×
قال المُصنِّف وفقه الله: «ولما كان تقديم العقل من قواعد المُبتدِع فيما يدعُو إليه من البدع يُقعِدُه صاحبُ الابتداع ليُقنِع به الأتباع؛ فمن اقتنعَ بتقديم العقل ابتدَع وردَّ النقل؛ لأنه بابٌ للدخول إلى ردِّ قول الله والرسول، وبه يُفتح المجال لقبول آراء الرجال فلا يبقى سبيلٌ لقبول التنزيل. ولهذا الأخطار كتبتُ هذه الأسطار».

  الحكم العدل لتقديم العقل

 تأليف

محمد بن أحمد العماري

عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية

بالمملكة العربية السعودية

موقع المؤلف على الإنترنت

http://www.alammary.net

البريد الإ كتروني

[email protected]

الطبعة الأولى

 جميع الحقوق لكل مسلم


 المقدمة

الْحَمْدُ للهِ الْذِي عَلَمَ بِالْقَلَمِ عَلَمَ الإِنْسَانَ مَالَمْ يَعْلَمْ الْحَمْدُ للهِ الْذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ عَلَمَهُ الْبَيَانَ .

وَالْصَلاَةُ وَالْسَلاَمُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاَهُ.                                         أَمَّا بَعْدُ:

       فَلَمَّا كَانَتِ الْبِدْعَةُ  تَغْيِيْرَاً للدِّيْنِ وَاسْتِبْدَالاً للوَ حْيَيْنِ  وَتَفْرِيْقَاً لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِيْنَ وَاسْتِحْلاَلاً لِدِمَاءِ الْمُؤْمِنِيْنَ       اجْتَهَدْتُ أَنْ أُغْلِقَ الأَبْوَاب , وَأَنْ أَكُوْنَ مِنَ الْحُجَاب لِئَلاَ يَدْخُلَ الْمُسْلِمُ هُنَالِكَ فَيَقَعَ فِي الْمهَالِكَ  

يَا لَيْتَ شَعْرِي مَنْ أَبَاحَ ذَلِك         

وَأَوْرَطَ الأُمَّةَ فِي الْمَهَالِك

فَيَا شَدِيْدَ الْطَّوْلِ  وَالإِنْعَام ِ           

إِلَيْكَ نَشْكُو مِحْنَةَ الإِسْلاَم ِ

     فَالْبِدْعَةُ: أَوْقَعَتْ فِي الْشِرْكِ بِالْرَحْمَن  وَقَتْلِ عُثْمَان وَحَمَلَتِ الْسَيْفَ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ وَفَرَّقَتْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِيْنَ.

         وَلَمَّا كَانَ تَقْدِيْمُ الْعَقْلِ مِنْ  قَوَاعِدِ الْمُبْتَدِع فَيْمَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْبِدَع   يُقَعِدُهُ صَاحِبُ الابْتِدَاع لِيُقْنِعَ بِهِ الأَتْبَاع فَمَنِ اقْتَنَعَ  بِتَقْدِيْمِ الْعَقْل ابْتَدَعَ , وَرَدَّ الْنَّقْل لأَنَّهُ بَابٌ للدُّخُوْل إِلَى رَدِّ قَوْلِ اللهِ وَالْرَّسُوْل وَبِهِ يُفْتَحُ الْمَجَال لِقَبُوْلِ آرَاءِ  الْرِّجَال فَلاَ يَبْقَى سَبِيْل لِقَبُوْلِ الْتَّنْزِيْل. وَلِهَذِهِ الأَخْطَار كَتَبْتُ هَذِهِ الأَسْطَار مُسْتَعِيْنَاً بِاللهِ طَالِبْاً مِنْهُ رِضَاهُ .

وَأَسْتَعِيْنُهُ عَلَى نَيْلِ الْرِّضَا                                

وَأَسْتَمِدُ لُطْفَهُ فِيْمَا قَضَا

    وَعَلَى الْقَارِيءِ إِذَا رَأَى خَطَأً أَنْ يُصْلِحَ أَوْ زَلَلاً  أَنْ يَصْفَحَ.

وَمَنْ يُصَادِفْ هَفْوَةً فَلْيُصْلِحَا                           

بَعْدَ   تَأَمُّلٍ    لَهَا    وَلْيَصْفَحَا

فَقَدْ  جَمَعْتُهُ  عَلَى  اسْتِعْجَالِ                         

مَعْ غُرْبَتِي عَنْ أَهْلِ ذِي الْمَجَالِ

وَقَدْ جَعَلْتُهُ عَلَى فُصُوْل لِيَسْهُلَ عَلَى الْقَارِيءِ الْوصُوْل.

ذكرها إجمالاً:

الْفَصْلُ الأَوَّلُ:أسماء العقل.

الْفَصْلُ الْثَّانِي: أعمال العقل .

 الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:تَعْرِيْفُ الْعَقْلِ .

الْفَصْلُ الْرَّابِعُ: مَحَلُّ الْعَقْلِ   .

الْفَصْلُ الْخَامِسُ:دِلاَلَةُ الْنَّقْلِ عَلَى فَضْلِ الْعَقْلِ .

الْفَصْلُ الْسَّادِسُ: مَكَانَةُ الْعَقْلِ عِنْدَ أَهْلِ السُنَّةِ .

الْفَصْلُ الْسَّابِعُ: حُكْمُ تَقْدِيْمِ الْعَقْلِ عَلَى الْنَّقْلِ

الْفَصْلُ الْثَّامِنُ: خَطَرُ تَقْدِيْمِ الْعَقْلِ  عَلَى الْنَّقْلِ .

الْفَصْلُ الْتَّاسِعُ:  أَصْنَافُ الْنَّاسِ فِي الْعَقْلِ .

الْصِنْفُ الأَوَّلُ: غَلَو فِيْهِ .

الْصِنْفُ الْثَانِي: أَهْمَلُوْهُ .

الْصِنْفُ الْثَّالِثُ: وَسَطٌ بَيْنَ الْصِنْفَيْنِ.

الْفَصْلُ العاشر: شُبُهَاتُ الْمُقَدِمِيْنَ للعَقْلِ , وَرَدُّهَا .


ذكرها تفصيلاَ:

 الْفَصْلُ الأَوَّلُ:أسماؤه.

1-العقل. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ }[الملك10]

وقَالَ تَعَالَى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }[الفرقان44]

2-الحجر.بكسرالحاء وتسكين الجيم.قَالَ تَعَالَى: {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ }[الفجر5]

3-اللب. قَالَ تَعَالَى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }[الزمر18]

4-الأحلام. قَالَ تَعَالَى:  {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ }[الطور32]

 الْفَصْلُ الْثَّانِي: أعماله.

 1-العلم. قَالَ تَعَالَى:{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[الحج46]

فالعقل يعلم المعقولات بنفسه. قَالَ تَعَالَى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }[البقرة44]

 ويعلم المحسوسات بواسطة الحواس. قَالَ تَعَالَى:{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[النحل78]

 فالعقلُ لا يعلمُ الألْوَانَ إلا بِوَاسِطَةِ الْبَصَرِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَ لاَيَعْرِفُ الأَلْوَانَ إِذَا كَانَ أَعْمَى.

وَلاَيَعْلَمُ الأَصْوَاتِ إلا بِوَاسِطَةِ الْسَمْعِ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْعَاقِلَ

لاَ يَعْلَمُ الأَصْوَاتِ إِذَا كَانَ أَصَم.

ويعلم الغيب بواسطة الكتاب السنة. قَالَ تَعَالَى:{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }[الأنعام50]

فالْعَقْلُ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبِيَاتِ مِنَ الْعَقَائِدَ وَالْشَرَائِعَ وَالأَحْكَامَ إلا بِواسطةِ وَحْي الكتابِ وَالسُنَّةِ.

2-الفقه.قَالَ تَعَالَى:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}[الأعراف179 ]

فالعقل يفقه أي يفهم تفاصيل الشهادة بواسطة الحواس.

ويفهم تفاصيل الغيب بواسطة الوحي.

 3-التفكر.فالعقل يتفكر في الشهادة بواسطة الحواس.  قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }[آل عمران191]

 ويتفكر في الغيب بواسطة الوحي.قَالَ تَعَالَى:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[النحل44]

 4-التذكر.قَالَ تَعَالَى:{وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }[إبراهيم52]

 وقَالَ تَعَالَى:{وَمَا يَذَّكَّرُإِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}[البقرة269 ]

 5-التدبر.قَالَ تَعَالَى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }[ص29]

6-الاعتبار.قَالَ تَعَالَى:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ}[يوسف111]

 الْفَصْلُ الْثَّالِثُ:تَعْرِيْفُ الْعَقْلِ .

 تَعْرِيْفُ الْعَقْلِ .هو عَيْنُ الْقَلْبِ وَ مِرْآةُ الَحوَاسِّ.

وَقد قِيْلَ: الْعَقْلُ عَيْنُ الْقَلْبِ التِي يُبْصِرُ بِهَا , وَ مِرْآةُ الَحوَاسِّ التِي تَعْكِسُ مُدْرَكَاتِها.

    فَبالعقلِ تُعْلَمُ مدركاتُ الحواس

فيعلمُ الألْوَانَ بِوَاسِطَةِ الْبَصَرِ وَ  الأَصْوَاتِ بِوَاسِطَةِ الْسَمْعِ وَالْطُّعُوْم َبِوَاسِطَةِ الْذَّوْقِ وَالْرَوَائِحَ بِوَاسِطَةِ الْشَّمِ وَالأَجْسَامَ بِوَاسِطَةِ اللَّمْسِ.

  فالْعَقْلُ لاَ يَعْلَمُ إِلاَّ بَعْدَ إِدْرَاكِ الْحَاسَّةِ فَإِذَا رَأَتِ الْعَيْنُ عَلِمَ الْعَقْلُ مَا رَأَتْ .

وَإِذَا سَمِعَتِ الأُذُنُ عَلِمَ الْعَقْلُ مَا سَمِعَتْ فَإِنْ لَمْ تُدْرِكِ الْحَاسَّةُ لِعَمَى أَوْ صَمَمٍ فَلاَ يَعْلَمُ الْعَقْلُ ,  وَلَكِنَّهُ مَتَى مَا أَدْرَكَتِ الْحَاسَّةُ يَعْلَمُ ذَلِكَ ؛ كَأَنْ يَزُوْلَ الْعَمَى , وَالْصَمَمُ ؛ فَيَسْمَعُ وَيَرَى .

فَالْعَقْلُ يَعْلَمُ الْسَمْعَ بَعَدَ وَقُوْعِهِ لاَ قَبْلَهُ وَالْرُّؤْيَةَ بَعَدَ حُصُوْلِهَا لاَ قَبْلَهَا .

وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَقْلُ مِرْآةُ الْرَّجُلِ .

 فَأَخَذَهُ بَعْضُ الْشُّعَرَاءِ فَقَالَ:

عَقْلُ هَذَا المَرْءِ مِرْآةٌ تَرَى فِيْهَا فِعَالَه               

فَإِذَا كَانَ عَلَيْهَا صَدَأٌ فَهْوَ جَهَالَه

وَإِذَا أَخْلَصَهُ الله ُ صِقَالاً وَصَفَا لَه                

فَهْوَ كَالْمِرْآةِ تَلَقَى كُلَّ وَجْهٍ  بِمِثَالِه

 وبالعقلِ تُدْرَكُ المعقولات.

كَالْعِلْم ِبِأَنَّ الْشَيءَ لاَ يَخْلُو مِنْ وَجُوْدٍ , أَوْ عَدَمٍ , وَأَنَّ المَوْجُوْدَ إِمَا مَخْلُوْقٌ ,  أَوْ خَالِقٌ ،  وَكَالْعِلْم ِبِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْضِدَّيْنِ , وَأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الإِثْنَيْنِ .

وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ:إِنَّ الْعَقْلَ عَيْنُ الْقَلْبِ ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ عَقْلٌ كَانَ قَلْبُهُ أَكْمَه أي أعمى.

 وَقَالَ بَعْضُ الْشُعَرَاءِ:

 أَلاَ إِنَّ عَقْلَ الْمَرْءِ عَيْنَا فُؤَادِهِ              

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقْلٌ فَلاَ يُبْصِرُ الْقَلْبُ

                       فَإِذَا أَدْرَكَ الْمَحْسُوْسَاتِ وَ الْمَعْقُوْلاَتِ ؛ فَهْوَ كَامِلُ الْعَقْلِ .

 الْفَصْلُ الْرَّابِعُ: مَحَلُّ الْعَقْلِ   .

 وَإِنْ كَانَ لاَ يَتَرَتَبُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَحلِهِ كَثِيْرُ فَائدَةٍ .

 فيه قَوْلاَنِ :

الْقَوْلُ الأَوَّلُ:الْدِّمَاغُ ؛ لأَنَّهُ مَحَلُّ الْحِسِ .

  الْقَوْلُ الْثَّانِي:مَحَلُّهُ الْقَلْبُ ؛ لأَنَّ الْقَلْبَ مَعْدِنُ الْحَيَاةِ وَمَادَّةُ الْحَوَاسِّ .

 قَالَ تَعَالَى:{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: ١٧٩]

و قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] فَدَلَتِ الآيَةُ: أَنَّ الْعَقْلَ عِلْمٌ , وَأَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ .

 الْفَصْلُ الْخَامِسُ:دِلاَلَةُ الْنَّقْلِ عَلَى فَضْلِ الْعَقْلِ .

  لَقَدْ دَلَّ الْنَّقْلُ ؛ عَلَى فَضْلِ الْعَقْلِ .

   الْدَّلِيْلُ الأَوَّلُ: تَكْرِيْم ُ الإِنْسَانِ ؛ بِالْعَقْلِ وَاللِّسَانِ ؛عَنَ سَائِرِ الْحَيَوَانِ .قَالَ تَعَالَى:{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: ٧٠]

الْدَّلِيْلُ الْثَّانِي: بِالْعَقْلِ تُدْرَكُ مَعَانِي الْنَّقْلِ .

قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: ٢]

الْدَّلِيْلُ الْثَّالِثُ:بِالْعَقْلِ يُتَدَبَّرُ الْنَّقْل .

 قَالَ تَعَالَى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } [ص: ٢٩]

الْدَّلِيْلُ الْرَّابِعُ:أَنَّ الْنَّقْلَ ؛لَمْ يُخَاطِبْ إِلاَ صَاحِبَ الْعَقْل .

  قَالَ تَعَالَى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }الرعد19}    

  وَ قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ{69} لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: ٦٩ - ٧٠]

  لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً  ؛ أي من كان عاقلا .

 وَ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }[ق37] لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ؛ أَي عَقْل .

الْدَّلِيْلُ الخامس:بالعقل يبصر القلب لأنه عينه. قَالَ تَعَالَى:  { فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }[الحج46]

 وَ للعَقْلِ آفَةٌ تَقُوْدُهُ إِلَى الْعَمَى أَلاَ وَهِيَ الْهَوَى فَمَنْ سَلِمَ مِنْهُ نَجَا.

قَالَ بَعْضُ الْعُقَلاَءِ:الْعَقْلُ صَيْدٌ للهَوَى ؛ فَإِنْ صَادَهُ هَوَى , وَإِنْ سَلِمَ مِنْهُ نَجَا .

 وَقَالَ بَعْضُ الْشُعَرَاءِ:

وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ 

عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا    

قَالَ تَعَالَى:{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: ٢٣]

 الْفَصْلُ الْسَّادِسُ: مَكَانَةُ الْعَقْلِ عِنْدَ أَهْلِ السُنَّةِ .

  أَجْمَعَ أَهْل ُ السُنَّةِ: عَلَى أَنَّهُ لاَ تَكْلِيْفَ إِلاَ بِالْعَقْلِ وَلاَ يُتَدَبَّرُ الْقُرْآنُ إِلاَ بِالْعَقْلِ ،  وَأَنَّ الْدَّلِيْلَ لمعرفةِ الغيبِ هُوَ الْنَّقْلُ ؛ وَالْعَقْلُ آلَةُ الْنَّظَرِ فِي الْنَّقْلِ .

فَالْعَقْلُ لاَ يَعْلَمُ كُلَّ الأَشْيَاءِ ؛ وَلَكِنَّهُ إِذَا نَظَرَ فَيْهَاعَرَفَ , وَ فَهِمَ , وَصَدَّقَ , وَ انْتَفَعَ .   

فَالْعَقْلُ يُدْرِكُ الأُمُوْرَ الْمَحْسُوْسَةَ مَعْنَاهَا , وَكَيْفِيَتَها , وَأَمَا الْغَيْبِيةُ فَيُدْرِكُ مَعْنَى  مَا أُخْبِرَ بِهِ دُوْنَ الْكَيْفِيَةِ .

 الْفَصْلُ الْسَّابِعُ: حُكْمُ تَقْدِيْمِ الْعَقْلِ عَلَى الْنَّقْلِ

  حُكْمُهُ: بَاطِلٌ شَرْعَاً , وَعَقْلاً.

  باطلٌ شرعاً لمايلي.

أولاً: أَنَّ العقلَ لايَعْلَمُ  الغيبَ إلابواسطةِ النقلِ فكيفَ يقدمُ عليه. قَالَ تَعَالَى:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: ٥٠]

ثانياً: فِيْهِ مَا يُدْرَكُ بِالْنَّقَلِ , وَلاَ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ  والجهلُ بهذا مزلق أهل الكلام جميعاً ,ومن تبعهم .

وَهَذَا تَمْثِيْلٌ لِمَا قِيْل:

الْمِثَالُ الأَوَّلُ:الْغَيْبُ. فَلاَ يُدْرَكُ إِلاَ بِالْنَّقْلِ.

   قَالَ تَعَالَى:{ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: ٦٥  ]

وَقَالَ تَعَالَى:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: ٥٠]

  فَالْغَيْبُ يُدْرَكُ بِالْنَّقْلِ ؛ وَلاَ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ , وَمَعْرِفَةُ اللهِ ,وَأَسْمَائهِ , وَصِفَاتِهِ , وَدِيْنِهِ غَيْبٌ ؛ لاَ يُعْرَفُ إِلاَ بِالْنَّقْلِ لاَ بِالْعَقْلِ  . 

فَالْدِّيْنُ   إِنَّمَا    أَتَى      بِالْنَّقْلِ                        

لَيْسَ بِلاَ اوْهَام ِ وَحَدْسِ الْعَقْلِ

   وَعَنْ عَلِيٍّ t قَالَ:( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) رواه أبو داود ([1]) وصححه الألباني([2])

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْعَقْلُ عَلَى الْنَّقْلِ؟. قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْثَانِي: الله ُ لاَ يَعْرِفُهُ العقلُ بنفسِهِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُهُ بواسطةِ الْنَّقْلِ لأَنَّهُ مِنَ الْغَيْبِ الذي لايدركُ إلا بالنقل راجع كتاب المعرفة لمقيده عفا الله عنه.

قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ؟ .

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْثَّالِثُ:أَسْمَاءُ اللهِ وصفاتُهُ وكيفيةُ صفاتِهِ لاَ يَعْرَفُها اِلْعَقْلُ بنفسِهِ وَإِنَّمَا  يَعْرَفُها بواسطةِ الْنَّقْلِ ؛ لأَنَّهَا مِنَ الْغَيْبِ. قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

     ولأنَّ الْعَقْلُ لاَ يَعْرِفُ إِلاَ شَيْئَاً رَآهُ , ولا أحد رأى الله . قَالَ تَعَالَى:{ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]

وََعَنْ أَبِى ذَرٍّ tقَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ rهَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ».رواه مسلم([3])

وفي لفظ لمسلم([4]) « رَأَيْتُ نُورًا ».

ولنْ يَرَهُ أحدٌ قبلَ الموتِ. عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِى قَالَ أَخْبَرَنَي بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ ».رواه مسلم([5])

 أورأى  مثيلاً له واللهُ ليسَ له مثيل. قَالَ تَعَالَى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى: ١١]

أورأى شبيهاً بِهِ واللهُ ليسَ له شبيه. قَالَ تَعَالَى:{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }[مريم: ٦٥]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ؟ .

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْرَابِعُ: الْيَوْمُ الآخِرُ مُجْمَلاً , وَمُفَصَلاً ؛ لاَيُعْرَفُ بِالْعَقْلِ , وَإِنَّمَا  يُعْرَفُ بِالْنَّقْلِ ؛ لأَنَّهُ مِنَ الْغَيْبِ .

قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ ؛لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ. فَكَيْفَ يُقَدَّم؟.  

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

     الْمِثَالُ الْخَامِسُ: الْمَلاَئِكَةُ ؛ خَلْقُهُمْ , وَصِفَتُهُمْ  , وَمَكَانُهُمْ  , وَوَظَائِفُهُمْ ؛ لاَ تُعْلَمُ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا تُعْلَمُ بِالْنَّقْلِ لأَنَّهَا مِنَ الْغَيْبِ .

                        قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ ؛ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ . فَكَيْفَ يُقَدَّم قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْسَادِسُ:  الْكُتُبُ الْسَّمَاوِيْةُ ؛ لاَ تُعْرَفُ وَلاَ يُعْرَفُ مَا فِيْهَا إِلاَ بِالْنَّقْلِ , وَلاَ يَعْرِفُ الْعَقْلُ شَيْئَاً عَنْهَا إِلاَ بَعْدَ الْنَّقْلِ لاَ قَبْلَهُ .

   قَالَ تَعَالَى:{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [ يونس: ١٦]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ؟ .

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْسَّادِسُ: الْنُّبُوَّةُ لاَ تُعْرَفُ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا  تُعْرَفُ بِالْمُعْجَزَةِ مِنَ الْنَّقْلِ .

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَّسُولاً} [الإسراء: ٩٤]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس: ٢]

 فَالْنُّبُوَّةُ لاَ تُعْرَفُ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالْمُعْجَزَةِ , وَالْعَقْلُ يَعْلَمُ صِدْقَ الْنَّبِي بَعْدَ الْمُعْجِزَةِ لاَ قَبْلَهَا . فَالْدَّلِيْلُ عَلَى صِدْقِ الْنَّبِي الْمُعْجِزَةُ , وَالْنَّظَرُ فِي الْمُعْجِزَةِ سَبَبٌ فِي مَعْرِفَةِ صِدْقِهِ , وَآلَةُ الْنَّظَرِ فِي الْمُعْجِزَةِ هِيَ الْعَقْلُ  

 فَالْعَقْلُ لاَ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ الْضَّارَةَ , وَالْنَّافِعَةَ .

 وَلَكِنَّهُ إِذَا نَظَرَ عَرَفَ , وَفَهِمَ ,وَصَدَقَ , وَانْتَفَعَ ؛ فَهْوَ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ.

 فِإِنْ اتَّبَعَ الْرَّحْمَنَ نَجَا ,وَإِنْ اتَّبَعَ الْشَّيْطَانَ هَوَى راجع كتاب المعرفة وكتاب ثنتان وسبعون في النار لمقيده عفا الله عنه .

الْمِثَالُ الْثَامِنُ : مَضْمُوْنُ الْرِّسَالةِ ؛ لاَ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْنَّقْلِلأَنَّ الْبَشَرَ لاَ يُدْرِكُ مُرَادَ الْبَشَرِ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ  فَكَيْفَ يُدْرِكُ مُرَادَ اللهِ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِ ,وَرُسُلِهِ عَلَيْهُمُ الْصَلاَةُ ,وَالْسَلاَمُ . قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: ٤]أَي لِيُبَينَ لَهُمْ مَضْمُوْنَ الْرِّسَالَةِ , وَمُرَادَ اللهِ فِيْهَا  

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ؟ .

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

وَلَوْلاَ الْرُّسُلُ ؛ لَمْ يَهْتَدِ الْعَقْلُ إِلَى تَفَاصِيْلِ الْمَنَافِعِ , وَالْمَضَارِّ فِي الْمَعَايشِ.قَالَ تَعَالَى:{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: ١٥٧]

الْمِثَالُ الْتَّاسِعُ: الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ ؛ لاَ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ  ؛ وَإِنَّمَا  يُعْرَفُ بِالْنَّقْلِ ؛  لأَنَّ الْمُحَلِّلَ , وَالْمُحَرِّمَ هُوَ الله ؛ وَلَيْسَ الْعَقْلَ 

قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩]

فَمِنْ قَبْلِ الْنَّقْلِ لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ ؟ .

قَالَ تَعَالَى:{ أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: ٧٨]

الْمِثَالُ الْعَاشِرُ: جَمِيْعُ الْعَقَائِدِ وَالْشَّرَائِعِ ؛ لاَ تُعْرَفُ بِالْعَقْلِ ,وَالْقِيَاسِ , وَالْذَّكَاءِ .

قَالَ تَعَالَى:{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام: ١٤٨]

 و قَالَ تَعَالَى:{وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٢٨]

فَالْعَقَائِدُ وَالْشَّرَائِعُ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِالْوَحْي وَلاَ يَعْرِفُ الْعَقْلُ شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ إِلاَ بَعْدَ الْوَحْي لاَ قَبْلَهُ .

 فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ؟.

عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ:( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلاَهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ) رواه أبو داود ([6]) وصححه الألباني([7])

 وَ قَالَ تَعَالَى:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: ٤٨]

 فَالَّذِي جَعَلَ الْشِّرْعَةَ , وَالْمِنْهَاجَ هُوَ الْنَّقْلُ , وَلَيْسَ الْعَقْلُ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ ؟.

ثالثاً: الْنَّقْلُ مَعْصُوْمٌ , وَالْعَقْلُ غَيْرُ مَعْصُوْم.

     قَالَ تَعَالَى:{ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [محمد: ١٤]

 فَكَيْفَ يُقَدَّمُ غَيْرُ الْمَعْصُوْمِ عَلَى الْمَعْصُوْمِ

قَالَ الإِمَامُ مَالِكُ : أَفَكُلَّمَا جَاءَ رَجُلٌ هُوَ أَجْدَلُ مِنْ رَجُلٍ تَرَكْنَا مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَنْ جِبْرِيْلِ لِجَدَلِ هَؤُلاَءِ)([8])

فَالْقُرْآنُ مَعْصُوْمٌ مِنْ الْخَطَأ فِي نَفْسِهِ .

 قَالَ تَعَالَى:{ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ{41} لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [ فصلت: ٤١ - ٤٢]

وَ الْسُنَّةُ مَعْصُوْمَةٌ مِنَ الْخَطَأ فِي نَفْسِهِا .

   قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: ٣ -٥  ]

وَالْقُرْآنُ , وَالْسُنَّةُ عَاصِمَانِ لَمنِ اتبَعَهُمَا مِنَ الْخَطَأ .

قَالَ تَعَالَى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: ١٢٣]

وَعَنْ جَابِرِ tقَالَ سَمِعْتُ: رَسُوْلَ اللهِ ﷺ‬يَقُوْلُ (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ([9]) .

 وَالْعَقْلُ لَيْسَ مَعْصُوْمَاً في نفسِهِ وَلاَ عَاصِمَاً لمنِ اتَبَعَهُ فَكَيْفَ يُقَدَّم؟

رابعاً: ثَبَاتُ الْنَّقْلِ , وَتَغَيُّرُ الْعَقْلِ .

  قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء: ٨٢  ]

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْمُتَغَيْرُ عَلَى الْثَابِت ؟

خامساً: إِتِّزَانُ الْمَنْقُوْل  

 قَالَ تَعَالَى:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا} [الكهف: ١]

 وَتَفَاوُتُ الْعُقُوْل.  قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء:  ٨٢]

 و قَالَ تَعَالَى:{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣ ]

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْمُتَفَاوِتُ عَلَى الْمُتَّزِن ؟.سادساً: الْعَقْلُ تَابِعٌ في معرفةِ الغيبِ وَالْنَّقْلُ مَتْبُوْعٌ.

  قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [يونس: ٣٥]

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْتَّابِعُ عَلَى الْمَتْبُوْعِ ؟.

 وَالإِسْتِفْهَامُ إِنْكَارِي ؛ لِمَنْ يَتَّبِعُ مَنْ لاَ يَهْتَدِي إِلاَ أَنْ يَهْدِيَهُ غَيْرُهُ ؛ كَالْعَقْلِ , وَيَتْرُكُ مَنْ يَهْدِيِ بِنَفْسِهِ ؛كَالْنَّقْلِ فَمَالَكَمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ ؟ أَي بِهَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ .

سابعاً:  الْعَقْلُ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ فِيمَا يُدْرِكُ وليسَ بحجةٍفيما لايدركُ كالغيب. قَالَ تَعَالَى:{هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[آل عمران66]

  وَالْنَّقْلُ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ في كُلِّ شَيءٍ . قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء }[آل عمران5]

  وقَالَ تَعَالَى:{ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩]

  فَلاَ يُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِ الإِيِمَانِ بِوجود الْعَقْل ِقبلَ وجودِ النقل؛ وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ عَلَى تَرْكِهِ بعدَ وجودِ الْنَّقْلِ .

قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: ١٥]

 فَلاَ يُعَذَّبُ الْعُقَلاَء ؛ قَبْلَ بِعْثَةِ الأَنْبِيَاء فَالْحُكْمُ بِالْنَّقْلِ لاَ بِالْعَقْلِ فقط .

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْعَقْلُ عَلَى الْنَّقْلِ ؟

ثامناً: الْعَقْلُ شَاهِدٌ للنَّقْلِ. قَالَ تَعَالَى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }[سبأ6]

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْعَقْلُ عَلَى الْنَّقْلِ  

تاسعاً:  الْعَقْلُ مَخْلُوْقٌ , وَالقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ ؛ لأَنَّهُ كَلاَمُ الْخَالِقِ .

فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْمَخْلُوْقُ عَلَى غَيْرِ الْمَخْلُوْقِ ؟ {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ }[النحل17]

عاشراً: الْعَقْلُ مُتَلَقِي يَسْتَمِعُ لِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ والنقلُ ملقي

فَإِنِ اسْتَمَعَ لِوَحْي الْرَّحْمَان أَوْحَى إِليْه الإِسْلاَمَ , وَالإِيْمَانَ  

 قَالَ تَعَالَى:{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى{13} إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي{14} إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى{15} فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه: ١٣ - ١٦]

  وَإِنِ اسْتَمَعَ لِوَحْي الْشَّيْطَان أَوْحَى إِلَيْهِ الْشَّرْكَ , وَالْبِدَعَ , وَالْعِصْيَان .

 قَالَ تَعَالَى:{ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: ١٢١]

أحد عشر:أَنَّهُ  لاَ يُقَدِّمُ الْعَقْلَ عَلَى الْذَّكْرِ؛ إِلاَ مَنْ كَانَ صَاحِبَ كِبْر .  قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: ٥٦]

   تَقْدِيْمُ الْعَقْلِ عَلَى الْنَّقْلِ ؛ بَاطِلٌ باِلْعَقْلِ.

 وَذَلِكَ مِنْ وُجُوْه:

الوجه الأول: أن العقل قد دل على صدق السمع ووجوب تصديق الأخبار.

 فلو قدمناه لأبطلنا دليل العقل , ولو أبطلنا دلالته ؛ لا يصلح أن يكون معارضاً للنقل

                         لأن ما ليس بدليل لا يصلح للمعارضة فكيف التقديم .

فكان تقديم العقل موجباً عدم تقديمه ؛ وهذا واضح لأن العقل هو الذي دل على صدق السمع بعد النظر فيه.

 قَالَ تَعَالَى:{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦]

الوجه الثاني: أن العقل الصحيح محال أن يعارض النقل الصريح.

لأن العقل خلقه , والنقل شرعه ؛ ولايتعارض خلقه , وشرعه .

  فَلاَ يَتَعَارَضُ الْنَّقْلُ , وَالْعَقْلُ إِلاَ لِعَدَم إِدْرَاكِ الْعَقْلِ ؛ لِمَا جَاءَ فِي الْنَّقْلِ  ؛ لأَنَّهُ أَعْلَى مِنْهُ دَرَجَه ؛ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَتَّبِعَهُ  . قَالَ تَعَالَى:{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣]

وَ قَالَ تَعَالَى:{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: ١٠٩]

الوجه الثالث:  العقل لا يكون معارضاً للنقل ؟ لعدم  توفر شروط صحة المعارضة.

شروط صحة المعارضة:

الشرط الأول: كمال العلم.

     والْعَقْلُ لايعلمُ   كُلَّ الأَشْيَاءِ .

 وَإِنَّمَا يُدْرِكُ الْمَوْجُوْدَاتِ الْعَقْلِيَةَ .

كَالْعِلْم ِبِأَنَّ الْشَيءَ لاَ يَخْلُو مِنْ وَجُوْدٍ , أَوْ عَدَمٍ , وَأَنَّ الْمَوْجُوْدَ إِمَا مَخْلُوْقٌ ,  أَوْ خَالِقٌ ،  وَكَالْعِلْم ِبِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاع ِ الْضِدَّ يْنِ , وَأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الإِثْنَيْنِ .

فَلاَ تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ  الْمَوْجُوْدَاتُ الْحِسِيَّةُ .

 فَالأَلْوَانُ , وَالأَشْكَالُ  إِنَّمَا تُدْرَكُ بِالْبَصَرِ ؛ لاَ بِالْعَقْلِ . وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ الْرُّؤْيَةَ ؛ بَعْدَ حُصُوْلِهَا بِالْبَصَرِ لاَ قَبْلَهُ .

  وَالأَصْوَاتُ , وَالْنَّغَمَاتُ ؛ إِنَّمَا تُدْرَكُ  بِالْسَّمْعِ لاَ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ بِالْسَّمْعِ بَعَدَ وقُوْعِهِ بِالأُذُنِ لاَ قَبْلَهُ .

 وَالْحَرَارَةُ , وَالْبُرُوْدَةُ , وَغَيْرُهَا ؛ مِنَ الأَجْسَامِ إِنَّمَا تُدْرَكُ  بِاللَّمْسِ لاَ بِالْعَقْلِ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ وجُوْدَ ذَلِكَ بَعْدَ حُصُوْلِ اللَّمْسِ لاَ قَبْلَهُ .

 وَالْمَوْجُوْدَاتُ الْتَّجْرِيْبِيَةُ ؛ كَالْطِّبِّ  إِنَّمَا تُدْرَكُ  بِالْتَّجْرِبَةِ ؛ لاَ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ الْعَقْلُ بَعْدَ ثُبُوْتِهِ بِالْتَّجْرِبَةِ لاَ قَبْلَهَا .

 وَالْمَوْجُوْدَاتُ الْشَّرْعِيَّةُ ؛ إِنَّمَا تُدْرَكُ بِالْنَّقْلِ لاَ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا الْعَقْلُ بَعْدَ ثُبُوْتِهَا بِالْوَحْي لاَ قَبْلَهُ .

وَنَبُوَّةُ الأَنْبِيَاءِ ؛ إِنَّمَا تُدْرَكُ بِالْمُعْجِزَاتِ لاَ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا يَعَلَمُ الْعَقْلُ صِدْقَ الْنَّبِي بَعْدَ وقُوْعِ الْمُعْجِزَةِ لاَ قَبْلَهَا .

 وَالْغَيْبِيَاتُ ؛ إِنَّمَا تُدْرَكُ بِالْوَحِي وَالْنُبُوَاتِ لاَ بِالْعَقْلِ ؛ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الْعَقْلُ مَعَانِي الْغَيْبِيَاتِ وَكَيْفِيَتَهَا بِالْوَحِي لاَ قَبْلَه. قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

فَمَنْ زَعَمَ: أَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ كُلَّ الأَشْيَاء ؛ فَسَيَرُدُّ مَا جَاءَ بِهِ الأَنْبِيَاء ؛ إِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْعُقَلاَء .

قَالَ تَعَالَى:{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ{58} كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ{59} فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}  [الروم: ٥٨ - ٦٠]

          قَالَ بْنُ خَلْدُوْنَ:الْعَقْلُ مِيْزَانٌ صَحِيْحٌ ؛ فَأَحْكَامُهُ يَقِيْنِيَةٌ لاَ كَذِبَ فِيْهَا .

    وَلَكِنَّكَ لاَ تَطْمَعُ أَنْ تَزِنَ بِهِ أُمُوْرَ الْتَّوْحِيْدِ , وَالآخِرَةِ , وَحَقِيْقَةَ الْنُّبُوَّةِ , وَحَقَائِقَ الْصِفَاتِ , وَالأُلُوْهِيَةَ , وَكُلَّ مَا وَرَاءَ طَوْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ طَمَعٌ فِي مُحَال([10])

الشرط الثاني: كمال القدرة.

 والعقل لا يقدر على كل شيء

الشرط الثالث: كمال الملك.

والعقل لا يملك كل شيء .

 وهذه الشروط الثلاثة لا تكون إلا لله  ؛ و هي التي أمر الله نبيه ؛ أن ينفيها عن نفسه فكيف بغيره ؟

   قَالَ تَعَالَى:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: ٥٠]

 قلت: فلا يصلح معارضاً للوحي إلا الوحي ؟ لتوفر هذه الشروط فيمن يصدر عنه ؛ وهو الله تعالى .

الوجه الرابع:أن ما يتوهمونه من المعارضة ليس معارضة ؛ وإنما هو عدم إدراك .

 لأن الوحى طور فوق طور العقل ؛ فكما أن السمع معزول عن إدراك الألوان .

 والبصر معزول عن إدراك الأصوات , وجميع الحواس معزولة  عما يدرك العقل .

  فكذلك العقل معزول عما يدرك الأنبياء بالوحي .

    قال بن خلدون:العقل ميزان صحيح ؛ فأحكامه يقينية لا كذب فيها .

ولكنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد , والآخرة , وحقيقة النبوة , وحقائق الصفات , والألوهية  , وكل ما وراء طوره فإن ذلك طمع في محال([11])

 الْفَصْلُ الْثَّامِنُ: خَطَرُ تَقْدِيْمِ الْعَقْلِ  عَلَى الْنَّقْلِ .

   الخطر الأول: أن تقديم العقل على النقل  هو ما يدعو إليه أعداء المسلمين لصرفهم عن الو حيين.

 قَالَ تَعَالَى:{ وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الإسراء: ٧٣]

 و قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:١٥]

 و قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: ٢٠٣]

لولا اجتبيتها أي لولا جئت بها من عندك .

الخطر الثاني: أن تقديم العقول اتباع لغير القرآن ,و الرسول.

  قَالَ تَعَالَى:{ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: ١٥٣]

قلت: ومن قدم العقل ترك النقل .

  قَالَ تَعَالَى:{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: ٥٠]

 ومن جعل: العقل أصلا رد ما خالفه , وإن كان نقلا .

 قَالَ تَعَالَى:{ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ} [الأنعام:١٥٧]

  وصرف الناس إلى العقل صدف عن النقل .

 قال الشوكاني رحمه الله: فإن التعويل على الرأي وعدم الإعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر .([12])

الخطر الثالث: أن تقديم العقول مخالفة  لأمر الله , و الرسولﷺ‬ .

 قَالَ تَعَالَى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]

  قال الإمام أحمد رحمه الله: يخشى عليه إذا رد بعض قول النبي ﷺ‬أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك.

    الخطر الرابع: أن تقديم العقول تقديم بين يدي الله , والرسول . قَالَ تَعَالَى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: ١]

 الخطر الخامس: أن تقديم العقول اختيار لقول غير قول الله , والرسول .  قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: ٣٦]

          فما كان لمؤمن أن يختار غير ما في القرآن , وسنة المختار.

 الخطر السادس: أن تقديم العقول رد لقول الله , و الرسول

قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: ١٠٤]

 وصاحب: العقل يقول: حسبنا ما دل عليه العقل؛ لا ما دل عليه النقل .

 ووجه الشبه: بين قول  المشركين , وقول العقلانيين ؛ التقليد الأعمى .

 لأن قول المشركين حسبنا أي يكفينا ما وجدنا عليه الأباء فلا حاجة للكتب , والأنبياء  .

 والعقلانيون يقولون حسبنا ما دل عليه العقل فلا حاجة للنقل إلا أن يكون شاهداً للعقل.

 الخطر السابع:أن تقديم العقول ترك لقول الله والرسول. قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج8-9]

  الخطر الثامن: أن تقديم العقول إتباع للهوى بغير هدى قَالَ تَعَالَى:{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: ٥٠]

قلت: فمن لم يقبل من النقل إلا ما وافق العقل فقد اتبع الهوى بغير علم , ولا هدى . قَالَ تَعَالَى:{  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}[الحج8-9]

 الخطر التاسع: أن  تقديم العقول صد عن قول الله , والرسول  . قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء: ٦١]

قال الشنقيطي رحمه الله: ( من دعي إلى العمل بالقرآن , والسنة , وصد عن ذلك أنه من جملة المنافقين) .

لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ([13])

  الخطر العاشر: أن  تقديم العقول رد التنازع إلى غير الله , والرسول . قَالَ تَعَالَى:{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: ٥٩]

 فالرد إلى الله , والرسول لا إلى العقول.

 قال الشنقيطي رحمه الله : رد التنازع إلى كتاب الله , وسنة رسوله ؛ يفهم منه أن من يرد التنازع إلى غيرهما ؛ فإنه لا يؤمن بالله , ولا باليوم الآخر([14]) .

 الخطر الحادي عشر: أن  تقديم العقول إيجاب لما لم يوجبه الله , والرسول .

قَالَ تَعَالَى:{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: ١١٦]

و قَالَ تَعَالَى:{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: ٥٩ ]

و قَالَ تَعَالَى:{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ } [التوبة: ٣١]

  قال حذيفة بن اليمان t( لم يعبدوهم ولكنهم أحلوا لهم , وحرموا عليهم فاتبعوهم) .

قلت: فالذي أوجبه الله هو اتباع الكتاب , والرسول لا اتباع الرأى , والعقول .

الخطر الثاني عشر: أن تقديم العقول ترك للإجتماع الذي أمر الله به , والرسول .  قَالَ تَعَالَى:{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران: ١٠٣  ]

و قَالَ تَعَالَى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: ١٣]

 قلت: فكيف يجتمع من اعتصم بالنقل والعقل معاَ مع من اعتصم بالعقل وحده ؟

ولم يتفق فيما بينهم أهل العقل فكيف يتفقون مع أهل النقل

  الخطر الثالث عشر:  أن تقديم العقول طاعة في معصية  الله ,  والرسول .

 عن عَلِيٍّ t:( أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ‬ بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ ادْخُلُوهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ‬ فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ لِلْآخَرِينَ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. رواه البخاري([15]) ومسلم([16])

  الخطر الرابع عشر: أن  تقديم العقول ؛ نسخ لقول الله , والرسول    بما  رأت العقول.

فلا يلتفت إليه  ؛ لأن العقل لم يدل عليه ؛ مع أن النسخ لهما لا يكون إلا بما فيهما .

 الْفَصْلُ الْتَّاسِعُ:  أَصْنَافُ الْنَّاسِ فِي الْعَقْلِ .

  قلت: الناس في العقل ثلاثة أصناف .

 الصنف الأول: غلو فيه ؛ وممن غلا فيه أهل الكلام .

تمثيل لما قيل:

المثال الأول:  الحكم بكفاية العقل , واستغنائه عن النقل , حيث جعلوه أصلا , و النقل فرعا , والنقل شاهداً , والعقل مشهوداً له .

 فما وافق العقل قبلوه  ؛ وما خالف العقل ردوه  .

وهذا غير صحيح ؛ لأن ذلك إنكار للنبوة .

 قَالَ تَعَالَى:{ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: ١٦٥]

 فلا تقوم  الحجة إلا بالرسل ؛ لا بمجرد وجودالعقل.

 المثال الثاني: من الغلو ؛ استخدام العقل فيما لا يدرك إلا بالنقل .

  كالغيبيات , والعقائد , والشرائع , والأحكام , وغيرها ممالا مجال للعقل , والقياس , والذكاء فيه .

وهذا ما وقع فيه الخلف , وحذر منه السلف .

 المثال الثالث: من الغلو ؛ دعوى إلغاء العقل  ؛ إن لم يستخدم فيما لايدرك إلا بالنقل.

 وهذا غير صحيح  ؛ لأن إلغائه يعني إهماله , والسلف أعملوه فيما يدركه بنفسه كالمعقولات.

وأتبعوه للواسطة فيما لايدركه إلابواسطة كالمحسوسات والغيبيات.  

 وهذه الحكمة ؛ وهي وضع الشيء في موضعه ؛ لأن أهل السنة مجمعون على أنه لا تكليف إلا بالعقل , ولا يتدبر القرآن إلا بالعقل ؛ فلم يلغوه  .

          وإنما منعوا من استخدام العقل  فيما لا يدركه بنفسه وطلبوا له الواسطة التي يتوسط بها  لمعرفة الغيب وهي الوحي لأن العقل أمر باتباعه ونهي عن اتباع غيره .

 قَالَ تَعَالَى:{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: ٣]

وضمن للعقل , أن لا يضل ؛ إذا اتبع النقل .

  قَالَ تَعَالَى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: ١٢٣]

 وعن جابر tقال سمعت: رسول الله ﷺ‬يقول ( وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ  ) رواه مسلم ([17])

 وَعَنْ مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قَالَ:( تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ) أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه عن أبي هريرة t([18]) وحسنه الألباني([19]).

  وكتب على العقل أن يضل إذا اتبع غير النقل . قَالَ تَعَالَى:{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: ٣ - ٤]

المثال الرابع: من الغلو ؛ معارضة النقل بالعقل .

 وهذا غير صحيح إذ لا تعارض بينهما لأمرين :

 أحدهما : أن النقل شرع الله , والعقل خلقه؛ ولا يتعارض خلقه , وشرعه .

 ثانيهما: أن  القصور شيء , والمعارضة شيء  ؛ فالعقل يكون قاصراً عاجزاً . عن إدراك ما في النقل ؛ كإدراك ما في الحياة الأخروية .

 و لا يمكن أن يكون العقل معارضاً للنقل ؛ لعدم توفر شروط صحة المعارضة في العقل كما مر.

             المثال الخامس: من الغلو ؛ دعوى تصديق النقل للعقل .

وهذا غير صحيح ؛ فالعقل هو الذي يصدق النقل ؛ لأنه آلة للنظر فيه .

والنظر سبب لمعرفة صدق النقل ؛  ولأنه تابع , وليس متبوعاً .

المثال السادس:عدم التفريق بين ما يدركه العقل بنفسه , وما  يدركه بواسطة . وما يستحيل على العقل  ؛ وما يحار فيه العقل.

 وهذا غير صحيح ؛ فالنقل لا يأتي بما يستحيل على العقول , وإنما يأتي بما تحار فيه العقول.

لأن النقل شرع الله  , والعقل خلق الله  ؛فلا يتعارض خلقه , وشرعه .

 المثال السابع:  من الغلو .

 جعل العجز عن إدراك الشيء إنكاراً له .

 وهذا غير صحيح  ؛ لأن العقل لا ينكر ما في النقل ؛ لكنه قد يعجز فلا يدركه؛

 لأن النبوة طور أعلى من طور العقل ؛ فيدرك بالنبوة مالا يدرك بالعقل .

الصنف الثاني: أهملوه .

 وممن أهمله أهل التصوف , وأهل الظاهر  , وإن طلبت من يشهد ؛ فكتبهم على البسيطة تشهد .

قَالَ تَعَالَى:{يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ }[هود20 ]

تمثيل لما قيل:

المثال الأول: من إهماله ,وعدم الإلتفات إليه أو الإعتماد عليه .

 استبداله بالذوق والرؤى والكشف والأحلام و المنامات ودعوى الأخذ عن الله مباشرة وأقوال أهل المقامات من أهل التصوف الذين جاءوا بما لا يصدقه نقل , ولا يقبله عقل .

 كقول غمض عينيك وامش  , وبأن الولي أعلم من النبي , وأن طاعة الأستاذ فوق طاعة الله  , و أن كل شيء هو الله , وكاستحلال ما حرم الله , وتحريم ما أحل الله  , وإصدار الأحكام على الباطن لا على الظاهر .

 وكقولهم في آداب المريد ؛ أي الطالب كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل , ولا تعترض فتنطرد , ومن قال لشيخه لما لا يفلح .

 وغيرها  مما فيه انقياد أعمى " وليتم تعطيل العقل ألزموا المريدين بلباس معين  , ومشية معينة , وشيخ معين , وطريقة معينة راجع ردود رب العالمين على دعاوى المتصوفين لمقيده عفا الله عنه   

 المثال الثاني:من إهماله وعدم الإلتفات إليه ، أو الإعتماد عليه ؛ استبداله بظاهر النصوص ؛ دون النظر إلى الأسباب , والعلل , والقياس .

كما فعل أهل الظاهر ؛ الذين جاءوا بما لا يصدقه نقل  , ولا يقبله عقل ؛كأخذهم بظاهر حديث أبي هريرةt:

 ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ)([20])   .

فقالوا:  لو بال في إناء ثم صبه في الماء الدائم لكان جائزا ؛ لأن ظاهر النص نهى عن البول فيه مباشره ؛ فلا يشمله ذلك  , وغيره كثير مما عطل فيه العقل ورد بِهِ النقل . 

الصنف الثالث: وسط بينهما ؛ فلم يهمله , ولم يغلُ فيه

 وهم أهل السنة  .

تمثيل لما قيل:

المثال الأول: للتوسط .

 إنزال العقل المنزلة التي أنزله النقل ؛ فلم يهملوه وعنها لم يرفعوه ؛لأنه خلقه , والنقل شرعه .  

أجمع أهل السنة أنه لا تكليف إلا بالعقل ؛ كما دل عليه النقل . عَنْ عَلِيٍّ  t :عَنْ النَّبِيِّ ﷺ‬ قَالَ :( رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ )رواه أبو داود([21]) وصححه الألباني([22])

وأنه لا فهم , ولا تدبر إلا بالعقل كما دل عليه النقل .

  قَالَ تَعَالَى:{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩]

  وأن العقل حجة مع النقل  فيما يدركه بنفسه كالبر.

 قَالَ تَعَالَى:{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤]

 وليس بحجة فيما لا يدركه إلا بواسطة إن ترك الواسطة كالتحليل .

 قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٢٨]

 المثال الثاني: للتوسط .

أنهم لم يهملوا العقل , ولم يستغنوا به عن النقل ؛ فجعلوا الدليل النقل , والعقل آلة للنظر في النقل .

المثال الثالث: للتوسط .

لم يهملوا العقل , وجعلوه تابعاً للنقل .

  قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء: ٨٢]

 المثال الرابع: للتوسط .

لم يهملوا العقل  ، ولم يعارضوا به النقل .

لأنهم فرقوا بين ما يدركه العقل بنفسه كالمعقولات وما لايدركه إلا بواسطة كالمحسوسات والغيبيات وفرقوا بين ما يستحيل على العقول  , وما تحار فيه العقول .

  وفرقوا بين عجز العقل عن إدراك مالا يدرك إلا بالنقل , وإنكاره له  .

    فالعقل قد يعجز ؛ ولكنه لا ينكر ؛ لأن النبوة طور فوق طور العقل .

 المثال الخامس: للتوسط .

لم يهملوا العقل ؛ وجعلوه شاهداً ومصدقاً للنقل .

قَالَ تَعَالَى:{ وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦]

 الْفَصْلُ العاشر: شُبُهَاتُ الْمُقَدِمِيْنَ للعَقْلِ , وَرَدُّهَا .

  الشبهة الأولى:العقل خلق قبل الشرع ؛ فهو الأصل , والشرع يشهد له .

الرد: أن الذي خلق العقل قبل الشرع   أمر العقل  أن يتبع النقل. قَالَ تَعَالَى:{اتَّبِعُواْ مَاأُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف: ٣]

الشبهة الثانية:العقل ركن المعتقدات الأول ؛ فما أوجبه كان واجبا , وما أحاله كان محالا , وما أجازه كان  جائزا .

الرد: قوله العقل ركن المعتقدات الأول .

هذا غير صحيح ؛ لأن المعتقدات لا يدركها العقل بنفسه ؛ وإنما يدركها بواسطة النقل ؛ لأنها من الغيب ؛  

قَالَ تَعَالَى:{ تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩]

 فالعقل ليس ركناً لمعرفة العقائد  وإنما هو للنقل تابعٌ ومصدق وشاهد فهو آلة للنظر في النقل لمعرفة العقائد.  

 الوجه الثاني:  لمعرفة العقائد ركن واحد وهو الوحى به يعرف ما كان حقاً ,وما كان باطلا  و ما كان واجباً , و ما كان جائزا , وماكان مستحيلاً.

 قَالَ تَعَالَى:{ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{43} وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: ٤٣ - ٤٤] 

  ووحي الرحمن نوعان .

النوع الأول:قرآن. قَالَ تَعَالَى:{ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الأنعام: ١٩]

النوع الثاني: سنة . قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: ١٠٩]

الوجه الثالث:  قوله فما أوجبه العقل ؛ كان واجبا ؛ وما أحاله كان محالا ؛ وما أجازه كان جائزاً  

قلت: هذا في الموجودات العقلية ؛ التي يدركها العقل بدون واسطة ؛  لا في الموجودات الشرعية التي لا يدركها إلا بواسطة النقل ؛ فما كل ,واجب ,وجائز ,ومستحيل عقلا يكون واجباً , وجائزاً  ,ومستحيلا شرعاً.

 الشبهة الثالثة:النقل لا يعلم صدقه إلا بالعقل ؛ فهو الأصل .

الرد من وجوه:

الوجه الأول: هذا غير صحيح ؛  لأن النقل لا يعلم صدقه إلا بالمعجزة لا بالعقل .

 والعقل لا يعلم صدق النقل إلا  بعد المعجزة لا قبلها ؛ فالنقل هو الأصل ؛ لأن النقل بالمعجزة هدى العقل إلى تصديقه.

الوجه الثاني: الدليل هو النقل ؛ فهو الأصل ؛ والعقل آلة للنظر في الأصل .

الوجه الثالث:  النقل هو الأصل لأنه متبوع , و العقل تابع له إذ لايدرك الغيب إلابه .

الوجه الرابع: النقل هو الأصل لأنه يفيد العلم في الغيبيات بنفسه , والعقل لا يفيد العلم في الغيبيات إلابواسطة النقل  .     

 الشبهة الرابعة: دعوى إلغاء العقل ؛ إن لم نجعله أصل

الرد:  إلغاء العقل فيما لايدركه إلابواسطة الوحي ؛كالعقائد , والشرائع لا يعني إلغاه فيما يدركه بنفسه ؛ كالمعقولات , والعلم بإدراك المحسوسات .

وهذه الحكمة والحكمة وضع الشيء في موضعه .

 قَالَ تَعَالَى:{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة: ٢٦٩]

 الشبهة الخامسة:العقل ميزان لمعرفة الحق من الباطل عند المعارضة.

الرد من وجوه:

الوجه الأول: هذا غير صحيح ؛ لأن الميزان لابد أن يكون ثابت ؛ والعقل متغير .

 قَالَ تَعَالَى:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء: ٨٢]

الوجه الثاني:الميزان لابد أن يكون معصوم ؛ والعقل غير معصوم.

قَالَ تَعَالَى:{ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ} [محمد: ١٤]

و قَالَ تَعَالَى:{ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ}[هود: ٢٨]

الشبهة السادسة:العقل برهان.

الرد:العقل برهان فيما يدركه بنفسه كالمعقولات وليس برهاناً فيما لايدركه بنفسه كالغيبات.قَالَ تَعَالَى:{ {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }آل عمران66

 فمن بنى برهان العقل على برهان النقل فقد اهتدى .

قَالَ تَعَالَى:{فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: ١٢٣]

ومن بناه على غيره فقد غوى .

قَالَ تَعَالَى:{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص: ٥٠]

الشبة السابعة:العقل حجة.

الرد:العقل حجة فيما يدركه بنفسه كالمعقولات وليس حجة فيما لايدركه بنفسه كالمحسوسات والغيبيات.  قَالَ تَعَالَى:{هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }آل عمران66

 فمن بنى  حجة العقل على وحي الرحمن فقد اهتدى . قَالَ تَعَالَى:{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ{15} قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [يونس: ١٥ - ١٦]

  ومن بناه على وحي الشيطان فقد غوى.قَالَ تَعَالَى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[ الأنعام:١٢١]

 الشبهة الثامنة: النقل يصدق العقل , ويشهد له .

الرد: من وجوه.

الوجه الأول: هذا غير صحيح .

 لأن النقل هو الذي علم العقل بالغيبيات ؛ فالعقل لا يعلم إلا بالنقل ؛ فالواجب عليه أن يصدقه , ويشهد له بما علمه  قَالَ تَعَالَى:{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء: ١١٣]

الوجه الثاني:النقل كلام من خلق العقل ؛ فالواجب عليه أن يصدق كلام من خلقه ؛ وأن يشهد له بما علمه .

  قَالَ تَعَالَى:{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٥١]

 الوجه الثالث:النقل معصوم , والعقل غير معصوم  , فغير المعصوم هو يصدق عصمة خالقه , ومعلمه , ويشهد له بما علمه . قَالَ تَعَالَى:{ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} [الأنعام: ٩١]

الوجه الرابع:العقل هو الذي يصدق النقل لاالعكس.

قَالَ تَعَالَى:{وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: ٦]ويشهد له بصدق ما بينه له بالمعجزة ؛ لأن العقل لا يعلم الغيب إلا بعد النقل لا قبله فعلى أي شيء يشهد له ؟. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آ له وصحبه وسلم.




(1)- سنن أبى داود [ بَابُ كَيْفَ الْمَسْحُ]

(2)-صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم162 (ج 1 / ص 240)

([3])صحيح مسلم [باب فِى قَوْلِهِﷺ‬ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ]

([4]) صحيح مسلم[باب فِى قَوْلِهِﷺ‬ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ]

([5])  صحيح مسلم [ باب ذكر بن صياد ]

(1)- سنن أبى داود[باب كيف المسح]

(2)-صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم162 (ج 1 / ص 240)  

(1)-ذم الكلام للهروي)  

(2) -  صحيح مسلم[ باب حجة النبيﷺ‬]

(1)- مقدمته ص364-365 )  

(1) - مقدمته ص364-365 )   

([12]) - (نيل الأوطارج1ص126)

(1)-الأضواء ج7-300  

(2)-الأضواء ج7-ص300

(1)صحيح مسلم  [ باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية]

(2)-صحيح البخاري [بَاب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلْإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً]

([17])- صحيح مسلم [ باب حجة النبيﷺ‬]

(2)-موطأ مالك  رقم  1395 (ج 5 / ص 371)

(3) -مشكاة المصابيح رقم186 (ج 1 / ص 40)   [ 47 ] ( حسن )

(1)-صحيح البخاري رقم232 (ج 1 / ص 398)

(1)-سنن أبي داود  [ باب كيف المسح]

(2)-صحيح وضعيف سنن أبي داود رقم4403 (ج 9 / ص 403)