التنافس في فعل الخير
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "التنافس في فعل الخير"، والتي تحدَّث فيها بالحثِّ على فعل الخير والمسابقة إليه، والتنافس عليه، مع ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونُثني عليه الخير كله، سبحانه جلَّ ربًّا وتبارك إلهًا، تبارك الله وجلَّ الله، أعظم ما نطقَت به الأفواه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حثَّنا على التنافس في الخير ابتدارًا واستباقًا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله أورَقَ الندى في شرعته إيراقًا، والبِرُّ أشرق أيَّما إشراقًا، فكان التوادد والتراحم في البرايا وِفاقًا، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين محتِدًا الزاكين أعراقًا، وصحبه البَررة البالغين في الخير قِمَمًا شِهاقًا، والتابعين ومن تبعهم يرجو بالمتقين لحاقًا، وسلَّم تسليمًا مباركًا رقراقًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على تقواه بما خوَّلكم ورزقكم، فتقواه - عز وجل - سبيل الأسعاد، ومعقِل الأمجاد، وبها الفوز يوم يقوم الأشهاد، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور : 52].
أيها المسلمون:
على إثر ظلمات الأَثَرة المتراكمة، والفردية المتلاطمة، والانتهازية المُتفاقمة التي أخرَسَت كثيرًا من المجتمعات دون صالح العمل، وبلوغ الخير في مدى التفاؤل والأمل، عمَدَت شريعتنا الغرَّاء منذ الأزل إلى خصيصةٍ بلْجاء سامقة، مُنوِّهةً بشأنها وبتتويجها، وإعلاء صرحها وتدبيجها، بل جعلتها قرينة الإيمان في آي القرآن، خصيصةٌ هي مقصد عظيم من مقاصد الدين، وحصنٌ لليقين والتوكل متين، من استمسك بها استنارت له الظُّلَم، وغَدا كالتاج في مفرقٍ للمجد مُرتَسَم.
إن أفصَحَت فعن روحٍ زكية، وهمَّةٍ عليَّة، ونفسٍ بالمكرُمات رضيَّة، تلكم - يا رعاكم الله -: هي الصورة المشرقة، والصفحة المتألقة، المُتمثِّلة في فعل الخيرات، واغتنام البُرور والصالحات، يقول الحق - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج : 77].
ويا لله! كم فيه من ثناءٍ عاطر، وتحضيضٍ ماطر، ويقول - جلًّ اسمه - في وصف الخُلَّص من عباده: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون : 61].
إنها النفوس التي جُبِلت على البر والصلاح، وطُبِعت على الجميل والإصلاح، تهفو إلى الخير وتُسرُّ بإدراكه ووقوعه، وتأسى للشر وتحزن لرتوعه، شهمٌ على التقوى مضَت أيامه، وجميل فعل الخير والإحسان، أليس البر - يا عباد الله - مجمع السرور، وخاضِض الفتن والشرور، يُبلِّغ من الأمجاد قاصيتها، ومن المحامد ناصيتها، فلا يصدر إلا عن أريَحِيٍّ كريم، شهمٍ ندبٍ رحيم، تسامى إلى ذُرى العاطفة الجيَّاشة المُشفقة، والنفس الوجِلة المُغدِقة.
أمة الإيمان والخير والإحسان:
ومما يرفو في الأفئدة ما رثَّ من قميء التقاعُس ونَهَج، ويُلهِب فيها أسمى الخيول المُوشَّاة بالبَلَج: قول أم المؤمنين - رضي الله عنها - ذات الحنان والرُّجْحان لسيد ولد عدنان - صلى الله عليه وسلم -: كلا؛ والله لا يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصِلُ الرحِم، وتحمِل الكلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق؛ أخرجه البخاري.
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس»؛ خرَّجه الطبراني بإسنادٍ حسن.
الله أكبر! ذلكم هو طريق المجد، وسبيل الرشد والسعد، ومجال العظمة لمن شاء أن يكون نبيلاً عظيمًا، ويحيا ميمونًا كريمًا.
أُخيَّ! إن المرء حيثُ فِعالُه | تتولَّ أحسن ما يكون فِعالاً |
فإذا تحامى الناس أن يتحمَّلوا | للعارفات فكن لها حمَّالاً |
معاشر المسلمين:
وليس من طريف القول ولا تليده؛ بل من تقريره وتأكيده: أن الأُلى داموا في فعل الخيرات لُيوثًا، وفي إسداء المكارم غُيوثًا، إنما برهنوا للعالم أجمع أن المجتمع المسلم هو موئل التراحم والتلاطُف، والتعاضُض والتعاطُف، الزاخر بمشارق الصالحات والنُّبْل، ومبارق الإنسانية والفضل، لا يُثبِّطهم عن الحسنات تهويل، ولا ينزع بهم عن المعروف تأويل، وذلك هو الانتماء الصادق لخصائص هذه الأمة ومقومات وجودها.
إذا ابنُ قومٍ وإن كانوا ذوي كرمٍ | لم يفعل الخيرَ أمسى غير مُنتَجَبِ |
ومن عجبٍ يا أحبتنا الأكارم؛ أن أقوامًا أُفعِمت جيوبهم بالنَّشَب، ولكن أُفرِغَت جنوبهم دون معالي الرُّتَب، وجليل الأَرَب، ولله درُّ العاذل:
من كان للخير منَّاعًا فليس له | على الحقيقة إخوانٌ وأعوانُ |
أحسِن إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ | فلن يدوم على الإحسان إمكانُ |
فيا ذوي الجاه واليسار وأهل الدثور: أنَّى تفوتكم الأجور، ثوابٌ من المولى جزيل، وذكرٌ في الآخرين جميل، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء : 84].
أمة الإسلام:
ولفعل الخير أنواعٌ عديدةٌ وضروبٌ، وأخرى فريدةٌ ذات دُروب، ومن نفحِ أزاهرها ونفيس جواهرها: قوله - تبارك وتعالى -: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء : 114]، وقوله - سبحانه -: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران : 134].
ومن نبراس النبوة: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الأعمال: أن تُدخِل على أخيك المؤمن سرورًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تُطعِمه خبزًا»؛ أخرجه البيهقي والحاكم، وصحَّحه.
ولم أر كالمعروف أما مذاقُه فحلوٌ وأما وجهه فجميل
فيا عبد الله:
كن من المُوفَّقين بإذن الله، وانبعث في الخير وميادينه، وتنسَّم شذى رياحينه، مهما تنوَّعت ميادينُه، وتعدَّدت مجالاته، علمية أو دعوية، إغاثيةً أو طبية، إنسانيةً أو عمرانية، وصفوة القول - يا رعاك ذو المنَّة والطَّوْل -: أغِث ملهوفًا، ابذُل معروفًا، آسِ مكلومًا، انصر مظلومًا، صِل محرومًا، يسِّر عسيرًا، اجبر كسيرًا، استعصم بالوحيَيْن، أصلح بين متخاصِمَيْن، واسِ مفئودًا، رغِّب في الخير كنودًا، انشر علمًا أو كتابًا، أعِن منقطعًا أو منتابًا، أتقِن عملاً، حقِّق أملاً، أرشِد حائرًا، عِظ جائرًا، اشفع في الخير شفاعة، اترك الشر وسماعه، اكفل يتيمًا، عالِج سقيمًا، صِل أرحامًا، تعهَّد أيامَى، تعطَّف فقيرًا، فلن يسلُبك نقيرًا، أنشِئ مركزًا دعويًّا، أسِّس صرحًا خيريًّا، كن قدوةً في الأمة ومثالاً، حالاً ومقالاً، ضع لك في الخير بصمة، واحذر من الشر ووصمِه.
تعوَّدَ فعل الخير حتى تزاحَمَت | عليه مساعي الناس مثنىً وواحدًا |
إنه الإحسان الرقراق الشامل، والمعروف الهامِل، الذي لا يُردُّ عنه قاصِد ولا آمِل، وذلك - وايم الحق - نشدان الكمال في أبهى معانيه، وأسمى معاليه، ومن نصَب في ذلك فإنما ينصب لحياة الأمة ونمائها، وعِزِّها وبقائها، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة : 32].
إخوة الإيمان:
وعلى الضدِّ من ذلك: صفحةٌ سوداء كالحة، أقزامها: الساعون في الشر والفساد، والشِّقاق والعناد، جزاؤهم بئس المهاد، الذين غلَت مراجل قلوبهم حسدًا وحقدًا على رموز الأمة وقِمَمها، وانطَوَت أفئدتهم على سوء ظنٍّ وطغيان، إنهم رأس الإثم والعدوان، والبغي والبهتان، المتطاولون بالنُّكر والمِقراض في أطهر وأزكى الأعراض، عِرض أم المؤمنين عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق - رضي الله عنها وعن أبيها -، المُبرَّأة من فوق سبع سماوات، من أنزل الله فيها قرآنًا، وحُجَجًا على العفاف وبرهانًا، ولكن الأَفَكة المأفونون يا ويحَهم! خرُّوا عليها صُمًّا وعُميانًا.
حصانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ بريبةٍ | وتُصبِح غرثَى من لحوم الغوافِل |
مُهذَّبةٌ قد طيَّب الله خِيْمَها | وطهَّرها من كل سوءٍ وباطل |
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "من أصول أهل الإيمان: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
أما أصول الشر والفتنة الدائبون على انتهاك المُقدَّسات، والاعتداء على المساجد والحُرُمات، والتوسُّع في بناء المُستوطنات، وسلب الحقوق المُغتصبات، ومخالفة كل الأعراف والقرارات، فإن الجبار - جل جلاله - لهم بالمرصاد، وإلى الله نرفع الشكوى، ونبُثُّ البلوى من جرائم الصهاينة النكراء، فاللهم أنت حسبُنا ونعم الوكيل، حسبُنا الله ونعم الوكيل.
ويا أحبتنا في فلسطين: صبرًا صبرًا مُتوَّجًا بتوحيد ووحدة، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف : 21].
وبنحوهم الذين يبوؤون بالإثم الكبير في تثبيط عمل الخير وثَنْي رجاله دون الإقبال والاقتحام، فيُشهِرون الرِّيَب والظنون، والبُهت والطعون، صَوْب العمل الصالح الميمون ورجالاته وكفاءاته، حتى تستوحشه الناس فيختل بزعمهم وينحل، ومن تسمَّع لهؤلاء كان أطفَّ منهم في التخذيل مكيالاً، وأخفَّ في التشكيك مثقالاً، ومُبلِّغك الشر كباغيه لك، يقول - سبحانه -: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب : 18].
ترى هؤلاء لا يفتؤون في التطاول على أهل الفضل في هذه الأمة، والسعي لتشويه صورتهم اللألاء، وابتغاء العيب لهم، وبثِّ الشائعات المُغرِضة ضدَّهم، والإجلاب بخيلهم ورجِلِهم، في بثِّ الفتنة وبعث الشرور، وفرض الوصاية عليهم، يُرغُون ويُزبِدون، يُصعِدون ولا يلوُون، للتفريق بين الأحِبَّة، وقطع حِبال المودة في الأُسَر والمجتمعات، واستمراء النزاعات والخصومات، والدعاوى الكيدية والافتراءات، وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [سبأ : 52].
وإذا رأيتَ من يركُلُك من خلفك فاعلم أنك في المقدمة، ولن يعدَم هؤلاء وأولئك محاميًا لباطل، وشاهدًا بزور، وبوقًا أخرقًا، ومتشفِّيًا أحمقًا، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر : 43]، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ [سبأ : 54].
وطائفةٌ أجلَبَت بشرور الإرهاب والمُخدِّرات تعاطيًا وتسويقًا، تهريبًا وترويجًا، فاستهدَفَت الأمة في أعز ما تملك في أبنائها وشبابها، وهلُمَّ جرًّا من ضروب الشرور وشرائح الأشرار، لا كثَّر الله في الأمة سوادهم، الذين لا يكبَح غلواءهم إلا العزم والحزم والحَسْم، وبعض الناس شريرٌ ولكن إذا علِمَ العقوبة قلَّ شرُّه، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب : 58].
وترغيبًا في كفِّ الشر عن الناس، وكونه صدقةً من الإنسان على نفسه صحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث جُندب بن جُنادة قال: قلت: يا رسول الله! أرأيتَ إن ضعُفتُ عن بعض العمل - أي: عمل الخير -، قال - صلى الله عليه وسلم -: «تكُفُّ شرَّك عن الناس، فإنها صدقةٌ منك على نفسك»؛ رواه البخاري ومسلم.
فيا أيها الناطق خُلفًا: صمتًا صمتًا، لا عِوَجًا ولا أمتًا، ومن مجلوِّ الحِكَم: من تعوَّد نقض العزائم راشَتْه الهزائم.
أيها البَرَرة الكرام:
ليكن منكم بحسبان أن ليس شيءٌ من البر والإنعام إلا دونه عقَبَاتٌ شِداد، تُوجِب جَلَد الفؤاد، فمن اصطبر عليها وُفِّق للمراد، وليس راءٍ كمن سمع وأعاد، ولن تقوم تربيةٌ للأجيال راشدة، وأمجادٌ للإنسانية رائدة إلا إذا غُرِسَت معاني الرحمة والحنان، وقِيَم الفضل والإحسان، في نفوس العالمين، وفي الصدارة فلَذَات أكباد لمسلمين.
ألا فلتمضوا في صناعة الخير ودفع الشر والضَّيْر، ولو على مثل حدِّ الصراط، أو في مثل سمِّ الخياط، يتحقَّق لكم من الباري الفوز والاغتباط، بمنِّه وكرمه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة : 6 - 8].
بارك الله لي ولكم في الوحْيَيْن، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثَّقَلَيْن، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، لم يزل بعباده خبيرًا لطيفًا، وأشهد أن لا إله إله الله وحده لا شريك له، بوَّأ الباذلين للخير مقامًا سنيًّا شريفًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله كان له البر لزيمًا أليفًا، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الطاهرين المُنفِقين في المكرُمات تالدًا وطريفًا، وصحابته البالغين من المعالم مجدًا مُنيفًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يُبعث الناس للأخرى لفِيفًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله الذي يعلم السرَّ وأخفى، وتنافسوا في الخيرات تفوزوا بالجزاء الأوفى.
أيها الأحبة في الله:
وفي عصرنا الحاضر الذي سادَت كثيرًا من أرجائه أنقاض التناحُر والأرزاء، وأنكاث العصبية الرعناء، والمساغِب والعناء، والحملات الحاقدة الشعواء، مع قصور الهِمَم عن أعالي القِمَم، تُشرِق في أُفق العمل الخيري دُرَّةٌ فريدة، وتأتلق في العالم أجمع منارةٌ عتيدة، ألا وهي: مؤسسة خادم الحرمين الشريفين العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية، جعلها الله في موازين الحسنات، ورزق مؤسِّسها أعالي الجنات.
ويا لله! ما أهدافها النبيلة، ومقاصدها الجليلة في خدمة الشريعة، وبيان محاسنها البديعة، ونشر الوسطية والاعتدال، والحدِّ من التفرُّق والتناحُر والضلال، وإسداء الخير في أبهى جمال، بين بني الإنسان مهما شطَّت الأوطان ونأَت البلدان، مع تحقيق مبادئ العدل والخير والسلام، وقِيَم الحوار والتسامُح والإخاء، والتكافُل والرخاء.
وفي صدِّ الشرور عن المجتمع تأتي الإنجازات الأمنية، والضربات الاستباقية المتميزة لرجال أمننا الأشاوس في كشف الستار، والقبض بحزمٍ وإصرار على خلايا الإرهاب، وإحباط شبكات تهريب وترويج المُخدِّرات ضدَّ بلد الخير والمكرُمات.
وإن تلك الأعمال الميمونة لهي الترجمان الصادق عن خدمة الدين والإنسانية في أهدى سبيل وأقوم قيل، مشفوعةً بالعزيمة الإيمانية الوقَّادة، التي تجمع شمل الأمة بل العالم تحت لواء المبارّ والمسارّ، غير هيَّابةٍ للمُعضِلات الداهِمات، أو الغِيَر الناجمات؛ لأن أعمال الخير يا أهل الخير - وُقيتم الشر والضَّيْر - لا تُعطي القِياد إلا لمن مَهَرَها السُّهاد، وصرف إليها جهود البذل والتخطيط والإعداد، فضلاً من الله ومنًّا، لا باكتسابٍ منًّا.
ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم ربكم جلَّ في علاه، فقال - تعالى - قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
وأفضلُ الصلاة والتسليم | على النبي المصطفى الكريم |
محمدٍ خير الأنام العاقِب | وآله الغُرِّ ذوي المناقب |
وصحبه الأماجد الأبرار | والصفوة الأكابر الأخيار |
وأزواجه الطاهرات طُرًّا | وخُصَّ عائشة أفضلهنَّ ذِكرًا |
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانه أعوانه إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين، اللهم انصر نبيك - صلى الله عليه وسلم - في سنته وملَّته وشِرعته، وأزواجه وأصحابه وعِترته، يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفسنا طرفة عينٍ ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله.
يا غفور يا ودود، يا ذا العرش المجيد.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّث كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم أدِم على هذه البلاد قيادتها وعقيدتها وأمنها واستقرارها.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا واجتماع كلمتنا بسوء فأشغله بنفسه، ورُدَّ كيده في نحره، ندرأ بك اللهم في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم ارحم شهداءهم، اللهم عافِ جرحاهم، واشفِ مرضاهم، واحفظنا وإياهم من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك اللهم أن نُغتال من تحتنا.
اللهم عليك بالصهاينة، اللهم عليك بالصهاينة الغاصبين المُحتلين ، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم فرِّق جمعهم وشتِّت شملهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبرين يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.