ويعني - صلى الله عليه وسلم -بهذا : حرمة هذا البيت . فيجب على المسلمين , وعلى ولاة الأمور , كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يحترموه، ويعظموه, وأن يحذروا ما حرّم اللَّه فيه من إيذاء المسلمين, والظلم لهم, والتعدي عليهم حجاجاً، أو عماراً أو غيرهم .
فالعاكف: المقيم, والطائف معروف, والركع السجود هم: المصلون، فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه, والمتعبدين فيه, وإذا وجب على الناس أن يحترموه, وأن يدفعوا عنه الأذى، فالواجب عليهم أيضاً أن يطهروا هذا البيت, وأن يحذروا معاصي اللَّه فيه, وأن يتقوا غضبه، وعقابه, وأن لا يؤذي بعضهم بعضاً, ولا أن يقاتل بعضهم بعضاً, فهو بلد آمن محترم، يجب على أهله أن يعظموه، وأن يحترموه, وأن يحذروا معصية اللَّه فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضاً, ولا يؤذي بعضهم بعضا; لأن السيئة فيه عظيمة, كما أن الحسنات فيه مضاعفة»([1480]).
سابعاً: مضاعفة الحسنات في المسجد الحرام؛ فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي [هَذَا] أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ»([1481])، وهذا ثوابه عظيم؛ فإن من صلّى يوماً واحداً خمس صلوات في المسجد الحرام، كانت أفضل من خمسمائة ألف صلاة، فتكون أفضل من الصلاة في مائتين وإحدى وثمانين سنة وستة أشهر تقريباً؛ لأن المصلي إذا صلَّى خمس صلوات، كان ذلك عدد الصلوات في اليوم، فيكون بمائة ألف يوم تقسيم ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً، عدد أيام السنة القمرية، والناتج يكون عدد السنين هكذا 100000 يوم ÷ 355 يوماً = 281،69 سنة، وهذا فضل عظيم، وثواب كبير جليل، لمن وفقه اللَّه تعالى للخير([1482])، والحديث يعم الفرض والنفل جميعاً، لكن صلاة النافلة في البيت أفضل؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَل صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ»([1483]) إلا إذا كانت النافلة مما تشرع له الجماعة؛ كقيام رمضان وغيره مما تشرع له الجماعة، فالأفضل أن يصلي مع الجماعة([1484]).
ثامناً: مضاعفة الصلاة يعم الحرم كله: لا شك أن مضاعفة الصلاة في المسجد الحرام يشمل الحرم كله وليس ذلك بخاص بالمسجد نفسه، وفي المسألة قولان لأهل العلم، وأصحهما([1485]) أن المضاعفة تعمّ جميع الحرم؛ لعموم الآيات والأحاديث الدالة على أن الحرم كله يسمى المسجد الحرام، منها قوله جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾([1486]).
والمسجد الحرام هنا يعمّ جميع الحرم، وفي معناها آيات أخرى، كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ﴾([1487]).
وقوله I: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾([1488])، وقد كان الإسراء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من المسجد الحرام من بيت أم هانئ([1489]).
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([1490]) يعمُّ الحرم كله.
ومما يدل على أن الصلوات تضاعف في جميع الحرم المكي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في الحرم في غزوة الحديبية، وهو نازل في الحل، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة بفي قصة غزوة الحديبية، وفي الحديث: «...وكَانَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ([1491]) فِي الْحِلِّ»([1492]).
قال الإمام ابن القيم : بعد ذكره للحديث السابق: «وَفِي هَذَا كَالدّلَالَةِ عَلَى أَنّ مُضَاعَفَةَ الصّلَاةِ بِمَكّةَ تَتَعَلّقُ بِجَمِيعِ الْحَرَمِ، لَا يُخَصّ بِهَا الْمَسْجِدُ الّذِي هُوَ مَكَانُ الطّوَافِ»([1493]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز : يقول: «وهذا هو الصواب: وأن المسجد الحرام يطلق على الحرم كله؛ وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ يعمّ الحرم كله»، ثم قال :: «ومسجد المدينة: الصلاة خاصة بمسجده - صلى الله عليه وسلم -، وليس عاماً لجميع الحرم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «... في مسجدي هذا»([1494]).
لكن الصلاة في المسجد الذي حول الكعبة لها مزية فضل من وجوه كثيرة منها : كثرة الجمع ، والقرب من الكعبة ، وإجماع العلماء على مضاعفة الصلاة فيه ، بخلاف المساجد الأخرى، ففيها الخلاف المذكور.
والزيادات التي في المسجد الحرام، والمسجد النبوي لها حكم المزيد، وتضاعف فيها الصلاة كما تضاعف في المسجد الأصلي، فضلاً من اللَّه وإحساناً([1495]).
تاسعاً: مضاعفة الحسنات كماً وكيفاً ومضاعفة السيئات كيفاً لا كماً([1496])، فقد جاءت الأدلة الشرعية على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل، والمكان الفاضل، مثل: رمضان، وعشر ذي الحجة, والمكان الفاضل، كالحرمين؛ فإن الحسنات تضاعف في مكة والمدينة مضاعفة كبيرة([1497])، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاَةٌ فِي ذَاكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلاَةٍ فِي هَذَا، يَعْنِي فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ» رواه أحمد وابن حبان بإسناد صحيح([1498]) .
فدل ذلك على أن الصلاة بالمسجد الحرام تضاعف بمائة ألف صلاة في سوى المسجد النبوي, وتضاعف بمائة صلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -, وبقية الأعمال الصالحة تضاعف, ولكن لم يرد فيها حد محدود، إنما جاء الحد والبيان في الصلاة, أما بقية الأعمال: كالصوم، والأذكار، وقراءة القرآن، والصدقات، فلا أعلم فيها نصاً ثابتا يدل على تضعيف محدد([1499]), وإنما فيها في الجملة ما يدل على مضاعفة الأجر، وليس فيها حد محدود .
والحديث الذي فيه: «من صام في مكة كتب اللَّه له مائة ألف رمضان»([1500]) حديث ضعيف عند أهل العلم([1501]).
والحاصل أن المضاعفة في الحرم الشريف بمكة المكرمة لا شك فيها - أعني مضاعفة الحسنات - لكن ليس في النص فيما نعلم حد محدود ما عدا الصلاة؛ فإن فيها نصاً يدل على أنها مضاعفة بمائة ألف صلاة كما سبق .
أما السيئات، فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية, أما العدد فلا؛ لأن اللَّه I يقول: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾([1502]).
فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد، لا في رمضان، ولا في الحرم، ولا في غيرها, بل السيئة بواحدة دائماً، وهذا من فضله I وإحسانه.
ولكن سيئة [المسجد] الحرام, وسيئة رمضان, وسيئة عشر ذي الحجة أعظم إثماً من السيئة فيما سوى ذلك, فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثماً من سيئة في جدة والطائف مثلاً, وسيئة في رمضان, وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئةٍ في رجب, أو شعبان، ونحو ذلك .
فهي تضاعف من جهة الكيفية، لا من جهة العدد, أما الحسنات فهي تضاعف كيفيةً وعدداً بفضل اللَّه I, ومما يدلّ على شدة الوعيد في سيئات الحرم، وأن سيئة الحرم عظيمة وشديدة, قول اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([1503]).
فهذا يدل على أن السيئة في الحرم عظيمة، حتى إن في الهم بالسيئة فيه هذا الوعيد.
وإذا كان من همّ بالإلحاد في الحرم متوعداً بالعذاب الأليم، فكيف بحال من فعل في الحرم الإلحاد بالسيئات والمنكرات؛ فإن إثمه يكون أكبر من مجرد الهمّ، وهذا كله يدلنا على أن السيئة في الحرم لها شأن خطير.
وكلمة إلحاد تعمّ كل ميل إلى باطل، سواء كان في العقيدة، أو غيرها; لأن اللَّه تعالى قال: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾([1504]). فنكر الجميع؛ فإذا ألحد أحد أي إلحاد؛ فإنه متوعد بهذا الوعيد.
وقد يكون الميل عن العقيدة إلى الكفر باللَّه، فيكفر بذلك، فيكون ذنبه أعظمَ، وإلحاده أكبرَ.
وقد يكون الميل إلى سيئة من السيئات كشرب الخمر، والزنا، وعقوق الوالدين، أو أحدهما، فتكون عقوبته أخف، وأقل من عقوبة الكافر.
وإذا كان الإلحاد بظلم العباد بالقتل، أو الضرب، أو أخذ الأموال، أو السب، أو غير ذلك، فهذا نوع آخر, وكله يسمى إلحاداً, وكله يسمى ظلماً, وصاحبه على خطر عظيم, لكن الإلحاد الذي هو الكفر باللَّه، والخروج عن دائرة الإسلام، أشد من سائر المعاصي وأعظم منها, كما قال اللَّه I: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾([1505])»([1506]).
عاشراً: حرّم اللَّه مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام؛ للأحاديث الآتية:
1- حديث ابن عباس بقال: قال رسول اللَّه ﷺ يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا هِجْرَةَ([1507]) وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ([1508])، وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا»([1509]). وقال يوم الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هذا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّه يوم خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّهُ لم يَحِلَّ الْقِتَالُ فيه لِأَحَدٍ قَبْلِي، ولم يَحِلَّ لي إلا سَاعَةً من نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّه إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ([1510]) شوكه، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلْتَقِطُ [لقطته]([1511]) إلا من عَرَّفَهَا، وفي لفظ: «إلا لمعرف». [وفي لفظ آخر: «إلا لمنشد»] ولا يُخْتَلَى خَلَاهَا»([1512]) فقال الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ اللَّه إلا الْإِذْخِرَ([1513]) فإنه [لا بد منه] لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ([1514]). [وفي لفظ للبخاري: فإنه لصاغتنا ولقبورنا]. وفي لفظ [ولسُقُفِ بيوتنا] فسكت ثم قال: «إلا الْإِذْخِرَ» قال عكرمة: هل تدري ما ينفَّر صيدها؟ هو أن تنحِّيه من الظل وتنزل مكانه»([1515]).
2 – حديث أبي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قال لِعَمْرِو بن سَعِيدٍ، وهو يَبْعَثُ الْبُعُوثَ([1516]) إلى مَكَّةَ: ائْذَنْ لي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قام بِهِ رسول اللَّه ﷺ الْغَدَ من يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ([1517]) حين تَكَلَّمَ بِهِ، إنه حَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال: «إن مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّه ولم يُحَرِّمْهَا الناس، فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بها دَمًا ولا يَعْضِدَ بها شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ([1518]) بِقِتَالِ رسول اللَّه ﷺ فيها فَقُولُوا له: إِنَّ اللَّه أَذِنَ لِرَسُولِهِ ولم يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لي فيها سَاعَةً من نَهَارٍ، وقد عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: ما قال لك عَمْرٌو؟ قال: أنا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا([1519]) ولا فَارًّا بِدَمٍ([1520]) ولا فَارًّا بِخَرْبَةٍ([1521]) [قال أبو عبداللَّه: الخربة البلية] ([1522]).
3- حديث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قال: لَمَّا فَتَحَ اللَّه - عز وجل - على رسول اللَّه ﷺ مَكَّةَ قام في الناس فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عليه، ثُمَّ قال: «إِنَّ اللَّه حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كان قَبْلي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، ولا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، ولا تَحِلُّ سَاقِطَتهَا([1523]) إلا لِمُنْشِدٍ([1524]) وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ([1525]) فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلَ» فقال الْعَبَّاسُ: إلا الْإِذْخِرَ يا رَسُولَ اللَّه، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في قُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إلا الْإِذْخِرَ» فَقَامَ أبو شَاهٍ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ، فقال: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه ، فقال رسول اللَّه ﷺ: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ».
قال الْوَلِيدُ فقلت لِلْأَوْزَاعِيِّ: ما قَوْلُهُ: اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه ؟ قال: هذه الْخُطْبَةَ التي سَمِعَهَا من رسول اللَّه ﷺ ([1526]).
وفي لفظ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا من بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ([1527]) منهم قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رسول اللَّه ﷺ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ فقال: «إِنَّ اللَّه - عز وجل - حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ([1528]) وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالمؤْمِنِينَ، ألا وَإِنَّهَا لم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَنْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، ألا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من النَّهَارِ، ألا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هذه، حَرَامٌ لَا يُخْبَطُ شَوْكُهَا([1529]) ولا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إلا مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعطى (يَعْنِي الدِّيَةَ) وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ([1530]) أَهْلُ الْقَتِيلِ» قال: فَجَاءَ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ له أبو شَاهٍ فقال: اكْتُبْ لي يا رَسُولَ اللَّه، فقال: «اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ». فقال رَجُلٌ من قُرَيْشٍ: إلا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا، فقال رسول اللَّه ﷺ: «إلا الْإِذْخِرَ»([1531]).
4 – ويُنهى عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة؛ لحديث جابرٍ- رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يقول: «لا يَحِلُّ لأَحَدِكُمْ أنْ يَحْمِلَ بِمَكَّة السِّلاَحَ»([1532]).
5- وأما حمل السلاح لحاجة لا بدَّ منها فلا بأس به؛ لحديث أنَسِ بنِ مَالكِ - رضي الله عنه - أَنَّ النبي ﷺ دخل مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ المِغْفَرٌ([1533])، فلما نَزَعَهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فقال: إن ابن خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ. فقال: «اقْتُلُوهُ»([1534]) فقال مَالِكٌ: نعم([1535]).
6 – ويجوز دخول مكة بغير إحرام لمن لم يرد العمرة أو الحج؛ لحديث أنس السابق؛ ولحديث جَابِرِ بن عبد اللَّه الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ دخل مَكَّةَ [وقال قُتَيْبَةُ: دخل يوم فَتْحِ مَكَّةَ] وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وفي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ قال: حدثنا أبو الزُّبَيْرِ عن جَابِرٍ([1536]).
7 - حديث جَعْفَرِ بن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ عن أبيه: أَنَّ رَسُولَ ﷺ خَطَبَ الناس وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ .
وفي رواية: قال: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى رسول اللَّه ﷺ على الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قد أَرْخَى طَرَفَيْهَا([1537]) بين كَتِفَيْهِ، ولم يَقُلْ أبو بَكْرٍ على الْمِنْبَرِ([1538]).
8 – ومما يدل على فضل مكة على سائر البلدان، حديث عبداللَّه بن عدي بن الحمراء قال: رأيت رسول اللَّه ﷺ وهو على ناقته واقف بالحزورة يقول: «واللَّه إنَّكِ لَخيرُ أرضِ اللَّه، وأحَبُّ أرضِ اللَّه إليَّ، واللَّه لولا أنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ ما خَرَجْتُ»([1539]).
فإذا كان الصيد، والشجر، والعشب، والحشيش([1540])، واللقطة محرمة فيه، فكيف بحال المسلم؟ فمن باب أولى أن يكون تحريم ذلك أشد وأعظم وأكبر، قال شيخنا الإمام ابن باز :: «... فليس لأحد أن يحدث في الحرم شيئاً مما يؤذي الناس، لا بقول، ولا بفعل، بل يجب أن يحترمه، وأن يكون منقاداً لشرع اللَّه فيه، وأن يعظم حرمات اللَّه أشد من أن يعظمها في غيره، وأن يكون سلماً لإخوانه يحب لهم الخير، ويكره لهم الشر، ويعينهم على الخير، وعلى ترك الشر، ولا يؤذي أحداً، لا بكلام، ولا بفعل...»([1541]).
وقال :: «فمن الواجب على ولاة الأمور من العلماء أن يبيّنوا، وأن يُرشدوا، والواجب على ولاة الأمور من الأمراء والمسؤولين أن ينفذوا حكم اللَّه، وينصحوا، وأن يمنعوا كل من أراد إيذاء المسلمين في مكة من الحجاج والعمار، وغيرهم، كائناً من كان من الحجاج، أو من غير الحجاج، من السكان أو من غير السكان، من جميع أجناس الناس .
يجب على ولاة الأمور تجاه هذا الحرم الشريف، أن يصونوه وأن يحفظوه، وأن يحموه من كل أذى، كما أوجب اللَّه ذلك، وأوجبه نبيه ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -»([1542]).
الحادي عشر: حدود الحرم المكي والمدني:
1-للبيت العتيق حرم جعله اللَّه تعالى لتعظيمه، فجعل فيه الأمان حتى شمل ما فيه من الشجر والنبات، فلا يؤخذ، وما فيه من الصيد فلا ينفر، وجعل ثواب الأعمال فيه أفضل من ثوابها في غيره، ومضاعفة أجر الصلاة إلى مائة ألف، والحرم دائر على مكة المكرمة، وبعض حدوده أقرب من بعض، وقد نصبت أعلام على حدوده في الطرق الرئيسة المؤدية إلى مكة المكرمة، وهي:
أ- حدّه من الغرب - الشميسي (الحديبية)، فبعضها في الحل، وبعضها في الحرم، وهي أبعد الحدود، فتبعد باثنين وعشرين كيلاً، ويمره طريق جدة.
ب- الجنوب (إضاة لين) في طريق اليمن الآتي مع تهامة، تبعد باثني عشر كيلاً.
ج- الشرق: ضفة وادي عرنة الغربية، وهو طريق الطائف، والحجاز (السراة)، ونجد، واليمن، وتبعد بخمسة عشر كيلو.
د- الشمال الشرقي: طريق الجعرانة عند جبل المقطع بالقرب من قرية (شرائع المجاهدين)، وتبعد بنحو ستة عشر كيلو .
هـ - الشمال وحده التنعيم، وهو طريق المدينة المنوّرة المتّجه مع -وادي فاطمة – (الجموم)، ويبعد بسبعة كيلوات، وهو أقرب حدود الحرم، كما أن أبعدها (الشميسي)([1543])، قال العلامة البسّام :: «وقد شكلت لجنة عام 1387هـ لتحديد الحرم المكي من جميع جهاته، وكنت مع تلك اللجنة، وبعد أن حدّدنا دائرة الحرم توقف العمل، والنية متجهة إلى إتمامه إن شاء اللَّه تعالى، وقد وجدنا أعلاماً قديمة منصوبة في سفوح الجبال التي هي الحد بين الحل والحرم.
[و] بعد كتابة ما سبق تم - وللَّه الحمد - تحديد الحرم من جميع جهاته، ورفع القرار إلى الجهة العليا في الدولة للموافقة عليه، والأمر بتنفيذه بوضع أعلام بارزة على مدار حد الحرم من الحل، ونسأل اللَّه تعالى التوفيق.
[ز] بعد كتابة ما سبق صدرت الموافقة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود وفّقه اللَّه بوضع أعلام بارزة على حدود حرميْ مكة والمدينة، وسيبدأ التنفيذ قريباً إن شاء اللَّه، وأنا أحد أعضاء اللجنة المنفذة، نسأل اللَّه تعالى الإعانة والتوفيق»([1544]).
2- وأما حرم المدينة النبوية، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة، فعن عبدِ اللَّه بن زَيْدِ بن عَاصِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ قال: «إِنَّ إبراهيم حَرَّمَ مَكَّةَ([1545])، وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ المدِينَةَ كما حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ في صَاعِهَا وَمُدِّهَا بمثلي ما دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ»([1546]).
وعن علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول ﷺ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ([1547]) إِلَى ثَوْر([1548])»([1549]).
ومعنى تحريم مكة، والمدينة: هو أنهما بلدتان آمنتان، فلا يقطع الشجر في حرمهما، ولا يقتل الصيد، ولا ينفّر فيه.
ويفيد الحديث أن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهل مكة بالبركة، وسعة الرزق، كما قال تعالى حكاية عنه: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾([1550]).
ويفيد الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهل المدينة بالبركة، وسعة الرزق، كدعوة إبراهيم لأهل مكة، بل دعا أن تكون البركة في المدينة ضعفي بركة مكة .
ويفيد الحديث أن حرم المدينة يحده من الناحية الجنوبية جبل عَيْر، ومن الجهة الشمالية جبل ثور، كما هو نص الحديث.
وأما حدّ الحرم الشرقي والغربي في المدينة، فهما الحرتان: الشرقية، والغربية؛ لما جاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ، ... وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى»([1551]).
وجمهور العلماء قالوا بتحريم الحرم المدني، عملاً بالنصوص الصحيحة الآتية، ومنهم الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، بخلاف أبي حنيفة، فلا يرى تحريمه من ناحية الصيد، وقطع الشجر، ولا مدفع عنده للنصوص الصحيحة الآتي بعضها .
وقد جاءت نصوص كثيرة في تحريم قتل الصيد، وقطع الشجر في الحرم المدني، منها: ما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا، لاَ يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلاَ يُصَادُ صَيْدُهَا»([1552])، وله أيضاً من حديث أبي سعيد: «وَلاَ تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلْفٍ»([1553])، وتحريم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة لتعظيمها وتقديسها، ولكن تحريم حرم المدينة لا يأخذ كل أحكام حرم مكة.
وذكر العلماء فروقاً بين الحرم المكي والحرم المدني ترجع إلى أن العقاب والجزاء في الحرم المدني أخفّ من الحرم المكي.
منها: أن ذبح الصيد أو قتله في الحرم المدني، يحل أكله، بخلاف المكي، فيعتبر ميتة محرمة.
ومنها: أنه لا جزاء في الصيد في الحرم المدني، بخلاف المكي، ففي قتله الجزاء، ومنها أخذ ما تدعو الحاجة إليه من شجرها: كالقنب([1554])، وآلة الحرث كلها([1555]).
وفي حديث أبي سعيد - صلى الله عليه وسلم - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، أَنْ لاَ يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلاَ يُحْمَلَ فِيهَا سِلاَحٌ لِقِتَالٍ، وَلاَ تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلاَّ لِعَلْفٍ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا»([1556]).
وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
& & &
41-فضل عشر ذي الحجة وما يشرع فيها لغير الحاج
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا عند اللَّه - عز وجل -، وقد شرع اللَّه فيها أعمالاً عظيمة، ترفع بها منازل العبد عند اللَّه تبارك وتعالى، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة: لحديث جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل اللَّه؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل اللَّه إلا رجلٌ عَفَّر وجهه في التراب»، وذكر عرفة، فقال: «يوم مباهاةٍ ينزل اللَّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: «عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين([1557])، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ويستعيذون من عذابي، ولم يروا يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار» هذا لفظ البزار.
ولفظ أبي يعلى: «ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة» فقال رجل يا رسول اللَّه ! هي أفضل أم عدتهنّ جهاداً في سبيل اللَّه؟ فقال: «هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل اللَّه إلا عفيراً يعفِّر وجهه في التراب([1558])، وما من يوم أفضل عند اللَّه من يوم عرفة، ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، لم يروا رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة»([1559]).
ثانياً: عشر ذي الحجة: هي الأيام التي أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: ﴿وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْر﴾([1560])، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف([1561]).
ثالثاً: وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر»، قالوا: يا رسول اللَّه! ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»([1562]).
رابعاً: وهي أيام عظيمة عند اللَّه، والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبداللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد»([1563]).
خامساً: وهي أيامٌ أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة؛ فإن الإمام ابن القيم ؒ قال: «...ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ وبهذا يزول الاشتباه، ويدلُّ عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فُضِّلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة فُضِّل باعتبار أيامه؛ إذ فيه: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم التروية»([1564]).
سادساً: هي الأيام التي فيهن يومان هما أفضل أيام العام: يوم النحر، ويوم عرفة؛ لحديث عبد اللَّه بن قُرْطٍ الثمالي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أعظم الأيام عند اللَّه تعالى: يوم النحر، ثم يوم القرِّ»([1565]).
ويوم القرِّ هو حادي عشر ذي الحجة؛ لأن الناس يقرُّون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا في الغالب: من طواف الإفاضة، والنحر، واستراحوا وقرُّوا.
وأما يوم عرفة؛ فلحديث عائشة ل، قالت: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟»([1566]).
وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: « «خير الدعاء دعاء يوم عرفة...»([1567]). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «صيام يوم عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده...»([1568]).
وهذا لغير الحاجّ، أما الحاجّ فالسُّنة في حقّه الإفطار ليتقوَّى على الدعاء والذكر اقتداء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان مفطراً يوم عرفة. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة...»([1569]). فقال الإمام ابن القيم ؒ: «والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة...»([1570]). أي ليلة القدر أفضل ليالي السنة، وليلة الجمعة أفضل ليالي الأسبوع، وصوَّب ابن القيم ؒ أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّه وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحـَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّه بَرِيءٌ مِّنَ الـْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾([1571]).
وثبت في الصحيحين: أن أبا بكر وعلياً أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «بعثني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان... ثم أردف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - علياً، فأمره أن يؤذن بـ«براءة»، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منىً يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان»([1572]). وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يوم الحج الأكبر يوم النحر»([1573]). قال ابن القيم بأصح إسناد([1574]).
قال ابن القيم :: «ويوم عرفة: مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف، والتضرُّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمِّي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طُهِّروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أَذِنَ لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته»([1575]).
سابعاً: فضائل الأعمال في عشر ذي الحجة أنواع:
النوع الأول: أداء الحج والعمرة في هذه الأيام من أفضل الأعمال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وفي لفظ مسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»([1576]). ولفظ مسلم يشمل الحج والعمرة وللَّه الحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»([1577]). والمبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولم يعقبه معصية، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع العبد خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي.
النوع الثاني: صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» والصيام من أعظم الأعمال الصالحة، وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ورغَّب فيه، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل اللَّه إلا باعَدَ اللَّه بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً»([1578]). وروى النسائي مرفوعاً عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «كان يصوم تسعاً من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أوَّل اثنين من كل شهر، وخميسين »([1579]). وصوم يوم عرفة لغير الحاج «يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده»([1580]).
النوع الثالث: التوبة والإقلاع عن جميع المعاصي؛ لأن التوبة من أعظم الأعمال الصالحة.
النوع الرابع: إذا دخل عشر ذي الحجة أمسك من أراد أن يضحي عن شعره، وبشرته؛ لحديث أم سلمة ل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره». وفي لفظ: «... فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحّي»([1581]).
النوع الخامس: كثرة الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات: كالصلاة والصدقة، والقراءة للقرآن الكريم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
النوع السادس: الحرص على أداء صلاة العيد لغير الحاجّ، والتبكير إليها، واستماع الخطبة؛ فإنها من أعظم شعائر الإسلام؛ ولعظم شأنها أُمِرَ بها النساء حتى الأبكار، فعن أمِّ عطية ل قالت: «كُنَّا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، ويرجون بركة ذلك اليوم وطهرته»، وفي لفظ: «وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلّى المسلمين»([1582]).
النوع السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين فدى اللَّه ولده بذبح عظيم: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم﴾([1583])، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ضحّى بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر ووضع رجله على صفاحهما»([1584]). وقد قال اللَّه تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾([1585]).
النوع الثامن: نحر الهدايا يوم النحر وأيام التشريق، وهي واجبة على المتمتع والقارن.
النوع التاسع: التكبير، والتهليل، والذكر في هذه الأيام العشر وأيام التشريق. والتكبير قسمان على النحو الآتي:
القسم الأول: التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات، بل يشرع في كل وقت: وهو في عيد الفطر، وعيد الأضحى، والذي ينبغي معرفته عن التكبير المطلق في العيدين: وقته، وصفته، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: وقت التكبير المطلق في عيد الفطر، وعيد الأضحى على النحو الآتي:
1 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان: إما بإكمال ثلاثين يوماً، وإما برؤية هلال شوال، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان شُرِعَ التكبير المطلق، لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([1586])، ويستمرّ في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة([1587]).
2 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر اللَّه تعالى؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾([1588])، وقول اللَّه - عز وجل -:﴿وَاذْكُرُواْ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾([1589])، قال ابن عباس ب: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾: أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق»([1590]).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس ب قال: «الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق»([1591])؛ولحديث عبد اللَّه بن عمر ب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد»([1592])؛ ولحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:«ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» فقالوا: يا رسول اللَّه، ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»([1593]).
وقال الإمام البخاري ؒ: «وكان ابن عمر، وأبو هريرة ب يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبر محمد بن علي خلف النافلة»([1594]).
وقال الإمام البخاري ؒ: «وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيراً.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً.
وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد»([1595]).
وعن أم عطية ل قالت: كنا نؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نُخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس فيُكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته»([1596])؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر لله]»([1597]).
قال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز :: «أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة» ثم ذكر آية البقرة والحج والأحاديث والآثار السابقة([1598]).
ثانياً: صفة التكبير جاء في آثارٍ عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: كان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد»([1599]). قال الإمام ابن قدامة ؒ: «وهذا قول: عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك إلا أنه زاد: على ما هدانا، لقوله: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾([1600]).
النوع الثاني: وكان ابن عباس ب يقول:«اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد، اللَّه أكبر وأجل، اللَّه أكبر على ما هدانا»([1601]).
النوع الثالث: وكان سلمان - رضي الله عنه - يقول:«اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً»([1602]).
النوع الرابع: وكان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر وللَّه الحمد»([1603]).
قال الإمام الصنعاني :: «وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر؛ وإطلاق الآية يقتضي ذلك»([1604]) واللَّه - عز وجل - أعلم([1605]).
القسم الثاني التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي:
أولاً: يبتدئ التكبير المقيَّد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -: «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر»([1606])، ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد - رضي الله عنه -: «أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق»([1607])، ولما ورد عن ابن عباس ب «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب»([1608]).ولما ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان: «يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق»([1609]).وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -([1610]) واللَّه أعلم([1611]).قال الحاكم ::«فأما من فِعْلِ عمر ،وعلي، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، فصحَّ عنهم التكبير، من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق»([1612]).وقال الحافظ ابن حجر ::«وأصح ما ورد فيه عن الصحابة: قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره، واللَّه أعلم»([1613]).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ::«أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة. ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة»([1614]).
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :: «وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس - رضي الله عنه -: «كان يُلبِّي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه»([1615])، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار»([1616]).
وقال الإمام ابن قدامة :: «وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر... لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع»([1617]).
ثانياً: صفة التكبير المقيد: هو مثل التكبير المطلق كما تقدم([1618]):«اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد»([1619])،وهو قول الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب، وعلي، وقول ابن مسعود - رضي الله عنهم -، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق رحمهم اللَّه تعالى([1620]).
واللَّه أسأل أن يوفّق جميع المسلمين للعمل بهذه الأعمال الصالحة العظيمة بهذه الأيام المباركة التي هي أعظم أيام الدنيا.
وصلى اللَّه وسلم، وبارك على عبده، ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه؛ نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم السبت 7/ 5/ 1435هـ.
& & &
42-فضل العمرة وحكمها
الحمد للَّه، والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه. أما بعد:
فهذا بيان لفضل العمرة، وحكمها باختصار على النحو الآتي
أولاً: مفهوم العمرة: لغة، واصطلاحاً:
العمرة، والاعتمار لغة: الزيارة التي فيها عمارةُ الوُدِّ([1621]).
وقيل: العمرة: الزيارة، والمعتمر: الزائر، والقاصد للشيء([1622]).
والعمرة شرعاً: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة مذكورة في الفقه([1623]).
وقيل: العمرة: الحج الأصغر، ويوم الحج الأكبر يوم النحر([1624]).
وقيل: زيارة بيت اللَّه الحرام، بإحرام، وطواف، وسعي، دون وقوف بعرفة([1625]).
وقيل: العمرة: قصد الكعبة للنسك المعروف([1626]).
وقيل: العمرة: التعبد للَّه تعالى بالطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، والحلق، أو التقصير([1627]).
وقيل: العمرة: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة بإحرام([1628]).
والتعريف الذي يجمع هذه التعريفات هو: التعبد للَّه تعالى بزيارة بيت اللَّه الحرام، بإحرام، وطواف، وسعي بين الصفا والمروة، وحلق أو تقصير، ثم تحلل.
ثانيًا: فضائل العمرة
فضائل العمرة كثيرة، منها الفضائل الآتية:
1- من اعتمر فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من أتى هذا البيت فلم يرفث([1629])، ولم يفسق([1630])، رجع كما ولدته أمه»([1631])، وهذا اللفظ للإمام مسلم : يشمل الحج والعمرة([1632]).
2- العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»([1633]).
3- الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة»([1634]).
4- العمرة جهاد لا قتال فيه؛ لحديث عائشة ل: قالت: قلت: يا رسول اللَّه على النساء جهاد؟ قال: «نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»([1635])، ولفظ النسائي أنها ل قالت: يا رسول اللَّه، ألا نخرج فنجاهد معك؛ فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد، فقال: «لا، ولَكُنَّ أحسن الجهاد وأجمله، حج البيت حج مبرور »([1636]).
5- المعتمر والحاج وفدُ اللَّه تعالى؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وفد اللَّه ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر»([1637]).
والمعنى: السائرون إلى اللَّه تعالى، القادمون عليه من المسافرين ثلاثة أصناف، فتخصيص هؤلاء من بين العابدين؛ لاختصاص السفر بهم عادة([1638])، وفيه إضافة تشريف لهؤلاء.
6- المعتمر والحاج يعطيهم اللَّه ما سألوه؛ لحديث ابن عمر بعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الغازي في سبيل اللَّه، والحاج، والمعتمر، وفد اللَّه. دعاهم فأجابوا، وسألوه فأعطاهم»([1639]).
7- العمرة والحج جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة: الحج والعمرة»([1640]).
8- المعتمر والحاج يلبِّي معه الشجر والحجر حتى تنقطع الأرض عن يمينه وشماله؛ لحديث سهل - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم يُلبِّي إلا لبَّى من عن يمينه وشماله، من حجرٍ، أو شجرٍ، أو مدرٍ حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا»([1641]).
9- عمرة في رمضان تعْدل حجة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث عبد اللَّه بن عباس ب، قال: لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حجته قال لأم سنان: «ما منعك من الحجِّ؟» قالت: أبو فلان – تعني زوجها – كان له ناضحان، حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي»([1642]).
10- مسح الحجر الأسود والركن اليماني، يحطّان الخطايا حطّاً، والطواف بالبيت كعتق رقبة، وكل خطوة يُكتب له بها عشر حسنات، ويُحطُّ عنه عشر سيئات، ويُرفع له عشر درجات؛ لحديث عبداللَّه بن عُبيد بن عُمير عن أبيه، قال: قلت لابن عمر: ما لي لا أراك تستلم إلا هذين الركنين: الحجر الأسود، والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إنْ أفعل فقد سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن استلامهما يحطُّ الخطايا »، قال: وسمعته يقول: «من طاف أسبوعاً يحصيه، وصلّى ركعتين كان كعدل رقبة »، قال: وسمعته يقول: «ما رفع رَجلٌ قدماً ولا وضعها إلا كُتبَ له عشرُ حسنات، وحُطَّ عنه عشرُ سيئات، ورُفع له عشرُ درجات».، وفي لفظ لأحمد: «أراك تزاحم على هذين الركنين؟ » قال: «إن أفعل، فقد سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن مسحهما يَحُطَّان الخطايا»([1643]).
11- الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه»([1644]).
12- من طاف بالبيت العتيق واستلم الحجر الأسود شهد له يوم القيامة؛ لحديث ابن عباس بقال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في الحجر: «واللَّه ليبعثنّهُ اللَّه يوم القيامة، له عينان يبصر بهما، ولسانٌ ينطق به، يشهد على من استلمه بحق»([1645]).
13- وعنه أيضاً قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضاً من الثلج فسوّدته خطايا بني آدم»([1646]).
14- المعتمر والحاج يكتب له بركعتي الطواف عتق رقبة من بني إسماعيل؛ لحديث ابن عمر ب وفيه: « ... وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل»([1647]).
15- طواف المعتمر أو الحاج بين الصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة؛ لحديث ابن عمر ب وفيه « ... وأما طوافك بالصفا والمروة، كعتق سبعين رقبة»([1648]).
ثالثًا: حكم العمرة
الصحيح أن العمرة تجب على من يجب عليه الحج في العمر مرة احدة([1649])؛ للأحاديث الثابتة الآتية:
1- جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لسؤال جبريل من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال:بينا نحن جلوس عند رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في أناسٍ إذ جاء رجل ليس عليه شحناء سفر، وليس من أهل البلد، يتخطَّى حتى ورك فجلس بين يدي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، كما يجلس أحدنا في الصلاة، ثم وضع يده على ركبتي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمد، ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه ،وأن محمداً رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء، وتصوم رمضان»، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم؟ قال: «نعم»، قال: صدقت»، وذكر باقي الحديث...([1650]).
2- حديث عائشة ل أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول اللَّه! على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»([1651]) .
3- حديث أبي رَزِين أنه قال: يا رسول اللَّه! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن قال: «حجَّ عن أبيك واعتمر»([1652]).
4- حديث الصُّبيِّ بن مَعْبَدٍ، في قصته الطويلة، وفيه: أنه أتى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال:«...يا أمير المؤمنين، إني كُنْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا نَصْرَانِيًّا، وَإني أَسْلَمْتُ وأنا حَرِيصٌ عَلَى الْـجِهَادِ، وَإِنِّي وَجَدْتُ الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ، فَأَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي، فَقَالَ لِي: اجْمَعْهُمَا وَاذْبَحْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْـهَدْيِ، وَإِنِّي أَهْلَلْتُ بِهِمَا مَعًا، فَقَالَ لِي عُمَرُ - رضي الله عنه -: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - صلى الله عليه وسلم -»([1653]).
5- قول ابن عمر ب: «ليس أحد إلا وعليه حج وعمرة»([1654]).
6- قول ابن عمر ب: «الحج والعمرة فريضتان »([1655]).
7- قول ابن عباس بعن العمرة: «إنها لقرينتها في كتاب اللَّه - عز وجل -: ﴿وَأَتِمُّوا الْـحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾»([1656]).
وهذا هو الصواب الذي دلت عليه الأدلة الشرعية أن العمرة فريضة كالحج تجب في العمر مرة واحدة على من وجب عليه الحج، سواء كان من أهل مكة أو غيرهم([1657]) وهذا معنى كلام عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن عمر، وجابر بن عبد اللَّه وغيرهم من الصحابة - رضي الله عنهم -([1658]).
واللَّه ولي التوفيق، وصلى اللَّه وسلم على نبّينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر عصر يوم الأربعاء 16/ 3/ 1433هـ
& & &
43-منافع الحج
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فالحج إلى بيت اللَّه الحرام له منافع كثيرة لاتُعدُّ، ولا تُحصَى:
والنفع: ضدُّ الضرِّ، يقال: نفعه ينفعه نفعاً ومنفعة، ويقال: نفعه بكذا فانتفع به، والاسم المنفعة، [وجمعه: المنافع]، ويقال: نفّاعٌ: كثير النفع، فالمنفعة: اسم ما انتفع به([1659]).
والنفع: الخير: وهو ما يتوصَّل به الإنسان إلى مطلوبه([1660]) .
وقيل: النفع: ما يُستعان به في الوصول إلى الخيرات، وما يتوصَّل به إلى الخير فهو خير، فالنفع خير، وضدّه الضر([1661]).
ومنافع الحج كثيرة، لا تُحصر ولا تُعَدُّ، ولكن على وجه الاختصار منها ما يأتي:
أولاً: الحج امتثال لأمر اللَّه وإجابة لأمره لإبراهيم بالدعوة إليه؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وللَّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾([1662])؛ ولقوله تعالى لإبراهيم: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَـهُمْ﴾([1663])؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: خطبنا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أيها الناس قد فرض اللَّه عليكم الحج فحُجُّوا»،فقال رجل:أكل عام يا رسول اللَّه، (فسكت) حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لو قلتُ: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ذروني ما تركتكم؛ فإنما هَلَكَ من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأْتُوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه»([1664]).
ثانياً: ذكر اللَّه تعالى في الأيام المعلومات: وهي عشر ذي الحجة وأيام التشريق([1665]) من جملة المنافع للحج، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَـهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَام﴾([1666]).
قال الإمام الشنقيطي :: «اللام في قوله: (ليشهدوا) هي لام التعليل، وهي متعلقة بقوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْـحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ﴾ الآية: أي أن تؤذن فيهم يأتوك مشاة، وركباناً لأجل أن يشهدوا: أي يحضروا منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع: حصولها لهم»([1667]).
فقوله: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ من المنافع الدينية، قال العلامة: الإمام شيخنا ابن باز :: «وعطفه على المنافع من باب عطف الخاص على العام»([1668]) يعني عطف الذكر على المنافع. وقال العلامة السعدي :: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ وهذا من المنافع الدينية»([1669]).
ولا شك أن الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والدعاء على الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، ومزدلفة، ورمي الجمار، كل هذه من ذكر اللَّه تعالى، ولهذا روي «إنما جعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر اللَّه - عز وجل -»([1670])، وهذا المعنى صحيح حتى ولو لم يصحّ فيه الحديث.
ثالثاً: الصلة باللَّه تعالى، والتقرب إليه، ومفارقة الأهل، والأوطان والعشيرة؛ لأداء الحج، وزيارة البيت العتيق، وهذا فيه فوائد عظيمة، ومنافع كثيرة، لا تحيط بها العبارة؛ لأنه في هذه العبادة: يركب الأخطار، ويقطع الطرق الطويلة، ويشق الأجواء يرجو رحمة ربه، ويخاف عقابه سبحانه، فما أحراه بالثواب الجزيل، والأجر العظيم، من المولى الكريم - عز وجل -.
ولا شك أن هذه العبادة شرع اللَّه فيها: الإحرام، والتلبية، واجتناب كثير من العوائد، وكشف الرجل رأسه، وخلع ثيابه وإبدالها بالإزار والرداء، والطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفات، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، وحلق الرأس أو تقصيره، والتقرُّب إلى اللَّه تعالى بذبح الهدايا والقرابين، وغير ذلك مما شرع اللَّه في الحج، وكل ذلك تشهد العقول الصحيحة، والفطر السليمة المستقيمة بحسنه، وأنه لا حكمة فوق حكمة من شرعه([1671]).
رابعاً: تعظيم حرمات اللَّه تعالى في قوله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾([1672])، وهذا من أعظم المنافع التي يحصل عليها العبد.
قال الإمام البغوي :: «﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّه﴾ أي معاصي اللَّه وما نهى عنه، وتعظيمها: ترك ملابستها ... وذهب قوم إلى أن الحرمات هنا: البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي تعظيم الحرمات خير له عند اللَّه في الآخرة»([1673]).
وقال الإمام ابن كثير :: «﴿ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ﴾ أي ومن يجتنب معاصيه ومحارمه، ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ أي فله على ذلك خير كثير، وثواب جزيل، فكما [أن] على فعل الطاعات ثواب كثير وأجر جزيل، كذلك على ترك المحرمات والمحظورات»([1674]).
وقال العلامة السعدي :: «﴿ذَلِكَ﴾ الذي ذكرنا لكم من تلكم الأحكام، وما فيها من تعظيم حرمات اللَّه، وإجلالها وتكريمها؛ لأن تعظيم حرمات اللَّه من الأمور المحبوبة المقربة إليه، التي من عظَّمها وأجلَّها أثابه اللَّه ثواباً جزيلاً، وكانت خيراً له في دينه ودنياه، وأخراه عند ربه.
وحرمات اللَّه: كلُّ ما له حرمة، وأمر باحترامه بعبادة أو غيرها: كالمناسك كلها، وكالحرم والإحرام، وكالهدايا، وكالعبادات التي أمر اللَّه العباد القيام بها: فتعظيمها: إجلالها بالقلب، ومحبتها، وتكميل العبودية فيها، غير متهاونٍ ومتكاسلٍ، ولا متثاقلٍ»([1675]).
فيجب على العبد أن يعظِّم حرمات اللَّه: باجتنابها، سواء كان ذلك في الحج أو في غيره ، ويعظم حرمات اللَّه كما تقدم، ويدلّ على عبودية العبد للَّه تعالى تعظيم شعائره كما تقدم.
خامساً: تعظيم شعائر اللَّه، فمن أعظم المنافع للحج تعظيم شعائر اللَّه تعالى، وهذه المنفعة من أعظم العبادات للَّه تعالى، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب﴾ ([1676]).
قال ابن كثير :: «﴿ومن يعظم شعائر اللَّه﴾: أي أوامره ﴿فإنها من تقوى القلوب﴾، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن، كما قال الحكم عن مقسم، عن ابن عباس ب: تعظيمها: استسمانها، واستحسانها»([1677]).
وقال العلامة السعدي :: «والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾([1678])، ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدّم أن معنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها، على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها باستحسانها، واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر اللَّه صادر من تقوى القلوب، فالمعظِّم لها يُبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأنّ تعظيمها تابع لإعظام اللَّه وإجلاله»([1679]) .
وقال العلامة الشنقيطي :: « ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ عام في جميع شعائر اللَّه، وقد نصَّ على أن البُدن فرد من أفراد هذا العموم داخل فيه قطعاً، وذلك في قوله: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾([1680])، فيدخل في الآية تعظيم البُدن، واستسمانها، واستحسانها، كما قدمنا عن البخاري: أنهم كانوا يستسمنون الأضاحي، وكانوا يرون أن ذلك من تعظيم شعائر اللَّه، وقد قدمنا أن اللَّه صرح بأن الصفا والمروة داخلان في هذا العموم بقوله: ﴿إنَّ الصَّفَا وَالْـمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾([1681]) الآية: وأن تعظيمهما المنصوص في هذه الآية: عدم التهاون بالسعي بين الصفا والمروة ...»([1682]).
سادساً: مغفرة ذنوب الحاج ورضوان اللَّه عليه، فيرجع إلى وطنه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، إذا كان متَّقياً ربه في حجِّه: بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وقد تقدم في فضائل الحج والعمرة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه»([1683]).
وذكر الإمام الطبري :: أن معنى قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِـمَنِ اتَّقَى﴾([1684])، هو أن الحاج يخرج مغفوراً له كيوم ولدته أمه لا إثم عليه، فقد ذكر ستة أقوال لأهل العلم في معنى الآية، ثم قال :: «وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: تأويل ذلك: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ من أيام منى الثلاثة، فنفر في اليوم الثاني فلا إثم عليه، لحطّ اللَّه ذنوبه إن كان قد اتّقى اللَّه في حجه، فاجتنب فيه ما أمره اللَّه باجتنابه، وفعل فيه ما أمره بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدوده، (وَمَنْ تَأَخَّرَ) إلى اليوم الثالث منهن فلم ينفر إلى النفر الثاني حتى نفر من غدٍ النفر الأول (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) لتكفير اللَّه له ما سلف: من آثامه وإجرامه إن كان اتقى اللَّه في حجه بأدائه بحدوده؛ وإنما قلنا إن ذلك أولى تأويلاته بالصحة؛ لتظاهر الأخبار عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه»([1685])، وأنه قال: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة»([1686]) ... وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكر جميعها الكتاب، مما ينبئ عن أن من حجّ فقضاه بحدوده على ما أمره اللَّه، فهو خارج من ذنوبه، كما قال جل ثناؤه: ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِـمَنِ اتَّقَى﴾ اللَّه في حجه، فكان في ذلك من قول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ما يوضح أن معنى قوله جل وعز: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) أنه خارج من ذنوبه، محطوطة عنه آثامه، مغفورة أجرامه، وأنه لا معنى لقول من تأول قوله: (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فلا حرج عليه في نفره في اليوم الثاني، ولا حرج عليه في مقامه إلى اليوم الثالث؛ لأن الحرج إنما يوضع عن العامل فيما كان عليه ترْك عمله، فيرخّص له في عمله بوضع الحرج عنه في عمله، أو فيما كان عليه عمله فيرخّص له في تركه بوضع الحرج عنه في تركه ... »([1687])، وقد رجح اختيار الإمام ابن جرير العلامة الجهبذ محمد الأمين الشنقيطي :([1688]).
سابعاً: مضاعفة الصلوات في الحرم من المنافع العظيمة؛ فإن الصلاة فيه أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «...وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف فيما سواه»([1689])، وهذا ثوابه عظيم؛ فإن من صلّى يوماً واحداً خمس صلوات، كانت أفضل من خمسمائة ألف صلاة، فتكون أفضل من الصلاة في مائتين وإحدى وثمانين سنة وستة أشهر تقريباً؛ لأن المصلي إذا صلَّى خمس صلوات، كان ذلك عدد الصلوات في اليوم، فيكون بمائة ألف يوم تقسيم ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوماً، عدد أيام السنة القمرية، والناتج يكون عدد السنين هكذا 100000 يوم ÷ 355 يوماً = 281،69 سنة، وهذا فضل عظيم، وثواب كبير جليل، لمن وفقه اللَّه تعالى للخير([1690]).
ثامناً: دخول الجنة والنجاة من النار من أعظم منافع الحج؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس جزاء إلا الجنة»([1691])، وهذا أعظم المنافع التي تحصل لمن حج حجاً مبروراً؛ لأن من زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْـجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾([1692]).
تاسعاً: السلامة من الفقر، لمن تابع بين الحج والعمرة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ...» الحديث([1693]).
وهذا من المنافع؛ فإن المتابعة بين الحج والعمرة يزيلان الفقر، قال العلامة المباركفوري :: «ينفيان الفقر: أي يزيلانه، وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد، والفقر الباطن بحصول غنى القلب»([1694])، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّه يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾([1695]).
عاشراً: أرباح التجارة، من المنافع المباحة الدنيوية التي تحصل للحاج إذا أراد البيع والشراء أرباح التجارة، وقد أباح اللَّه ذلك للحاج إذا لم تشغله عن حجه، قال اللَّه تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾([1696]).
وعن ابن عباس بقال: «كانت عكاظُ، ومَجنَّةُ، وذو المجازِ أسواقاً في الجاهلية، فتأثَّموا أن يتَّجروا في المواسم، فنزلت ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ في مواسم الحج»، وفي لفظ: «كان ذو المجاز وعكاظ متَّجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ في مواسم الحج»([1697]).
وعنه - رضي الله عنه - أنه قرأ هذه الآية: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال: «كانوا لا يتَّجرون بمنى، فأمروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات»([1698]).
وروى الإمام الطبري عن ابن عباس بأنه قال: «لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده»([1699]).
وقال الإمام الشنقيطي :: «وقوله: (منافع)([1700]) جمع منفعة، ولم يبيِّن هنا هذه المنافع ما هي ، وقد جاء بيان بعضها في الآيات القرآنية، وأن منها ما هو دنيوي، وما هو أخروي، وأما الدنيوي فكأرباح التجارة، إذا خرج الحاج بمال تجارته معه؛ فإنه يحصل له الربح غالباً، وذلك نفع دنيوي، وقد أطبق علماء التفسير على أن معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ﴾([1701]) أنه ليس على الحاج إثم ولا حرج إذ ابتغى ربحاً بتجارة في أيام الحج إن كان ذلك لا يشغله عن شيء من أداء مناسكه ... ومن المنافع الدنيوية ما يصيبونه من البدن، والذبائح ... كقوله تعالى: (فكلوا منها)([1702]) في الموضعين، وكل ذلك نفع دنيوي، وفي ذلك بيان أيضاً لبعض المنافع المذكورة في آية الحج هذه»([1703]).
وقال الإمام الطبري : في قوله تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَـهُمْ﴾: «اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها اللَّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي التجارة، ومنافع الدنيا ... وقال آخرون: هي الأجر في الآخرة، والتجارة في الدنيا، ... وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة، ... وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: عنى بذلك: ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي اللَّه والتجارة، وذلك أن اللَّه عمَّ لهم منافع جميع ما يَشْهَد له الموسم ويتأتى له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئاً من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت»([1704]).
وقال الإمام ابن كثير :: «منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان اللَّه تعالى، وأما منافع الدنيا، فما يصيبون من منافع البُدن، والربح، والتجارات»([1705]).
وذكر الإمام البغوي : ما حاصله: العفو والمغفرة، وقيل: التجارة، وقيل: الأسواق، وقيل: التجارة وما يرضى اللَّه به من أمر الدنيا والآخرة([1706]).
والصواب في المنافع إن شاء اللَّه تعالى: هو مجموع هذه الأقوال كما قال الإمام الطبري :، وأن المنافع عامة شاملة لكل المنافع في الدنيا والآخرة، واللَّه تعالى أعلم، فيدخل فيها ما تقدم من المنافع، وما سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى.
الحادي عشر: إظهار التذلل للَّه تعالى، والخضوع له سبحانه؛ وذلك لأن الحاج والمعتمر يرفض أسباب الترف والتزين، والتطيب، ويلبس ثياب الإحرام مظهراً فقره لربه، متجرِّداً عن كل ما يشغله ويصرفه عن مولاه، فيتعرَّض بذلك لمغفرته سبحانه، ثم يقف الحاج في عرفة متضرّعاً، متذلِّلاً، حامداً شاكراً، لربه، ومستغفراً لذنوبه وعثراته، سائلاً ربه ما يحتاجه في دنياه وأخراه، وفي طوافه بالبيت العتيق يلوذ باللَّه ويلجأ إليه من ذنوبه، ومن هوى نفسه والشيطان ووساوسه([1707]).
الثاني عشر: أداء الشكر للَّه تعالى؛ فإن في الحج يؤدي العبد بعض الشكر لسلامة البدن من العوارض المانعة من الحجِّ و غيره، وشكر نعمة المال، وشكر نعمة الفراغ، وشكر نعمة الحياة، وشكر نعمة القوة والشباب، وهذه النعم من أعظم ما يتمتع به الإنسان من نعم الدنيا؛ لأن الإنسان بهذه النعم: يجهد نفسه، وينفق ماله؟، ويشغل وقته، ويغتنم حياته وقوته، في طاعة ربه، والتقرب إليه I، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبون فيها كثير من الناس: الصحة والفراغ»([1708])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»([1709]) .
ومعلوم أن شكر اللَّه تعالى على نعمه من أعظم العبادات التي ينال بها العبد الثواب والزيادة من فضل اللَّه - عز وجل -، قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾([1710]).
الثالث عشر: الحج أعظم مؤتمر بشري تجتمع كلمة أصحابه الصادقين على البر والتقوى، فيجتمع المسلمون من أقطار الأرض في مركز اتجاه أرواحهم، ومَهْوَى قلوبهم ، فيتعرّف بعضهم على بعض، ويألف بعضهم بعضاً، فتذوب الفوارق بين الناس: فوارق اللون والجنس، وفوارق اللسان واللغة، وفوارق الغنى والفقر، وفوارق الجاه والسلطان: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ﴾([1711]).
وهذا كله يُبيِّن أن الحكمة لمشروعية الحج: إظهار العبودية للَّه تعالى، وأن الحج يشتمل على حِكم جليلة، كثيرة، وفوائد عديدة، تدركها العقول الصحيحة، والفطر السليمة، وتشمل حياة المسلم: الروحية، والمالية، والجسدية، ومصالح المسلمين: في الدين، والدنيا([1712]).
الرابع عشر: الحج يذكّر المسلم بالموت والانتقال إلى الآخرة، وذلك إذا تجرَّد الحاج من ثيابه، ولبس الإحرام الذي يشبه الأكفان، ورأى: بأن الرئيس والمرؤوس، والملك، والوزير، والغني، والفقير، والعربي، والأعجمي، والأسود، والأبيض، والصغير، والكبير، كلهم لباسهم واحد، ولا فرق بينهم في ذلك ، وهذا يُذكِّر بخروج الإنسان من الدنيا، ولا يحمل معه إلا هذه الأكفان، التي تبلى بعد ذلك سريعاً، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾([1713]).
الخامس عشر: الحج يُذكِّر بيوم القيامة؛ لأن الحاج إذا رأى جموع الحجاج قد جاؤوا من كل فجٍّ عميق، ومن كلِّ طريقٍ بعيدٍ، واجتمعوا للطواف بالبيت العتيق، وانصرفوا من اجتماعهم بعد الصلوات، يُذكِّر بهذا الاجتماع، وهذا الانصراف يوم القيامة، وانصراف الناس بعد ذلك كما قال اللَّه تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَـهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾([1714]).
وكذلك الطواف بين الصفا والمروة، وزحام الناس في الدخول مع الأبواب والخروج يذكر بيوم القيامة.
وكذلك اجتماع الحجاج في عرفة في صعيدٍ واحدٍ، في يومٍ واحدٍ، بلباسٍ واحدٍ، بأعدادٍ كثيرةٍ هائلةٍ، يذكِّر المسلم بيوم القيامة، واجتماع الناس جميعاً في عرصات القيامة، لا ينفعهم إ لا ما قدَّموا، في هذا اليوم العظيم الذي لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم.
فإذا رأى المسلم العاقل هذه الجموع ذَكَّره بهذا اليوم العظيم، ولان قلبه، واستعدّ للقاء اللَّه تعالى. واللَّه المستعان.
السادس عشر: اتصال المسلمين بعضهم ببعض، وتعاونهم في مصالحهم: لا شك أن من فوائد الحج اتصال المسلمين من جميع أقطار الأرض في مواسم الحج، فيحصل بذلك الخير الكثير، والتشاور في كثير من أمورهم، وتعاونهم في مصالحهم العاجلة والآجلة، واستفادة بعضهم من بعض، وتوحيد كلمتهم على الحق، وكل ذلك من جملة منافع الحج التي أشار إليها تعالى بقوله([1715]): ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَـهُمْ﴾([1716]).
السابع عشر: التعلم، والتعليم، ونشر الدعوة والخير بين الناس في المواسم: الحجاج جاؤوا من كل فج عميق؛ ليؤدُّوا هذا الواجب العظيم؛ وليستفيدوا من حجهم أنواعاً من الطاعات للَّه تعالى، والمشاعر المقدسة يلتقي فيها أولياء اللَّه، والعلماء من أقطار الأرض، فيستفيد العالم والمتعلم: يستفيد العالم بنشر علم الكتاب والسنة في هؤلاء الجموع الكثيرة، وتعليمهم ما يجب عليهم، وتحذيرهم مما يضرّهم، وترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم.
ويستفيد الراغب في الخير: من العلماء والدعاة إلى اللَّه - عز وجل -، من حلقات العلم في المسجد الحرام، وفي المشاعر المقدسة([1717]).
ولا شك أن هذا من التزود بالتقوى التي هي خير زاد، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾([1718])، فيدخل في ذلك الاستفادة من العلماء الربانيين، ويدخل في ذلك تعليم الناس الخير، والدعوة إلى اللَّه تعالى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بالأسلوب الحسن، والحكمة والموعظة الحسنة([1719])،كما قال تعالى:﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْـهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾([1720]).
قال شيخنا ابن باز :: «وكل ما يفعله الحاج: من طاعة اللَّه ونفع لعباده، مما ذكر ومما لم يُذكر، كله داخل في المنافع، وهذا من حكمة([1721]) اللَّه في إبهامها حتى يدخل فيها كل ما يفعله المؤمن والمؤمنة، من طاعة للَّه ، ومن نفع لعباده، فالصدقة على الفقير منفعة، وتعليم الجاهل منفعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منفعة، وفي الدعوة إلى اللَّه منافع عظيمة، والصلاة في المسجد الحرام منفعة،... وكل ما تفعله مما ينفع الناس من قولٍ، أو فعلٍ، أو صدقةٍ، أو غيرها مما شرعه اللَّه أيضاً داخل في المنافع، فينبغي للحاج أن يستغل هذه الفرصة العظيمة ... »([1722]).
الثامن عشر: أعظم المنافع تحقيق التوحيد ونبذ الشرك؛ لحديث جابر بن عبد اللَّه - رضي الله عنه - في صفة حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: حجة الوداع، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان معه جمع غفير عند إحرامه من ذي الحليفة، قال جابر - رضي الله عنه -، فنظرت إلى مدِّ بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد: «لبَّيْك اللَّهمّ لبَّيْك، لبَّيْك لا شريك لك لبَّيْك، إنَّ الحمدَ، والنِّعْمَةَ لك والـمُلْكَ، لا شريك لك»([1723]).
وقد جاءت هذه التلبية بلفظها من حديث عبد اللَّه بن عمر ب: أن تلبية رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لبّيك اللَّهمّ لبَّيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك»([1724]) ، وفي لفظ للبخاري ومسلم قال ابن عمر ب: «لا يزيد على هؤلاء الكلمات»([1725])، وكان ابن عمر بيزيد فيها: «لبَّيك، لبَّيك، وسعديك، والخير بيديك، لبَّيك والرغباء إليك والعمل»([1726])، ولفظ ابن ماجه وأبي داود: وكان ابن عمر يزيد في تلبيته: لبيك، لبيك، وسعديك، والخير بيديك، والرغباء إليك والعمل([1727]).
وعن عبد اللَّه بن عمر بقال: كان عمر بن الخطاب يهلُّ بإهلال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات([1728])، ويقول: لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك، لبَّيك، وسَعْدَيْكَ، والخيرُ في يديك، لبَّيك والرغباءُ إليك والعمل([1729]).
وعن عائشة ب قالت: إني لأعلم كيف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبِّي: «لبَّيك اللَّهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك»([1730]).
وجاء لفظ حديث عائشة لعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لبَّيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبَّيك، إن الحمد والنعمة لك»([1731]).
وعن ابن عباس ب قال: كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، قال: فيقول رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ويلكم: قد قد([1732]»)،فيقولون: إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت([1733]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: كان من تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -:«لبَّيْك إلهَ الحقّ»، ولفظ ابن ماجه: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته: «لبَّيْك إله الحق لبيك»([1734]) ،وقد اشتملت تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم - على إثبات التوحيد، والبراءة من الشرك.
فمن حج أو اعتمر فقد شرعت له هذه التلبية، وهذا من أعظم تحقيق التوحيد والبراءة من الشرك، وهذا كله من أعظم المنافع. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لبَّيك اللَّهمّ لبَّيك» من التلبية، وهي إجابة الـمــنادي: أي إجـــابتي لك يا ربِّ، وهو مأخوذ من لبَّ المكان، وألبَّ به إذا أقام به، وألبَّ على كذا: إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: أي إجابة لك بعد إجابة.
وقيل معناه: اتجاهي وقصدي يا ربِّ إليك، من قولهم: داري تلبُّ دارك: أي تواجهها.
وقيل: معناه: إخلاصي لك، من قولهم: حسبٌ لُباب، إذا كان خالصاً محضاً، ومنه لبُّ الطعام ولبابه.
وقيل: معناها: محبتي لك يا ربِّ، من قول العرب: امرأةٌ لبَّةٌ، إذا كانت محبة لولدها عاطفة عليه([1735]).
ولعظم التلبية وعلوِّ شأنها تعدَّدت معانيها عند العلماء، وكل هذه المعاني تدلُّ على توحيد اللَّه تعالى، والنهي عن ضده، وهو: الشرك باللَّه - عز وجل -، وقد نقل الإمام ابن القيم : ثمانية أقوال في معانيها، وهي على النحو الآتي:
1- إجابة لك بعد إجابة؛ ولهذا المعنى كررت التلبية إيذاناً بتكرير الإجابة.
2- انقياد لك بعد انقياد، من قولهم: لبب الرجل إذا قبضت على تلابيبه، ومنه لببته بردائه: فالمعنى: انقدتُ لك، وسعت نفسي لك خاضعة ذليلة، كما يفعل بمن لبب بردائه، وقبض على تلابيبه.
3- أنه من لبّ بالمكان إذا قام ولزمه، والمعنى: أنا مقيم على طاعتك ملازم لها.
4- أنه من قولهم: داري تلبّ دارك: أي تواجهها وتقابلها: أي مواجهة بما تحبّ.
5- معناه: حباً لك بعد حُبٍّ من قولهم: امرأة لبة: إذا كانت محبة لولدها.
6- مأخوذ من لبّ الشيء: وهو خالصه، ومنه لبُّ الطعام، ولبُّ الرجل عقله وقلبه، ومعناه: أخلصت لُبِّي وقلبي لك، وجعلت لك لبِّي وخالصتي.
7- أنه من قولـهـم: فــلان رخي اللبـب، وفي لبـب رضي: أي في حال واسعة منشرح الصدر، ومعناه: بوجد المحبّ إلى محبوبه، لا بكرهٍ ولا تكلف.
8- أنه من الإلباب: وهو الاقتراب: أي اقتراب إليك بعد اقتراب، لما يقترب المحب من محبوبه، ومعنى: «وسعديك» من المساعدة، وهي المطاوعة: أي مساعدة في طاعتك، وما تحب بعد مساعدة.
ومعنى: «والرغباء إليك»: أي الطلب والمسألة والرغبة([1736]).
ولا شك أن التلبية فيها الإعلان بإجابة دعوة اللَّه تعالى وطاعته، والإعلان بالتوحيد والبراءة من الشرك وأهله، وهذا من أعظم المنافع.
وقد اشتملت التلبية على قواعد عظيمة، وفوائد جليلة، كثيرة نافعة.
ولا شك أن الاهتمام بمعرفة معنى التلبية، ومعرفة هذه الفوائد التي تضمنتها يعين العبد المسلم على القيام بعبادة الحج والعمرة، والتقرب للَّه تعالى بقول هذه الكلمات على أحسن وجه وأكمله.
واللَّه أسأل أن يحقق هذه المنافع وغيرها من المنافع النافعة التي لم تذكر هنا، لي ولجميع الحجاج، وأن يمنَّ على جميع المسلمين بالإخلاص في القول والعمل، وصلى اللَّه وسلّم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
& & &
44- أفضل أيام الدنيا: عشر ذي الحجة، وما يشرع فيها من الأعمال الصالحة
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا عند اللَّه - عز وجل -، وقد شرع اللَّه فيها أعمالاً عظيمة، ترفع بها منازل العبد عند اللَّه تبارك وتعالى، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولاً: أفضل أيام الدنيا عشر ذي الحجة: لحديث جابر - رضي الله عنه - ، أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهنَّ في سبيل اللَّه؟ قال: «ولا مثلهن في سبيل اللَّه إلا رجلٌ عَفَّر وجهه في التراب»، وذكر عرفة، فقال: «يوم مباهاةٍ ينزل اللَّه تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا، فيقول: «عبادي شُعثاً غُبراً ضاحين [بارزين للشمس] جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ويستعيذون من عذابي، ولم يروا يوماً أكثر عتيقاً وعتيقة من النار» هذا لفظ البزار، ولفظ أبي يعلى: «ما من أيام أفضل عند اللَّه من عشر ذي الحجة» فقال رجل يا رسول اللَّه! هي أفضل أم عدتهنّ جهاداً في سبيل اللَّه؟ فقال: «هي أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل اللَّه إلا عفيراً يعفِّر وجهه في التراب، [مَرَّغَهُ فيه، أو دسَّهُ وضَرَبَ به الأرضَ] وما من يوم أفضل عند اللَّه من يوم عرفة، ينزل اللَّه إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء، فيقول: انظروا عبادي شعثاً غبراً ضاحين، جاؤوا من كلِّ فجٍّ عميقٍ، لم يروا رحمتي، ولم يروا عذابي، فلم أر يوماً أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة»([1737]).
ثانياً: عشر ذي الحجة: هي الأيام التي أقسم اللَّه تعالى بها في كتابه بقوله: ﴿وَالْفَجْر* وَلَيَالٍ عَشْر﴾([1738]) ، وهي عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وابن كثير، وابن القيم، وغير واحد من السلف والخلف.
ثالثاً: وهي الأيام التي يكون العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل اللَّه تعالى؛ لحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر»، قالوا: يا رسول اللَّه! ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»([1739]).
رابعاً: وهي أيام عظيمة عند اللَّه، والأعمال فيها أحب إليه فيهن؛ لحديث عبداللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد»([1740]).
خامساً: وهي أيامٌ أفضل من أيام عشر رمضان الأخيرة؛ فإن الإمام ابن القيم : قال: «...ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان؛ وبهذا يزول الاشتباه، ويدلُّ عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فُضِّلت باعتبار ليلة القدر، وهي من الليالي، وعشر ذي الحجة فُضِّل باعتبار أيامه؛ إذ فيه: يوم النحر، ويوم عرفة، ويوم التروية»([1741]).
سادساً: هي الأيام التي فيهن يومان هما أفضل أيام العام: يوم النحر، ويوم عرفة؛ لحديث عبد اللَّه بن قُرْطٍ الثمالي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن أعظم الأيام عند اللَّه تعالى: يوم النحر، ثم يوم القرِّ»([1742]).
ويوم القرِّ هو حادي عشر ذي الحجة؛ لأن الناس يقرُّون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا في الغالب: من طواف الإفاضة، والنحر، واستراحوا وقرُّوا.
وأما يوم عرفة؛ فلحديث عائشة ل قالت: إن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق اللَّه فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟»([1743]).
وقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة...» ([1744])، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «صيام يوم عرفة أحتسب على اللَّه أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده...» ([1745]).
وهذا لغير الحاجّ، أما الحاجّ فالسُّنة في حقّه الإفطار ليتقوَّى على الدعاء والذكر اقتداء برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه كان مفطراً يوم عرفة. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم الجمعة: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة...» ([1746])، فقال الإمام ابن القيم :: «والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة...» ([1747])، أي: ليلة القدر أفضل ليالي السنة، وليلة الجمعة أفضل ليالي الأسبوع، وصوَّب ابن القيم : أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر؛ لأن الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء يقاومه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّه وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحـَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّه بَرِيءٌ مِّنَ الـْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾([1748]).
وثبت في الصحيحين: أن أبا بكر وعلياً أذَّنا بذلك يوم النحر، لا يوم عرفة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «بعثني أبو بكرٍ في تلك الحَجَّة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان... ثم أردف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - علياً، فأمره أن يؤذن بـ«براءة»، قال أبو هريرة: فأذن معنا علي في أهل منىً يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان»([1749]) ، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يوم الحج الأكبر يوم النحر»([1750]).
قال ابن القيم :: «ويوم عرفة: مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف، والتضرُّع، والتوبة، والابتهال، والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سُمِّي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طُهِّروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أَذِنَ لهم ربهم يوم النحر في زيارته، والدخول عليه إلى بيته»([1751]).
سابعاً: فضائل الأعمال في عشر ذي الحجة أنواع:
النوع الأول: أداء الحج والعمرة في هذه الأيام من أفضل الأعمال؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه». وفي لفظ مسلم: «من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»، ولفظ مسلم يشمل الحج والعمرة وللَّه الحمد. وقال عليه الصلاة والسلام: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»([1752]) ، والمبرور هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولم يخالطه إثم، ولم يعقبه معصية، وهو المقبول، ومن علامات القبول أن يرجع العبد خيراً مما كان، ولا يعاود المعاصي.
النوع الثاني: صيام الأيام التسعة، أو ما تيسر منها؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبُّ إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» والصيام من أعظم الأعمال الصالحة، وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه، ورغَّب فيه، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من عبدٍ يصومُ يوماً في سبيل اللَّه إلا باعَدَ اللَّه بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً»([1753]) ، وروى النسائي مرفوعاً عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «كان يصوم تسعاً من ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أوَّل اثنين من كل شهر، وخميسين»([1754]) ، وصوم يوم عرفة لغير الحاج «يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده»([1755]).
النوع الثالث: التوبة والإقلاع عن جميع المعاصي؛ لأن التوبة من أعظم الأعمال الصالحة.
النوع الرابع: إذا دخل عشر ذي الحجة أمسك من أراد أن يضحي عن شعره، وبشرته؛ لحديث أم سلمة ل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحّي فليمسك عن شعره وأظفاره». وفي لفظ: «... فلا يأخذنّ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحّي»([1756]).
النوع الخامس: كثرة الأعمال الصالحة، من نوافل العبادات: كالصلاة والصدقة، والقراءة للقرآن الكريم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجيران، وصلة الأرحام، وغير ذلك من الأعمال الصالحة.
النوع السادس: الحرص على أداء صلاة العيد لغير الحاجّ، والتبكير إليها، واستماع الخطبة؛ فإنها من أعظم شعائر الإسلام؛ ولعظم شأنها أُمِرَ بها النساء حتى الأبكار، فعن أمِّ عطية ل قالت: «كُنَّا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيّض فيكنّ خلف الناس، فيكبِّرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، ويرجون بركة ذلك اليوم وطهرته»، وفي لفظ: «وأمر الحيّض أن يعتزلن مصلّى المسلمين»([1757]).
النوع السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهي سنة أبينا إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - حين فدى اللَّه ولده بذبح عظيم: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم﴾([1758])، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - «ضحّى بكبشين أملحين، أقرنين، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر ووضع رجله على صفاحهما»([1759])، وقد قال اللَّه تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾([1760]).
النوع الثامن: نحر الهدايا يوم النحر وأيام التشريق، وهي واجبة على المتمتع والقارن.
النوع التاسع: التكبير، والتهليل، والذكر في هذه الأيام العشر وأيام التشريق. والتكبير قسمان على النحو الآتي:
القسم الأول: التكبير المطلق، وهو الذي لا يتقيد بأدبار الصلوات، بل يشرع في كل وقت: وهو في عيد الفطر، وعيد الأضحى، والذي ينبغي معرفته عن التكبير المطلق في العيدين: وقته، وصفته، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: وقت التكبير المطلق في عيد الفطر ،وعيد الأضحى على النحو الآتي:
1 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الفطر من غروب الشمس آخر يوم من رمضان: إما بإكمال ثلاثين يوماً، وإما برؤية هلال شوال، فإذا غربت شمس آخر يوم من رمضان شُرِعَ التكبير المطلق، لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾([1761])، ويستمرّ في التكبير من غروب الشمس إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة، فقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صلاته، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير([1762]).
2 - يبتدئ التكبير المطلق في عيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق: في جميع الأوقات، في الليل، والنهار، والطريق، والأسواق، والمساجد، والمنازل، وفي كل موضع يجوز فيه ذكر اللَّه تعالى؛ لقول اللَّه تعالى: ] لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾([1763])، وقول اللَّه - عز وجل -:﴿وَاذْكُرُواْ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ﴾([1764])، قال ابن عباس ب: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّه فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾([1765]): أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق»([1766]).
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس ب قال: «الأيام المعلومات التي قبل يوم التروية، ويوم التروية، ويوم عرفة، والمعدودات أيام التشريق»([1767]) ؛ولحديث عبد اللَّه بن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من أيام أعظم عند اللَّه ولا أحب إليه من العمل فيهن، من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن: من التهليل، والتكبير، والتحميد»([1768])؛ ولحديث ابن عباس ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -:«ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اللَّه من هذه الأيام العشر» فقالوا: يا رسول اللَّه، ولا الجهاد في سبيل اللَّه؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ولا الجهاد في سبيل اللَّه إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»([1769]).
وقال الإمام البخاري :: «وكان ابن عمر، وأبو هريرة ب يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبر محمد بن علي خلف النافلة»([1770]).
وقال الإمام البخاري :: «وكان عمر - رضي الله عنه - يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتجّ منى تكبيراً.
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً.
وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد»([1771]).
وعن أم عطية ل قالت: كنا نؤمر أن نَخرج يوم العيد حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نُخرج الحيّض، فيكنّ خلف الناس فيُكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته»([1772])؛ ولحديث نبيشة الهذلي قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أيام التشريق أيام أكل وشرب [وذكر لله]»([1773]).
قال شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز :: «أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة»([1774]).
ثانياً: صفة التكبير جاء في آثارٍ عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنواع على النحو الآتي:
النوع الأول: كان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد»([1775])، قال الإمام ابن قدامة :: «وهذا قول: عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وابن المبارك إلا أنه زاد: على ما هدانا، لقوله: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾»([1776]).
النوع الثاني: وكان ابن عباس ب يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد، اللَّه أكبر وأجل، اللَّه أكبر على ما هدانا»([1777]).
النوع الثالث: وكان سلمان - رضي الله عنه - يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً»([1778])، فقال: «وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه: ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً»([1779])، ولكنه بلفظ: «كبروا: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً».
النوع الرابع: وكان عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر وللَّه الحمد»([1780]).
قال الإمام الصنعاني :: «وفي الشرح صفات كثيرة عن عدة من الأئمة وهو يدل على التوسعة في الأمر؛ وإطلاق الآية يقتضي ذلك» واللَّه - عز وجل - أعلم([1781]).
القسم الثاني: التكبير المقيَّد: وهو الذي يُقيَّد بأدبار الصلوات في عيد الأضحى خاصة، ووقته، وصفته على النحو الآتي:
أولاً: يبتدئ التكبير المقيَّد من عقب صلاة الفجر يوم عرفة، وينتهي بعد صلاة العصر في اليوم الثالث من أيام التشريق؛ لما ورد عن علي بن أبي طالب الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم -: «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، ويكبر بعد العصر»([1782])؛ ولما ورد عن عمر الخليفة الراشد - رضي الله عنه -: «أنه كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى صلاة الظهر من آخر أيام التشريق»([1783])؛ ولما ورد عن ابن عباس ب «أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، لا يكبر في المغرب»([1784]) ، ولما ورد عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان: «يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق»([1785]) بلفظ: «... إلى صلاة العصر من يوم النحر» ، وفي الباب آثار كثيرة عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، واللَّه أعلم([1786]). قال الحاكم ::«فأما من فِعْلِ عمر ،وعلي، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مسعود، فصحَّ عنهم التكبير، من غداة عرفة، إلى آخر أيام التشريق»([1787]) ، وقال الحافظ ابن حجر :: «وأصح ما ورد فيه عن الصحابة: قول علي، وابن مسعود، إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى. أخرجه ابن المنذر وغيره، واللَّه أعلم»([1788])، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :: «أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة. ويشرع لكل أحد أن يكبر عند الخروج إلى العيد وهذا باتفاق الأئمة الأربعة»([1789]).
وقال شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :،: «وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم -: التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير عند أول حصاة من الجمرة المذكورة، وإن كبر مع التلبية فلا بأس، لقول أنس - رضي الله عنه -: «كان يُلبِّي الملبي فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه»([1790]) ، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة، وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد، لما تقدم من الآية والآثار»([1791]).
وقال الإمام ابن قدامة : في: «وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر... لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة لعدم المانع»([1792]).
ثانياً: صفة التكبير المقيّد: هو مثل التكبير المطلق: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد»([1793])،وهو قول الخليفتين الراشدين: عمر بن الخطاب، وعلي، وقول ابن مسعود - رضي الله عنهم -، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق رحمهم اللَّه تعالى([1794]).
واللَّه أسأل أن يوفّق جميع المسلمين للعمل بهذه الأعمال الصالحة العظيمة في هذه الأيام المباركة التي هي أعظم أيام الدنيا.
وصلى اللَّه وسلم، وبارك على عبده، ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه؛ نبيّنا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في يوم الخميس 29/ 11/ 1437هـ.
# # #
45-آداب العيد
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه، أما بعد؛ فقد شرع اللَّه تعالى لعباده في ختام شهر رمضان عبادات تزيدهم قُرْباً إلى اللَّه تعالى، وتزيد في إيمانهم قوة، وفي موازين أعمالهم حسنات، وهي على النحو الآتي:
1- زكاة الفطر: فقد فرضها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على كل مسلم: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ، أو امرأةٍ، أو صغير، أو كبير، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تؤدَّى إلى الفقراء والمساكين قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، فتدفع إلى أهلها: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أي أنواع الطعام الذي يأكله أهل البلد، ومن أداها قبل صلاة العيد فهي صدقة مقبولة، ومن أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، ولا تجزئ دفع القيمة، بل لا بد من صاع من طعام، وهو ثلاثة كيلوات من قوت البلد.
2- التكبير عند إكمال العدة من غروب شمس آخر يوم من رمضان ليلة عيد الفطر إلى صلاة العيد؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّه عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾([1795])، وصفة التكبير أن يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد»([1796])، وإن قال بالأنواع الأخرى الثابتة من أنواع التكبير كما ثبت عن الصحابة - رضي الله عنهم - فلا بأس. ويستمر في التكبير من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى أن يفرغ الإمام من الخطبة.
3- صلاة عيد الفطر: شرعها اللَّه تعالى لعباده، وهي من تمام ذكر اللَّه تعالى، وقد أمر بها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أمته.
4- يستحب أن يتنظف، ويتطيب، ويتسوك.
5 - يلبس أحسن ما يجد.
6 - يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر تمرات، والأفضل أن تكون وتراً، أما عيد الأضحى فالأفضل أن لا يأكل حتى يرجع من المصلى، فيأكل من أضحيته.
7 – الأفضل يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار.
8 - السنة أن تُصلَّى صلاة العيدين في المصلى، ولا يُصلى في المسجد إلا لحاجة.
9 - السنة أن يذهب إلى المُصلَّى من طريق ويرجع من طريق آخر؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق»([1797]).
10 - يستحب للمأموم التبكير إلى مصلى العيد بعد صلاة الصبح، أما الإمام فيستحب له أن يتأخر إلى وقت الصلاة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك.
11 - يُكبّر في طريقه إلى مُصلّى العيد ويرفع صوته بالتكبير.
12 – من السنة أن لا يُصلَّى قبل صلاة العيد ولا بعدها، ولكن إذا احتاج الناس إلى الصلاة في المسجد، فلا يجلس المسلم حتى يصلي ركعتين.
13 - السنة: أنه لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين.
14 - لا يحمل السلاح يوم العيد إلا لحاجة لابد منها.
15 - جواز اللعب والضرب بالدف للجواري الصغار أيام العيد بشرط أن لا يكون شعراً محرماً أو شعراً بآلات الطرب المحرمة.
16 - جواز اللعب للرجال الذي فيه تدريب على الحرب والقتال، وتعلم الكرّ والفرّ، كما فعل الحبشة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما غير هذا النوع من أنواع اللعب للرجال، فلا.
17 - خروج النساء إلى مصلى العيد متحجبات غير متطيّبات، وصلاة العيد ليست واجبة على المرأة ولكنها سنة في حقها.
18 - خروج الصبيان إلى المصلى؛ ليشهدوا دعوة المسلمين.
19 - التهنئة بالعيد من فعل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الحافظ ابن حجر :: «وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: «كان أصحاب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل اللَّه منَّا ومنك»([1798])، ونقل الإمام ابن قدامة : عن ابن عقيل في تهنئة العيد أن محمد بن زياد قال: «كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل اللَّه منا ومنك»، وقال أحمد: «إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد»([1799]).
20 - يقضي صلاة العيد من فاتته مع الإمام، قال الإمام البخاري :: بابٌ إذا فاتته العيد يصلي ركعتين.
21- وجوب ترك المنكرات التي يفعلها بعض الناس في يوم العيد، وهي كثيرة لا يمكن حصرها، مثل: الشرك باللَّه تعالى بالتقرب لأصحاب القبور ودعائهم من دون اللَّه في بعض الأمصار والبلدان، وإسبال الثياب، والمشالح، والسراويل، وغير ذلك من أنواع ألبسة الرجال التي تنزل تحت الكعبين، والكبر لأن البعض أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم، ويعجب بنفسه، ويختال في مشيته، وهذا محرم في جميع الأوقات، والاستماع إلى الغناء، والمزامير، والمعازف: لأن بعض الناس يُضيِّعون أوقات العيد المبارك في الاجتماع على مزامير الشيطان، وآلات اللهو المحرمة، وحلق اللحى يكثر عند أمة من البشر يوم العيد، وهو محرم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفّوا الشوارب»، ومصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت، والتشبه بالكفار والمشركين، في الملابس وغيرها، سواء كان التشبه من الرجال أو النساء، وتشبه الرجال بالنساء في الملابس أو الحركات، أو الزينة أو مما هو من خصائص النساء، وتشبه النساء بالرجال كذلك، والخلوة بالنساء أيام الأعياد، أو الأفراح أو غير ذلك، وتبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق، والتبذير والإسراف؛ لقول اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الـْمُسْرِفِينَ﴾([1800])، وعدم العناية بالفقراء والمساكين، وعدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات، أو زيارات، أو إحسان، أو إدخال سرور، أو غير ذلك من أنواع الإحسان، واللَّه I ولي التوفيق، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 28/ 9/ 1438هـ.
# # #
46-منكرات العيد
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد؛ فإن المنكرات في العيد التي يفعلها كثير من الناس كثيرة لا يمكن حصرها، ولكن منها المنكرات الآتية:
1 - الشرك باللَّه تعالى بالتقرب لأصحاب القبور ودعائهم من دون اللَّه في بعض الأمصار والبلدان، وقد قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّه مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّه بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([1801]) ، وتعريف الشرك الأكبر الذي يجمع أنواعه وأفراده: أن يصرف العبد نوعاً أو فرداً من أفراد العبادة لغير اللَّه، وأما حد الشرك الأصغر فهو: كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر: من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة([1802]).
2- إسبال الثياب، والمشالح، والسراويل، وغير ذلك من أنواع ألبسة الرجال التي تنزل تحت الكعبين، فكثير من الناس يوم العيد يلبس الملابس وقد خطت على الأرض تكنس الشوارع والأرصفة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم». فقرأها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات - قال أبو ذر: «خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول اللَّه؟ قال: «المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب»([1803]) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار»([1804]) ، وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - آخذاً بحجزة سفيان بن أبي سهل وهو يقول: «يا سفيان بن أبي سهل لا تسبل إزارك فإن اللَّه لا يحب المسبلين»([1805])..
3 – الكبر: بعض الناس أيام العيد يحتقر الناس ويتكبر عليهم، ويعجب بنفسه، ويختال في مشيته، وهذا محرم في جميع الأوقات، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّه لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾([1806]) ، وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: «إن اللَّه جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق، وغمط الناس»([1807])، وعن ابن عمر ب قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات: فأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية اللَّه في السر والعلانية، وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السبرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام»([1808])، وعن ابن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من تَعظَّم في نفسه، أو اختال في مشيته لقي اللَّه - عز وجل - وهو عليه غضبان»([1809])، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى بُولَس، تعلوهم نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار، طينة الخبال»([1810])..
4 - الغناء، والمزامير، والمعازف: بعض الناس يُضيِّعون أوقات العيد المبارك في الاجتماع على مزامير الشيطان، وآلات اللهو المحرمة، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لـَهْوَ الـْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّه بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([1811]) ، قال ابن مسعود - رضي الله عنه - في تفسير ذلك: «الغناء واللَّه الذي لا إله إلا هو» يرددها ثلاث مرات، وتبع ابن مسعود عبد اللَّه بن عباس، وجابر، ومجاهد - رضي الله عنهم - ورحمهم، وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - يرفعه: «ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف اللَّه بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير»([1812]) ، وعنه - رضي الله عنه - يرفعه: «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِرَ والحرير، والخمر، والمعازف»([1813]) ، وعن أنس مرفوعاً: «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة»([1814])، وجاء عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل»، وفي رواية: «الزرع»، وقال الإمام مالك :: «إنما يفعله عندنا الفساق»، وقال عمر بن عبد العزيز :: «بدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن».
5 - حلق اللحى أو تقصيرها يكثر عند أمة من البشر يوم العيد، وهو محرم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خالفوا المشركين وفِّروا اللحى وأحفّوا الشوارب»، وفي لفظ: «أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى»([1815]) ، فلا يجوز لمسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حقاً بعد سماعه لهذه الأحاديث أن يأخذ من لحيته شيئاً، واللَّه المستعان، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: «جزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»([1816]) ، وفي حديث زيد بن أرقم: «من لم يأخذ من شاربه فليس منا»([1817]) .
6- الصبغ بالسواد؛ لحديث ابن عباس ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ، كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ، لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ»([1818]) ، وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز : يقول: «إسناده جيد، وهذا يدل على تحريم تغيير الشيب بالسواد، ويقتضي أنه كبيرة؛ لأنه وعيد»، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه - رضي الله عنه - قَالَ: «أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ»([1819])، وذكر الإمام ابن القيم : بعض السلف الذين كانوا يخضبون الشيب بالسواد ثم قال: «وَفِي ثُبُوته عَنْهُمْ نَظَر، وَلَوْ ثَبَتَ فَلَا قَوْل لِأَحَدٍ مَعَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وَسُنَّته أَحَقّ بِالِاتِّبَاعِ، وَلَوْ خَالَفَهَا مَنْ خَالَفَهَا»([1820]) ، ومما يدل على قبح الخضاب بالسواد: ما بيّنه بعض السلف الذين كانوا يخضبون بالسواد، حيث قيل إنه قال:
نسوّد أعلاها وتأبى أصولها ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل»([1821]).
7 - مصافحة النساء من غير المحارم محرمة في كل وقت، وقد وقع بعض ضعفاء الإيمان في هذا المُحرَّم، وخاصة أيام الأعياد والأفراح، ومما يؤكد تحريم مصافحة النساء الأجنبيات حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لَأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحلُّ له»([1822]).
8 - التشبه بالكفار والمشركين، في الملابس وغيرها، سواء كان التشبه من الرجال أو النساء، فلا يجوز لمسلم أن يتشبه بأعداء اللَّه ورسوله؛ لحديث عبد اللَّه بن عمر ب، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد اللَّه وحده لا شريك له، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعل الذلّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»([1823]).
9 - تشبه الرجال بالنساء في الملابس أو الحركات، أو الزينة أو مما هو من خصائص النساء، وتشبه النساء بالرجال كذلك، وهذا يحصل في الأعياد وفي غيرها، وهو محرم لا يجوز؛ لحديث ابن عباس ب قال: «لعن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» وفي لفظ: «لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء([1824])، وقال: أخرجوهم من بيوتكم» فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً، وأخرج عمر فلاناً»([1825]).
10 - الخلوة بالنساء أيام الأعياد، أو الأفراح أو غير ذلك محرمة، ومن خلا بامرأة فالشيطان ثالثهما؛ لحديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه -: أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول اللَّه، أفرأيت الحموَ؟ قال: «الحموُ الموت»([1826])، ولحديث ابن عباس ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم»([1827]) ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان». ومعنى قوله: «الحمو»: يقال: هو أخو الزوج، كأنه كره له أن يخلو بها»([1828]).
11 - تبرج النساء وخروجهن من البيوت إلى الأسواق، يكثر أيام العيد خروج النساء متبرجات إلا من عصم اللَّه - عز وجل -، وهذا حرام؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الـْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّه وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾([1829]) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات([1830])، مميلات مائلات، ([1831])، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة([1832])، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا»، وفي لفظ: «وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا»([1833]).
12 - التبذير والإسراف، يقول اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الـْمُسْرِفِينَ﴾([1834])، وقال اللَّه تعالى: ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الـْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾([1835])، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلوا واشربوا والبسوا، وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة»([1836])، وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم» ([1837]).
13 - عدم العناية بالفقراء والمساكين، وكثيراً ما يُظهر أبناء الأغنياء السرور والفرح، ويأكلون المأكولات المتنوعة، يفعلون ذلك أمام الفقراء وأبنائهم، دون رحمة أو شفقة، ولا تعاون، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([1838]).
14 - عدم صلة الأرحام بما يحتاجونه من مساعدات، أو زيارات، أو إحسان، أو إدخال سرور، أو غير ذلك من أنواع الإحسان؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: يقول: «من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه». وفي لفظ: «من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه»([1839]) ، ولحديث جبير بن مطعم أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يدخل الجنة قاطع»([1840]) ، واللَّه I ولي التوفيق، وصلى اللَّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 1/ 10/ 1438هـ.
# # #
قسم المقالات المتنوعة
47-تعزية أصحاب المصائب
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى ...
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد،
فقد بلغني ... وعزاؤكم قول اللَّه تعالى: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّه الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾([1841])، وقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾([1842])، وقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّه فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّه جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّه وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِين﴾([1843]).
فاللَّه أسأل أن يُحسن عزاءكم، وأن يجمعكم ومن فقدتم في الفردوس الأعلى من الجنة، واعلموا «أن للَّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبروا واحتسبوا» ([1844])، وأبشروا بما وعد اللَّه عباده المؤمنين الصابرين، وإليكم ما تطمئنُّ به قلوبكم، ويُبرِّد حرّ مصيبتكم العظيمة، ويشرح صدوركم، ويذهب همومكم وغمومكم من كلام ربكم الكريم، الحكيم، الرؤوف، الرحيم، الذي هو أرحم بالعباد من والديهم، ومن كلام نبيكم وقدوتكم وحبيبكم محمد - صلى الله عليه وسلم -:
1- صلوات اللَّه ورحمته وهدايته للصابرين: قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوفْ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّه وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾([1845]).
﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ أي: بشرهم بأنهم يُوفَّوْن أجورهم بغير حساب، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ﴾، وهي كلّ ما يُؤلم القلب أو البدن، أو كليهما، كما تقدم في الآيات، ومن ذلك موت الأحباب، والأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، ﴿قَالُواْ إِنَّا للَّه ﴾ أي مملوكون للَّه، مُدَبَّرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأولادنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء فقد تصرَّف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد: علمه بأن وقوع البلِيَّة من المالك الحكيم الذي هو أرحم بعبده من نفسه ووالدته، فيوجب له ذلك الرضا عن اللَّه، والشكر له على تدبيره؛ لِـمَا هو خير لعبده وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون للَّه فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفرًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد للَّه وراجع إليه من أقوى أسباب الصبر ﴿أُولَـئِكَ﴾ الموصوفون بالصبر المذكور ﴿عَلَيْهِمْ صَـلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي ثناء من اللَّه عليهم ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ﴿وَأُولَـئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾ الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به، وهو هنا: صبرهم للَّه([1846]).
قال أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه -: «نعم العدلان ونعمة العلاوة ﴿أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾، فهذان العدلان، ﴿وَأُولَـئِكَ هُمُ الْـمُهْتَدُونَ﴾، فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا»([1847]).
2- الاستعانة بالصبر من أسباب السعادة، قال اللَّه تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ ([1848]).
3- محبّة اللَّه للصابرين، قال - عز وجل -: ﴿وَاللَّه يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ ([1849]).
4- معيَّة اللَّه مع الصابرين: قال اللَّه - عز وجل -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ([1850]).
5- استحقاق دخول الجنة لمن صبر، قال اللَّه تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ ([1851]).
6- الصابرون يُوفَّون أجرهم بغير حساب، فلا يُوزن لهم، ولا يُكال لهم، إنما يُغرف لهم غرفًا، وبدون عدٍّ ولا حدٍّ، ولا مقدار([1852])، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ([1853]).
7- جميع المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلق اللَّه الخليقة ويبرأ النسمة، وهذا أمر عظيم لا تُحيط به العقول؛ بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على اللَّه يسير([1854])، قال اللَّه - عز وجل -: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّه يَسِير لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّه لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾([1855]).
8- ما أصاب من مصيبة في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم إلا بقضاء اللَّه وقدره، قد سبق بذلك علمه، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، فإذا آمن العبد أنها من عند اللَّه فرضي بذلك وسلَّم لأمره، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، ويهدي اللَّه قلبه فيطمئن ولا ينزعج عند المصائب، ويرزقه اللَّه الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدَّخره اللَّه له يوم الجزاء من الثواب([1856])، قال اللَّه تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ([1857])، قال علقمة عن عبد الله: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ هو الرجل الذي إذا أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من اللَّه»([1858]).
وما أحسن ما قال ابن ناصر الدين الدمشقي ؒ:
سبحان من يبتلي أناسًا | أحبَّهم والبلاءُ عطاءُ | |
فاصبرْ لبلْوى وكن راضيًا | فإن هذا هو الدواءُ | |
سلِّمْ إلى اللَّه ما قضاه | ويفعل اللَّه ما يشاء([1859]) |
9- اللَّه تعالى يجزي الصابرين بأحسن ما كانوا يعملون، قال تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّه بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قَسَمٌ من الرب تعالى مؤكَّد باللام أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة؛ فإن اللَّه لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملاً، أي ويتجاوز عن سيئاتهم([1860])، وللَّه دَرُّ أبي يعلى الموصلي القائل:
إني رأيت وفي الأيام تجربةٌ | للصبر عاقبةٌ محمودةُ الأثرِ | |
وقلّ من جدَّ في أمر يحاولُه | واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر([1861]) |
10- ما يُقال عند المصيبة والجزاء والثواب والأجر العظيم على ذلك، فعن أم المؤمنين أم سلمة ل أنها سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبدٍ تُصيبه مصيبةٌ فيقول: إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، إلا أجره اللَّه في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها » قالت أم سلمة، فلما توفي أبو سلمة - رضي الله عنه - قلت كما أمرني رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فأخلف اللَّه لي خيرًا منه رسولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وفي لفظ: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: «إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجُرْني في مصيبتي واخلِفْ لي خيرًا منها...» الحديث»([1862]). وفي لفظ ابن ماجه: «إنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأجُرْني فيها، وعوِّضني خيرًا منها »([1863]).
وحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا مات ولد العبد قال اللَّه لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد»([1864]).
قال ابن ناصر الدين ؒ:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة | لمؤمن واثق باللَّه لا لاهي | |
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ | في الحالتين يقول الحمد لله([1865]) |
11- الأجر العظيم والثواب الكثير والفوز بالجنة لمن مات حبيبه المصافي فصبر، وطلب الأجر من اللَّه تعالى، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول اللَّه تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»([1866])، قوله: «جزاء» أي ثواب وقوله: «إذا قبضت صَفِيَّه» وهو الحبيب المصافي: كالولد، والأخ، وكل ما يحبه الإنسان، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت.. وقوله: «ثم احتسبه إلا الجنة»، والمراد: صَبَر على فقده راجيًا من اللَّه الأجر والثواب على ذلك. والاحتساب: طلب الأجر من اللَّه تعالى خالصًا.
ووجه الدلالة من هذا الحديث «أن الصفيَّ أعمّ من أن يكون ولدًا أم غيره، وقد أفرد ورتّب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه»([1867]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز ؒ يقول: «صفيه: حبيبه: كولده، أو أبيه، أو أمه، أو زوجته»([1868]).
12- أشدّ الناس بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ لحديث مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول اللَّه أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةً ابتُلِيَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة»([1869]).
أكثر وأصعب بلاء: أي محنة ومصيبة؛ لأنهم لو لم يُبتلوا لتُوهِّم فيهم الألوهية؛ وليتوهن على الأمة الصبر على البلية؛ ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرُّعًا، والتجاءً إلى اللَّه تعالى «ثم الأمثل فالأمثل» أي الفضلاء، والأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة، فكل من كان أقرب إلى اللَّه يكون بلاؤه أشد؛ ليكون ثوابه أكثر «فإن كان في دينه صلبًا » أي قويًا شديدًا «اشتد بلاؤه » أي كميَّة وكيفيَّة «فما يبرح البلاء » أي ما يفارق([1870]).
ومما يزيد ذلك وضوحًا وتفسيرًا، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - يرفعه: «إن الرجل ليكون له عند اللَّه المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال اللَّه يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها»([1871]).
13- من كان بلاؤه أكثر فثوابه وجزاؤه أعظم وأكمل؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن اللَّه إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط»([1872]).
والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه، فمن رضي بما ابتلاه اللَّه به فله الرضى منه تعالى وجزيل الثواب، ومن سَخِطَ: أي كره بلاء اللَّه وفزع ولم يرض بقضائه تعالى، فله السخط منه تعالى وأليم العذاب، ومن يعمل سوءًا يُجز به([1873]).
ولا شك أن الصبر ضياء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «والصبر ضياء»([1874]).
والضياء: هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس، بخلاف القمر، فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، ولَـمّا كان الصبر شاقًّا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس، وحبسها، وكفّها عما تهواه، كان ضياءً([1875])؛ ولهذا – واللَّه أعلم - يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، بفضل اللَّه - عز وجل -.
14- ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى اللَّه وما عليه خطيئة؛ لأنها زالت بسبب البلاء([1876])؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة: في نفسه، وماله، وولده، حتى يلقى اللَّه وما عليه خطيئة »([1877]).
15- فضل من يموت له ولد فيحتسبه، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث([1878]) إلا أدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته إياهم »([1879]).
والولد يشمل الذكر والأنثى.
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «ما تعدُّون الرّقوب([1880]) فيكم »؟ قال: قلنا: الذي لا يُولد له. قال: «ليس ذاك بالرّقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدِّم من ولده شيئًا»([1881]).
16- من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجابًا من النار؛ ودخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار أو دخل الجنة»([1882]). وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة مات لها ثلاثة من الولد: «لقد احتظرت بحظار شديد([1883]) من النار»([1884])؛ ولحديث عتبة بن عبدٍ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا تلقَّوْه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل »([1885]).
17- من قدّم اثنين من أولاده دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة »، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: «أو اثنين»([1886])، قال النووي ؒ: وقد جاء في غير مسلم «وواحد»([1887]).
وعن أبي صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول اللَّه، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تُعلّمنا مما علّمك اللَّه، قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا»، فاجتمعن فأتاهن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فعلمهن مما علمه اللَّه قال: «ما منكن من امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجابًا من النار »، فقالت امرأة: واثنين، واثنين، واثنين؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «واثنين، واثنين، واثنين »([1888]).
18- من مات له واحد من أولاده فاحتسبه وصبر دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول اللَّه تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفّيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»([1889]). قال الحافظ ابن حجر :: «وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه وهو أصحّ ما ورد في ذلك، وقوله: «فاحتسب » أي صبر راضيًا بقضاء اللَّه راجيًا فضله »([1890])، وذكر ابن حجر : أنه يدخل في ذلك حديث قرة بن إياس، وسيأتي في الحديث الآتي([1891]).
وسيأتي أيضًا حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - الذي فيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد»، فهو يدلّ على أن من مات له ولد واحد دخل الجنة([1892]).
19- من مات له ولد فاحتسبه وجده ينتظره عند باب الجنة، بفضل اللَّه - عز وجل - ورحمته؛ لحديث قرّة بن إياس - رضي الله عنه - أن رجلاً كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ابن له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أتحبه»؟ فقال: يا رسول اللَّه أحبك اللَّه كما أحبه، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما فعل ابن فلان»؟ قالوا: يا رسول اللَّه مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبيه: «أما تحبّ أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك ؟» فقال رجل: يا رسول الله: أله خاصة أو لكُلِّنا؟ فقال: «بل لِكُلِّكم»، ولفظ النسائي: «ما يسرّك أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك ؟»([1893]).
20- المؤمن إذا مات ولده سواء كان ذكرًا أو أنثى وصبر واحتسب وحمد اللَّه على تدبيره وقضائه بنى اللَّه له بيتًا في الجنة وسماه بيت الحمد؛ لحديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه- صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات ولد العبد، قال اللَّه لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول اللَّه: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد»([1894]).
وعن أبي سلمى راعي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: «بخٍ بخٍ - وأشار بيده لخمس - ما أثقلهن في الميزان: سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، والولد الصالح يُتوَفَّى للمرء المسلم فيحتسبه»([1895]).
21- السِّقط يجرّ أمّه بِسُرِّهِ إلى الجنة؛ لحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال: «والذي نفسي بيده إن السقط ليجرُّ أُمَّهُ بسَرَرِه إلى الجنة إذا احتسبته»([1896]).
22- ومما يشرح صدر المسلم ويبرِّد حرَّ مصيبته أن أولاد المسلمين في الجنة، قال الإمام النووي ؒ بعد أن ساق الأحاديث في فضل من يموت له ولد فيحتسبه: «وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين»، ونقل عن المازري قوله: «ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْـحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ ([1897]) ([1898]).
ويدل عليه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن أولاد المسلمين في الجنة، «وأن أحدهم يلقى أباه فيأخذ بثوبه أو بيده فلا يتركه حتى يدخله اللَّه وأباه، أو قال: أبويه الجنة»([1899]).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز ؒ يقول: «أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار ففيهم خلاف، وأصح ما قيل فيهم أنهم يُمتحنون يوم القيامة، أو هم من أهل الجنة بدون امتحان، وهو أصحّ»([1900])، وهو الصواب([1901])؛ لحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - في الحديث الطويل وفيه: «وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «وأولاد المشركين»([1902]).
23- من تصبّر ودرَّب نفسه على الصبر صبَّره اللَّه وأعانه وسدّده؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: «ومن يستعفف يُعفّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»([1903]).
24- من أراد اللَّه به خيرًا أصابه بالمصائب؛ ليثيبه عليها([1904])؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من يُرد اللَّه به خيرًا يُصب منه»([1905]). وسمعت شيخنا عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ؒ يقول: «أي بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكّر فيتوب، ويرجع إلى ربه»([1906]).
25- أمر المؤمن كله خير في السرّاء والضرّاء، وفي الشدّة والرّخاء؛ لحديث صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له»([1907]).
26 - المصيبة تحطّ الخطايا حطًّا كما تحطّ الشجرة ورقها؛ لحديث عائشة ل قالت: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - : «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر اللَّه بها عنه حتى الشوكة يُشاكها»([1908]).
وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من مسلم يُصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ اللَّه به سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها»([1909]).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما يُصيب المؤمن من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ حتى الشوكةُ يشاكها إلا كفّر اللَّه بها من خطاياه»([1910])، وفي لفظ: «ما يُصيب المؤمنَ من وَصَبٍ([1911])، ولا نَصَبٍ([1912])، ولا سَقَم...».
27- يجتهد المسلم في استكمال شروط الصبر التي إذا عمل بها المصاب المسلم حصل على الثواب العظيم، والأجر الجزيل، وتتلخص هذه الشروط في ثلاثة أمور:
الشرط الأول: الإخلاص للَّه - عز وجل - في الصبر؛ لقول اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، ولقوله - عز وجل - في صفات أصحاب العقول السليمة: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْـحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَـهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ ([1913])، وهذا هو الإخلاص في الصبر المبرّأ من شوائب الرياء وحظوظ النفس.
الشرط الثاني: عدم شكوى اللَّه تعالى إلى العباد؛ لأن ذلك ينافي الصبر ويخرجه إلى السخط والجزع؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «قال اللَّه تعالى: إذا ابتليت عبدي المؤمن ولم يشكني إلى عوّاده أطلقته من إساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ثم يستأنف العمل»([1914]).
وللَّه دَرُّ الشاعر الحكيم حيث قال:
وإذا عرتك بليّةٌ فاصبر لها | صبر الكريم فإنه بك أعلمُ | |
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما | تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم([1915]) |
الشرط الثالث: أن يكون الصبر في أوانه، ولا يكون بعد انتهاء زمانه؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بامرأة تبكي عند قبر فقال: «اتّقِ اللَّه واصبري» [فقالت]: إليك عنِّي فإنك لم تُصَبْ بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»([1916]). أي الصبر الكامل الذي يترتّب عليه الأجر الجزيل؛ لكثرة المشقة فيه، وأصل الصدم الضرب في شيء صلب، ثم استعمل مجازًا في كل مكروه حصل بغتة([1917]).
28- أمور لا تنافي الصبر ولا بأس بها، منها ما يأتي:
الأمر الأول: الشكوى إلى اللَّه تعالى؛ فالتضرّع إليه، ودعاؤه في أوقات الشدّة عبادة عظيمة، فإن اللَّه أخبر عن يعقوب بقوله: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّه الْـمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾([1918]).
وقال تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّه أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْـحَكِيمُ﴾ ([1919]).
وقال تعالى:﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّه مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾([1920]).
وأيوب - صلى الله عليه وسلم - أخبر اللَّه عنه بقوله تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ ([1921]).
وقال اللَّه تعالى عنه: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ([1922])، فإذا أصاب العبدَ مصيبةٌ فأنزلها بالله، وطلب كشفها منه فلا ينافي الصبر([1923]).
الأمر الثاني: الحزن ودمع العين؛ فإن ذلك قد حصل لأكمل الخلق نبينا محمد بن عبد اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخلنا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين([1924]) - وكان ظئرًا([1925]) لإبراهيم u - فأخذ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبَّله وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه([1926])، فجعلت عينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تذرفان([1927])، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: وأنت يا رسول الله([1928])؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة» ثم أتبعها بأخرى([1929]) فقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»([1930]).
قال الحافظ ابن حجر :: «ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه: فقلت يا رسول اللَّه تبكي أَوَلَمْ تَنْهَ عن البكاء؟ وزاد فيه: «إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهوٍ ولعبٍ ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب، ورنّة شيطان ». قال: «إنما هذا رحمة، ومن لا يَرحم لا يُرحم»([1931]).
وقال الحافظ ابن حجر :: «هذا الحديث يفسر البكاء المباح، والحزن الجائز، وهو ما كان بدمع العين، ورقة القلب من غير سخط لأمر الله، وهو أبين شيء وقع في هذا المعنى، وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمّه، ومشروعية الرضاع، وعيادة الصغير، والحضور عند المحتضر، ورحمة العيال، وجواز الإخبار عن الحزن، وإن كان الكتمان أولى، وفيه وقوع الخطاب للغير، وإرادة غيره بذلك، وكل منهما مأخوذ من مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولده مع أنه في تلك الحالة لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين: أحدهما: صغره، والثاني نزاعه. وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة إلى أن ذلك لم يدخل في نهيه السابق، وفيه جواز الاعتراض على من خالف فعله ظاهر قوله؛ ليظهر الفرق»([1932]).
وعن عبد اللَّه بن عمر ب قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد اللَّه بن مسعود، - رضي الله عنهم -، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله([1933]) فقال: «قد قضى»؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بَكَوْا، فقال: «ألا تسمعون؟ إن اللَّه لا يعذِّبُ بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذِّب بهذا([1934]) - وأشار إلى لسانه - أو يرحم([1935])، وإن الميت يعذَّب ببكاء أهله عليه»([1936])، وكان عمر - رضي الله عنه - يضرب فيه بالعصا، ويرمي بالحجارة، ويحثي بالتراب»([1937]).
قال الحافظ ابن حجر :: «في هذا إشعار بأن هذه القصة كانت بعد قصة إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن عبد الرحمن بن عوف كان معهم في هذه ولم يعترضه بمثل ما اعترض به هناك، فدل على أنه تقرّر عنده العلم بأن مجرّد البكاء بدمع العين من غير زيادة على ذلك لا يضر»([1938]).
وفي حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - في قصةٍ لصبي لإحدى بنات رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - حينما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرسول ابنته: «ارجع إليها فأخبرها: إن للَّه ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب»، فأرسلت إلى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وأقسمت عليه أن يحضر، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقام معه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأسامة معهم، وحينما رُفع الصبي للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في النزع، فاضت عيناه، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها اللَّه في قلوب عباده، وإنما يرحم اللَّه من عباده الرحماء»([1939]).
وقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «شهدنا بنتًا لرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، قال: ورسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان»([1940]).
29- الأمور التي تعين على الصبر على المصيبة بفقد الأحباب كثيرة منها ما يأتي:
الأمر الأول: معرفة جزاء المصيبة وثوابها وهذا من أعظم العلاج الذي يُبَرِّد حرارة المصيبة، وتقدمت الأدلة على ذلك.
الأمر الثاني: العلم بتكفيرها للسيئات وحطّها كما تحطّ الشجرة ورقها([1941]).
الأمر الثالث: الإيمان بالقدر السابق بها، وأنها مقدرة في أم الكتاب كما تقدم.
الأمر الرابع: معرفة حق اللَّه في تلك البلوى، فعليه الصبر والرضا، والحمد والاسترجاع والاحتساب.
الأمر الخامس: أن يعلم أن اللَّه قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه، فإن لم يوفِ قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.
الأمر السادس: العلم بترتّبها عليه بذنبه، فإن لم يكن له ذنب كالأنبياء والرسل فلرفع درجاته.
الأمر السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة دواء نافع ساقه إليه العليم بمصلحته، الرحيم به، فليصبر ولا يسخط ولا يشكو إلى غير اللَّه فيذهب نفعه باطلاً.
الأمر الثامن: أن يعلم أن عاقبة هذا الدواء: من الشفاء والعافية والصحة وزوال الآلام ما لم تحصل بدونه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّه يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([1942]).
وقال - عز وجل -: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّه فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ([1943]).
الأمر التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبيّن حينئذٍ: هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل اللَّه يؤتيه من يشاء، واللَّه ذو الفضل العظيم.
الأمر العاشر: أن يعلم أن اللَّه يربي عبده على السرّاء والضرّاء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال([1944]).
الأمر الحادي عشر: معرفة طبيعة الحياة الدنيا على حقيقتها؛ فهي ليست جنة نعيم ولا دار مقام، إنما ممرّ ابتلاء وتكليف؛ لذلك فالكيِّس الفطن لا يفجأ بكوارثها، وللَّه دَرُّ القائل:
إن للَّه عبادًا فُطَنا | طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا | |
نظروا فيها فلمّا علموا | أنها ليست لحيٍّ وطنا | |
جعلوها لُجَّةً واتخذوا | صالحَ الأعمال فيها سفنا |
فالحياة الدنيا لا تستقيم على حال، ولا يقر لها قرار، فيوم لك، ويوم آخر عليك، قال اللَّه تعالى: ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُـهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّه لاَ يُحِبُّ الظَّالِـمِينَ﴾ ([1945]).
وقد أحسن أبو البقاء الرندي القائل:
لكل شيء إذا ما تمَّ نُقصان | فلا يُغرَّ بطيب العيش إنسان | |
هي الأيام كما شاهدتَها دول | فمن سرَّه زمنٌ ساءته أزمان([1946]) |
الأمر الثاني عشر: معرفة الإنسان نفسه؛ فإن اللَّه هو الذي منح الإنسان الحياة فخلقه من عدم إلى وجود، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فهو ملك للَّه أولاً وآخرًا، وصدق لبيد بن ربيعة - رضي الله عنه - القائل:
وما المال والأهلون إلا ودائعُ | ولا بُدَّ يومًا أن ترد الودائع |
الأمر الثالث عشر: اليقين بالفرج، فنصر اللَّه قريب من المحسنين، وبعد الضيق سعة، ومع العسر يسرًا؛ لأن اللَّه وعد بهذا، ولا يخلف الميعاد، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ([1947]).
وقد أحسن القائل:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى | ذرعًا وعند اللَّه منها المخرجُ | |
ضاقت فلما استحكمت | حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرجُ |
وقد وعد اللَّه - عز وجل - بحسن العوض عما فات؛ فإن اللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّه مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾([1948]).
وللَّه دَرُّ القائل:
وكل كسرٍ فإن اللَّه يجبرُه | وما لكسرِ قناةِ الدين جبرانُ([1949]) |
الأمر الرابع عشر: الاستعانة بالله، فما على العبد إلا أن يستعين بربه أن يعينه، ويجبر مصيبته، قال تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّه وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ للَّه يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ([1950])، ومن كانت معية اللَّه معه فهو حقيق أن يتحمل ويصبر على الأذى.
الأمر الخامس عشر: التأسّي بأهل الصبر والعزائم، فالتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان الابتلاء والشدائد يعين على الصبر، ويطفئ نار المصيبة ببرد التأسي، قال اللَّه تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّـهُمْ﴾ ([1951]).
الأمر السادس عشر: استصغار المصيبة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا أيها الناس أيما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدَّ عليه من مصيبتي»([1952]).
وكتب بعض العقلاء إلى أخ له يعزّيه عن ابن له يقال له: محمد، فنظم الحديث الآنف شعرًا فقال:
اصبر لكل مصيبة وتجلَّدِ | واعلم بأن المرء غير مخلّدِ([1953]) | |
وإذا ذكرت محمدًا ومصابَهُ | فاذكر مصابك بالنبي محمّدِ |
الأمر السابع عشر: العلم أن المصيبة في غير الدين أهون وأيسر عند المؤمن، وللَّه دَرُّ القائل:
وكل كسرٍ فإن اللَّه يجبره | وما لكسر قناة الدين جبران |
وذكر أن امرأة من العرب مرت بابنين لها وقد قتلوا، فقالت: الحمد للَّه رب العالمين، ثم قالت:
وكل بلوى تصيب المرء عافية | ما يُصَبْ يومًا يلقى اللَّه في النار([1954]) |
الأمر الثامن عشر: العلم بأن الدنيا فانية وزائلة، وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنة: أما الأدلة من الكتاب، فعلى النحو الآتي:
قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَـجَعَلْنَا لِـمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَـمّــَا مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾([1955]).
2- وقال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾([1956]).
3- وقال - عز وجل -: ﴿وَاضْرِبْ لَـهُم مَّثَلَ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ ([1957]).
4- وقال تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّه خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ ([1958]).
5- وقال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ([1959]).
6- وقال تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْـحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([1960]).
7 - وقال اللَّه تعالى: ﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّه خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ([1961]).
8- وقال سبحانه: ﴿وَمَا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلـَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ([1962]).
9- وقال اللَّه- عز وجل -: ﴿وَمَا هَذِهِ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَـهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْـحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ([1963]).
10- وقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَـهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّه وَرِضْوَانٌ وَمَا الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾([1964]).
11- وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْـجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ ([1965]).
12- وقال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْـحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ ([1966]).
وأما الأدلة من السنة المطهرة، فقد زهَّد النبي - صلى الله عليه وسلم - النَّاس في الدنيا، ورغَّبهم في الآخرة، بفعله وقوله - صلى الله عليه وسلم -، على النحو الآتي.
1- أما فعله فمنه حديث عائشة ل قالت: «خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يشبع من خبز الشعير»([1967]).
2- وقالت: «ما أكل آل محمد أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر»([1968]).
3- وقالت: «إنا كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نار، فقال عروة: ما كان يقيتكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء »([1969]).
4- وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لو كان لي مثل أُحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاثٌ وعندي منه شيء إلا شيء أرصُدُهُ لدَيْن»([1970]).
5- وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه اضطجع على حصير فأثَّر في جنبه، فدخل عليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه فقال: يا رسول اللَّه لو أخذت فراشًا أوثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائفٍ فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها»([1971]).
6- وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: «ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام حتى قبض»([1972]). والمقصود أنهم لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية، والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم([1973]).
7- وعن عائشة ل قالت: «كان فراش رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من أدَم وحشوُهُ ليف»([1974]).
8- ومع هذا كان يقول - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا»([1975]).
9- وقال - صلى الله عليه وسلم -: «قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقنَّعَهُ اللَّه بما آتاه»([1976]).
وأما قوله في التزهيد في الدنيا والتحذير من الاغترار بها، فكثير، ومنه:
10- حديث مطرف عن أبيه - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: ﴿أَلْـهَاكُمُ التَّكَاثُرُ﴾ قال: «يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت،أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت»([1977]).
11- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول العبد: مالي مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، [و] ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه الناس»([1978]).
12- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة لأصحابه: «أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله»؟ قالوا: يا رسول اللَّه ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه. قال: «فإن ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر»([1979]).
13- ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - السوق يومًا فمرَّ بجدي صغير الأذنين ميت، فأخذه بأذنه ثم قال: «أيكم يحب أن هذا له بدرهم»؟ قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: «أتحبون أنه لكم»؟ قالوا: واللَّه لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسكٌّ([1980])، فكيف وهو ميت؟ فقال: «فواللَّه للدنيا أهون على اللَّه من هذا عليكم»([1981]).
14- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء»([1982]).
والدنيا مذمومة إذا لم تستخدم في طاعة اللَّه - عز وجل -:
15- فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعون ما فيها إلا ذكرُ الله، وما والاهُ، وعالمٌ، أو متعلم»([1983])، وهذا يؤكد أن الدنيا مذمومة، مبغوضة من اللَّه وما فيها، مبعدة من رحمة اللَّه إلا ما كان طاعة للَّه - عز وجل -؛ ولهوانها على اللَّه - عز وجل - لم يبلِّغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيها وهو أحب الخلق إليه.
16- فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير([1984]).
وقوله: «وما والاه» أي ما يحبه اللَّه من أعمال البر، وأفعال القُرَب، وهذا يحتوي على جميع الخيرات، والفاضلات، ومستحسنات الشرع، وقوله: «وعالم أو متعلم» العالم والمتعلم: العلماء بالله، الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء، والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن يعلم علم الفضول، وما لا يتعلق بالدين. والرفع في «عالم أو متعلم» على التأويل: كأنه قيل: الدنيا مذمومة لا يحمدُ مما فيها «إلا ذكر اللَّه وما والاه، وعالم أو متعلم»([1985])،فإذا رأى العاقل من ينافسه في الدنيا فعليه أن ينصحه ويحذّره وينافسه في الآخرة([1986]).
17- وفي قصة أبي عبيدة - رضي الله عنه - عندما قدم بمال من البحرين فجاءت الأنصار وحضروا مع رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح، فلمَّا صلى بهم الفجر، تعرَّضوا له، فتبسَّم حين رآهم وقال: «أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء»؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: «فأبشروا، وأمِّلوا ما يسركم، فواللَّه لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»، وفي رواية: «وتلهيكم كما ألهتهم»([1987]).
18- وفي حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج اللَّه لكم من بركات الأرض»، قيل: وما بركات الأرض؟ قال: «زهرة الدنيا»، ثم قال: «إن هذا المال خَضِرَة حلوة، من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيدًا يوم القيامة]»([1988]).
19- وقال خَبَّابٌ - رضي الله عنه -: «إن المسلم يؤجر في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب»([1989]).
قال الحافظ ابن حجر :: «أي الذي يوضع في البنيان وهو محمول على ما زاد على الحاجة»([1990]).
وذكر : آثارًا كثيرة في ذمّ البنيان ثم قال: «وهذا كله محمول على ما لا تمسُّ الحاجة إليه مما لا بدَّ منه للتوطّن، وما يقي البرد والحرّ»([1991]).
والمسلم إذا لم يجعل الدنيا أكبر همه وفقه اللَّه وأعانه.
20- فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ قلبك غنىً، وأملأ يديك رزقًا، يا ابن آدم لا تباعد عني فأملأ قلبك فقراً، وأملأ يديك شغلاً»([1992]).
21- وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اللَّه تعالى يقول: يا ابن آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسدّ فقرك، وإن لم تفعل ملأت يديك شغلاً، ولم أسدَّ فقرك»([1993]). قال ذلك عندما تلا: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ﴾ ([1994]).
ولا شك أن كل عمل صالح يُبتغى به وجه اللَّه فهو عبادة، بل وحتى الأعمال المباحة.
22- وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كانت الدنيا همّه فرّق اللَّه عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته جمع اللَّه له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة»([1995]).
23- وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت الآخرة همّه جعل اللَّه غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه؛ جعل اللَّه فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له »([1996]).
24- وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحب دنياه أضرَّ بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى»([1997]).
25- وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه لَمّا حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليُبلِّغ الشاهد الغائب، إني سمعت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول: «حلاوة الدنيا مرةُ الآخرة، ومرةُ الدنيا حلاوة الآخرة»([1998]).
الأمر التاسع عشر: العلم بأن اللَّه تعالى يجمع بين المؤمن وذريته، ووالديه وأهله، ومن يحب في الجنة، وهذا الاجتماع الذي لا فراق بعده لقول اللَّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْـحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ ([1999])، قال الإمام ابن كثير :: «يخبر تعالى عن فضله وكرمه، وامتنانه، ولطفه بخلقه، وإحسانه: أن المؤمنين إذا اتّبعتهم ذرّيتهم في الإيمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم؛ لتقرَّ أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم فيجمع بينهم على أحسن الوجوه بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته، للتساوي بينه وبين ذلك»([2000]). وهذا فضله تعالى على الأولاد ببركة عمل الآباء، وأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأولاد فثبت في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللَّه ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رَبّ أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك »([2001]).
قال العلامة السعدي :: «وهذا من تمام نعيم أهل الجنة أن أَلحق اللَّه بهم ذريتهم الذين اتّبعوهم بإيمان: أي الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم فصارت الذرية تبعًا لهم بالإيمان، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم، فهؤلاء المذكورون يلحقهم اللَّه بمنازل آبائهم في الجنة، وإن لم يبلغوها، جزاء لآبائهم، وزيادة في ثوابهم، ومع ذلك لا ينقص اللَّه الآباء من أعمالهم شيئًا»([2002]). وهذا هو الفوز العظيم.
نسأل اللَّه تعالى أن يجمعنا في الفردوس الأعلى مع آبائنا، وذرّيّاتنا، وأزواجنا، وجميع أهلينا وأحبابنا في اللَّه تعالى؛ إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
ولا شك أن من فارق ذريته وأهله، وأحبابه في الآخرة فقد خسر خسرانًا مبينًا، كما قال اللَّه تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْـخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْـخُسْرَانُ الْـمُبِينُ﴾ ([2003]) أي تفارقوا فلا التقاء لهم أبدًا، وسواء ذهب أهلوهم إلى الجنة وقد ذهبوا هم إلى النار، أو أن الجميع أسكنوا النار، ولكن لا اجتماع لهم ولا سرور، وهذا هو الخسران المبين الظاهر الواضح([2004]).
وقال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللَّه فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَـمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْـخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾([2005])، قال الإمام ابن كثير :: «أي ذُهِبَ بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد، وخسروا أنفسهم، وفُرِّق بينهم وبين أحبابهم، وأصحابهم، وأهاليهم، وقراباتهم فخسروهم»([2006]).
وقد ذُكِرَ أن بعض الصالحين مات له ابن فجزع عليه جزعًا شديدًا، حتى امتنع من الطعام والشراب، فبلغ ذلك الإمام محمد بن إدريس الشافعي، فكتب إليه ومما كتب إليه:
إني معزِّيك لا أنِّي على ثقةٍ | من الحياة ولكن سنة الدين | |
فما المعزَّى بباقٍ بعد ميته | ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حين([2007]) |
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
حرر في ليلة الأحد 4/10/1429هـ
& & &
48-سماحة العلامة ابن باز لم يمت حقيقة
الحمد للَّه وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد كنت أسمع بسماحة العلامة الحبر، إمام أهل السنة والجماعة في الربع الأخير من القرن الرابع عشر، والربع الأول من القرن الخامس عشر من الهجرة النبوية: عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :، فكان في نفسي عظيماً قبل أن أراه، وعندما قدّر اللَّه - عز وجل - لي أن أنتقل إلى مدينة الرياض في عام 1499هـ قابلته فرأيته أعظم مما قيل فيه، فقد وجدته إماماً في الحديث، إماماً في العقيدة، إماماً في معرفة الرجال، ومصطلح الحديث، إماماً في الفقه، إماماً في العقيدة، إماماً في القرآن الكريم وتفسيره، إماماً في اللغة، إماماً في النساب، إماماً في الإفتاء، والدعوة إلى اللَّه على بصيرة، إماماً في الكرم والجود، والزهد في الدنيا، والتواضع، وحسن الخلق، والعطف على الفقراء والمساكين، والورع، والتقوى، والصبر، والتثبت، وعدم العجلة في الأمور، ووجدته إماماً في الحكمة، فهو يضع الأمور مواضعها، وهذا في الحقيقة من توفيق اللَّه له، وإعانته وتسديده، فما أكرمه سبحانه، وما ألطفه بالعلماء المخلصين!.
وقد استفدت من هذا العلامة كثيراً، وللَّه الحمد، فقد كان يأمر بالدعوة إلى اللَّه على بصيرة بالأسلوب الحسن، وتعلمنا منه النصح لأئمة المسلمين، ويأمرنا بالدعاء لهم بالتوفيق، والإعانة، والتسديد، ويطبق ذلك على نفسه، فيدعو لولاة الأمر في كل مناسبة، وواللَّه لا أحصي دعاءه لهم بالتوفيق، وإصلاح البطانة، والإعانة، والتسديد لكل خير، سواء كان ذلك في دروسه، أو محاضراته، أو توجيهاته، فواللَّه لا أحصي عدد المرات التي بكى فيها من خشية اللَّه تعالى، ومن ذلك أنه أذيع عنه في إذاعة لندن في عام ذ400 هـ تقريباً أنه يكفر أهل المعاصي، فبلغه هذا الخبر، وهو يلقي محاضرة في الجامع الكبير «جامع الإمام تركي بن عبد اللَّه :»، فاستنكر هذا الخبر، وردّه، وتبرّأ من هذا القول، وبكى، وتلا قول اللَّه تعالى: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾.
وكان يأمرنا كثيراً في دروسه، ومحاضراته، واجتماعه بنا بطلب العلم النافع، والعناية بكتاب اللَّه تعالى، والسنة المطهرة، والعمل بما فيهما ابتغاء وجه اللَّه تعالى، ويحثنا على الدعوة إلى اللَّه تعالى في كل مجمع مع العناية بما ينفع الناس، ويحذرنا من التعرض للأمور التي تؤثر على سير الدعوة، ويذكرنا بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
وكان : وسطاً في كل أموره، صبرواً ثابتاً على كل خير، من ذلك كثرة أعماله التي لا يقوم بها أمةٌ من الناس، فهو مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس البحوث العلمية والإفتاء، وله عضوية في كثير من المجالس العلمية والإسلامية، من ذلك: رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وعضوية ورئاسة المجلي التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئاسة المجلس الأعلى للمساجد، ورئاسة المجمع الفقهي بمكة التابع لرابطة العالم الإسلامي، وعضوية المجلي الأعلى للجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، وعضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية في المملكة، وسماحة الشيخ قد وقف حياته كلها للَّه تعالى، سواء كان ذلك في المجالس العلمية، أو في الدوام الرسمي، أو في أعمال تخصّ المسلمين في مكتب البيت وغيره، أو في الدروس العلمية التس منّ اللَّه عليه بها، فإنه قد لازم التدريس في حلقات منتظمة في الجامع الكبير: يوم الأحد، والإثنين، والأربعاء، والخميس بعد صلاة الفجر، وفي جامع سارة في البديعة ليلة الإثنين، وليلة الخميس، وفي مسجده بعد عصر كل يوم، وبين الأذان والإقامة لصلاة العشاء، ويعلق على المحاضرات والندوات التي تقام في الجامع الكبير ليلة كل جمعة، ويجيب على الأسئلة، ويجيب دعوة من دعاه لإقامة المحاضرات العامة، واللقاءات المفتوحة، وحفلات الجمعيات لتحفيظ القرآن الكريم، والمشاركة في برنامج «نور على الدرب» باستمرار، وغيره من البرامج النافعة، ويدرس في الحلقات المذكورة الكتب الستة، ومسند أحمد، وموطأ مالك، وسنن الدارمي، وشرح السنة للبغوي، وتفسير ابن كثير، وفي المصطلح نخبة الفكر، وشرح ألفية العراقي، وفي العقيدة الأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، والحموية، والطحاوية، وكتاب التوحيد لابن خزيمة، وفتح المجيد، وكتب ابن تيمية، ومنها: الفتاوى، والاستقامة، وزاد المعاد، وإغاثة اللهفان، ومفتاح دار السعادة، وكتب أئمة الدعوة النجدية، وفي الأحكام: بلوغ المرام، ومنتقى الأخبار، وعمدة الأحكام للمقدسي، وفي الفقه: الروض المربع، والفرائض، وفي التاريخ والسير: البداية والنهاية لابن كثير، وفي هذه الدروس يكون القاموس المحيط والتقريب مع الطلاب لمراجعة اللغة والرجال، بالإضافة إلى تفسير البغوي بعد صلاة الجمعة في منزله، والجلوس للإجابة على الأسئلة، ونفع الناس بين المغرب والعشاء في منزله في الليالي التي ليس فيها دروس، ويشرح رياض الصالحين بعد صلاة العصر من كل يوم في مسجده، إلى غير ذلك من الدروس، وكان أطول هذه الدروس درس يوم الخميس في الجامع الكبير، فقد يمتد الدرس إلى أربع ساعات، والشيخ ثابت على كرسيه، واللَّه ما رأيته يوماً في الدرس ناعساً منذ تسعة عشر عاماً، حتى في الأيام التي مرض فيها قبل موته، بل منتبهاً مستمعاً جلداً.
وإذا غضب الشيخ على بعض لابه، فمن أعظم ما يقول: «سبِّح، سبِّح»، أو «سبحان اللَّه»، أو يقول: «اللهم اهدنا فيمن هديت»، وهذا يدل على عظم خلقه، وعلوِّ منزلته، ولا يترك هذه الدروس إلا إذا سافر، أو مرض مرضاً لا يستطيع معه أن يصلي مع الجماعة، ولم يحصل له ذلك فيما أعلم إلا مرة أو مرتين، وللَّه الحمد.
وهو مع هذه الأعمال العظيمة يجيب دعوة من دعاه، وخاصة بعد صلاة العشاء، فيحضر، ويكون مجلسه معموراً بذكر اللَّه تعالى، والتوجيه، والإجابة على الأسئلة، فينفع الناس، ويغتنم الفرص في المجامع الصغيرة والكبيرة، ويذكِّر، ويرغِّب، ويرهِّب، ويرشد طلابه، ومن حضر معه إلى إجابة الدعوة، واغتنام الفرص في تعليم الناس الخير في هذه المجامع، وينصح كثيراً بالاستفادة من بلوغ المرام في المجالس، والاستفادة من الوقت.
وسماحة الشيخ يزيد طلابه، وتزيد دروسه كلما زاد عمره، ويزيد كذلك نشاطه، ورغبته في الخير، وهذا من فضل اللَّه عليه، وكلٌّ يشهد بذلك من طلابه، ومن يحضر معه ويشاهده.
وفي ضحى يوم الخميس الموافق 27/ 1/ 1420 هـ بلغني خبر وفاته :، فوقع بعد ذلك في نفسي قول أبوي السختياني :: «إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة، فكأنما أفقد بعض أعضائي»، وقوله :: «إن الذين يتمنون موت أهل السنة يريدون أن يطفئوا نور اللَّه، واللَّه متمّ نوره ولو كره الكافرون»، وقد أحسن القائل:
اصبر لكل مصيبة وتجلَّد | واعلم بأن المرء غير مخلد | |
فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها | فاذكر مصابك بالنبي محمد |
والحقيقة أن الشيخ لم يمت، فكم علّم من البشر، وكم تخرّج على يديه من العلماء، وكم نفع اللَّه به المسلمين في جميع أقطار الأرض، وكم نصح للَّه ورسوله، وكتابه، وأئمة المسلمين وعامتهم، وكم دفع اللَّه به من الشرور، وكم أعان على نوائب الخير، وكم من علم نشره، ومسجد بناه، وكم من بيت للأرامل اشتراه فسبَّله عليهم، وكم من داعية عيّنه ثم أرسله إلى بلاده داعياً ومعلماً، وكم من صدقة للفقراء والمساكين تصدق بها سراً وجهراً، وكم من شفاعة حسنة شفعها، وكم من دَيْن للغارمين قضاه، وكم من سنة أميتت أحياها، وكم من بدعة ظهرت فقمعها.
وهذا بعض ما عرفت عن سماحة شيخنا منذ عشرين عاماً، وما خفي علَّ أعظم مما ظهر لي، فهنيئاً له بهذه الأعمال المباركة، وهنيئاً له بما سيلحفه من أعمال جليلة لا تحصى إن شاء اللَّه تعالى؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله»؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده، كُتب له من أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء»، وقد جاء في الحديث الحسن الذي رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه: «وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً، ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذه بحظ وافر».
فالشيخ لم يمت، فعلمه منشور، وذكره سيبقى إن شاء اللَّه إلى يوم القيامة، وعمله إن شاء اللَّه لا ينقطع إلى يوم الدين.
فأسأل اللَّه أن يرفع درجاته في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يحشرنا وإياه ووالدينا في زمرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، مع الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في محرم 1420هـ.
# # #
49-لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ: مفهومها، وفضلها، وفوائدها
الحمد للَّه ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد الإنس والجن أجمعين، نبيّنا محمد، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه كلمات يسيرة أبيّن فيها معاني كلمة «لا حول ولا قوة إلا باللَّه»، وفضلها، ومواطن مشروعية الذكر بها، على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم هذه الكلمة العظيمة ومعانيها:
لا حيلة لأحدٍ في جلب نفعٍ، أو دفعِ ضرٍ إلا باللَّه تعالى، وتوفيقه، فلا تحوّل له من كفرٍ إلى إيمانٍ، ولا من معصيةٍ إلى طاعةٍ، ولا من شقاوةٍ إلى سعادةٍ، ولا من ذلٍّ إلى عزٍّ، ولا من مرضٍ إلى صحةٍ، ولا من فقرٍ إلى غنىً، ولا من هزيمةٍ إلى نصرٍ، ولا من بلاءٍ إلى عافيةٍ، ولا من خوفٍ إلى أمنٍ، ولا من جهلٍ إلى علمٍ، ولا حولَ للعبد في دفع شرٍّ، ولا قوةَ في تحصيلِ خيرٍ، إلا باللَّه - عز وجل -، فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانةِ باللَّه في جميع أموره، سواءً كان ذلك في فعل الواجبات والمستحبات، أو في ترك المحرمات والمكروهات، أو في الصبر على ما قدره اللَّه من المقدورات في: الدنيا وعند الموت وسكراته، وبعدَهُ من أهوالِ البرزخِ، ويومِ القيامة، ولا يقْدِر على الإعانة على ذلك إلا اللَّه I فمن حقق الاستعانةَ عليه في ذلك كلِّه أعانه I، فكلمةُ «لا حولَ ولاَ قوّةَ إلاّ باللَّه » كلمةٌ عظيمة، وهي كلمةُ استسلامٍ وتفويضٍ إلى اللَّه - عز وجل -، واعترافٍ بالإذعان له I، وهي كلمةٌ فيها التبرّؤُ من الحولِ والقوةِ إلا باللَّه - عز وجل -، فالإنسانُ ليس له حولٌ إلا باللَّه - عز وجل -، فهي كلمةُ استعانةٍ إذا عجز الإنسان عن شيء، وليست هذه الكلمةُ كلمةَ استرجاعٍ، ولكن كلمةُ الاسترجاع أن يقول الإنسان: «إنا للَّه وإنا إليه راجعون»، وأما كلمةُ: «لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللَّه »، فهي كلمة استعانة باللَّه، فإذا أرد العبد أن يعينه اللَّه على شيء من أمور الدنيا، أو الآخرة، فعليه أن يقول: «لا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللَّه»، فييسر اللَّه - عز وجل - له الأمر، ويعينه على ما يريد، وهي من كنوز الجنة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، والكنز: مالٌ عظيمٌ مجتمعٌ لا يحتاج إلى جمعٍ، ومعنى كنزٍ من كنوز الجنة: ثوابٌ عظيمٌ نفيسٌ مدَّخرٌ في الجنة، لا يعلمُ عِظَمهُ وكثرتَهُ، ونفاستَهُ إلا اللَّه - عز وجل -([2008]).
ولا شكَّ أن الإنسان مفتقِرٌ إلى اللَّه في كلِّ أموره؛ ولهذا ثبت في الحديث القدسي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّه وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»([2009]).
ثانياً: مواطن الذكر بهذه الكلمة العظيمة:
الموطن الأول: ذكر مطلق في كل وقت للأحاديث الآتية:
1- عن أَبِي مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا» ثُمَّ أَتَى عَلَيَّ وَأَنَا أَقُولُ فِي نَفْسِي: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّه بْنَ قَيْسٍ، قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ»، أَوْ قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»([2010]).
2- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي نَخْلٍ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَلَكَ الْمُكْثِرُونَ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: حَثَا بِكَفَّيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ -، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ»، ثُمَّ مَشَى سَاعَةً فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟» فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّه إِلَّا إِلَيْهِ»([2011]).
3- وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «أَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ مَاؤُهَا، طَيِّبٌ تُرَابُهَا، فَأَكْثِرُوا مِنْ غِرَاسِهَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»([2012]).
4- وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَحبُ الكَلام إِلَى اللَّهِ: سُبحَان اللَّهِ، لَا شَريكَ لَه، لَه المُلك، ولَهُ الحَمدُ، وهُو عَلى كُل شَيءٍ قَديرٍ، ولا حَولَ وَلَا قُوةَ إِلَّا بِاللَّه سُبحان اللَّه وبِحمِده»([2013]).
5- جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: عَلِّمْنِي كَلَامًا أَقُولُهُ، قَالَ: «قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّه أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ للَّه كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» قَالَ: فَهَؤُلَاءِ لِرَبِّي، فَمَا لِي؟ قَالَ: «قُلْ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، [وعَافِنِي]»([2014]).
6- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «اسْتَكْثِرُوا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ»، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمِلَّةُ»، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْمِلَّةُ»، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «التَّكْبِيرُ، وَالتَّهْلِيلُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»([2015]).
الموطن الثاني: عند الاستيقاظ من النوم:
1- عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ حين يستيقظ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّه أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه العَلِيِّ العَظِيمِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ»([2016]).
الموطن الثالث: عند الخروج من المنزل:
1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّه تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟»([2017]).
2- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ كَانَ مَعَهُ مَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِهِ، فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّه قَالَا: هُدِيتَ، فَإِذَا قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه قَالَا: وُقِيتَ، فَإِذَا قَالَ: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّه قَالَا: كُفِيتَ فَتَلَقَّاهُ قَرِينَاهُ فَيَقُولَانِ مَا نُرِيدُ مِنْ رَجُلٍ قَدْ هُدِي وَوُقِيَ وَكُفِيَ»([2018]).
الموطن الرابع: عندما يأوي المسلم إلى فراشه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ اللَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّه أَكْبَرُ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ - أَوْ خَطَايَاهُ - شَكَّ مِسْعَرٌ - وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ»([2019]).
الموطن الخامس: في أدبار الصلوات المفروضة:
فعن أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ حِينَ يُسَلِّمُ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ، وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»، وَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم - يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ»([2020]).
الموطن السادس: عند متابعة الأذان:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، قَالَ: اللَّه أَكْبَرُ اللَّه أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»([2021]).
وهذه الفضائل العظيمة، والمعاني الجليلة، والفوائد النافعة ينبغي للمسلم أن يُكثر منها مطلقاً في أي وقتٍ، ويحافظ على مواطن الذكر بها التي بيّنها النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فمن فعل ذلك فقد حصل على الخير الكثير الكبير الذي سيجنيه من أمور الدنيا والآخرة، وأسأل اللَّه تعالى أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل ما يكون رفعة في درجاتنا في الدنيا وفي الآخرة في الفردوس الأعلى، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
حرر في 18/ 11/ 1437هـ
# # #
50-الاختلاف والنزاع، وعلاج ذلك، وإثم من أضل الناس بغير علم
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.
فعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهب قال: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾([2022]) ، قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾([2023]) قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾([2024]) قَالَ: «هَاتَانِ أَهْوَنُ، - أَوْ أَيْسَرُ -».
الشرح: قال سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :: جاء في الرواية الأخرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا ربه في الأولى والثانية، فاستجيب له, ودعا ربه بأن لا يجعل بأسهم بينهم، فلم يستجب له لذلك.
وهذا معنى الحديث: (أن هذا أيسر وأسهل)؛ ولهذا لم تجب دعوته فيهم، فلم يزل الخلاف والبأس بينهم إلى يوم القيامة، ثم بيَّن جلَّ وعلا أن هذا البأس، وهذا الاختلاف، يجب أن يكون له مرجع، ويجب أيضًا أن يكون له أساس يرجعون إليه، فلا بد من خلاف، ولا بد من وجود بأس بينهم, فعليهم أن يرجعوا للأصول التي وضِعت لهم، وألا يخرجوا عنها؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾([2025]) عُلم أن النزاع لا بد أن يقع، ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّه وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.
فالواجب عند النزاع، والاختلاف أن يكون لهم أصل يرجعون إليه، حتى يُحَل النزاع، وليس هناك أصل إلا ما بيَّنه اللَّه، وهو الردُّ إلى كتاب اللَّه: القرآن، وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - في حياته، وإلى سنته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - .
وهكذا الآية الكريمة في سورة الشورى ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾([2026]) ـ وهو معنى الآية هذه، فإن الحكم إلى اللَّه حكم إلى الكتاب والسنة.
فليس لأحد أن يحكم بهوى نفسه، أو رأيه، أو رأي قبيلته، أو ما اصطلح عليه هو وجماعته من نظام، أو قانون يُلزِم الناس به، لا، عند الاختلاف يجب الرد إلى اللَّه، وإلى الرسول، يجب الرد إلى حكم اللَّه في أي مسألة من المسائل التي يُطلب فيها حكم اللَّه، أما إذا اصطلحوا فيما بينهم في مسائل حقوقهم، نزاع في مال بينهم، واصطلحوا هذا من حكم اللَّه، فلا بأس: «الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، [إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا، وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا]» ([2027]): تنازعوا في أرض واصطلحوا فيها، تنازعوا في مواريث، واصطلحوا فيها إلى غير ذلك، هذا رجوع إلى اللَّه، وإلى الرسول؛ لأن الرسول جعل لهم الصلح والتراضي، فإذا تراضوا، وكان النزاع بينهم على وجه لا يخالف الشرع المطهر، فلا بأس بذلك، والمقصود من هذا كله: أنه لا بد من الرجوع إلى الأصل الذي وضع لهم عند النزاع، وعند وجود البأس بينهم لا بد أن يكون لهم أصل يرجعون إليه، أصلٌ مُقَرٌّ شرعاً، وهو الرجوع إلى ما دل عليه كتاب اللَّه، أو ما دلت عليه السنة، أو ما أجمع عليه المسلمون([2028])، وقد قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾([2029])، وعلاج ذلك قول اللَّه - عز وجل -: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([2030])، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللَّه لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»([2031]). وهذا فيه تحذير الناس من اتخاذ الجهلة رؤوساً يفتونهم بغير علم، ويضلونهم؛ لعدم استدلالهم بالأدلة الشرعية، وسمعت سماحة شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد اللَّه بن باز : يقول في شرح هذا الحديث: «وهذا يحث على العناية بالعلم، وأخذه من العلماء قبل ذهابهم؛ لأن بذهابهم يذهب العلم»، وعلى هؤلاء الرؤوس الجهال المذكورين ينطبق كلام الإمام الْأَوْزَاعِيِّ : حيث قَالَ: «إِذَا أَرَادَ اللَّه - عز وجل - أَنْ يَحْرِمَ عَبْدَهُ بَرَكَةَ الْعِلْمِ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ الْأَغَالِيطَ»([2032]) ، وعلى هؤلاء رؤوس الضلالة أن يتقوا اللَّه، ولا يضلّوا الناس، خاصة العامة، فإنهم يحملون أوزارهم، وأوزار الذين يضلونهم بغير علم يوم القيامة، فقد قال اللَّه تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾([2033]) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»([2034]).
نسأل اللَّه العفو والعافية. وصلى اللَّه وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
حرر في 27/ 2/ 1437هـ.
& & &
51-خطـر الغناء المحرم والمعازف، والموسيقى، والسينما الماجنة، والألعاب المفسدة للقلوب والأخلاق
الحمد للَّه، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
فإن الغناء الرذيل الماجن، والمعازف، والعروض السينمائية المفسدة للأخلاق، والقلوب، والكاشفة للعورات، والعرضات الغنائية المفسدة، وآلات اللهو، والطرب المحرمة: كالطبول، والموسيقى، والربابة، والعود، والقانون، والكمنجة، والبيانو، والكمان، وغيرها([2035]): كلها تدخل في لهو الحديث، كما قال اللَّه تعالى: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ [، وأما الضرب بالدف للنساء خاصة في الأعراس لإعلان النكاح، فهو مشروع بشرط ألا يصحبه شيء من المحرمات، ولا يكون بمكبرات الصوت المزعجة للمسلمين، ويكون في وقت قصير، حتى لا يحصل السهر، وتفويت صلاة الفجر، ويكون الكلام أثناء ضرب الدف بالكلمات التي لا محذور فيها شرعاً، وكذلك يجوز الضرب بالدف للجواري الصغار في الأعياد، وأما الرجال، فيجوز أن يلعبوا بتعلم الكر والفر، والتدريب على الجهاد في سبيل اللَّه تعالى بالحراب، والرماح، والدرق، وغير ذلك من أسلحة الحرب، كالطائرات وغيرها من آلات الحرب الحديثة، كما فعل الحبشة في مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، بشرط ألا يصحب ذلك لهو: موسيقى، ولا طبل، ولا آلات لهو محرمة أخرى. والكلام على الغناء المحرم باختصار على النحو الآتي:
أولاً: مفهوم الغناء والمعازف: الغناء: التطريب، والترنم بالكلام الموزون وغيره، ويكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب، والأغنية: ما يترنم به من الكلام، والجمع: أغاني، وغنَّى: طرّب، وترنّم بالكلام الموزون، وغيره([2036])، والغناء: هو المعروف بين أهل اللهوِ واللعب ([2037]).
والغِناء من الصوت: ما طُرِّب به... ويقال: غنَّى فلانٌ يُغنِّي أُغنية، وتغنَّى بأغنية حسنة، وجمعها الأغاني([2038]).
والغناء اصطلاحاً: هو ترديد الصوت بالشعر ونحوه بالألحان، أما التغنِّي فهو الترنّم([2039]).
والمعازف: يقال: عزف عزفاً: لَهَا، والمعازف: الملاهي، وواحد المعازف: عزْف على غير قياس، والملاعب التي يضرب بها، يقولون للواحد: عزْف، والجمع: معازف، العزف: اللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يُضرب، وكلُّ لعب عزف، والعازف: اللاعب بها والمُغَنِّي([2040]).
وقيل: عزف - بفتح فسكون-: مصدر عزف: اللعب بآلات العزف: أي الموسيقى: كالعود، والطنبور، ونحوهما([2041]).
ثانياً: الأدلة على منع وتحريم الغناء والمعازف:
1- قال اللَّه تعالى للشيطان: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ أي: استخف واستجهل([2042])، قال مجاهد في قوله: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾([2043]): قال: باللهوِ والغِناء، وقال ابن عباس ب: «صوته: كل داعٍ دعا إلى معصية اللَّه - عز وجل -».
2- قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه بِغَيْرِ عِـلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُـــــنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾([2044]).
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
قيل: «معنى ذلك: من يختار لهو الحديث ويستحبّه»([2045])، وقيل: «أي يستبدل ويختار الغناء، والمزامير، والمعازف على القرآن»([2046]).
وأما قوله تعالى: «لَهْوَ الْحَدِيثِ»، فقال عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -: «الغناء والذي لا إله إلا هو، يُرَدِّدُها ثلاث مرات»([2047]).
وقال عبد اللَّه بن عباس ب: «الغناء وأشباهه»، وفي رواية عنه أيضاً، قال: «باطل الحديث: هو الغناء ونحوه»([2048]).
وقال جابر بن عبد اللَّه ب: «هو الغناء، والاستماع له»([2049]).
وفسَّر الإمام مجاهد : (لَهْوَ الْحَدِيثِ) بـ(الغناء)، وفي رواية عنه: «المغني، والمغنية بالمال الكثير، أو الاستماع إليه، أو إلى مثله من الباطل»، وفي رواية عنه: «عَنَى باللهو: الطبل»([2050])، وفسَّر عكرمة : (لَهْوَ الْحَدِيثِ) بالغناء([2051])، وقال الإمام القرطبي ؒ في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾([2052]) (من) في موضع رفع بالابتداء، و«لَهْوَ الْحَدِيثِ» الغناء في قول ابن مسعود، وابن عباس، وغيرهما، ثم بسط الكلام في تفسير هذه الآية، ثم قال: المسألة الثانية: وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرِّك النفوس، ويبعثها على الهوى والغزل، والمجون، الذي يحرك الساكن، ويبعث الكامن، فهذا النوع إذا كان في شعر يُشبَّب([2053]). فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهن، وذكر الخمور والمحرّمات، لا يختلف في تحريمه؛ لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح: كالعرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، كما كان في حفر الخندق، وحدو أنجشة، وسلمة بن الأكوع، فأما ما ابتدعته الصوفية اليوم من الإدمان على سماع الأغاني بالآلات المطربة من الشبّابات، والطار، والمعازف، والأوتار فحرام». انتهى([2054])، قال شيخنا الإمام ابن باز : معلقاً على كلام القرطبي هذا: «وهذا الذي قاله القرطبي كلام حسن، وبه تجتمع الآثار الواردة في هذا الباب»([2055]).
3- وقال اللَّه تعالى: ﴿أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾([2056]).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾، قال ابن عباس ب: «هو الغناء، وهي يمانية: يقولون: اسمد لنا: تغَنَّ لنا»، وفي رواية عن ابن عباس ب قال: «السامدون: المغنُّون بالحميرية»، وكذا قال عكرمة، وقال الضحاك: «السمود: اللهو واللعب»([2057]).
4- قال اللَّه - عز وجل -: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾([2058]).
قوله: ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، قال مجاهد: لا يسمعون الغناء »، قال الإمام الطبري :: «فإذا كان ذلك كذلك، فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يُقال: والذين لا يشهدون شيئاً من الباطل: لا شِركاً، ولا غِناءً، ولا كذباً ولا غيره، وكلّ ما لزمه اسم الزور؛ لأن اللَّه عمّ في وصفه إياهم أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يُخَصَّ من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل»([2059]).
5- قال اللَّه تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾([2060]) ، قال عبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن عمر - رضي الله عنهم -: «المكاء»: التصفير، و«التصدية»: التصفيق»([2061]).
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي: «﴿وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾ أي: صفيراً وتصفيقاً، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه»([2062]).
6- عن أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ - رضي الله عنه - عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ،وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ([2063]) يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ يَأْتِيهِمْ - يَعْنِي الْفَقِيرَ- لِحَاجَةٍ، فَيَقُولُونَ: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمْ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([2064]).
7- وعن شَبِيب بن بشر البجلي، قال: سَمِعْتُ أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: قال رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: مِزْمَارٌ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَرَنَّةٌ عِنْدَ مُصِيبَةٍ»([2065]).
8- وعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرٍو ب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَى أُمَّتِي: الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْمِزْرَ، وَالْكُوبَةَ، وَالْغبيراء، وَزَادَنِي صَلَاةَ الْوَتْر»([2066]).
والمزر: هونبيذٌ يُتَّخَذُ من الذُّرَة . وقيل : من الشَّعِير أو الحِنْطَةِ([2067])، والكوبة: هي النَّرْد، وقيل : الطَّبْل، وقيل: البَرْبَط [آلة موسيقية]([2068]). والغبيراء: ضَرْب من الشَّراب يتَّخِذه الحَبش من الذُّرَة، وهي تُسكِرُ ([2069]).
9- وعن أَبَي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَيَشْرَبَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمُ بالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّه بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ»([2070]).
10- عَنْ جَابِرٍ بن عبد اللَّه ب قَالَ:أخَذَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بيدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رضي الله عنه -، فَانْطَلَقَ بهِ إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَأخَذه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَه فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أتبكي؟ أولم تَنْهَنَا عَنِ الْبُكَاءِ؟ قَالَ: «لَا ولكن نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ: خَمْشِ وُجُوهٍ، وشَقِّ جُيُوبٍ، وَرَنَّةِ([2071]) شَيْطَانٍ»([2072]).
ولفظ أبي داود الطيالسي: «لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتِ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ: مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِبٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ: شَقِّ الْجُيُوبِ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ»([2073])، ومعنى: «وإنما هذه رحمة: يعني دمع العين عند المصيبة».
11- عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ب قال: قال رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْخَمْرَ، وَالْمَيْسِرَ، وَالْكُوبَةَ»، وَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»([2074]) ولفظ أبي داود: «إِنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَيَّ - أَوْ حُرِّمَ-: الْخَمْرُ، وَالْمَيْسِرُ، وَالْكُوبَةُ»([2075])،.قَالَ: «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»([2076]).
12- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «... كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ المسْلِمُ بَاطِلٌ: إِلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، وَمُلاَعَبَتَهُ أَهْلَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ»([2077]).
13- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللَّه - عز وجل - بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْحَقَ الْمَزَامِيرَ، وَالْكَبَارَاتِ، -يَعْنِي الْبَرَابِطَ- وَالْمَعَازِفَ، وَالْأَوْثَانَ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»([2078])، ولفظ أبي داود الطيالسي: «إنَّ اللَّه - عز وجل - بَعَثَنِي هُدًى، وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ: الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالأَوْثَانِ، وَالصُّلُبِ، وَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ»([2079]).
14- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ :«الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ»([2080])..
ثالثاً: أقوال الصحابة - رضي الله عنهم - في ذم الغناء وآلات اللهو والتحذير من ذلك، ومنها ما يأتي:
1- أمير المؤمنين أبو بكر - رضي الله عنه -، سمّى الغناء مزامير الشيطان فَعَنْ عَائِشَةَ ل قَالَتْ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الْأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ([2081])، قَالَتْ وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»([2082])، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية للبخاري: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «دَعْهُمَا» فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا»([2083]).
وفي رواية للبخاري ومسلم أيضاً: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضي الله عنه - دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُغَنِّيَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَرَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - مُسَجًّى([2084]) بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ، وَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»([2085]).
فلم ينكر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر - رضي الله عنه - تسمية الغناء مزامير الشيطان، وأقرّ الجاريتين معلّلاً تركهما بأنها أيام عيد.
وإذا كان الغناء بأشعار الشجاعة والحروب من مزامير الشيطان، فكيف بأشعار الخلاعة والمجون التي هي غالب بضاعة أهل الإذاعات، وأكبر مقاصد الأكثرين من المتخذين لآلات اللهو والمعازف؟!([2086]).
2- أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، «فعَن عَبْدِ اللَّه بْنِ بُرَيْدَةَ قَال: سَمِعْتُ بُرَيْدَةَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللَّه صَالِحاً أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ، وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فَلَا»، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ، وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ، وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ، فَأَلْقَتْ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا، ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتْ الدُّفَّ»([2087]).
وعن عائشة ل قالت: كانَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - جَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا، وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ([2088])، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، تَعَالَيْ فَانْظُرِي»، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: «أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ؟» قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَا؛ لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ، قَالَتْ: فَارْفَضَّ([2089]) النَّاسُ عَنْهَا، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ» قَالَتْ فَرَجَعْتُ([2090]).
3- أمير المؤمنين عُثْمَانُ بنُ عفَّان - رضي الله عنه -، فعَنْ عثمان بن صهبان قال: سمعت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقول: «وَاللَّه مَا تَغَنَّيْتُ، وَلاَ تَمَنَّيْتُ»([2091]).
4- أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فقد ذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه قال:لما انصرف علي - رضي الله عنه - من النهروان([2092]) قام في الناس خطيباً، فذكر خطبة طويلة بليغة فيها: «ومجالس اللهو تُنسي القرآن، ويحضرها الشيطان، وتدعو إلى كلِّ غيٍّ» ([2093]).
5- أبو الدرداء - رضي الله عنه -، قال: «الشعر مزامير إبليس»([2094])، وذكر الطبري عن ابن مسعود: «الشعر مزامير الشيطان» يعني الشعر المحرم([2095]).
6- عائشة ب أنها رأت مغنياً يغني في بيت بنات أخيها، فَمَرَّتْ بِهِ عَائِشَةُ ب فَرَأَتْهُ يَتَغَنَّى، وَيُحَرِّكُ رَأْسَهُ طَرَبًا، وَكَانَ ذَا شَعْرٍ كَثِيرٍ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ ب: «أُفٍّ شَيْطَانٌ أَخْرِجُوهُ أَخْرِجُوهُ فَأَخْرَجُوهُ»([2096]).
وغير هؤلاء من الصحابة كثير، ذمُّوا الغناء وآلات اللهو.
وكذلك جاء عن أُمّةٍ كثيرة من التابعين وأتباعهم ذم الملاهي والأغاني([2097]).
رابعاً: الأئمة الأربعة يمنعون من الغناء،ويذمونه وجميع الملاهي:
1- الإمام أبو حنيفة : كما ذكر عنه ابن القيم :([2098])، «يكره الغناء، ويجعله من الذنوب»([2099]).
2- الإمام مالك :، نهى عن الغناء، وعن استماعه، وسئل مالك :: عمّا يرخّص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق»([2100]).
3- الإمام الشافعي :([2101]): قال: «إن الغناء لهوٌ مكروه يشبه الباطل، والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه تُرَدُّ شهادتُه».
4- الإمام أحمد : قال عبداللَّه ابنه: «سألت أبي عن الغناء، فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق» ([2102]).
خامساً: علماء الإسلام يذمُّون الغناء والملاهي المحرمة:
1- الإمام أبو عمرو بن الصلاح :: «حكى الإجماع على تحريم السماع الذي جمع: الدّفَّ، والشبَّابةَ، والغناء، فقال في فتاويه: وأما إباحة السماع، وتحليله، فليُعْلَمْ أن الدُّفَّ، والشبَّابة، والغناء إذا اجتمعت، فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب، وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يُعتدُّ بقوله في الإجماع والاختلاف، أنه أباح هذا السماع...»([2103]).
2- شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ؒ، فقد حكى اتفاق العلماء على المنع من آلات اللهو، والاستئجار عليها عند الأئمة الأربعة، وقال في ردِّه على الرافضي: «الأئمة الأربعة متفقون على تحريم المعازف التي هي آلات اللهو: كالعود ونحوه، ولو أتلفها متلف عندهم لم يضمن صورة التالف، بل يحرم عندهم اتخاذه...»([2104]).
3- الإمام الفقيه المحدِّث محمد بن مفلح المقدسي :: «نقل عن القاضي عياض أنه ذكر الإجماع على كفر مستحلّ الغناء»([2105]).
وقال :: «وَلَا يُكْرَهُ دُفٌّ فِي عُرْسٍ...وَيُكْرَهُ لِرَجُلٍ لِلتَّشَبُّهِ، وَيُحَرَّمُ كُلُّ مَلْهَاةٍ سِوَاهُ، كَمِزْمَارٍ، وَطُنْبُورٍ، وَرَبَابٍ، وَجُنْكٍ»([2106]).
4- أبو الطيب طاهر بن عبد اللَّه الطبري، قال: «... أجمع علماء الأمصار على كراهية الغناء والمنع منه»([2107]).
5- الإمام أبو بكر بن قيم الجوزية، قال :: «ومن مكايد عدو اللَّه ومصايده التي كاد بها من قَلَّ نصيبه من العلم، والعقل، والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين: سماع المُكَاءِ، والتَّصْدِيَةِ، والغِنَاءِ بالآلات المحرَّمة؛ الذي يَصُدُّ القلوبَ عن القرآن، ويجعلها عاكفةً على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللّواط، والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غايةَ المُنَى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسَّنه لها مَكْراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشُّبَه الباطلة على حسنِه، فقبلتْ وحيَه، واتَّخذت لأجله القرآن مهجوراً». إلى أن قال ::
«ولقد أحسن القائل حين قال:
تُلِيَ الكتابُ فأطْرَقُوا لا خِيَفَةً | لَكِنًّهُ إِطْرَاقُ سَاهٍ لاَهِي | |
وَأتَى الْغِنَاءُ فَكَالحَمِيرِ تَنَاهَقُوا | وَاللَّه مَا رَقَصُوا لأِجْلِ اللهِ |
وقال آخر:
بَرِئْنَا إِلَى اللَّه مِنْ مَعْشَرٍ | بِهِمْ مَرَضٌ مِنْ سَمَاعِ الغِنَا | |
فَعِشْنَا عَلَى سُنَّةِ المُصْطَفَى | وَمَاتُوا عَلَى تِنْتَنَا تِنْتَنَا |
ولم يزل أنصار الإسلام، وأئمة الْهُدَى، تصيح بهؤلاء من أقطار الأرض، وتُحذِّر من سلوك سبيلهم، واقتفاء آثارهم من جميع طوائف الملة»([2108]).
6- الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :، قال: «الأدلة من الكتاب والسنة تحرم الأغاني، والملاهي، وتحذر منها»([2109]).
7- العلامة محمد بن صالح العثيمين :، قال: «ويجتنب المعازف، وهي آلات اللهو بجميع أنواعها، كالعود، والربابة، والقانون، والكمنجة، والبيانو، والكمان وغيرها؛ فإن هذه حرام، وتزداد تحريماً وإثماً إذا اقترنت بالغناء بأصوات جميلة، وأغانٍ مثيرة»([2110]).
سادساً: أسماء الغناء والمعازف وآلات اللهو، جاءت أسماء للسماع الشيطاني تضاد السماع الرحماني، وهي على النحو الآتي:
1- اللهو، 2- الزور، واللغو، 3- الباطل، والغناء: باطل، 4- المكاء والتصدية، 5- رقية الزنا، قال يزيد بن الوليد: «الغناء داعية الزنا»([2111])، 6- الغناء: ينبت النفاق في القلب»([2112])، 7- الغناء قرآن الشيطان، ذكر ذلك عن التابعين وغيرهم، قال الإمام ابن القيم :: «وأما كون المزمار مؤذنه، ففي غاية المناسبة؛ فإن: الغناء قرآنه، والرقص والتصفيق اللذين هما المكاء والتصدية صلاته، فلا بد لهذه الصلاة من مؤذن، وإمام، ومأموم، فالمؤذن المزمار، والإمام المغني، والمأموم الحاضرون»([2113]). 8- الغناء الصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وقد تقدم الدليل على ذلك، 9- الغناء صوت الشيطان، 10- الغناء مزمور الشيطان، سمَّاه بذلك أبو بكر - رضي الله عنه -، وأقرَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -([2114]). 11- الغناء: هو السمود([2115]).
أَسْمَاؤُهُ دَلَّتْ عَلَى أوْصَافِهِ | تَبَّاً لِذِي الأَسْمَاءِ والأَوْصَافِ |
وقد ذكر الإمام ابن القيم :: مخازي هذه الأسماء، ووقوعها عليه في كلام اللَّه، وكلام رسوله، والصحابة؛ ليعلم أصحابه وأهله بما به ظفروا، وأيَّ تجارةٍ رابحةٍ خسروا.
فَدَع صَاحِبَ المِزْمَارِ وَالدُّفِّ وَالغِنَا | وَمَا اخْتَارَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّه مَذْهَبَا | |
وَدَعْهُ يَعِشْ فِي غَيِّهِ وَضَلالِهِ | عَلَى تَاتِنَا يَحْيَا وَيُبْعَثُ أَشْيَبَا | |
وَفي تَنْتِنَا يَوْمَ المَعَادِ نَجَاتُهُ | إِلَى الْجَنَّةِ الْحَمْرَاءِ يُدْعَى مُقَرَّبَا([2116]) |
سابعاً: أضرار الغناء ومفاسده:
1- الغناء وآلات اللهو والمزامير واستماع ذلك من كبائر الذنوب كما تقدم، ولا شك أن الكبائر لها أخطار على المسلم في الدنيا والآخرة([2117]).
2- الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، قاله عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه -، وفي رواية عنه: «الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الزَّرْعَ » ([2118])، وقال الإمام أحمد: «الغناء ينبت النفاق في القلب، لا يعجبني»([2119]).
3- الغناء لا يفعله إلا الفساق، قال الإمام مالك :: «إنما يفعله عندنا الفساق»([2120]).
4-الغناء والمزامير وآلات اللهو: بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط اللَّه، قال عمر بن عبد العزيز : لمؤدِّب ولده: «ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن»([2121]).
5- الغناء: مفسدة للقلب، مسخطة للرب، قال الضحاك :: «الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للربِّ»([2122]).
6- الغناء: رائد الفجور، قال الفضيل بن عياض :: «الغناء رائد الفجور»([2123]).
7- محبة الغناء تطرد محبة القرآن من القلب؛ لأن الغناء وحي الشيطان، وقرآنه، فلا تجتمع محبته ومحبة وحي الرحمن وكلامه في قلب عبدٍ أبداً([2124]).
قال الإمام ابن القيم : في الكافية الشافية:
حب الكتاب وحب ألحان الغنا | في قلب عبد ليس يجتمعان([2125]) |
8- الغناء ينافي الشكر للَّه تعالى، فالعبد يجب عليه أن يشكر اللَّه على نعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، فإذا استمع الغناء، والمعازف، وآلات اللهو، أو عمل بذلك، فإنه لم يشكر اللَّه تعالى، بل كفر نعمة اللَّه - عز وجل -.
9- الغناء والمعازف سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة.
10- الغناء وآلات اللهو مجلبة للشياطين؛ فهم قرناء المغنين والمستمعين إلى الغناء، وما كان مجلبة للشياطين فإنه مطردة للملائكة، وفي حديث عائشة لالمتقدم عندما جاء عمر إلى الحبشة وهم يلعبون انفضّ الناس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ»([2126])..
11- الغناء رقية الزنا، وهذه التسمية معروفة عند الفضيل بن عياض :، فقال: «الغناء رقية الزنا»، وقد جاء عن يزيد بن الوليد أنه قال: «يَا بَنِي أُمَيَّةَ، إِيَّاكُمْ وَالْغِنَاءَ، فَإِنَّهُ يُنْقِصُ الْحَيَاءَ، وَيَزِيدُ فِي الشَّهْوَةَ، وَيَهْدِمُ الْمُرُوءَةَ، وَإِنَّهُ لَيَنُوبُ عَنِ الْخَمْرِ، وَيَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ السُّكْرُ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ، فَجَنِّبُوهُ النِّسَاءَ؛ فإِنَّ الْغِنَاءَ دَاعِيَةُ الزِّنَا»([2127]).
فلعَمْرُ اللَّه ، كم من حُرَّةٍ صارت بالغناء من البَغَايَا، وكم من حرٍّ أصــبحَ بــه عبـــداً للصّبـــيان أو الصـــــبايا، وكم مـن غَيــورٍ تبدَّل به اسماً قبيحاً بين البرايا، وكم من ذي غِنَىً وثروةٍ أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا، وكم من مُعافىً تعرَّض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا، وكم أهدى للمشغوف به من أشجانٍ وأحزان، فلم يجد بُدّاً من قبول تلك الهدايا، وكم جَرَّع من غُصَّةٍ، وأزال من نعمة، وجلب من نقمة، وذلك منه من إحدى العطايا، وكم خبَّأ لأهله من آلام منتظرة، وغموم متوقعة، وهموم مستقبلة.
فَسَلْ ذا خِبْرَةٍ يُنبِيكَ عَنْهُ | لِتَعْلَمَ كَمْ خَبَايَا في الزَّوَايَا([2128]) |
12- الغناء ينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السكر، وتقدم في رقية الزنا أن ذلك قاله يزيد بن الوليد، وقد شبّه بعض الشعراء الغناء بالخمر، وأخبر عن تأثيره في النفوس.
وقال الإمام ابن القيم ::
إِنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرُ الْجُسُومِ فَإِنَّهُ | خَمْرُ العُقُولِ مُمَاثِلٌ وَمُضَاهِي | |
فَانْظُرْ إِلَى النَّشْوَانِ([2129]) عِنْدَ شَرَابِهِ | وَانْظُرْ إِلَى النَّسْوَانِ عِنْدَ مَلاَهِي | |
فَاحْكُمْ بِأَيِّ الْخَمْرَتَيْنِ أَحَقُّ | بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّأْثِيمِ عِنْدَ اللَّهِ([2130]) |
13- الغناء والملاهي والمزامير تصدُّ عن ذكر اللَّه، وعن الصلاة، وهذا بعض ما حرمت الخمر والميسر من أجله، وهذا واضحٌ بيِّنٌ لجميع العقلاء الأذكياء.
وهناك أضرار أخرى لا تُحصر، فيجب على كل مسلم أن يبتعد عن الغناء المحرم، وآلات اللّهو والطرب، واللَّه المستعان([2131]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين للعمل بكتابه، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يسدد ولاة أمر المسلمين بمنع المفسدين من الإفساد، والأخذ على أيديهم، وإلزامهم بالحق، وأن يجعل أعمالنا جميعاً خالصة لوجهه الكريم، وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.
حرر يوم السبت 23/ 4/ 1438هـ.
& & &
52-وسائل تجلب المحبة والألفة بين الأسر والزملاء والأقران
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى من يراه من المسلمين، حفظه اللَّه تعالى، وغفر له، ولوالديه، وأمدَّ اللَّه في عمره على طاعته.
السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته، أما بعد:
فاللَّه أسأل لكم التوفيق، والسداد، والعفو، والعافية في الدنيا والآخرة.
إخواني هذه وسائل تجلب المحبة، والألفة بين الأُسَرِ، والزملاء، والأقران كتبتها لنفسي، ولمن شاء من إخواني المسلمين، أسأل اللَّه أن ينفعني بها، وينفع بها من اطلع عليها، وهي على النحو الآتي:
أولاً: لا يُقدم الإنسان على عملٍ، أو يترك عملاً إلا وقد نظر هل هذا الأمر يقربه من اللَّه ، ويرضي اللَّه - عز وجل - حتى لو حصل عليه فيه مشقة، وعدم رغبة، لقول اللَّه الكريم: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾([2132])، وفي الحديث: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ل أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلاَ تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّه بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّه مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّه وَكَلَهُ اللَّه إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ عَلَيْك»([2133])، وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّه بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ، وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّه سَخَطَ اللَّه عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ»([2134]).
ثانياً: الإنسان ليس بمعصوم، قد يخطئ ويزلُّ، فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»([2135]) ، فليس هناك على الأرض معصوم إلا نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع الصحابة، ومن عصمه اللَّه - عز وجل -.
ثالثاً: العفو والصفح، فقد قال اللَّه تعالى في صفات المتقين: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّه يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾([2136]) ، وعنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّه قَالَ «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّه - عز وجل - عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّه مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ»([2137]) ، ويقتدي برسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - في عفوه، وصفحه، وإحسانه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّه إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّه »([2138]) ، وهذا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة، وأتم التسليم، يقول لإخوته الذين ألقوه في البئر: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّه لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾([2139]).
رابعاً: يحتسب الإنسان ما حصل له من المشقة، ومخالفة هوى النفس، وكظم الغيظ على اللَّه - عز وجل -، بأن يثيبه، ويصلح شأنه وأحواله، ويرفع مكانته في الدنيا والآخرة، ويجازيه على ذلك أكمل الجزاء؛ لأن في كظم الغيظ، والعفو عند المقدرة مشقة على النفس.
خامساً: لا يُلْزِمُ غَيرَهُ برأيه، ولو كان هو على صواب، وحق واضح، إلاّ زوجته، وأولاده، ومن ولّاه اللَّه أمرهم، فإن الإلزام بالرأي بغير رغبة المُلزَم يسبب الفرقة، والشحناء، والعداوة، والبغضاء، فإن الخلاف يحصل حتى بين العلماء الكبار، على حسب ما أعطى اللَّه كل واحد منهم من العلم، والفهم، ثم لا يلزم بعضهم بعضاً بما يرى، بل يتفرقون من المجلس الواحد، وقلوبهم سليمة على بعضهم؛ لأن المصيب منهم له أجران، والمخطئ للصواب له أجر واحد، على حسب نياتهم.
سادساً: الشورى لها شأن عظيم، فالعمل الذي يقتضي دخول أكثر من اثنين فيه يؤخذ بمبدأ الشورى لقول اللَّه تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾([2140]) ، وقال اللَّه تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه إِنَّ اللَّه يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾([2141]) ، فإن لم تحصل الموافقة على ما يريد الإنسان، فكذلك لا يسبب ذلك شحناء، بل يقوم بالعمل الذي يراه، ويعفو عمن لم يوافقه على رأيه.
سابعاً: سلامة الصدر، وطهارة القلب مطلوبة من كل مسلم صادق؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ، النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»([2142]) ، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّه يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ، ذَكَرَ اللَّه - عز وجل - وَكَبَّرَ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّه إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ، وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ لَكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّه إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ»([2143]).
ثامنا: إحسان العمل في ما بين العبد وبين اللَّه بالقيام بالواجبات، والابتعاد عن المحرمات إخلاصاً للَّه تعالى، فإن العبد إذا أصلح ما بينه وبين اللَّه ، أصلح اللَّه ما بينه وبين الناس، وفي كِتَابِ عُمَرَ بن الخطاب إِلَى أَبِي مُوسَى ب قَالَ: «...إِيَّاكَ وَالضَّجَرَ، وَالْقَلَقَ، وَالتَّأَذِّيَ بِالنَّاسِ، وَالتَّنَكُّرَ بِالْخُصُومِ فِي مَوَاطِنِ الْحَقِّ الَّتِي يُوجِبُ اللَّه تَعَالَى بِهَا الأَجْرَ، وَيَكْسِبُ بِهَا الذُّخْرَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُصْلِحْ سَرِيرَتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، أَصْلَحَ اللَّه مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ تَزَيَّنَ لِلنَّاسِ بِمَا يَعْلَمُ اللَّه مِنْهُ خِلاَفَ ذَلِكَ، يُشِنْهُ اللَّهُ، فَمَا ظَنُّكَ بِثَوَابِ غَيْرِ اللَّه فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَخَزَائِنِ رَحْمَتِهِ، وَالسَّلاَمُ»([2144]) ، وعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْنِ عُتَبَةَ قَالَ : «كَانَ أَهْلُ الْخَيْرِ يَكْتُبُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ، وَتَلَقَّاهُنَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: مَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ، كَفَاهُ اللَّه دُنْيَاهُ، وَمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّه أَصْلَحَ اللَّه مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَمَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَهُ أَصْلَحَ اللَّه علاَنِيَتَهُ»([2145]).
واللَّه أسأل لنا ولجميع المسلمين التوفيق، والسداد، والعفو، والعافية في الدنيا والآخرة، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، ويجيرنا من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة.
وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
حرر في الأحد 11/ 1/ 1439هـ
& & &
53-أسباب المعاصي وأنواعها
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي تسبب الهلاك؟، والدمار، والهزائم، والخذلان، والزلازل، والمحن، والأمراض التي لم تكن في الأسلاف، والمعاصي في الاصطلاح الشرعي: هي ترك المأمورات، وفعل المحظورات، فتبين بذلك أن المعاصي هي ترك ما أمر اللَّه به أو أمر به رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفعل ما نهى اللَّه عنه، أو نهى عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم -: من الأقوال، والأعمال، والمقاصد الظاهرة والباطنة([2146])، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾([2147])، وقال I: +وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَـهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا_([2148])، وقال - عز وجل -: +وَمَن يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا_.
والمعاصي لها أسباب كثيرة تحصل بسببها، وتكثر، وتقل بذلك، وهذه الأسباب نوعان، على النحو الآتي:
النوع الأول: الابتلاء بالخير، والشر، والابتلاء بالمال، والولد، وقد تكون الفتنة أعمَّ مما تقدّم، قال اللَّه - عز وجل -: +وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا_([2149])، وهذه الفتن وغيرها مما في معناها تكون من أسباب النجاة عند النجاح في الاختبار، وتكون من أسباب المعاصي والهلاك عند الإخفاق والرسوب في الامتحان، واللَّه نسأل التوفيق والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.
النوع الثاني: أسباب الوقوع في المعاصي، وهي: ضعف الإيمان واليقين باللَّه - عز وجل -، والجهل به سبحانه، والشبهات، والشهوات، والشيطان من أعظم أسباب الوقوع في المعاصي: لأنه أخبث عدو للإنسان، وهو يريد أن يظفر بالإنسان في عقبة من عقبات سبع بعضها أصعب من بعض:
العقبة الأولى: عقبة الكفر والشرك باللَّه وبدينه، ولقائه، وبصفات كماله، وبما أخبرت به رسله عنه، فإنه إن ظفر به في هذه العقبة بردت نار عداوته واستراح، فإن نجا العبد من هذه العقبة طلبه على:
العقبة الثانية: عقبة البدعة، إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل اللَّه به رسوله - صلى الله عليه وسلم -،وإما بالتعبّد بما لم يأذن به اللَّه من الأمور المحدثة في الدين التي لا يقبل اللَّه منها شيئاً، فإن وفّق اللَّه العبد لقطع هذه العقبة طلبه الشيطان على:
العقبة الثالثة: عقبة الكبائر، فإن ظفر به فيها زيّنها له، وحسَّنها في عينه، فإن قطع العبد هذه العقبة بتوفيق اللَّه طلبه على:
العقبة الرابعة: عقبة الصغائر، فكال له منها بالمكاييل العظيمة، ولا يزال يهوِّن عليه أمرها حتى يُصِرَّ عليها، فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه، فالإصرار على الذنب أقبح منه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، فإن نجا العبد من هذه العقبة طلبه الشيطان على:
العقبة الخامسة: عقبة المباحات التي لا حرج فيها، فيشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التزوّد لمعاده، ثم طمع فيه أن يستدرجه منها إلى ترك السنن، ثم مِنْ ترك السُّنن إلى ترْك الواجبات، وأقل ما ينال منه تفويت الأرباح والمكاسب العظيمة، فإن نجا من هذه العقبة ببصيرة تامة، ونور هادٍ، ومعرفة بقدر الطاعات، طلبه على:
العقبة السادسة: عقبة الأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، فأمره بها وحسَّنها في عينه، وزيَّنها له؛ ليشغله بها عما هو أفضل منها وأعظم كسباً وربحاً، فشغله بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، فإن نجا من هذه العقبة بفقه الأعمال ومراتبها عند الله، ومنازلها في الفضل، لم يبق هناك عقبة يطلبه عليها سوى واحدة لابد منها، وهي:
العقبة السابعة: تسليط جنده عليه بأنواع الأذى، باليد، واللسان، والقلب على حسب مرتبته في الخير، فكلما علت مرتبته أجلب عليه العدوّ بخيله ورجله، وظاهر عليه بجنده، وسلّط عليه حزبه وأهله بأنواع التسليط، وهذه العقبة لا حيلة له في التخلص منها؛ فإنه كلما جدَّ في الاستقامة والدعوة إلى اللَّه جدّ العدوّ في إغراء السفهاء به، واللَّه المستعان، وعليه التكلان([2150]).
ولا شك أن أصول المعاصي ثلاثة: الكِبْر: وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحِرْص: وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحَسَد: وهو الذي جرَّأَ أحد ابني آدم على أخيه، فمن وُقِيَ شر هذه الثلاثة فقد وُقِيَ الشر، فالكفر من الكِبْر، والمعاصي من الحِرص، والبغي والظلم من الحسَد »([2151]).
والمعاصي لها أقسام:
القسم الأول: الذنوب الملكية: وهي أن يتعاطى الإنسان ما لا يصلح له من صفات الربوبية: كالعظمة، والكبرياء، والجبروت، والقهر، والعلو، واستعباد الخلق، ونحو ذلك.
والقسم الثاني: الذنوب الشيطانية التي يتشبه الإنسان بالشيطان في عملها، فالتشبه بالشيطان: في الحسد، والبغي، والغش، والغل، والخداع، والمكر، والأمر بمعاصي الله، وتحسينها، والنهي عن طاعة الله، وتهجينها، والابتداع في الدين، والدعوة إلى البدع والضلال، وهذا القسم يلي القسم الأول في المفسدة، وإن كانت مفسدته دونه.
والقسم الثالث: الذنوب السبعية: ذنوب العدوان، وهي الذنوب التي يشبه الإنسان في فعلها السباع، وهي ذنوب العدوان، والغضب، وسفك الدماء، والتوثّب على الضعفاء والعاجزين، والاستعلاء عليهم، وظلمهم، وقهرهم، ويتولّد من هذا القسم أنواع أذى النوع الإنساني، والجرأة على الظلم والعدوان، والطغيان.
والقسم الرابع: الذنوب البهيمية: وهي الذنوب التي يشبه الإنسان في فعلها البهائم، مثل: الشره، والحرص على قضاء شهوة البطن والفرج، ومنها يتولّد الزنا، والسرقة، وأكل أموال اليتامى، والبخل، والشحّ، والجبن، والهلع، والجزع، وغير ذلك، وهذا القسم أكثر ذنوب الخلق؛ لعجزهم عن الذنوب الملكية، والسبعية، ومن هذا القسم يدخلون إلى سائر الأقسام، فهو يجرّهم إليها بالزّمام([2152]).
ولا شك أن المعاصي نوعان: كبائر، وصغائر، قال الإمام ابن القيم :: «وقد دلّ القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة والتابعين بعدهم، والأئمة على أن من الذنوب كبائر وصغائر»([2153])، قال اللَّه - عز وجل -: +إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا_([2154])، وقال - عز وجل -: +الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ_([2155])، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: أيّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل للَّه نِدّاً وهو خلقك»، قلت: إن ذلك لعظيم. قال قلت: ثم أيُّ؟ قال: «ثم أن تقتل ولدَك مخافةَ أن يَطعمَ معك»، قال: قلت: ثم أيُّ؟ قال: «ثم أن تزاني حَليلةَ جارك»([2156]).
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين»، وجلس وكان متكئاً فقال: «ألا وقول الزور»، فمازال يكرّرها حتى قلنا: ليته سكت([2157]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفِّرات لما بينهن إذا اجتُنِبَتِ الكبائر»، وفي رواية: «ما لم تُغْشَ الكبائر»([2158]).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول اللَّه وما هنّ؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم اللَّه إلا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»([2159]).
والصواب: أن الكبائر كل ذنب ترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، أو تُوعِّد عليه بالنار، أو اللعنة، أو الغضب، أو العقوبة، أو نفي إيمان، وما لم يترتّب عليه حدٌّ في الدنيا، ولا وعيدٌ في الآخرة، فهو صغيرة([2160])، ولكن قد تكون الصغائر من الكبائر لأسباب، منها:
1 - الإصرار والمداومة عليها، كما في قول ابن عباس ب: «لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار»([2161])،
2 - استصغار المعصية واحتقارها، فعن عائشة ل قالت: قال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «يا عائشة إيَّاكِ ومُحقرَاتِ الأعمال فإن لها من اللَّه طالباً»([2162])، وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال:قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن وادٍ فجاء ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ،حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه»([2163])، وعن عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه فقال به هكذا»، قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه([2164]).
3 - الفرح بالصغيرة والافتخار بها، كأن يقول ما رأيتني كيف مَزَّقت عِرض فلان، وذكرت مساويه حتى خجَّلته، أو خدعته، أو غبنته.
4- أن يكون عالماً يُقتدى به.
5 - إذا فعل الذنب ثم جاهر به؛ لأن المجاهر غير معافى([2165])؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّه عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّه عَنْهُ»([2166])، فينبغي لكل مسلم أن يبتعد عن جميع الذنوب صغيرها وكبيرها؛ ليكون من الفائزين في الدنيا والآخرة.
والمعاصي شرها عظيم، وسيأتي إن شاء اللَّه الكلام على ذلك في المقال الثاني، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
54-أضرار المعاصي على القلوب
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي لها أضرار على القلوب، إذا تمكنت منها أمرضتها، أو أهلكتها، أو أفسدتها، وهي على النحو الآتي:
1 - ضرر المعاصي على القلب كضرر السموم على الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرٌّ وداءٌ إلا سببه الذنوب والمعاصي؟([2167]).
2 - حرمان العلم؛ فإن العلم نور يقذفه اللَّه في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور، وتُعمي بصيرة القلب، وتسدُّ طرق العلم، وتحجب موارد الهداية، قال اللَّه - عز وجل -: +فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ_([2168])، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: «إني أرى اللَّه قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بظلمة المعصية»([2169])، وقال الشافعي ::
شكوتُ إلى وكيعٍ سُوءَ حِفظي | فأرشدني إلى ترك المعاصي | |
وأخبرني بأن العلم نورٌ | ونورُ اللَّه لا يُهدَى لعاصي([2170]) |
3 - الوحشة في القلب بأنواعها: وحشة بين العاصي وبين ربه، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين الخلق، وكلّما كثرت الذنوب اشتدّت الوحش.
4 - الظلمة في القلب؛ فإن العاصي يجد ظلمة في قلبه حقيقة يُحسّ بها كما يُحسّ بظلمة الليل البهيم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسِّية لبصره؛ فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع، والضلالات، والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً فيه يراه كل أحد([2171])،قال عبد اللَّه بن عباس ب: «إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق»([2172]).
5 - تُوهن القلب وتُضعفه. أما وهن القلب؛ فإن المعاصي لا تزال تُوهنه حتى تُزيل حياته بالكلية([2173]).
وأما ضعف القلب؛ فإن المعاصي تُضعفه من عدّة وجوه، هي:
الوجه الأول: تُضعف في القلب تعظيم الربّ Y، وتُضعف وقاره في قلب العبد ولابدّ شاء أم أبى.
الوجه الثاني: تُضعف المعصية إرادة الخير في قلب العبد، وتُقوّي إرادة المعصية، فتُضعف في قلبه إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكليّة.
الوجه الثالث: تضعف سير القلب إلى اللَّه والدار الآخرة، أو تعوقه أو توقفه وتقطعه عن السير، فالذنب إما أن يُميت القلب، أو يُمرضه مرضاً مخوِّفاً، أو يُضعف قوته ولابد.
6 - تحجب القلب عن الربّ في الدنيا، والحجاب الأكبر يوم القيامة، كما قال اللَّه - عز وجل -: +كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ*كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّـمَحْجُوبُونَ_([2174])، فكانت الذنوب حجاباً بينهم وبين قلوبهم، وحجاباً بينهم وبين ربهم وخالقهم([2175]).
7 - يألف المعصية، فينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، وخلقاً يتصف به.
8 - هوان المعاصي على المصرّين عليها، فلا يزال العبد يرتكب المعاصي حتى تهون عليه، وتصغر في قلبه وعينه، وذلك علامة الهلاك؛ لأن الذنب كلما صغر في قلب العبد وعينه عَظُم عند اللَّه تعالى.
9 - تُورث الذلّ، فإنّ العزّ كلّ العزّ في طاعة اللَّه - عز وجل - ،والذلّ كلّ الذلّ في معصية اللَّه I،قال اللَّه - عز وجل -:+مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَللَّه الْعِزَّةُ جَمِيعًا _([2176])، وقال - عز وجل -: +وَللَّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْـمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ _([2177]).
10 - تُفسد العقل وتُؤثر فيه؛ فإن للعقل نوراً، والمعصية تُطفئ نور العقل.
11 - تطبع على القلب، فإذا تكاثرت طبعت على قلب صاحبها، فكان من الغافلين.
12 - الذنوب تطفئ غيرة القلب؛ فإنّ أشرف الناس وأعلاهم همّةً أشدّهم غيرةً على نفسه وخاصته، وعموم الناس؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أغير الخلق على الأمَّة، واللَّه - عز وجل - أشد غيرة منه؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «أتعجبون من غيرة سعد؟ فواللَّه لأنا أغير منه، واللَّه أغير مني، من أجل غيرة اللَّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحبّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث اللَّه المرسلين مُبشّرين ومُنذِرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد اللَّه الجنة»([2178])، وعن عائشة ل أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أُمة محمد ما أحد أغير من اللَّه أن يرى عبده أو أمته يزني، يا أُمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً»([2179])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللَّه يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة اللَّه أن يأتي المؤمن ما حرَّم [الله] عليه»([2180])، وعن جابر بن عتيك مرفوعاً: «إن من الغيرة ما يـحـــب الله، ومنـــها ما يُبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يُبغض الله، فأما الغيرة التي يحب اللَّه فالغيرة في ريبة، وأما التي يُبغض اللَّه فالغيرة في غير الريبة، والاختيال الذي يحب اللَّه اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغض اللَّه - عز وجل - الخيلاء في الباطل»([2181])، والمقصود بالغيرة في الريبة: الغيرة في مواضع التهمة والتردّد، فتظهر فائدتها، وهي الرهبة والانزجار، وإن كانت الغيرة بدون ريبة فإنها تورث البغض والفتن([2182])، والاختيال في الصدقة أن يكون سخياً، فيعطي طيبة بها نفسه، فلا يستكثر كثيراً، ولا يعطي منها شيئاً إلا وهو مستقلّ، وأما الحرب: فأن يتقدم فيها بنشاط وقوة وعدم جبن([2183]).
13 - الذنوب تذهب الحياء من القلب، وهو أصل كلّ خير، وذهابه ذهاب الخير كله، فعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «الحياءُ خير كله»، أو قال: «الحياءُ كله خير»([2184])، وعنه - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الحياء لا يأتي إلا بخير»([2185]).
14 - المعاصي تلقي الخوف والرعب في القلوب، فلا ترى العاصي دائماً إلا خائفاً .
15 - تُمْرِضُ القلب، وتَصْرِفُهُ عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، وتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب، ولا دواء لها إلا تركها.
16 - المعاصي تُصغّر النفوس، وتقمعها، وتدسِّيها، وتحقِّرها حتى تصير أصغر شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها.
17 - خسف القلب ومسخه، وعلامة خسف القلب أنه لا يزال جوّالاً حول السفليات، والقاذورات، والرذائل، كما أن القلب الذي رفعه اللَّه ، وقرَّبه إليه لا يزال جوالاً حول العرش، وأما مسخ القلب، فإن من القلوب ما يمسخ بسبب المعاصي، كما تمسخ الصورة، فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه، وأعماله، وطبيعته، فمن القــلوب ما يمسخ على قلب خنزير، لشدة شبه صاحبه به، ومنها ما يمسخ على قلب كلب، أو حمار، أو حية، أو عقرب، ومن الناس من يكون على أخلاق السباع العادية، ومنهم من يتطوَّس في ثيابه كما يتطوَّس الطاووس في ريشه، ومنهم من يكون بليداً كالحمار، وغير ذلك.
18 - المعاصي تُنكّس القلب حتى يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، والمعروف منكراً، والمنكر .
19 - تُضَيِّق الصدر، فالذي يقع في الجرائم، ويُعرض عن طاعة اللَّه يضيق صدره بحسب إعراضه، قال اللَّه - عز وجل -: +فَمَن يُرِدِ اللَّه أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّه الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ_([2186]).
وأضرار المعاصي كثيرة متشعبة، وسيأتي الحديث على ذلك في المقال الثالث، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين
& & &
55-أضرار المعاصي على الأخلاق والدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي لها أضرار وآثار على الأخلاق والدين، إذا اجتمعت على العبد أضعفت دينه، أو أفسدته على حسب نوعها، ودركاتها، وهي على النحو الآتي:
20 - تزرع المعاصي أمثالها، ويولد بعضها بعضاً، حتى يصعب على العبد التخلص منها، كما قال بعض السلف: «إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها».
21 - تَحْرِمُ الطاعة وتُثَبِّطُ عنها.
22 - المعصية سبب لهوان العبد العاصي على اللَّه وسقوطه من عينه، قال الحسن البصري :: «هانوا عليه فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم»([2187])، وإذا هان العبد على اللَّه لم يكرمه أحد، كما قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَن يُهِنِ اللَّه فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ_([2188]).
23 - تُدخل الذنوب العبد تحت لعنة رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لعن على معاصٍ وغيرها أكبر منها، فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة، فلعن: الواشمة والمستوشمة، والواصلة والمستوصلة([2189])، ولعن النامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق اللَّه تعالى([2190])، ولعن آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء([2191])، ومرَّ على حمار قد وُسِمَ في وجهه فقال: «لعن اللَّه الذي وسمه»([2192])، ولعن السارق يسرق البيضة فتُقطع يده، ويسرق الحبل فتُقطع يده([2193])، ولعن من ذبح لغير الله، ومن آوى مُحدِثاً، ومن لعن والديه، ومن غيّر منار الأرض([2194])، ولعن المتشبّهات بالرجال من النساء، والمتشبّهين بالنساء من الرجال([2195])، ولعن الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه [وآكل ثمنها]([2196])، ولعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً يرميه([2197])، ولعن المصور([2198])، ولعن من سبَّ أباه، ومن سبَّ أمه، ومن كمه أعمى عن الطريق، ومن وقع على بهيمة، ومن عمل بعمل قوم لوط([2199])، ولعن الراشي والمرتشي([2200])، ولعن زوّارات القبور والمتّخذين عليها المساجد والسُّرُج([2201])، ولعن من أتى امرأة في دبرها([2202])، وأخبر أن من باتت مهاجرة لفراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح([2203])، وأخبر أن من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه([2204])، وقد لعن اللَّه - عز وجل - في كتابه من آذاه وآذى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ([2205])، ولعن من أفسد في الأرض، ونقض عهد اللَّه وقطع ما أمر اللَّه به أن يوصل ([2206])، ولعن من كتم ما أنزل اللَّه من البينات والهدى ([2207])، ولعن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات بالفاحشة([2208])، ولعن من جعل سبيل الكافرين أهدى من سبيل المؤمنين([2209])، ولعن اللَّه ورسوله على أشياء غير هذه، فلو لم يكن في فعل ذلك إلا رضاء فاعله بأن يكون ممن يلعنه اللَّه ورسوله وملائكته لكان في ذلك ما يدعو إلى تركه، فليبتعد العاقل عن كل معصية حتى ينجو، واللَّه المستعان([2210]).
24 - حرمان دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والملائكة، فإن اللَّه سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وبيّن سبحانه أن الملائكة يستغفرون للذين آمنوا.
25 - والمعاصي تُسبّب نسيان اللَّه لعبده ونسيان العبد نفسه، فإذا نسي اللَّه العبد فهناك الهلاك الذي لا يُـرجى معــه نجاة.
26 - تخرج صاحبها من دائرة الإحسان، فإن من عقوبات المعاصي أن تمنع العاصي ثواب المحسنين، فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي؛ لأن المحسن يعبد اللَّه كأنه يراه، وذلك يحول بينه وبين إرادة المعصية فضلاً عن الوقوع فيها([2211]).
27 - تفوِّت ثواب المؤمنين، ومن فاته ثواب المؤمنين وحسن دفاع اللَّه عنهم فاته كل خير، رتبه اللَّه في كتابه على الإيمان، وهو نحو مائة خصلة كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها.
28 - توجب القطيعة بين العبد والرب، وإذا وقعت القطيعة بين العبد وربه انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر، فأيّ فلاح، وأيُّ رجاء، وأيُّ عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير، وقطع ما بينه وبين وليّه ومولاه الذي لا غنى له عنه طرفة عين([2212]).
29 - المعاصي تجعل صاحبها أسيراً للشيطان، وفي سجن شهواته وقيود هواه، فهو أسير مسجون مقيَّد.
30 - المعاصي تجعل صاحبها من السفلة؛ فإن اللَّه خلق خلقه قسمين: عِلية، وسفلة، وجعل عليين مستقرّ العلية، وأسفل سافلين مستقر السفلة، وجعل أهل طاعته الأعلين في الدنيا والآخرة، وأهل معصيته الأسفلين في الدنيا والآخرة([2213]).
31 - المعاصي تُسْقِط الكرامة، فإن من عقوباتها: سقوط الجاه، والمنزلة والكرامة عند اللَّه - عز وجل -؛ فإن أكرم الخلق عند اللَّه أتقاهم([2214]).
32 - كراهية اللَّه للعاصي، قال اللَّه - عز وجل -: +وَاللَّه لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ_([2215])، وقال - عز وجل -: +إِنَّ اللَّه لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا_([2216]).
والمعاصي أضرارها متعددة، وسيأتي الحديث عن ذلك في المقال الرابع، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
56-أضرار المعاصي على الأبدان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي لها أضرار على أبدان العصاة، تؤثر عليها، وعقوبات تصيب الأبدان، وهي على النحو الآتي:
33 - العقوبات الشرعية، إذا لم تَرُع وتُخوِّف العاصي العقوبات السابقة، ولم يجد لها تأثيراً في قلبه، فلينظر إلى العقوبات الشرعية التي شرعها اللَّه - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على الجرائم، وهي: الحدود، والكفّارات، والتعزيرات.
أما الحدود فهي: قتل المرتدّ، وحدّ الزنا، وحدّ السرقة، وحدّ القذف، وحدّ شرب الخمر، وهذه تحفظ الضرورات الخمس: «حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال»، وما شرع اللَّه - عز وجل - هذه الحدود والقصاص إلا لحفظ هذه الضرورات الخمس.
وأما الكفّارات: فمنها: كفّارة قتل الخطأ، وكفّارة الظهار، وكفّارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الوطء في الإحرام، وفي الحيض، والنفاس، وكفّارة اليمين.
وأما التعزيرات: فهي حسب ما يراه الحاكم المسلم، وأنه يردع ويزجر([2217])، ولا يصل التعزير إلى الحد، إلا إذا كان الجرم عظيماً، فقد يصل التعزير إلى القتل، وذلك حسب القواعد الشرعية، لا على حسب هواه([2218]).
34 - العقوبات القدريّة، وهي نوعان:
نوع على القلوب والنفوس، ونوع على الأبدان والأموال، فالعقوبات القدرية على القلوب: آلام وجودية يضرب بها القلب، وقطع المواد التي بها حياته وصلاحه عنه، وإذا قطعت عنه حصل له أضدادها.
والعقوبات على الأبدان نوعان: نوع في الدنيا، ونوع في الآخرة، والمقصود أن عقوبات السيئات تتنوّع إلى عقوبات شرعية، وعقوبات قدريّة، وهي إمّا في القلب، وإمّا في البدن، وإمّا فيهما، وعقوبات في دار البرزخ بعد الموت، وعقوبات يوم حشر الأجساد مع الأرواح([2219]).
والخلاصة أن العقوبات القدريّة: هي ما يصيب الإنسان في دينه، أو دنياه، أو كليهما: من الفتن، والمحن، والابتلاء، بسائر المصائب على اختلاف أشكالها، وهي على ثلاثة أنواع:
منها ما يكون لرفع الدرجات.
ومنها ما يكون لتكفير السيئات.
ومنها ما يكون عقاباً للإنسان على ظلمه وعدوانه، وعصيانه لربه، وهذه الدرجة الأخيرة عامة للمسلم والكافر، كلٌّ على حسب ذنبه وجرمه([2220]).
35 - والمعاصي تُوهن البدن؛ فإن المؤمن قوته من قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنُه، وأما الفاجر فإنه وإن كان قويَّ البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه، قال الإمام ابن القيم :: «وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها، وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم»([2221]).
والمعاصي لها أضرار كثيرة متنوعة، وسيأتي الحديث على ذلك، إن شاء اللَّه في المقال الخامس، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
57-آثار المعاصي وأضرارها على الأرزاق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن للمعاصي آثاراً خطيرة، وأضراراً جسيمة على الأرزاق، وهي على النحو الآتي:
36 - المعاصي تحرم الرزق، ولا شك أن الرجل قد يُحرم الرزق بالذنب لحديث ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ، وَلَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ»([2222])، وكما أن تقوى اللَّه مجلبة للرزق كما قال سبحانه: +وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ_([2223]).
37 - المعاصي تُزيل النعم، وتحلّ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلّت به نقمة إلا بذنب، كما ذُكر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال: «ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة»([2224])، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ_([2225])، وقال - عز وجل -: +ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ_([2226])، فلا يغيّر اللَّه تعالى نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة اللَّه بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّر غُيِّر عليه جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبي، فإن غيّر المعصية بالطاعة غيَّر اللَّه عليه العقوبة بالعافية، والذلّ بالعزّ، قال اللَّه تعالى: +إِنَّ اللَّه لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّه بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَـهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ_، ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها | فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَم | |
وحطها بطاعة ربِّ العباد | فربُّ العباد سريع النقم([2227]) |
38 – المعاصي تزيل البركة في المال، وقد تُتلفه، ومن ذلك أن من كذب في بيعه وشرائه، وكتم العيوب في السلعة، عُوقب بمحق البركة، فعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدقا وبيّنا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما»([2228])، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى اللَّه عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»([2229])، والمعنى أن من أخذ أموال الناس يريد أداءها فإن اللَّه يفتح عليه في الدنيا، فييسّر له أداءه، أو يتكفّل اللَّه به عنه يوم القيامة، ومن أخذها يريد إتلافها وقع له الإتلاف في معاشه وماله، وقيل: المراد بذلك عذاب الآخرة([2230]).
والمعاصي أضرارها وأخطارها متنوعة، وسيأتي إتمام ذلك إن شاء اللَّه في المقال السادس، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
58-أضرار المعاصي العامة على الفرد والأعمال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي لها أضرار على الأرزاق، والبركات، وهي على النحو الآتي:
39 – تمحق البركات: بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة.
40 - والمعاصي مجلبة للذمّ، فإن من عقوباتها أن تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذمّ والصَّغار.
41 - والمعاصي تجرِّئ على الإنسان أعداءه، وهذا من عقوباتها على فاعلها، فتجرِّئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء، والوسوسة، والتخويف، والتحزين، وإنسائه ما فيه مصلحته، وتجرئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، وتجرئ عليه أهله، وخدمه وأولاده، وجيرانه، وهذا يكفي في قبح المعاصي، واللَّه المستعان([2231]).
42 – والمعاصي تضعف العبد أمام نفسه، وهذا من أعظم عقوبات المعاصي، فإنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإن كل أحد يحتاج إلى معرفة ما ينفعه وما يضره في معاشه ومعاده، وأعلم الناس أعرفهم بذلك على التفصيل.
43 – من أعظم أخطار المعاصي: مكر اللَّه بالماكر، ومُخادعته للمُخادع، واستهزاؤه بالمستهزئ، وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق، وكل ذلك من عقوبات المعاصي، وأضرارها، نسأل اللَّه العفو والعافية([2232]).
44 – المعاصي تسبب المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذاب في الآخرة، كلّ ذلك من عقوبات المعاصي، قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى_([2233]).
45 – المعاصي تسبب للعاصي تعسير أموره عليه، وهذا من أعظم ما يصيب العاصي، فلا يتوجَّهُ لأمر إلا يجده مُغلقاً دونه، أو متعسّراً عليه، وهذا كما أن من اتقى اللَّه جعل له من أمره يسراً.
46 - تُقصِّر المعاصي العمر، وتمحق بركته ولا بدّ؛ فإن البر كما يزيد في العمر، فالفجور يقصّر العمر.
47 – بالمعاصي يرفع اللَّه مهابة العاصي من قلوب الخلق، وهذا من بعض عقوبات المعاصي.
والمعاصي لها آثار على الأعمال: فلاشك أن الأعمال تتأثر في بعض الأحوال بالمعاصي.
48 - فعن ثوبان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لأعلمنَّ أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضاً فيجعلها اللَّه - عز وجل - هباءً منثوراً»، قال ثوبان - رضي الله عنه -: يا رسول اللَّه صفهم لنا، جَلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم اللَّه انتهكوها»([2234])، قلت: ولعل هؤلاء استحلّوا هذه المحارم، أو عملوا عملاً يخرجهم عن الإسلام، أو لهم غرماء أُعطوا هذه الحسنات كلها، واللَّه - عز وجل - أعلم.
49 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة: بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طُرح في النار»([2235]).
وأضرار المعاصي والسيئات لا تحصر، وسيأتي إتمام ذلك، إن شاء اللَّه ، في المقال السابع، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
59-أضرار المعاصي وآثارها المدمرة على المجتمع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن المعاصي لها آثار وأضرار مهلكة على المجتمع، وهي على النحو الآتي:
50 - إهلاك الأمم بسبب المعاصي، ولاشك أن جميع الأضرار في الدنيا والآخرة تحصل بسبب المعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة، والنعيم، والبهجة، والسرور، إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب؟، وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّل بالقرب بُعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظّى، وبالإيمان كفراً؟، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماءُ فوق رؤوس الجبال؟ وما الذي سلّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظّى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم: فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون، وداره، وماله، وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرَّها تدميراً؟ وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟([2236]).
وما الذي مزق أهل سوريا، والعراق، وتونس، وليبيا، واليمن، وغيرها في هذه الأزمان، فدُمِّرت، مساكنُهم، وهُدِّمَت مطاراتُهم، ورُمِّلَت نساؤهم، ويُتِّمَ أطفالُهم، وانتُهِكت الأعراض، وشُرِّدَ كثيرٌ منهم، وأُهْلِكت مَزارعُهم، وثمارُهم، ولاشك أن الذي أصاب هؤلاء جميعاً وأهلكهم هي ذنوبهم ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّه لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾([2237]).
51 - إزالة النعم، فالمعاصي تزيل النعم بأنواعها؛ فإن شكر اللَّه على نعمه يزيدها، قال اللَّه - عز وجل -: +وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد_([2238])، ونعم اللَّه على عباده كثيرة لا تُحصى، كما قال - عز وجل -: +وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّه لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّه لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ_([2239])، +وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّه لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ_([2240])، ومن النعم على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: نعمة الإيمان، وهي أعظم النعم على الإطلاق، ونعمة المال والرزق الحلال، ونعمة الأولاد، ونعمة الأمن في الأوطان، ونعمة العافية في الأبدان([2241])، وهذه النعم وغيرها تزيد بالشكر، وتزول أو تنقص، أو لا يبارك فيها للعبد بالذنوب والمعاصي، والإعراض عن اللَّه - عز وجل -. قال اللَّه - عز وجل -: +وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ _([2242]).
52 – ومن خطر المعاصي نزول العقوبات العامة المهلكة، من ظهور الطاعون، ونزول الأوجاع التي لم تكن في الأسلاف الذين مضوا، والأخذ بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ومنع القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، وتسليط الأعداء، ويجعل اللَّه بأسهم بينهم، فعن عبد اللَّه بن عمر ب قال: أقبل علينا رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: «يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهنّ، وأعوذ باللَّه أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد اللَّه وعهد رسوله إلا سلط اللَّه عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب اللَّه ويتخيروا مما أنزل اللَّه إلا جعل اللَّه بأسهم بينهم»([2243]).
53 - حلول الهزائم، فإن ذلك بأسباب المعاصي والإعراض عن دين اللَّه - عز وجل - ، كما أن من أسباب النصر الطاعة والإقبال على اللَّه I، قال اللَّه - عز وجل -: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّه كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللَّه وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّه وَاللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ_([2244])، وقال سبحانه: +إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ _([2245])، وقال اللَّه - عز وجل -: +وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْـمُؤْمِنِينَ _([2246])، وقال سبحانه: +وَلَيَنصُرَنَّ اللَّه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّه لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ _([2247])، وقال اللَّه - عز وجل -: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّه يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لّـَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَـهُمْ_([2248])، فالأخذ بهذه الأسباب من أعظم أسباب النصر، وتركها من أعظم أسباب حلول الهزائم والخسارة في الدنيا والآخرة([2249]).
54 - المعاصي مواريث الأمم الظالمة، فليحذر المسلم أن يرث المعاصي عن الظالمين، فإن اللوطية: ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص: ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض بالفساد: ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتجبر: ميراث عن قوم هود، وغير ذلك، فالعاصي لابس ثياب هذه الأمم، وهم أعداء اللَّه - عز وجل -([2250]).
55 - المعاصي تؤثر حتى على الدوابّ، والأشجار، والأرض وعلى المخلوقات.
56 - تسبب عذاب القبر، وعذاب يوم القيامة، وعذاب النار، نعوذ باللَّه من ذلك([2251]).
ولا شك أن النجاة من أضرار المعاصي قد بيّنها اللَّه تعالى، وأرشد إليها رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وستأتي إن شاء اللَّه تعالى أسباب السلامة والنجاة من شرور المعاصي في المقال الثامن الآتي، وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
& & &
60-أسباب السلامة والنجاة من أضرار المعاصي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه وعلى آله وأصحابه، ومن والاه. أما بعد:
فإن أسباب السلامة، والنجاة من أضرار المعاصي المهلكة، والمفسدة للأفراد، والمجتمعات تكون على النحو الآتي:
أولاً: بالتوبة النصوح والاستغفار من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، قال اللَّه - عز وجل -: +وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيُّهَا الْـمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ_([2252])، وقال سبحانه: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّه تَوْبَةً نَّصُوحًا_([2253])، وقال - عز وجل -: +قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه إِنَّ اللَّه يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ_([2254])، وقد مدح اللَّه المسارعين إلى التوبة فقال: +وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّه فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّه وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ_([2255])، وقال اللَّه - عز وجل -: +وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّـمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِـحًا ثُمَّ اهْتَدَى_([2256]).
ثانياً: تقوى اللَّه - عز وجل - ، في السر والعلن، وهي أن يعمل العبد بطاعة اللَّه على نور من اللَّه يرجو ثواب الله، ويترك معصية اللَّه على نور من اللَّه يخاف عقاب الله. ويجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه ومن غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك.
ثالثاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال اللَّه - عز وجل -: +وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ﴾([2257])، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعُنُّه فلا يستجيب لكم »([2258])، قَامَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾([2259])، وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابِهِ» ([2260]).
عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ، فَلَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا أَصَابَهُمُ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا» ([2261]).
وقد قال اللَّه - عز وجل -: +فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ_ ([2262]).
رابعاً: الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، في جميع الاعتقادات، والأقوال والأفعال([2263]).
خامساً: الدعاء والالتجاء إلى اللَّه - عز وجل -: فالدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلَّف عنه أثره: إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله؛ لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على اللَّه - عز وجل -، وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، والظلم، ورين الذنوب على القلوب، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو، وإما لعدم توافر شروط الدعاء المستجاب([2264])، والدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء: يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن([2265])، ومقامات الدعاء مع البلاء ثلاثة:
المقام الأول: أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه.
المقام الثاني: أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً.
المقام الثالث: أن يتقاوما، ويمنع كل واحد منهما صاحبه([2266])، فعن ابن عمر ب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد اللَّه بالدعاء »([2267])، وعن سلمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لا يردُّ القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العُمرِ إلا البر »([2268])، الإلحاح في الدعاء من أنفع الأدوية، فالمسلم الصادق يُقبل على الدعاء، ويلزمه، ويُواظب عليه، ويُكرره في أوقات الإجابة، وهذا من أعظم ما يُطلب به إجابة الدعاء([2269]).
وآفات الدعاء التي تمنع ترتّب أثره، أن يستعجل العبد ويستبطئ الإجابة، فيستحسر ويترك الدعاء، وهو بمنزلة من بذر بذراً أو غرس غرساً فجعل يتعهّده ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله([2270])، وأوقات إجابة الدعاء مهمة ينبغي أن يعتني الداعي في دعائه بها، ومن أعظمها: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تُقضى صلاة الجمعة، وآخر ساعة بعد عصر يوم الجمعة، فإذا حضر القلب في هذه الأوقات، وصادف خشوعاً وانكساراً بين يدي الرب، وذلاً له وتضرّعاً ورقّة، واستقبل الداعي القبلة؛ وكان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد اللَّه والثناء عليه، ثم ثنَّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار، ثم دخل على اللَّه وألحّ عليه في المسألة، وتوسّل إليه بأسمائه الحسنى وصفاته، وتوحيده، وقدّم بين يدي دعائه صدقة؛ فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردّ أبداً([2271]).
واللَّه أسأل أن يوفق جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، ويصلح بطانتهم، ويعينهم على أمور دينهم، ودنياهم، ويجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين، ولا مضلين، وأن ينفع بهم الإسلام، والمسلمين، وصلى اللَّه ، وسلم، وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
([1]) أبو داود، برقم 4607، وغيره، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 37.
([2]) لسان العرب، لابن منظور، باب النون فصل السين، 13/225.
([3]) انظر: مباحث في عقيدة أهل السنة، ص13.
([4]) معجم المقاييس في اللغة، لابن فارس، كتاب الجيم، باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوله جيم، ص224.
([5]) إغاثة اللهفان، 1/70.
([6]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، ص68، وشرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، تأليف العلامة محمد خليل هراس، ص61.
([7]) انظر:مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل،ص13-14.
([8]) انظر: فتح رب البرية بتلخيص الحموية، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص10، وشرح العقيدة الواسطية، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص10.
([9]) ابن ماجه، برقم 3992، وأبو داود، برقم 4596، وابن أبي عاصم، برقم 63، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/364.
([10]) رواه الترمذي ، برقم 2641.
([11]) انظر: من أصول أهل السنة والجماعة، للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ص11.
([12]) البخاري، برقم 3641، ومسلم، برقم 1037.
([13]) رواه البخاري، برقم 3640، ومسلم، برقم 1921.
([14]) رواه مسلم ، برقم 1920، وعن جابر بن عبد اللَّه t نحوه في مسلم، برقم 1923.
([15]) سورة التوبة: 100.
([16]) رواه الترمذي، برقم 2641.
([17]) الحَدَث:الشاب.النهاية في غريب الحديث والأثر،باب الحاء مع الدال،مادة:«حدث»،1/351.
([18]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، 1/66، برقم 30.
([19]) المرجع السابق، 1/72، برقم 51، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 8/104.
([20]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي 1/72، برقم 53.
([21]) انظر: فتاوى ابن تيمية، 3/368-369.
([22]) رواه مسلم، برقم 145.
([23]) النزَّاع: هو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته: أي بَعُدَ وغاب، والمعنى: طوبى للمهاجرين الذين هجروا أوطانهم في اللَّه تعالى. النهاية لابن الأثير، 5/41.
([24]) رواه الدارمي، برقم 2758، وابن ماجه، برقم 3988، وأحمد في المسند، 1/397، وأبو يعلى في المسند، برقم 4975.
([25]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، 2/177 و222.
([26]) مسند الإمام أحمد، 4/73.
([27]) مسلم، في المقدمة، باب الإسناد من الدين، 1/15.
([28]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة،لللالكائي،1/66،برقم 29،وأبو نعيم في الحلية، 3/9.
([29]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، لللالكائي، 1/68، برقم 35.
([30]) انظر: شرح العقيدة الواسطيّة لشيخ الإسلام ابن تيمية، شرحه العلامة محمد بن صالح العثيمين، 1/55-59، ويرى سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ؒ: أن الإيمان بوجود اللَّه ﷻ يدخل في الإيمان بالربوبية، ذكر ذلك في تعليقه على هذه المحاضرة.
([31]) سورة فاطر، الآية: 13.
([32]) سورة الذاريات: 56-58.
([33]) سورة البقرة، الآية: 163.
([34]) سورة سبأ، الآيتان: 22-23.
([35]) البخاري، برقم 6500، ومسلم، برقم 30.
([36]) سورة النحل، الآية: 74.
([37]) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي، 3/582، برقم 875، و930.
([38]) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 3/582.
([39]) سورة فاطر، الآية: 10.
([40]) سورة الأنعام، الآية: 61.
([41]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، 3/430.
([42]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، 3/442، برقم 665.
([43]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، 3/441 برقم 664، وجوّد إسناده ابن حجر في فتح الباري، 13/406.
([44]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، 3/446، برقم 674.
([45]) انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين، ص27.
([46]) سورة الأنبياء، الآيتان: 19-20.
([47]) الترمذي، برقم 2312، وحسنه، وابن ماجه، برقم 4190، وحسنه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي،2/268، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/407.
([48]) رواه البخاري، برقم 3207، ومسلم، برقم 164.
([49]) سورة الحديد، الآية: 25.
([50]) انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة العثيمين، ص32.
([51]) سورة النساء، الآية: 165.
([52]) انظر: شرح أصول الإيمان، للعلامة محمد العثيمين، ص36.
([53]) البخاري، برقم 1314، ورقم 1316.
([54]) البخارية، برقم 1315، ومسلم ، برقم 944.
([55]) البخاري، برقم 1369، 1374، ومسند الإمام أحمد، 4/287، 288، 295، 296، ومستدرك الحاكم 1/37-40، والآية من سورة إبراهيم: 27.
([56]) انظر: الروح لابن القيم، 1/263.
([57]) سورة عبس، الآيات: 24-27.
([58]) سورة المؤمنون، الآيتان: 102-103.
([59]) سورة الحاقة، الآيات: 19-29.
([60]) سورة الانشقاق، الآيات: 10-12.
([61]) سورة آل عمران، الآية: 30.
([62]) سورة الكهف، الآية: 49.
([63]) البخاري، برقم 6579، ومسلم، برقم 2292.
([64]) صحيح البخاري، برقم 2440، ورقم 6533-6335، وصحيح مسلم، برقم 182-195.
([65]) البخاري، برقم 7439، مسلم برقم 183.
([66]) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص:252-262.
([67]) البخاري، برقم 6548، ومسلم، برقم 2849، 2850.
([68]) سورة العنكبوت، الآية: 62.
([69]) سورة الطلاق، الآية: 12.
([70]) الإيمان بكتابة المقادير يدخل فيه خمسة تقادير:
1- التقدير الشامل لجميع المخلوقات، بمعنى أن اللَّه ﷻ: علمها، وكتبها، وشاءها، وخلقها، وهذه مراتب القدر الأربع.
2- كتابة الميثاق، لقوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا﴾.
3- التقدير العُمُري: تقدير رزق العبد، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد في بطن أمه بنهاية الشهر الرابع.
4- التقدير السنوي؛ فإنه يكتب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة: من الخير، والشر، والأرزاق.
5- التقدير اليومي، لقوله ﷻ: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فيغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين. وهذا التقدير اليومي تفصيل من التقدير الحولي، والحولي تفصيل من التقدير العُمري عند نفخ الروح في الجنين في بطن أمه، والعُمري تفصيل من التقدير العُمري الأول يوم الميثاق، وهو تفصيل من التقدير الذي خطه القلم في الإمام المبين.
انظر: معارج القبول، لحافظ ابن أحمد الحكمي، 3/928-940.
([71]) سورة يس، الآية: 12.
([72]) سورة الحج، الآية: 70.
([73]) مسلم، برقم 2653.
([74]) سورة التكوير، الآية: 29.
([75]) سورة يس، الآية: 82.
([76]) سورة الزمر، الآية: 62.
([77]) انظر: العقيدة الصحيحة وما يُضادُّها، للعلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ؒ، ص20.
([78]) انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس،ص126،والكواشف الجلية عن معاني الواسطية، لعبدالعزيز بن سلمان، ص494، وشرح العقيدة الواسطية للكاتب، ص49.
([79]) سورة الصافات، الآية: 96.
([80]) سورة التكوير، الآية: 29.
([81]) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب، ص50.
([82]) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب، ص51.
([83]) سورة النساء، الآية: 48.
([84]) انظر: شرح العقيدة الواسطية، للهراس، ص131، والكواشف الجلية عن معاني الواسطية، ص502، وشرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب، ص53-56.
([85]) انظر: الكواشف الجلية عن معاني الواسطية، للسلمان، ص505، وشرح العقيدة الواسطية، بقلم الكاتب، ص57-58.
([86]) انظر: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، لشيخ الإسلام ابن تيمية، ضمن الفتاوى، جمع عبد الرحمن القاسم، 20/ 231-293، وقواعد في التعامل مع العلماء، للدكتور عبد الرحمن اللويحق، ص19-184.
([87]) تبيين كذب المفتري، ص29-30.
([88]) سورة النور، الآية: 63.
([89]) سورة النساء، الآية: 59.
([90]) رواه البخاري، برقم 7144، ومسلم، برقم 1839.
([91]) رواه مسلم، برقم 1847.
([92]) شرح السنة، للبربهاري، ص116.
([93]) شرح السنة، للبربهاري، ص117.
([94]) العقيدة الواسطية مع شرح الهراس، ص 289.
([95]) سورة آل عمران، الآية: 104.
([96]) مسلم، برقم 49.
([97]) انظر: شرح العقيدة الواسطية، لابن تيمية، للعلامة محمد خليل الهراس، ص258، وشرح العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، بقلم الكاتب، ص86-87.
([98]) من أراد المزيد فعليه بالرجوع إلى أصول السنة، لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل، المتوفى سنة 241هـ، وكتاب السنة لعبد اللَّه ابن الإمام أحمد، المتوفى سنة 290هـ، وكتاب السنة للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك المتوفى 287هـ، وكتاب التوحيد للإمام ابن خزيمة، المتوفى 311هـ، ومقالات الإسلاميين للإمام أبي الحسن الأشعري، المتوفى 330هـ، وشرح السنة للإمام أبي محمد الحسن بن علي البربهاري المتوفى 329هـ، والإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة،للإمام ابن بطة، المتوفى 387هـ، وكتاب الإيمان لابن منده،المتوفى 395هـ،وأصول أهل السنة لابن زمنين،المتوفى 399هـ،وكتاب التوحيد ومعرفة أسماء اللَّه ﷻ وصفاته على الاتفاق والتفرد للحافظ ابن منده، المتوفى 395هـ،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة،للإمام أبي القاسم اللالكائي، المتوفى 418هـ،والعقيدة الطحاوية للإمام الطحاوي،المتوفى 321هـ، وشرح السنة للإمام البغوي،المتوفى 516هـ،ولمعة الاعتقاد،للإمام عبد اللَّه بن أحمد بن قدامة، المتوفى سنة 620هـ، وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز، المتوفى 792هـ، والعقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، المتوفى 728هـ، وهو مطبوع ضمن الفتاوى له 3/129-159، والفتوى الحموية له، وهو مطبوع ضمن الفتاوى له أيضًا 5/5-120، وكتاب التوحيد، للإمام محمد بن عبد الوهاب، المتوفى 1206هـ، وشرحه فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، المتوفى 1285هـ، ومن المؤلفات الحديثة النافعة لأصحاب الفضيلة العلماء: شرح العقيدة الواسطية للعلامة محمد خليل الهراس، والعقيدة الصحيحة وما يضادها للعلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ؒ، وعقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة محمد بن صالح العثيمين ؒ، وشرح أصول الإيمان له، ومفهوم عقيدة أهل السنة والجماعة للدكتور ناصر العقل، ومباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة له، ومن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة للعلامة صالح بن فوزان الفوزان، ومجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة، للدكتور ناصر العقل، وعقيدة أهل السنة والجماعة: مفهومها وخصائصها، وخصائص أهلها للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد بتقديم سماحة العلامة ابن باز :.
([99]) سورة النساء: 59.
([100]) سورة الشورى: 10.
([101]) سورة الأحزاب: 36.
([102]) الحاكم، وصححه الألباني.
([103]) رواه الإمام أحمد وغيره.
([104]) سورة النساء: 65.
([105]) المائدة: 50.
([106]) النور: 63.
([107]) سورة الحج، الآية: 32.
([108]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 2923، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/16، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 830.
([109]) النهاية في غريب الحديث، 2/479، ببعض التصرف.
([110]) انظر: المصباح المنير، للفيومي، 1/ 315.
([111]) لسان العرب، لابن منظور، 4/114 -415.
([112]) سورة الحج، الآية: 32.
([113]) سورة البقرة، الآية: 198.
([114]) سورة المائدة، الآية: 2.
([115]) مفردات ألفاظ القرآن، ص 456.
([116]) جامع البيان، 18/621.
([117]) مسلم، كتاب البر، باب تحريم ظلم المسلم ، برقم 32-(2564).
([118]) الجامع لأحكام القرآن، 11/61 -62.
([119]) تفسير البغوي، 3/286.
([120]) تفسير القرآن العظيم، 10/53.
([121]) سورة البقرة، الآية: 158.
([122]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 538.
([123]) سورة البقرة: الآية: 158.
([124]) سورة الحج: الآية، 32.
([125]) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، برقم 1297.
([126]) تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص76.
([127]) سورة الحج، الآية: 36.
([128]) سورة البقرة الآية: 158.
([129]) أضواء البيان، 5/692- 693، وانظر: جامع البيان للطبري، 3/226.
([130]) سورة الحج: الآية، 30.
([131]) جامع البيان، 18/617.
([132]) تفسير البغوي، 3/285 - 286.
([133]) تفسير القرآن العظيم: 10/51.
([134]) الجامع لأحكام القرآن، 11/59.
([135]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 537.
([136]) سورة نوح، الآية: 13.
([137]) الوابل الصيب، لابن القيم، ص 24-25.
([138]) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم1521، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1350.
([139]) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 608.
([140]) مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، برقم 1297.
([141]) مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 230.
([142]) انظر: صحيح مسلم، برقم 1836.
([143]) انظر: صحيح مسلم، برقم 1847.
([144]) البخاري، برقم 8144، وصحيح مسلم، برقم 1839، واللفظ له.
([145]) البخاري، برقم 7257ـ وصحيح مسلم، برقم 1840
([146]) انظر شرح هذه المثارات في كتاب: «العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية للمؤلف، ص 7- 10.
([147]) النساء: 60- 61.
([148]) المائدة: 50.
([149]) النساء: 59.
([150]) الشورى: 10.
([151]) مسلم، برقم 978.
([152]) انظر: مجموع فتاوى ابن إبراهيم / 12/263.
([153]) انظر: المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 25/ 312- 366، والكافي لابن قدامة، 5/ 269- 282، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين، 14/ 171- 182، والشرح المختصر على زاد المستقنع للعلامة صالح الفوزان، 4/ 286- 289.
([154]) النساء: 65.
([155]) انظر مجموع الفتاوى له، 12/284.
([156]) رواه مسلم برقم 1218.
([157]) النور: 63.
([158]) الأحزاب: 36.
([159]) النساء: 13- 14.
([160]) رواه أحمد وغيره.
([161]) الأنبياء: 7.
([162]) مجموع فتاوى العلامة محمد بن إبراهيم /، 12/ 288، و289، وانظر: منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية /، 5/ 283، و284، ومجموع فتاوى العلامة ابن باز /، 1/269.
([163]) من أراد الشرح بالتفصيل، والأدلة، والفتاوى، وأقوال العلماء الراسخين في العلم، فعليه أن يرجع إلى كتابي «العادات والأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية»، وقد ذكرت فيها جميع الفتاوى في الأعراف القبلية المخالفة للشريعة الإسلامية، وكتابي: «الجيرة بين المشروع والممنوع» الذي قدم له عشرة من علماء أهل الإسلام، وكتابي: «إبطال اتفاقية القبائل المخالفة للشرع المطهر» الذي قدم له خمسة من علماء البلاد، وكتابي: «البراهين الجلية في إبطال العادات القبلية الجاهلية المخالفة للشريعة الإسلامية».
([164]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، برقم 118، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، 69، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3185.
([165]) أخرجه ابن ماجه، برقم 3959، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 298، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1682، وصحح إسناده أيضاً شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، حديث رقم 3959.
([166]) الأزارقة فرقة من فرق الخوارج.
([167]) أخرجه أبو يعلى، 13/ 165، برقم 7234، قال محققه حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([168]) انظر: سنن ابن ماجه، بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي، المعروف بالسندي، 4/ 335، توزيع دار المؤيد، بتحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا.
([169]) صحيح مسلم، برقم 118.
([170]) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 133.
([171]) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 3611، وصحيح مسلم، برقم 1066، واللفظ لمسلم.
([172]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 169.
([173]) صحيح البخاري، برقم 5058، ومسلم، برقم 1064.
([174]) صحيح البخاري، برقم 3344، ومسلم، برقم 1064.
([175]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 162.
([176]) سورة النساء، الآية: 93.
([177]) سنن ابن ماجه، برقم 2619، واللفظ له، والترمذي، 1395، والنسائي، برقم 3987، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 315.
([178]) صحيح البخاري، برقم 3601، ومسلم، برقم 2886.
([179]) صحيح مسلم، برقم 2867.
([180]) مسند أحمد، 19/ 160، رقم 12107، والترمذي، برقم 2140، بلفظه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140، وجاء من حديث أم سلمة عند الترمذي، برقم 3522، وعائشة عند أحمد، برقم 24604.
([181]) صحيح مسلم، برقم 2654.
([182]) منهاج السنة النبوية، 5/ 83.
([183]) الفوائد، لابن القيم، ص 83- 84.
([184]) ثلاثة الأصول، للإمام محمد بن عبد الوهاب مع حاشيتها لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ص 98.
([185]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، 10/ 426.
([186]) سورة المائدة، الآية: 50.
([187]) سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك، لحمد بن عتيق، ص 37.
([188]) انظر: منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 5/ 83.
([189]) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 5/ 251.
([190]) الدرر السنية، 10/ 503.
([191]) الدرر السنية، 10/ 505.
([192]) فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 12/ 289.
([193]) سورة المائدة، الآية: 44.
([194]) مجموع فتاوى محمد بن إبراهيم، 12/ 288- 291.
([195]) مجموع فتاوى ابن إبراهيم، 12/ 259.
([196]) مجموع فتاوى ابن باز، 8/ 272- 274.
([197]) وجوب تحكيم شرع اللَّه ونبذ ما خالفه، ص 16، ومجموع فتاوى العلامة ابن باز، 1/ 79.
([198]) سمعته في سؤال وجّه له أثناء محاضرة له بعنوان: «القوادح في العقيدة» في شهر صفر 1403هـ في الجامع الكبير بمدينة الرياض، وقد طبعت المحاضرة في رسالة مستقلة، ثم أضيفت في مجموع الفتاوى له /، 8/ 8- 27.
([199]) سلسلة شرح الرسائل للإمام محمد بن عبد الوهاب شرح العلامة صالح الفوزان، ص 302.
([200]) سلسلة شرح الرسائل، ص 223- 225.
([201]) سورة التحريم، الآية: 8.
([202]) سورة النور، الآية: 31.
([203]) سورة النور، الآية: 63.
([204]) سورة الأحزاب، الآية: 36.
([205]) سورة النساء، الآيتان: 13- 14.
([206]) أخرجه أحمد في المسند، 9/ 478، برقم 5667، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول،1/375، والبيهقي في شعب الإيمان، 2/75، برقم 1199، وابن أبي شيبة، 6/ 470، برقم 30010، وحسّن إسناده الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 5/ 109.
([207]) سورة الأنبياء، الآية: 7.
([208]) سورة آل عمران، الآية: 31.
([209]) البخاري برقم 21، ومسلم برقم 43 من حديث النبي ﷺ.
([210]) البخاري برقم 15، ومسلم برقم 44 عن أنس t.
([211]) مسلم، برقم 34.
([212]) سورة التوبة، الآية: 24.
([213]) تفسير السعدي (ص 332).
([214]) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى (2/571 – 582).
([215]) شرح النونية للهراس (2/134).
([216]) البخاري برقم (6632).
([217]) فتح الباري (11/528).
([218]) أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3/886).
([219]) البخاري برقم (617)، ومسلم برقم (2639).
([220]) مسلم برقم (163) (2639).
([221]) البخاري برقم (6170).
([222]) سورة آل عمران، الآية: 31.
([223]) سورة الفتح، الآيتان: 8، 9.
([224]) سورة الأعراف، الآية: 157.
([225]) ابن كثير (ص 1233) والبغوي المختصر (2/872).
([226]) سورة الأحزاب، الآية: 57.
([227]) سورة النساء، الآية: 52.
([228]) سورة التوبة, الآية: 65، 66.
([229]) سورة الأعراف، الآيات: 156 – 157.
([230]) سورة الأعراف، الآيات: 158.
([231]) سورة الأنبياء، الآية: 107.
([232]) سورة الأحزاب، الآية: 40.
([233]) سورة الأحزاب، الآيات: 45 – 48.
([234]) سورة المائدة، الآيتان: 15، 16.
([235]) سورة آل عمران، الآية: 164.
([236]) سورة المائدة، الآية: 67.
([237]) سورة الحجر، الآيات: 94 – 99.
([238]) سورة آل عمران، الآية: 85.
([239]) رواه مسلم 153.
([240]) سورة الأحزاب، الآية: 57.
([241]) سورة النساء، الآية: 52.
([242]) أبحاث هيئة كبار العلماء 3/ 331- 332، وانظر: زجر السفهاء عن إباحة تمثيل الصحابة والأنبياء، لعبد الرحمن الشثري، يحتوي على فتاوى، وقرارات، وبيانات كبار العلماء، ص 23.
([243]) موقع نبي الإسلام e، نقلاً عن كتاب زجر السفهاء عن إباحة تمثيل الصحابة والأنبياء، ص 25
([244]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، 3/ 268 وما بعدها، وانظر: زجر السفهاء، ص 32.
([245]) أبحاث هيئة كبار العلماء، 3/ 328 وما بعدها، وانظر: زجر السفهاء، ص 117.
([246]) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية، والإفتاء، المجموعة الأولى، 1/ 712، وانظر: زجر السفهاء، ص 120.
([247]) مجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز، 1/ 413 وما بعدها، وانظر: زجر السفهاء، ص 39.
([248]) فتاوى إسلامية، جمع الشيخ محمد المسند, 4/ 371- 372، وانظر: زجر السفهاء، ص 129.
([249]) التمثيل: حقيقته، تاريخه، حكمه، للشيخ بكر أبو زيد، ص43- 44، وانظر: زجر السفهاء، ص 133.
([250]) موقع الانتقاء من درر فتاوى العلماء، نقلاً عن كتاب زجر السفهاء عن إباحة تمثيل الصحابة والأنبياء، ص 134.
([251]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، برقم 118، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، 69، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3185.
([252]) أخرجه ابن ماجه، برقم 3959، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 298، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1682، وصحح إسناده أيضاً شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، حديث رقم 3959.
([253]) الأزارقة فرقة من فرق الخوارج.
([254]) أخرجه أبو يعلى، 13/ 165، برقم 7234، قال محققه حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([255]) سورة النساء، الآية: 93.
([256]) سنن ابن ماجه، برقم 2619، واللفظ له، والترمذي، 1395، والنسائي، برقم 3987، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 315.
([257]) محمد: 22- 23.
([258])صحيح مسلم، برقم 2555.
([259]) شجنة: شِجْنَةٌ: أَصْلُ الشِّجْنَةِ عُرُوقُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكَةُ: أي: أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ أَثَارِ الرَّحْمَةِ مُشْتَبِكَةٌ بِهَا فَالْقَاطِعُ لَهَا مُنْقَطِعٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه. انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 418.
([260])صحيح البخاري، برقم 5988.
([261]) البخاري، برقم 5984، ومسلم، برقم 2556.
([262]) من رواية مسلم المتقدمة برقم 2556.
([263]) سنن أبي داود، برقم 1696.
([264])مسند أحمد، 10/ 269، برقم 6113، وصححه محققو المسند برقم 6180، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترغيب 2/ 662": «حسن لغيره».
([265]) المترجلة: يَعْنِي المرأة التِي تَتَشَبَّه بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهم، وهيأتهِم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 203، مادة (رجل).
([266]) النسائي، برقم 2562، واللفظ له، وأحمد في المسند، برقم 6180، وحسنه محققو المسند، وقال الألباني في صحيح الرغيب والترهيب، 2/ 662، وفي صحيح النسائي، 2/ 216: «حسن صحيح».
([267]) سنن أبي داود، برقم 4902، والترمذي، برقم 2511، والأدب المفرد، برقم 67، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 917، و976، وفي صحيح الأدب المفرد، ص 53.
([268]) انظر: سنن ابن ماجه، بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي، المعروف بالسندي، 4/ 335، توزيع دار المؤيد، بتحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا.
([269]) صحيح مسلم، برقم 118.
([270]) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 133.
([271]) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 3611، وصحيح مسلم، برقم 1066، واللفظ لمسلم.
([272]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 169.
([273]) صحيح البخاري، برقم 5058، ومسلم، برقم 1064.
([274]) صحيح البخاري، برقم 3344، ومسلم، برقم 1064.
([275]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 162.
([276]) صحيح البخاري، برقم 3601، ومسلم، برقم 2886.
([277]) صحيح مسلم، برقم 2867.
([278]) مسند أحمد، 19/ 160، رقم 12107، والترمذي، برقم 2140، بلفظه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140، وجاء من حديث أم سلمة عند الترمذي، برقم 3522، وعائشة عند أحمد، برقم 24604.
([279]) صحيح مسلم، برقم 2654.
([280]) سورة البقرة، الآية: 285.
([281]) مسلم، برقم 125.
([282]) مسلم، برقم 126.
([283]) سورة الأنفال، الآية: 74.
([284]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 327.
([285]) سورة الفتح، الآية: 29.
([286]) تيسير الكريم الرحمن، ص 795.
([287]) سورة الحشر، الآيتان: 8-9.
([288]) تيسير الكريم الرحمن، ص 850.
([289]) سورة آل عمران، الآيات: 172- 173.
([290]) تيسير الكريم الرحمن، ص 157.
([291]) سورة التوبة، الآية: 100.
([292]) سورة الحشر، الآية: 8.
([293]) سورة الحشر، الآية: 9.
([294]) تيسير الكريم الرحمن، ص 349.
([295]) سورة الفتح، الآية: 18.
([296]) تيسير الكريم الرحمن، ص 793.
([297]) سورة النساء، الآية: 115.
([298]) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 4/1، و2.
([299]) أخرجه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2541.
([300]) صحيح مسلم، برقم 2531.
([301]) أخرجه البخاري، برقم 3656.
([302]) أخرجه البخاريً، برقم 3662، ورقم 4385، ومسلم، برقم 2384.
([303]) البخاري، برقم 466، ورقم 3904، ومسلم، برقم 2382.
([304]) مسند الإمام أحمد، برقم 5145، وأبي داود، برقم 2964، والترمذي، برقم 3682، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2908.
([305]) رواه البخاري، برقم 3294، ومسلم، برقم 2396.
([306]) أخرجه البخاري، برقم 3740، 3741، ومسلم، برقم 2478.
([307]) البخاري، برقم 4416، ومسلم، برقم 2404، واللفظ له.
([308]) أخرجه البخاري، برقم 2652، برقم 2533.
([309]) أخرجه البخاري، برقم 3053، ومسلم، برقم 1637.
([310]) السنة والشيعة، ص51-55 ببعض التصرف.
([311]) تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 44.
([312]) سورة الحشر، الآية: 10.
([313]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([314]) متفق عليه، البخاري، برقم 3007،
([315]) مسلم، برقم 73- (1856)، و74- (1856).
([316]) مسلم، برقم 2408.
([317]) مسند أحمد، 3/ 278، برقم 1777.
([318]) مسلم، برقم 2276، ولفظه: «إِنَّ اللَّه اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، ولفظ الترمذي: «إِنَّ اللَّه اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
([319]) البخاري، برقم 3770، ومسلم، برقم 2446.
([320]) انظر: البخاري، برقم 2651 ، ومسلم، برقم 2535، وتقدم تخريجه.
([321]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540، وتقدم تخريجه.
([322]) انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، مه شرحه للهراس، ص 323- 343.
([323]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 5- 67 (مؤسسة الرسالة).
([324]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.
([325]) سورة التوبة، الآية: 40.
([326]) البخاري، برقم 3653، ورقم 3922.
([327]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([328]) انظر: تاريخ خليفة بن خياط، ص 121.
([329]) تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 33.
([330]) المرجع السابق، ص 36.
([331]) تاريخ خليفة، ص 121.
([332]) المرجع السابق، ص 121.
([333]) سورة غافر، الآية: 28.
والحديث في البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب ما لقي النبي ﷺ وأصحابه من المشركين بمكة، 7/165، 7/22، 8/533 (رقم 3856).
([334]) يتلتله: يزعزعه ويزلزله. انظر: مختار الصحاح، مادة: تلل، ص33، والمعجم الوسيط، 1/87.
([335]) ذكره ابن كثير، وعزاه إلى البزار، انظر: البداية والنهاية، 3/272، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 9/47: وفيه من لم أعرفه، ولكن لبعض هذا المتن شواهد في الأحاديث الصحيحة انظرها في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، 3/1383 (رقم 1763)، والبخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ... ﴾، 7/287 (رقم 3953)، وكتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر t، 7/22 (رقم 3678)، وانظر: حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي 1/ 540، وحلية الأولياء، 1/32، وانظر: تاريخ الخلفاء للحافظ جلال الدين السيوطي، ص37.
([336]) البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب حديث الإسراء، 7/196، (رقم 3886).
([337]) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/199، وعزاه إلى البيهقي في الدلائل.
([338]) الجحرة: مفردها: جحر، وهو المكان الذي تحفره السباع والهوام لأنفسها. انظر: المعجم الوسيط، مادة (جحر)، 1/180.
([339]) الحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح لولا إرسال فيه. ووافقه الذهبي، 3/6، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، 3/180، وعزاه إلى البيهقي، وانظر: حياة الصحابة، 1/339، وحلية الأولياء، 1/33.
([340]) البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، 7/8، برقم 3653، وكتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي ﷺ وأصحابه، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق t، 4/1854، برقم 2381.
([341]) البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، 7/12، برقم 3654، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر الصديق t، 4/1854، برقم 2382.
([342]) البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ: لو كنت متخذاً خليلاً، 7/17، برقم 3656، ومسلم واللفظ له، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر الصديق ×، 4/1855، برقم 2383.
([343]) انظر: سيرة ابن هشام، 1/340، والإصابة في تمييز الصحابة، 2/243، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/290، والبداية والنهاية، 3/58، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص38.
([344]) الكوة: ثقب في الحائط. انظر: القاموس المحيط، باب الواو، فصل الكاف، ص1713.
([345]) أخرجه أحمد، 6/350، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/59: <ورجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، وعزاه للطبراني أيضاً، وانظر أيضاً: البداية والنهاية، 3/179، وتاريخ الخلفاء للإمام للسيوطي ص39، وحياة الصحابة للكاندهلوي، 2/164.
([346]) أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر ب، 5/614، برقم 3675)،وقال: <هذا حديث حسن صحيح>، وأبو داود في الزكاة، باب الرخصة في ذلك – أي الرخصة في إخراج المال كله، 2/ 129، برقم 1678، والدارمي في الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، 1/329، برقم 1667، والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/414، وأبو نعيم في الحلية، 1/32.
([347]) سورة الليل، الآيات: 17-21.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق t حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. انظر: تفسير ابن كثير، 4/522.
([348]) انظر له مواقف حكيمة في البخاري مع الفتح في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، 7/149، وأبي نعيم في الحلية، 1/31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وانظر: حياة الصحابة، 2/611، 612، وأعلام المرسلين لخالد البيطار، 1/30، وصحيح الجامع الصغير للألباني، 4/172، برقم 4395، وانظر أيضاً: فتح الباري، 7/14، فقد ذكر لأبي بكر عجائب في الورع.
([349]) البخاري مع الفتح، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه، 3/133، برقم 1241، 1242، وكتاب المغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، 8/145، برقم 4452-4454.
([350]) سورة الزمر، الآية: 30.
([351]) سورة آل عمران، الآية: 144.
([352]) انظر: البخاري مع الفتح، وقد صغت هذه الألفاظ من مواضع متفرقة منه، من كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت إذا أدرج في أكفانه، 3/113، برقم 1241، 1242، وكتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ: لو كنت متخذاً خليلاً، 7/19، برقم 3667، وكتاب المغازي، باب مرض النبي ﷺ ووفاته، 8/145، برقم 4454، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، 5/241، 242، وحلية الأولياء، 1/29.
([353]) والمعنى: حتى أرد عليه حقه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الراء مع الواو، 2/273. وانظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/57، وفي البداية والنهاية قال: حتى أزيح علته إن شاء الله، 5/248.
([354]) انظر: سيرة ابن هشام،4/340،وابن كثير في البداية والنهاية،5/248، قال: <وهذا إسناد صحيح>.
([355]) انظر: البداية والنهاية، 5/248.
([356]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب بعث النبي ﷺ أسامة بن زيد t، 8/151، 152.
([357]) انظر: تاريخ الإمام الطبري، 2/246، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/226، وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي – عهد الخلفاء الراشدين، ص19، والبداية والنهاية، 6/304، 305، وفتح الباري، 8/152، وتاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي، ص74، وحياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي، 1/423، 425، 427، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/64.
([358]) سورة النور، الآية: 63.
([359]) انظر: شرح النووي على مسلم، 1/202، والبداية والنهاية، 6/311، وتاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين، ص27، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/67.
([360]) العقال: هو الحبل الذي يعقل به البعير، والعناق: هي السخلة من الغنم. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/280، 3/311.
([361]) مسلم بلفظه في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، 1/51، (رقم 20)، والبخاري مع الفتح في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/262، برقم 1399، 12/ 275، 13/250، 3/321، 322.
([362]) البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/262، 12/275، 13/250، برقم 1399)، ورواية العناق عند البخاري دون مسلم. وما ذهب إليه أبو بكر t قد ثبت عن النبي ﷺ من حديث عبد اللَّه بن عمر ب، حيث جاء فيه ذكر الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
وقد أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، 1/53، برقم 22، وأبو داود في كتاب الزكاة، 2/93، برقم 1556، والترمذي في الإيمان، باب ما جاء بني الإسلام على خمس، 5/3، برقم 2609، والنسائي في الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، 5/14، برقم 3938.
([363]) انظر: شرح النووي على مسلم، 1/211.
([364]) انظر: تاريخ الطبري، 2/245، 246، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/68، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص75، وحياة الصحابة، 1/434.
([365]) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص59.
([366]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 69- 145 (مؤسسة الرسالة).
([367]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.
([368]) رواه البخاري، برقم 3294، ومسلم، برقم 2396.
([369]) رواه البخاري، برقم 5226، ورقم 3242، ومسلم، برقم 2394ـ 2395.
([370]) مسند الإمام أحمد، برقم 5145، وأبي داود، برقم 2964، والترمذي، برقم 3682، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2908.
([371]) طبقات ابن سعد، 3/ 270،
([372]) البخاري، برقم 3689.
([373]) مسلم، برقم 3298.
([374]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([375]) تاريخ خليفة، ص 153، والاستيعاب لابن عبد البر، 3/ 1145.
([376]) الاستيعاب ، 3/ 1145.
([377]) مناقب عمر لابن الجوزي، ص 9، وص 89- 92، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 131- 133.
([378]) الاستيعاب ، 3/ 1145.
([379]) مناقب عمر لابن الجوزي، ص 9، وص 89- 92.
([380]) الاستيعاب ، 3/ 1145.
([381]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 137.
([382]) انظر: تاريخ خليفة، ص 124- 151، و
([383]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 137.
([384]) تاريخ خليفة، ص 152.
([385]) انظر: سيرة ابن هشام، 1/370، والبداية والنهاية لابن كثير، وقال: هذا إسناد جيد قوي، 3/82، وانظر بعض القصة في البخاري مع الفتح، 7/177، وانظر: قصة إسلام عمر في البداية والنهاية 3/79- 81، وسيرة ابن هشام، 1/364-371، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، 109-115، وفتح الباري، 7/48، ومناقب عمر لابن الجوزي، ص12-18، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/121-125.
([386]) انظر: مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص18-19، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص113-115، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/124، وفتح الباري شرح صحيح البخاري، 7/44.
([387]) البخاري مع الفتح، في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر، 7/41، برقم 3684، ومناقب الأنصار، 7/177، برقم 3836.
([388]) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 7/48، وعزاه إلى الطبراني وابن أبي شيبة، وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص115، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: <رجاله رجال الصحيح إلا أن القاسم لم يدرك جده ابن مسعود>، 9/62، وانظر: البداية والنهاية، 3/79.
([389]) انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/125، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 2/22، 23.
([390]) انظر: تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، ص115، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/125، وأعلام المسلمين، 2/25.
([391]) البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي ﷺ لو كنت متخذاً خليلاً، 7/20، برقم 3668.
([392]) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/32، وسيرة ابن هشام، 4/339، والبداية والنهاية، 5/246، 6/301، وحياة الصحابة، 2/11، وتاريخ الخلفاء، ص51.
([393]) انظر: سيرة ابن هشام، 4/340، والبداية والنهاية، 5/248، 6/301، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/57.
([394]) انظر: تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري، 2/68، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 3/31، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/404، وأعلام المسلمين للبيطار، 2/54.
([395]) انظر: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص154، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص59.
([396]) البرذون: الدابة، ويطلق على غير العربي من الخيل والبغال. انظر: القاموس المحيط، باب النون، فصل الباء، ص1522، والمعجم الوسيط، مادة: برذن، 1/48، ومختار الصحاح، مادة (برذن)، ص18.
([397]) انظر: البداية والنهاية، 7/57، 7/60، 7/135، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150، 151.
([398]) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/60، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص59، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150.
([399]) ومن حصره على التواضع أنه كان يدرب نفسه عليه، ولذلك إذا أنكر نفسه أدبها وجازاها وخاطبها يخوفها بالله، فعن أنس t قال: كنت مع عمر، فدخل حائطاً لحاجته فسمعته يقول: - وبيني وبينه جدار الحائط –: <عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، واللَّه لتتقين اللَّه يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك>.
وقيل: إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعاً إلى منزله، فيعاد أياماً ليس به مرض إلا الخوف من اللَّه ﷻ، انظر: البداية والنهاية، 7/135.
وانظر مواقف له أخرى في: تاريخ الطبري، 2/567، 568، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 3/30، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص69، والبداية والنهاية، 3/135، وحياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 2/97.
([400]) البخاري مع الفتح، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 6/271، برقم 3168، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، برقم 1637.
([401]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 147- 222 (مؤسسة الرسالة)
([402]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.
([403]) رواه البخاري، برقم 3697.
([404]) رواه مسلم، برقم 2401.
([405]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([406]) الاستيعاب، 3/ 1038، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 147، و150.
([407]) الاستيعاب، 3/ 1038، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148.
([408]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148
([409]) الاستيعاب، 3/ 1039.
([410]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148.
([411]) الاستيعاب، 3/ 1044، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 153.
([412]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 155- 156.
([413]) تاريخ خليفة، ص 176- 177، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 156.
([414]) النسائي في كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/235، برقم 3605، وانظر: صحيح النسائي 2/766، وأخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب عثمان t، 5/627، برقم 3699، وانظر: صحيح الترمذي، 3/209، وتحفة الأحوذي، 10/196، وفتح الباري، 7/54.
([415]) البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/407، برقم 2778، 7/52، 8/111، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص151.
([416]) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 5/407، وعزاه بسنده إلى البغوي في الصحابة، وانظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/196.
([417]) انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/190، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/39، وفتح الباري، 5/408.
([418]) الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان t، 5/627، (رقم 3703)، وانظر: صحيح الترمذي، 3/209، وأخرجه النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/235، (رقم 3606).
([419]) النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/234، (3605)، وانظر: صحيح النسائي، 2/ 766.
([420]) انظر: فتح الباري، 5/408، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/41.
([421]) الترمذي، في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان t، 5/626، برقم 3700، والحاكم – واللفظ له – وصححه ووافقه الذهبي، 3/102، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/54، 5/408، 8/111، وسيرة ابن هشام، 4/172، والبداية والنهاية، 5/4، 7/201، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص151، وحياة الصحابة، 2/264، 265، وانظر: صحيح الترمذي، 3/208، 210، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/223، 2/353.
([422]) البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/407، برقم 2778، وتقدم تخريجه، وانظر: البداية والنهاية، 7/201.
([423]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، 9/10، 11، برقم 4987، وكتاب التفسير، باب ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾، 8/344، برقم 4679، والبداية والنهاية، 7/217، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص77.
([424]) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/217، وفتح الباري، 9/20.
والفرق بين جمع أبي بكر، وجمع عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته؛ لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي ﷺ، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من الفتنة والهلاك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد.
انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 9/21، وتاريخ الخلفاء للإمام جلال الدين السيوطي، ص77.
([425]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 223- 290 (مؤسسة الرسالة).
([426]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.
([427]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.
([428]) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 2/ 507، وانظر: تاريخ الخلفاء، ص 166.
([429]) الاستيعاب لابن عبد البر، 3/ 1093.
([430]) تاريخ الطبري، 2/ 696.
([431]) تاريخ خليفة بن خياط، ص: 199. وإن اختلاف العلماء الكبير في عمره يوم أسلم، أدى فيما يبدو إلى عدم تطرقهم كثيراً إلى عام مولده.
([432]) المرجع السابق، ص: 197.
([433]) وقد سبق ترجيح ابن حجر أن ولادته كانت قبل البعثة بعشر سنين، فعلى هذا يكون عمره إحدى وستين سنة، والعلم عند اللَّه تعالى.
([434]) مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان، ص 6.
([435]) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص166.
([436]) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 3/272، 273 بتصرف، وفتح الباري، 7/299، وزاد المعاد لابن القيم، 3/179، وقصة المبارزة أخرجها أحمد، 1/117، أبو داود، 3/52، برقم 2665، في الجهاد، باب المبارزة من حديث علي، وإسناده قوي، وانظر: صحيح سنن أبي داود، 2/507.
([437]) سورة الحج، الآية: 19. وانظر: فتح البخاري مع الفتح، 7/96.
([438]) البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، 7/296، 297، برقم 3965، 3966، وفي كتاب التفسير، باب (هذان خصمان اختصموا في ربهم) 9/443، برقم 4744، وانظر أيضا: البداية والنهاية 3/273، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص62.
([439]) سورة الأحزاب، الآية: 23.
([440]) انظر: زاد المعاد، 3/269-276، وسيرة ابن هشام، 3/229-252، والبداية والنهاية، 4/92-116.
([441]) انظر: البداية والنهاية، 4/106، وسيرة ابن هشام، 3/240، وزاد المعاد، 3/272، وانظر أيضاً شجاعة علي t في حياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 1/541-546.
([442]) انظر: غزوة الخندق كاملة في زاد المعاد، 3/269-276، وسيرة ابن هشام، 3/229-252، والبداية والنهاية، 4/92-116.
([443]) البخاري مع الفتح، المغازي، باب غزوة خيبر 7/467، (رقم 4197)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر 3/1427، (رقم 1365)، وانظر: زاد المعاد لابن القيم، 3/316.
([444]) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، من حديث سلمة بن الأكوع، 3/1440، 1441، برقم 1807، وزاد المعاد لابن القيم، 3/319.
([445]) يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك. انظر: شرح النووي، 12/178.
([446]) البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 7/476، برقم 4210، وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي t، 7/70، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي t، برقم 2406، 4/1871، 3/1441.
([447]) حيدرة: اسم للأسد، وكان عليٌّ t قد سُمِّي أسداً في أول ولادته، وكان مرحب قد رأى أن أسداً يقتله، فذكره عليٌّ بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. شرح النووي على صحيح مسلم 12/185.
([448]) معناه: أقتل الأعداء قتلاً واسعاً ذريعاً، وقيل السندرة: مكيال واسع. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/185.
([449]) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها مطولاً، 3/1441، (رقم 1807)، وانظر: زاد المعاد، 3/321، وحياة الصحابة، 1/544.
([450]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي. باب غزوة خيبر، 7/469، برقم 4200، 4201، وانظر: البداية والنهاية، 4/181-191، وابن هشام، 3/378-388، وانظر: ترجمة علي بن أبي طالب t كاملة في الإصابة في تمييز الصحابة، 2/507-510، والبداية والنهاية، 7/222-224، وانظر: شجاعة علي أيضاً في حياة الصحابة للكاندهلوي، 1/541- 546.
([451]) المائدة:3.
([452]) الشورى: 21.
([453]) النساء: 59 .
([454]) البخاري، برقم 2697، ومسلم، برقم 1718.
([455]) مسلم، برقم 1718.
([456]) انظر: التحذير من البدع، لابن باز، ص19.
([457]) يعني بحديث مكحول ما أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، برقم 512، وابن حبان برقم 5665 [ 12/481]، والطبراني في الكبير 20/109، برقم 215، وأبو نعيم في الحلية، 5/191، والبيهقي في شعب الإيمان، 5/272 برقم 6628، عن معاذ بن جبل t يرفعه: «يطلع اللَّه إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشركٍ أو مشاحن»، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضاً، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد اللَّه بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبو بكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة y، ثم خَرَّج هذه الطرق الثمانية، وتكلم على رجالها في أربع صفحات. قلت: فإن صحّ هذا الحديث في فضل ليلة النصف من شعبان كما يقول الألباني ؒ فليس فيه ما يدل على تخصيص ليلتها بقيام ولا يومها بصيام، إلا ما كان يعتاده المسلم من العبادات المشروعة في أيام السّنَة؛ لأن العبادات توقيفية.
([458]) كتاب فيه ما جاء في البدع، للإمام ابن وضَّاح، المتوفى سنة 287هـ ص100، برقم 119.
([459]) كتاب الحوادث والبدع، للطرطوشي، المتوفى سنة 474هـ، ص266، برقم 238.
([460]) كتاب فيه ما جاء في البدع، لابن وضاح، ص101، برقم 120، ورواه الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع عن ابن وضاح، ص263، برقم 235.
([461]) كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، لعبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة، المتوفى سنة 665هـ، ص124.
([462]) لطائف المعارف، لابن رجب، ص263.
([463]) مسلم، برقم 1718.
([464]) التحذير من البدع، ص26، وانظر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة له، 1/ 186- 192.
([465]) البخاري، برقم 1970.
([466]) رواه الإمام أحمد، برقم 21753، والنسائي، برقم 2753.
([467]) برقم 1388.
([468]) الترمذي، رقم 739، وابن ماجه، برقم 1389.
([469]) فتاوى اللجنة الدائمة 3/ 42.
([470]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 7/ 280.
([471]) الأحزاب: 21.
([472]) آل عمران: 31.
([473])سنن النسائي بلفظه، برقم 1587، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 1353، وأخرجه مسلم، برقم 867.
([474]) مسند أحمد، 13622، وأبو داود، 1134، والنسائي 1556، وصحح إسناده الأرناؤط محقق المسند، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1039.
([475]) أبو داود، برقم 1073، وابن ماجه 1311، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 984.
([476]) ابن ماجه، 1098، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 707.
([477]) سورة الحشر: 7.
([478]) سورة الأحزاب: 21.
([479]) رواه البخاري، 2697، ومسلم، 1718.
([480]) أبو داود، 4607، والترمذي 2676.
([481]) انظر: الإبداع في مضار الابتداع، للشيخ علي محفوظ، ص251، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، ص359-373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، للدكتور صالح السحيمي، ص232.
([482]) البداية والنهاية: لابن كثير، 11/272-273، 345، 12/267-268، و 6/232، 11/161، 12/13، 63، 266، وانظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، 15/159- 215، وذكر أن آخر ملوك العبيدية: العاضد لدين الله، قتله صلاح الدين الأيوبي سنة 564هـ، قال: «تلاشى أمر العاضد مع صلاح الدين إلى أن خلعه وخطب لبني العباس واستأصل شأفة بني عبيد ومحق دولة الرفض، وكانوا أربعة عشر متخلفاً لا خليفة، والعاضد في اللغة: القاطع، فكان هذا عاضداً لدولة أهل بيته»، 15/212.
([483]) سورة المائدة: 3.
([484]) رواه مسلم، برقم 1844.
([485]) سورة آل عمران: 31.
([486]) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، 2/614-615، وزاد المعاد، لابن القيم، 1/59.
([487]) سورة الأنعام: 116.
([488]) سورة يوسف: 103.
([489]) سورة سبأ: 13.
([490]) سورة النساء: 59.
([491]) سورة الشورى: 10.
([492]) سورة الحشر: 7.
([493]) رواه مسلم، برقم 1162.
([494]) البخاري، برقم 3445.
([495]) انظر: الإبداع في مضار الابتداع ص 251-257.
([496]) انظر: التحذير من البدع، لسماحة العلامة الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز ؒ،ص13.
([497]) سورة المؤمنون، الآيتان: 15-16.
([498]) رواه مسلم، 2278.
([499]) التحذير من البدع، ص7-14، وانظر: الإبداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوظ ص250-258، والتبرك: أنواعه وأحكامه، للدكتور ناصر بن عبد الرحمن الجديع، ص358-373، وتنبيه أولي الأبصار إلى كمال الدين وما في البدع من أخطار، ص228-250.
([500]) الفُتَّان: جمع فاتن، أي: يؤمن من كل ذي فتنة، ورواه الطبراني بفتح الفاء، يعني به: فتان القبر، ورواه أبو داود مفسراً بالإضافة إلى القبر «وأمن من فتَّانَيْ القبر». [شرح النووي على مسلم، 13/ 65، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي، 3/ 756].
([501]) رواه مسلم، برقم 1913.
([502]) رواه البخاري: 2892.
([503]) رواه أحمد: 17213.
([504]) رواه الترمذي: 1639، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/ 127.
([505]) قوله: «لقد خبت وخسرت»: قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، 7/ 159: «رُوِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي: خِبْتَ وَخَسِرْتَ، وَبِضَمِّهِمَا فِيهِمَا، وَمَعْنَى الضَّمِّ ظَاهِرٌ، وَتَقْدِيرُ الْفَتْحِ: خِبْتَ أَنْتَ أَيُّهَا التَّابِعُ، إِذَا كُنْتُ لَا أَعْدِلُ؛ لِكَوْنِكَ تَابِعًا وَمُقْتَدِيًا بِمَنْ لَا يَعْدِلُ، وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ» وَاللَّه أَعْلَمُ.
([506]) صحيح مسلم، برقم 103، وفي لفظ للبخاري، برقم 3138: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ».
([507]) من ضئضئ هذا: أي: من أصله، الخطابي في معالم السنن، 4/ 335.
([508]) لا يجاوز حناجرهم: قال النووي في شرحه على صحيح مسلم، 7/ 159 له معنيان: «أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ: لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبُهُمْ، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَلَوْا مِنْهُ، وَلَا لَهُمْ حَظٌّ سِوَى تِلَاوَةِ الْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْحَلْقِ، إِذْ بِهِمَا تقطيع الحروف. والثاني: مَعْنَاهُ: لَا يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ، وَلَا تِلَاوَةٌ، وَلَا يُتَقَبَّلُ».
([509]) والمعنى: يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، «مَعْنَاهُ: يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوجَ السَّهْمِ إِذَا نَفَذَ الصَّيْد مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شيء منه، والرمية هِيَ الصَّيْدُ الْمَرْمِيُّ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 159.
([510]) لأقتلنهم قتل عاد: «أَيْ: قَتْلًا عَامًّا مُسْتَأْصِلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية﴾، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَفَضِيلَةٌ لِعَلِيٍّ t فِي قِتَالِهِمْ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 162.
([511]) متفق عليه: البخاري، برقم 3344، ومسلم، برقم 2499.
([512]) صحيح البخاري، برقم 5058، ومسلم، برقم 2503.
([513]) حدثاء الأسنان: أي: صغار الأسنان، النووي، 7/ 169.
([514]) سفهاء الأحلام: أي: صغار العقول، النووي، 7/ 169.
([515]) «يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ: مَعْنَاهُ: فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، وَنَظَائِرِهِ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى كِتَابِ اللَّه تَعَالَى، وَاللَّه أَعْلَمُ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 169.
([516]) متفق عليه: البخاري، برقم 3611، ومسلم، برقم 1066.
([517]) سورة النساء، الآية: 93.
([518]) سورة المائدة، الآية: 32.
([519]) سنن ابن ماجه، برقم 2619، وبنحوه الترمذي، برقم 1395، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2438.
([520]) مسند أحمد، 28/ 112، برقم 16907، وسنن النسائي، برقم 3984، وصححه لغيره محققو المسند، 28/ 112، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2445.
([521]) صحيح البخاري، برقم 6862.
([522]) يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ: مَعْنَاهُ: يَطْعَنُ بها في بطنه، شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 121.
([523]) «مَعْنَى يَتَحَسَّاهُ: يَشْرَبُهُ فِي تَمَهُّلٍ، وَيَتَجَرَّعُهُ» شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 121.
([524]) تَرَدَّى: قال الإمام الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 10/ 248: «تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَيْ: أَسْقَطَ نَفْسَهُ مِنْهُ؛ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَقَتَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ».
([525]) البخاري، برقم 5778، ومسلم، برقم 313.
([526]) البخاري، برقم 6047.
([527]) البخاري، برقم 3611.
([528]) البخاري، برقم 7432.
([529]) البخاري، برقم 1739، ومسلم، برقم 4478.
([530]) مسلم، برقم 1677.
([531]) سورة آل عمران: 103.
([532]) سورة آل عمران: 105.
([533]) سورة الأنعام: 159.
([534]) سورة الدرر السنية، 1/ 172.
([535]) سنن الترمذي: 4607، سنن النسائي: 3676، سنن ابن ماجه: 42، واللفظ للبيهقي، 10/ 195، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4314.
([536]) صحيح مسلم: 1848.
([537]) صحيح مسلم، برقم 1851.
([538]) سورة النساء: 93.
([539]) سنن الترمذي، برقم 1395، والنسائي، برقم 3987، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1438.
([540]) سنن النسائي، برقم: 3984، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2445.
([541]) صحيح البخاري، برقم 6862.
([542]) صحيح البخاري، برقم 6863. والورطة: هي: الهلاك.
([543]) جامع العلوم والحكم، 2/ 117.
([544]) مجموع الفتاوى، 35/ 16- 17.
([545]) سورة النحل: 43.
([546]) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، برقم 118، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، 69، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 3185.
([547]) أخرجه ابن ماجه، برقم 3959، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 3/ 298، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1682، وصحح إسناده أيضاً شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، حديث رقم 3959.
([548]) الأزارقة فرقة من فرق الخوارج.
([549]) أخرجه أبو يعلى، 13/ 165، برقم 7234، قال محققه حسين سليم أسد: إسناده صحيح.
([550]) سورة النساء، الآية: 93.
([551]) سنن ابن ماجه، برقم 2619، واللفظ له، والترمذي، 1395، والنسائي، برقم 3987، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 315.
([552]) سورة محمد: 22- 23.
([553])صحيح مسلم، برقم 2555.
([554]) شجنة: شِجْنَةٌ: أَصْلُ الشِّجْنَةِ عُرُوقُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكَةُ: أي: أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ أَثَارِ الرَّحْمَةِ مُشْتَبِكَةٌ بِهَا فَالْقَاطِعُ لَهَا مُنْقَطِعٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه. انظر: فتح الباري لابن حجر، 10/ 418.
([555])صحيح البخاري، برقم 5988.
([556]) البخاري، برقم 5984، ومسلم، برقم 2556.
([557]) من رواية مسلم المتقدمة برقم 2556.
([558]) سنن أبي داود، برقم 1696.
([559]) مسند أحمد، 10/ 269، برقم 6113، وصححه محققو المسند برقم 6180، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترغيب 2/ 662: «حسن لغيره».
([560]) المترجلة: يَعْنِي المرأة التِي تَتَشَبَّه بِالرِّجَالِ فِي زِيِّهم، وهيأتهِم. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 203، مادة (رجل).
([561]) النسائي، برقم 2562، واللفظ له، وأحمد في المسند، برقم 6180، وحسنه محققو المسند، وقال الألباني في صحيح الرغيب والترهيب، 2/ 662، وفي صحيح النسائي، 2/ 216: «حسن صحيح».
([562]) سنن أبي داود، برقم 4902، والترمذي، برقم 2511، والأدب المفرد، برقم 67، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 917، و976، وفي صحيح الأدب المفرد، ص 53.
([563]) انظر: سنن ابن ماجه، بشرح الإمام أبي الحسن الحنفي، المعروف بالسندي، 4/ 335، توزيع دار المؤيد، بتحقيق الشيخ خليل مأمون شيحا.
([564]) صحيح مسلم، برقم 118.
([565]) شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 133.
([566]) متفق عليه، صحيح البخاري، برقم 3611، وصحيح مسلم، برقم 1066، واللفظ لمسلم.
([567]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 169.
([568]) صحيح البخاري، برقم 5058، ومسلم، برقم 1064.
([569]) صحيح البخاري، برقم 3344، ومسلم، برقم 1064.
([570]) شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 162.
([571]) صحيح البخاري، برقم 3601، ومسلم، برقم 2886.
([572]) صحيح مسلم، برقم 2867.
([573]) مسند أحمد، 19/ 160، رقم 12107، والترمذي، برقم 2140، بلفظه ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2140، وجاء من حديث أم سلمة عند الترمذي، برقم 3522، وعائشة عند أحمد، برقم 24604.
([574]) صحيح مسلم، برقم 2654.
([575]) سورة البقرة، الآية: 132
([576]) سورة النساء، الآية: 131
([577]) رواه أبو داود، برقم 4919، والترمذي، برقم 3509، وصححه الألباني.
([578]) سورة الشعراء، الآيتان: 88- 89.
([579]) سورة النساء، الآية: 13.
([580]) سورة النساء، الآية: 14.
([581]) سورة الأحزاب، الآية: 36.
([582]) سورة الحشر، الآية: 7.
([583]) سورة النور، الآية: 63.
([584]) سورة الطور، الآية: 21
([585]) سورة الرعد، الآيات: 18 – 24.
([586]) قوله: «لقد خبت وخسرت»: قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم، 7/ 159: «رُوِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ فِي: خِبْتَ وَخَسِرْتَ، وَبِضَمِّهِمَا فِيهِمَا، وَمَعْنَى الضَّمِّ ظَاهِرٌ، وَتَقْدِيرُ الْفَتْحِ: خِبْتَ أَنْتَ أَيُّهَا التَّابِعُ، إِذَا كُنْتُ لَا أَعْدِلُ؛ لِكَوْنِكَ تَابِعًا وَمُقْتَدِيًا بِمَنْ لَا يَعْدِلُ، وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ» وَاللَّه أَعْلَمُ.
([587]) صحيح مسلم، برقم 103، وفي لفظ للبخاري، برقم 3138: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ».
([588]) من ضئضئ هذا: أي: من أصله، الخطابي في معالم السنن، 4/ 335.
([589]) لا يجاوز حناجرهم: قال النووي في شرحه على صحيح مسلم، 7/ 159 له معنيان: «أَحَدُهُمَا: مَعْنَاهُ: لَا تَفْقَهُهُ قُلُوبُهُمْ، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِمَا تَلَوْا مِنْهُ، وَلَا لَهُمْ حَظٌّ سِوَى تِلَاوَةِ الْفَمِ وَالْحَنْجَرَةِ وَالْحَلْقِ، إِذْ بِهِمَا تقطيع الحروف. والثاني: مَعْنَاهُ: لَا يَصْعَدُ لَهُمْ عَمَلٌ، وَلَا تِلَاوَةٌ، وَلَا يُتَقَبَّلُ».
([590]) والمعنى: يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، «مَعْنَاهُ: يَخْرُجُونَ مِنْهُ خُرُوجَ السَّهْمِ إِذَا نَفَذَ الصَّيْد مِنْ جِهَةِ أُخْرَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شيء منه، والرمية هِيَ الصَّيْدُ الْمَرْمِيُّ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 159.
([591]) لأقتلنهم قتل عاد: «أَيْ: قَتْلًا عَامًّا مُسْتَأْصِلًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقية﴾، وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَفَضِيلَةٌ لِعَلِيٍّ t فِي قِتَالِهِمْ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 162.
([592]) متفق عليه: البخاري، برقم 3344، ومسلم، برقم 2499.
([593]) صحيح البخاري، برقم 5058، ومسلم، برقم 2503.
([594]) حدثاء الأسنان: أي: صغار الأسنان، النووي، 7/ 169.
([595]) سفهاء الأحلام: أي: صغار العقول، النووي، 7/ 169.
([596]) «يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ: مَعْنَاهُ: فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، وَنَظَائِرِهِ مِنْ دُعَائِهِمْ إِلَى كِتَابِ اللَّه تَعَالَى، وَاللَّه أَعْلَمُ». شرح النووي على صحيح مسلم، 7/ 169.
([597]) متفق عليه: البخاري، برقم 3611، ومسلم، برقم 1066.
([598]) سورة النساء، الآية: 93.
([599]) سورة المائدة، الآية: 32.
([600]) سنن ابن ماجه، برقم 2619، وبنحوه الترمذي، برقم 1395، وصححه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2438.
([601]) مسند أحمد، 28/ 112، برقم 16907، وسنن النسائي، برقم 3984، وصححه لغيره محققو المسند، 28/ 112، والألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2445.
([602]) صحيح البخاري، برقم 6862.
([603]) يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ: مَعْنَاهُ: يَطْعَنُ بها في بطنه، شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 121.
([604]) «مَعْنَى يَتَحَسَّاهُ: يَشْرَبُهُ فِي تَمَهُّلٍ، وَيَتَجَرَّعُهُ» شرح النووي على صحيح مسلم، 2/ 121.
([605]) تَرَدَّى: قال الإمام الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 10/ 248: «تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَيْ: أَسْقَطَ نَفْسَهُ مِنْهُ؛ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فَقَتَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ».
([606]) البخاري، برقم 5778، ومسلم، برقم 313.
([607]) البخاري، برقم 6047.
([608]) سورة البقرة، الآية: 114.
([609]) انظر: تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 56.
([610]) انظر: المرجع السابق، ص 377
([611]) سورة التوبة، الآيتان: 17- 18.
([612]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 110، 120.
([613]) سورة الحج، الآية: 40.
([614]) سورة البقرة، الآية: 251.
([615]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 665.
([616]) سورة النور، الآيات: 36- 38.
([617]) البخاري، برقم 3611.
([618]) البخاري، برقم 7432.
([619]) البخاري، برقم 1739، ومسلم، برقم 4478.
([620]) مسلم، برقم 1677.
([621]) سورة الشورى: 30.
([622]) سورة فاطر: 45.
([623]) تفسير ابن كثير، 7/ 207.
([624]) تفسير السعدي، ص: 759.
([625]) البقرة: 155- 157.
([626]) تفسير السعدي، ص: 76).
([627]) سورة البقرة: 155- 156.
([628]) سورة الرعد: 11.
([629]) تفسير السعدي، ص: 414.
([630]) سورة نوح: 10- 12.
([631]) تفسير السعدي، ص: 889.
([632]) تفسير السعدي، ص: 76.
([633]) البخاري: 5641، 5642، ومسلم: 2571-2576.
([634]) سورة النساء، الآية: 59.
([635]) انظر: تفسير الإمام ابن جرير الطبري،8/497،وتفسير القرطبي،5/261،وتفسير ابن كثير، 1/519، وفتاوى ابن تيمية،11/551،و28/70،والضوء المنير على التفسير،2/234-251.
([636]) رواه البخاري: 7137، ومسلم: 1835.
([637]) «في عُسرك ويسرك »، قال العلماء: تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت المعصية فلا سمع ولا طاعة كما صرح به ﷺ في الأحاديث الباقية، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» شرح الإمام النووي، 12/465-466.
([638]) «وأثرة عليك» والمعنى الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا عليكم، أي: اسمعوا وأطيعوا وإن اختص الأمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم. شرح النووي، 12/465-466، وقال النووي ؒ تعالى: («وهذه الأحاديث في الحث على السمع والطاعة في جميع الأحوال، وسببها اجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم»، شرح النووي، 12/465-466.
([639]) رواه مسلم: 1836.
([640]) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ، برقم 1838.
([641]) سورة آل عمران: 77.
([642]) رواه البخاري، برقم 2358، ومسلم، برقم 18.
([643]) رواه مسلم، برقم 1851.
([644]) فتاوى ابن تيمية، 35/16-17، وانظر خلاصة ما قاله : في طاعة ولاة الأمر والإحالة على ذلك في الفتاوى، 37/170.
([645]) جامع العلوم والحكم، 2/117.
([646]) انظر: الجواب الكافي ، ص221، والمعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع، ص30 .
([647]) سورة النساء، الآية: 14 .
([648]) سورة الأحزاب، الآية: 36 .
([649]) سورة الفرقان، الآية: 20 .
([650]) الفوائد، ص105 .
([651]) انظر: الجواب الكافي ، ص222-223 .
([652]) الجواب الكافي ، ص223 .
([653]) سورة النساء، الآية: 31 .
([654]) سورة النجم، الآية: 32 .
([655]) البخاري، برقم 4477، ومسلم90، برقم 86 .
([656]) البخاري، برقم 2654، ومسلم، برقم 87 .
([657]) مسلم، برقم 2332 .
([658]) البخاري، برقم 2766، ومسلم، برقم 89 .
([659]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/444، وشرح العقيدة الطحاوية، ص418، والجواب الكافي، ص225-226 .
([660]) تقدم تخريجه.
([661]) ابن ماجه417، برقم 4243، وأحمد، 6/70، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 513، 2731 .
([662]) أخرجه أحمد في المسند، 5/331، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة،1/129، برقم 389.
([663]) البخاري، برقم 6308 .
([664]) انظر: مختصر منهاج القاصدين ، ص258 .
([665]) الجواب الكافي ، ص84 .
([666]) سورة الحج، الآية: 46 .
([667]) الجواب الكافي ، ص104، 148، 173، 212 .
([668]) ديوان الشافعي، ص88، وانظر: الجواب الكافي، ص104 .
([669]) انظر: الجواب الكافي، ص105-106 .
([670]) المرجع السابق، ص106 .
([671]) سورة المطففين، الآيتان: 14-15 .
([672]) انظر: الجواب الكافي، ص215 .
([673]) سورة فاطر، الآية: 10 .
([674]) سورة المنافقون، الآية: 8 .
([675]) البخاري، برقم 7416، ومسلم، برقم 1499 .
([676]) البخاري، برقم 5221 .
([677]) البخاري، برقم 5223، ومسلم، برقم 2761.
([678]) النسائي، برقم 2558، وأحمد في المسند، 5/445، وله شاهد عند ابن ماجه، برقم 1996، والحديث حسنه الألباني بطرقه في إرواء الغليل، 7/58، برقم 1999 .
([679]) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي، 5/79 .
([680]) انظر: شرح السيوطي على سنن النسائي، 5/79 .
([681]) مسلم، برقم 37 .
([682]) البخاري، برقم 6117، ومسلم، برقم 37 .
([683]) سورة الأنعام، الآية: 125 .
([684]) المرجع السابق، ص112 .
([685]) سورة الحج، الآية: 18 .
([686]) البخاري، برقم 5933، ومسلم، برقم 2124 .
([687]) البخاري، برقم 5931، ومسلم، برقم 2125 .
([688]) مسلم، برقم 1597 .
([689]) مسلم، برقم 2117 .
([690]) مسلم، برقم 1687 .
([691]) مسلم، برقم 1978 .
([692]) البخاري، برقم 5885 .
([693]) أبو داود، برقم 3674، وابن ماجه، 2/1122، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/700، وما بين المعقوفين لابن ماجه.
([694]) مسلم، برقم 1958 .
([695]) البخاري، برقم 5962 .
([696]) أحمد في المسند،1/217، وصحح إسناده أحمد محمد شاكر في شرحه للمسند،3/266،برقم 1875 .
([697]) الترمذي، برقم 1336، وأبو داود، برقم 3580، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/34، وإرواء الغليل، برقم 2626، وفي صحيح سنن أبي داود، برقم 3055 .
([698]) أبو داود، برقم 3236، والترمذي، 2/136، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/308 .
([699]) أبو داود، برقم 2162، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/406 .
([700]) البخاري، برقم 5193 .
([701]) مسلم، برقم 2616.
([702]) انظر: سورة الأحزاب، الآية: 57 .
([703]) انظر: سورة الرعد، الآية: 25 .
([704]) انظر: سورة البقرة، الآية: 159 .
([705]) انظر: سورة النور، الآية: 23 .
([706]) انظر: سورة النساء، الآيتان: 51-52 .
([707]) انظر: الجواب الكافي ، ص115-119 .
([708]) انظر: المرجع السابق، ص161 .
([709]) ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّه أَتْقَاكُمْ [ سورة الحجرات، الآية: 13 .
([710]) سورة البقرة، الآية: 276 .
([711]) سورة النساء، الآية: 107 .
([712]) مسند أحمد، 37/ 68، برقم 22386، وحسنه لغيره محققو المسند،. ورواه النسائي في الكبرى، برقم 11575، وابن ماجه، برقم 90.
([713]) سورة الطلاق، الآيتان: 2-3 .
([714]) المرجع السابق، ص142 .
([715]) سورة الشورى، الآية: 30 .
([716]) سورة الأنفال، الآية: 53 .
([717]) الجواب الكافي ، ص142 .
([718]) البخاري، برقم 2079، ومسلم، برقم 1532 .
([719]) البخاري، ،برقم 2387.
([720]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 5/54 .
([721]) انظر: الجواب الكافي، ص166 .
([722]) انظر: المرجع السابق، ص215 .
([723]) سورة طه، الآية: 124 .
([724]) أخرجه ابن ماجه، 2/1418، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/17، برقم 505، وفي صحيح ابن ماجه، 2/417 .
([725]) أخرجه مسلم، برقم 2581 .
([726]) سورة العنكبوت: 40.
([727]) سورة إبراهيم، الآية: 7 .
([728]) سورة النحل، الآية: 18 .
([729]) سورة إبراهيم، الآية: 34 .
([730]) انظر: الجواب الكافي، ص142، والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع ، ص141-150 .
([731]) سورة الشورى، الآية: 30 .
([732]) سورة الأنفال، الآية: 45-47 .
([733]) سورة غافر، الآية: 51 .
([734]) سورة الروم، الآية: 47 .
([735]) سورة الحج، الآية: 40 .
([736]) سورة محمد، الآيتان: 7-8 .
([737]) انظر: المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع ، ص153-154 .
([738]) انظر: الجواب الكافي ، ص111 .
([739]) انظر: المرجع السابق، ص120-124، والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، ص164-222.
([740]) سورة النور، الآية: 31 .
([741]) سورة التحريم، الآية: 8 .
([742]) سورة الزمر، الآية: 53 .
([743]) سورة آل عمران، الآية: 135 .
([744]) سورة طه، الآية: 82 .
([745]) سورة آل عمران، الآية: 104 .
([746]) الترمذي، برقم 2169، وأحمد في اللفظ له في مسنده، 5/388،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/233 .
([747]) أبو داود، برقم 4338، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 286ـ برقم 2317.
([748]) سورة الأعراف، الآية 165.
([749]) انظر: المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، ص303-322 .
([750]) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ، ص22، 35 .
([751]) انظر: المرجع السابق، ص23-24 .
([752]) انظر: المرجع السابق، ص24، 35-37 .
([753]) الحاكم، 1/493، وأحمد في المسند، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 3/151، برقم 3402 .
([754]) الترمذي، برقم 2139، بلفظه، وقال: «هذا حديث حسن غريب»، وأخرجه الحاكم بنحوه، 1/493، من حديث ثوبان وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/76، برقم 154.
([755]) انظر: الجواب الكافي لابن القيم، ص25، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص51-52 .
([756]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص26، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص39.
([757]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص27-28، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص45-91 .
([758]) سورة التوبة: 3.
([759]) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب الهمزة مع الذال، 1/ 34، والمغني لابن قدامة، 2/53.
([760]) انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 53، والتعريفات للجرجاني، ص 37، وسبل السلام للصنعاني 2/ 55.
([761]) شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 95.
([762]) انظر: الروض المربع، مع حاشية ابن القاسم، 1/ 428، والشرح الممتع لابن عثيمين، 2/ 36.
([763]) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 95.
([764]) سورة المائدة: 58.
([765]) سورة الجمعة: 9.
([766]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، برقم 628،ومسلم،كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة، برقم 674.
([767]) قال الحافظ ابن حجر: «واختلف في السنة التي فرض فيها، فالراجح أن ذلك كان في السنة الأولى [أي من الهجرة]، وقيل: بل كان في السنة الثانية. [فتح الباري، 2/ 78 ].
([768]) شرح العمدة لابن تيمية، 2/ 96، وانظر: فتاوى ابن تيمية، 22/ 64.
([769]) ورجح سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز :: أن الأذان فرض على الرجال، سواء كانوا أحراراً أو عبيداً، أو واحداً، أو مسافرين. سمعته منه أثناء تعليقه على شرح الروض المربع، 1/ 430، بتاريخ 30/ 11/ 1418هـ، وانظر: المختارات الجلية للسعدي، ص 37، وفتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم، 2/ 224، والشرح الممتع للشيخ محمد بن صالح العثيمين، 2/ 41.
([770]) سورة فصلت: 33.
([771]) أخرجه مسلم، في كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه، برقم 387.
([772]) التثويب: الإقامة.
([773]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب فضل التأذين، برقم 608، ومسلم كتاب الصلاة، باب فضل الأذان وهروب الشيطان عند سماعه، برقم 389.
([774]) التهجير: التبكير إلى الصلاة.
([775]) العتمة: صلاة العشاء.
([776]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب الاستهام في الأذان، برقم 615، ومسلم، كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، برقم 437.
([777]) البخاري، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء، برقم 609.
([778]) النسائي، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالأذان 2/ 13، برقم 646، وأحمد، 4/ 284، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 1/ 243: «رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن جيد »، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 99.
([779]) ضامن: الضمان هنا: الحفظ والرعاية، لأنه يحفظ على القوم صلاتهم، وصلاتهم في عهده.
([780]) مؤتمن: أمين الناس على صلاتهم وصيامهم.
([781]) أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت، 1/ 143، برقم 517، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، 1/ 402، وابن خزيمة برقم 528، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 100، وله شاهد من حديث عائشة ل عند ابن حبان بسند صحيح، برقم 1669.
([782]) الشظية: القطعة تنقطع من الجبل، ولم تنفصل عنه.
([783]) ابن ماجه، كتاب الأذان والسنة فيها، باب فضل الأذان وثواب المؤذنين، برقم 723، والحاكم في المستدرك، 1/ 205، وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 1/ 111: «وهو كما قال ». وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 42، وفي صحيح ابن ماجه، 1/ 226.
([784]) حاشية الروض المربع، للعلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 2/296.
([785]) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو حبيب ص24.
([786]) انظر: المصدر السابق ص24.
([787]) انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، كتاب الهمزة، باب الهمزة في الذي يقاله مضاعف، ص48، ولسان العرب، لابن منظور، باب الميم، فصل الهمزة 12/25، ومفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، مادة: «أمَّ»، ص87، ومعجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور محمد رواس ص68-69.
([788]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب من أحق بالإمامة، برقم 673، من حديث أبي مسعود t.
([789]) انظر: الشرح الممتع، للعلامة محمد بن صالح العثيمين 2/36.
([790]) سورة الفرقان، الآية: 74.
([791]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للإمام الطبري 19/319، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص966.
([792]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن 19/319.
([793]) سورة السجدة، الآية: 24.
([794]) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري 20/194، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ص1019، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي ص604، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 23/340.
([795]) تقدم تخريجه في فضل الأذان.
([796]) انظر: المغني لابن قدامة 2/55، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/136-140، وحاشية عبد الرحمن القاسم على الروض المربع 2/296، والشرح الممتع لابن عثيمين 2/36.
([797]) انظر: شرح العمدة 2137، والاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، ورجح قول شيخ الإسلام العلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع 2/36.
([798]) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، وشرح العمدة له 2/139.
([799]) البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، برقم 694 وما بين المعكوفين في نسخة دار السلام، وعند أحمد 2/355.
([800]) انظر: فتح الباري لابن حجر 2/187، وإرشاد الساري للقسطلاني 2/341.
([801]) أحمد 4/154، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 983، أبو داود، كتاب الصلاة، باب جماع الإمامة وفضلها، برقم 580،وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/115: «حسن صحيح»، وصححه في صحيح سنن ابن ماجه 1/293.
([802]) ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب ما يجب على الإمام، برقم 981، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 1/292.
([803]) سورة البينة، الآية: 5.
([804]) سورة النساء، الآية: 103.
([805]) أخرجه البخاري، برقم 1395، ومسلم، برقم 19.
([806]) أخرجه أبو داود، برقم 1420، وصححه الألباني : في صحيح سنن أبي داود 1/266، 1/86.
([807])المغني لابن قدامة 3/6.
([808]) الترمذي، برقم 2616، وقال: «حديث حسن صحيح»، وأخرجه ابن ماجه، برقم 3973، وأحمد، 36/344، برقم 22016، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 2/138.
([809]) أخرجه الطبراني في الأوسط، 1/409 [مجمع البحرين] برقم 532، ورقم 533، وقال العلامة الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: «وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه واللَّه أعلم» 3/346.
([810]) أبو داود، برقم 864، ومن حديث أبي هريرة برقم 866، وابن ماجه، من حديث أبي هريرة، برقم 1425، وأحمد، 15/ 298، برقم 9494، و28/ 253، برقم 1946، وصححه الألباني في صحيح الجامع ،2/353.
([811]) أحمد، 5/251، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/229.
([812]) أخرجه الطبراني في الصغير [مجمع البحرين]، 7/263، برقم 4425، وذكره الألباني في صحيح الجامع وحسنه، 2/353.
([813]) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، ص 28، وتمام الرازي في الفوائد (ق 31/ 2)، والضياء في المختارة، 1/ 495، وأخرجه الطبراني في الكبير، برقم 7182 من حديث شداد بن أوس t بدون ذكر الصلاة، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 4/ 319، برقم 1739، وقال بعد أن ذكر شواهده وطرقه: «والحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد كثيرة ذكرت بعضها في الروض النضير، تحت الحديث رقم 726».
([814]) أحمد، 6/290، 311، 321، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 7/238.
([815]) سورة مريم، الآيتان: 54-55.
([816]) سورة مريم، الآية: 59.
([817]) سورة النساء، الآية: 142.
([818]) متفق عليه: البخاري، برقم 8، ومسلم، برقم 16.
([819]) متفق عليه من حديث أنس t: البخاري، برقم 7517، ومسلم، برقم 162.
([820]) سورة المؤمنون، الآيات: 1-9.
([821]) سورة طه، الآية: 132.
([822]) أبو داود، برقم 495، وأحمد، 11/ 369، برقم 6756، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/7، 1/266.
([823]) متفق عليه: البخاري، برقم 597، ومسلم، برقم 684.
([824]) انظر: الشرح الكبير لابن قدامة، 3/8، والمغني، 2/50-52.
([825]) انظر: مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز، جمع الدكتور عبد اللَّه الطيار، والشيخ أحمد بن عبد العزيز ابن باز، 2/457.
([826]) انظر: شرح العمدة لابن تيمية، 2/87-91.
([827]) سورة البقرة، الآية: 143.
([828]) سورة العنكبوت، الآية: 45.
([829]) سورة الأنبياء، الآية: 73.
([830]) سورة البقرة، الآية: 43.
([831]) سورة الكوثر، الآية: 2.
([832]) سورة الأنعام، الآية: 162.
([833]) سورة طه، الآية: 132.
([834]) سورة مريم، الآية: 65.
([835]) سورة القيامة، الآيتان: 31-32.
([836]) انظر: شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية، 2/87-91، والشرح الممتع لابن عثيمين،2/87.
([837]) سورة العنكبوت، الآية: 45.
([838]) متفق عليه: البخاري، برقم 7534، ومسلم، برقم 85.
([839]) مسلم، برقم 668.
([840]) مسلم، برقم 233.
([841]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، 11/141، والدارمي ،2/301، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 1/440: «رواه أحمد بإسناد جيد».
([842]) مسلم، برقم 223.
([843]) أبو داود، برقم 561، والترمذي، برقم 223، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح لشواهده الكثيرة، 1/224.
([844]) أخرجه مسلم، برقم 488.
([845]) مسلم، برقم 489.
([846])مسلم، برقم 666.
([847]) أبو داود، برقم 563.
([848]) متفق عليه: البخاري، برقم 662. ومسلم، برقم 669.
([849]) مسلم، برقم 227.
([850]) مسلم، برقم 228.
([851]) متفق عليه: البخاري، برقم 2119، ومسلم، برقم 649.
([852]) مسلم، برقم 251.
([853]) تسبيح الضحى: صلاة الضحى، وكل صلاة يتطوع بها فهي تسبيحٌ وسُبْحة. الترغيب والترهيب للمنذري، 1/292.
([854]) لا ينصبه: لا يتعبه إلا ذلك، والنَّصبُ: التعب، الترغيب والترهيب للمنذري،2/292.
([855]) أبو داود، برقم 558، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/111،وفي صحيح الترغيب، 1/127.
([856]) أبو داود، برقم 564، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/113.
([857]) ابن خزيمة في صحيحه، 1/229، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/206، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/118.
([858]) ابن حبان في صحيحه، برقم 1620، والنسائي 2/42، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، 1/217، وصححه الألباني في صحيح الترغيب، 1/121، وقال: «وهو كما قالا» يعني الحاكم والذهبي. وانظر: أحاديث أخرى صحيحة تدل على أن من تطهر في بيته ثم ذهب إلى المسجد فهو في صلاة حتى يرجع إلى منزله. صحيح الترغيب والترهيب للألباني، 1/121.
([859]) انظر: تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، لسماحة العلامة عبدالعزيز بن عبد اللَّه ابن باز ص73.
([860]) سورة القلم، الآيتان: 42- 43.
([861]) سورة المدثر، الآيات: 38- 46.
([862]) سورة القمر، الآيتان: 47- 48.
([863]) سورة التوبة، الآية: 11.
([864]) مسلم، برقم 76.
([865]) أخرجه الترمذي، برقم 2621، والنسائي، برقم 465، وابن ماجه، برقم 1079،والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/6، 7.
([866]) الترمذي، برقم 2622.
([867]) انظر: المحلى لابن حزم، 2/242، 243، وكتاب الصلاة لابن القيم، ص26، والشرح الممتع على زاد المستقنع، لابن عثيمين، 2/28.
([868]) انظر: شرح العمدة، لابن تيمية، 2/81-94.
([869]) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم، ص17-26. فقد ذكر عشرة أدلة من القرآن واثني عشر دليلاً من السنة وإجماع الصحابة.
([870]) سمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز قدس اللَّه روحه وغفر له يُكفّر تارك الصلاة ولو تركها في بعض الأوقات، ولو لم يجحد وجوبها. وانظر: تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام، له : ص72.
([871]) كتاب الصلاة، ص 17.
([872]) سورة النساء، الآية: 102.
([873]) سورة البقرة، الآية: 43
([874]) سورة القلم، الآيتان: 42-43.
([875]) متفق عليه: البخاري، برقم 4919 ورقم 7439، ومسلم، برقم 182.
([876]) انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/114.
([877]) متفق عليه: البخاري، برقم 628، ومسلم، برقم 674.
([878]) أخالف إلى رجال: أي أذهب إليهم، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/160.
([879]) عَرقا: العرق: العظم بما عليه من بقايا اللحم بعدما أخذ عنه معظم اللحم. جامع الأصول لابن الأثير، 5/568.
([880]) المرماة: قيل: هو ما بين ظلفي الشاة، وقيل: سهمان يرمي بهما الرجل. انظر جامع الأصول لابن الأثير، 5/568.
([881]) حبواً: الحبو حبو الصبي الصغير على يديه ورجليه، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/160.
([882]) متفق عليه: البخاري، برقم 644، ومسلم، برقم 651.
([883]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 5/161.
([884]) مسلم، برقم 653.
([885]) أبو داود، برقم 552، وقال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود: ((حسن صحيح))، 1/110.
([886]) ((حيَّ)) أي هلمَّ، وكلمة ((هلا)) بمعنى عَجَّل وأسرع. جامع الأصول لابن الأثير، 5/566].
([887]) أبو داود، برقم 553، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/110.
([888]) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم ص76، وصحيح الترغيب والترهيب، للألباني ص173.
([889]) ابن ماجه ، برقم 793، والدارقطني برقم 4، وابن حبان ((الإحسان))، 5/415 برقم 2064، والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، 1/245، وأخرجه أبو برقم 551، وصححه ابن القيم في كتاب الصلاة، ص76، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/132، وصحيح سنن أبي داود، 1/110، وفي إرواء الغليل، 2/327، وسمعت الإمام ابن باز أثناء تقريره على الحديث رقم 427 من بلوغ المرام يقول: ((لا بأس به على شرط مسلم))، وهذا كما قال الحافظ ابن حجر في البلوغ: ((وإسناده على شرط مسلم)).
([890]) تقريره : على بلوغ المرام، الحديث رقم 427.
([891]) سنن الهدى، روي بضم السين وفتحها، وهما بمعنى متقارب، أي طرائق الهدى والصواب. شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
([892]) وفي رواية أبي داود برقم 550 ((ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم)) . قال الألباني في صحيح سنن أبي داود: «لضللتم» وهو المحفوظ، 1/110.
([893]) يهادَى: أي يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما، شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
([894]) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى، برقم 654.
([895]) انظر: كتاب الصلاة، لابن القيم، ص77.
([896]) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/162.
([897]) لا يقربون المساجد إلا هجراً: يعني لا يقربون المساجد بل يهجرونها، انظر: شرح المسند، لأحمد شاكر، 15/51.
([898]) دَبْراً: أي آخراً، حين كاد الإمام أن يفرغ. شرح المسند، لأحمد شاكر، 15/61.
([899]) خشب بالليل: أي ينامون الليل لا يصلون، شبههم في تمددهم نياماً بالخشب المطرحة، شرح المسند لأحمد شاكر، 15/51.
([900]) صخب: سخب وصخب: الضجة واضطراب الأصوات للخصام على الدنيا شحّاً وحرصاً. انظر: شرح المسند، لأحمد شاكر، 15/51.
([901]) أحمد في المسند، 2/293، وحسن إسناده العلامة أحمد محمد شاكر، في شرحه للمسند، 15/50-51، برقم 7913.
([902]) ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الصلوات، في التخلف في العشاء والفجر، وفضل حضورهما، 1/332، ورواه الطبراني في المعجم الكبير، 12/271، برقم 13085، والبزار [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد لابن حجر، 1/228، برقم 301]، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/40: ((رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجال الطبراني موثوقون)).
([903]) البزار [مختصر زوائد مسند البزار، لابن حجر، 1/228، برقم 302]، وقال ابن حجر: ((وهذا إسناد صحيح))، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 1/40: ((رواه البزار ورجاله ثقات)).
([904]) على أعواده: أي على المنبر الذي اتخذه من الأعواد. شرح السندي على سنن ابن ماجه، 1/436.
([905]) عن ودعهم الجماعات: أي تركهم. شرح السندي على سنن ابن ماجه، 1/436.
([906]) ابن ماجه، برقم 794، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 1/132، والحديث أخرجه مسلم، برقم 865، لكنه بلفظ: ((الجُمُعات)).
([907]) لا تقام فيهم الصلاة: أي جماعة. عون المعبود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي، 2/251.
([908]) استحوذ عليهم الشيطان: أي غلبهم وحولهم إليه، عون المعبود شرح سنن أبي داود، 2/251.
([909]) فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، أي إن الشيطان يتسلط على الخارج عن الجماعة. انظر: عون المعبود، 2/251.
([910]) أبو داود، برقم 547، والنسائي، برقم 847، وأحمد، 6/446، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/246 وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/109، وفي صحيح سنن النسائي، 11/182.
([911]) انظر: كتاب الصلاة، لابن القيم، ص80.
([912]) مسلم، برقم 655.
([913]) انظر: كتاب الصلاة لابن القيم، ص81.
([914]) شرح النووي على صحيح مسلم، 5/163.
([915]) أخرجه أحمد في المسند، 2/537، قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/5: ((رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح)).
([916]) أخرجه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 2/22، برقم 643]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2/5: ((رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح)).
([917]) سنن الترمذي، برقم 204.
([918]) انظر: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، للمباركفوري، 2/607.
([919]) إن هاتين الصلاتين: أي صلاة العشاء والفجر، كما تقدم.
([920]) سنن أبي داود، برقم554، واللفظ له، والنسائي، برقم 843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1،/110، وفي صحيح سنن النسائي، 1/183.
([921]) كتاب الصلاة، ص81-82.
([922]) سنن الترمذي، برقم 217.
([923]) سنن الترمذي، برقم 217.
([924]) سنن الترمذي، برقم 218، قال العلامة أحمد محمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي، 1/424: ((وهذا إسناد صحيح، وهذا الحديث وإن كان موقوفاً ظاهراً على ابن عباس إلا أنه مرفوع حكماً؛ لأن مثل هذا مما لا يعلم بالرأي...)).
([925]) سنن الترمذي، في الباب السابق، 1/424.
([926]) انظر: منزلة الزكاة في الإسلام للمؤلف (ص 21).
([927]) سورة التوبة, الآية: 103.
([928]) سورة التوبة, الآية: 60.
([929]) البخاري، برقم (8)، ومسلم برقم (16).
([930]) انظر: منزلة الزكاة للمؤلف (ص 23).
([931]) سورة مريم، الآيتان: 54، 55.
([932]) سورة النور، الآية: 37.
([933]) البخاري، برقم (25)، ومسلم برقم (22).
([934]) البخاري برقم (1399)، ومسلم برقم (20).
([935]) سورة التوبة, الآيتان: 34، 35.
([936]) البخاري برقم (1402)، ومسلم برقم (987 و988).
([937]) البخاري برقم (1403)، والآية من آل عمران: 180.
([938]) سورة سبأ، الآية: 39.
([939]) مسلم برقم (2588).
([940]) البخاري برقم (5352)، ومسلم (993).
([941]) أحمد برقم (17333)، وابن خزيمة وقال محققو المسند: إسناده صحيح.
([942]) ابن ماجه برقم (4019) وغيره, وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/370).
([943]) الترمذي، برقم (2616) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (2/138).
([944]) سورة الأنعام، الآية 141.
([945]) أبو داود برقم (1563) وغيره، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/429)، ونقل ابن باز تصحيحه عن ابن القطان «مجموع فتاوى ابن باز (14/86)».
([946]) أبو داود برقم (1565) وغيره، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/429)، وقال سماحة شيخنا ابن باز :: بأنه ثابت عن عائشة عن النبي ﷺ.«مجموع فتاوى ابن باز (14/87)».
([947]) أبو داود برقم (1564) وغيره، وحسن الألباني المرفوع منه في صحيح سنن أبي داود، (1/429)، وقال ابن باز عن إسناد أبي داود: «بإسناد جيد» فتاوى ابن باز (14/86).
([948]) سورة التوبة, الآية: 60.
([949]) سورة مريم: 26.
([950]) سورة مريم: 26.
([951]) أخرجه أحمد برقم 3070، وصححه الألباني.
([952]) سورة البقرة: 45.
([953]) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، 1/ 154، وانظر: شرح العمدة، كتاب الصيام، لابن تيمية، 1/ 25.
([954]) أخرجه الطبري في تفسيره، 14/ 503، عن أبي هريرة قال: «والسائحون: الصائمون»، وسنده صحيح، انظر: شرح العمدة، لابن تيمية، 1/ 25.
([955]) سورة البقرة: 183.
([956]) سورة البقرة: 185.
([957]) البخاري، برقم 8، ومسلم، برقم 16.
([958]) سورة البقرة: 185.
([959]) سورة القدر: 1.
([960]) سورة الدخان: 3.
([961]) صُفِّدت الشياطين ومردة الجنِّ: أي شُدَّت، وأُوثقت بالأغلال.
([962]) البخاري، برقم: 1898، 1899، ومسلم، برقم:1079.
([963]) النسائي، برقم: 2108، وأحمد، برقم: 7148، وصححه الألباني.
([964]) ابن ماجه، برقم: 1644، وصححه الألباني.
([965]) البخاري، برقم 1901، ومسلم برقم 760.
([966]) سورة البقرة: 186.
([967]) أحمد، برقم 7450، وصححه محققو المسند.
([968]) أطراف المسند لابن حجر، 7/203، وذكره محققو المسند، 12/420.
([969]) أخرجه البزار، برقم: 962، وصححه الألباني لغيره.
([970]) أخرجه ابن ماجه، برقم: 1643، وصححه الألباني.
([971]) سورة البقرة: 185.
([972]) رواه أحمد، برقم: 3070.
([973]) سورة الزمر: 10.
([974]) أخرجه مسلم، برقم: 233.
([975]) إيماناً: أي من صام رمضان تصديقاً بما جاء في ذلك من نصوص الكتاب والسنة في فرضيته، وفضله. [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/389، وشرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 286].
([976]) احتساباً: أي من صام رمضان طلباً لثواب اللَّه تعالى ورغبة في الأجر، واحتسابه على اللَّه ﷻ مخلصاً للَّه في صيامه. [انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، 2/389، وشرح النووي على صحيح مسلم 5/286].
([977]) رواه البخاري، برقم: 38، ومسلم، برقم: 860.
([978]) رغم أنف: أي لصق بالرغام وهو التراب، هذا هو الأصل، ثم استعمل في الذُّل والعجز عن الانتصاف، والانقياد على كره. [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/238].
([979]) ابن خزيمة، برقم: 392، والبخاري في الأدب المفرد، برقم: 646، وصححه الألباني.
([980]) أخرجه الترمذي، برقم: 3545، وصححه الألباني.
([981]) أخرجه ابن ماجه، برقم: 3925، وصححه الألباني.
([982]) أخرجه البخاري، برقم: 1782، ومسلم، برقم: 1256.
([983]) أخرجه ابن حبان، برقم: 19، وابن خزيمة، برقم: 2212، وحسن إسناده الألباني.
([984]) أخرجه مسلم، برقم: 15.
([985]) أخرجه البخاري، برقم: 2009، ومسلم، برقم: 759.
([986]) أخرجه البخاري، برقم: 1147، ومسلم، برقم: 738.
([987]) أخرجه أحمد، برقم 21419، وأبو داود، برقم: 1375، وصححه الألباني.
([988]) رواه البخاري، برقم: 6، ومسلم، برقم: 2308.
([989]) رواه البخاري، برقم: 1902، ومسلم، برقم: 2308.
([990]) رواه البخاري، برقم: 4997، 4998.
([991]) رواه البخاري، برقم: 2026، ومسلم، برقم: 1172.
([992]) رواه البخاري، برقم: 2044.
([993]) رواه البخاري، برقم: 4998.
([994]) رواه مسلم، برقم: 1175.
([995]) رواه البخاري، برقم: 2024، ومسلم، برقم: 1174.
([996]) رواه البخاري، برقم: 2017، 2020.
([997]) رواه البخاري، برقم: 2021، 2022.
([998]) رواه البخاري، برقم: 2022.
([999]) رواه الترمذي، برقم: 3513، وصححه الألباني.
([1000]) أخرجه الترمذي، برقم: 1624، وصححه الألباني.
([1001]) رواه أحمد، برقم: 22905، وابن حبان، برقم: 509، الترمذي: 2527، وحسنه الألباني.
([1002]) رواه الترمذي، برقم: 807، وابن ماجه، برقم: 1746، وصححه الألباني.
([1003]) رواه البخاري، برقم 1923، ومسلم، برقم 1095.
([1004]) رواه البخاري، برقم 1954، ومسلم، برقم 1100.
([1005]) رواه البخاري، برقم 1957، ومسلم، برقم 1098.
([1006]) رواه أبو داود، برقم 2380، والترمذي، برقم 720، وصححه الألباني.
([1007]) رواه البخاري، برقم 1، ومسلم، برقم 1907.
([1008]) رواه البخاري، برقم 1903، 6057.
([1009]) سورة البقرة، الآية: 158.
([1010]) البخاري، برقم 1898، ورقم 1899، ومسلم، برقم 2- (1079)، والترمذي، واللفظ له: برقم 682، والنسائي، برقم 2097.
([1011]) ابن ماجه، برقم 1644، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 159: «حسن صحيح».
([1012]) البخاري، برقم 2014، ومسلم، برقم 760.
([1013]) البخاري، برقم 209، ومسلم، برقم 759.
([1014]) لطائف المعارف، ص 376، وذكر هذا الأثر السيوطي في تفسيره الدر المنثور، 1/ 454 فقال: «وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن مُعلى بن الْفضل قَالَ: كَانُوا يدعونَ اللَّه ﷻ سِتَّة أشهر أَن يبلغهم شهر رَمَضَان، وَيدعونَ اللَّه سِتَّة أشهر أَن يتَقَبَّل مِنْهُم».
([1015]) قال الإمام السيوطي :، في جامع الأحاديث، 35/ 276: «عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول اللَّه ﷺ يعلمنا هؤلاء الكلمات إذا جاء رمضان اللهم سلمني لرمضان، وسلم رمضان لي، وتسلمه مني متقبلاً» الطبراني في الدعاء، 1/ 282، برقم 912، والديلمي، وسنده حسن».
([1016]) متفق عليه: البخاري برقم 6، ومسلم برقم 2308.
([1017]) متفق عليه: البخاري، برقم 1902، وبرقم 3220، وبرقم 3554، و برقم 4997، ومسلم، برقم 2308.
([1018]) البخاري، قبل الحديث رقم 4997، والحديث رقم 4998.
([1019]) مسلم، برقم 1175.
([1020]) متفق عليه: البخاري، برقم 2024، ومسلم، برقم 1174.
([1021]) أخرجه أحمد في المسند، 40/ 159، برقم 24131، وصحح إسناده محققو المسند.
([1022]) أخرجه مسلم، برقم 746.
([1023]) البخاري، برقم 2017، ورقم 2020 .
([1024]) البخاري، برقم: 2022،2021.
([1025])البخاري، برقم: 2022،2021.
([1026]) الترمذي، برقم 3513، ورواه بقية الخمسة، وحسنه الترمذي، فقال: «حسن صحيح »، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/446.
([1027]) انظر: القاموس المحيط، باب الحاء، فصل الراء، ص282، ولسان العرب لابن منظور، باب الحاء، فصل الراء،2/462.
([1028]) متفق عليه: البخاري، برقم 1147، ومسلم برقم 738.
([1029]) انظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين،4/66.
([1030]) مسلم، برقم 736.
([1031]) متفق عليه: البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749.
([1032]) شرح النووي على صحيح مسلم،6/286.
([1033]) انظر: المغني لابن قدامة،2/601.
([1034]) أحمد، 5/159، وأبو داود، برقم 1375، والنسائي، برقم 1605، والترمذي، برقم 806، وابن ماجه، برقم 1327، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/353، وفي غيره.
([1035]) طفق: أي جعل.
([1036]) متفق عليه: البخاري، برقم 924، ومسلم واللفظ له، برقم 761.
([1037]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 316.
([1038]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 316، والحديث أخرجه أبو داود، برقم 1375، والترمذي، برقم 806، والنسائي، برقم 1605.
([1039]) البخاري، برقم 2010.
([1040]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2010.
([1041]) النسائي، برقم 1606، وصححه الألباني في صحيح النسائي،1/354،وتقدم حديث أبي ذر t قبل يسير.
([1042]) أحمد، 5/159، وأبو داود، برقم 1375، والنسائي، برقم 1605، والترمذي، برقم 806، وابن ماجه، برقم 1327، وتقدم تخريجه.
([1043]) متفق عليه: البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه.
([1044]) انظر: سنن الترمذي، 3/161، والمغني لابن قدامة، 2/604، وفتاوى ابن تيمية، 23/112-113، وسبل السلام للصنعاني، 3/20-23.
([1045]) مسلم، برقم 764، وتقدم تخريجه.
([1046]) متفق عليه: البخاري، برقم 1147، ومسلم، برقم 738، وتقدم تخريجه.
([1047]) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 4/72.
([1048]) البخاري، برقم 990، ومسلم، برقم 749، وتقدم تخريجه.
([1049]) انظر: فتاوى الإمام ابن باز، 11/320-324.
([1050]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 318.
([1051]) سير أعلام النبلاء للذهبي،2 / 4/ 439.
([1052]) هدي الساري لابن حجر، ص 481.
([1053]) المرجع السابق ص 481، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي، 1 / 75، وسير أعلام النبلاء للذهبي، 12 / 4/ 441.
([1054]) انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي،2 / 4/ 442، وهدي الساري لابن حجر، ص 480.
([1055]) سير أعلام النبلاء للذهبي، 2 / 4/ 442.
([1056]) ذكره ابن حجر في هدي الساري، ص 481، وعزاه إلى الحاكم في تاريخه.
([1057]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 318.
([1058]) التبيان في آداب حملة القرآن، ص 46.
([1059]) رواه أبو داود، برقم 1394، والترمذي، برقم 2950، وابن ماجه برقم 1397، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 1260: «إسناده صحيح على شرط الشيخين».
([1060]) التبيان في آداب حملة القرآن، ص 46.
([1061]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 318.
([1062]) شرح سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز : على كتاب وظائف رمضان للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم :، ص 140.
([1063]) متفق عليه: البخاري، برقم 2026، ومسلم، برقم 1172.
([1064]) البخاري، برقم 2044 .
([1065]) البخاري، برقم 4998.
([1066]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 9/46.
([1067]) لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، ص 318.
([1068]) أخرجه أحمد في مسند11/ 199، برقم 6626، والحاكم، 1/ 554، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 238، برقم 984: «حسن صحيح».
([1069]) البخاري، برقم 1969، ورقم 1970، ورقم 6465، ومسلم، 1156.
([1070]) الترمذي، برقم 736، وأبو داود، برقم 2336، والنسائي رقم 2351، 2353، وبرقم 2174، وابن ماجه، برقم 1649، وصححه الألباني.
([1071]) النسائي، برقم 2357، وحسنه الألباني.
([1072]) تعليق ابن باز على نسخته من بلوغ المرام، ص 420، وهو مطبوع.
([1073]) رواه مسلم، برقم 1163.
([1074]) شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 37.
([1075]) شرح صحيح مسلم، 8/55.
([1076]) شرح العمدة كتاب الصيام، 2/548.
([1077]) انظر: كتاب الصيام من شرح العمدة، 2/548.
([1078]) لطائف المعارف، ص 36.
([1079]) مجموع فتاوى ابن باز، 15/ 415.
([1080]) فتاوى نور على الدرب لابن باز، 16/ 455.
([1081]) فتاوى نور على الدرب لابن باز، 16/ 460.
([1082]) الشرح الممتع على زاد المستقنع، 6/ 467.
([1083]) سورة القدر، الآية: 1.
([1084]) سورة الدخان، الآية: 3.
([1085]) سورة يونس، الآية: 58.
([1086]) سورة القدر، الآيات: 1 – 5.
([1087]) البخاري برقم (35)، ومسلم، برقم (760).
([1088]) النسائي برقم (2108)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (2/456).
([1089]) ابن ماجه، برقم (1644)، وقال الألباني في صحيح ابن ماجه (2/59): «حسن صحيح+.
([1090]) البخاري، برقم (2024)، ومسلم (1174).
([1091]) مسلم، برقم (1175).
([1092]) سورة البقرة، الآية: 187.
([1093]) البخاري برقم (2026)، ومسلم برقم 2044).
([1094]) البخاري برقم (2044).
([1095]) البخاري برقم (4998).
([1096]) فتح الباري (9/46).
([1097]) مسلم برقم 215 (1167)، والبخاري 2018.
([1098]) البخاري برقم (2027).
([1099]) مسلم برقم 215 (1167) والبخاري برقم 2018.
([1100]) البخاري برقم (4997)، ومسلم برقم (2308).
([1101]) البخاري، برقم (2016).
([1102]) البخاري برقم (2020).
([1103]) البخاري برقم 2021 ورقم 2022.
([1104]) البخاري برقم (2022).
([1105]) الترمذي برقم (3513) وغيره من الخمسة، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (3/446).
([1106]) صحيح البخاري، برقم 2002، ورقم 1592، ومسلم بلفظه، برقم 1125، وما بين المعقوفين من صحيح البخاري.
([1107]) صحيح البخاري، برقم 1892، وبرقم 2000، ثم برقم 4501، ومسلم بلفظه، برقم 1126.
([1108]) صحيح البخاري، برقم 2003، ومسلم، برقم 1129.
([1109]) صحيح البخاري، برقم 2004، ومسلم، برقم 1130، وما بين المعقوفات، من ألفاظ مسلم.
([1110]) صحيح البخاري، برقم 2006، ومسلم، برقم 1132.
([1111]) صحيح مسلم، برقم 1134.
([1112]) البيهقي، 4/ 287، وعبد الرزاق في المصنف، برقم 1839، والطحاوي، 2/ 78، قال العلامة الألباني في تعليقه على صحيح ابن خزيمة، 3/ 290، على الحديث رقم 2095: «عن ابن عباس موقوفاً،وسنده صحيح عند الطحاوي والبيهقي».وقال محققو مسند الإمام أحمد، 4/ 52، برقم 2154 حينما ذكروا تخريجه عند عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي: «إسناده صحيح موقوفاً».
([1113]) صحيح البخاري، برقم 2005، ومسلم، برقم 1131.
([1114]) صحيح مسلم، برقم 1162.
([1115]) شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 256، 259، 260، وقال في 8/ 261.
([1116]) زاد المعاد، 2/ 76.
([1117]) مجموع الفتاوى،15/404.
([1118]) مسلم، برقم 1163.
([1119]) فلم يرفث: قال ابن عباس ب: «إنما الرفث ما روجع به النساء»، كأنه يرى الرفث الذي نهى اللَّه عنه ما خوطبت به المرأة، فأما ما يقوله ولم تسمعه امرأة فغير داخل فيه. وقال الأزهريُّ: «الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة». [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 2/ 241].
وقال الإمام ابن كثير : في تفسير قوله تعالى: (فلا رفث): «أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه: من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء»[تفسير القرآن العظيم، 2/ 242].
([1120]) ولم يفسق: أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة، والجور، وبه سُمِّيَ العاصي فاسقاً. [ النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 446]، ولا شك أن الفسوق: هو جميع المعاصي كما قال اللَّه تعالى: ﴿الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ﴾ [البقرة: 197]، فيدخل في الفسوق جميع المعاصي كما صوَّبه الإمام ابن كثير في تفسيره، 2/ 244، ومن ذلك الوقوع في محظورات الإحرام، والسباب، والشتم، كما قال النبي ﷺ: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) [أخرجه البخاري برقم 6044، ومسلم، برقم 63]. وغير ذلك من أنواع المعاصي، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1521، والحديث رقم 1819: «يدخل في الفسق المعاصي التي قبل الحج، فإذا كان مُصِرَّاً عليها فهو فاسق»، «والرفث: الجماع ودواعيه».
([1121]) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1521، وكتاب المحصر، برقم 1819، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1350.
([1122]) صحيح مسلم، برقم 1350، وفي الترمذي «غفر له ما تقدم من ذنبه». انظر: صحيح الترمذي1/245.
([1123]) انظر: فتح الباري 3/382.
([1124]) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة، وجوب العمرة وفضلها، برقم 1773، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1349.
([1125]) انظر: فتح الباري 3/382 وشرح النووي على صحيح مسلم 9/119.
([1126]) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله، وكذا الهجرة والحج، برقم 121.
([1127]) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم 1519،وانظر: البخاري مع الفتح، 3/ 381.
([1128]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة، برقم 810، والنسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة، برقم 2631، وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426: «حسن صحيح»، وفي صحيح النسائي، 2/ 240: «حسن صحيح»، وجاء الحديث مختصراً عن ابن عباس في سنن النسائي، برقم 2630 بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد », وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240، وكذلك عند ابن ماجه, من حديث عمر t بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 6.
([1129]) البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم 1520، وكتاب جزاء الصيد، باب حجُّ النساء، برقم1861، وكتاب الجهاد، باب فضل الجهاد، برقم 2784 بلفظ: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور»، وباب جهاد النساء، برقم 2875، بلفظ: قالت: استأذنت النبي ﷺ في الجهاد، فقال: «جهادكُنَّ الحج».
([1130]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، برقم 2901، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه, 3/ 10، وفي إرواء الغليل، 4/151 برقم 981، وقال: «في البخاري نحوه» يعني حديث عائشة السابق.
([1131]) أخرجه النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2628، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240..
([1132]) النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2625، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239، وسمعت شيخنا ابن باز ؒ يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2626: «سنده جيد».
([1133]) حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 113.
([1134]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج، برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 8، وفي الأحاديث الصحيحة 4/433.
([1135]) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2626، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239.
([1136]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 828، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2921، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 431، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 22.
([1137]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، ويوم عرفة، برقم 1349.
([1138]) الترمذي, كتاب الدعوات، باب دعاء يوم عرفة، برقم 3585،وحسنه الألباني في صحيح الترمذي،3/472،وفي الأحاديث الصحيحة،4/6،برقم 1503،وفي صحيح الجامع، 3/121 .
([1139]) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، برقم 1863، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان، برقم 222-(1256)، وفي لفظ لمسلم: «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة».
([1140]) أحمد في المسند، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، برقم 5701، وقال محققو المسند: «حديث حسن»، وأخرجه بنحوه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الركنين، برقم 959، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/491- 492، وقد استوفى تخريج هذا الحديث محققو مسند الإمام أحمد، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، وبرقم 5701، فيراجع لمن شاء. وأخرجه النسائي بنحوه، كتاب مناسك الحج، باب ذكر الفضل في الطواف بالبيت، برقم 2919، وصححه أيضاً الألباني في صحيح النسائي، 2/319، وابن ماجه مختصراً، في كتاب مناسك الحج، باب فضل الطواف، برقم 2956، وصححه الألباني أيضاً في صحيح ابن ماجه، 2/27، وابن خزيمة، 4/218, برقم 2729.
([1141]) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ،برقم 1604،وأحمد،3/ 343،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه،1/236، وفي إرواء الغليل، 4/341.
([1142]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الحجر الأسود، برقم 961، وابن خزيمة، 4/20، وأحمد 1/266، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/493.
([1143]) ابن خزيمة بلفظه، 2/220، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود، والركن والمقام، برقم 877، ولفظه: «... وهو أشد بياضاً من اللبن»، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 452.
([1144]) ابن خزيمة في صحيحه، برقم 1 ، 1/3، والحديث في البخاري من حديث أبي هريرة، برقم 50 بغير هذا السياق، وهو في مسلم، برقم8، من حديث عمر، بغير سياق ابن خزيمة، والحديث صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/6.
([1145]) رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 3/185، برقم 1650]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/277: «وفيه محمد بن عبد الرحيم بن شروس، ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ومن فوقه موثوقون»، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10/12.
([1146]) رواه ابن حبان ، برقم 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/274: «رواه الطبراني في الكبير بنحوه، ورجال البزار موثوقون»، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1147]) ابن حبان: 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1148]) ابن حبان، والبزار، والطبراني، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1149]) ابن حبان، والبزار، والطبراني، من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1150]) الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين، 3/185، برقم 1650]، من حديث عبادة السابق، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1151]) رَمْلٌ عَالِجٌ: جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدّهناء والدّهناء بقرب اليمامة وأسفلها بنجد، ويتسع اتساعاً كثيراً حتى قال البكري رمل عالج يحيط بأكثر أرض العرب. [المصباح المنير،مادة علج].
([1152]) ابن حبان، برقم 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم، 13566، وتقدم تخريجه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/36.
([1153]) أحمد، 13/ 415، وقال محققو المسند، 11/ 415: «صحيح، وهذا إسناد حسن»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/33.
([1154]) أحمد، 13/ 660، برقم 7089، وقال محققو المسند، 11/ 660: «إسناده لا بأس به» وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 34.
([1155]) تؤوب: أي تغرب، غَرَبت من الأوْب: الرجوع لأنها ترجع بالغروب إلى الموضع الذي طَلَعْت منه. [النهاية في غريب الحديث، مادة «أوب»].
([1156]) التبعات: مفرده: تَّبِعَة، والتبعة: ما يَتْبَع المالَ من نَوَائِب الحقوق، وهو من تَبِعْتُ الرجُل بِحَقّي. [النهاية، مادة «تبع»].
([1157]) ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، 2/157، برقم 1737، وعزاه جازماً به إلى ابن المبارك، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/33، وقال في حاشيته في هذا الموضع: « .. ومع ذلك فله شواهد خرَّجتها في الصحيحة، 1624».
([1158]) تطوّل عليكم: من طاول: مُفاعَلة من الطَّوْل بالفتح، وهو الفَضْل والعُلُوّ.[النهاية، مادة «طول»].
([1159]) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الوقوف بجمع، برقم 3024، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 48، وفي الصحيحة، برقم 1624.
([1160]) تقدم تخريجه من حديث ابن عمر السابق، وحسنه الألباني لغيره، في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1161]) ساخ في الأرض: أي غاص فيها.
([1162]) ابن خزيمة: برقم 2967، والحاكم، 1/466، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي على شرط مسلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/37.
([1163]) تقدم تخريجه من حديث ابن عمر السابق عند ابن حبان، والبزار، والطبراني، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 3/10.
([1164]) تقدم تخريجه في الطبراني في الأوسط، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد، 3/274، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/11، و39.
([1165]) أهلَّ: رفع صوته بالتلبية: الترغيب والترهيب للمنذري ، 2/138.
([1166]) الطبراني في الأوسط، برقم 1706، مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/218) وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/24.
([1167]) العجُّ: رفع الصوت بالتلبية.
([1168]) الثجُّ: سيلان دم الهدايا والأضاحي.
([1169]) ابن ماجة، كتاب المناسك، باب رفع الصوت بالتلبية، برقم 1924، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة، 3/17، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/24.
([1170]) الترمذي كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 827، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/431.
([1171]) ضاحين: بارزين للشمس لا يظلهم شيء. [انظر: النهاية لابن الأثير، مادة «ضحي»].
([1172]) عفيراً يعفر وجهه: العفر: ظاهرُ التُّرابِ ويُسَكَّنُ، ج : أعْفارٌ ... وعَفَرَهُ في التُّرابِ يَعْفِرُهُ، وعَفَّرَهُ فانْعَفَرَ وتَعَفَّرَ: مَرَّغَهُ فيه، أو دسَّهُ وضَرَبَ به الأرضَ كاعْتَفَرَهُ. [القاموس المحيط، مادة «عفر»].
([1173]) أخرجه البزار في كشف الأستار، برقم 1128، وهو في مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة، ومسند أحمد، لابن حجر، 1/456، برقم 777، ورواه ابن حبان، برقم 3842، وأبو يعلى، 4/69، برقم 2090، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 2/151: «رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح»، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/32.
([1174]) سورة الفجر، الآيتان: 1- 2.
([1175]) تفسير ابن كثير، 4/106، وزاد المعاد، 1/56.
([1176]) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، والترمذي، كتاب الصوم عن رسول اللَّه ﷺ، باب ما جاء في العمل في الأيام العشر، برقم 757، واللفظ له.
([1177]) أحمد، برقم 5446، 6154، وصححه أحمد شاكر، 7/44.
([1178]) مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي ذر t، برقم 2473.
([1179]) البيهقي في السنن الكبرى، 5/ 147، والبيهقي في دلائل النبوة، 2/ 208- 212، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2435.
([1180]) البزار، [مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة ومسند أحمد، برقم 800]، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: «رواه البزار بإسناد صحيح»، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 40.
([1181]) الطبراني في المعجم الكبير، 11/ 98، برقم 11167، وفي المعجم الأوسط، [مجمع البحرين بزوائد المعجمين، 3/ 234، برقم 1738]، ما بين المعقوفين من المعجم الأوسط، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب،2/ 40،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1056.
([1182]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم 3062، وأحمد، 3/ 357، 372، وابن أبي شيبة، 7/ 453، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، 3/ 59.
([1183]) الترمذي، كتاب الحج، باب 115، برقم 963، والحاكم، 1/ 585، والبيهقي في الكبرى، 5/ 202، وفي شعب الإيمان، 3/ 482، برقم 4129، وأبو يعلى، 8/ 139، برقم 4683، وصححه الألباني في صحيح الترمذي،1/ 493،وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 883.
([1184]) زاد المعاد، 4/ 178، 393.
([1185]) زاد المعاد، 4/ 178، والجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 21.
([1186]) رواه الطبراني في الأوسط [مجمع البحرين في زوائد المعجمين، 3/ 185، برقم 1650]، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 10، 11.
([1187]) متفق عليه: البخاري، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللَّه ﷺ، برقم 1، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنية»، برقم 1907.
([1188]) قطيفة: كساءٌ له خمْلٌ. الترغيب للمنذري، 2/ 130.
([1189]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج على الرحل، برقم 2890، والترمذي في الشمائل، برقم 327، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 7، وفي مختصر الشمائل، برقم 288، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 17.
([1190])متفق عليه: البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، برقم 2697، ومسلم كتاب، الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، برقم 1718، وهذا لفظ مسلم، أما لفظ البخاري: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ».
([1191]) سورة الفرقان، الآية: 23.
([1192]) سورة النساء، الآية: 125.
([1193]) سورة البقرة، الآية: 112.
([1194]) انظر: بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص10.
([1195]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 9/ 119، وفتح الباري لابن حجر، 3/ 382.
([1196]) البخاري، برقم 5888، 5890، ومسلم، برقم 257، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1197]) الترمذي، برقم 830، وابن خزيمة، 4/161، وصحح الألباني في صحيح الترمذي، 1/433، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1198]) البخاري، برقم 1538، ورقم 271، 5918، 5923، ومسلم، برقم 1190، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1199]) أبو داود، بلفظه، كتاب الطب، باب في الأمر بالكحل، برقم 3878، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من الأكفان، برقم 994، وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيما يستحب من الكفن، برقم 1472، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/502.
([1200]) أحمد، 2/34، وذكره الحافظ في التلخيص، 2/237، وعزاه لأبي عوانة بسند على شرط الصحيح.
([1201]) مسلم، برقم 25 – (1243) وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1202]) البخاري، برقم 1534، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1203]) البخاري، كتاب الحج، باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة، برقم 1551.
([1204]) فتح الباري، لابن حجر، 3/412.
([1205]) البخاري، برقم 1552، 166، 1514، 1609، 2865، 5151، ومسلم برقم 1186، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1206]) البخاري، برقم 1553، وتقدم تخريجه في الإحرام.
([1207]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1553.
([1208]) مختصر صحيح البخاري، كتاب الحج، باب 29، 1/459.
([1209]) أبو داود، برقم 1814، والترمذي، برقم 829، وابن ماجه، برقم 1926، وصححه الألباني، في صحيح الترمذي، 1/433، وتقدم تخريجه في التلبية.
([1210]) البخاري، كتاب الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة، برقم 1573، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهاراً، برقم 1259.
([1211]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1573.
([1212]) البخاري، كتاب الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة، برقم 1573، ومسلم، برقم 1259، وتقدم.
([1213]) البخاري، كتاب الحج، باب دخول مكة نهاراً أو ليلاً، برقم 1574.
([1214]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1574.
([1215]) قال الحافظ ابن حجر :: قوله: «باب دخول مكة نهاراً أو ليلاً» أورد فيه حديث ابن عمر ب في المبيت بذي طوى حتى يصبح، وهو ظاهر في الدخول نهاراً، وقد أخرجه مسلم من طريق أيوب عن نافع بلفظ: «كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح، ويغتسل، ثم يدخل مكة نهاراً»، وأما الدخول ليلاً فلم يقع منه ﷺ إلا في عمرة الجعرانة؛ فإنه ﷺ أحرم من الجعرانة، ودخل مكة ليلاً، فقضى أمر العمرة، ثم رجع ليلاً فأصبح بالجعرانة، كبائتٍ، كما رواه أصحاب السنن الثلاثة، من حديث محرش الكعبي، وترجم عليه النسائي «دخول مكة ليلاً» وروى سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي قال: «كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهاراً، ويخرجون منها ليلاً»، وأخرج عن عطاء: إن شئتم فادخلوا ليلاً، إنكم لستم كرسول اللَّه ﷺ، إنه كان إماماً فأحب أن يدخلها نهاراً، ليراه الناس، انتهى، وقضية هذا أن من كان إماماً يقتدى به استحب له أن يدخلها نهاراً» [فتح الباري لابن حجر، 3/436].
([1216]) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أين يخرج من مكة، برقم 1577، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا والخروج منها من الثنية السفلى، برقم 1258.
([1217]) قال أبو عبداللَّه [أي البخاري] :: «كَداءٌ، وكُداً موضعان»[أي بمكة]، آخر حديث رقم 1581 من صحيح البخاري، وجاء في سنن أبي داود، برقم 1868 عن عائشة ل قالت: «دخل رسول اللَّه ﷺ عام الفتح من كَدَاء من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كُدى» [قال الشوكاني في نيل الأوطار، 3/365: «كداء» بفتح الكاف والمد، قال أبو عبيدة: لا تصرف، وهي الثنية العليا، قوله: ودخل العمرة من كُدى بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى... قال عياض والقرطبي وغيرهما: «اختلف في ضبط كداء وكُدى، فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد، والسفلى بالقصر والضم».
([1218]) الثنية: كل عقبة في جبل أو طريق عالٍ فيه تسمى ثنية [فالثنية الطريق العالي] والثنية العليا هي التي ينزل منها إلى المعلى [أو المعلاة] مقبرة أهل مكة [وهي كَداء] وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية، ثم عبدالملك، ثم المهدي، على ما ذكره الأزرقي، قال الحافظ ابن حجر: «ثم سُهِّل في عصرنا هذا منها سنة إحدى عشرة وثمان مئة موضع، ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمان مائة»، والثنية السفلى [كُدا] عند باب الشبيكة بقرب شعب الشاميين، من ناحية قعيقان، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع [انتهى بتصرف من فتح الباري لابن حجر، 3/437].
([1219]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1579.
([1220]) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب من أين يدخل مكة، برقم 1575، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب دخول مكة من الثنية السفلى والخروج منها من الثنية السفلى، برقم 1257.
([1221]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري الحديث رقم 1575.
([1222]) وسيأتي تخريجه إن شاء اللَّه تعالى في صفة دخول مكة.
([1223]) وسيأتي تخريجه إن شاء اللَّه تعالى في صفة الطواف.
([1224]) وأدلة هذه السنن للطواف تأتي في صفة الطواف، وانظر: الشرح الكبير لابن قدامة، 9/124، والكافي لابن قدامة، 2/414، والإقناع لطالب الانتفاع للحجاوي، 2/13، ومفيد الأنام في تحرير الأحكام لحج بيت اللَّه الحرام، لابن جاسر، 1/268، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب للشيخ عبدالقادر بن عمر التغلبي، 1/307.
([1225]) مجموع فتاوى ابن باز، 16/139، 17/232، 343 – 346.
([1226]) انظر الاستخارة في البخاري، 7/162، وحصن المسلم، ص45، للمؤلف.
([1227]) سورة الأنعام، الآيتان: 162، 163.
([1228]) سورة الكهف، الآية: 110.
([1229]) سورة الإسراء، الآية: 18.
([1230]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2985.
([1231]) أحمد في المسند،5/428 وحسنه الألباني في صحيح الجامع،2/45.
([1232]) متفق عليه من حديث جندب t: البخاري، كتاب الرقاق، باب الرياء والسمعة، برقم 6499، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2987.
([1233]) سورة البينة، الآية: 5.
([1234]) البخاري، من حديث معاوية t، كتاب العلم، باب من يرد اللَّه به خيرًا يفقهه في الدين، برقم 71.
([1235]) انظر: سورة النور، الآية: 31، والبخاري، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، برقم 6534، 6535.
([1236]) انظر: صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، برقم 1015.
([1237]) أبو نعيم في الحلية بنحوه، 1/31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164 وفي المسند، 3/321، والدارمي، 2/229، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 4/172، وانظر: فتح الباري، 3/113.
([1238]) سورة لقمان، الآية: 34.
([1239]) متفق عليه من حديث ابن عمر ب: البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، برقم 2738، ومسلم، كتاب الوصية، برقم 1627.
([1240]) سورة النساء، الآية: 131.
([1241]) أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، برقم 4833، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/188.
([1242]) أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، برقم 4832، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن، برقم 2395، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 4832، وصحيح الترمذي، برقم 2519.
([1243]) متفق عليه من حديث أبي موسى t: البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، برقم 5534، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء، برقم 2628.
([1244]) أحمد، 2/403، ابن ماجه، الجهاد، باب تشييع الغزاة ووداعهم، برقم 2825، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 16، 2547، وصحيح سنن ابن ماجه، 2/133.
([1245]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الدعاء عند الوداع، برقم 2600، والترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء فيما يقول إذا ودع إنسانًا، برقم 3442، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/155.
([1246]) الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا ودع إنسانًا، برقم 3444، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي، 3/419: «حسن صحيح».
([1247]) الترمذي، كتاب الدعوات، باب منه وصيته ﷺ المسافر بتقوى اللَّه والتكبير على كل شرف، برقم 3445 وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب فضل الحرس والتكبير في سبيل اللَّه، برقم 2771. وأحمد، والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/156، وصحيح ابن ماجه، 2/124، وصحيح ابن خزيمة، 4/149.
([1248]) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة: باب كراهة الكلب والجرس في السفر، (برقم 2113).
([1249]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب كراهة الكلب والجرس في السفر، برقم 2114، وأحمد في مسنده، 2/372، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في تعليق الأجراس، برقم 2556.
([1250]) متفق عليه، البخاري، كتاب الهبة، باب هبة المرأة لغير زوجها، برقم 2593، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عائشة ل، برقم 2445.
([1251]) سمعته من شيخنا الإمام ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 2879.
([1252]) البخاري، كتاب الجهاد، باب من أراد غزوة فورّى بغيرها ومن أحب الخروج يوم الخميس، برقم 2948.
([1253]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الابتكار في السفر برقم 2606، والترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في التبكير بالتجارة، برقم 1212، وابن ماجه في كتاب التجارات، باب ما يرجى من البركة في البكور، برقم 2236، وأحمد في مسنده، 1/154، 3/416، قال أبو عيسى: حديث حسن، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/494، وصحيح الترمذي، 2/7-8.
([1254]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته، برقم 5095، والترمذي في كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج من بيته، برقم 3426، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/410، وصحيح أبي داود، 3/959.
([1255]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته، برقم 5094، والترمذي في كتاب الدعوات، باب منه، برقم 3427، والنسائي في كتاب الاستعاذة، باب الاستعاذة من دعاء لا يستجاب، برقم)، وابن ماجه في كتاب الدعوات، باب ما يدعو الرجل إذا خرج من بيته، برقم 3884، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/959، وصحيح الترمذي، 3/410-411.
([1256]) سورة الزخرف، الآيتان: 13-14.
([1257]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، برقم 1342.
([1258]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب السير وحده، برقم 2998.
([1259]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الرجل يسافر وحده، برقم 2607، والترمذي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده، برقم 1674، وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في مسنده، 2/186، 214، والحاكم في المستدرك، 2/102، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسّنه الألباني في الصحيحة، برقم 62، وصحيح الترمذي، 2/245.
([1260]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، برقم 2608، 2609، وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/494، 495.
([1261]) أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته، برقم 2628، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/130.
([1262]) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، برقم 2709.
([1263]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب التسبيح إذا هبط واديًا، برقم 2993.
([1264]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير، برقم 2992، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2704.
([1265]) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، برقم 544، وابن السني في عمل اليوم والليلة، برقم 524، وابن حبان كما في موارد الظمآن، برقم 2377، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 2565، والحاكم في المستدرك، 1/446، 2/100، وصححه ووافقه الذهبي، وحسّنه الحافظ ابن حجر. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/137: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وقال ابن باز : في تحفة الأخيار، ص37: « رواه النسائي بإسناد حسن».
([1266]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الدلجة، برقم 2571، والحاكم في مستدركه، 1/445، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في سننه الكبرى، 5/256، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 681، وفي صحيح سنن أبي داود، 2/469.
([1267]) أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم 2718.
([1268]) أخرجه أبو داود في كتاب الوتر، باب الدعاء بظهر الغيب، برقم 1536، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين، برقم 1905، وابن ماجه في كتاب الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم، برقم 3862، وأحمد، 3/258، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 4/344، وغيره.
([1269]) انظر: زاد المعاد لابن القيم، 2/227، و286.
([1270]) أخرجه الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم 2169، وابن ماجه، وأحمد، 5/388، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/460.
([1271]) سورة البقرة، الآية: 198.
([1272]) سورة الأحزاب، الآية: 58.
([1273]) سورة الحج، الآية: 25.
([1274]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، برقم 6011، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، برقم 2586.
([1275]) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، برقم 4682، والترمذي في كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، برقم1162، وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد في مسنده، 2/250، 472، والحاكم في مستدركه، 1/3، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 284، وصحيح الترمذي، 1/594.
([1276]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في حسن الخلق، برقم 4798، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/911، وفي صحيح الجامع، برقم 1932.
([1277]) أخرجه مسلم في كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، برقم 1728.
([1278]) ومعنى يزجي الضعيف: أي يسوقه ويدفعه حتى يلحق بالرفاق. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 2/297.
([1279]) أخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في لزوم الساقة، برقم 2639، والحاكم في المستدرك، 2/115،وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/500، وفي الصحيحة، برقم 2120.
([1280]) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب السفر قطعة من العذاب، برقم 1804، ومسلم في كتاب الإمارة، باب السفر قطعة من العذاب واستحباب تعجيل المسافر إلى أهله بعد قضاء شغله، برقم 1927، والنهمة: هي الحاجة.
([1281]) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب ما يقول إذا رجع من الحج، برقم 1797، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره، برقم 1344.
([1282]) أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره، برقم 1342.
([1283]) لا يطرق أهله: أي لا يدخل عليهم ليلاً إذا قدم من سفر.
([1284]) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة، برقم 1801، ومسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلاً لمن ورد من سفر، برقم 1928/184.
([1285]) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب كراهة الطروق وهو الدخول ليلاً لمن ورد من سفر، برقم 1928/184.
([1286]) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب الصلاة إذا قدم من سفر بعد الحديث رقم 443، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، برقم 716.
([1287]) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة، برقم 1798، وفي كتاب اللباس، باب الثلاثة على الدابة، برقم 5965.
([1288]) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد اللَّه بن جعفر ب، برقم 2428/67، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في ركوب ثلاثة على دابة، برقم 2566)،وابن ماجه في كتاب الأدب، باب ركوب ثلاثة على دابة، برقم 3773، وانظر فتح الباري، 10/396.
([1289]) أخرجه أبو يعلى في مسنده، برقم 6148، والبيهقي في سننه الكبرى، 6/169، وفي شعب الإيمان، برقم 8976، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 594، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، 3/70: إسناده حسن. وكذا حسّنه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1601.
([1290]) انظر: المنهاج للمعتمر والحاج لسعود بن إبراهيم الشريم، ص124.
([1291]) أخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي ذر t، برقم 2473، وما بين المعقوفين عند البزار، والبيهقي والطبراني، وإسناده صحيح، انظر: مجمع الزوائد، 3/286.
([1292]) أخرجه ابن ماجه في كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، برقم 3062، والبيهقي في السنن الكبرى، 5/202، وأحمد في المسند، 3/372، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/59، وإرواء الغليل، رقم 1123، والصحيحة، برقم 883.
([1293]) أخرجه الترمذي في كتاب الحج، باب برقم 115، برقم 963 مختصرًا، والحاكم في المستدرك، 1/485، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 883، وصحيح الجامع، برقم 4931.
([1294]) الطبراني في الأوسط (مجمع البحرين في زوائد المعجمين)، 5/262، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/36، وقال: رجاله رجاله الصحيح.
([1295]) صرار: موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة المشرق. فتح الباري، 6/194.
([1296]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الطعام عند القدوم، برقم 3089، واللفظ له، ومسلم مختصرًا في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه، برقم 715/72.
([1297]) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، 5/109، والقاموس المحيط، ص992، وانظر: المغني لابن قدامة، 1/191.
([1298]) قاله ابن بطال كما في فتح الباري، 6/194.
([1299]) (لا هجرة) قال العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة. والمعنى لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، وإنما تكون الهجرة من دار الحرب.
([1300]) (ولكن جهاد ونية) معناه لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء.
([1301]) (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا.
([1302]) (لا يعضد) قال أهل اللغة: العضد: القطع.
([1303]) (لقطته) اللقطة اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط هو أخذه. وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحسّ.
([1304]) (ولا يختلى خلاها) الخلا هو الرطب من الكلأ. قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه. والحشيش والهشيم اسم لليابس منه. والكلأ يقع على الرطب واليابس. ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع.
([1305]) (الإذخر) قال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي، من فصيلة النجيليات، له رائحة ليمونية عطرة، أزهاره تستعمل منقوعاً كالشاي، ويقال له أيضاً: طيب العرب. والإذخر المكي من الفصيلة نفسها، جذوره من الأفاوية، ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة. ويقال له أيضاً: حلفاء مكة.
([1306]) (لقينهم وبيوتهم) القين هو الحداد والصائغ. ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار. ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات. ويحتاج إليه في سقوف البيوت، يجعل فوق الخشب.
([1307]) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ الشاهد الغائب، برقم 104، وكتاب الحج، باب: لا يعضد شجر الحرم، برقم 1832، وكتاب المغازي، باب حدثني محمد بن بشار، برقم 4295، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، برقم 1353، والألفاظ من مجموع المواضع.
([1308]) (يبعث البعوث) يعني لقتال ابن الزبير.
([1309]) (سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه.
([1310]) (ترخص) في المنجد: ترخص في الأمر أخذ فيه بالرخصة، والرخصة قال في المقاييس: الرخصة في الأمر خلاف التشديد.
([1311]) (لا يعيذ عاصياً) أي لا يجيره ولا يعصمه، أراد به عبداللَّه بن الزبير.
([1312]) (ولا فاراً بدم) أي ولا يعيذ الحرم هارباً التجأ إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل.
([1313]) (ولا فاراً بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء. هذا هو المشهور. ويقال بضم الخاء أيضاً، حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون. وأصلها سرقة الإبل. وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض.
([1314]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، برقم 1349، وأطرافه في صحيح البخاري، بالأرقام الآتية: 587، 1833، 1834، 2090، 2433، 2783، 2825، 3077، 3189، 4313، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها برقم 1353.
([1315]) (ساقطتها) معنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه.
([1316]) (إلا لمنشد) المنشد هو المعرف.
([1317]) (ومن قتل له قتيل) معناه: وليّ المقتول بالخيار. إن شاء قتل القاتل، وإن شاء أخذ فداءه، وهي الدية.
([1318]) متفق عليه، البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 112، وأطرافه في صحيح البخاري، برقم 2434، 6880، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، وخلاها، ولقتطها، إلا لمنشد على الدوام، برقم 1355، والألفاظ بين المعقوفات من الأطراف في البخاري المذكورة.
([1319]) (بقتيل) متعلق بقتلوا، أي بمقابلة مقتول من بني خزاعة قتله قاتل من بني ليث.
([1320]) (حبس عن مكة الفيل) أي منعه من الدخول فيها حين جاء يقصد خراب الكعبة.
([1321]) (لا يخبط شوكها) أي لا يقطع. وأصل الخبط إسقاط الورق من الشجر.
([1322]) (وإما أن يقاد) من الإقادة، ومعناها تمكين ولي الدم من القود، وأصله أنهم يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل.
([1323]) البخاري، برقم 112، ومسلم برقم 448 – (1353) وتقدم تخريجه في الذي قبله.
([1324]) مسلم، كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة، برقم 1356.
([1325]) (مغفر) المغفر هو ما يلبس على الرأس من درع الحديد.
([1326]) (اقتلوه) قال العلماء: إنما قتله لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلماً كان يخدمه، وكان يهجو النبي ﷺ ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي ﷺ والمسلمين.
([1327]) متفق عليه، البخاري، كاتب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، وأطرافه في البخاري، برقم 3044، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير، وكتاب المغازي، باب أين ركز النبي ﷺ الراية يوم الفتح، برقم 4286، وكتاب اللباس، باب المغفر، برقم 5808، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 357، واللفظ للبخاري.
([1328]) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1358.
([1329]) (طرفيها) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها: طرفيها بالتثنية. وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي. وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد، وإن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية.
([1330]) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1359.
([1331]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل مكة، برقم 3108، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/78.
([1332]) (في صاعها ومدها) أي فيما يكال بهما. فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال، لأن الدعاء إنما هو للبركة في الطعام المكيل، لا في المكاييل، والمد مكيال دون الصاع.
([1333]) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي ﷺ ومده، برقم 2129، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم 1360،واللفظ لمسلم، إلا ما بين المعقوفين فمن البخاري.
([1334]) (لابتيها) اللابة هي الحرة، والمدينة المنورة بين حرتين شرقية وغربية تكتنفانها، والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود، كأنها أحرقت بالنار، ومعنى ذلك اللابتان وما بينهما. والمراد تحريم المدينة ولابتيها.
([1335]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريم صيدها، وبيان حدود حرمها، برقم 1361.
([1336]) (وذلك عندنا في أديم خولاني) هذا قول رافع بن خديج، وهو صحابي أنصاري شهد أحداً وما بعدها، يريد رافع أن حديث تحريم المدينة محفوظ عندنا بالكتابة في جلد مدبوغ منسوب إلى خولان وهي كما في معجم البلدان كورة من كور اليمن، وقرية كانت بقرب دمشق خربت، بها قبر أبي مسلم الخولاني، ولعل أديم تلك النواحي في تلك الزمان كان من أنعم الجلود التي يكتبون فيها.
([1337]) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة...برقم457–(1361).
([1338]) (عضاهها) العضاه كل شجر يعظم وله شوك. واحدها عضاهة، وعضهة وعضة.
([1339]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة... برقم 1362.
([1340]) (لأوائها) قال أهل اللغة: اللأواء: الشدة والجوع.
([1341]) (وجهدها) والجهد: هو المشقة.
([1342]) (شفيعاً أو شهيداً) أو بمعنى الواو. أو للتقسيم. أي شفيعاً لقوم وشهيداً لآخرين، قال القاضي عياض: إن هذا الحديث رواه جابر، وسعد، وابن عمر، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأسماء بنت عميس، وصفية بنت أبي عبيد y، عن النبي ﷺ بهذا اللفظ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة. بل الأظهر أنه قاله ﷺ هكذا.
([1343]) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 1363.
([1344]) مسلم، برقم 460 – (1363) وتقدم في الذي قبله.
([1345]) (أو يخبطه) الخبط جاء هنا عديلاً للقطع، فيراد به معناه الأصلي، وهو إسقاط الورق.
([1346]) (فسلبه) أي أخذ ما عليه ما عدا الساتر لعورته، زجراً له عن العودة لمثله.
([1347]) (نفلنيه) التنفيل إعطاء النفل. أي أعطانيه زيادة على نصيبي من قسمة الغنيمة.
([1348]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ بالبركة، برقم 1364.
([1349]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأطعمة، باب الحيس، برقم 5425، واللفظ له، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، برقم 1365.
([1350]) (فمن أحدث فيها حدثاً) معناه من أتى فيها إثماً.
([1351]) (صرفاً ولا عدلاً) قال الأصمعي: الصرف التوبة، والعدل الفدية: وروى ذلك عن النبي ﷺ. قال القاضي: وقيل المعنى لا تقبل فريضته ولا نافلته قبول رضا، وإن قبلت قبول جزاء.
([1352]) (أو آوى محدثاً) أي آوى من أتاه وضمه إليه وحماه. ويقال: أوى بالقصر والمد، في الفعل اللازم والمتعدي جميعًا، لكن القصر في اللازم أشهر وأفصح. والمد في المتعدي أشهر وأفصح. وبالأفصح جاء القرآن العزيز في الموضعين.
([1353]) متفق عليه: البخاري، كتاب الاعتصام، باب إثم من أوى محدثاً، برقم 7306، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1366.
([1354]) متفق عليه، البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي ﷺ ومده، برقم 2130، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الدينة، برقم 1368، واللفظ للبخاري.
([1355]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب المدينة تنفي الخبث، برقم 1885، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1369، واللفظ للبخاري.
([1356]) (في قراب سيفه) القراب هو الغلاف الذي يجعل فيه السيف بغمده.
([1357]) (فقد كذب) قال النووي: هذا تصريح من علي t بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم: إن علياً أوصى إليه النبي ﷺ بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة. وإنه ﷺ خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم. وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها. ويكفي في إبطالها قول علي t هذا.
([1358]) (فيها أسنان الإبل) أي في تلك الصحيفة بيان أسنان الإبل التي تعطى دية.
([1359]) (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور) ذكر ابن حجر ؒ في فتح الباري، 4/82، قول مصعب الزبيري: ليس في المدينة عير ولا ثور، ثم قال ابن حجر: قال أبو عبيد قوله: «ما بين عير وثور»، هذه رواية أهل العراق، وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلاً عندهم يقال له ثور، وإنما ثور بمكة...
ثم قال ابن حجر: «وقال المحب الطبري في الأحكام: بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبدالسلام البصري، أن حذاء أحد، عن يساره، جانحاً إلى ورائه، جبل صغير يقال له: ثور. وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكلٌّ أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور. وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه. قال: وهذه فائدة جليلة. انتهى.
ثم قال الحافظ ابن حجر ؒ: وقرأت بخط شيخ شيوخنا ...الحلبي في شرحه: حكى لنا شيخنا أبو محمد عبدالسلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولاً إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل . وكان يذكر له الأماكن والجبال. قال: فلما وصلنا إلى أحد، إذا بقربه جبل صغير، فسألته عنه؟ فقال: هذا يُسمَّى ثوراً. قال: فعلمت صحة الرواية. قلت: وكان هذا مبدأ سؤاله عن ذلك.
وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي، نزيل المدينة، في مختصره لأخبار المدينة، أن خَلَفَ أهل المدينة ينقلون عن سلفهم؛ أن خَلْفَ أحدٍ، من جهة الشمال جبلاً صغيراً إلى الحمرة بتدوير، يسمى ثوراً. قال: وقد تحققته بالمشاهدة. اهـ. من فتح الباري لابن حجر :،4/82 – 83.
([1360]) (وذمة المسلمين واحدة) المراد بالذمة هنا الأمان. معناه أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمنه أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له مادام في أمان المسلم.
([1361]) (يسعى بها أدناهم) أي يتولاها ويلي أمرها أدنى المسلمين مرتبة.
([1362]) (فمن أخفر مسلماً) معناه من نقض أمان مسلم، فتعرَّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال أخفرت الرجل: إذا نقضت عهده، وخفرته إذا أمنته.
([1363]) (ومن ادعى إلى غير أبيه) هذا صريح في غلظ تحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه، أو انتماء العتيق إلى غير مواليه لما فيه من كفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك، مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق.
([1364]) متفق عليه: البخاري، كتاب الفرائض، باب إثم من تبرأ من مواليه، برقم 6755، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1370.
([1365]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1371.
([1366]) (لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها) معنى ترتع: ترعى. وقيل: تسعى وتنبسط. ومعنى ذعرتها أزعجتها، وقيل نفرتها، وكنى بذلك عن عدم صيدها.
([1367]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب لابتي المدينة، برقم 1873، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1372.
([1368]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، برقم 1373.
([1369]) (الريف) قال أهل اللغة: الريف هو الأرض التي فيها زرع وخصب، وجمعه أرياف. ويقال: أريفنا، صرنا إلى الريف. وأرافت الأرض، أخصبت فهي ريفة.
([1370]) (وإن عيالنا لخلوف) أي ليس عندهم رجال ولا من يحميهم.
([1371]) (تُرْحَل) أي يشد عليها رحلها.
([1372]) (ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة) معناه أواصل السير ولا أحل عن راحلتي عقدة من عقد حملها ورحلها حتى أصل إلى المدينة، لمبالغتي في الإسراع إلى المدينة.
([1373]) (إني حرمت المدينة حراماً) نصب على المصدر، إما لحرمت على غير لفظه كقوله تعالى: (واللَّه أنبتكم من الأرض نباتاً) وما بين مأزميها بدل من المدينة، ويحتمل أن يكون حراماً مفعول فعل محذوف، أي جعلت حراماً ما بين مأزميها، وما بين مأزميها مفعولاً ثانياً.
([1374]) (ما بين مأزميها) المأزم هو الجبل، وقيل: المضيق بين الجبلين ونحوه، والأول هو الصواب هنا، ومعناه ما بين جبليها.
([1375]) (لعلْف) هو بإسكان اللام، وهو مصدر علفت علفاً. وأما العلف، بفتح اللام، فاسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها.
([1376]) (شعب ولا نقب) قال أهل اللغة: الشعب هو الفرجة النافذة بين الجبلين. وقال ابن السكيت: هو الطريق في الجبل. والنقب هو مثل الشعب، وقيل هو الطريق في الجبل. قال الأخفش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها.
([1377]) (ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة... إلخ) معناه أن المدينة في حال غيبتهم عنها كانت محمية محروسة، كما أخبر النبي ﷺ حتى أن بني عبداللَّه بن غطفان أغاروا عليها حين قدمناه، ولم يكن قبل ذلك يمنعهم من الإغارة عليها مانع ظاهر، ولا كان لهم عدو يهيجهم ويشتغلون به، بل سبب منعهم قبل قدومنا حراسة الملائكة، كما أخبر النبي ﷺ.
([1378]) (وما يهيجهم) قال أهل اللغة: يقال هاج الشر وهاجت الحرب وهاجها الناس، أي تحركت وحركوها. وهجت زيداً، حركته للأمر. كله ثلاثي.
([1379]) (ليالي الحرة) يعني الفتنة المشهورة التي نهبت فيها المدينة سنة ثلاث وستين.
([1380]) (الجلاء) هو الفرار من بلد إلى غيره.
([1381]) (في يده الطير) جملة اسمية، وقعت حالاً، نحو كلمته فوه إلى فيّ.
([1382]) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكن المدينى والصبر على لأوائها، برقم (1374).
([1383]) (أهوى بيده إلى المدينة) أي أومأ بها إليها.
([1384]) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها برقم (1375).
([1385]) (وبيئة) يعني ذات وباء، وهو الموت الذريع. هذا أصله، ويطلق أيضاً على الأرض الوخمة التي تكثر بها الأمراض، لاسيما للغرباء الذين ليسوا مستوطنيها.
([1386]) (وحول حماها إلى الجحفة) قال الخطابي وغيره: كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهوداً، قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوة نبينا ﷺ، فإن الجحفة من يومئذ مجتنبة، ولا يشرب أحد من مائها إلا حم.
([1387]) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء برفع الوباء والوجع، برقم 6372، وأطرافه في البخاري برقم 1899، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1376.
([1388]) (في الفتنة) وهي وقعة الحرة التي وقعت زمن يزيد.
([1389]) (اقعدي لكاع) قال أهل اللغة: يقال امرأة لكاع ورجل لُكَع. ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره، وعلى الصغير.
([1390]) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1377.
([1391]) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، برقم 1378.
([1392]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل الدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة، برقم 1879، ومسلم، كتاب الحج، باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها، برقم 1379.
([1393]) (يأتي المسيح): أي الدجال.
([1394]) مسلم، كتاب الحج، باب صيانة المدينة برقم 1380.
([1395]) (كالكير) هو منفخ الحداد الذي ينفخ به النار، أو الموضع المشتمل عليها. الأول يكون من الزق ويكون من الجلد الغليظ. والثاني أي موضع نار الحداد، يكون مبنياً من الطين، أو هو يسمى كوراً.
([1396]) (خبث الحديد) قال العلماء: خبث الحديد والفضة هو وسخهما وقذرهما الذي تخرجه النار منهما.
([1397]) (أمرت بقرية تأكل القرى) معناه أمرت بالهجرة إليها واستيطانها. وذكروا في معنى أكلها القرى وجهين: أحدهما أنها مركز جيوش الإسلام في أول الأمر. فمنها فتحت القرى وغنمت أموالها وسباياها.
والثاني: معناه أن أكلها وميرتها تكون من القرى المفتتحة، وإليها تساق غنائمها.
([1398]) (يقولون يثرب وهي المدينة) يعني أن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسمونها يثرب. وإنما اسمها المدينة وطابة وطيبة. ففي هذا كراهة تسميتها يثرب.
([1399]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس، برقم 1871، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1382.
([1400]) (وعك) هو مغث الحمى وألمها. ووعك كل شيء معظمه وشدته.
([1401]) (ينصع) أي يصفو ويخلص ويتميز. والناصع الصافي الخالص. ومنه قولهم: ناصع اللون أي صافيه وخالصه. ومعنى الحديث أنه يخرج من المدينة من لم يخلص إيمانه، ويبقى فيها من خلص إيمانه قال أهل اللغة: يقال نصع الشيء ينصع، بفتح الصاد فيهما، نصوعاً إذا خلص ووضح. والناصع الخالص من كل شيء.
([1402]) متفق عليه: البخاري، كتاب الأحكام، باب من بايع ثم استقال البيعة، برقم 7211، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1383.
([1403]) متفق عليه: البخاري، كتاب التفسير، سورة النساء، باب ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾، برقم 4589، ومسلم، كتاب الحج، باب المدينة تنفي شرارها، برقم 1385.
([1404]) (طابة) هذا فيه استحباب تسميتها طابة، وليس فيه أنها لا تسمى بغيره. فقد سماها اللَّه تعالى المدينة في مواضع من القرآن، وسماها النبي ﷺ طيبة.
([1405]) مسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه، برقم 1385.
([1406]) (بسوء) قيل يحتمل أن المراد من أرادها غازياً مغيراً عليها، ويحتمل غير ذلك.
([1407]) مسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه اللَّه، برقم 386.
([1408]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب إثم من كاد أهل المدينة، برقم 1877، ومسلم، كتاب الحج، باب من أراد أهل المدينة بسوء، برقم 1387.
([1409]) (بدهم) أي بغائلة وأمر عظيم.
([1410]) (يبسّون) قال أهل اللغة: يَبِسّون. ويقال أيضاً: يُبسون. فتكون اللفظة ثلاثية ورباعية فحصل في ضبطه ثلاثة أوجه. ومعناه يتحملون بأهليهم. وقيل معناه يدعون الناس إلى بلاد الخصب. وهو قول إبراهيم الحربي. وقال أبو عبيد: معناه يسوقون، والبسّ سوق الإبل. وقال ابن وهب: معناه يزينون لهم البلاد ويحببونها إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليها. ومعناه الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله باشّاً في سيره مسرعاً إلى الرخاء في الأمصار التي أخبر النبي ﷺ بفتحها. قال العلماء: في هذا الحديث معجزات لرسول اللَّه ﷺ، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وإن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة. وإن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب. ووجد جميع ذلك كذلك بحمد اللَّه وفضله، وفيه فضيلة سكنى المدينة والصبر على شدتها وضيق العيش بها.
([1411]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، برقم 1875، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، برقم 1388.
([1412]) (للعوافي) قد فسرها في الحديث بالسباع والطير. وهو صحيح في اللغة مأخوذ من عفوته، إذا أتيته تطلب معروفه. وأما معنى الحديث فالظاهر المختار أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة. وتوضحه قصة الراعيين من مزينة فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة، وهما آخر من يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري.
([1413]) (ينعقان) أي يصيحان.
([1414]) (وحشاً) قيل: معناه يجدانها خلاء، أي خالية ليس بها أحد. قال إبراهيم الحربي: الوحش من الأرض هو الخلاء. والصحيح أن معناه يجدانها ذات وحوش. ويكون وحشاً بمعنى وحوشاً. وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان. وجمعه وحوش. وقد يعبر بواحدة عن جميعه، كما في غيره.
([1415]) (خرا على وجوههما) أي سقطا ميتين.
([1416]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب من رغب عن المدينة، برقم 1874، ومسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، برقم 1389.
([1417]) (روضة من رياض الجنة) ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة. والثاني أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة. قال الطبري: في المراد ببيتي هنا قولان: أحدهما القبر. قاله زيد بن أسلم، كما روى مفسراً: بين قبري ومنبري. والثاني: المراد بين سكناه، على ظاهره. وروي: ما بين حجرتي ومنبري. قال الطبري. والقولان متفقان، لأن قبره في حجرته، وهي بيته.
([1418]) متفق عليه: البخاري، باب فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1195، ومسلم، كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1390.
([1419]) (ومنبري على حوضي) قال القاضي: قال أكثر العلماء: ألمراد منبره بعينه، الذي كان في الدنيا. قال: وهذا هو الأظهر.
([1420]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل ما بين القبر والمنبر، برقم 1196،ومسلم،كتاب الحج، باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، برقم 1391.
([1421]) (وادي القرى) هو واد بين المدينة والشام. وهو بين تيماء وخيبر، من أعمال المدينة، سمي وادي القرى لأن الوادي من أوله إلى آخره قرى منظومة. لكنها الآن كلها خراب، ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد، فتحها النبي ﷺ بعد فراغه من فتح خيبر سنة سبع. اهـ من معجم البلدان.
([1422]) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب حدثنا يحيى بن بكير، برقم 4422، ومسلم، كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، برقم 1392.
([1423]) مسلم، كتاب الحج، باب أحد جبل يحبنا ونحبه، برقم 1393.
([1424]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1190،ومسلم،كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، برقم 1394.
([1425]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة في مسجدي مكة والمدينة، برقم 1395.
([1426]) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، برقم 1406، وأحمد، 3/343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 1/236، وفي إرواء الغليل، 4/341.
([1427]) (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) هكذا وقع في صحيح مسلم هنا: ومسجد الحرام ومسجد الأقصى، وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، وقد أجازه النحويون الكوفيون. وتأوله البصريون على أن فيه محذوفاً تقديره: مسجد المكان الحرام، والمكان الأقصى، ومنه قوله تعالى: ]وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ [.أي المكان الغربي، ونظائره
([1428]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1189، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، برقم 1397.
([1429]) (إيلياء) مسجد إيلياء هو بيت المقدس.
([1430]) مسلم برقم 513 – (1397) وتقدم تخريجه.
([1431]) (هو مسجدكم هذا) هذا نص بأنه المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في القرآن، وأما أخذه ﷺ الحصباء وضربه في الأرض، فالمراد به المبالغة في الإيضاح، لبيان أنه مسجد المدينة، والحصباء الحصى الصغار.
([1432]) مسلم، كتاب الحج، باب بيان المسجد الذي أسس على التقوى، برقم 1398.
([1433]) (قباء) الفصيح المشهور فيه، المد والتذكير والصرف، وهو قريب من المدينة من عواليها.
([1434]) متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1194، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء وفضل الصلاة فيه، برقم 1399.
([1435]) النسائي، كتاب المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه، برقم 700، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1412، وصححه الألباني في صحيح النسائي 1/150، وفي صحيح ابن ماجه، 1/237.
([1436]) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مسجد قباء، برقم 324، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم 1411، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/104، وفي صحيح ابن ماجه، 1/237.
([1437]) يارز: ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.
([1438]) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب الإيمان يأرز إلى المدينة، برقم 1876.
([1439]) البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب حدثنا مسدد عن يحيى، برقم 1890.
([1440]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل المدينة، برقم 3112، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/79.
([1441]) أي المدينة.
([1442]) يعرفها تعريفاً مستمراً.
([1443]) أبو داود، كتاب المناسك، باب تحريم المدينة، برقم (2035)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/569).
([1444]) سورة آل عمران، الآية: 96.
([1445]) متفق عليه: البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل، برقم 3366، وباب قول اللَّه تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [سورة ص:30]، برقم 3425، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المساجد ومواضع الصلاة برقم 520.
([1446]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138، وانظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/ 115.
([1447]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 3/ 379.
([1448]) تفسير القرآن العظيم، 3/115.
([1449]) المرجع السابق: 3/116.
([1450]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ص138.
([1451]) سورة آل عمران، الآية: 97.
([1452]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 3/116، وتفسير البغوي، 1/328، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص 139.
([1453]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير 3/116، وتفسير السعدي، ص139، وانظر: تفسير الطبري، 3/33، 37، و7/28 – 29.
([1454]) الحطيم: هو ما بين الركن والباب. وقيل : هو الحِجْر المُخْرج منهاـ سمي به لأن البيت رُفع وتُرِك هو مَحْطوماً، وقيل: لأنَّ العرب كانت تطرَح فيه ما طافت به من الثياب، فَتَبْقى حتَّى تَنْحَطم بِطُول الزمان فيكونُ فعيلا بمعنى فاعل. [النهاية، مادة حطم].
([1455]) تفسير البغوي: 1/ 328.
([1456]) جامع البيان، 7/ 28.
([1457]) تفسير القرآن العظيم، 3/ 117.
([1458]) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص 139.
([1459]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 3/ 383.
([1460]) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 3/117، وتفسير البغوي، 1/329، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي، ص139.
([1461]) تفسير الطبري،7/29 -34،وتفسير القرآن العظيم لابن كثير،3/ 117،وتفسير البغوي، 1/ 329.
([1462]) سورة البقرة، الآية: 126.
([1463]) سورة إبراهيم، الآية: 35.
([1464]) تفسير البغوي، 1/ 329.
([1465]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 3/ 380.
([1466]) سورة القصص، الآية: 57.
([1467]) سورة العنكبوت، الآية: 67.
([1468]) سورة البقرة، الآية: 125.
([1469]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 3/ 380.
([1470]) البخاري، برقم 2129، ومسلم، برقم 1360، ويأتي تخريجه إن شاء اللَّه في محظورات الحرم.
([1471]) البخاري برقم 1349، 1834، 1587، 3189، 3077، ومسلم برقم 1353، ويأتي تخريجه إن شاء اللَّه في محظورات الإحرام.
([1472]) تفسير القرآن العظيم، 2/74.
([1473]) سورة الحج، الآية: 25.
([1474]) سورة الحج، الآية: 25.
([1475]) سورة الحج، الآية: 25.
([1476]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 3/ 382.
([1477]) سورة البقرة، الآية: 125.
([1478]) سورة الحج، الآية: 26.
([1479]) صحيح البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة، برقم 1834, ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة، وصيدها، وخلاها، وشجرها، ولقطتها، إلا لمنشد، على الدوام، برقم 1353.
([1480]) مجموع فتاوى ابن باز، 3/ 381.
([1481]) ابن ماجه، برقم 1406، أبواب إقامة الصلوات والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، وأحمد، 23/ 46، برقم 14694، وما بين المعقوفين من مسند الإمام أحمد، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/236.
([1482]) أيهما أفضل: الطواف بالبيت أو صلاة النافلة في المسجد الحرام؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: الطواف بالبيت أفضل، وبه قال بعض علماء الشافعية، واستدلوا بأن اللَّه قدَّم الطواف على الصلاة في قوله: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، وقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [الحج: 26].
والقول الثاني: الصلاة أفضل لأهل مكة، والطواف أفضل للغرباء، وممن قال بهذا القول: ابن عباس، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب. [أضواء البيان، 5/ 229].
قال شيخنا ابن باز ؒ: «في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف، والأرجح أن يكثر من هذا وهذا، ولو كان غريباً، وذهب بعض أهل العلم إلى التفضيل، فاستحبوا الإكثار من الطواف في حقِّ الغريب، ومن الصلاة في حقِّ غيره، والأمر في ذلك واسع وللَّه الحمد». [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 138- 139، 367، و17/ 225، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/248].
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، 26/ 290: «جمهور أهل العلم على أن الطواف بالبيت أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام».
([1483]) البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال، وتكلف ما لا يعنيه، برقم 7290، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد، برقم 781.
([1484]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 30/ 21، 23.
([1485]) مجموع فتاوى ومقالات الإمام ابن باز، 12/ 230.
([1486]) سورة الحج، الآية: 25.
([1487]) سورة التوبة، الآية: 28.
([1488]) سورة الإسراء، الآية: 1.
([1489]) زاد المعاد، 3/ 303.
([1490]) سورة الحج، الآية: 25.
([1491]) الاضطراب هنا: أنه من نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي الْحِلِّ، وَيُصَلِّيَ فِي الْحَرَمِ، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَصْنَعُ. انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/ 270.
([1492]) أحمد في المسند، 31/ 220، وقال محققو المسند، 31/ 220: «إسناده حسن».
([1493]) زاد المعاد، 3/ 303.
([1494]) سمعته أثناء تقريره على زاد المعاد، 3/ 304- 305، وذلك بتاريخ 29/ 6/ 1417هـ، وتخريج الحديث في الصفحة الآتية.
([1495]) انظر: مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، 12/ 231.
([1496]) انظر: المرجع السابق، 3/ 388- 390، و17/ 197-0 200.
([1497]) انظر: المرجع السابق، 3/ 389، 17/ 197.
([1498]) أحمد، 26/ 42، برقم 16117، وصحيح ابن حبان، واللفظ له: 4/ 499، برقم 1620، وقال محققو المسند، 26/ 42: «إسناده صحصح على شرط مسلم»، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، 6/ 674.
([1499]) مجموع فتاوى ابن باز، 3/ 388.
([1500]) روى البزار، 12/ 303: عَن ابن عُمَر قال : قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: «رمضان بمكة أفضل من ألف رمضان بغير مكة» ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير، برقم 3139.
([1501]) مجموع فتاوى ابن باز، 3/ 389.
([1502]) سورة الأنعام، الآية: 160.
([1503]) سورة الحج، الآية: 25.
([1504]) سورة الحج، الآية: 25.
([1505]) سورة لقمان، الآية: 13.
([1506]) مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، 3/ 388- 390.
([1507]) (لا هجرة) قال العلماء: الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة. والمعنى لا هجرة بعد الفتح من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام، وإنما تكون الهجرة من دار الحرب.
([1508]) (ولكن جهاد ونية) معناه لكم طريق إلى تحصيل الفضائل التي في معنى الهجرة، وذلك بالجهاد ونية الخير في كل شيء.
([1509]) (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا دعاكم السلطان إلى غزو فاذهبوا.
([1510]) (لا يعضد) قال أهل اللغة: العضد: القطع.
([1511]) (لقطته) اللقطة اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، والالتقاط هو أخذه. وأصل اللقط الأخذ من حيث لا يحسّ.
([1512]) (ولا يختلى خلاها) الخلا هو الرطب من الكلأ. قالوا: الخلا والعشب اسم للرطب منه. والحشيش والهشيم اسم لليابس منه. والكلأ يقع على الرطب واليابس. ومعنى يختلى يؤخذ ويقطع.
([1513]) (الإذخر) قال العلايلي في معجمه: الإذخر نبات عشبي، من فصيلة النجيليات، له رائحة ليمونية عطرة، أزهاره تستعمل منقوعاً كالشاي، ويقال له أيضاً: طيب العرب. والإذخر المكي من الفصيلة نفسها، جذوره من الأفاوية، ينبت في السهول وفي المواضع الجافة الحارة. ويقال له أيضاً: حلفاء مكة.
([1514]) (لقينهم وبيوتهم) القين هو الحداد والصائغ. ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار. ويحتاج إليه في القبور لتسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات. ويحتاج إليه في سقوف البيوت، يجعل فوق الخشب.
([1515]) متفق عليه: البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ الشاهد الغائب، برقم 104، وكتاب الحج، باب: لا يعضد شجر الحرم، برقم 1832، وكتاب المغازي، باب حدثني محمد بن بشار،برقم 4295، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، برقم 1353، والألفاظ من مجموع المواضع.
([1516]) (يبعث البعوث) يعني لقتال ابن الزبير.
([1517]) (سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي) أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق حفظه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه.
([1518]) (ترخص) في المنجد: ترخص في الأمر أخذ فيه بالرخصة، والرخصة قال في المقاييس: الرخصة في الأمر خلاف التشديد.
([1519]) (لا يعيذ عاصياً) أي لا يجيره ولا يعصمه، أراد به عبداللَّه بن الزبير.
([1520]) (ولا فاراً بدم) أي ولا يعيذ الحرم هارباً التجأ إليه بسبب من الأسباب الموجبة للقتل.
([1521]) (ولا فاراً بخربة) هي بفتح الخاء وإسكان الراء. هذا هو المشهور. ويقال بضم الخاء أيضاً، حكاها القاضي وصاحب المطالع وآخرون. وأصلها سرقة الإبل. وتطلق على كل خيانة. قال الخليل: هي الفساد في الدين من الخارب، وهو اللص المفسد في الأرض.
([1522]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، برقم 1349، وأطرافه في صحيح البخاري، بالأرقام الآتية: 587، 1833، 1834، 2090، 2433، 2783، 2825، 3077، 3189، 4313، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها برقم 1353.
([1523]) (ساقطتها) معنى الساقطة ما سقط فيها بغفلة مالكه.
([1524]) (إلا لمنشد) المنشد هو المعرف.
([1525]) (ومن قتل له قتيل) معناه:وليّ المقتول بالخيار.إن شاء قتل القاتل،وإن شاء أخذ فداءه،وهي الدية.
([1526]) متفق عليه، البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم، برقم 112، وأطرافه في صحيح البخاري، برقم 2434، 6880، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها، وخلاها، ولقتطها، إلا لمنشد على الدوام، برقم 1355، والألفاظ بين المعقوفات من الأطراف في البخاري المذكورة.
([1527]) (بقتيل) متعلق بقتلوا، أي بمقابلة مقتول من بني خزاعة قتله قاتل من بني ليث.
([1528]) (حبس عن مكة الفيل) أي منعه من الدخول فيها حين جاء يقصد خراب الكعبة.
([1529]) (لا يخبط شوكها) أي لا يقطع. وأصل الخبط إسقاط الورق من الشجر.
([1530]) (وإما أن يقاد) من الإقادة، ومعناها تمكين ولي الدم من القود، وأصله أنهم يدفعون القاتل لولي المقتول فيقوده بحبل.
([1531]) البخاري، برقم 112، ومسلم برقم 448 – (1353) وتقدم تخريجه في الذي قبله.
([1532]) مسلم، كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة لغير حاجة، برقم 1356.
([1533]) (مغفر) المغفر هو ما يلبس على الرأس من درع الحديد.
([1534]) (اقتلوه) قال العلماء: إنما قتله لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلماً كان يخدمه، وكان يهجو النبي ﷺ ويسبه، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء النبي ﷺ والمسلمين.
([1535]) متفق عليه، البخاري، كاتب جزاء الصيد، باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام، برقم 1846، وأطرافه في البخاري، برقم 3044، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير، وكتاب المغازي، باب أين ركز النبي ﷺ الراية يوم الفتح، برقم 4286، وكتاب اللباس، باب المغفر، برقم 5808، ومسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام، برقم 357، واللفظ للبخاري.
([1536]) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1358.
([1537]) (طرفيها) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا وغيرها: طرفيها بالتثنية. وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي. وذكر القاضي عياض أن الصواب المعروف طرفها بالإفراد، وإن بعضهم رواه طرفيها بالتثنية.
([1538]) مسلم، كتاب الحج، باب جواز دخول مكة بغير إحرام برقم 1359.
([1539]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل مكة، برقم 3108، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/78.
([1540]) الحشيش: هو اليابس من العشب والكلأ.
([1541]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، للإمام ابن باز، 3/ 383.
([1542]) مجموع فتاوى ابن باز، 30/ 384.
([1543]) توضيح الأحكام من بلوغ المرام، للبسام، 3/ 315.
([1544]) توضيح الأحكام شرح بلوغ المرام للبسام، 3/ 315- 316.
([1545]) حرم مكة: الحرام هو الشيء الممنوع منه بتحريم إلهي، أو بمنع عقلي، والحرم سمّي بذلك لتحريم اللَّه تعالى فيه كثيراً، مما لم يحرم في غيره من المواضع
([1546]) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي ﷺ ومده، برقم 2129، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها،برقم 1360،واللفظ لمسلم.
([1547]) عَيْر: بفتح العين، ثم ياء ساكنة، ثم راء مهملة: جبل أسود بحمرة مستطيل من الشرق إلى الغرب، يشرف على المدينة المنورة من الجنوب، وبسفحه الشمالي وادي العقيق الذي فيه بئر عروة بن الزبير، ولا تزال مشهورة إلى الآن.
([1548]) ثَوْر: جبل صغير مستدير أحمر يقع شمال المدينة المنورة، وموقعه خلف جبل أحد إذا اتجه الإنسان من المدينة إلى المطار، وحاذى جبل أُحُد يراه عن يساره بالصفة التي ذكرنا.
ولكون جبل ثور المدينة غير معروف ولا مشهور، والمشهور هو جبل ثور بمكة المكرمة؛ فإن كثيراً من الكاتبين أخطؤوا هنا حتى نفوا وجوده بالمدينة، والحق أنه موجود ومعروف، وعلى هذا التحديد فما بين الجبلين هو حرم المدينة؛ فإن جبل أحد داخل حرم المدينة المنوّرة، فصارت حدود حرم المدينة من الشرق إلى الغرب الحرتان، ومن الجنوب جبل عَيْر، ومن الشمال جبل ثور.
([1549]) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها، وبيان حدود حرمها،برقم 1370 .
([1550]) سورة البقرة، الآية: 126.
([1551]) مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها، وتحريم صيدها، وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم 1372.
([1552]) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة، ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة، وبيان تحريمها، وتحريم صيدها، وشجرها، وبيان حدود حرمها، برقم 1362.
([1553]) مسلم، كتاب الحج، باب الترغيب في سكنى المدينة، والصبر على لأوائها، برقم 1374.
([1554]) القِنَّبُ: كَدِنّمٍ وسُكَّرٍ: نَوْعٌ من الكَتَّانِ. انظر: القاموس المحيط، ص: 163.
([1555]) توضيح الأحكام بشرح بلوغ المرام، للبسام، 3/ 318- 319.
([1556]) مسلم، برقم 1374، وسبق تخريجه.
([1557]) ضاحين: بارزين للشمس لا يظلهم شيء. [انظر: النهاية لابن الأثير، مادة «ضحي»].
([1558]) عفيراً يعفر وجهه: العفر: ظاهرُ التُّرابِ ويُسَكَّنُ، ج : أعْفارٌ ... وعَفَرَهُ في التُّرابِ يَعْفِرُهُ، وعَفَّرَهُ فانْعَفَرَ وتَعَفَّرَ: مَرَّغَهُ فيه، أو دسَّهُ وضَرَبَ به الأرضَ كاعْتَفَرَهُ. [القاموس المحيط، مادة «عفر»].
([1559]) أخرجه البزار في كشف الأستار، برقم 1128، وهو في مختصر زوائد مسند البزار على الكتب الستة، ومسند أحمد، لابن حجر، 1/456، برقم 777، ورواه ابن حبان، برقم 3842، وأبو يعلى، 4/69، برقم 2090، وقال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، 2/151: «رواه البزار بإسناد حسن، وأبو يعلى بإسناد صحيح»، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/32.
([1560]) سورة الفجر، الآيتان: 1- 2.
([1561]) تفسير ابن كثير، 4/106، وزاد المعاد، 1/56.
([1562]) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، والترمذي، كتاب الصوم عن رسول اللَّه ﷺ، باب ما جاء في العمل في الأيام العشر، برقم 757، واللفظ له.
([1563]) أحمد، برقم 5446، 6154، وصححه أحمد شاكر، 7/44.
([1564]) زاد المعاد، 1/57.
([1565]) أبو داود، كتاب المناسك، باب من نحر الهدي بيده واستعان بغيره، برقم 1765، وأحمد، 4/350،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/494،والحاكم 4/221،ووافقه الذهبي.
([1566]) مسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1348.
([1567]) الترمذي كتاب الدعوات عن رسول اللَّه ﷺ، باب في دعاء يوم عرفة، برقم 3585، ومالك في الموطأ، باب ما جاء في الدعاء، 1/214، 215، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/184.
([1568]) مسلم، كتاب الصيام، باب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء، برقم 1162.
([1569]) مسلم، كتاب الجمعة، باب فضل يوم الجمعة، برقم 854.
([1570]) زاد المعاد، 1/60.
([1571]) سورة التوبة، الآية: 3.
([1572]) البخاري، كتاب الصلاة، باب ما يستر من العورة، برقم 369، وكتاب الحج، بابٌ: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك، برقم 1622، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وبيان يوم الحج الأكبر، برقم 1347.
([1573]) أبو داود، كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر، برقم 945، وصحح إسناده ابن القيم في زاد المعاد، 1/55، وقال عنه الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 192: «صحيح».
([1574]) زاد المعاد، 1/55.
([1575]) زاد المعاد، 1/55.
([1576]) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، أبواب الإحصار وجزاء الصيد، باب قول اللَّه تعالى:﴿فلا رفث﴾، برقم 1723، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 3357.
([1577]) متفق عليه: البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349، وتقدم تخريجه.
([1578]) متفق عليه: البخاري، برقم 2840، ومسلم، برقم 1153، وتقدم تخريجه.
([1579]) النسائي، برقم 2372، ورقم 2417، وسمعت شيخنا ابن باز : أثناء تقريره على سنن النسائي على الحديث رقم 2372 يقول: «ظاهر هذا الإسناد أنه لا بأس به»، وأخرجه أبو داود، برقم 2437 بلفظ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه ﷺ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ»، وصححه الألباني في : صحيح سنن أبي داود، برقم 2106، وصحيح النسائي، برقم 2371، 2/ 156، ورقم 2416، 2/ 169، طبعة مكتبة المعارف.
([1580]) مسلم، كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة، برقم 197- (1162).
([1581]) مسلم، برقم 1977.
([1582]) البخاري، برقم 971، 980، ومسلم، برقم 890.
([1583]) سورة الصافات، الآية: 107.
([1584]) البخاري، برقم 5553، ومسلم، برقم 1966.
([1585]) سورة الكوثر، الآية: 2.
([1586]) سورة البقرة، الآية : 185 .
([1587]) فقد جاء عن النبي ﷺ أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي صلاته، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير، [ابن أبي شيبة في المصنف،1/ 487، برقم 5621]، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 120، برقم 170]. قال المرداوي في الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف 5/366-367: "ويستحب التكبير في ليلتي العيدين، أما ليلة عيد الفطر فيسن التكبير فيها بلا نزاع أعلمه، ونص عليه، ويستحب أيضاً أن يكبر من الخروج إليها إلى فراغ الخطبة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب، منهم القاضي وأصحابه، وهو من المفردات، وعنه إلى خروج الإمام إلى صلاة العيد، وقيل إلى سلامه، وعنه إلى وصول المصلِّي إلى المصلَّى، وإن لم يخرج الإمام". قال العلامة ابن عثيمين :: «ويسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر اليوم التاسع، وسميت عشراً وهي تسع من باب التغليب، فالمطلق في ليلتي العيدين من غروب الشمس إلى أن ينتهي الإمام من خطبته على مذهب الحنابلة، أو إلى خروج الإمام من البلد، فإذا رأوه سكتوا، أو إلى أن تبتدئ الصلاة أو إلى أن تنتهي الصلاة، والخلاف في هذا أمره سهل، ومعلوم أن الإمام إذا حضر سيشرع في الصلاة وينقطع كل شيء، وإذا انتهى من الصلاة سيشرع في الخطبة» الشرح الممتع 5/215 .
([1588]) سورة الحج، الآية: 28 .
([1589]) سورة البقرة، الآية: 203 .
([1590]) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969 بصيغة الجزم، وقال النووي في شرح المذهب،8/382: «رواه البيهقي بإسناد صحيح».
([1591]) ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري،2/458،وعزاه إلى ابن مردويه، وقال:«إسناده صحيح».
([1592]) أخرجه أحمد، برقم 5446، ورقم 6154، وقال أحمد شاكر في شرحه للمسند، 7/224: «إسناده صحيح».
([1593]) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، برقم 969، واللفظ للترمذي، برقم 757 .
([1594]) البخاري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، قبل الحديث رقم 969. وقال الحافظ في الفتح، 2/458 في أثر محمد بن علي: «وقد وصله الدارقطني... قال حدثنا أبو هنة رزيق المدني، قال: رأيت أبا جعفر محمد بن علي يكبر بمنى في أيام التشريق خلف النوافل».
([1595]) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، قبل الحديث رقم 970 .
([1596]) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، الحديث رقم 971 .
([1597]) مسلم، كتاب الصوم، باب تحريم صوم أيام التشريق، وبيان أنها أيام أكل وشرب وذكر للَّه ﷻ، برقم 1141 .
([1598]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/18 .
([1599]) ابن أبي شيبة، 2/168، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/125: «وإسناده صحيح». وقال: «ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير».
([1600]) المغني، 3/290، قال: وقال مالك، والشافعي، يقول: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر؛ لأن جابراً صلى في أيام التشريق، فلما فرغ من صلاته قال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر،... ولنا خبر جابر، عن النبي ﷺ، وهو نص في كيفية التكبير، وأنه قول الخليفتين الراشدين، وقول ابن مسعود» المغني لابن قدامة، 3/290.
([1601]) البيهقي في السنن الكبرى،3/315، قال العلامة الألباني في إرواء الغليل، 3/125: «وسنده صحيح أيضاً».
([1602]) ذكره ابن حجر في فتح الباري،2/462 فقال:«وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه: ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً»، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 3/316، ولكنه بلفظ: «كبروا: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً».
([1603]) مصنف ابن أبي شيبة، 2/165 .
([1604]) سبل السلام، 3/247 .
([1605]) قال الحافظ ابن حجر :: «وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: «كبروا اللَّه: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر كبيراً» ونقل عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وعبد الرحمن بن أبي ليلى أخرجه جعفر الفريابي في كتاب العيدين، من طريق يزيد بن أبي زياد عنهم، وهو قول الشافعي، وزاد «وللَّه الحمد».
وقيل يكبر ثلاثاً، ويزيد: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، إلخ» وقيل: يكبر ثنتين بعدهما: لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد، جاء ذلك عن عمر، وعن ابن مسعود نحوه، وبه قال أحمد، وإسحاق، وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها» [فتح الباري، 2/462]، وذكر العلامة ابن عثيمين ؒ أن صفة التكبير فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
الأول: أنه شفع: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر اللَّه أكبر، وللَّه الحمد».
الثاني: أنه وتر:«اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر وللَّه الحمد».
الثالث: أنه وتر في الأولى شفع في الثانية: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد». الشرح الممتع، 5/225، وانظر: المغني لابن قدامة، 3/290، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن، 4/262.
([1606]) مصنف ابن أبي شيبة،2/165،والحاكم وصححه،299،والبيهقي،3/314،وصححه النووي في المجموع 5/35،وقال الألباني في إرواء الغليل،3/125:«وقد صح عن علي t».
([1607]) ابن أبي شيبة، 2/166، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/314، وفيه الحجاج بن أرطأة، وقد صححه الحاكم، 1/299، وصححه النووي في المجموع، 3/35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/125: «وسنده صحيح».
([1608]) ابن أبي شيبة، 2/167، والبيهقي، 3/314، والحاكم وصححه، 1/299، وصححه النووي في المجموع، 3/35، وقال الألباني في إرواء الغليل، 3/125: «وسنده صحيح».
([1609]) الحاكم وصححه،1/299-300،واللفظ له، وصححه النووي في المجموع،5/35، وابن أبي شيبة، 2/166، ولكن بلفظ: «... إلى صلاة العصر من يوم النحر».
([1610]) فقد جاء عن جابر مرفوعاً: في الدارقطني، 2/49، والبيهقي، 3/315، ولكن فيه كلام، انظر: إرواء الغليل للألباني 3/124، وجاء عن زيد بن ثابت، عند ابن أبي شيبة، 2/166، وعن عمار عند الحاكم، 1/299، وصححه، وضعفه النووي في المجموع، 3/35 .
([1611]) قال الإمام النووي :: «أما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب، هل ابتداؤه: من صبح يوم عرفة، أو ظهره، أو صبح يوم النحر، أو ظهره، وهل انتهاؤه: في ظهر يوم النحر [وقيل إلى عصره] أو ظهر أول أيام النفر، أو في صبح آخر أيام التشريق، أو ظهره، أو عصره، واختار مالك والشافعي وجماعة: ابتداؤه من يوم النحر، وانتهاؤه صبح آخر أيام التشريق، وللشافعي قول إلى العصر من آخر أيام التشريق، وقول إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار». شرح النووي على صحيح مسلم، 6/430، وما بين المعقوفين من فتح الباري لابن حجر، 2/462، نقلاً عن غير النووي. وقال الإمام ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، 4/259: «وأما التكبير بعد الصلوات وغيرها: ففي عيد الفطر لا يسن عقب صلوات ليلته على الأصح، وفي عيد الأضحى اختلف علماء السلف». ثم ساق كلام النووي. ثم قال: «فرع: مذهب مالك، والشافعي، وجماعة من أهل العلم استحباب هذا التكبير: للمنفرد، والجماعة، والرجال، والنساء، والمقيم، والمسافر، وقال أبو حنيفة والثوري، وأحمد: إنما يلزم جماعات الرجال، ثم قال: «فرع: اختلفوا في التكبير عقب النوافل: فالأصح عند الشافعي أنه يكبر، وقال مالك في المشهور عنه:لا يكبر، وهو قول الثوري، وأحمد وإسحاق» ا. هـ. وقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره للآثار عن الصحابة وغيرهم في التكبير المقيد بأدبار الصلوات: «وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دون النساء، وبالجماعة دون المنفرد، وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر، وبساكن المصر دون القرية، وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع، والآثار التي ذكرها تساعده» فتح الباري شرح صحيح البخاري، 2/462، وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين: «وإذا رأيت اختلاف العلماء بدون أن يذكروا نصّاً فاصلاً فإن الأمر في هذه المسألة واسع، فإن كبّر بعد صلاته منفرداً فلا حرج عليه، وإن ترك التكبير ولو في الجماعة فلا حرج عليه؛ لأن الأمر واسع».الشرح الممتع لابن عثيمين، 5/218. وانظر: المغني لابن قدامة، 3/291،والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف،5/366-380، وشرح السنة للإمام البغوي، 4/300،وزاد المعاد لابن القيم،1/449،والكافي لابن قدامة، 1/524 .
([1612]) مستدرك الحاكم، 1/299 .
([1613]) فتح الباري، 2/462 .
([1614]) مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/220 .
([1615]) البخاري، كتاب العيدين، باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة، برقم 970 .
([1616]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/18-19 .
([1617]) المغني لابن قدامة، 3/289 .
([1618]) تقدم في صفة التكبير المطلق أنه جاء عن الصحابة y أنواع من التكبير.
([1619]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة: قد روي مرفوعاً إلى النبي ﷺ: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد» وإن قال اللَّه أكبر ثلاثاً جاز، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثاً فقط، ومنهم من يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/220 .
([1620]) انظر: المغني لابن قدامة،3/290،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/380، وتقدمت أقوال الأئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق.
([1621]) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 596.
([1622]) القاموس المحيط، للفيروزأبادي،ص 571،وانظر:النهاية في غريب الحديث،لابن الأثير،3/ 297.
([1623]) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 297.
([1624]) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 219، وانظر: المصباح المنير، للفيومي، 2/ 429، وانظر: سنن الدارقطني، 2/ 285، برقم 221 عن ابن عباس، والبيهقي في السنن الكبرى، 4/ 352، وعن عمرو بن حزم في كتابه عندما بعث إلى اليمن، في سنن الدارقطني، 2/ 285، برقم 222، والبيهقي في الكبرى، 4/ 352، وجاء من كلام الشافعي عند الترمذي، في آخر حديث رقم 931.
([1625]) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص 291.
([1626]) القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، ص 262.
([1627]) الشرح الممتع، لابن عثيمين، 7/ 8.
([1628]) الموسوعة الفقهية، لوزارة الأوقاف الكويتية، 30/ 314.
([1629]) فلم يرفث: قال ابن عباس ب: «إنما الرفث ما روجع به النساء»، كأنه يرى الرفث الذي نهى اللَّه عنه ما خوطبت به المرأة، فأما ما يقوله ولم تسمعه امرأة فغير داخل فيه. وقال الأزهريُّ: «الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة». [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 2/ 241].
وقال الإمام ابن كثير : في تفسير قوله تعالى: (فلا رفث): أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث، وهو الجماع، كما قال تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187]، وكذلك يحرم تعاطي دواعيه: من المباشرة، والتقبيل، ونحو ذلك، وكذلك التكلم به بحضرة النساء » [تفسير القرآن العظيم، 2/ 242].
([1630]) ولم يفسق: أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة، والجور، وبه سُمِّيَ العاصي فاسقاً. [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 3/ 446]، ولا شك أن الفسوق: هو جميع المعاصي كما قال اللَّه تعالى: ﴿الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ﴾ [البقرة: 197]، فيدخل في الفسوق جميع المعاصي كما صوَّبه الإمام ابن كثير في تفسيره، 2/ 244، ومن ذلك الوقوع في محظورات الإحرام، والسباب، والشتم، كما قال النبي ﷺ: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) [أخرجه البخاري برقم 6044، ومسلم، برقم 63]. وغير ذلك من أنواع المعاصي، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1521، والحديث رقم 1819: «يدخل في الفسق المعاصي التي قبل الحج، فإذا كان مُصِرَّاً عليها فهو فاسق »، «والرفث: الجماع ودواعيه ».
([1631]) متفق عليه، واللفظ لمسلم: صحيح البخاري، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1521، وكتاب المحصر، برقم 1819، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة، برقم 1350، وفي الترمذي: «غفر له ما تقدم من ذنبه». انظر: صحيح الترمذي، 1/ 245.
([1632]) انظر: فتح الباري 3/382.
([1633]) متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة، وجوب العمرة وفضلها، برقم 1773، ومسلم، كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم 1349.
([1634]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة، برقم 810، والنسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة، برقم 2631، وقال عنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426: «حسن صحيح»، وفي صحيح النسائي، 2/ 240: «حسن صحيح»، وجاء الحديث مختصراً عن ابن عباس في سنن النسائي، برقم 2630 بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد», وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240، وكذلك عند ابن ماجه, من حديث عمر t بلفظ: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 6.
([1635]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، برقم 2901، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه, 3/ 10، وفي إرواء الغليل، 4/151 برقم 981، وقال: «في البخاري نحوه » يعني حديث عائشة السابق.
([1636]) أخرجه النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2628، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 240..
([1637]) النسائي, كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2625، وصححه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2626: «سنده جيد ».
([1638]) حاشية السندي على سنن النسائي، 5/ 113.
([1639]) ابن ماجه، كتاب المناسك، باب فضل دعاء الحاج، برقم 2893، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/ 8، وفي الأحاديث الصحيحة 4/433.
([1640]) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب فضل الحج، برقم 2626، وحسنه الألباني في صحيح النسائي 2/ 239.
([1641]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، برقم 828، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2921، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 431، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16، وفي صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 22.
([1642]) متفق عليه: البخاري، كتاب جزاء الصيد، باب حج النساء، برقم 1863، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان، برقم 222-(1256)، وفي لفظ لمسلم: «فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة ».
([1643]) أحمد في المسند، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، برقم 5701، وقال محققو المسند: «حديث حسن»، وأخرجه بنحوه الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في استلام الركنين، برقم 959، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/491- 492، وقد استوفى تخريج هذا الحديث محققو مسند الإمام أحمد، 8/ 31، برقم 4462، و9/ 513، وبرقم 5701، فيراجع لمن شاء. وأخرجه النسائي بنحوه، كتاب مناسك الحج، باب ذكر الفضل في الطواف بالبيت، برقم 2919، وصححه أيضاً الألباني في صحيح النسائي، 2/319، وابن ماجه مختصراً، في كتاب مناسك الحج، باب فضل الطواف، برقم 2956، وصححه الألباني أيضاً في صحيح ابن ماجه، 2/27، وابن خزيمة، 4/218, برقم 2729.
([1644]) ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، برقم 1604،وأحمد،3/ 343،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه،1/236، وفي إرواء الغليل، 4/341.
([1645]) الترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الحجر الأسود، برقم 961، وابن خزيمة، 4/20، وأحمد 1/266، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/493.
([1646]) ابن خزيمة بلفظه، 2/220، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في فضل الحجر الأسود، والركن والمقام، برقم 877، ولفظه: «... وهو أشد بياضاً من اللبن»، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/ 452.
([1647]) ابن حبان: 1887، والبزار، برقم 1082، والطبراني في الكبير، برقم 13566، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1648]) ابن حبان، والبزار، والطبراني، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/10.
([1649]) ممن قال بأن العمرة فرض مرة واحدة في العمر: الشافعي في الصحيح من مذهبه، قال الإمام النووي: وبه قال عمر، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وطاووس، وعطاء، وابن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، ومسروق، وأبو بردة بن أبي موسى الحضرمي، وعبد اللَّه بن شداد، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وداود. وقال ابن قدامة : في المغني: «وتجب العمرة على من وجب عليه الحج في إحدى الروايتين عن عمر، وابن عباس، وزيد ابن ثابت، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، والشعبي، وبه قال الثوري، والشافعي في أحد قوليه ».
قال العلامة الشنقيطي : في أضواء البيان، 5/ 657، بعد أن ذكر أدلة الفريقين، وبين مناقشة الأدلة: «والذي يظهر بمقتضى الصناعة الأصولية: ترجيح أدلة الوجوب على أدلة عدم الوجوب، وذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: أن أكثر أهل الأصول يرجحون الخبر الناقل عن الأصل على الخبر المبقي على البراءة الأصلية.
الثاني: أن جماعة من أهل الأصول رجّحوا الخبر الدال على الوجوب على الخبر الدال على عدمه، ووجه ذلك هو الاحتياط في الخروج من عهدة الطلب.
الثالث: أنك إن عملت بقول من أوجبها... برئت ذمتك بإجماع أهل العلم من المطالبة بها، ولو مشيت على أنها غير واجبة فلم تؤدها على سبيل الوجوب بقيت مطالباً بواجب على قول جمعٍ كثيرٍ من العلماء، والنبي ﷺ يقول: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك » [الترمذي، برقم 2518، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 611]، ويقول: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه... » [البخاري، برقم 52، ومسلم، برقم 1599].
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه ابن باز : يقول: «والصواب أن العمرة واجبة مرة في العمر كالحج »، سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 727، وسمعته أثناء تقريره على كتاب العمرة من صحيح البخاري، باب العمر: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، يقول: «مراد المؤلف : بيان فرضية العمرة، وأنها فريضة كالحج، وهذا هو الصواب، الذي دلت عليه الأدلة الشرعية»، وقال في مجموع الفتاوى له، 16/ 31، 355: «والعمرة لها أدلتها، والصواب أنها واجبة مرة في العمر كالحج، وما زاد فهو تطوع ».
وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين : في عمرة أهل مكة: «الأصل أن دلالات الكتاب والسنة عامة، تشمل جميع الناس إلا بدليل يدل على خروج بعض أفراد العام من الحكم العام» [الشرح الممتع على زاد المستقنع، 7/ 10].
قال المرداوي في الإنصاف، 8/ 6: «وجوب الحج في العمر مرة واحدة إجماع، والعمرة إذا قلنا: تجب، فمرة واحدة بلا خلاف، والصحيح من المذهب أنها تجب مطلقاً، وعليه جماهير الأصحاب... » يعني على أهل مكة وغيرهم؛ ولهذا قال ابن قدامة في الكافي، 2/ 297: «وتجب العمرة على من يجب عليه الحج »، وقال في عمدة الفقه، ص 76: «يجب الحج والعمرة مرة في العمر... »، وقال العلامة ابن مفلح في الفروع،5/ 201: «والعمرة فرض كالحج، ذكره الأصحاب، قال القاضي وغيره: أطلق أحمدُ وجوبها في مواضع، فيدخل فيه المكي وغيرُه ».
وانظر: المغني، لابن قدامة، 5/ 13، والشرح الكبير، لابن قدامة، 8/ 7- 9، والإنصاف المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، 8/ 9، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/ 651- 658، وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 1/ 88 – 98، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/ 5، و 26/ 248- 258، وفتح الباري، لابن حجر، 3/ 597.
([1650]) أخرجه الدارقطني، وقال: «إسناد ثابت صحيح » 2/ 282، وأخرجه مسلم بهذا الإسناد، برقم 2664، والبيهقي، 4/ 350، وابن خزيمة في صحيحه، برقم 1، 1/ 3، وفي كتاب المناسك، باب ذكر البيان أن العمرة فرض وأنها من الإسلام، برقم 3044، والحديث في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة، برقم 50 بغير هذا السياق، وفي صحيح مسلم، برقم 8، من حديث عمر بغير هذا السياق أيضاً، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 6.
([1651]) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج جهاد النساء، برقم 2901، والإمام أحمد في المسند، 6/156، والمسند المحقق، برقم 24463، 41/ 10، 42/ 198، برقم 25322، قال محققو المسند، 41/ 10، 42/ 198: «إسناده صحيح »، وأخرجه أيضاً ابن خزيمة، برقم 3074، والدارقطني، 2/ 284، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/151 الطبعة القديمة، وقال العلامة ابن باز : في مجموع الفتاوى له، 16/ 31: «أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح»..
([1652]) أبو داود، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره، برقم 1810، بلفظ: «احجج عن أبيك واعتمر »، والترمذي، كتاب الحج، باب منه، برقم 930، بلفظه، والنسائي، بلفظه، كتاب مناسك الحج، باب العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع، برقم 2637، وابن ماجه، بلفظه، في كتاب المناسك، باب الحج عن الحي إذا لم يستطع، برقم 2906، وأحمد في لفظه، 26/ 104، برقم 16184، وابن خزيمة، برقم 3040، وابن حبان، برقم 3991، والطبراني في الكبير، 19/ 457، و458، والحاكم، 1/ 481، والبيهقي، 4/ 329، وأخرجه أيضاً أحمد في عدة مواضع من المسند، برقم 16185، 16190، 16199، 16203، وقال محققو المسند، 26/ 104: «إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير النعمان بن سالم، فمن رجال مسلم، وغير صحابيه، فقد روى له البخاري في «الأدب المفرد »، وأصحاب السنن، وصححه الألباني في: صحيح أبي داود، 1/509، وصحيح الترمذي، 1/477، وصحيح النسائي، 2/556، وصحيح ابن ماجه 1 /275.
([1653]) أبو داود، كتاب المناسك، بابٌ في الإقران، برقم 1799، بلفظه، وأخرجه النسائي، كتاب المناسك، باب القران، برقم 2721، وأحمد بترتيب أحمد محمد شاكر، 1/ 189، برقم 83، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 505، وفي صحيح النسائي، 2/ 264، وأحمد شاكر في المسند، 1/ 189.
([1654]) البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، 1/ 512: «وصله ابن خزيمة، والدارقطني، ص 282، والحاكم، 1/ 471، والبيهقي، 4/ 351، عنه بلفظ: «ليس من خلق اللَّه أحدٌ إلا عليه حج وعمرة، واجبتان [من استطاع إليه سبيلاً]، فمن زاد بعدهما شيئاً فهو خير وتطوع »، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قال... ».
([1655]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 4/ 351، وقال عنه الألباني في حاشيته على مختصر البخاري له، 1/ 512: «إسناد صحيح... عنه »..
([1656]) أخرجه البخاري، كتاب العمرة، باب العمرة: وجوب العمرة وفضلها، قبل الحديث رقم 1773، وقال الألباني في مختصر صحيح البخاري له في حاشيته على هذا الأثر، 1/ 512: «وصله الشافعي، والبيهقي، بسند صحيح عنه».
([1657]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة ابن باز، 11/ 316.
([1658]) انظر: المغني لابن قدامة: 5/13 وشرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة لشيخ الإسلام ابن تيمية 1/88-98 وفتح الباري 3/597 وفتاوى ابن تيمية 6/256.
([1659]) لسان العرب، لابن منظور، 8/358، ومختار الصحاح، للرازي، ص 280، وأضواء البيان، للشنقيطي، 5/489.
([1660]) المصباح المنير، للفيومي، 2/618.
([1661]) مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، ص 819.
([1662]) سورة آل عمران، الآية: 97.
([1663]) سورة الحج، الآية: 27.
([1664]) مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337.
([1665]) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 241.
([1666]) سورة الحج، الآيتان: 27- 28.
([1667]) أضواء البيان، 5/489.
([1668]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 5/ 135، و 16/ 185.
([1669]) تيسير الكريم الرحمن، ص 537.
([1670]) أحمد في المسند، 40/ 408، برقم 24351، ورقم 24268، ورقم 25080، وأبو داود، برقم 1888، والترمذي، وقال: «هذا حديث حسن صحيح»، برقم 902، وغيرهم، والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 148، وحسن إسناده عبد القادر الأرنؤوط في تحقيقه لجامع الأصول، 3/ 218، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة، 4/ 222: «إسناده صحيح».
([1671]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 234.
([1672]) سورة الحج: الآية، 30.
([1673]) تفسير البغوي، 3/285 - 286.
([1674]) تفسير القرآن العظيم: 10/51.
([1675]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 537.
([1676]) سورة الحج، الآية: 32.
([1677]) تفسير القرآن العظيم، 10/53.
([1678]) سورة البقرة، الآية: 158.
([1679]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 538.
([1680]) سورة الحج، الآية: 36.
([1681]) سورة البقرة الآية: 158.
([1682]) أضواء البيان، 5/692- 693، وانظر: جامع البيان للطبري، 3/226.
([1683]) متفق عليه: البخاري، برقم 1521، 1819، ومسلم، برقم 1350 من حديث أبي هريرة t.
([1684]) سورة البقرة، الآية: 203.
([1685]) متفق عليه، البخاري، برقم 1521، ومسلم، برقم 1350.
([1686]) الترمذي، برقم 810، والنسائي، برقم 2631، وقال الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 426: «حسن صحيح».
([1687]) جامع البيان عن تأويل أي القرآن، 4/222 - 224.
([1688]) أضوء البيان، 5/490 - 492.
([1689]) ابن ماجه، برقم 1406، وأحمد، 3/343، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/236.
([1690]) أيهما أفضل: الطواف بالبيت أو صلاة النافلة في المسجد الحرام؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: الطواف بالبيت أفضل، وبه قال بعض علماء الشافعية، واستدلوا بأن اللَّه قدَّم الطواف على الصلاة في قوله: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [البقرة: 125]، وقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26].
والقول الثاني: الصلاة أفضل لأهل مكة، والطواف أفضل للغرباء، وممن قال بهذا القول: ابن عباس، وعطاء، وسعيد بن جبير، ومجاهد، كما نقله عنهم النووي في شرح المهذب. [أضواء البيان، / 229].
قال شيخنا ابن باز :: «في التفضيل بين كثرة النافلة وكثرة الطواف خلاف، والأرجح أن يكثر من هذا وهذا، ولو كان غريباً، وذهب بعض أهل العلم إلى التفضيل، فاستحبوا الإكثار من الطواف في حقِّ الغريب، ومن الصلاة في حقِّ غيره، والأمر في ذلك واسع وللَّه الحمد». [مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 138- 139، 367، و17/ 225، ومجموع فتاوى ابن تيمية، 26/248].
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، 26/ 290: «جمهور أهل العلم على أن الطواف بالبيت أفضل من الصلاة بالمسجد الحرام».
([1691]) البخاري، برقم 1773، ومسلم، برقم 1349.
([1692]) سورة آل عمران، الآية: 185.
([1693]) الترمذي، برقم 810، والنسائي، برقم 2631.
([1694]) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 3/539.
([1695]) سورة الطلاق، الآيتان: 2- 3.
([1696]) سورة البقرة، الآية: 98.
([1697]) البخاري، كتاب التفسير، بابٌ (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) برقم 4519، وفي كتاب الحج، باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية، برقم 1770، وأطرافه في البخاري، 2098، ورقم 4519.
([1698]) أبو داود، كتاب المناسك، باب التجارة في الحج، برقم 1731، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/485.
([1699]) تفسير الطبري، 4/162، برقم 3761.
([1700]) سورة الحج، الآية: 28.
([1701]) سورة البقرة: الآية: 98.
([1702]) سورة الحج: الآية، 28، والآية: 36.
([1703]) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 5/489 – 490، ببعض التصرف.
([1704]) تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، 18/ 610.
([1705]) تفسير القرآن العظيم، 10/44.
([1706]) تفسير البغوي: 3/ 283 – 234.
([1707]) الموسوعة الفقهية، 17/ 26.
([1708]) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ، ولا عيش إلا عيش الآخرة،برقم 6412.
([1709]) الحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، 4/ 306، ورواه ابن المبارك في الزهد، 1/ 104، برقم 2 من حديث عمرو بن ميمون مرسلاً، وقال ابن حجر في فتح الباري، 11/ 235، بسند صحيح من مرسل عمرو بن ميمون، فمرسل عمرو بن ميمون شاهد لرواية الحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع، 2/ 355، برقم 1088.
([1710]) سورة إبراهيم، الآية: 7.
([1711]) سورة الحجرات، الآية: 13.
([1712]) الموسوعة الفقهية، 17/ 26 -27.
([1713]) سورة الأنعام، الآية: 94.
([1714]) سورة الزلزلة، الآيات: 6- 8.
([1715]) مجموع فتاوى ابن باز، 2/ 234، وانظر: مجموع الفتاوى له، 5/ 130، 194، 16/ 170، 171، 185، 193.
([1716]) سورة الحج، الآية: 28.
([1717]) مجموع فتاوى ابن باز، 5/ 194.
([1718]) سورة البقرة، الآية: 197.
([1719]) انظر: مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 167 – 168.
([1720]) سورة النحل: الآية: 125.
([1721]) في الأصل: «من حكم اللَّه في إبهامها» قلت: ولعله خطأ مطبعي، وأن الصواب: «من حكمة اللَّه في إبهامها».
([1722]) مجموع فتاوى ابن باز، 16/ 170، وانظر: جملة من منافع الحج ومقاصده، وفوائده، وحكمه وأهدافه: مجموع فتاوى ابن باز ؒ، 2/ 234، و 5/ 130، 141، 194، و 16/ 159، 170، 171، 177، 185، 193، 196، 214، 241، و 17/ 161، 163، وأضواء البيان للشنقيطي، 5/ 489، وتفسير ابن كثير، 10/ 144، والبغوي، 3/ 184، والطبري: 18/ 603، 610.
([1723]) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ ، برقم 1218.
([1724]) متفق عليه: البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1549، وكتاب اللباس، باب التلبية، برقم 5915، ومسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1184.
([1725]) البخاري، برقم: 5915، ومسلم، برقم 1184.
([1726]) مسلم، برقم 1184، وتقدم تخريجه قبل حديث واحد.
([1727]) أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف التلبية، برقم 1812، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 509، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 15.
([1728]) أي تلبية النبي ﷺ.
([1729]) مسلم، برقم 1184، وتقدم تخريج أصله في الحديث الذي قبله عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
([1730]) البخاري، كتاب الحج، باب التلبية، برقم 1550.
([1731]) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيفية التلبية، برقم 2750، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274.
([1732]) قد قد: أي: اقتصروا على هذا الكلام الذي هو توحيد، ولا تضيفوا إليه الشرك.
([1733]) مسلم، كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم 1185.
([1734]) النسائي، كتاب مناسك الحج، باب كيفية التلبية، برقم 2751،وابن ماجه، كتاب المناسك، باب التلبية، برقم 2920، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/ 274، وفي صحيح ابن ماجه، 3/ 16.
([1735]) النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير، 4/ 222.
([1736]) انظر: تهذيب السنن لابن القيم، المطبوع مع مختصر سنن أبي داود للمنذري، ومعالم السنن للخطابي، 2/ 335 – 336.
([1737]) أخرجه البزار، برقم 1128، وابن حبان، برقم 3842، وغيرهما، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، 2/32.
([1738]) سورة الفجر:1- 2.
([1739]) رواه البخاري، برقم 969، والترمذي، برقم 757 واللفظ له.
([1740]) رواه أحمد، برقم 5446، 6154، وصححه أحمد شاكر، 7/44.
([1741]) زاد المعاد، 1/57.
([1742]) رواه أبو داود، برقم 1765، وأحمد، 4/350، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/494.
([1743]) رواه مسلم، برقم 1348.
([1744]) الترمذي، برقم 3585، ومالك في الموطأ، برقم 215، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 3/184.
([1745]) رواه مسلم، برقم 1162.
([1746]) رواه مسلم، برقم 854.
([1747]) زاد المعاد، 1/60.
([1748]) سورة التوبة، الآية: 3.
([1749]) رواه البخاري، برقم 369، ورقم 1622، ومسلم، برقم 1347.
([1750]) رواه أبو داود، برقم 945، وصحح إسناده ابن القيم في زاد المعاد، 1/55، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 6/ 192.
([1751]) زاد المعاد، 1/55.
([1752]) أخرجه البخاري، برقم 1723، ومسلم، برقم 3357.
([1753]) أخرجه البخاري، برقم 2840، ومسلم، برقم 1153.
([1754]) أخرجه النسائي، برقم 2372، ورقم 2417، قال الشيخ العلامة ابن باز :: «ظاهر هذا الإسناد أنه لا بأس به»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 2371، ورواه أبو داود، برقم 2437، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2437.
([1755]) رواه مسلم، برقم 1162.
([1756]) رواه مسلم، برقم 1977.
([1757]) رواه البخاري، برقم 971، 980، ومسلم، برقم 890.
([1758]) سورة الصافات: 107.
([1759]) رواه البخاري، برقم 5553، ومسلم، برقم 1966.
([1760]) سورة الكوثر: 2.
([1761]) سورة البقرة: 185.
([1762]) رواه ابن أبي شيبة، برقم 5621، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 170.
([1763]) سورة الحج: 28.
([1764]) سورة البقرة: 203.
([1765]) سورة الحج: 28.
([1766]) البخاري، برقم 969 بصيغة الجزم، وصححه النووي والبيهقي في شرح المذهب، 8/382.
([1767]) فتح الباري،2/458، وعزاه إلى ابن مردويه، وصحح إسناده.
([1768]) أخرجه أحمد، برقم 5446، ورقم 6154، وصححه أحمد شاكر في شرحه للمسند، 7/224.
([1769]) البخاري، برقم 969، واللفظ للترمذي، برقم 757.
([1770]) البخاري، برقم 969 معلقاً. وقال الحافظ في الفتح، 2/458 في أثر محمد بن علي: «وقد وصله الدارقطني».
([1771]) رواه البخاري، قبل الحديث رقم 970.
([1772]) البخاري، برقم 971.
([1773]) رواه مسلم، برقم 1141.
([1774]) مجموع فتاوى ابن باز، 13/18.
([1775]) ابن أبي شيبة، 2/168، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/125.
([1776]) المغني لابن قدامة، 3/290.
([1777]) البيهقي في السنن الكبرى،3/315، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/125.
([1778]) ذكره ابن حجر في فتح الباري،2/462.
([1779]) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، 3/316.
([1780]) ابن أبي شيبة، 2/165.
([1781]) سبل السلام، 3/247.
([1782]) ابن أبي شيبة،2/165، والحاكم وصححه،299، والبيهقي،3/314،وصححه النووي في المجموع 5/35، وصححه الألباني عن علي في إرواء الغليل،3/125.
([1783]) ابن أبي شيبة، 2/166، والبيهقي في السنن الكبرى، 3/314، وصححه الحاكم، 1/299، والنووي في المجموع، 3/35، والألباني في إرواء الغليل، 3/125.
([1784]) ابن أبي شيبة، 2/167، والبيهقي، 3/314، والحاكم وصححه، 1/299، وصححه النووي في المجموع، 3/35، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل، 3/125.
([1785]) الحاكم وصححه،1/299-300، واللفظ له، وصححه النووي في المجموع،5/35، وابن أبي شيبة، 2/166.
([1786]) قال الإمام النووي :: « وقول إنه من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الراجح عند جماعة من أصحابنا وعليه العمل في الأمصار». شرح النووي على صحيح مسلم، 6/430.
([1787]) مستدرك الحاكم، 1/299.
([1788]) فتح الباري، 2/462.
([1789]) مجموع الفتاوى، 24/220.
([1790]) رواه البخاري، برقم 970.
([1791]) مجموع الفتاوى، 13/18-19.
([1792]) المغني، 3/289.
([1793]) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وصفة التكبير المنقول عن أكثر الصحابة: قد روي مرفوعاً إلى النبي ﷺ: «اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه ، واللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وللَّه الحمد» وإن قال اللَّه أكبر ثلاثاً جاز، ومن الفقهاء من يكبر ثلاثاً فقط، ومنهم من يكبر ثلاثاً ويقول: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، مجموع فتاوى ابن تيمية، 24/220 .
([1794]) انظر: المغني لابن قدامة،3/290،والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 5/380، وتقدمت أقوال الأئمة في أنواع التكبير في التكبير المطلق.
([1795]) سورة البقرة: 185.
([1796]) أخرجه ابن أبي شيبة، 2/ 168وصححه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 125.
([1797]) رواه البخاري، برقم 986.
([1798]) فتح الباري، 2/446.
([1799]) المغني لابن قدامة 3/ 294، وانظر التحقيق في هذه المسألة: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 24/ 253.
([1800]) سورة الأنعام: 141.
([1801]) سورة يونس: 106-107.
([1802]) القول السديد في مقاصد التوحيد، لعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص31، 32، 54.
([1803]) رواه مسلم: 106.
([1804]) رواه البخاري، برقم 5787.
([1805]) رواه أحمد: 18151، وسمعت شيخنا ابن باز : يقول: «إسناده جيد».
([1806]) سورة لقمان: 18.
([1807]) رواه مسلم: 91.
([1808]) رواه الطبراني في الأوسط: 5754، وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3/67.
([1809]) رواه البخاري في الأدب المفرد: 549، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 543.
([1810]) رواه أحمد: 6659، والترمذي: 2492، والبخاري في الأدب المفرد:، 557، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد،ص210.
([1811]) سورة لقمان: 6-7.
([1812]) رواه ابن ماجه: 4020، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 3/317.
([1813]) رواه البخاري: 5590، قال شيخنا ابن باز أثناء تقريره على صحيح البخاري على هذا الحديث: «وكلام ابن حزم فاسد حيث يرى أن هذا الحديث ليس متصلاً».
([1814]) رواه الضياء المقدسي في المختارة: 2200، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3695.
([1815]) رواه البخاري: 5892، 5893، ومسلم: 259.
([1816]) رواه مسلم: 260.
([1817]) رواه الترمذي: 2761، والنسائي: 13، وصححه الألباني.
([1818]) رواه أبو داود: 4212، وأحمد: 2470، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 6، 499: إسناده قوي، وصححه الألباني.
([1819]) رواه مسلم، برقم 2102.
([1820]) تهذيب ابن القيم المطبوع مع مالم السنن للخطابي، 6/ 104.
([1821]) شرح مشكل الآثار للطحاوي، 9/ 314.
([1822]) رواه الطبراني في الكبير : 486، 487، وحسنه الألباني في غاية المرام: 196، والأحاديث الصحيحة: 226.
([1823]) أخرجه أحمد: 5115، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 5/109.
([1824]) المخنثين: المتشبهين بالنساء، والمترجلات: المتشبهات بالرجال، فتح الباري لابن حجر،1/332.
([1825]) البخاري: 5885، 5886.
([1826]) البخاري:5232، ومسلم: 2172. والحمو: قريب الزوج، والمعنى: فليمت ولا يفعلن ذلك. الترغيب والترهيب للمنذري، 2/657.
([1827]) البخاري، كتاب النكاح، باب لا يخلون رجل بامرأة، برقم 5233.
([1828]) الترمذي: 1171 من كلام الترمذي.
([1829]) سورة الأحزاب: 33.
([1830]) كاسيات عاريات: قيل: كاسيات من نعمة اللَّه عاريات من شكرها، وقيل: تستر بعض بدنها وتكشف بعضه، وقيل: تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها ويدخل في ذلك واللَّه أعلم: من تلبس ثوباً ضيقاً يبين صورة عورتها.
([1831]) مميلات مائلات: قيل: مائلات عن طاعة اللَّه مميلات: يعلمن غيرهن فعلهن المذموم، وقيل: مائلات: يتثنين متبخترات مميلات لأكتافهن، وقيل: مائلات: يمشطن المشطة المائلة مشطة البغايا، مميلات بمشطهن غيرهن تلك المشطة. شرح النووي ،14/3567.
([1832]) رؤوسهن كأسنمة البخت: يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها. شرح النووي، 14/357.
([1833]) رواه مسلم: 2128.
([1834]) سورة الأنعام: 141.
([1835]) سورة الإسراء: 26-27.
([1836]) رواه البخاري: معلقاً، مجزوماً به قبل الحديث رقم 5784.
([1837]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب في القيامة، برقم 2416، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/572، والأحاديث الصحيحة، برقم 946.
([1838]) رواه البخاري: 13، ومسلم: 45.
([1839]) رواه البخاري: 2067، 5985، 5986، ومسلم: 2557.
([1840]) رواه البخاري: 5984، ومسلم: 2556.
([1841]) سورة العنكبوت، الآية 1-3.
([1842]) سورة محمد، الآية: 31.
([1843]) سورة العنكبوت، الآية: 10.
([1844]) انظر: مسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923.
([1845]) سورة البقرة، الآيات: 155 - 157.
([1846]) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص76، وتفسير ابن كثير، ص135.
([1847]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص135، وهو في صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الصبر عند الصدمة الأولى، الباب رقم 42، قبل الحديث رقم 1302.
([1848]) سورة البقرة، الآية: 45.
([1849]) سورة آل عمران، الآية: 146.
([1850]) سورة البقرة، الآية: 153.
([1851]) سورة الفرقان، الآية: 75.
([1852]) تفسير ابن كثير، ص1511، وتفسير السعدي، ص721.
([1853]) سورة الزمر، الآية: 10.
([1854]) تفسير ابن كثير، ص1313، وتفسير السعدي، ص842.
([1855]) سورة الحديد، الآيتان: 22- 23.
([1856]) تفسير السعدي، ص867.
([1857]) سورة التغابن، الآية: 11.
([1858]) البخاري، كتاب التفسير، سورة التغابن، بعد الحديث رقم 4907.
([1859]) برد الأكباد عند فقد الأولاد، للحافظ المحدث أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه بن محمد المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي (777-842هـ)، ص12.
([1860]) تفسير ابن كثير، ص753، وتفسير السعدي، ص449.
([1861]) انظر: الصبر الجميل لسليم الهلالي، 15- 16.
([1862]) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، برقم 918.
([1863]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم 1598، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، 1/267، وأصله في صحيح مسلم.
([1864]) الترمذي، برقم 1021، ويأتي تخريجه.
([1865]) برد الأكباد عند فقد الأولاد للحافظ محمد بن عبد اللَّه بن ناصر الدين، ص17.
([1866]) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه اللَّه، برقم 6424.
([1867]) فتح الباري، لابن حجر، 11/ 242 - 243.
([1868]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 6424، وذلك في فجر الأحد الموافق 14/10/ 1419هـ في الجامع الكبير بالرياض.
([1869]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2398، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4023، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/565، وفي صحيح ابن ماجه، 2/371، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 143.
([1870]) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/ 78 -79.
([1871]) أبو يعلى، وابن حبان، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1599.
([1872]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم 4031،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،2/564، وفي صحيح ابن ماجه، 2/373، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 146.
([1873]) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/77.
([1874]) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم 223.
([1875]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، 2/24، 25.
([1876]) تحفة الأحوذي للمباركفوري، 7/80.
[1877]) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم 2399، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/565، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2280.
([1878]) لم يبلغوا الحنث: أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الإثم. شرح النووي على صحيح مسلم، 16/420.
([1879]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، برقم 1381.
([1880]) أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد.
([1881]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، برقم 2608.
([1882]) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، قبل الحديث رقم 1381، تكلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 3/245 عن وصله، وقال: «قوله: كان له» كذا للأكثر: أي كان قولهم له حجاباً، وللكشميهني: «كانوا» أي الأولاد.
([1883]) احتظرت: أي امتنعت بمانع وثيق، والحظار ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط، شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 420 - 421.
([1884]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 2636.
([1885]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في ثواب من أصيب بولده برقم 1603، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/46.
([1886]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 151 (2632).
([1887]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/420، وقد ذكر الحافظ ابن حجر : في فتح الباري 3/119 جميع الأحاديث التي فيها زيادة واحد وتكلم عليها كلامًا نفيسًا، ثم أشار إلى أن الذي يستدل به على ذلك حديث: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»، قال: وهذا يدخل فيه الواحد، فتح الباري، 3/119، و11/243.
([1888]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسبه، برقم 101، و1249، و7310، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم 2633.
([1889]) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يُبتغى به وجه اللَّه، برقم 6424.
([1890]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/119، ولابن حجر كلام يؤيد هذا في شرحه للحديث رقم 6424، في فتح الباري، 11/243.
([1891]) فتح الباري، 11/243.
([1892]) الترمذي، برقم 1021، وسيأتي.
([1893]) النسائي، كتاب الجنائز، باب الأمر باحتساب الأجر، برقم 1871، رقم الباب 22، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، 11/243: «أخرجه أحمد، والنسائي، وسنده على شرط الصحيح، وقد صححه ابن حبان، والحاكم»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 2/404.
([1894]) الترمذي، كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم، 1021، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/520، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1408.
([1895]) أخرجه ابن سعد في الطبقات، 7/433،وابن حبان، برقم 2328،والحاكم،1/511-512، وقال:«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 1204.
([1896]) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن أصيب بسقط، برقم 1609، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/46.
([1897]) سورة الطور، الآية: 21.
([1898]) شرح النووي على صحيح مسلم، 16/421.
([1899]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد، فيحتسبه، برقم 2635.
([1900]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1381، و1382.
([1901]) انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/246.
([1902]) البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم 7047.
([1903]) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم 1469، وكتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم اللَّه، برقم 6470، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، برقم 1053.
([1904]) فتح الباري لابن حجر، 10/108.
([1905]) البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5645.
([1906]) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 5645.
([1907]) مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير، برقم 2999.
([1908]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5640، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 49 (2572).
([1909]) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2571.
([1910]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم 5641، 5642، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم 2573.
([1911]) الوصب: المرض.
([1912]) النصب: التعب.
([1913]) سورة الرعد، الآية: 22.
([1914]) الحاكم في المستدرك، 1/349 وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي.
([1915]) الفوائد لابن القيم، ص165، وانظر: الصبر الجميل، لسليم الهلالي، ص28.
([1916]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، برقم 1283، ومسلم، كتاب الجنائز، باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى، برقم 15 (926).
([1917]) شرح النووي على صحيح مسلم، 6/481.
([1918]) سورة يوسف، الآية: 18.
([1919]) سورة يوسف، الآية: 83.
([1920]) سورة يوسف، الآية: 86.
([1921]) سورة الأنبياء، الآية: 83.
([1922]) سورة ص، الآية: 44.
([1923]) انظر: الصبر الجميل، لسليم الهلالي، ص84.
([1924]) القين: الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال: قان الشيء: إذا أصلحه. فتح الباري لابن حجر، 3/173.
([1925]) ظئرًا: مرضعًا، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر: من ظأرت الناقة إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها؛ لأنه يشاركها في تربيته غالبًا. وإبراهيم: ابن رسول اللَّه ﷺ، فتح الباري لابن حجر، 3/173.
([1926]) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله. فتح الباري لابن حجر، 3/174.
([1927]) تذرفان: يجري دمعهما. فتح الباري لابن حجر، 3/174.
([1928]) وأنت يا رسول الله: أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله: «إنها رحمة»: أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد، لا ما توهمت من الجزع» فتح الباري لابن حجر، 3/174.
([1929]) ثم أتبعها بأخرى: قيل: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله: «إنها رحمة» بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: «إن العين تدمع»، فتح الباري لابن حجر،3/174.
([1930]) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: «إنا بك لمحزونون»، برقم 1303، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته ﷺ الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم 2315.
([1931]) فتح الباري لابن حجر، 3/174.
([1932]) فتح الباري، لابن حجر، 3/174.
([1933]) في غاشية أهله: أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها. فتح الباري لابن حجر، 3/175.
([1934]) ولكن يعذب بهذا: أي إن قال سوءًا. فتح الباري لابن حجر، 3/175.
([1935]) أو يرحم: أي إن قال خيرًا. فتح الباري لابن حجر، 3/175.
([1936]) يعذب ببكاء أهله عليه: البكاء المحرم على الميت هو النوح، والندب بما ليس فيه، والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما، شرح النووي على صحيح مسلم، 6/480. وانظر: فتح الباري لابن حجر، 3/153-160 وشرح النووي، 6/482-486.
([1937]) متفق عليه: كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض، برقم 1304، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 924.
([1938]) فتح الباري لابن حجر، 3/175.
([1939]) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه»، برقم 1284، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم 923.
([1940]) البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه»، برقم 1285.
([1941]) تقدمت الأدلة على ذلك في الفقرة رقم 25.
([1942]) سورة البقرة، الآية: 216.
([1943]) سورة النساء، الآية: 19.
([1944]) طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، ص448-459، وانظر: زاد المعاد، 4/188-196، وعدة الصابرين لابن القيم، ص76-86.
([1945]) سورة آل عمران، الآية: 140.
([1946]) هكذا نُقل عند البعض، ولكن للإمام البستي في نونيته نحو هذا قال ؒ:
لا تحسبن سرورًا دائمًا أبدًا | من سره زمنٌ ساءته أزمانُ |
انظر: الجامع للمتون العلمية، للشيخ عبد اللَّه بن محمد الشمراني، ص 625.
([1947]) سورة هود، الآية: 49.
([1948]) سورة النحل، الآيتان: 41- 42.
([1949]) هكذا سمعته من الشيخ محمد بن حسن الدريعي، يقول: إنه كتبه له بعض أصدقائه عندما انكسرت رجله، ولكن البيت في نونية علي بن محمد البستي هكذا:
كل الذنوب فإن اللَّه يغفرها | إن شيَّع المرء إخلاص وإيمان | |
وكل كسر فإن الدين يجبره | وما لكسر قناة الدين جبران |
انظر: الجامع للمتون العلمية، للشيخ عبد اللَّه بن محمد الشمراني، ص626.
([1950]) سورة الأعراف، الآية: 128.
([1951]) سورة الأحقاف، الآية: 35.
([1952]) ابن ماجه، واللفظ له، في كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم 1599، والدارمي، 1/40، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1106.
([1953]) انظر: مقومات الداعية الناجح، للمؤلف، ص260-279.
([1954]) برد الأكباد عند فقد الأولاد؛ لابن ناصر الدين، ص61.
([1955]) سورة الزخرف، الآيات: 33 - 35.
([1956]) سورة يونس، الآية: 24.
([1957]) سورة الكهف، الآية: 45.
([1958]) سورة القصص، الآية: 60.
([1959]) سورة القصص، الآية: 83.
([1960]) سورة القصص، الآية: 88.
([1961]) سورة الشورى، الآية: 36.
([1962]) سورة الأنعام، الآية: 32.
([1963]) سورة العنكبوت، الآية: 64.
([1964]) سورة الحديد، الآية: 20.
([1965]) سورة الرحمن، الآيتان: 36- 37.
([1966]) سورة غافر، الآية: 39.
([1967]) البخاري، كتاب الأطعمة، باب ما كان النبي ﷺ وأصحابه يأكلون، برقم 5414.
([1968]) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6455.
([1969]) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه، وتخليهم عن الدنيا، برقم 6459.
([1970]) متفق عليه: البخاري، كتاب الاستقراض وأداء الديون، والحجر والتفليس، باب أداء الديون، برقم 2389، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، برقم 991.
([1971]) أحمد في المسند، 1/301 بلفظه، والترمذي بنحوه، في كتاب الزهد، باب 44، برقم 1377، وقال: «حديث حسن صحيح»، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4109، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/280، وصحيح ابن ماجه، 2/394.
([1972]) البخاري، كتاب الأطعمة، باب قول اللَّه تعالى:﴿ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ الآية، برقم 5374.
([1973]) انظر: فتح الباري لابن حجر، 9/517، 549.
([1974]) البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6456.
([1975]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف كان يعيش النبي ﷺ وأصحابه وتخليهم عن الدنيا، برقم 6460، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، واللفظ له، برقم 1055.
([1976]) مسلم، كتاب الزكاة، باب الكفاف والقناعة، برقم 1054.
([1977]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2958.
([1978]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2959.
([1979]) البخاري، كتاب الرقاق، باب ما قدم من ماله فهو له، برقم 6442.
([1980]) الأسك: مصطلم الأذنين مقطوعهما.
([1981]) مسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2957.
([1982]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4110، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على اللَّه ﷻ، وقال: «هذا حديث صحيح»، برقم 2320، وابن المبارك في الزهد والرقائق، عن رجال من أصحاب النبي ﷺ، برقم 470، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 943، وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3240.
([1983]) الترمذي، بلفظه، كتاب الزهد، بابٌ: حدثنا محمد بن حاتم، برقم 2322،وحسنه،وابن ماجه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، برقم 4112،وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3244.
([1984]) انظر: البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الطعام إلى أجل، برقم 2200، ومسلم، كتاب المساقاة، باب الرهن وجوازه في الحضر والسفر، برقم 1603.
([1985]) انظر: شرح الطيبي على مشكاة المصابيح، 10/3284 - 3285، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري، 9/31، وتحفة الأحوذي للمباركفوري، 6/613.
([1986]) فقه الدعوة للمؤلف، 2/1007.
([1987]) متفق عليه: البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب، برقم 3158، 4015، 6425، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، برقم 2961.
([1988]) متفق عليه: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، برقم 6427، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، برقم 1052، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.
([1989]) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت، برقم 5672، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب كراهة تمني الموت لضر نزل به، برقم 2681.
([1990]) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، 10/129.
([1991]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، 11/93، و10/129.
([1992]) الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/326، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: «وهو كما قالا»، وصححه في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3165.
([1993]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حدثنا قتيبة، برقم 2466، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4108، وأحمد، 2/358، والحاكم وصححه، ووافقـه الذهبي، 2/443، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3166، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/346، وفي صحيح الترمذي، 2/593.
([1994]) سورة الشورى، الآية: 20.
([1995]) ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4105، وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 950، وصحيح الجامع، 5/351.
([1996]) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب: حدثنا سويد، برقم 2465، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 2/593، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 949 - 950.
([1997]) أحمد، 4/412، وابن حبان، برقم 709، والحاكم، 4/319، قال الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، برقم 4744: «رواه أحمد ورواته ثقات». وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب على الحديث رقم 3247: «صحيح لغيره»، وذكر له شاهدًا في الأحاديث الصحيحة، برقم 3287.
([1998]) الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي،4/310،وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3248.
([1999]) سورة الطور، الآية: 21.
([2000]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1268، 4/243.
([2001]) أخرجه أحمد في المسند،2/209،قال الإمام ابن كثير ؒ في تفسيره: «إسناده صحيح».
([2002]) تيسير الكريم الرحمن، للعلامة السعدي، ص815، وانظر: تفسير الطبري، 22/467-470، وتفسير البغوي، 4/238.
([2003]) سورة الزمر، الآية: 15.
([2004]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1151.
([2005]) سورة الشورى، الآيتان: 44- 45.
([2006]) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ص1194.
([2007]) برد الأكباد عند فقد الأولاد، لابن ناصر الدين، ص67.
([2008]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 26ـ ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 3/ 321، وجامع العلوم والحكم، لابن رجب، ص 192، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين، شرح الحديث رقم 1443، وإتحاف المسلم بشرح حصن المسلم، ص 66- 67، وص 1773.
([2009]) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، برقم 2577.
([2010]) صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، برقم 6384، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب خفض الصوت بالذكر، برقم 2704.
([2011]) مسند أحمد، 13/ 447، برقم 8085، وصححه محققو المسند، وقال ابن حجر في المطالب العالية، 14/ 160: «وهذا إسناد صحيح».
([2012]) الدعاء للطبراني، ص 474، برقم 1648، والمعجم الكبير للطبراني، 12/ 364، برقم 13354، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، 1/ 264، برقم 1213.
([2013]) الأدب المفرد، ص 222، برقم 638، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 238، برقم 638.
([2014]) مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء، برقم 2696، وما بين المعقوفين عند أبي داود، أَبْوَابُ تَفْرِيعِ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ، بَابُ مَا يُجْزِئُ الْأُمِّيَّ وَالْأَعْجَمِيَّ مِنَ الْقِرَاءَةِ، برقم 832.
([2015]) مسند أحمد 18/ 241، برقم 11713، وحسنه لغيره محققو المسند، وصححه بشواهده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، 7/ 789.
([2016]) البخاري، كتاب التهجد، باب فضل من تعارّ من الليل فصلى، برقم 1154، واللفظ لابن ماجه، كتاب الدعاء، بَابُ مَا يَدْعُو بِهِ إِذَا انْتَبَهَ مِنَ اللَّيْلِ، برقم 3878.
([2017]) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا خرج من بيته برقم 5095، والدعوات الكبير للبيهقي، 2/ 38، 454، وحسنه الأرناؤوط بشواهده، في تحقيقه لسنن أبي داود، 7/ 425، برقم 5095، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته، 1/ 148، برقم 499.
([2018]) كتاب الدعاء للطبراني، ص 146، برقم 409، وحسنه بشواهده الأرناؤوط في سنن ابن ماجه (5/ 48)، برقم 3886.
([2019]) سنن النسائي الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، ثواب من قال عند منامه لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا باللَّه ، برقم 10647، وصحيح ابن حبان، 12/ 338، برقم 5528، وعمل اليوم والليلة لابن السني، ص 660، برقم 722، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/ 390، برقم 607.
([2020]) صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وصفته، برقم 594.
([2021]) صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي على النبي ﷺ ثم يسأل اللَّه له الوسيلة، برقم 385.
([2022]) سورة الأنعام: 65.
([2023]) سورة الأنعام: 65.
([2024]) سورة الأنعام: 65.
([2025]) سورة النساء: 59.
([2026]) سورة الشورى: 10.
([2027]) رواه الترمذي، برقم1352 ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
([2028]) سمعت هذا الحديث والآيات وشروحها من سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز أثناء تقريره على الحديث رقم 7313 من صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ [الأنعام: 65].
([2029]) سورة هود: 118، 119.
([2030]) سورة النساء: 65.
([2031]) سورة البخاري، برقم 100، ومسلم، برقم 2673.
([2032]) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 2/ 1073.
([2033]) سورة النحل: 25.
([2034]) روله مسلم، برقم 2674.
([2035]) كالعرضات: مثل: 1- العرضة الحجازية والجنوبية، وهي مجموعة من الناس، وعدد من المغنين (الشعراء) يترادون فيما بينهم غناء أحدهم، حتى يغني الآخر غناء جديداً يرد به على الأول، فتردد المجموعة بعده كلامه، وذلك على شكل غنائي مع الطبل، أو الزير، أو الزلفة، حتى تنتهي المحاورة الغنائية [وقد أفتت اللجنة الدائمة بتحريمها برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز :: فتاوى اللجنة الدائمة، 26/ 253، و19/ 126]. 2- السامري وهو أن يجلس مجموعة من الناس على ركبهم على هيئة التشهد، يترابطون بالأيدي والآباط، ويتمايلون يميناً وشمالاً، وينحنون بما يشبه السجود مع الغناء والمعازف. 3- القزوعي ويكون مجموعة من الناس يكونون صفين، يرددون بيت مغنٍ (شاعر) قائم معهم، ويتمايلون يميناً ويساراً، ويحنون ظهورهم كالركوع مع الترداد، ويضربون الأرض بأرجلهم (اليمنى)، ويرددون غناء المغني الأول في كل دور، وصار في الآونة الأخيرة يصاحبه آلات موسيقية حديثة فيها النغمات والمعازف المناسبة لغنائهم عن طريق آلات التسجيل، ويرددون معها دائماً غناء الشاعر، 4- الخطوة وهي رقص وهو في الغالب يشابه رقص النساء، فهو تمايل، وهز خُصورٍ وأوساطٍ مع انحناءات بالجسم تجاه الأرض بما يشبه الركوع، ويكون مقترناً بالطبل، وهو موجود في الحجاز، 5- والدبكة تفعل في الشمال، وهي دائرة من الرجال بينهم مغنٍ (شاعر) يرددون غناءه، ويدكون الأرض بأرجلهم ويدورون مع الخطو أماماً وخلفاً مع الموسيقى والهز، 6- والشيلات تكون بنغمات غنائية مؤثرة مع مؤثرات صوتية ومعازف، 7- وأناشيد الصوفية المخالفة للشرع لفظاً ومعنى، وهي تستخدم عن طريق الشهوات والشبهات في الغالب، ويصاحبها آلات طرب، كالطبول وغيرها، 8- وبعضهم يجعل في مقدمات البرامج الدينية أصواتاً حزينة مع موسيقى هادئة.9- القلطة: وهي أنهم يقفون صفين مع شاعرين، أو أربعة شعراء بين الصفين، يبدأ الشاعر الأول فيغني شطر بيت من الشعر، يردده الصف الأول مع التصفيق، والقفز، ويعطي الصف الثاني الشطر الثاني من البيت، حتى يرد عليه الشاعر الثاني، فيردد الصف غناء الآخر، فإذا وجد في هذه المحاورة ذم الشاعر الآخر، وذم قبيلته، وحصل مدح فبيلة الشاعر، وذم قبيلة الآخر بغير حق، وهذا قد يحصل أحياناً، فإذا اقترن بالذم والشتم، فلا شك في تحريمه، والتصفيق لا يليق بالرجال. 10- الزامل: وهو على ثلاثة أنواع: النوع الأول: زامل الإقبال مع الغناء، وهو من الضيوف، والنوع الثاني: هو ترحيب المضيف بأضيافه عن طريق الخروج من المكان إلى الخارج، ثم يكونون صفاً، ويقبلون إلى الضيوف في المكان المعد للضيافة، يرحبون بهم بصوت غنائي، والنوع الثالث: توديع الضيوف لأصحاب الضيافة يشكرونهم على حسن الضيافة بأصوات شعرية، وهذا النوع يكون في بعض الأحيان، ويقال في حكم ذلك: إذا كان لعب الزامل يشتمل على الكبر، والفخر، والخيلاء، والمدح بغير حق، فلا شك في تحريمه، أما إذا لم يكن كذلك، فأقل أحواله أنه لا يعمل به إلا الجهال، أما أهل العقول الزاكية بالعلم النافع، والخشية للَّه، والإخلاص، فلا يعملونه لمحبتهم الكاملة للَّه ورسوله ﷺ، ورغبتهم فيما عنده سبحانه، أما بالنسبة للترحيب بالضيوف، فيكون بالكلام الطيب، وبشاشة الوجه، والإكرام حسياً، ومعنوياً، اقتداء بالنبي ﷺ.
11- أما العرضة النجدية، فقال عنها سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن عبد اللَّه بن باز :: «هذه إن كانت للتدرب على حمل السلاح: كالسيوف، والبنادق، والرماح، وأشباه ذلك، مما يستعان به في الحرب: كالدرق، والحراب، كما فعل الحبشة في مسجد النبي ﷺ في عهده ﷺ، فهذا لا بأس به، وهذا من باب التدرب، ومن باب إعداد القوة؛ ولكن لا يكون فيها ما حرم اللَّه من: الموسيقى، والطبول، وآلات الملاهي، لا، بل تكون بالسيوف، بالرماح، بالدرق والحراب، وأشباه ذلك، والأشعار العربية التي فيها: مدح الشجاعة، مدح الكرم، مدح القوة، وما أشبه ذلك، ... وفي تعليق وتعقيب من الشيخ عبد العزيز بن باز : على محاضرة في الجامع الكبير عن العرضة النجدية، قال: وإنها في الاسم المحلي حقيقتها التدرب على حمل السلاح، والكر، والفر، وهي من جنس ما فعل الحبشة في مسجد النبي ﷺ، فإنهم لعبوا في المسجد بحضرة النبي ﷺ، وبإقراره لهم، وكانوا يلعبون بحرابهم، وهي رماح قصيرة، وبالدرق وبالتروس، كراً وفراً، حتى يتدرب الناظر والعامل معهم على مثل هذا في الحروب، فكانت الحبشة لها رمي بالحربة، لها رمي شديد مؤثر في الجهاد، فالتدرب بمثل هذا في الكر والفر، في حمل السلاح، في البندق، والسيف، والرماح، والحراب، والدرق: كراً، وفراً، وتنوعاً في الرمي، وتنوعاً في الكر والفر، هذا له وجهه، وله أسلوبه، وله وجهه الشرعي، ولا حرج فيه ما لم يكن فيه اختلاط بالنساء، وما لم يكن فيه منكر آخر. فالحاصل: أن ما يؤيد اللَّه به الإسلام، ويعين به المجاهدين أمر مطلوب بشرط ألا يكون من طريق الحرام، بشرط ألا يكون فيه آلة محرمة، وبشرط ألا يكون فيه عمل محرم، فتستعمل الآلات الشرعية، والآلات الحربية بالطرق الإسلامية، لا بالطرق الشيطانية، ولا بالطرق النسائية، ولا بالطرق المحرمة. [المصدر أسئلة الجامع الكبير من خلال موسوعة صوتية تحت الإعداد مؤسسة الشيخ عبد العزيز بن باز الخيرية، نقلاً عن المجلس العلمي لموقع الألوكة].
([2036]) المعجم الوسيط، مادة: (غَنِيَ)، ص 664.
([2037]) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (غناء)، 3/ 392.
([2038]) لسان العرب، لابن منظور، 15/ 139.
([2039]) معجم لغة الفقهاء، محمد روَّاس، ص 303، وانظر: القاموس الفقهي، لسعدي أبو جيب، ص 278.
([2040]) لسان العرب لابن منظور، مادة (عزف)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة (عزف).
([2041]) معجم لغة الفقهاء للرواس، مادة (عزف)، ص 208.
([2042]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، 17/ 490- 491.
([2043]) الإسراء: 63- 64.
([2044]) سورة لقمان، الآيتان: 6، 7.
([2045]) تفسير الطبري، 20/ 126.
([2046]) تفسير البغوي، 3/ 490.
([2047]) الإمام الطبري بإسناده في جامع البيان، 20/ 127.
([2048]) جامع البيان للطبري، 20/ 127- 128، وقد ذكر هذه الآثار بأسانيده المتصلة إلى ابن عباس ب.
([2049]) المرجع السابق بإسناده، 20/ 128.
([2050]) جامع البيان، للطبري، 20/ 128- 129 بأسانيده.
([2051]) المرجع السابق، 20/ 129 بإسناده.
([2052]) سورة لقمان: 6.
([2053]) التَّشْبِيبُ:تَرقيقُ الشعر بذكر النِّساء. النهاية في غريب الحديث، 2/1074،مادة (شبب).
([2054]) الجامع لأحكام القرآن، 14/ 57.
([2055]) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، 21/ 110- 111.
([2056]) سورة النجم: 59 – 61.
([2057]) جامع البيان،22/ 560- 561، بأسانيده المتصلة، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير،13/ 284.
([2058]) سورة الفرقان، الآية: 72.
([2059]) تفسير الطبري، 19/ 314.
([2060]) سورة الأنفال: 35.
([2061]) جامع البيان0 بأسانيده المتصلة، 13/ 522- 524.
([2062]) تيسير الكريم الرحمن، ص 320.
([2063]) العَلَم: المنَارُ، والجبَل. النهاية في غريب الحديث والأثر، 3 / 560.
([2064]) البخاري معلقاً مجزوماً به: 5590، أبو داود: 4039، وابن حبان :6754، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 1/ 139.
([2065]) أخرجه البزار: 7513، والمقدسي في المختارة، 6/ 188، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، 1/ 714.
([2066]) أخرجه أحمد: 6574، وأبو داود:3685، والبيهقي، 10/ 221، والبزار، 6/ 425، والطبراني في الكبير: 127، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، 4/ 283، وفي صحيح الجامع الصغير، 1/ 304.
([2067]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (مزر)، 4 / 688.
([2068]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (كوب)، 4 / 381.
([2069]) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (غبر)، 3/ 630.
([2070]) سنن ابن ماجه:4020، وأبو داود: 3688، وابن حبان:6758، ومصنف ابن أبي شيبة، 7/ 465، والطبراني في الكبير: 3419، والبيهقي في السنن الكبرى، 10/221، وصحح إسناده العلامة الألباني في التعليقات الحسان: 6758، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 371.
([2071]) الرَّنَّةُ: الصَّيْحَةُ الحَزِينةُ، يقال: ذو رَنَّةٍ، والرَّنِينُ: الصياح عند البكاء... الرَّنَّةُ والرَّنِينُ والإرْنانُ: الصيحة الشديدة، والصوت الحزين عند الغناء، أَو البكاء. لسان العرب، 13/ 187، مادة (رنن)».
([2072]) سنن الترمذي: 1005، والحاكم، 4/ 40، والطيالسي، 3/ 262، والبيهقي في شعب الإيمان، 12/ 431، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة، 5/ 189.
([2073]) مسند الطيالسي، 3 / 262.
([2074]) مسند أحمد: 2625، وابن حبان، 12/ 187، وأبو يعلى، 5/ 114، والبيهقي في الكبرى، 8/ 303، وفي الشعب له، 4/ 282، والبزار، 6/ 425، والطبراني في الكبير، 12/ 101، وصححه الألباني في التعليقات الحسان: 5365، والسلسلة الصحيحة: 1708.
([2075]) الكُوبَةُ: الطبل الصغير المخصر، معرب. المصباح المنير، 2 / 543، مادة (كوب).
([2076]) سنن أبو داود: 3696، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 423.
([2077]) سنن الترمذي، برقم 1637، وأحمد:17300، وابن ماجه:2811، والدارمي، 1/ 179، والبيهقي في الكبرى، 10/ 14، والطبراني في الكبير، 17/ 341، والطيالسي، 1/ 135، وحسنه بمجموع طرقه، وشواهده محققو مسند الإمام أحمد، 28/ 533.
([2078]) مسند أحمد: 22218، 22307، والطبراني في الكبير: 7803، ومسند الحارث (زوائد الهيثمي)، 2/ 770. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 2 / 272: «رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد ثقات»، وضعفه محققو مسند الإمام أحمد، 36/ 551، ولكن المعنى صحيح.
([2079]) مسند الطيالسي، 2 / 454، والطبراني في الكبير: 7804.
([2080]) صحيح مسلم: 2114.
([2081]) يوم بعاث: - بضم الباء-: يوم مشهور كان فيه حَرب بين الأوس والخزرج. وبُعاث: اسم حصن للأوس، وبعضهم يقوله بالغين المعجمة وهو تصحيف. النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الثير، مادة (بعث).
([2082]) صحيح البخاري، برقم 952، وصحيح مسلم، برقم 892.
([2083]) صحيح البخاري، برقم 949.
([2084]) مُسجَّى: أي مغطَّى، والمُتسَجِّي: المُتَغَطِّي، من اللَّيل السَّاجي؛ لأنه يُغَطِّي بظلامه وسُكونه. انظر: النهاية في غريب الأثر، مادة (سجا).
([2085]) صحيح البخاري، برقم 987، ومسلم، برقم 892.
([2086]) انظر: فصل الخطاب، للعلامة حمود التويجري، ص 103.
([2087]) سنن الترمذي: 3690، وابن عساكر، 1/ 338، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 512، وفي السلسلة الصحيحة، برقم 2261.
([2088]) الزَّفْن : اللَّعبُ والدفعُ ، ومنه حديث عائشة ل: قدِم وفْد الحبَشَة فجعلوا يَزْفِنُون ويلعبون، أي يرقُصُون([2088]). النهاية في غريب الحديث، 2 / 756، مادة (زفن).
([2089]) فارفَضَّ الناسُ عنها: أي تفرَّقُوا. النهاية في غريب الحديث، 2 / 598، (رفض).
([2090]) سنن الترمذي، برقم 3691، والنسائي في الكبر، برقم 8908، والطبراني في الكبي، برقم 6984، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 512، وفي السلسلة الصحيحة، برقم 2261.
([2091]) سنن ابن ماجه: 311، والطبراني في الكبير: 5061، وأبو يعلى في معجمه، ص 217، وابن المنذر في الأوسط، 1/ 338، والبيهقي في الدلائل، 6/ 390، وابن عساكر، 44/ 163، وانظر: فصل الخطاب، ص 105.
([2092]) النهروان: وِزان زعفران: بلدة بقرب بغداد، نحو أربعة فراسخ. انظرك المصباح المنير، 2 / 628، مادة (نهر).
([2093]) البداية والنهاية، 7 / 307 ، وانظر: فصل الخطاب، ص 105.
([2094]) مصنف ابن أبي شيبة، 13/ 297، والزهد للإمام أحمد، ص 141،والزهد لهناد: 497، وابن عساكر، 33/179، قال الحسيني في البيان والتعريف، 1/166: «قال بعض شراح الشهاب: حسن غريب».
([2095]) تهذيب الآثار،2 / 649,
([2096]) البخاري في الأدب المفرد: 598، والبيهقي في السنن الكبرى، 10/ 223، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد: 530.
([2097]) انظر: فصل الخطاب، ص 102- 138.
([2098]) إغاثة اللهفان، 1/ 294.
([2099]) انظر: الدر المختار، 2/ 352، وشرح كنز الحقائق، 4/ 120، وإغاثة اللهفان لابن القيم، 2/ 294.
([2100]) انظر: علل أحمد، 1/ 238، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للخلال، ص 165، والكافي لابن عبد البر، 2/ 205، وتفسير القرطبي، 14/ 55، وعون المعبود، 13/ 186. وقال الغزالي في إحياء علوم الدين ومعه تخريج الحافظ العراقي،3 / 237: «وأما مالك :، فقد نهى عن الغناء، وقال إذا اشترى جارية فوجدها مغنية كان له ردّها، وهو مذهب سائر أهل المدينة، إلا ابن سعد وحده».
([2101]) الأم، 6/ 214.
([2102]) إغاثة اللهفان، لابن القيم، 1/ 294- 299 بتصرف يسير.
([2103]) فتاوى ابن الصلاح، 2/ 498، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم، 1/ 297.
([2104]) منهاج السنة النبوية، 3/ 256. وانظر: فتاوى شيخ الإسلام، 30/ 218، وفصل الخطاب، ص 153.
([2105]) كتاب الفروع لابن مفلح وتصحيح الفروع، 11/ 349 ، وانظر: فصل الخطاب، حمود التويجري، ص 157.
([2106]) الفروع، لابن مفلح، 8/ 376.
([2107]) الحافظ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه: تلبيس إبليس، ص 205، وانظر: فصل الخطاب، ص 157.
([2108]) إغاثة اللهفان، لابن القيم، 1/ 293.
([2109]) مقال لابن باز، نشر في مجلة راية الإسلام، العددان: 2 – 3، السنة الثانية، محرم وصفر سنة 1381 هـ، ص 70 - 75، والرابع والخامس، ربيع الأول والثاني، 1381 هـ، ص 11 ، ص 23، وقد جُمِعَ ذلك في مجموع فتاويه، 21/ 102- 147.
([2110]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين، 20/ 256.
([2111]) إغاثة اللهفان، 1/ 316، وتقدم تخريجه.
([2112]) إغاثة اللهفان، 1/ 316، وتقدم تخريجهما.
([2113]) إغاثة اللهفان، 1/ 325.
([2114]) صحيح البخاري، برقم 949، ومسلم، برقم 892.
([2115]) جامع البيان، 22/ 560، وتقدم تخريجه.
([2116])إغاثة اللهفان، 1/ 306- 307 بتصرف.
([2117]) انظر: كتاب الزواجر لابن حجر الهيتمي، 2 / 336.
([2118]) البيهقي، 10/ 223، وبنحوه أبو داود، كتاب الأدب، باب كراهية الغناء والزمر، برقم 4927، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة، 2/ 229، وشعب الإيمان للبيهقي، 4/ 278، وابن أبي شيبة، 6/ 310، وعبد الرزاق، 11، 4، وجوّد إسناده الألباني في تحريم آلات الطرب، ص 12.
([2119]) إغاثة اللهفان، 1/ 316.
([2120]) إغاثة اللهفان، 1/ 347.
([2121]) ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي، ومن طريقه أبو الفرج بن الجوزي، ص 250، وأورده العلامة الألباني في تحريم آلات الطرب، 1/ 120، وإغاثة اللهفان، 1/ 322.
([2122]) إغاثة اللهفان، 1/ 250.
([2123]) المرجع السابق، 1/ 499.
([2124]) إغاثة اللهفان، 1/ 320.
([2125]) الكافية الشافية، لابن القيم، ص 2/ 80.
([2126]) سنن الترمذي، برقم 3691، والنسائي في الكبرى، برقم 8908.
([2127]) شعب الإيمان للبيهقي، 7/ 111، وذم الملاهي، لابن أبي الدنيا، ص 53.
([2128]) إغاثة اللهفان، لابن القيم، 1/ 317- 318.
([2129]) النشوان: رجل نَشْوان أَي سَكران بيِّن النَّشوة. لسان العرب، 15 / 325، مادة (نشو).
([2130]) إغاثة اللهفان، 1/ 299.
([2131]) انظر: فصل الخطاب في الرد على أبي تراب، للتويجري، ص 181- 199.
([2132]) سورة النساء: 114.
([2133]) الترمذي، برقم 2414، وصححه الألباني.
([2134]) ابن حبان، برقم 276، وصححه الألباني.
([2135]) ابن ماجه، برقم 4251، وحسّنه الألباني.
([2136]) سورة آل عمران: 134.
([2137]) أبو داود، برقم 4779، وحسنه الألباني.
([2138]) مسلم، برقم 2588.
([2139]) سورة يوسف: 92.
([2140]) سورة الشورى: 38.
([2141]) سورة آل عمران: 159.
([2142]) ابن ماجه، برقم 4216، وصححه الألباني.
([2143]) مسند أحمد، برقم 12697، وصححه محققو المسند.
([2144]) السنن الكبرى للبيهقي، 10/ 106.
([2145]) الزهد لوكيع، ص 258.
([2146]) انظر: الجواب الكافي ، ص221، والمعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع، ص30 .
([2147]) سورة النساء، الآية: 14 .
([2148]) سورة الأحزاب، الآية: 36 .
([2149]) سورة الفرقان، الآية: 20 .
([2150]) انظر: مدارج السالكين، لابن القيم، 1/222-226 .
([2151]) الفوائد، ص105 .
([2152]) انظر: الجواب الكافي ، ص222-223 .
([2153]) الجواب الكافي ، ص223 .
([2154]) سورة النساء، الآية: 31 .
([2155]) سورة النجم، الآية: 32 .
([2156]) البخاري، برقم 4477، ومسلم90، برقم 86 .
([2157]) البخاري، برقم 2654، ومسلم، برقم 87 .
([2158]) مسلم، برقم 2332 .
([2159]) البخاري، برقم 2766، ومسلم، برقم 89 .
([2160]) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 2/444، وشرح العقيدة الطحاوية، ص418، والجواب الكافي، ص225-226 .
([2161]) تقدم تخريجه.
([2162]) ابن ماجه417، برقم 4243، وأحمد، 6/70، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 513، 2731 .
([2163]) أخرجه أحمد في المسند، 5/331، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة،1/129، برقم 389.
([2164]) البخاري، برقم 6308 .
([2165]) انظر: مختصر منهاج القاصدين ، ص258 .
([2166]) البخاري، برقم 6069، ومسلم، برقم 2990.
([2167]) الجواب الكافي ، ص84 .
([2168]) سورة الحج، الآية: 46 .
([2169]) الجواب الكافي ، ص104، 148، 173، 212 .
([2170]) ديوان الشافعي، ص88، وانظر: الجواب الكافي، ص104 .
([2171]) انظر: الجواب الكافي، ص105-106 .
([2172]) المرجع السابق، ص106 .
([2173]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص106 .
([2174]) سورة المطففين، الآيتان: 14-15 .
([2175]) انظر: الجواب الكافي، ص215 .
([2176]) سورة فاطر، الآية: 10 .
([2177]) سورة المنافقون، الآية: 8 .
([2178]) البخاري، برقم 7416، ومسلم، برقم 1499 .
([2179]) البخاري، برقم 5221 .
([2180]) البخاري، برقم 5223، ومسلم، برقم 2761.
([2181]) النسائي، برقم 2558، وأحمد في المسند، 5/445، وله شاهد عند ابن ماجه، برقم 1996، والحديث حسنه الألباني بطرقه في إرواء الغليل، 7/58، برقم 1999 .
([2182]) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي، 5/79 .
([2183]) انظر: شرح السيوطي على سنن النسائي، 5/79 .
([2184]) مسلم، برقم 37 .
([2185]) البخاري، برقم 6117، ومسلم، برقم 37 .
([2186]) سورة الأنعام، الآية: 125 .
([2187]) المرجع السابق، ص112 .
([2188]) سورة الحج، الآية: 18 .
([2189]) البخاري، برقم 5933، ومسلم، برقم 2124 .
([2190]) البخاري، برقم 5931، ومسلم، برقم 2125 .
([2191]) مسلم، برقم 1597 .
([2192]) مسلم، برقم 2117 .
([2193]) مسلم، برقم 1687 .
([2194]) مسلم، برقم 1978 .
([2195]) البخاري، برقم 5885 .
([2196]) أبو داود، برقم 3674، وابن ماجه، 2/1122، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/700، وما بين المعقوفين لابن ماجه.
([2197]) مسلم، برقم 1958 .
([2198]) البخاري، برقم 5962 .
([2199]) أحمد في المسند،1/217، وصحح إسناده أحمد محمد شاكر في شرحه للمسند،3/266،برقم 1875 .
([2200]) الترمذي، برقم 1336، وأبو داود، برقم 3580، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/34، وإرواء الغليل، برقم 2626، وفي صحيح سنن أبي داود، برقم 3055 .
([2201]) أبو داود، برقم 3236، والترمذي، 2/136، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 1/308 .
([2202]) أبو داود، برقم 2162، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/406 .
([2203]) البخاري، برقم 5193 .
([2204]) مسلم، برقم 2616.
([2205]) انظر: سورة الأحزاب، الآية: 57 .
([2206]) انظر: سورة الرعد، الآية: 25 .
([2207]) انظر: سورة البقرة، الآية: 159 .
([2208]) انظر: سورة النور، الآية: 23 .
([2209]) انظر: سورة النساء، الآيتان: 51-52 .
([2210]) انظر: الجواب الكافي ، ص115-119 .
([2211]) انظر: الجواب الكافي ، ص137 .
([2212]) انظر: الجواب الكافي ، ص، 144، 155، 195.
([2213]) انظر: المرجع السابق، ص161 .
([2214]) ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ [ سورة الحجرات، الآية: 13 .
([2215]) سورة البقرة، الآية: 276 .
([2216]) سورة النساء، الآية: 107 .
([2217]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص201-207، والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، لحامد بن محمد المصلح، ص116-118 .
([2218]) انظر: مجلة البحوث الإسلامية، الصادرة من رئاسة البحوث العلمية، قرار هيئة كبار العلماء رقم138، في حكم مهرب ومروج المخدرات، العدد الحادي والعشرون، ص355 .
([2219]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص208-211 .
([2220]) انظر: المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، لحامد بن محمد المصلح، ص118 .
([2221]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص106 .
([2222]) مسند أحمد، 37/ 68، برقم 22386، وحسنه لغيره محققو المسند،. ورواه النسائي في الكبرى، برقم 11575، وابن ماجه، برقم 90.
([2223]) سورة الطلاق، الآيتان: 2-3 .
([2224]) المرجع السابق، ص142 .
([2225]) سورة الشورى، الآية: 30 .
([2226]) سورة الأنفال، الآية: 53 .
([2227]) الجواب الكافي ، ص142 .
([2228]) البخاري، برقم 2079، ومسلم، برقم 1532 .
([2229]) البخاري، ،برقم 2387.
([2230]) انظر: فتح الباري، لابن حجر، 5/54 .
([2231]) انظر: الجواب الكافي، ص166 .
([2232]) انظر: المرجع السابق، ص215 .
([2233]) سورة طه، الآية: 124 .
([2234]) أخرجه ابن ماجه، 2/1418، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/17، برقم 505، وفي صحيح ابن ماجه، 2/417 .
([2235]) أخرجه مسلم، برقم 2581 .
([2236]) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم، ص84-86 .
([2237]) سورة العنكبوت: 40.
([2238]) سورة إبراهيم، الآية: 7 .
([2239]) سورة النحل، الآية: 18 .
([2240]) سورة إبراهيم، الآية: 34 .
([2241]) انظر: الجواب الكافي، ص142، والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع ، ص141-150 .
([2242]) سورة الشورى، الآية: 30 .
([2243]) أخرجه ابن ماجه، برقم 4019، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 4/540، وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/370.
([2244]) سورة الأنفال، الآية: 45-47 .
([2245]) سورة غافر، الآية: 51 .
([2246]) سورة الروم، الآية: 47 .
([2247]) سورة الحج، الآية: 40 .
([2248]) سورة محمد، الآيتان: 7-8 .
([2249]) انظر: المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع ، ص153-154 .
([2250]) انظر: الجواب الكافي ، ص111 .
([2251]) انظر: المرجع السابق، ص120-124، والمعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، ص164-222.
([2252]) سورة النور، الآية: 31 .
([2253]) سورة التحريم، الآية: 8 .
([2254]) سورة الزمر، الآية: 53 .
([2255]) سورة آل عمران، الآية: 135 .
([2256]) سورة طه، الآية: 82 .
([2257]) سورة آل عمران، الآية: 104 .
([2258]) الترمذي، برقم 2169، وأحمد في اللفظ له في مسنده، 5/388،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/233 .
([2259]) المائدة: 105.
([2260]) أبو داود، برقم 4338، ومسند أحمد، 1/ 178، برقم 1، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 286ـ برقم 2317.
([2261]) سنن أبي داود، برقم 4339، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 578، برقم 2316.
([2262]) سورة الأعراف: 44.
([2263]) انظر: المعاصي وآثارها على الفرد والمجتمع، ص303-322 .
([2264]) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ، ص22، 35 .
([2265]) انظر: المرجع السابق، ص23-24 .
([2266]) انظر: المرجع السابق، ص24، 35-37 .
([2267]) الحاكم، 1/493، وأحمد في المسند، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، 3/151، برقم 3402 .
([2268]) الترمذي، برقم 2139، بلفظه، وقال: «هذا حديث حسن غريب»، وأخرجه الحاكم بنحوه، 1/493، من حديث ثوبان وصححه ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/76، برقم 154.
([2269]) انظر: الجواب الكافي لابن القيم، ص25، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص51-52 .
([2270]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص26، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص39.
([2271]) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص27-28، وشروط الدعاء وموانع الإجابة، لسعيد بن علي بن وهف [المؤلف]، ص45-91 .