مواقف العلماء عبر العصور في الدعوة إلى الله تعالى
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- مواقف العلماء عبر العصور في الدعوة إلى اللَّه تعالى
- المقدمـة
- المبحث الأول: مواقف الإمام منذر بن سعيد البلُّوطي:
- المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز بن عبد السلام
- المبحث الثالث: من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية ‘
- المبحث الرابع: مواقف الإمام محمد بن عبد الوهاب ‘
- خطواته الحكيمة في إصلاح الأمة وتبديد الظلام:
- 1 - عنايته بالتوحيد وتطبيقه:
- 2 - بدأ بدعوته في عشيرته:
- 3 - بحثه عن دعم قوة الدعوة بالسلطان:
- 4 – غَرْسُ التوحيد في قلوب الناس وتصحيح عقيدتهم:
- 5 - خطواته الحكيمة في الرجوع بالناس إلى الكتاب والسنة:
- المسألة الثانية: العمل بالعلم.
- المسألة الثالثة: الدعوة إليه.
- 6 - كتابته الرسائل بأساليب الحكمة والبيان:
- 7 - آخر مواقف الحكمة: الجهاد بالسيف والسنان:
- خطواته الحكيمة في إصلاح الأمة وتبديد الظلام:
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
مواقف العلماء عبر العصور في الدعوة إلى اللَّه تعالى
تأليف الفقير إلى اللَّه تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
المقدمـة
إن الحمد للَّه، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ باللَّه من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّه فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى اللَّه عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في ((مواقف العلماء في الدعوة إلى اللَّه تعالى عبر العصور)) بيّنت فيها نماذج من المواقف المشرّفة في الدعوة إلى اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل اليسير مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى اللَّه وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد بن عبد اللَّه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر ضحى يوم الخميس 25/2/1425ه
تمهيد:
بعد أن انقرضت القرون المفضّلة – التي امتدحها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقوله: ))خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم...(( الحديث([1])، بعد ذلك جاء أناس يشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم الضعف والخور، والبدع والخرافات، والصد عن دين اللَّه، ولكن – وللَّه الحمد والمنة – لا يزال حفظ اللَّه لهذا الدين قائماً، لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ([2])، وتكفل اللَّه باستمرار الحفظ إلى قيام الساعة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر اللَّه، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر اللَّه وهم ظاهرون على الناس))([3]).
وبيّن صلى الله عليه وسلم أن اللَّه يبعث لأمته على رأس كل قرن من يجدد لها دينها، ويبيّن لها أحكام الكتاب والسنة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن اللَّه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها))([4]).
وسأتناول – إن شاء اللَّه – في هذه المباحث نماذج من أبطال الرجال وحكمائهم، وأبيّن بعض مواقفهم التي تظهر فيها الحكمة في الدعوة إلى اللَّه – تعالى – في المباحث الآتية:
المبحث الأول: مواقف إمام علماء الأندلس: منذر بن سعيد البلُّوطي رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز عبد العزيز بن عبد السلام رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الثالث: مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الرابع: مواقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه اللَّه تعالى.
المبحث الأول: مواقف الإمام منذر بن سعيد البلُّوطي:
منذر بن سعيد([5]) البلُّوطي له مواقف حكيمة في دعوته إلى اللَّه – تعالى – تدلُّ على حكمته، وفضله، وأنه لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، ومن هذه المواقف الحكيمة على سبيل المثال ما يأتي:
1 - موقفه الحكيم مع سلطان الأندلس:
دخل المنذر بن سعيد يوماً على الناصر لدين اللَّه([6]) وقد فرغ من بناء المدينة الزهراء وقصورها، حيث ساق إليها أنهاراً، نقب لها الجبل، وأنشأها مدوَّرةً، وعدة أبراجها ثلاث مئة بُرج، شرفاتها من حجر واحد، وقسَّمها أثلاثاً: فالثلث المسند إلى الجبل قصورهُ، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، والثلث الثالث بساتين تحت القصور. وعمل مجلساً مُشرفاً على البساتين، صَفّح عُمُدَه بالذهب، ورصَّعه بالياقوت، واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدَّامه بحرةً مستديرة ملأها زئبقاً، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، وقعد في هذه القبة المزخرفة بالذهب والبناء البديع الذي لم يُسبق إليه، وجلس عنده جماعة من الأعيان رؤوس دولته وأمراؤه، فقال لهم: هل بلغكم أن أحداً بنى مثل هذا البناء؟ فقال له الجماعة: لم نرَ ولم نسمع بمثله، وجعل جميع من حضر يثنون على ذلك البناء ويمدحونه وأثنوا وبالغوا، ومنذر بن سعيد القاضي ساكت مطرق لا يتكلم. فالتفت إليه الملك وقال: ما تقول أنت يا أبا الحكم؟ فبكى القاضي وانحدرت دموعه على لحيته، وقال: واللَّه ما كنت أظن يا أمير المؤمنين أن الشيطان أخزاه اللَّه يبلغ منك هذا المبلغ المهلك لصاحبه في الدنيا والآخرة، ولا أنك تمكنه من قيادك هذا التمكين مع ما آتاك اللَّه وفضلك به على كثير من الناس، حتى أنزلك منازل الكافرين والفاسقين. فقال له الخليفة: انظر ما تقول وكيف أنزلني منازل الكافرين؟ فقال: قال اللَّه – تعالى -: ﴿وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ([7]). فنكس الناصر رأسه طويلاً، وبكى، ثم قال: جزاك اللَّه عنا خيراً وعن المسلمين، وأكثر في المسلمين مثلك، الذي قلت هو الحق. ثم قام عن المجلس وأمر بنقض سقف القبة، ونزع الذهب والجواهر([8]).
اللَّه أبكر، ما أحكمه من موقف! نُزِعَ بسببه الذهب والجواهر، وغُيّر به المنكر، وتأثر به الخليفة!
وقد خطب منذر بن سعيد خطبة عظيمة في يوم الجمعة عندما حضر الناصر في جامع الزهراء([9])، فأدخل في خطبته قوله – تعالى -: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ([10]). واسترسل يقول: ولا تقولوا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلاّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ ([11]). ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ ([12]).
وقد قيل: إن الناس ضجوا بالبكاء، وتأثر الخليفة بهذه الخطبة.
فرحم اللَّه المنذر ما أحكمه! وجزاه اللَّه خيراً.
2 - موقفه الحكيم في تأثيره على الناس:
أصاب الناس قحط في بعض السنين، فأمر القاضي: منذر بن سعيد بالبروز إلى الاستسقاء بالناس، فصام أياماً وتأهب. وقيل: إن عبد الرحمن الناصر هو الذي أمره بالاستسقاء للناس، فلما جاءته الرسالة قال للرسول: كيف تركت الملك؟ فقال: تركته أخشع ما يكون، وأكثره دعاءً وتضرعاً، ففرح منذر بن سعيد بذلك وأمر غلامه أن يحمل ما يقيهم من المطر، وقال: سُقيتم واللَّه إذا خشع جبار الأرض رحم جبَّار السماء. ثم قال لغلامه: نادِ في الناس بالصلاة، فجاء الناس إلى محل الاستسقاء، ثم خرج القاضي منذر، راجلاً، متخشعاً، ثم وصل المصلى وقام ليخطب، والناس ينظرون إليه يسمعون ما يقول، فلما رأى الحال بكى، وافتتح خطبته بقوله تعالى: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ([13]). ثم أعادها مراراً فضح الناس بالبكاء والنحيب والتوبة، والإنابة، وقال: استغفروا ربكم، وتوبوا إليه، وتقربوا بالأعمال الصالحات لديه، فجأروا بالدعاء والتضرع، وخطب فأبلغ، فلم ينفض القوم حتى نزل غيث عظيم([14]).
وأخبار هذا القاضي كثيرة حسنة جداً، ومنها: أنه استسقى مرّةً فقام يهتف بالخلق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ([15]). فهذا الموقف من أعظم المواقف الإيمانية الحكيمة؛ لأن الداعية إذا صدق مع اللَّه – تعالى – وتأثر بما يدعو إليه، تأثر الناس في الغالب؛ ولهذا صدق منذر ففتح اللَّه له قلوب الناس، واستجاب اللَّه لهم فأنزل عليهم الغيث بفضله وكرمه.
فحري بالدعاة إلى اللَّه – تعالى – أن يسلكوا مسالك الحكمة في دعوتهم إلى اللَّه تعالى.
المبحث الثاني: مواقف سلطان العلماء: العز بن عبد السلام
العزُّ بن عبد السلام، الملقب بسلطان العلماء([16])، له مواقف حكيمة كثيرة في دعوته إلى اللَّه – تعالى -، فقد أزال بإنكاره الحكيم كثيراً من المنكرات، وباشر تبطيل بعضها بنفسه، ومن ذلك: إبطاله كثيراً من البدع المنتشرة: كصلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان، وبدعة دق المنبر بالسيف([17])، وحكمته في بيع الملوك الأرقاء وصرف ثمنهم في بيت مال المسلمين([18])، وذوده الحكيم عن أموال المسلمين، ومن ذلك أن السلطان وعساكره – عندما دهمت التتار البلاد عقب وقعة بغداد – استشاروا الشيخ فقال: اخرجوا وأنا أضمن لكم على اللَّه النصر. فقال السلطان: إن المال في خزانتي قليل وأنا أريد أن أقترض من التجار، فقال الشيخ عز الدين: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمراء ما عندهم من الحلي الحرام وضربته سكة ونقداً، وفرقته في الجيش، ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا. فأحضر السلطان والعسكر ما عندهم من ذلك وامتثلوا أمره فانتصروا بإذن اللَّه – تعالى -([19]).
ومن أعظم مواقفه الحكيمة التي تجلت حكمته فيها في دعوته إلى اللَّه – تعالى – موقفه مع سلطان الديار المصرية: أيوب بن الكامل([20])، فقد دخل سلطان العلماء مرة إلى هذا السلطان في يوم عيد، فشاهد العسكر مصطفين بين يديه، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذت الأمراء تُقبِّل الأرض بين يديه، والعز بن عبد السلام يرى هذا الموكب العظيم، فالتفت – رحمه اللَّه – إلى السلطان وناداه: يا أيوب! ما حجتك عند اللَّه إذا قال لك: ألم أُبوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟! فقال: هل جرى هذا؟ فقال العز: نعم الخانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون. فقال السلطان أيوب: يا سيدي! أنا ما عملته هذا من زمان أبي. فقال العزُّ: أنت من الذين يقولون: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ ([21])، فرسم السلطان بإبطال تلك الخانة ومنع بيع الخمور. ورجع العزُّ منتصراً، مسروراً؛ لتغيير هذا المنكر، وقال له بعض تلاميذه (الباجي): يا سيدي كيف الحال؟ فقال العز بن عبد السلام: يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه؛ لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه. فقال له: يا سيدي؟ أما خفته؟ فقال: واللَّه يا بني لقد استحضرت هيبة اللَّه – تعالى – فصار السلطان قدَّامي كالقط([22])!
اللَّه أكبر، ما أحكم هذا الموقف! الذي بسببه أُزيلت أم المنكرات، وأم الخبائث، مع ما أُزيل معها من المنكرات الأخرى، وانتشار الخير بين الناس.
فرحم اللَّه العز بن عبد السلام، وجزاه اللَّه خيراً، ورفع درجته.
المبحث الثالث: من مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية ‘
منذ نهاية القرن الرابع الهجري بدأت عوامل الضعف والانحلال تدب في كيان الأمة الإسلامية، وتوالت عليهم المحن والنكبات، فتعرضوا لموجات التتار من الشرق، والحروب الصليبية من الغرب، وبقيت بلاد الشام حوالي قرنين من الزمان تحت حكم الأوربيين، فاحتل الصليبيون دمشق وما جاورها سنة 491ه، وبيت المقدس سنة 492ه، وظلت الحرب مستمرة بين المسلمين والإفرنج مدة طويلة، ثم احتل الإفرنج مدينة دمياط بمصر، وخرج التتار من أطراف الصين، فاحتلوا بلاد تركستان، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر، مثل سمرقند، وبخارى، وغيرهما، ثم عبرت طائفة منهم إلى خراسان، وإلى حد العراق، ثم تمكن التتار عام 657ه أو 656ه من احتلال بغداد، وبذلك سقطت هيبة الخلافة الإسلامية، وانتهت الخلافة العباسية، وبعد ذلك احتل التتار بلاد الشام، ثم جاء بعد ذلك دور المماليك في القيادة الإسلامية([23]).
ومن هذا يعلم أن شيخ الإسلام([24]) ظهر في عصر قد اضطربت فيه السياسة والحكم، وظهرت فيه انحرافات في العادات والتقاليد والسلوك والحياة، واشتدت فيه غربة الإسلام، وتفرقت كلمة المسلمين، وظهرت الفرق المخالفة لما كان عليه السلف الصالح في العقائد والفروع، وخيَّم الجمود الفكري والتقليد الأعمى، فأثر في الجو العلمي، وظهرت فرق الشيعة، والصوفية المنحرفة، والقبورية، ونفاة الصفات: كالجهمية، والمعتزلة، والقدرية، وطغى علم الكلام والفلسفة حتى حلاَّ محل الكتاب والسنة لدى الأكثرية من المتعلمين في الاستدلال، هذا كله في داخل المجتمع الإسلامي في ذلك العصر، مع تكالب أعدائه من الخارج، فحصل من البلاء ما اللَّه به عليم([25]).
في هذا الجو المعتم عاش شيخ الإسلام، فكيف يعمل حتى يصلح هذه المفاسد ويظهر النور في هذه الظلمات؟ ما هو الموقف الحكيم الذي سلكه حتى أنار اللَّه به الطريق لهذا المجتمع وألزمهم بالكتاب والسنة والإجماع وعقيدة السلف الصالح الصافية النقية ؟
وبالنظر في ذلك نجد أن الشيخ ‘ وقف مواقف حكيمة لإظهار علم الكتاب والسنة، وقمع أهل البدع والأهواء.
ومن مواقفه في رفع وإزالة هذا البلاء الواقع ما يلي:
1 - عنايته بالعلم قبل العمل:
عندما علم شيخ الإسلام أنه لا يزيل هذه الظلمات إلا نور علم الكتاب والسنة، بدأ بطلب العلم النافع، فتعلم وتفقه، وهذا مما يدل على حكمته؛ لأنه لا حكيم إلا بالعلم النافع، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
2 - بث النور ونشر العلم ونفع الأمة:
بعد أن تسلح بسلاح علم الكتاب والسنة بدأ يبث النور بنشر العلم في هذا المجتمع المعتم، ويؤسس أركاناً من تلاميذه حتى يستفيد الناس، وكان يحضر المحافل ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يُحار منه أعيان البلد في العلم والمواقف الحكيمة في دعوته إلى اللَّه.
3 - مواقفه الحكيمة مع قازان وقوات التتار:
لم يقتصر الشيخ تقي الدين على طلب العلم النافع وتعليمه الناس، وترسيخ العقيدة في أذهانهم، وحثهم على الجهاد في سبيل اللَّه تعالى، بل قد قام بتطبيق ما يدعو إليه، ويرغب في ثوابه من الجهاد في سبيل اللَّه – تعالى – فقد هجم التتار على دمشق، وكانت حينئذ ولاية تابعة لسلطان المماليك في مصر، فجهز السلطان جيشاً ليرد التتار عن بلاد الشام، فكانت الوقعة بين الجيش وقوات (قازان) في 27 ربيع الأول 699ه، ولكن كانت الغلبة لجيش التتار، وعادت عساكر السلطان إلى مصر، ودخل التتار إلى دمشق، وعاثوا في الأرض فساداً، وحينئذ اجتمع الشيخ تقي الدين بأعيان البلد، واتفقوا على السير إلى قازان في يوم الاثنين الثالث من ربيع الثاني سنة 699ه)[26]) والتحدث إليه، فلما وصلوا إلى قازان قائد التتار في بلدة النبك، المجاورة لدمشق، قابله الشيخ، وطلب منه الأمان لأهل دمشق، ورد الأسرى من المسلمين وأهل الذمة، ثم تكلم معه كلام الأبطال الشجعان، فأنزل اللَّه الرعب في قلب السلطان، وسأل: من هذا الشيخ؟ فإني لم أر مثله، ولا أثبت قلباً منه، ولا أوقع منه حديثاً في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقياداً لأحد منه، فأُخبر بما له وما هو عليه من العلم والعمل، ثم قال له الشيخ بواسطة الترجمان: ((إنك تزعم أنك مسلم، ومعك قاض، وإمام وشيخ، ومؤذنون، فغزوتنا، وأبوك وجدك كانا كافرين، وما عملا الذي عملت عاهدا فوفّيا، وأنت عاهدت فغدرت، وقلت فما وفيّت، وجُرْتَ)).
ثم قدم لهم قازان طعاماً فأكلوا، ولم يأكل ابن تيمية، فسُئل عن ذلك؟ فقال: كيف آكل من طعامكم، وكله مما نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس، فطلب منه قازان الدعاء، فقال في دعائه: ((اللَّهم إن كان عبدك هذا إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا؛ وليكون الدين كله لك، فانصره وأيده، وملّكه البلاد والعباد، وإن كان إنما قام رياءً وسمعةً وطلباً للدنيا ولتكون كلمته هي العليا، وليذل الإسلام وأهله، فاخذله وزلزله ودمّره واقطع دابره))، وقازان يرفع يديه ويؤمن على دعائه.
وقد خاف الناس على الشيخ القتل في هذا الموقف، ولكن اللَّه أنزل الرعب في قلوب أعدائه([27]).
وقد أجابه قازان إلى حقن دماء المسلمين، وبلغه ما أراد، ورد عليه الأسرى من المسلمين، فلم يقبل الشيخ حتى رد جميع الأسرى من المسلمين ومن أهل الذمة من اليهود والنصارى، ثم رجع الشيخ مكرماً معززاً، قد وفقه اللَّه ونصره لحسن قصده وإخلاصه في نيته، فنفع اللَّه به المسلمين وأعزهم ونصرهم([28]).
ولم يكن هذا الموقف هو الوحيد، بل له مواقف حكيمة ظهرت فيها شجاعته، منها حثه السلطان على الجهاد، وذلك أنه ركب إلى مصر يطلب من السلطان أن يُرسل جيوشاً، أو يتخلى عن الشام ويولّي عليه ابن تيمية غيره، فأجابه السلطان وأرسل الجيوش، وذلك سنة 700ه ثم رجع الشيخ من مصر إلى الشام، ووصل في 27 من جمادى الأولى سنة 700ه، وحث جميع الناس على الجهاد في سبيل اللَّه، فوصلت الجيوش، ورجع جيش التتار، وعبر الفرات([29])، وكفى اللَّه المؤمنين القتال.
ولم يقتصر ابن تيمية على ما سبق، بل له مواقف أخرى تدل على بطولته وحكمته، فقد جاء التتار بجموعهم مرة أخرى بعد أن عبروا الفرات، فجاءوا سنة 702ه وهجموا على الديار الشامية، فقام ابن تيمية وحث سلطان مصر على الجهاد ورغب فيه، وحث الناس أيضاً ورغبهم في الجهاد في سبيل اللَّه، ووعدهم بالنصر من اللَّه – ﷻ – وكان يحلف باللَّه العظيم: إنكم في هذه الكرة منصورون. فيقول له الأمراء ومن معهم: قل – إن شاء اللَّه – فيقول: - إن شاء اللَّه – تحقيقاً لا تعليقاً. وكان يتأول قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ ([30])، وقد كان اللَّه عند حسن ظنه به؛ فإنه كان يحلف لهذه الآية، وثقة باللَّه – تعالى – وأنه لا يخلف وعده، ثم التقى المسلمون بالتتار في يوم السبت الثاني من رمضان سنة 702ه في وقعة ))شقحب((، فامتد القتال من عصر يوم السبت إلى الساعة الثانية من يوم الأحد، واشترك ابن تيمية في المعركة بلسانه ويديه وسيفه، وبكل ما يملك من قوة وبلاغة في تثبيت الأمراء والجنود وجميع الجيش، وقد كان السلطان يقول لابن تيمية في هذه المعركة: يا خالد بن الوليد! فيقول ابن تيمية: قل يا ﴿مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ([31])، واشتدت المعركة، وحلف ابن تيمية للناس باللَّه الذي لا إله إلا هو إنكم لمنصورون، وأمر الناس بالإفطار، وأفطر هو أمامهم، ثم أنزل اللَّه النصر على المسلمين، ثم هرب التتار، واقتحموا الجبال والتلول والآكام، وصاروا يتساقطون في الأودية، وهربوا ليلاً، وغرق منهم خلق كثير في الفرات بسبب الظلام، وعاد الشيخ ومن معه إلى دمشق في اليوم الخامس من رمضان سنة 702ه، وقد نصرهم اللَّه تعالى ([32]).
وله مواقف بطولية فذة حكيمة مع السلاطين، تدل على صدقه وإخلاصه وشجاعته في الحق([33]).
وقد ظهرت حكمة ابن تيمية ‘ في أثناء لقائه مع التتار وقائدهم في النقاط الآتية:
1 - طلبه الأمان لأهل دمشق على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، فأجابه قازان إلى ذلك.
2 - إصراره على رد جميع الأسرى من المسلمين وأهل الذمة.
3 - جرأته وشجاعته في الكلام مع قازان حتى أنزل اللَّه الرعب في قلبه.
4 - تذكيره لقازان بنقضه للعهد، ولا سيما وهو يدعي الإسلام.
5 - عدم أكله من الطعام الذي قدمه قازان؛ لأنه من أغنام الناس المنتهبة، وقد أوقد عليه بما قطع من أشجارهم.
6 - دعاؤه الذي دل على حكمته وعدله ونصرته لدين اللَّه تعالى.
7 - حثه سلطان المسلمين على الجهاد في سبيل اللَّه – تعالى – أو يتخلى عن الشام، ويولي غيره ممن يحمي حوزة الدين، ويذب عن أعراض المسلمين وأموالهم.
8 - حثه الناس على الجهاد وإقسامه بأن اللَّه سينزل النصر على المسلمين، وهذا يدل على ثقته باللَّه – تعالى – وبوعده، وأنه لا يخلف الميعاد، ولهذا ازداد المسلمون شجاعة وإقداماً، فأنزل اللَّه النصر، وهزم أعداء المسلمين.
9 - مشاركته الفعلية في الدفاع عن المسلمين بلسانه ويده وسيفه.
10 - قوله لسلطان المسلمين حينما قال له عند اشتداد المعركة: ))يا خالد بن الوليد((، فقال ابن تيمية: قل: يا ﴿مَـالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾.
فرحم اللَّه ابن تيمية وغفر له.
وهكذا ينبغي لكل داعية إلى اللَّه أن يظهر من عمله ما يصدق قوله، رغبة فيما عند اللَّه والدار الآخرة، وبذلك يفتح اللَّه له قلوب العباد وأسماعهم، وتظهر دعوته إلى اللَّه، ويظهر أثرها، وأثر إخلاص صاحبها مع اللَّه ﷻ.
4 - مناظراته الحكيمة:
من مواقفه الحكيمة مناظراته التي غلب فيها خصومه وأعجزهم، وانقادوا له طوعاً أو كرهاً، فقد كان شيخ الإسلام على عقيدة السلف الصالح، ويعض على هذه العقيدة بالنواجذ، ويبذل جهده ووقته، وفكره في إرجاع جميع الطوائف المنحرفة إلى هذه العقيدة، ويرى رأي إمام دار الهجرة مالك بن أنس من أنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو رأي كل حكيم عليم بداء الأمة ودوائها قديماً وحديثاً.
وكان الشيخ ‘ شديد الانتصار لمذهب السلف والدفاع عنه بالحجج النقلية والعقلية، وقد عقدت له مناظرات في مصر والشام، وكان معظمها يحوم حول هذه القضية([34])، ومن هذه المناظرات على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي:
( أ ) المناظرة الأولى: في العقيدة الواسطية التي كتبها لرضى الدين الواسطي، من أصحاب الشافعي، حينما طلب منه بإلحاح أن يكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته في مدينة واسط، فكتبها الشيخ، وانتشرت بين الناس، مما أدى إلى ثورة كثير من علماء الجهمية والاتحادية والرافضة، وغيرهم من ذوي الأحقاد، فسعى هؤلاء إلى السلطان في البلاد المصرية، فكتب السلطان إلى نائبه على بلاد الشام يأمره بجمع قُضاة المذاهب الأربعة، وغيرهم من نوابهم، والمفتين، والمشايخ، وعندما وصل الكتاب إلى أمير الشام جمع قضاة المذاهب الأربعة والعلماء، والشيخ تقي الدين في قصر الولاية بدمشق، وذلك يوم الاثنين الثامن من رجب سنة 705ه، ثم بدأ المجلس وقراءة العقيدة الواسطية من أولها، ومناقشة الشيخ ومناظرته بحضور الأمير، فناظرهم الشيخ، ورد عليهم، وبيَّن لهم مذهب السلف الصالح، وأن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي التي يدل عليها الكتاب والسنة وإجماع السلف، وصار يُناظر أصحاب المذاهب، فكان أعلم بمذاهبهم منهم، وأعجزهم أمام الأمير، ثم انتهى المجلس الأول.
واجتمعوا للمجلس الثاني يوم الجمعة بعد الصلاة الثاني عشر من رجب سنة 705ه، وقد أحضر قُضاة المذاهب الأربعة، معهم صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيراً، ولكن ساقيته لاطمت بحراً عميقاً، ثم استلم من ناظره عقبه، فكان كالبحر الزاخر، حتى إن هؤلاء القضاة والعلماء عجزوا عن مناظرته؛ لأنه كان يرد عليهم بالكتاب والسنة والآثار عن السلف الصالح، وكان يلزمهم بالكتاب والسنة، ويدعوهم إلى التمسك بمذهب السلف الصالح، ويبين لهم أنه لم يضع هذه العقيدة من ذات نفسه، وليس لأحد أن يُشرِّع للناس ما لم يأذن به اللَّه، وإنما العقيدة تؤخذ من كتاب اللَّه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع سلف هذه الأمة، فما أثبته اللَّه لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مسلم أن يُثبته للَّه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف، وما نفاه عن نفسه، أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم وجب نفيه عنه، لأنه تعالى أعلم بنفسه.
وانتهى هذا المجلس بعجز المجلس أمام الأمير عن ابن تيمية، فخرج الشيخ والناس يحملون له الشمع إلى منزله على عادتهم في ذلك.
ثم عُقد المجلس الثالث في اليوم السابع من شعبان سنة 705ه في القصر، واجتمع الجماعة كلهم على الرضى بالعقيدة الواسطية، وأخذ بعضهم يمدح الشيخ ويُثني عليه، وكان هذا كله أمام رئيس المجلس نائب السلطان([35]).
فأظهر اللَّه الحق، وأبطل الباطل، وظهرت حكمة ابن تيمية أمام الجميع، فجزاه اللَّه خير الجزاء.
( ب ) المناظرة الثانية التي أعز اللَّه بها أهل السنة وخذل بها أهل البدع والخرافات، وذلك أن الطائفة الأحمدية البطائحية([36]) كانوا يُخالفون الشيخ تقي الدين في عقيدة السلف الصالح، وكان يأمرهم باتّباع الكتاب والسنة، وينكر عليهم فعلهم وأحوالهم الشيطانية.
وفي يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة 705ه حضر هؤلاء المبتدعة في جموع هائلة إلى قصر نائب دمشق، يسألون نائب السلطان أن يكفّ عنهم الشيخ ابن تيمية ومذهبه السلفي، وعندما رآهم الناس اجتمع عليهم جمٌّ غفير، ولكن الأمير لم يقبل منهم إلا بحضور الشيخ ومناظرته، فأرسل إليه ووصل، وسأله الأمير، فأخبره ابن تيمية أن هؤلاء من أهل البدع، وقد أفسدوا من دين المسلمين ما اللَّه به عليم، وذكر له جميع ما يعرف عنهم، وأنه ينهاهم عن البدع وهم يأتون بأحوال شيطانية، ومنها دخولهم النار، واستعد الشيخ أنهم إن دخلوا النار في هذا اليوم فسيدخل معهم، ومن احترق فعليه لعنة اللَّه، ولكن بعد غسل الأجسام بالخل والماء الحار؛ لأنهم يطلون أجسامهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج فإذا غسلت الأجسام بطلت الحيلة، وحضر شيوخهم الأكابر يطلبون من الأمير الإصلاح، والعفو عن الماضي والتوبة، واتباع الكتاب والسنة، فقبل منهم ابن تيمية، ولكن عارض شيخ آخر من الصوفية، فناظره ابن تيمية فغلبه أمام الجموع الغفيرة.
وتحداهم ابن تيمية في مشارق الأرض ومغاربها بأي شيء يصنعونه في النار من حيلهم فسيصنع مثلهم بشرط الغسل.
ولحكمة ابن تيمية قال: يكفي في ذلك قنديل يوقد داخل أصبع المناظر منهم وابن تيمية بعد الغسل، وعندما سمع الصوفية ذلك انهزموا أمام الجموع، وأقروا بالتزام الكتاب والسنة، وطلب ابن تيمية من الأمير أن يضرب عنق من خالف منهم الكتاب والسنة، فأعلن الأمير ذلك للناس، وأن من خالف الكتاب والسنة ضُرب عنقه، وطلب الصوفية من اليخ الكتب الصحيحة. فبُذلت لهم، وتفرق الجميع على التوبة([37])، وسُمعَ الناس يقولون: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ﴾ ([38]).
وهذا موقف حكيم يدل على حكمة الشيخ ابن تيمية وإخلاصه وصدقه مع اللَّه، ولهذا تاب على يديه هذا الجم الغفير، جعله اللَّه في موازين حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللَّه بقلب سليم، وهذا ما يطمع فيه الداعية المخلص.
5 - مواقفه في إصلاح أهل السجون:
ومن مواقفه الحكيمة ما فعله في السجون من أعمال حكيمة جبارة، وجهود مشكورة مسددة، نفع اللَّه بها الناس، وأنقذهم بها من الضلال إلى الهدى.
ومن هذه المواقف الحكيمة ما يأتي:
( أ ) عندما سجن في سجن القُضاة بمصر، في الثامن عشر من شوال سنة 707ه أخذ يعلم السجناء ويرشدهم ويعظهم بالأساليب الحكيمة، فهدى اللَّه على يديه خلقاً كثيراً، وقد كانت تأتيه الفتاوى المشكلة فيكتب عليها بما يُحيّر العقول من الكتاب والسنة.
( ب ) وسجن في الإسكندرية في أول يوم من ربيع الأول سنة 709ه فنزل بها ببرج متسع، فوجد بها منكرات عظيمة، فنفع اللَّه به أهل الإسكندرية، فقد بيّن لهم الحق وحذرهم من البدع والمنكرات.
( ج ) وسجن في قلعة دمشق مرات، وآخر ذلك في ستة عشر من شوال سنة 726ه ففرح بذلك وقال: أنا كنت منتظراً لذلك، وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة، وأقبل في هذه المدة على التلاوة وتصنيف الكتب، والرد على المخالفين، وكتب في مسألة زيارة القبور البدعية، وبيَّن الزيارة الشرعية.
وكان ‘ داعية عظيماً حكيماً أينما كان، ولهذا كان لا يهمه الإفراج عنه من السجن مادام باستطاعته نشر العلم بقلمه ولسانه، ولهذا كان يقول: ((ما يصنع أعدائي بي؟! إن جنتي وبستاني في صدري، أي رحت فهي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة)).
( د ) ومن أعظم ما يدل على حكمة ابن تيمية وقوته في الحق وثباته عليه ما فعله في آخر حياته في سجن قلعة دمشق من كتابته بالفحم.
ففي التاسع من جمادى الآخرة سنة 728ه مُنع الشيخ من جميع أدوات الكتابة، وأرسلت جميع مسوداته وأوراقه إلى المكتبة العادلية، وكان ذلك في نحو ستين مجلداً، فصار يكتب بالفحم، وقد كان ذلك له صدمة عنيفة آلمته كثيراً، ولكنه ثبت واستخدم الفحم، وهذا يدل على قوة عزيمته، مع أنه ختم القرآن مدة إقامته بالقلعة ثمانين مرة، ولكنه بعد هذه الصدمة لم يبق إلا يسيراً، حيث مات – رحمه اللَّه – يوم الاثنين في 20 من ذي القعدة سنة 728ه([39]).
وبفضل اللَّه – تعالى – ثم بهذه الخطوات الحكيمة أنار ابن تيمية الأرض التي مشى عليها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نشر علم الكتاب والسنة، وجاهد بلسانه ويده، وناظر وغلب جميع خصومه، وعمل أعماله الحكيمة في السجون، فحولها – بفضل اللَّه – من بيئة فاسدة إلى بيئة صالحة مؤمنة، فجزاه اللَّه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الجزاء.
المبحث الرابع: مواقف الإمام محمد بن عبد الوهاب ‘
كانت حالة المسلمين قُبيل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهّاب([40])‘ حالة لا يرضاها مؤمن، حيث كان الشرك الأكبر قد انتشر في نجد خاصة، وفي غيرها من بلاد المسلمين عامة.
لقد كان في بلدان نجد من الشرك الأكبر والأصغر ما اللَّه به عليم، حيث عدل الناس إلى عبادة الأولياء والصالحين والمجانين: أحيائهم وأمواتهم، يستغيثون بهم في النوازل والحوادث، ويستعينون بهم على قضاء الحاجات، وتفريج الشدائد والكربات، وعبدوا القباب والأحجار والأشجار والغيران، واشتهر في نجد: السحرة والكهنة والعرافون، وسؤالهم وتصديقهم([41]).
وكان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب t في قرية الجبيلة، يدعونه لتفريج الكرب، وكشف النوائب، وقضاء الحاجات.
وكانوا يزعمون أن في قريوة في الدرعية قبور بعض الصحابة، فعكفوا على عبادتها، وصار أهلها أعظم في صدورهم من اللَّه خوفاً ورهبة، فتقربوا إليهم وهم يظنون أنهم أسرع إلى تلبية حوائجهم من اللَّه! وكانوا يأتون في شعيب غبيرا من المنكر ما لا يعهد مثله، يزعمون أن فيه قبر ضرار بن الأزور، وذلك كذب محض وبهتان مثَّله لهم إبليس، وفي أسفل الدرعية غار كانوا يرسلون إليه اللحم والخبز، ويبعثون بصنوف الهدايا، وكان عندهم رجل من الأولياء – في زعمهم – اسمه تاج، سلكوا فيه سبيل الطواغيت، فصرفوا إليه النذور، وتوجهوا إليه بالدعاء، واعتقدوا فيه النفع والضر.
وانتشر الشرك في الحرمين الشريفين، وفي الطائف، وجدة، ومصر، واليمن([42]).
فكيف يعمل محمد بن عبد الوهّاب في إزالة هذه العظائم، وما هو موقفه الحكيم لتغيير هذه الشركيات والخرافات؟!
خطواته الحكيمة في إصلاح الأمة وتبديد الظلام:
عندما رأى الشيخ هذه المنكرات علم أنه لا يزيلها إلا قوة عظيمة، وعلم مبنيٌّ على فهم الكتاب والسنة، وعند ذلك عمل الخطوات الحكيمة الآتية:
1 - عنايته بالتوحيد وتطبيقه:
من أعظم خطواته الحكيمة أنه بدأ يتعلم التوحيد بأدلته من الكتاب والسنة، وطلب العلم النافع؛ لأنه السلاح الفتاك بهذه الشركيات([43]).
2 - بدأ بدعوته في عشيرته:
بعد أن تسلح بسلاح العلم النافع ومعرفة أحوال الناس بدأ بدعوته في عشيرته في بلدة العيينة، وواصل طلب العلم، ورحل في طلبه، ثم رجع إلى حريملاء، وذلك – واللَّه أعلم – سنة 1140ه لأن والده انتقل إليها سنة 1139ه وأخذ يسلك طريق الحكمة في إزالة الشركيات في الأقوال، والأفعال، وتوفي والده سنة 1153ه، فجهر بالدعوة وازداد نشاطه، وجلس للتدريس والإفادة وتقرير العقيدة وتثبيتها في نفوس أهل حريملاء، ونشر شرائع الإسلام وكاتب العلماء والأمراء، فكثر طلابه؛ ولكنه لم يجد قوة السلطان لدعم دعوة التوحيد([44])، فسلك طريق الحكمة للبحث عن ذلك.
3 - بحثه عن دعم قوة الدعوة بالسلطان:
عندما جرب الشيخ أهل حريملاء، ولم ير هناك من يقتلع أصول الشركيات، ولا من يحمي الداعية والدعوة حتى تنجح، ولا يمكن أن يُصلح هذه المجتمعات إلا معاول تهدمها، وأيدي سلطة تقلعها، لأن اللَّه يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن([45])، ولذلك خرج الشيخ من حريملاء إلى العيينة، ونزل على أمير العيينة فأكرمه، وعرض عليه الشيخ دعوة التوحيد فقبلها، ونصر الشيخ ودعوته، وألزم الخاصة والعامة بامتثال أمر اللَّه – تعالى – فأعلن الشيخ دعوته، وهدم القباب على القبور، وقطع الأشجار، وكسر الأحجار التي يقصدها الناس بالعبادة، ولم يبق شجر، ولا حجر، ولا قبة على قبر، ولا وثن يُعبد في البلاد التي تحت حكم عثمان بن معمر، وأقيم حد الزنا، وعلت كلمة الحق.
ثم إن عثمان تخلى عن نصرة الشيخ بأمر من أمير الأحساء، فهاجر الشيخ إلى الدرعية، وعرض دعوته على محمد بن سعود فرحّب به، وقبل دعوته، واستعد بنصره وما يدعو إليه، وذلك سنة 1158ه([46]).
4 – غَرْسُ التوحيد في قلوب الناس وتصحيح عقيدتهم:
بعد أن حقق الشيخ أمنيته العظيمة من وجود ما يدعمه من قوة السلطان ووجود الأعوان، لقول عثمان t: ((إن اللَّه يزعُ بالسلطان ما لا يزعُ بالقرآن)).
وبعد أن رأى الأنصار والطلاب يفدون إليه في الدرعية، أخذ يغرس في نفوسهم أعظم سلاح، وأعظم قوة ينتصر بها على أعدائه: ألا وهي قوة التوحيد الخالص، والإيمان الكامل، لعلمه ‘ أن نُصرة الحق تحتاج إلى إيمان قوي مبني على فهم الكتاب الكريم والسنة المطهرة، كما تحتاج إلى دعم سلطان وسيف وسنان، يقمع به كل مارد شيطان([47]).
وهذا من أعظم مواقف الحكمة، فإنه عندما دخل الدرعية وجد أهلها في غاية الجهل، وقد وقعوا في الشرك الأكبر والأصغر كغيرهم، والتهاون بالصلاة والزكاة ورفض شعائر الإسلام، فجعل يتخولهم بالتعليم والموعظة الحسنة، ويُفهمهم معنى لا إله إلا اللَّه، ويشرح لهم معنى الألوهية، وأن الإله هو الذي تألهه القلوب: محبة وخوفاً ورجاءً، وأن الإسلام هو الاستسلام لأمر اللَّه – تعالى – والانقياد له، والإذعان بالعبادة، والخضوع، والذل، والإنابة، والتوكل، والرغبة، والرهبة. ويعلمهم أصول الدين، والإسلام، وقواعده، ومعرفة نبيهم، ونسبه، ومبعثه، وما دعا إليه، وهي لا إله إلا اللَّه، وما تضمنته، وأنهم مبعوثون بعد الموت.
وأخذ على ذلك ما يقارب سنتين – بعد قدومه إلى الدرعية – وهو يغرس هذه الدعائم([48]).
ومن أعظم ما غرس في نفوس المهاجرين إلى الدرعية من البلدان المجاورة والأنصار من أهل الدرعية: هو تدريسه لهم جميعاً كتاب التوحيد الذي هو حق اللَّه على العبيد، وغرسه في أذهانهم، وكان آل سعود: الأمير محمد وأبناؤه يحضرون دروس الشيخ صباحاً ومساءً، في المسجد، وفي البيت، والمجامع الخاصة، فأثمر ذلك قوة الإيمان في نفوس الدولة الجديدة من الأمير إلى أصغر واحد من المهاجرين والأنصار([49]).
وعندما قام الشيخ بهذا الموقف العظيم الحكيم، واستقر في قلوبهم معرفة التوحيد وضده من الشرك بعد الجهالة والضلالة والعمى والظلام الدامس، بعد ذلك أُشرب حبّ الشيخ وما جاء به من التوحيد في قلوبهم، والتحم رابط المحبة في اللَّه بين أهل الدرعية والمهاجرين إليهم فآووهم، وأصبحت هذه القوة قوة ضاربة قد رُبِّيت على التوحيد، والرغبة فيما عند اللَّه، والدار الآخرة، ودُعِمَت بقوة السلطان والسيف، والسنان، والحجة والبرهان، وقُوة البيان.
وحينئذ أصبح صاحب الدعوة لا يخشى إلا اللَّه وحده سبحانه.
5 - خطواته الحكيمة في الرجوع بالناس إلى الكتاب والسنة:
علم الشيخ أن الناس لا يصلحهم ولا يردهم إلى الحق الواضح والتوحيد الخالص إلا كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ ([50])، وتيقن أن اللَّه سينصره إن هو قام بذلك: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾ ([51]).
وعند ذلك سلك المسالك الآتية:
( أ ) جعل القواعد الأربع التي قرر بها توحيد العبادة (توحيد الألوهية)، فبين أن اللَّه – تعالى – خلق الجن والإنس ليعبدوه وحده، والعبادة لا تُسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تُسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشركُ في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة، ثم أوضح ذلك بهذه القواعد:
القاعدة الأولى: العلم بأن الكفار الذين قاتلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقرون بتوحيد الربوبية، وأن اللَّه الخالق الرازق المدبر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ ([52]).
القاعدة الثانية: أنهم يقولون: ما دعوناهم إلا لطلب القربة والشفاعة، ومع ذلك حكم اللَّه بكفرهم ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ ([53]). ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ﴾ ([54]).
القاعدة الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على أناس متفرقين في عباداتهم: فمنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأنبياء والصالحين، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار، ومنهم من يعبد الشمس والقمر، وقاتلهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يفرق بينهم، فدل ذلك على أن عبادة غير اللَّه باطلة مهما تنوعت واختلفت.
القاعدة الرابعة: أن الشيخ حكم على مشركي زمانه أنهم أشد وأغلظ شركاً من الأولين؛ لأن الأولين يُشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زمانه شركهم في الرخاء والشدة ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ ([55]).
وهذا من المواقف الحكيمة والاستنباطات السديدة([56]).
( ب ) بيَّن للناس وأرشدهم إلى ما به الفلاح والنجاح، وجعل ذلك في أربع مسائل تسهل على كل مسلم فيحفظها، ويفهم معانيها، وفهمها من مقتضى الإسلام، وهي كالآتي:
المسألة الأولى: العلم، ثم بيَّن المراد به بأنه معرفة اللَّه، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
المسألة الثانية: العمل بالعلم.
المسألة الثالثة: الدعوة إليه.
المسألة الرابعة: الصبر على الأذى فيه، وساق على ذلك أدلة من الكتاب الكريم([57]).
( ج ) أرشد الناس، وبيّن لهم أنه يجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ثلاث مسائل، ويعمل بهن:
المسألة الأولى: أن اللَّه خلق العباد ورزقهم، ولم يتركهم هملاً؛ بل أرسل إليهم رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار.
المسألة الثانية: أن اللَّه لا يرضى أن يُشرك معه أحد في عبادته، لا ملكٌ مقربٌ، ولا نبي مرسل.
المسألة الثالثة: أن من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد اللَّه لا تجوز له موالاة من حادّ اللَّه ورسوله ولو كان أقرب قريب.
وذكر لكل مسألة دليلاً صريحاً([58]).
( د ) بيّن الأصول الثلاثة التي يجب على كل مسلم معرفتها، وهي: معرفة اللَّه، والنبي صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام، بالأدلة من الكتاب والسنة، لكل جزئية من هذه الأصول.
وقد جعل الأصل الثالث – وهو معرفة الدين – ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان، وبيّن أركان كل مرتبة من هذه المراتب ومعاني ذلك كله، واستدل بالأدلة من الكتاب والسنة([59]).
ثم صاغ هذه الأصول الثلاثة عن طريق السؤال والجواب، لتلقين عامة الناس لكي يرسخ الإيمان الكامل والعقيدة الصحيحة في قلوبهم([60]).
( ه ) لم يغفل الشيخ الفروع والاعتناء بالفقه، بل قد أدى له جملة من الاهتمام، وقد ألزم نفسه – رحمه اللَّه – أن يسير في دعوته على هدي الكتاب والسنة، واعتنى بالقواعد الجامعة للأحكام، فوضع أربع قواعد تدور عليها جميع الأحكام، فقال ‘:
((هذه أربع قواعد من الدين التي تدور عليها الأحكام، وهي من أعظم ما أنعم اللَّه – تعالى – به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حيث جعل دينهم ديناً كاملاً وافياً، أكمل وأكثر علماً من جميع الأديان، ومع ذلك جمعه لهم I في ألفاظ قليلة، وهذا مما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع...))([61]).
واستدل على أن اللَّه جمع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأعطيت جوامع الكلم))([62])، وهو أن اللَّه ﷻ جمع له المعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة.
ثم ذكر القواعد التي تدور عليها جميع أحكام الدين:
القاعدة الأولى: تحريم القول على اللَّه بلا علم، لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ([63]).
القاعدة الثانية: أن كل شيء سكت عنه الشرع فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ ([64]).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((وسكت عن أشياء رحمةً بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها))([65]).
القاعدة الثالثة: أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ، كالرافضة والخوارج، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ ([66]).
والواجب على المسلم اتباع المُحكم، وإن عرف معنى المتشابه وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه اتباع الراسخين في قولهم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾.
القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الحلال بيّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات([67])، فمن لم يفطن لهذه القاعدة، وأراد أن يتكلم على مسألة مشتبهة بكلام فاصل فقد ضلّ وأضلّ.
فهذه ثلاث قواعد ذكرها اللَّه في كتابه، والرابعة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الكلمات مع اختصارهن يدور عليها الدين، سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير، أو في علم الأصول، أو في علم أعمال القلوب الذي يُسمّى علم السلوك، أو في علم الحديث، أو في علم الحلال والحرام والأحكام، الذي يسمى علم الفقه، أو في علم الوعد والوعيد، أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين([68]).
ومما سبق يتضح للقارئ أن أهم الأصول التي أحياها الشيخ ودعا إليها واهتم بنشرها أكثر من غيرها كالآتي:
( أ ) الرجوع بالإسلام وأهله إلى ما كان عليه الصدر الأول؛ لأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وهو التزام الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
( ب ) تخليص التوحيد مما شابه من الشرك، والوثنية([69]).
( ج ) إنكار التوسل الممنوع شرعاً، بالأنبياء والأولياء والصالحين، وتبيين التوسل المطلوب والمسنون، وهو التوسل بأسماء اللَّه الحسنى وصفاته العليا، وبالأعمال الصالحة التي قام بها الداعي نفسه، وبطلب الدعاء من المسلم الصالح الحي القادر الحاضر.
( د ) طرح البدع والخرافات والشعوذة وغيرها من المنكرات([70]).
وبهذا كله أسس الشيخ مجتمعاً موحداً مخلصاً قوياً في إيمانه وعقيدته([71])، وما ذلك إلا بفضل اللَّه وحده ثم بحكمة هذا الشيخ الجليل التي نفع اللَّه بها العباد في هذه الجزيرة وغيرها.
6 - كتابته الرسائل بأساليب الحكمة والبيان:
لم يغفل الشيخ تبليغ التوحيد بالقلم والرسائل، بل اعتنى بذلك كثيراً، فقد قضى السنتين الأوليين من إقامته في الدرعية في مكاتبة العلماء والرؤساء والبلدان والقبائل المختلفة، بالإضافة إلى العناية بالتربية والتعليم والتوجيه وغرس الفضائل التي سبق بيانها.
وبدأ بأهل نجد، وكاتب أمراءها وعلماءها، فكاتب علماء الرياض وأميرها دهام بن دواس، وكاتب علماء الخرج وأمراءها وعلماء بلاد الجنوب، والقصيم، وحائل، والوشم، وسدير، والأحساء، وعلماء الحرمين الشريفين، وغير ذلك.
ولم يغفل البلدان الخارجية، فقد كتب لعلماء الشام، ومصر، والعراق، والهند، واليمن، وغير ذلك من البلدان، ولم يزل يكاتب الناس ويُقيم عليهم الحجج، ويذكرهم ما وقع فيه أكثر الخلق من الشرك والبدع([72]).
واصل الشيخ ليله ونهاره في نشر الدعوة، والوعظ والتدريس، وكتابة الرسائل العلمية المدعومة بالأدلة من الكتاب والسنة، وبالحجة والبرهان، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ولم يبدأ أحداً بالعدوان، ورعاً منه، وأملاً في أن يهدي اللَّه الضالين، إلى أن حكموا عليه وعلى أتباعه بالكفر، وأباحوا دماءهم وأموالهم، ولم يثبتوا دعواهم بحجة من كتاب ولا سنة، مع رفضهم لعقيدة التوحيد، وعدم قبولها، ونصرهم الشرك وأهله([73]).
7 - آخر مواقف الحكمة: الجهاد بالسيف والسنان:
بعد أن بدأ أعداء التوحيد بتكفير الشيخ وإهدار دمه ومن تبعه، وبعد أن بيّن لهم الشيخ نواقض الإسلام بأدلتها من الكتاب والسنة([74])، فأعرضوا عن ذلك كله وكذبوا به، ورفضوا التوحيد، وحينئذ يكون آخر الطب الكي، فأمر الشيخ بالجهاد لمن عادى أهل التوحيد وسبه وسب أهله، ولم ينْقَدْ لشرع اللَّه، ولم تنفع فيه الآيات البينات.
واستمرت الحروب سنين عديدة، وكان النصر – بإذن اللَّه – حليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، فكانت القرى والعشائر تسقط واحدة تلو الأخرى بيده، فنشر اللَّه الدعوة وأظهرها ونصرها، وقمع الباطل، وأذل أهله الذين عارضوا التوحيد.
ثم توفي الشيخ – رحمه اللَّه – يوم الاثنين آخر شهر شوال، سنة 1206ه، وله من العمر نحو 92 سنة، فرحمه اللَّه رحمة واسعة، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء([75])، فقد أنقذ اللَّه بمواقفه الحكيمة هذه الجزيرة وما جاورها من الشرك، وبدد الظلام، وأنار البلاد بنور التوحيد الخالص.
وهكذا ينبغي لكل داعية يرجو اللَّه واليوم الآخر أن يكون حكيماً في مواقفه، ناصراً لدين اللَّه، صابراً محتسباً مخلصاً، وبذلك يربح ويفوز في الدنيا والآخرة، واللَّه المستعان.
وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
([1]) البخاري مع الفتح، 5/259، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد، برقم 2652، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل الصحابة ثم الذين يلونهم، 4/1964، برقم 2533.
([2]) سورة الحجر، الآية: 9 .
([3]) أخرجه مسلم بلفظه في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: <لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم>، 3/1523، (رقم 1037)، والبخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب حدثنا محمد بن المثنى 6/632، (رقم 3640).
([4]) أبو داود، 4/109، والحاكم، 4/522.
([5]) هو: منذر بن سعيد بن عبد الله بن عبد الرحمن النفزي القربطي، أبو الحاكم البلوطي، قاضي قضاة الأندلس في عصره، كان إماماً عالماً فصيحاً، خطيباً بليغاً مفوهاً، شاعراً أديباً، فقيهاً محققاً، كثير الفضل، جامعاً لصنوف من الخير والتقوى والزهد، ولم تحفظ عليه قضية جور مدة ولايته، وله كتب في القرآن والسنة على أهل الأهواء، وله اختيارات، ومن تصانيفه: كتاب (الإنباه عن الأحكام من كتاب الله)، وكتاب (الإبانة عن حقائق أصول الديانة)، واستسقى غير مرة، فأنزل الله المطر، وخطب يوماً فأعجبته نفسه، فقال: <حتى متى أعظ ولا أتعظ، وأزجر ولا أزدجر، أدل على الطريق المستدلين، وأبقى مقيماً مع الحائرين، كلا إن هذا لهو البلاء المبين. اللهم فرغبني لما خلقتني له، ولا تشغلني بما تكفلت لي به>، وذكر أنه ولد ‘ سنة 265ه، وقد توفي انسلاخ ذي الحجة، سنة 355ه. انظر: سير أعلام النبلاء، 16/173-178، والبداية والنهاية، 11/288، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن العماد الحنبلي، 3/17، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 7/82، والأعلام لخير الدين الزركلي، 7/294، وتاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لعبد الله بن محمد الأزدي ابن الفارض، 2/142.
([6]) سلطان الأندلس عبد الرحمن بن محمد المدعو: أمير المؤمنين الناصر لدين الله، قام بغزوات عديدة، وفتح سبعين حصناً، وتوفي، في رمضان 350ه، انظر: سير أعلام النبلاء، 8/265، 15/562.
([7]) سورة الزخرف، الآيات: 33 – 35 .
([8]) انظر: الكامل لابن الأثير، 7/82، والبداية والنهاية، 11/288، وسير أعلام النبلاء، 8/267-268 و16/177 .
([9]) انظر: سير أعلام النبلاء، 16/177 .
([10]) سورة الشعراء، الآيات: 128 – 135 .
([11]) سورة الشعراء، الآيات: 136 – 138 .
([12]) سورة النساء، الآية: 77 .
([13]) سورة الأنعام، الآية: 54 .
([14]) انظر: الكامل لابن الأثير، 7/82، وسير أعلام النبلاء، 6/176، والبداية والنهاية، 11/289 .
([15]) سورة فاطر، الآيتان: 15 – 16 .
([16]) هو: عبد العزيز بن عبد السلام، ابن أبي القاسم، الشافعي، له مصنفات حسان، جمع علوماً كثيرة، وأفاد الطلبة، وولي خطابة دمشق، ثم سافر إلى مصر ودرس بها وخطب، وحكم، وأعز الله به الإسلام والمسلمين، فلقبه شيخ الإسلام ابن دقيق العيد – تلميذه – بسلطان العلماء، وسيرته ‘ مملوءة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للملوك والسلاطين، فلم تأخذه في الله لومة لائم. ولد ‘ سنة 577ه، أو 578ه، وتوفي ‘ في عاشر جمادى الأولى، سنة 660ه، وحضر جنازته السلطان الظاهر وخلق كثير رحمه الله .
انظر: البداية والنهاية، 13/235، وطبقات الشافعية لعبد الوهاب بن تقي الدين السبكي 5/80 – 12، والأعلام لخير الدين الزركلي، 4/102 .
([17]) انظر: طبقات الشافعية للسبكي، 5/80 - 102.
([18]) انظر: المرجع السابق، 5/84، وصفحات مطوية من حياة سلطان العلماء العز بن عبدالسلام، لسليم بن عيد الهلالي، ص31 .
([19]) انظر: طبقات الشافعية، 5/83 .
([20]) هو الملك الصالح أيوب، ابن السلطان الملك الكامل محمد بن العادل، ولد سنة 603 بالقاهرة، وتوفي في ليلة النصف من شعبان سنة 647ه، انظر: سير أعلام النبلاء، 23/187-192 .
([21]) سورة الزخرف، الآية: 22 .
([22]) طبقات الشافعية، 5/81 – 82 .
([23]) انظر: البداية والنهاية، 10/317، و11/98، 12/155، 12/156-332، 13/1-227، 14/2-173، والتاريخ الإسلامي، لمحمود شاكر، 6/5-345، 7/11-321، وشيخ الإسلام أحمد تقي الدين: جهاده ودعوته، للشيخ أحمد القطان ومحمد الزين، ص8.
([24]) هو شيخ الإسلام وحافظ الدنيا المجتهد في الأحكام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي، ولد بحران يوم الاثنين 10/3/661ه، وتوفي ‘ ليلة الاثنين 20 من ذي القعدة 728ه، انظر: الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص14، والبداية والنهاية، 14/135 .
([25]) انظر: من مشاهير المجددين في الإسلام للدكتور صالح بن فوزان، ص52 .
([26]) انظر: البداية والنهاية 14/7، 10، 14 .
([27]) البداية والنهاية، 14/89، وانظر: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد البيطار، ص23-25.
([28]) انظر: الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية لعمر بن علي البزار، ص71-74.
([29]) البداية والنهاية 14/15، 16 .
([30]) سورة الحج، الآية: 60 .
([31]) سورة الفاتحة، الآيتان: 4- 5 .
([32]) انظر: البداية والنهاية، 14/22-26، وأوراق مجموعة من حياة ابن تيمية، ص33 .
([33]) انظر موقفه مع الملك الناصر لدين الله في حياة ابن تيمية لمحمد بهجة البيطار، ص25، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص74 .
وللشيخ مواقف أخرى في جهاده مع الباطنية سنة 705ه في ثاني محرم، فقد خرج إليهم مع نائب السلطان، فهزمهم الله، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً.
انظر: ابن تيمية: جهاده ودعوته، للقطان، ص50 .
([34]) انظر: حياة شيخ الإسلام ابن تيمية، لمحمد بهجة البيطار، ص27 .
([35]) انظر المناظرة مطولة بالتفصيل في مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 3/160-201، وحياة ابن تيمية، لمحمد بهجة البيطار، ص27، والبداية والنهاية – بألفاظ مختصر ومفيدة –، 14/36، 37.
([36]) البطائحية: الطائفة المعروفة بالرفاعية، نسبة إلى البطائح التي سكنها الشيخ أحمد الرفاعي، ويقال لها أيضاً: الرفاعية والأحمدية، نسبة إلى لقبه أو اسمه: أحمد بن أبي الحسن علي بن أبي العباس أحمد، المعروف بابن الرفاعي، وكان رجلاً صالحاً فقيهاً شافعياً ولأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهي حية، والنزول في التنانير وهي تشغل فيطفئونها... انظر: وفيات الأعيان، 1/71.
([37]) انظر: هذه المناظرة مطولة في مجموع فتاوى ابن تيمية، 11/445-475، وقد سقتها بالمعنى، وانظر مناظرات أخرى في مواقف حكيمة أخرى مفيدة جداً، في مجموع الفتاوى 11/135-156، ومناظرة في العقيدة الحموية التي كتبها الشيخ سنة 698ه لأهل حماة في البداية والنهاية، 14/4 .
([38]) سورة الأعراف، الآيتان: 118- 119 .
([39]) انظر: البداية والنهاية، 14/37-97، 123-140، والأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، ص73، وحياة شيخ الإسلام لمحمد بهجة البيطار، ص34، 35، وشيخ الإسلام جهوده ودعوته لأحمد القطان ومحمد الزين، ص70 .
([40]) هو شيخ الإسلام، الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي النجدي الحنبلي، ولد في العيينة سنة 1115ه، ونشأ بها، وحفظ القرآن قبل العاشرة من عمره، ودرس على والده، ثم حج وأخذ عن بعض علماء الحرم الشريف، ثم زار المدينة، وأخذ عن بعض علمائها، ثم رجع إلى نجد وقصد البصرة، وأخذ عن بعض علمائها، ثم رجع إلى الأحساء، وأخذ عن بعض علمائها، ثم رجع إلى نجد، ودعا إلى التوحيد الخالص فنفع الله به العباد، وأنقذهم به من الشرك. توفي ‘ سنة 1206ه، انظر: تاريخ نجد لحسين بن غنام، ص75، وعلماء نجد خلال ستة قرون، 1/27.
([41]) انظر: تاريخ نجد، روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام، للعلامة المؤرخ حسين بن غنام، 1/10-72، وعنوان المجد في تاريخ نجد، للشيخ عثمان بن عبد الله بن بشر، 1/19، والإمام محمد بن عبد الوهاب: دعوته وسيرته للعلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، ص12.
([42]) انظر: تاريخ نجد، للعلامة المؤرخ حسين بن غنام، 1/10-78، وعنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر، 1/19-30 .
([43]) انظر: بحوث الشيخ محمد بن عبد الوهاب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1/264، 1/104، 105، والإمام محمد بن عبد الوهاب، سيرته ودعوته لعبد العزيز بن عبد الله ابن باز، ص16، 18، وعلماء نجد خلال ستة قرون، للشيخ عبد الله بن عبدالرحمن البسام، 1/31-33.
([44]) انظر: بحوث الشيخ لجامعة الإمام محمد بن سعود، 1/264، 1/104، 105.
([45]) انظر: المرجع السابق، 1/104، 105، 264 .
([46]) انظر: عنوان المجد، 1/21-24، وتاريخ نجد لابن غنام، 78-81، والشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته لأحمد بن حجر آل بوطامي، ص22.
([47]) انظر: بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1/218، 258.
([48]) انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر، 1/26، وتاريخ نجد (روضة الأفكار والأفهام..) للعلامة المؤرخ حسين بن غنام، 1/81.
([49]) انظر: إمام التوحيد، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الدعوة والدولة، لأحمد القطان ومحمد الزين، ص45.
([50]) سورة الإسراء، الآية: 9 .
([51]) سورة غافر، الآية: 51 .
([52]) سورة يونس، الآية: 31 .
([53]) سورة الزمر، الآية: 3 .
([54]) سورة يونس، الآية: 18 .
([55]) سورة العنكبوت، الآية: 65 .
([56]) انظر: القواعد الأربع في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقائد، ص197، مطبوعات الجامعة، وانظر: بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1/331.
([57]) انظر: هذه المسائل الأربع مع أدلتها في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية، ص185، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/317 .
([58]) انظر: هذه المسائل الثلاث مع أدلتها في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية ص386، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1/315 .
([59]) انظر: الأصول الثلاثة مدعومة بالأدلة القطعية في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية، ص187 .
([60]) انظر تلقين العقيدة للعامة في القسم الأول من مؤلفات الشيخ في العقيدة والآداب الإسلامية ص370، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1/346.
([61]) انظر: القواعد الأربع في القسم الثاني من مؤلفات الشيخ، الفقه، المجلد الثاني، ص3، وبحوث أسبوع الشيخ، 1/226، 1/272-274.
([62]) البخاري مع الفتح في كتاب التعبير، باب رؤيا الليل، 12/390، برقم 6998، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 1/371، (رقم523).
([63]) سورة الأعراف، الآية: 33 .
([64]) سورة المائدة، الآية: 101 .
([65]) أخرجه الدارقطني، 4/297، 298، وقال النووي في الأربعين: <حديث حسن>.
([66]) سورة آل عمران، الآية: 7 .
([67]) انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه، 1/126 (رقم 52)، وكتاب البيوع، باب الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما متشابهات، 4/290، (رقم 2051)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، 3/1219، (رقم 1599)، وانظر: شرح النووي، 11/27.
([68]) انظر: هذه القواعد مع أدلتها بالتفصيل والأمثلة في القسم الثاني من مؤلفات الشيخ في الفقه، المجلد الثاني، ص3، وبحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، 1/226، 272.
([69]) والتوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. والشرك شركان: أكبر يخرج من الملة، وأصغر، وخفي.
([70]) ويمكن التفصيل في الأصول التي اعتنى بها الشيخ ودعا إليـها أكثر من غيرها كالآتي: 1- توحيد العبادة، 2- التوسل الجائز والمحرم، 3- منعه شد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة، 4- منع البناء على القبور وإسراجها وكسوتها، 5- توحيد الأسماء والصـــــفات، 6- إنكار البدع جميعها.
([71]) انظر: بحوث أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 2/303، 2/317، 1/311، ومؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الأول: العقيدة والآداب الإسلامية، ص9، 260، والشيخ محمد بن عبد الوهاب: عقيدته ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه، للعلامة أحمد بن حجر آل بوطامي، ص43-47.
([72]) انظر: تاريخ نجد، لابن غنام، 1/82، وعنوان المجد لابن بشر، 1/26، والإمام محمد بن عبد الوهاب: دعوته وسيرته، لابن باز، ص19، 24، 27.
([73]) انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية لأحمد بن حجر، ص26، وروضة الأفكار لابن غنام، 1/83.
([74]) انظر: نواقض الإسلام في القسم الخامس من مؤلفات الشيخ في: الرسائل الشخصية، ص198، 204، 212.
([75]) انظر: روضة الأفكار لابن غنام 1/84، وعنوان المجد لابن بشر 1/27، وعلماء نجد خلال ستة قرون 1/40، 43.