أصول الكمال الإنساني
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> شؤون الطفل >> تربية الأولاد
- دراسات إسلامية
المصادر
الوصف المفصل
- أصول الكمال الإنساني
أصول الكمال الإنساني
عبد الله بن سليمان العتيق
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين:
أما بعد:
فإن من عظيم نعمة الله – تعالى – على الإنسان أن فطر فيه حب الرغبة في الكمال، والتطلع إلى المعالي.
وقد دأب الإنسان ساعيًا في نوال ذلك وتحصيله، وتتبع لأجل ذلك ما بان له من الطرق والسبل، وصار في ذلك أحد رجلين:
الأول: مَنَّ الله – تعالى – عليه بالتوفيق فهداه سبيل الكمال الصائب، ويسر له طرقه ووسائله، فحظي بسمو الكمال.
الثاني: من خذله الله – تعالى – عن سلوك طريق الكمال المنشود، فرام طرقًا وهمية تخيل له كمالاً وهميًا، أو طرقًا منحرفة صنعت له الكمال المتهالك.
ثم كان من فضل الله – تعالى – أخرى – أن دل الإنسان إلى الكمال الصحيح الشريف، ولو تركه مدلولاً إليه – أي الإنسان – لحاز الحال الثانية المذكورة آنفًا.
قال الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1_3].
في هذه السورة حصر الله– تعالى – الفلاح والنجاة من الخُسر – في الأمور الأربعة التي ذكرها في هذه السورة.
فـ( انحصر الكمال الإنساني في هذه المراتب الأربعة:
أحدها: العلم بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الثانية: العمل به.
الثالثة: نشره في الناس ودعوتهم إليه.
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه ([1]).
وهذه الأربع حال (أئمة الدين الذين يقتدي بهم، والذين جمعوا بين الصبر واليقين، والدعوة إلى الله بالسنة والوحي لا بالآراء والبدع، فهؤلاء خلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أمته، وهم خاصته وأولياؤه، ومن عاداهم أو حاربهم فقد عادى الله سبحانه وآذنه بالحرب)([2]).
ثم (إن الكمال والنقص وصفان يتعاقبان على الفرد كما يتعاقبان على المجموع، وهذا الإنسان العاقل خُلقَ مستعدًا للكمال، وقد هيأ له خالقه الحكيم أسبابه، ومكن له وسائله، ونصب له في داخل نفسه وخارجها أمثالاً يحتذيها لبلوغ الكمال، ووضع بين عينيه صور الموجودات وعوارض الكمال والنقص فيها لينتزع من قوانين الكمال فيها قانون كماله، وليجتنب من علمه بأسباب نقصها أسباب نقصه، وإن كانت أصول الكمال والنقص في العالم الإنساني تختلف عن أصولها في غيره من العوالم، لأن لاختيار الإنسان مدخلاً كبيرًا وأثرًا قويًا في كماله ونقصه)([3]).
وهذا الكمال الذي جَبَل الله – تعالى – الخلق عليه، وهداهم إلى طرقه بعد إيضاحها هو الذي فاوت بين الناس، حتى أصبحوا كما قال الشاعر:
ولم أر مثل الرجال تفاوتًا | ||
إلى المجد حتى عد ألف بواحد |
وتحصيله – كما أسلفت – موكول إليه – أعني السعي في تحصيله – فلكلٍ حظ من جهده وسعيه بحسب ما بذله من الجد في ذلك، وبحسب الهمة الحادية لتلك الكمالات.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم | ||
وتأتي على قدر الكرام المكارم |
وغاية القبح هي في حال ذلك الإنسان القادر على سلوك طريق الكمال فأعرض عنه، أو لم يعزم على سلوكه.
وأحق الناس بالشفقة من حباه الله همة إلى معالي الأمور، ولكن حرمه الصبر عليها، أو طاقة تدفعه إلى لزوم ذاك الطريق.
وليس طريق الكمال طريقًا محفوفًا بالزهور والرياحين، ولكن – لشرفه وعلوه – احتفت به مهلكات، ما إن تخمل إحداهن إلا وتثور الأخرى، فهو في معاناة معهن.
قال أبو الفتح البستي:
يا من يسامي العلا عفوًا بلا تعب | ||
هيهات نيل العلا عفوًا بلا تعب | ||
عليك بالجد إني لم أجد أحدًا | ||
حوى نصيب العلا من غير ما نصب |
فعلى طالب الكمال إلزام النفس الجلد والصبر، والإعراض عن همزات الشيطان، والتحلي بعبودية الإرغام – إرغام الشيطان وخذله .
وعلى السالك المستوحش الاستئناس بالسالكين – السابقين واللاحقين – السائرين على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستبصار حال الناجين، والاعتبار بحال الهالكين.
وها أنذا شادٌ على عضدك – بعد عضدي – ومظهرٌ لك معالم – تلك الأصول التي حصر الله بها الكمال، مجملاً مكتوبتي بآيات الله – تعالى ، وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وروائع الكلم من سلف الأمة الصالح رضي الله عنهم.
فكن خير آخذ لها، وأحلها لديك في حسن تضياف لها، ومُنَّ عليها بالستر إن رمت فيها ما يشين، وألبس زللها عين التصويب والتعديل، فها هي قد زففتها إليك إليك خريدة رائدة بين خديناتها، وفريدة شامخة بأصولية المنبع، لك منها الغُنْم، وعلي الغرم، وصوابها من الله تعالى، وزللها من النفس الأمارة والشيطان.
وأسأل الرب ذا الكمال أن يمن عليها بحسن القبول وخير الإقبال، ويغفر الزلل ويستر الإخلال.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبها
عبد الله بن سليمان العتيق
الاثنين 20/8/1422هـ
الرياض – 11527
ص. ب – 68298
الأصل الأول: العلم
1- البحث الأول: أهميته وفضله.
2- البحث الثاني: حكمه.
3- البحث الثالث: أقسامه.
4- البحث الرابع: طرقه.
5- البحث الخامس: فوائده.
الأصل الأول: العلم
1- أهميته وفضله:
أساس كل كمال وأصله هو العلم، فمن علم عد ذا كمال، ومن جهل وُصم بالنقص.
والعلم الذي هو كمال للمرء وزينة هو العلم الذي ينفع في الآخرة، وهو العلم الشرعي كما سيأتي تقسيمه.
لقد كثر الكلام حول العلم وفضله في: الكتاب، والسنة، ونثر ونظم الصالحين والعلماء.
- من الكتاب:
قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114].
وقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾ [آل عمران: 18].
وقوله سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
وقوله عز وجل: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
إلى آي أُخَرٍ في كتاب الله تعالى دالة على فضل العلم.
ومن السنة:
عن معاوية – رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»([4]).
- وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها»([5]).
وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا من طرق الجنة، فإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم ليستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في السماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم، إن العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافرٍ»([6]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»([7]).
وعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم مَنْ تعلم القرآن وعلمه»([8]).
والأحاديث في هذا كُثر من المتعسر حصرها واستقصاؤها.
- مِنْ نظم الكلام ونثره.
حفلت كتب الأخبار والسير بجملة رفيعة مِنْ مقولات أهل العلم في فضل العلم، ومناقبه.
وتلك المقولات ما بين نثر بليغ، وما بين قريض بديع، وهذا سردٌ لنخبة منتقاة منها.
قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -: «أيها الناس عليكم بطلب العلم، فإن لله رداء محبة فمن طلب بابًا من العلم رداه الله بردائه ذلك ...»([9]).
- قال الحسن البصري – رحمه الله -: «إن الرجل ليتعلم الباب من العلم فيعمل به خير من الدنيا وما فيها»([10]).
- قال سفيان بن عيينة – رحمه الله -: «ما أعلم عملاً أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به خيرًا»([11]).
- قال أبو حنيفة: النعمان بن ثابت رحمه الله: «إن لم يكن أولياء الله في الدنيا والآخرة الفقهاء والعلماء فليس لله ولي»([12]).
قال الشافعي رحمه الله: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم».
قال المبرد: «تعلموا العلم: فإنه سبب إلى الدين، ومنبهة للرجل، ومؤنس في الوحشة، وصاحب في الغربة، وصلة في المجالس، وجالب للمال، وذريعة في طلب الحاجة».
قال وهب بن منبه رحمه الله: «يتشعب من العلم، الشرف وإن كان صاحبه دنيئًا، والعز وإن كان مهينًا، والقرب وإن كان قصيًا، والغنى وإن كان فقيرًا، والنبل وإن كان حقيرًا، والمهابة وإن كان وضيعًا، والسلامة وإن كان سفيهًا».
ومن نفيس النظم
قال علي رضي الله عنه:
العلم زين فكن للعلم مكتسبًا | ||
وكن له طالبا ما عشت مقتبسًا | ||
أركن عليه وثق بالله واغن به | ||
وكن حليمًا رزين العقل محترسًا |
وقال ابن الوردي:
كن عالمًا في الناس أو متعلمًا | ||
أو سامعًا فالعلم ثوب فخار | ||
من كل فن خذ ولا تجهل به | ||
فالحر مطَّلع على الأسرار |
وقال آخر:
يعد رفيع القوم من كان عالمًا | ||
وإن لم يكن في قومه بحسيب | ||
وإن حل أرضًا عاش فيها بعلمه | ||
وما عالم في بلدة بغريب |
وقال دعبل الخزاعي:
العلم ينهض بالخسيس إلى العلا | ||
والجهل يقعد بالفتى المنسوب | ||
وإذا الفتى نال العلوم بفهمه | ||
وأعين بالتشذيب والتهذيب | ||
جرت الأمور له فبرَّز سابقًا | ||
في كل محضر مشهد ومغيب |
وقال عبد الملك بن إدريس الجزيري:
واعلم بأن العلم أرفع رتبة | ||
وأجل مكتسب وأسنى مخفر | ||
وبضمر الأقلام يبلغ أهلها | ||
ما ليس يبلغ بالجياد الضُّمَّرِ |
وقال معروف الرصافي:
أيها الناس إن ذا العصر للـ | ||
ـعلم والجد في العلى والجهاد | ||
إن للعلم في الممالك سيرًا | ||
مثل سير الضياء في الأبعاد | ||
ما استفاد الفتى وإن ملك الأر | ||
ض بأعلى من علم المستفاد | ||
وكأين في الناس ذي خمول | ||
صار بالعلم كعبة القصاد |
وقال أبو الفتح البُسْتي:
العلم أنفس عِلْق أنت ذاخره | ||
من يدرس العلم لم تدرس مفاخره | ||
فاجهد لتعلم ما أصبحت تجهله | ||
فأول العلم إقبال وآخره |
وقال الجرجاني:
نصحت أخي وهو لا يعلم | ||
وقلت له قول من يفهم | ||
تعلم إذا كنت ذا ثروة | ||
فبالمال يحسن ما تعلم |
وقال أبو الحسن المرغيناني:
ألم تر أن العلم يذكر أهله | ||
بكل جميل فيه والعظم ناخر | ||
سقى الله أجداثًا أجنت معاشرًا | ||
لهم أبحر من كل علم زواخر |
وقال أبو الأسود الدؤلي:
العلم زين وتشريف لصاحبه | ||
فاطلب هديت فنون العلم والأدبا | ||
كم سيد بطل أباؤه نُجبٌ | ||
كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبَا | ||
ومقرف خامل الأباء ذي أدب | ||
نال المعالي بالآداب والرتبا | ||
العلم كنز وذخر لا فناء له | ||
نعم القرين إذا ما صاحب صحبا | ||
قد يجمع المال شخص ثم يحرمه | ||
عما قليل فيلقى الذل والمربا | ||
وجامع العلم مغبوط أبدًا | ||
ولا يحاذر من الفوت والسلبا | ||
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه | ||
لا تعد لن به درًا ولا ذهبا |
وقال آخر:
لا تذخر غير العلو | ||
م فإنها نعم الذخائر | ||
فالمرء لو ربح البقا | ||
ء مع الجهالة كان خاسر |
وقال الإمام الشوكاني:
أطيب الطيبات علم يريك الـ | ||
حق حقًا ما دونه من حجاب | ||
وبه ينجو الغريق إذا ما | ||
كان في بحر حيرة واضطراب ([13]) |
والحق أن بديع النظم في هذا كثير جدًا، مالكفاية أني اقتصرت على عيونه وغُرره، ولم استقص جميع كل ما قيل فذاك ضرب من المستحيل، ونوعٌ من الجهد المهمل – إذ لا يمكن حصر ذلك ولا قريبًا منه.
2- حكم العلم
العلم من الأمور التي حمد الشرع الاشتغال بها، وحث على السعي في تحصيلها، ودلائل هذا كثيرة – وقد مر ذكر صفوة منها .
وما لا شك فيه أن النفس طلعة إلى تحصيل العلم ونيله، ولكن لا بد لهذا التطلع من ترفق فيه، وتأن في السير إليه، فليس من المعقول – بتاتًا – إطلاق العنان للنفس في روم العلم؛ لأن العلوم ذات تفاوت في: الحكم، والفائدة، والأهمية.
ولهذا كان من أسنى مقاصد الشرع: ترتيب الأمور بالأولوية؛ والأولوية تكمن في: حكم الأمر، مدى فائدته، مقامه وأهميته.
ومما يراعى فيه هذا المقصد السامي (العلم)، فلا بد لـ (المكمل نفسه) من معرفة ما يتعلق بالعلم من (حُكمٍ).
بعد هذا التحرير أقول:
إن العلوم التي يشتغل الناس بها منقسمة إلى قسمين:
الأول: العلم الواجب: وهو ما لا يعذر بجهله أحد.
وهو على جهتين:
الأولى: علم يجب أن يؤتى به ويدخل فيه علمان:
أولاً: علم الاعتقاد.
فهو من العلم الواجب الذي لا يعذر أحد بجهله به، إذ هو أساس الملة، ورأس الديانة، وركن الإسلام الأعظم، والواجب منه ما يصح به إسلام العبد وهي: أركان الإيمان الستة على وجه إجمال ويقين.
والجهل به جرم عظيم، غير معذور به العبد.
ودلائل هذا مبسوطة في محالها.
ثانيًا: ما يتعلق بالعبادات:
المسلم مكلف بالتعبد لله تعالى على الوجه الذي شرعه، وجاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه العبادات الواجب العلم بها أقسام:
الأول: ما يعيشه المؤمن في يوم وليلة كـ(الصلاة) و(الصيام) وغيرهما، وكذلك ما لا تقوم هذه العبادات إلا به إن كان كـ(الطهارة).
وهذا مأثور عن الإمام أحمد – رحمه الله .
والعلماء يسمونه بـ(علم الأحوال) أي علم الأشياء التي تثبت على نفس العبد المسلم في جميع الأحوال ([14]).
ولذلك قال مالك – لما سئل عن طلب العلم -: حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه ([15]).
الجهة الثانية: علم يجب تركه، وهو كل علم جاء في الشرع التنصيص على حرمة الاشتغال به، أو نص الفقهاء على حرمة الاشتغال به، ومن ذلك: علم المنطق.
اعلم أن علم المنطق نوعان:
أولهما: مشوب بكلام الفلاسفة، وحاصله: التأويل من التحريف الظاهر لنصوص الشريعة، وهو ما كان مخلوطًا بالكفريات.
وهذا هو المحرم الذي لا يجوز تعلمه ([16]).
قال المختار ابن بونة الشنقيطي في ألفية المنطق:
فإن تقل حرمه النواوي | ||
وابن الصلاح والسيوطي الراوي | ||
قلت نرى الأقوال ذي المخالفة | ||
محلها ما صنف الفلاسفة ([17]) |
ثانيهما: ما كان خالصًا مما مضى رقمه في الأول:
وَحدُّه: علم يعرف به كيفية الانتقال من أمور حاصلة في الذهن لأمور مستحصلة ([18]).
وفيه يقول ابن بونة في ألفيته الفائتة الذكر:
أما الذي خلصه من أسلما | ||
لا بد أن يعلم عند العلما |
ويقول الأخضري:
والقولة المشهورة الصحيحة | ||
جوازه لكامل القريحة | ||
ممارس السنة والكتاب | ||
ليهتدي به إلى الصواب ([19]) |
فالمنطق: على هذا الوصف جائز تعلمه، وقال به جمع من أهل العلم.
فبان من هذا التقرير أن المنطق منه حرام لا يجوز تعلمه ولا الاشتغال به. وهو الأول.
ومنه جائز التعلم وهو ما خلا من وصف الأول.
وبهذا التحرير ينحل الإشكال ويبين الحكم الحق في المنطق.
الجهة الثانية: ما كُرِه تعلمه، ويضاف قسمٌ ثالث وهو العلم المباح.
وهو علم لا محذور فيه شرعًا، وفيه منفعة.
وهذا ضابط تقريبي.
وغالب العلوم داخلة في هذا العلم – وخاصة الدنيوية - إذ الأصل فيها الإباحة والحل.
فائدة: يكون العلم المباح داخلاً في أحد الأقسام السابقة فيأخذ حكمه وهذا مقرر في مصنفات الأصول.
ويتنوع إلى ثلاثة أنواع:
أولها: علم التوحيد.
وهذا النوع له المكانة الكبرى في الشريعة – بل هو أصلها - وله المقام الرفيع بين العلوم.
وله الرتبة الثانية في الشرف بعد علم الاعتقاد؛ إذ به قيام العبد بشرع الله تعالى.
وتعريفه: العلم بأحكام التكاليف الشرعية العملية، المأخوذة من الأدلة التفصيلية.
ثالثها: علم الحديث، وهو المعروف به «علم الحديث دراية» ويدخل فيه معرفة سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
رابعها: علم التفسير:
وعرَّفه أهل العلم بأنه: معرفة فهم كتاب الله المنزل على نبيه المرسل - صلى الله عليه وسلم - وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمِه ([20]).
القسم الثاني: من أقسام العلم الشرعي: علم دالة الآلة والوسيلة. وأعني به: كل علم تعلم لغيره لا لذاته وهو ثلاثة أنواع:
الأول: العلوم الفقهية:
وهي: كل علم يتقن الطالب من خلالها الفقه ويفهمه ويضبطه.
وهي أربعة أقسام:
أولها: أصول الفقه:
وحدُّه: العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية ([21]).
ثانيها: القواعد الفقهية وحقيقتها: ضم مسائل متناسبات تُلْحق بأصول مستنبطة من أصول الفقه ([22]).
وقد تكون شاملة لكل أو أغلب أبواب الفقه.
ثالثها: الضوابط الفقهية وتعريفها: حكم كلي فقهي ينطبق على فروع متعددة من باب واحد.
رابعها: الفروق الفقهية: وهذا العلم يتعلق بالمسائل المشتبهة صورة المختلفة حكمًا ودليلاً وعلة.
المصطلح: وهو علم بقواعد يعرف بها حال الراوي (السند) والمروي (المتن) من حيث القبول والرد ([23])، ويدخل فيه علم الرجال وهو متعلق برجال سند الحديث وأحوالهم وضبطهم ... إلخ. ويدخل فيه (الجرح من التعديل).
الثالث: العلوم اللسانية: وهي العلوم المتعلقة بلفظ الكلام: إعرابًا، وبناء، وبلاغة، وفصاحة ... إلخ. وهو أنواع:
الأول: النحو: وحده: العلم بأحوال اللفظ المركب من جهة ما يلحق من التغايير المسما بالإعراب والبناء، وأنواعها من الحركات والحروف، ومواصفها ولوازمها وكيفية دخولها في الجمل لتتبين دلالتها ([24]).
الثاني: علم الصرف: وبحثه في الكلمات في أصولها وأحوالها ([25]).
الثالث: علم البلاغة: وهو: علم يقتدر به على تأليف كلام بليغ، وقواعد علمية قياسية تفيد جواز استعمال التراكيب على هيئاتها الخاص بالقياس ([26]).
والبلاغة ثلاثة أقسام:
الأول: البيان. وهو: علم يعرف به أحوال الأقاويل المركبة المأخوذة عن الفصحاء والبلغاء ([27]).
الثاني: المعاني. وهو: علم تعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال ([28]).
الثالث: البديع:
وهو: علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ([29]).
هذه جملة أنواع العلوم (الشرعية) و (الخادمة لها) جمعت في هذا الفصل ليسهل على مَنْ رامها تحصيلها.
ولا يعني حصرها أن فيها كفاية عن غيرها، ولكن المراد بذلك الإشارة إليها لكونها مما تكثر الحاجة إليه في مسائل العلم، ويفتقر إليها العالم في تحرير المسائل.
ولم أطل الكلام فيها لعدم مناسبة الحال للإطالة ولكن مرجع المريد للزيادة ما ذكرته من كتب في الحاشية.
الفصل الرابع: طرق تحصيل العلم
من المعلوم عند كل عاقل – بل غيره – أن كل شيء مرغوبٍ له سبلٌ موصلة إليه، وطرق هاديةٌ إليه، وهذه الطرق متفاوتة في: الزمن، والطول من القصر، والجودة والإحكام، والمنفعة والفائدة.
والعلم من الأمور التي حظيت بمجموعة من الطرق؛ متفاوتة النفع والأهمية.
الطريقة الأولى: التلقي عن الشيوخ ([30]).
وهذه الطريق هي الأصل إذ لم يصل العلم إلى أحد إلا عن طريقها؛ فقد تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - العلم بها، وأخذه عنه أصحابه بها، وهكذا إلى هذا اليوم.
قال بعض مَنْ سلف من السلف: كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتيحه في أيدي الرجال.
وبهذه الطريق يوثق بعلم الرجل، ويؤتمن، فإن كان قد تلقى علمه عن طريقها أصاب في رأيه، وإن كان أخذه عن غيرها كثر جهله، وشذ رأيه.
ولأصول وضوابط التلقي عن المشيخة مقام آخر مبسوط فيه ذلك، وليس هنا.
الطريقة الثانية: القراءة:
القراءة فن رفيع، وعمل راقٍ يدل على صحة عقل صاحبها، وإشارة إلى جودة رأيه.
وهي من أعظم طرق العلم لتحصيل العلم، بل لا يدرك غيرها عشر نفعها وعائدتها على المتعلم.
ولتلك المكانة السامقة، والمرتبة الشامخة أوليت اهتمامًا كبيرًا من أربابها وعشاقها.
وأحوالهم معها في غاية من العجب العجيب فهم ما بين: مصنف في فضلها وأهميتها، ومكثر من القراءة، ومكرر لمقروء، وجامع نفسه عليها أغلب زمانه ... إلخ.
ولا لوم عليهم – وربي – فإنهم ذاقوا من لذائذها ما جعلهم يأنسون بها عن كل خل مصافٍ، وصاحب ملاطف.
فالقراءة – بهذا من أهم طرق تحصيل العلم وهي نوعان:
النوع الأول: القراءة المركزة.
وهي تلك القراءة التي تتطلب التركيز الذهني على المقروء، وتفهم كلمات الكتاب.
وغالبًا: ما يكون هذا النوع في أمرين:
الأول: شروح المتون.
فإن التركيز عليها حال قراءتها من مطالب التأصيل والتأسيس، حتى يكون الطالب على إلمامه بمقاصد المتن الموضحة في ثنايا شروحه.
الثاني: كتب العلم:
وأعني بها كتب: الاعتقاد، الفقه، الحديث، الأصول، المصطلح، النحو، ... إلخ.
فإن هذه العلوم مفتقرة إلى إعمال الذهن تفهمًا لمسائلها، وفصولها، ولا تستقيم أن تقرأ هذه الكتب قراءة هَذّ بلا تدبر وتعقل لمراداتها.
النوع الثاني: قراءة الجرد.
وحاصل هذا النوع أن تقرأ الكتب قراءة فيها نوع من الإسراع مع شيء من التفهم.
وهي خاصة بصنفين من كتب العلوم:
الأول: كتب المطولات.
وهي الكتب ذات المجلدات الكثار التي لا تستدعي التوقف عندها طويلاً، وإنما يكون فيها تحصيل لفائدة شاذة، وفريدة مغمورة.
وتكون قراءتها – جردًا – بعد الإتقان لقاعدة العلم وهي التأصيل بالمتون العلمية، أما من لم يتقن قاعدة العلم فإنه في تعب في قراءة هذه المطولات، بل لن يتم منها شيئًا – سوى مقدماتها.
الثاني: كتب التكميل العلمي.
ومرادي بالتكميل العلمي: هو كل علم ليس أساسًا في تكوين الطالب علميًا، وإنما هو من مكملات شخصية الطالب في العلم.
ومرادي بعلوم التكميل: التاريخ، التراجم، الأدب، المعاجم، الأخلاق، الثقافة، ... إلخ.
فهذه العلوم لا تتطلب وقفات تأمل وتفكر فيها، بل هي قراءة تحصيل فوائد وشوارد تكمل عقل الطالب، وتزيده خبرةً.
الطريقة الثالثة: الحفظ للعلم.
وهو أساس العلم وقاعدته، وأصالة التحصيل معولة عليه، وكثر الثناء عليه لذلك ، واهتم العلماء بشأنه كثيرًا.
ومن عجيب شأنه أنهم جعلوه هو العلم قال عبد الرزاق الصنعاني – رحمه الله -: «كل علم لا يدخل مع صاحبه الحمام فلا تعده علمًا»( ).
وقال يموت بن المزرع العبدي – رحمه الله -: «ليس العلم ما حواه القمطر، إنما العلم ما حواه الصدر»( ).
والكلام في الحفظ يطول، فهو متشعب كثير البحوث: أهميته، فضله، أنواعه، طرائقه، ضوابطه، وقواعده، عوائقه، ... إلخ.
ومن الصعب الإلمام بطرف من هذا هنا ( ).
الفصل الخامس: فوائد العلم ([31])
لم يكن حث الشريعة على طلب العلم وتحصيله إلا لما في العلم من فوائد عائدة على المشتغلين به، المنصرفين إليه.
ولذلك أكثر العلماء من ذكر فوائده وثماره، وهذه جملة منها – وأذكرها على إيجاز واختصار .
الأولى: رضا الله تعالى:
وهي الغاية التي يسعى إليها المشمرون، ويطمع بها العالمون.
فالمشتغل بالعلم- مخلصًا فيه – ينال رضا الله تعالى – لأنه قام بعبادة من أحب العبادات إلى الله تعالى.
الثانية: طريق موصل إلى الجنة.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»([32]).
وكونه سبيلاً إلى الجنة لأن فيه تبصيرًا بأعمال أهل الجنة – وهي عبادات الأبرار والمقربين – وحثًا على إتقانها، ومن كان هذا شأنه رُجي له دخول الجنة.
الثالثة: النجاة من حضيض الجهل ودناءته.
الجهل آفة مذمومة، وخصلة حقيرة، تبرأ منه أهله، وترفع عنه العالمون الذين صرفوا أوقاتهم في تحصيل العلم النافع .
فهم قد استفادوا من العلم فائدة يتيمة وهي السلامة من الوصم بالجهل.
الرابع: تحصيل منافع الدنيا:
مرَّ معنا كلام الشافعي رحمه الله: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم».
وهذه الفائدة من عجائبه وبدائعه، فكم رأينا من عالم أصابه الفقر وأهلكه انقلب في غناء وحسن عيش بالعلم، وكم، وكم ...
هذه بعض فوائد العلم سطرتها لك تنير لك الطريق، وتبصرك بالسبيل، وتدفع بك إلى الأقدام على تحصيل العلم من محاله.
الأصل الثاني: العمل بالعلم
(1): أهميته.
(2): حكمه.
(3): عيون الكلم في العمل بالعلم.
(4): فوائده.
الأصل الثاني: العمل بالعلم
(1): أهميته:
ترجع أهمية العمل بالعلم إلى أمور عدة هي: أن تلك المنزلة والمكانة التي نالها أهل العلم إنما نالوها بعملهم بعلمهم، وأما من لم يعمل بعلمه فلا يتأتى له حصول تلك الفضيلة له.
قال ابن جماعة – رحمه الله -: «واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم، والزلفى لديه في جنات النعيم ...»([33]).
وكذلك ترجع أهميته إلى خطورة حال من علم ولم يعمل به؛ ولذلك كان من المسائل الأربع التي يسأل عنها العبد – (وعن علمه فيم فعل به)([34]).
وقال الناظم:
وعالم بعلمه لم يعملن | ||
معذب من قبل عباد الوثن |
وترجع – الأهمية كذلك – إلى أن العلم سيكون حجة على عالمه الذي لم يعمل به. ومراجع أهميته كثيرة ولكن هذه أبرزها.
(2): حكم العمل بالعلم
إن الارتباط بين العلم والعمل وثيق جدًا، فلا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر، ومن ذلك ما في هذا البحث: حكم العمل بالعلم.
ويُراجع في ذلك ما ذكرناه من تقسيم للعلم من حيث حكمه، ويدخل فيه العمل به، ولا عبرة بالقول بأن كل معلوم واجب العمل به؛ إذ لو كان واجبًا لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعمل بالسنة أمر إلزام، ولكن لما لم يأمر أخذ العمل حكم المعلوم.
(3): عيون الكلم في العمل بالعلم ([35])
لمقام العمل بالعلم وكونه أصلًا في (الكمال الإنساني) أكثر العلماء الكلام حوله، ونثروا فيه غررًا من منثور الكلام، ودررًا من بديع النظام.
- قال ابن مسعود رضي الله عنه: «تعلموا العلم فإذا علمتم فاعملوا».
- وقال علي رضي الله عنه: «يا حملة العلم: اعملوا به فإنما العالم من عمل».
- وقال أبو هريرة رضي الله عنه: «مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل».
- وقال الزهري رحمه الله: «لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم».
- وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: «العلم أحد لذات الدنيا فإذا عمل به صار للآخرة».
- وقال الروذباري – رحمه الله -: «مَنْ خرج إلى العلم يريد العلم لم ينفق العلم، ومَنْ خرج إلى العلم يريد العمل به نفق قليل العلم».
- وقال أيضًا: «العلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله عز وجل».
- وقال مطر الوراق رحمه الله: «خير العلم ما نفع، وإنما ينفع الله بالعلم من علمه ثم عمل به، ولا ينفع به من علمه ثم تركه».
- وقال الحسن رحمه الله: «همة العلماء الرعاية، وهمة السفهاء الرواية».
قلت: مراده بالرعاية: رعاية العلم بالعمل.
- وقال ابن المعتز رحمه الله: «علم المنافق في قوله، وعلم المؤمن في عمله».
- وقال بشر بن الحارث رحمه الله: «إنما فضل العلم العمل به ثم يرتقى به».
هذا ما في كلامهم المنثور وما تركته أكثر وأزيد.
وأما من النظم:
- قال ابن عبد القوي الحنبلي – رحمه الله :
وكن عاملاً بالعلم فيما استطعته | ||
ليهدى بك المرء الذي بك يقتدي | ||
حريصًا على نفع الورى وهداهُم | ||
تنل كل خير في نعيم مؤبد ([36]) |
وقال أبو عبد الله الصوري – رحمه الله:
كم إلى كم أغدو إلى طلب العلـ | ||
ـم مجدًا في جمع ذاك حفيًا | ||
طالبًا من كل نوع وفن | ||
وغريب ولست أعمل شيئًا | ||
وإذا كان طالب العلم لا يعـ | ||
مل بالعلم كان عبدًا شقيًا | ||
إنما تنفع العلوم لمن كا | ||
ن بها عاملاً وكان تقيًا |
وقال الرياش رحمه الله:
ما من روى علما ولم يعمل به | ||
فَيَكُفَّ عن وتغ ([37]) الهوى بأديب | ||
حتى يكون بما تعلم عاملاً | ||
من صالح فيكون غير معيب | ||
ولقلما تجدي إصابة صائب | ||
أعماله أعمال غير مصيب |
وقال آخر:
إذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد | ||
لعلمك مخلوقًا من الناس يقبلهْ | ||
وإذا زانك العلم الذي قد حملته | ||
وجدت من يقتنيه ويحمله ([38]) |
وقال آخر:
إذا العلم لم تعمل به كان حجة | ||
عليك ولم تُعذر بما أنت حامل | ||
فإن كنت قد ابصرت هذا فإنما | ||
يُصدق قول المرء ما هو فاعل |
وقال آخر:
اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل | ||
لا ينفع العلم إن لم يحسن العمل |
وقال ابن الوردي رحمه الله:
فاعمل بما علمت فالعلماء إن | ||
لم يعملوا شجر بلا أثمار |
إلى غير هذه النظوم السلسة في هذا الأمر العظيم، ولم استقص كل ما ذكر ولكن الاختيار صناعة العقل.
4- فوائد العمل بالعلم
كل أمرٍ محمودٍ شريفٍ له فوائده العائدة بالنفع على أهله وأصحابه، وللعمل بالعلم فوائد عالية، وثمار سامية، وهي على نوعين:
الأول: فوائد في الدنيا، ومنها:
أولاً: عدم الضلال في الحياة: قال الله تعالى: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].
واتباع هدى الله بالعلم به والعمل به.
ثانيًا: السلامة من الخواتيم السيئة:
وأعني بالخواتيم: العواقب والنتائج:
توعد الله جل وعز من صد وأعرض عن الذي أتى به نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بالعواقب السيئة، ختم القلب، صمم الأذن عن الحق، الضنك في المعيشة، الشقاء. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 20].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ [الكهف: 57].
ثالثًا: تعليم العامل ما لم يعمل:
تناقلت كتب السير والأخبار المقولة حق وعز: «مَنْ عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم».
ولها مصدقات في القرآن كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: 17].
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [النساء: 66-68].
رابعًا: تثبيت العلم:
قال إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع – رحمه الله -: «كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به»([39]).
قال ابن القيم رحمه الله: «فالعمل به من أعظم أسباب حفظه وثباته، وترك العمل به إضاعة له»([40]).
خامسًا: الإجلال للعالم العامل:
العالم العامل محبوب عند الله، والملائكة، والناس، وذلك لاتباعه شرع الله ودينه، ووقوفه عند حدوده.
أما الجمَّاع الخالي من العمل فهذا لا يزداد بجمع العلم إلا بُعدًا، وحقارة، وبغضًا.
قال مالك بن دينار رحمه الله: قرأت في التوراة: «إن العالم إذا لم يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا»([41]).
قلت: وما زلت موعظته عن القلوب إلا لما يرون من عدم عمله بما علم.
وما زال التاريخ يتحفنا بأحوال العامة مع العلماء العاملين وأنهم صدر يصدرون عن آرائهم وأقوالهم.
أما من هو بعكسهم فليس لهم من العامة إلا نظرة احتقار واستصغار.
الثاني: فوائد في الآخرة:
وهذه هي بيت القصيد، ومعقد الحديث، إذ بها الاعتبار، وعليها مدار النجاة من البوار.
أولاً: الرفعة في الدرجات الأخروية قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة: 11].
وقد بان لنا أن الذين يرفعهم الله من أوتوا العلم والإيمان – وهما العلم والعمل([42]).
ثانيًا: النجاة من السؤال يوم القيامة:
روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ... وعن علمه فيم عمل به...»([43]).
ولا شك أن العامل بعلمه سيجد جوابًا له على هذا السؤال إن سُئله يوم القيامة.
وأما مَنْ لم يعمل بعلمه فلا أظنه يجد لذلك السؤال جوابًا – والله المستعان.
ثالثًا: السعادة التامة والهداية الكاملة:
من أتبع علمه العمل به كان له يوم القيامة سعادة وهداية، سعادة بفضل الله ونعمته ومنته عليه، وهداية – قبل ذلك – إلى طريق الجنة، وهدايةٌ إلى النجاة من الزلل من على الصراط والهوي في النار.
قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].
لا يُضل عن الصراط الحق، والسبيل الصدق، ولا يشقى بعلمه؛ لأنه أدى حق الله فيه وهو العمل به.
ولذلك خشي السلف – رحمهم الله – من مغبة عدم العمل بالعلم في ذلك اليوم، قال أبو الدرداء – رضي الله عنه -: «إن أخوف ما أخاف على نفسي أن يقال لي: يا عويمر هل علمت؟ فأقول: نعم، فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت؟»([44]).
وما هذه الخشية إلا لعلمهم بما يعقبها من الشقاوة والضلال عن الصراط لمن لم يعمل بعلمه.
الأصل الثالث: الدعوة
(1): أهميتها وفضائلها.
(2): حكمها.
(3): قواعدها وأصولها.
(4): طرقها ووسائلها.
(5): فوائدها.
(6): أعذار المخذولين.
(7): تراجع الهم الدعوي.
(8): المفاضلة بين طالب العلم والدعوة.
الأصل الثالث: الدعوة
(1): أهميتها وفضائلها
أولاً: أهميتها:
إن الدين الإسلامي هو الحق والصدق، وله النفوذ التام على جميع الأديان بالنسخ والإبطال، وله الشمولية في جميع الأرض.
ولا يتحقق للإسلام ذلك إلا ببذل المسلمين ما يكون به تحقق ذلك ووقوعه، وذلك بوسائل كثيرة منها: الدعوة إليه، والتبليغ لدين الله تعالى.
والدعوة إلى هذا الدين بقوتها قوته، وبضعفها ضعفه، وبزيادتها زيادةٌ لانتشاره وشمولية نفوذه.
وهي كذلك حافظة لكيان الأمة الإسلامية، وحامية لعرش عزها ورفعتها؛ وذلك أنه ما من ملة ولا نحلة إلا عمل أصحابها إلى توسيع نطاقها، وتبليغ أصولها ومناهجها حتى يكون بذلك حفظٌ لها، وبقاءٌ لكيانها.
وإذا بقيت الدعوة – أي دعوة كانت – بقي ما في قلوب أتباعها من التزام منهجها، واعتقاد مذهبها، ونصرة أصولها.
وإذا كان العكس حصل العكس.
وبالدعوة يكون التحصين للأمة من الهجمات الإلحادية (الفكرية) وحماية لها من جرارات الجيوش الكفرية.
ثانيًا: فضائل الدعوة:
نالت الدعوة إلى الحق والهدى فضلاً عظيمًا في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لعظم شأنها، وعلو قدرها.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33].
وقال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108].
وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104].
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ﴾ [الرعد: 36].
وقال تعالى: ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [القصص: 87].
وقال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [الشورى: 15].
وهذه الآيات منها ما هو منصوص فيه فضل العمل الدعوي، ومنها ما هو مُضَمَّنٌ فيها فضله وذلك بذكر الثواب، والأمر بها، ووصف أهلها...
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نضر الله أمرءًا سمع منا شيئًا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع»([45]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا»([46]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمْر النَّعم»([47]).
والأخبار في هذا وافرة والحمد لله تعالى، ظاهر فيها عظم فضل التبليغ لدين الله تعالى، والدعوة إليه.
(2): حكمها
من خلال النصوص والآثار المذكورة آنفًا في فضل الدعوة، وما سطرته من بيان لأهميتها قد يفهم البعض من ذلك حكمًا للدعوة واحدًا ينسحب على جميع أحوال ومجالات الدعوة.
وهذا ما قد حصل للبعض من الناس؛ وذلك لقصر الفهم، وضيق التصور للأحكام الشرعية؛ من حيث: العلم بها، والعمل، وبُعْدُ معرفة ذلك وحسن التصور لهما يظهر الحكم للدعوة بينًا.
لقد مر معنا أن العلم والعمل به على قسمين، ويلحق بذلك الدعوة.
وعلى هذا فلا يصح أن يجعل للدعوة حكمًا واحدًا يشمل أقسام الدعوة كلها، لأن من الأمور التي جاءت بها الشريعة ما هو مسنون فهل نوجب على من علمها أن يدعو إليها وأعني به الوجوب العيني؟
لا شك أن الجواب على هذا بالنفي، والقائل بغيره قاطع على نفسه بالجهالة بمسائل الشرع.
(3): قواعد الدعوة وأصولها
إن الأمور إذا أطلقت وأهملت من أصول حاكمة لها، ومن قواعد مثبتة لسيرها ضاعت فيها الجهود، وأثمرت ثمارًا سُودًا.
ولهذا جاء شرع الله تعالى بجعل قواعد تحكم أعمال العباد، وأصولاً تضبط جهودهم لتصح الأعمال ومن ثم القبول المبني عليها.
وفي كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي كلام السلف رحمهم الله تعالى كلامٌ فيه تقعيد الدعوة إلى الله تعالى بقواعد، وتأصيله بأصول.
الأول: الإخلاص لله تعالى فيها:
الدعوة إلى الله تعالى عبادة من أجل العبادات، لذا كان لها حكم سائر العبادات من كون قبولها مبنيًا على قاعدتين:
الأولى: المتابعة.
الثانية: الإخلاص في الدعوة أمر ضروري – كما بان لك ، بل نجاحها معقودٌ به، وتمام شمولها معلق به.
قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108].
هذه الآية بينت بناء الدعوة إلى الله تعالى على الإخلاص له سبحانه، والبراءة من الإشراك به فيها.
وعلى الإخلاص في الدعوة قامت دعوات الأنبياء والرسل – عليهم الصلاة والسلام – لذا كان شعارهم حال دعوتهم ﴿لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ [هود: 29].
وما أصيبت الدعوة بمقتل إلا بسبب ما لحقها من أغراض شخصية أو غيرها، وهذا كافٍ من تخلف النجاح للدعوة.
الثاني: الاتباع فيها على نهج الحق:
سلك الداعون إلى الله تعالى مسالك كثيرة في الدعوة، واتخذوا أساليب عدة، وطرائق مختلفة.
وجماع ذلك النهج الحق: لينٌ في موطن اللين، وشدة في محلها، مع الصدق في النصح، والمراعاة لأحوال المدعوين.
وحين تخلف النهج الحق عن دعوة «ما» فإنه يتخلف عنها الصواب والنجاح.
الثالث: الأولوية الدعوية:
شريعة الله تعالى درجات ومراتب، منها ما هو آكد من بعض، وأحق بالتقديم من غيره.
واعتبار الداعي إلى الله تعالى هذا الأمر ضامن للدعوة صحة المسير، وسلامة المسلك.
وإهماله له موجب حصول عكس المطلوب المرام.
حينما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذًا إلى أهل اليمن لدعوتهم إلى دين الإسلام رتب له دعوته بالترتيب الأولوي.
فأمره بدعوتهم إلى التوحيد؛ فإن أجابوا يدعوهم إلى فعل الصلاة وإقامتها، فإن فعلوا يأمرهم بالزكاة ([48]).
وحقيقة الأولوية: البداءة بالأهم قبل ما دونه.
الرابع: الحكمة:
الحكمة: وضع الشيء في وضعه المناسب.
وهذا التعريف جامع لما ذكره ابن القيم ([49]) من أنها: معرفة الحق، والعمل به، والإصابة في القول والعمل.
وبهذا يتضح لنا أصالة هذه (الحكمة) في صرح الدعوة وطريقها، إذ الدعوة رسالة دين الله – تعالى – نبلغها لعباده الجاهلين بها، والمعرضين عنها.
وتظهر أصالتها بوضوح حين تكون مجمعًا لجميع أساليب الدعوة ووسائلها، التي يتعامل بها مع كل صنف بحسبه.
هذه أصولُ أصولِ الدعوة، وهي الجامعة لكل ما عداها؛ بل ما سواها تابعٌ لها، مندرجٌ تحتها.
(4): طرقها ووسائلها
إن معرفة المرء (المكمَّل نفسه) لطرق الدعوة ووسائلها، يجعل أمرها مُتيسرًا عليه، فلا يتكلف ما لا يطيق، ولا يركب منها صعبًا.
فقد تؤدى الدعوة باللسان تارة، وبالقلم تارة أخرى، ولكل منهما مقام هو أحق به من الآخر.
ففي الناس من يساعده لسانه فيعبر كيف يشاء، ويمسك القلم فلا يجده مطواعًا.
وفي الناس من إذا نطق وقع في كبوة، وإذا كتب أبدع، وبلغ ببيان ما يجول في ضميره الأمل الأقصى.
فينبغي للداعي أن يبصر في نفسه، ويعرف من أي صنف هو؟ ثم يأخذ الناس بالطريق التي يركبها ذلولاً([50]).
ووسائل الدعوة كثيرة في هذا الزمن، لذا لا أظن أحدًا يُعذر بترك الدعوة إذ كل وسائلها في ميسور جملة المسلمين، ولا يكاد يتركها إلا مخذول عن بلوغ (الكمال).
فمن وسائلها:
أولاً: الوسائل اللسانية:
وأعني بها: كل وسيلة تكون الدعوة فيها كلامًا مسموعًا.
ونحن – ولله الحمد – في هذا الزمان المتقدم المتطور تطورًا كبيرًا نشهد من الوسائل هذه شيئًا عجيبًا.
فالشريط المسموع من أعظم نعم الله – تعالى – في هذا الزمان، ولا غرو أن عُدَّ آية الزمان والعصر.
ومثلها الكلمات الملقاة: خطبًا، ومحاضرات، ودروسًا، ولقاءات.
فهذه لو أتقن استعمالها، وجُدَّد فيها لكان خيرًا وأجدي في نجاح دعوتنا.
ثانيًا: الوسائل الكتابية:
وأعني بها الوسائل الدعوية عن الطريقة الكتابية، وذلك مثل: الكتب، المطويات (النشرات)، البطاقات،...
وما أعجب التفنن في ذلك، وإحداث أفكار تجديدية لها.
ومجال (الإنترنت) مجال للدعوة خَصْب لو أُحْسِنَ، ومجال الصحافة كذلك ولكن أين رماح بني قومي؟
ثالثًا: الوسائل الصامتة:
وهي القدوة الحسنة، والتطبيق الصحيح لشعائر الدين، ومظاهر الشريعة.
فكم قد اهتدى رجلٌ بأخلاق صالح، وتطبيقه لشريعة الله تعالى ([51]).
وهذا الجانب من الجوانب المهملة المهدرة التي لم يأبه بها أكثر الداعين إلى الله تعالى.
(5): فوائد الدعوة
العاملون في حقل الدعوة يلمسون أثر الدعوة وثمارها بين أيديهم، وأمام أعينهم، والخاملون المنصرفون عن تلك المجالات الشمخ في عماية عن تلك الثمار، ولهذا فقد يجهلونها بل ينكرونها.
وهذه جملة من بعض آثار الدعوة إلى الله تعالى.
أولاً: تحقيق الدين وتبليغه في الأرض:
جاء في السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار حتى ما يترك بيت مدر ولا وَبَر إلا دخله.
ولن يتم هذا الموعود إلا بقدر ما يبذله المسلمون من الدعوة إلى هذا الدين، وتبليغه في أصقاع الأرض وأرجائها.
أما حين يخذل المسلمون دينهم ويتركون الدعوة إليه ويرجون بلوغه فما أشبه الأماني بأحلام اليقظان.
ثانيًا: الفلاح لمن بلغ دين الله:
قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 104].
والمعنى: الكاملون في الفلاح.
وهذا الفلاح بقدر ما يبذل المرء من جهد في الدعوة إلى الله تعالى.
ثالثًا: السببية في رفع العذاب والعقاب:
قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ [هود: 116].
فالداعون والمصلحون رحمة في البلاد فلا يوقع الله تعالى في أرض عذابًا وأهلها مصلحون.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].
رابعًا: النجاة من الخسارة الأخروية:
قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 1-3].
والتواصي بالحق هو الدعوة إلى الخير، والدلالة على الرشاد من الهداية.
خامسًا: النجاة من السؤال يوم القيامة:
مرّ في الحديث أنه لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع وذكر منها: «وعن علمه فيم فعل به».
ومن العمل الدعوة إلى ما علمه إذ هي من العمل المطالب به العبد، فمن دعا إلى الله تعالى وجد لذاك السؤال جوابًا يوم القيامة.
(6): معاذير المخذولين ([52])
من أعظم المصائب وجود الهادمين في صرح الدعوة، المخذلين من قيامها وانتشارها، وهؤلاء ممن قضى الله بخذلانهم.
ولتمام تمكنهم من التخذيل للدعوة، والتثبيط من جهود الداعين، وحتى يسلموا من الوصم بالعار والخذلان تفننوا في الاعتذار، وأبدعوا في إبداء الأعذار، وركوب الرخص.
والحق أن أعذارهم كثيرة – لاكثرهم ولا كثرها الله – ولكن يكفينا المهم المنتشر فيها.
وأعجب الأعذار أعذار الكسالى فيها تمام الصدق مع النفس والهوى، وغاية التحايل على الشرع وأوامره ونواهيه؛ لذلك لا تعجب من هول ما ترى من تلك الأعذار الواهية الهاوية – وهي:
الأول: ضعف الصلة بالله تعالى:
الصلة بالله تعالى، والخلوة به، ومناجاته مما يورث القلب نشاطًا، والجسد قوة.
ولذلك كان من قام ليله – مصليًا وذاكرًا – يجد في نفسه نشاطًا وقوة؛ إذ خلا بربهم – تعالى – فأكسبه نورًا من نوره.
ومن كان حاله بعكس ما سبق فإنه بسبب ما تركه من اتصال بالله – تعالى -
فصلة المرء بربه تعالى أساسٌ كبير في تقويم حياة المرء، وفي انصرافها إلى الجادة الصائبة.
وحقيقة الصلة بالله تعالى: التعبد لله تعالى بكل عبادة شرعها، ومراقبته فيها، والإخلاص له.
فمن أتى بالتعبد التام (كمالي الحب والذل) وجد في نفسه إقدامًا نحو الطاعات، واشتغالاً بمحبوبات الله تعالى.
والمخل بتعبده لله سبحانه لقي في نفسه إحجامًا وإعراضًا عن الخيرات من الطاعات.
ومن هنا كان تقديم ضعف الصلة بالله عذرًا من الناكبين عن طريق الدعوة.
ولا يعني هذا أنهم معذورون، بل يجب الاهتمام منهم بتوثيق الصلة بالله تعالى، وتوطيد العلاقة التعبدية لله.
الثاني: عدم التوازن في الجوانب التعبدية:
دين الإسلام مبني على الموازنة بين جميع جوانب حياة الإنسان؛ فتجد التوازن في الأعمال العبادية، وتجد توازنًا في الأمور المالية، وتجد توازنًا في الأحوال الشخصية، فلم يغلب جانبًا على جانب – يكون فيه إضرار به ، بل جعل لكل شيء مقدارًا واحدًا؛ فمتى غلب أحد الجانبين على الآخر فالنتيجة – حتمًا – سلبية.
وغالب من خذل الدعوة مصاب بهذه الآفة، ومن ثم سَّول له الشيطان وزين سيئ عمله له.
ولو أنه أتى لكل جانب (من جوانب: عبادته، ودعوته، وحياته الخاصة)، من المسلك الشرعي الذي رُسم لنا في هذا الدين لكان هناك توافق وتوازن.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولزورك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه».
والإخلال بالتوازن له صوره وحالاته فمنها:
أولاً: عدم الموازنة بين ما هو واجب وما هو مستحب:
إن كثيرًا من المخذلين – بل حتى بعض العالمين – لا يفرقون بين ما هو واجب وما هو مستحب، وإن فرقوا بينهما نظرًا فهم لم يفرقوا بينهما في مجال التطبيق ([53]).
فقد يعمد أحدهم إلى دعوة الأبعدين مع إهماله الأقربين مع أنَّ الله يقول: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: 214].
وآخر يهتم بالسنن بالدعوة إليها مع ترك الواجبات.
ثانيًا: عدم الموازنة في الدعوة التصنيفية:
وأعني بها: اهتمام بعض الداعين بصنف وإهمال آخر، وعدم البذل لكل منهم.
وهذا ما تراه في شريحة كبيرة من الناس يهتم بجانب وصنف من الناس (المدعوين) فيأتي بنفسه ونفيسه وكل جهده في دعوة هذا الصنف؛ وهذا أمرٌ محمود لكن لا يكون على حساب الإهمال لبقية الأصناف الأخرى.
وهذا العمل نقص في الدعوة، بل سبٌّ لها وقدح حيث جعلها أصحاب الشرائح (المدعوَّة) خاصة بأصناف دون آخرين.
فالتوازن في الدعوة مطلب مهم، وعامل نجاح لها قوي، ومتى حصل الإخلال به من قبل (المخذولين) أو (بعض العاملين) حصل التقاعس عن الدعوة، من النكوص عن الاستمرارية بها.
الثالث: الوهن الدنيوي:
أعظم ما يصاب به (المخذولون) هجوم الوهن الدنيوي على قلوبهم وتمكنه من نفوسهم، وسيطرته على أحوالهم.
وهذا أعظم الوهن وأشده إذ كان محل نظره في أعماله المخلوقين فإن رضوا بها أقدم، وإن سخطوا أحجم.
قال ابن القيم رحمه الله: «إن من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن الله، أن ترى ما يسخط الله فتتجاوزه أو لا تأمر فيه ولا تنهى عنه، خوفًا ممن لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا»([54]).
الثانية: عشق الصدارة:
الإنسان خلق ذا جشع وهلع، وهذا جعله محبًا لنفسه مقدمًا على غيرها، وهذه خصلة حميدة لو استغلت واستعملت على وجه حسن، ومجال مبارك.
لكن جملة من (المخذولين) جعلوا همهم الأكبر نيل تلك (المقدمات) الدنيوية، وعشق الصدور الوهمية، فما إن يظفر أحدهم بخيط عنكبوت من أمانيه إلا وهب نفسه رخصة طويلة، وأعذارًا خرافية مستديمة.
والخوف أن يكون عمل هؤلاء مقصودًا به الدنيا، لا رضا الله تعالى، ومن كان هذا الحال حاله فالويل من الله له من ربه يوم يسأل فلا يجيب جوابًا صوابًا.
خشي الصالحون تلك الصدور وأعرضوا عنها، ورضوا أن يكونوا أذنابًا في الحق ولا يكونوا رؤوسًا في الباطل.
ولقد من الله تعالى على أبي علي الفضيل بن عياض فكشف مستور أحوالهم، وحقائق أفعالهم فقال:
«ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحدًا عنده بخير، ومن عشق الرئاسة فقد تودع من صلاحه».
فلله در الفضيل فلقد أصاب كبد الحقيقة بهذه المقولة.
الثالثة: هوس الفقر:
الفقر شديد ووسائله مثله، والبعد عنه، والخوف من وقوعه أمر مطلوب لفضل اليد العليا على اليد السفلى.
لكن حين يكون الخوف (هوسًا) يورث المرء تركًا للواجبات المؤكدات، وركوبًا للمحرمات المنهيات فإنه مذمة.
وهذه حال (المخذولين) وَأَدُوا الدعوة في مهادها خشية الفقر، وما علموا أن الله يرزقهم وإياها.
فما أشد الشبه بوائدي الذرية، فهؤلاء وأدوا الدعوة، وأولئك وأدوا البنين والبنات. والحجة واحدة أملاها عليهم الشيطان.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يذكر بعظيم»([55]).
ولو استشعر هؤلاء (المخذولون) حقيقة إيمانهم بأن الله هو الرزاق، المتفضل، الذي بيده خزائن السموات والأرض لكان حالهم غير ما رأيت.
ولكن ضعف الاستشعار بذلك فكان التعلق بخيوط الهواء، وقوارب الخيال.
الرابعة: الجهود المغررة:
أعني بها تلك الجهود التي أعطاها أصحابها التمام والكمال فطمعوا أن ينالوا محمدة وتبجيلاً من الناس.
ومتى قام بالنفس هذا الخيال المزيف ضربت الدعوة في مقتل وأصيبت بهلكة قوية.
إن نظر المرء إلى جهوده على أنها تستحق (عنده) تقدير الناس وإجلالهم مؤشر خطر إلى ما تنطوي عليه النفس من سوء النية، وقبح القصد.
ولو كان المرء راعى بعمله ذاك وجه الله تعالى – لأقدم على ما يرضيه حتى يرضيه عنه، ولكن لما جعل النظرة لأعماله على تقدير الناس لجهوده، ومباركتهم لإنجازاته أصابه الخور إذ لا يرضي الناس شيء، فهو قد أرضاهم بسخط الله تعالى.
والمرء موكول أجر عمله إلى الله تعالى لا إلى الناس، فإذا ما جعل تلك الوكالة لغير الله سبحانه خذله الله تعالى ونكبه عن الصراط، وجعل أجره على من قصده وليس هو مجازيه ولا بهباء.
إن خذلان من خذل على الولوج في صفوف الدعوة جاء من هذه الآفة المقيتة: (الاغترار) بالجهود.
ومن أجل هذا نظروا إلى أعمالهم فعظموها وكبروها وهذا شأن المنافقين.
أما المخلصون الصادقون فلو عملوا الدهر كله ما بذلوا شيئًا في نظرهم؛ لأنهم يتقربون إلى عظيم يرجون رضاه ومحبته، وليس لديهم أي علامة قاطعة أو إشارة منه إلى أن قد رضي عنهم، ولذلك يستزيدون أنفسهم من الأعمال لاستقلالهم أعمالهم ولو كانت مثل الجبال.
الرابع: جهل القدرات النفسية:
إن الله تعالى قد وهب لكل امرئ مواهب يستطيع من خلالها إبراز خدمته لدين الله تعالى، والجهل بتلك المواهب يجلب للمرء إحباطًا ويأسًا.
وأغلب (المخذولين) عن الاستمرارية في الدعوة لم يعرفوا ما يتقنونه من الأعمال، وما لا يتقنونه فركبوا منها الصعب والذلول، فأردتهم الصعب معاقين، وسارت بهم الذلول معوجين.
قال علي رضي الله عنه: «قيمة كل امريء ما قد كان يحسن».
الخامس: المحدودية للدعوة:
قرب النظر، وضيق الأفق في مجالات الدعوة يعود على الجهود المبذولة بالخبيبة واليأس.
من الذي قال بأن وسائل الدعوة محدودة، وأنها وسائل توقيفية لا مجال للاجتهاد فيها.
أين قوله هذا من قول الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ [الأعراف: 32].
ومن قوله سبحانه: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النحل: 116].
وأين قوله هذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حُمْر النعم».
فقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا فضلاً لمن اهتدى على يديه ضال، ولم يقيد ذلك بشيء من الطرق.
وبالجملة فإن الأصل في كل وسيلة تنفع الدعوة أنها مباحة ولا يجوز القول بالتحريم وأنها توقيفية – أي الوسائل – إلا بنص ومن ليس لديه أي نص، فإلجام النفس بالسكوت أسلم لدين المرء وورعه.
قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125].
وهذه الآية أصل في وسائل الدعوة، فكل وسيلة تضمنت: الحكمة، أو الموعظة، أو المجادلة الحسنة فهي جائزة.
والوسائل إن كانت مصلحتها غالبة شرعها الشرع، وإن كانت مفسدتها غالبة لم يشرعها المشرع بل ينهى عنها ([56]).
وهذه الآفة جلبت على ديار الإسلام من قبل من لم يفقه حقيقة الدعوة، ولم يباشر أعمالها.
ولا تعجب أن يُصاب بـ(الخذلان) عن الدعوة، ويقوم بـ (التخذيل) للقائمين بالدعوة بالجملة الهاوية الواهية (التوقيف) في الوسائل الدعوية.
هذه جملة من أعذار (المخذولين) و (المُخذَّلين) هي رؤوس معاذيرهم، وأصول خذلانهم، فكن منها على حذر وتقية.
(7): تراجع الهم الدعوي ([57])
الدعوة (همٌّ) لا يحمله إلا أهله، ومن صحت نواياهم ومقاصدهم في البذل لها، ومن عزموا على الاستمرارية بالسير فيها دون توقف ولا انقطاع.
هذه هي الحقيقة الكاشفة لحملة (الدعوة)، وأما الحملة (المزورون) الذين يخوضون مضمارها، ثم لا يلبثون حين يرمقون بريق الدنيا أن يتركوها ويعرضوا عنها فليسوا من ذلك في شيء.
فهم قلدهم الناس آمالهم، وأشرأبت إليهم أعناقهم، فحطموا تلك الآمال، وكسروا تلك الأعناق.
متى كان هذا، وما السبب الباعث على ذلك؟
جوابها: ولوج الدنيا عروسًا مزفوفة إلى قلوبهم.
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى | ||
فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا |
ولهذا التراجع الدعوي أسباب هذه جملتها:
الأول: التثبت بالفاني:
إن تراجع (الهم الدعوي) عند بعض (الداعين) من أسبابه التثبت والتعلق بالأمور الفانية.
وأعظم تلك الأمور وأكثرها (الأشخاص).
يفرحنا – والله – أن نرى رجالاً (داعين) بحماس وحكمة وأناة، ولكن يحزننا علمنا بما سيكون من تعلق بعض الجهلة بهم، وربط نجاح الدعوة بهم وجودًا، وسقوطها بهم عدمًا.
وهذا – ذاته – كافٍ في تراجع (الهم الدعوي) بل رجوع الدين – كله – القهقري، وأفول شمسه.
لم يربط الله – تعالى – دينه بنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وجودًا أو عدمًا، ولذا انتشر بعد موته إلى آفاق كثيرة.
والصحابة رضي الله عنهم جعلوا دينهم مرتبطًا بالله تعالى ولم يجعلوه مرتبطًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
فمن ربط دعوته بالله تعالى دامت له، وتدفق إلى البذل الدعوي: نفسًا ومالاً وجهدًا بقوة وشدة.
ومن ربطها بالفاني، فليترقب خمود نار الحماس الدعوي في قلبه، ولينتظر ما جنته يداه.
الثاني: زيوف القصد:
إن ارتباط أي شيء بمقصود زائف ليبقى ببقائه ويزول بزواله، ويضعف بضعفه، ويقوي بقوته، وارتباطه بمن له القوة التامة، المسيطرة على جميع خلقه، من له الأمر والنهي يجعله متمتعًا بقوة إلهية، ورقابة ربانية.
فربط بعض (الداعين) بدعوتهم أمورًا يلحظون تقلبها وتغيرها – من أمور دنياهم – علة التراجع لـ (الهم الدعوي).
وما إن يرون تلك التقلبات والتغيرات إلا ويرون الناس من أنفسهم وهنًا ونكوصًا على أعقابهم.
قال الربيع بن خثيم رحمه الله: «كل ما لا يراد به وجه الله: يضمحل»([58]).
وقال مالك بن أنس رحمه الله: «ما كان لله بقي».
الثالث: إكبار النفس:
المُكبَّر نفسه فوق قدرها جاهل بها، وبطاقاتها المحددة، وهو كذلك محتقرٌ لغيره، يبطر الحق الصادر منهم.
ومن كان هذا شأنه فإن سيسر بأعماله، وجهوده، ويلحقه الخور إذ قد حاز قصب السبق، وغيره ما زال يجر أذيال نفسه ولما يلحق به.
فـ(لا أفلح والله من زكى نفسه أو أعجبته) ([59]).
قال مسروق: رحمه الله: (كفى بالمرء جهلاً أن يُعجب بعمله) ([60])
إلى أسباب أخر غير هذه – كفانا الله شرها وضرها.
بين طلب العلم والدعوة
كثيرًا ما نسمع من بعض الصالحين هذا التساؤل وهو أيهما أفضل طلب العلم أم الدعوة؟ وهو تساؤل مهم – بلا شك - ومفتقرٌ إلى تحرير طويل مؤصل.
وكون هذا السؤال محل إشكال عند كثير من العاملين في صفي: طلب العلم، والدعوة؛ إلا أنه ليس في محله، وموطن الإشكالية من قبل قصر فهم لحقيقة الأمرين.
وحيث إن الأجوبة عليه تكون بتفضيل أحدهما على الآخر دون تفصيل وتأصيل للأمرين نفسهما، فقد أحدث ذلك اضطرابًا في مفهوم بعض من لا يفهم ولا يدرك حقائق التفرقة والتفصيل في ذلك.
وفي هذا الأسطر أجلي هذا الإشكال، وأوضح ما فيه من إبهام، راجيًا العلي الأعلى أن يكون الصواب حليفي.
فأقول وبالله التوفيق:
لا بد من معرفة مسائل يبين منهن (فقه الأفضلية) وهي:
الأولى: ليُعلم أن الدعوة لا تكون إلا بعلم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: 108].
والمفسرون متفقون على أن البصيرة: العلم.
فالدعوة أساسها البصيرة بالمدعو إليه.
وكل دعوة قامت على غير علم فهي هباء، وضياع، وضلالة.
فدعوة قامت على جهالة | ||
أضيع من ضغث على إبالة |
الثانية: الأصل في كل من علم شيئًا أن يدعو إليه، وأن يبلغه إلى غيره.
وهذا من فوائد الآية السابقة، لأنه لا يدعو أحد إلا بعد علمٍ عنده بما يدعو إليه.
الثالثة: العلم تتجاذبه أحكام وأقسام.
وكل ما يتبع العلم ويجيء بعده – كالعمل والدعوة – له حكم العلم التابع لقسم من أقسامه.
الرابعة: أن العلم منه قدرٌ واجب لا بد من تحصيله وتعلمه، ومن الدعوة قدر واجب لا بد من القيام به وبذله.
فلا بد للمرء من تعلم ما يجب عليه تعلمه من: التوحيد، والطهارة، والصلاة، والصيام، هذا فيما يباشره في يومه وليلته، على ما سبق بيانه.
وما عدا ذلك فليس من الواجبات العينية بل من فروض الكفاية.
والدعوة كذلك منها قدر واجب وهو تبليغ ما هو من العلم العيني الماضي ذكره .
فمن قام بالقدر الواجب من هذين ثم انصرف إلى العمل فيرى أنه قادر على سد الثغرة فيه فلا لوم عليه، ولا مذمة تلحقه؛ بسبب كونه: لم يشتغل بالزائد على الواجب عليه من العلم، أو الزائد عليه من نافلة الدعوة إلى الله تعالى.
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بلغوا عني ولو آية» دلالة على ذلك حيث جعل أقل التبليغ آية.
وبمعرفة وفقه هذه المسألة تتجلى إشكالات كثيرة، وتنحل كثير من المعقدات؛ إذ يكون المرء قد أتى بالواجب فبرئت ذمته منه، وانصرف بعد ذلك إلى ما يظن أنه سيبدع فيه، ويجدد فيه.
الخامسة: ليس المراد بالدعوة – أو القيام بها – أن يباشرها المرء بنفسه؛ فإن هذا ليس مرادًا من المرء، ولا مطلوبًا منه بقدر ما يكون مطلوبًا منه أن يكون طرفًا في الدعوة إما: ماليًا، أو ذاتيًا، أو لسانيًا، أو، أو.
وبهذه المسائل الخمس يكون قد جيء بطرف من الجواب على هذا السؤال مؤصلاً، شافيًا كافيًا، والأمر بحاجة إلى تحرير واسع وتفصيل في بعض مسائله لا يسع له هذا المقام.
الأصل الرابع
الصبر
(1): أهميته.
(2): فضائله.
(3): حكمه.
(4): أقسامه.
(5): فوائده.
الأصل الرابع: الصبر
(1): أهميته
للصبر منزلة كبيرة في الإسلام، ومقام عظيم عند أهله فهو (جواد لا يكبو، وصارم لا ينبو، وجند غالب لا يهزم، وحصين حصين لا يُهدم؛ فهو والنصر أخوان شقيقان)([61]) و (من حسن التوفيق، وأمارات السعادة، الصبر على المسلمات)([62]).
ويكفي في أهميته كثرة فضائله في: الكتاب والسنة، وكلام السلف.
(2): فضائل الصبر
لقد جاءت فضائل الصبر كثيرة جدًا في الكتاب ([63]) والسنة وآثار من سلف من الصالحين.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].
وقال تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 96].
وقال تعالى: ﴿وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46].
وقال تعالى: ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [الشورى: 43].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].
وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146].
إلى آيات أخر مشيدة بفضيلة الصبر.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا أخلف الله له خيرًا منها»([64]).
وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد»([65]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه»([66]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعطى أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر»([67]).
والأحاديث كثيرة لا مجال هنا لذكرها وسردها ولكن يغنينا ما هو ذكرى لنا.
قال عمر رضي الله عنه: «وجدنا خير عيشنا بالصبر».
وقال رضي الله عنه: «لو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا».
وقال علي رضي الله عنه: «إلا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له».
وقال ميمون بن مهران – رحمه الله تعالى: «ما نال رجل من جسيم الخير إلا بالصبر».
ومن روائع الشعر:
قال أبو فراس الحمداني:
أنفق من الصبر الجميل فإنه | ||
لم يخش فقرًا منفق من صبره |
وقال ابن الدهان الموصلي:
صبرًا لما تحدث الأيام من حدث | ||
فالدهر في جوره جار على سننه | ||
فالصبر أجمل ثوب أنت لابسه | ||
لنازل من التعري أحسن السُنن |
وقال محمد بن زنجي البغدادي:
إن الأمور إذا انسدت ماكلها | ||
فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا | ||
لا تيأسن وإن طالت مطالبة | ||
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا |
وقيل:
من رزق الصبر نال بغيته | ||
ولاحظته السعود في الفلك |
وقال ابن الرومي:
اصبري أيتها النفـ | ||
ـس فإن الصبر أحجى | ||
ربما خاب رجاء | ||
وأتى ما ليس يرجى |
وقال عبيد بن الأبرص:
صبر النفس عند كل مسلم | ||
إن في الصبر حيلة المحتال | ||
لا تضيقن في الأمور فقد | ||
تكشف عماؤها بغير احتيال | ||
ربما تجزع النفوس من الأمر | ||
وله فرجة كحل عقال |
(3): حكم الصبر:
هذا البحث مبني على ما سبق تقريره في الأصول الثلاثة السابقة، فما قيل هناك يقال هنا إذ التقسيم واحد.
لكن أفرد الإمام شمس الدين ابن القيم – رحمه الله – في كتابه عدة الصابرين – بابًا بين فيه حكم الصبر ([68]) أذكر خلاصته:
أولاً: الصبر الواجب:
وهو ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر عن المحرمات.
الثاني: الصبر على أداء الواجبات ([69]).
الثالث: الصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها.
ثانيًا: الصبر المندوب:
وهو ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر عن المكروهات.
الثاني: الصبر على المستحبات.
الثالث: الصبر على مقابلة الجاني بمثل فعله.
ثالثًا: الصبر المحرم:
وهو نوعان:
الأول: الصبر عن الطعام والشراب حتى يموت.
الثاني: الصبر على ما يقصده باغيًا إهلاكه – أي أن يصبر في مقابلة أحد يريد أن يهلكه.
وضابطه: الصبر فبما تتحقق فيه المضرة الراجحة أو الخالصة.
رابعًا: الصبر المكروه:
وهو أربعة أنواع:
الأول: الصبر عن الطعام والشراب وغيرهما حتى يتضرر بدن.
الثاني: الصبر عن إتيان أهله إذا احتاجت إلى ذلك ولم يتضرر بالصبر.
الثالث: الصبر على المكروه.
الرابع: الصبر عن فعل المستحب.
خامسًا: الصبر المباح:
وهو الصبر عن كل فعل مستوي الطرفين خُيِّر بين فعله وتركه، والصبر عليه.
(4): أقسام الصبر ([70])
قسم أهل العلم والسلوك الصبر إلى أقسام:
الأول: صبر على أوامر الله تعالى:
أي: يلزم المرء نفسه الصبر على أداء طاعات الله تعالى وعدم الإخلال بها:
وهذا القسم نوعين:
أولهما: واجب.
وهو الصبر على الواجبات المفروضة؛ إما عينًا وإما كفاية.
ثانيهما: مستحب.
وهو: الصبر على الطاعات التي هي دون الواجبات من المستحبات.
الثاني: الصبر عن المناهي:
وهو: إلزام نفسه الصبر عما نهى الله تعالى عنه، وعدم ارتكاب شيء منها.
وهو – كسابقة – نوعان:
أولهما: واجب.
وهو الصبر عن الحرام.
ثانيهما: مستحب.
وهو الصبر عن المكروه.
الثالث: الصبر على أقدار الله تعالى:
وحقيقته: الاستسلام لقضاء الله تعالى، والرضا به، وموافقة الشرع في المقدور.
(5): فوائد الصبر
الفوائد المجتناة من الصبر من أنفس الفوائد، ومن أجلها، وأعلاها مقامًا.
فمن فوائده:
الأولى: أن الصابر قد أسبغ على نفسه معاني صفة الصبر لله – تعالى – وهذه أجل فوائد الصبر ([71]).
قال ابن القيم رحمه الله: «من تعلق بصفة من صفات الرب تعالى أدخلته تلك الصفة عليه وأوصلته إليه»([72]).
وهذا الإدخال على الله تعالى موجب محبته لعبده ([73]).
الثانية: الفلاح للصابرين:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران: 220].
الثالثة: مضاعفة أجرهم:
قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ [القصص: 54].
الرابعة: إمامة الصابرين في الدين:
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24].
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين».
الخامسة: تنعم الصابرين بمعية الله تعالى الخاصة.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153].
واعتقاد أهل السنة أن المعية الخاصة ليست كالمعيّة العامة، فهي تقتضي النصرة والتأييد والإعزاز.
السادسة: محبة الله تعالى للصابرين:
قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 146].
السابعة: التلازم بين الصبر والنصر ([74]).
وهذه من جليل فوائد الصبر – المغفول عنها – قال تعالى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران: 125].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «واعلم أن النصر مع الصبر»([75]).
الثامنة: مغفرة الذنوب:
قال تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [هود: 11].
التاسعة: أن الصابر يعوض خيرًا مما فقده.
قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني خيرًا منها»([76]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «من أذهبت حبيبته فصبر واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة»([77]).
وفوائد الصبر وثماره أكثر مما ذكرت، ومن تتبع النصوص منطوقها ومفهومها تحصل على خير كثير من فوائده.
الخاتمة
بعد هذا التطواف المبارك في رياض أصول الكمال الإنساني المنشود، وبين جنبات تلك الخصال النفيسة، والشمائل الكريمة، لا بد للبحاث عن كمال نفسه الغائب من بذل الجهد، في تحصيل المكملات.
والحذر من التواني في إدراكها فإن العمر قصير، والكمال بعيد، والزاد يسير، والراحلة تكبو، والجواد يعتريه ما يعتري الناس.
وعماد تحصيل ذلك كله تفويض الأمر لله تعالى والتوكل الحق عليه، والاستعانة به، والضراعة بين يديه، والابتهال إليه أن يجعله ممن رضي كمالهم، وهداهم إلى مراقي مراضيه.
وليحذر (المكمَّل) بريق الزهو، وزيف الإقدام الذي يزينه: النفس والشيطان، فإنه هوة هاوية، تهوي بعزمات صاحبها إلى الحضيض الداني.
وهضم النفس مطلوب إن كان يدفعها إلى الإقدام نحو تحصيل غايات الكمال المحدود.
أسأل الله تعالى أن أكون ممن وُفِّق للصواب، وأُيِّد بالسداد من الرشاد، وأسأله أن يعم بالنفع التام بهذه المكتوبة من قصدهم بخير، وَمَّن عليهم بهداه.
وآمل ممن لمح فيها زلة أن يفيض عليها سترًا من عنده، قصدت النصح فيها جهدي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبها
عبد الله بن سليمان بن عبد الله العتيق
الرياض 12/8/1422ه
([1]) الرسالة التبوكية (136).
([2]) رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه (24).
([3]) آثار الإبراهيمي (1/201).
([4]) البخاري (71) مسلم (1037). وانظر الفتح (1/134).
([5]) البخاري (7141) مسلم (816).
([6]) أبو داود (3641) الترمذي (2682) ابن ماجة (223). راجع شرح ابن رجب على هذا الحديث فإنه غاية في النفاسة.
([7]) مسلم (1631) أبو داود (2880) الترمذي (1376).
([8]) البخاري (5027).
([9]) الفقيه والمتفقه (1/92).
([10]) الدارمي (326).
([11]) الفقيه والمتفقه (1/35).
([12]) الفقيه والتفقة (1/36) مثله عن الشافعي
([13]) ديوان أسلاك الجوهر ص(98).
([14]) شرح تعليم المتعلم (8).
([15]) حلية الأولياء (6/315).
([16]) إيضاح المبهم الدمنهوري (32) الحدود البهية: المشاط (15).
([17]) آداب البحث والمناظرة (4).
([18]) الحدود البهية (14).
([19]) إيضاح المبهم (30).
([20]) إرشاد القاصد (103).
([21]) شرح مختصر المنتهى للأيجي (1/18).
([22]) انظر المدخل لابن بدران (449).
([23]) انظر النكت على ابن الصلاح (1/225)، تدريب الراوي (1/41).
([24]) إرشاد القاصد ص(61).
([25]) انظر السابق ص(52).
([26]) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف (83)، التعريفات (47)، أبجد العلوم (1/284).
([27]) إرشاد القاصد ص(55).
([28]) عقود الجمان – للسيوطي (1/31).
([29]) السابق (2/78).
([30]) لأسباب تفضيل القراءة على الشيوخ على الأخذ من الكتب انظر: إتحاف السادة المتقين (1/66-67).
([31]) انظر: كشف الظنون (1/20-22).
([32]) أبو داود (3641) الترمذي (2682).
([33]) تذكرة السامع مع المتكلم (13).
([34]) الترمذي (التحفة) (1/101).
([35]) انظر: اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي؛ وغالب المنقول منه لذا أهملت العزو، فتنبه.
([36]) غذاء الألباب (2/520).
([37]) وتغ: الفساد.
([38]) جامع بيان العلم وفضله (255).
([39]) الاقتضاء ص(90).
([40]) مفتاح دار السعادة (1/172).
([41]) الاقتضاء ص(62).
([42]) انظر: فتح القدير (5/189).
([43]) الترمذي (7/101) «التحفة».
([44]) الاقتضاء ص(42).
([45]) الترمذي، أحمد.
([46]) مسلم (2674).
([47]) البخاري (420) مسلم (2406).
([48]) البخاري.
([49]) المدارج (2/498).
([50]) الدعوة إلى الإخلاص للخضر حسين (65)
([51]) للإمام أبي حامد الغزالي – رحمه الله – كلام جميل حول هذا الجانب، في كتابه «المقصد الأسني» ص(103).
([52]) انظر: أعذار المتقاعسين- ليحيى بن إبراهيم اليحيي.
([53]) وهذه المسألة وهي: العلم بالشيء والاعتبار به نظراً، وتخلف ذلك في مجال التطبيق- مما أصيب به غالب طلاب العلم في هذا الزمان في كثير من مجالات العلم، والمتتبع يجد هذا واضحاً في طلاب العلم، بل العلماء ، والله المستعان.
([54]) الجواب الكافي (44).
([55]) أحمد (11048).
([56]) انظر: مجموع الفتاوى (11/623).
([57]) انظر: كتاب محمد بن فهد الجيفان.
([58]) طبقات ابن سعد (6/186).
([59]) السير (4/190).
([60]) السير (4/86).
([61]) انظر: تزكية النفس – لأحمد فريد (81).
([62]) أدب الدنيا والدين (405).
([63]) قال الإمام أحمد – رحمه الله: الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعًا اهـ. انظر مدارج السالكين (2/158).
([64]) مسلم (918).
([65]) الترمذي (1021) وقال: حسن غريب، أحمد (4/415).
([66]) البخاري (5653).
([67]) البخاري (1469)، مسلم (1053).
([68]) (57-59).
([69]) انظر: أدب الدنيا من الدين (406-407).
([70]) انظر عدة الصابرين ص: 43، 46، 52، 57، 60، 75، وفيه نفاسة ، وأدب الدنيا والدين (406-409)
([71]) عدة الصابرين (408).
([72]) السابق (79-80)
([73]) السابق (80)
([74]) انظر: أدب الدنيا والدين (421).
([75]) الترمذي (2516) وقال: حسن صحيح.
([76]) أبو داود (3119).
([77]) الترمذي (2401) وقال: حسن صحيح.