رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أولاده وقرابته
التصنيفات
الوصف المفصل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد كان النبي ﷺ أرحم الناس بولده، وأشدهم بهم شفقة، كان يحبهم، ويفرح بهم ويستبشر بقدومهم ويحنو عليهم، ويفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويذرف الدمع لفراقهم..
وكان ﷺ يحسن معاملة بناته، ويسعى في مصالحهن، ويعمل على حلّ مشكلاتهن الزوجية، ويرفع عنهن الحرج والضيق، ويتناولهن بالموعظة الرقيقة والتذكرة البليغة، ويمدحهن ويذكر فضائلهن.
نبذة عن أولاده ﷺ
كلُّ أولاده ﷺ من ذكر وأنثى فمن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها حاشا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه فالذكور من ولده: القاسم وبه كان يكنى، وعاش أيامًا يسيرة، وإبراهيم ولد بالمدينة وعاش عامين إلا شهرين ومات قبله ﷺ بثلاثة أشهر.
وعبد الله وهو الملقب بالطاهر والطيب، وقد مات في حياته ﷺ أيضًا، وأما بناته ﷺ فهن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم رضي الله عنهن وأرضاهن.
أولاد بناته ﷺ
أما زينب فقد تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها، وأمه هالة بنت خويلد، فولدت له عليًّا وقد مات صغيرًا، وأمامة وقد بلغت حتى تزوجها على بن أبي طالب t بعد موته فاطمة.
وأما فاطمة فقد تزوجها علي بن أبي طالب t، فولدت له الحسن والحسين ومحسنًا مات صغيرًا، وأم كلثوم، تزوجها عمر بن الخطاب t، وزينب تزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وأما رقية فقد تزوجها عثمان بن عفان t وولدت له عبد الله وبه كان يكنى، وماتت عنده رضي الله عنها، ثم تزوج أختها أم كلثوم رضي الله عنها فماتت عنده.
أرحم الناس بالأطفال
عن أنس بن مالك t قال: ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ، قال: «كان إبراهيم مسترضعًا له في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت فيأخذ فيقبله ثم يرجع». [رواه مسلم].
وهذا من رحمته ﷺ أنه يذهب إلى عوالي المدينة لا لشيء إلا ليقبل ابنه إبراهيم ثم يرجع.
وعن أبي هريرة t قال: قبَّل رسول الله ﷺ الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله ﷺ ثم قال: «من لا يرحم لا يرحم». [متفق عليه].
ويحملهم على عاتقه ﷺ
فعن البراء t قال: رأيت النبي ﷺ والحسن بن علي على عاتقه يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». [رواه البخاري].
وعن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها. [متفق عليه].
وهذا يدل على شدة رحمته ﷺ بأبنائه، وفي حديث البراء التصريح بحبه ﷺ للحسن، والدعاء له بأن يحبه الله عز وجل.
ويعلمهم ويوجههم
وكان ﷺ يعلم أبناءه وهم صغار ويذكر لهم الحكم الشرعي لينشأوا على تعظيم أمر الله تعالى.
فعن أبي هريرة t قال: أخذ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي ﷺ: «كخ كخ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة». [متفق عليه].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي ﷺ بيت فاطمة، فلم يدخل عليها، وجاء عليٌّ فذكر له ذلك، فذكره للنبي ﷺ قال: «إني رأيت على بابها سِتْرًا مَوْشِيًّا» فقال: «ما لي وللدنيا» فأتاها علي فذكر ذلك لها فقالت: ليأمرني فيه بما شاء. قال «ترسل به إلى فلانٍ؛ أهل بيتٍ بهم حاجة». [رواه البخاري].
ويختار لبناته الأكفاء من الرجال
فقد اختار ﷺ لبناته ذوي المروءة والنجدة والشجاعة وهذا من أعظم البر بالبنات، فزوج ﷺ زينب لأبي العاص ابن الربيع، وقد مدح ﷺ مصاهرته فقال: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي». [رواه البخاري]، وزوج فاطمة عليًّا، وزوج رقية وأم كلثوم لعثمان بن عفان، وهما من الخلقاء الراشدين والأئمة المهديين، ومن المبشرين بالجنة، وفضائلهما رضي الله عنها كثيرة معلومة.
ويحتفي ويرحب بهن ويمدحهم
وكان ﷺ يحتفي ببناته ويرحب بهن ويلاطفهن ويقبلهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي، كأن مشيتها مشية النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: «مرحبًا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه. [رواه البخاري ومسلم].
وفي لفظ الترمذي: «ما رأيتُ أحدًا أشبه سمتًا ودلًّا وهديًا برسول الله ﷺ في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله ﷺ. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي ﷺ قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي ﷺ إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها» [رواه الترمذي].
وقال ﷺ عن زينب: «هي خير بناتي أصيبت فيَّ» [رواه الطبراني والبزار].
ويعظهن ويذكرهن
وكان النبي ﷺ يتخول بناته بالموعظة والتذكير، ويحثهن على العمل الصالح والمداومة عليه.
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ : «يا فاطمة، أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا» [رواه مسلم].
وعن علي t أن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله ﷺ أتي بسبيٍ، فأتته تسأله خادمًا، فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي ﷺ ، فذكرت ذلك عائشة له. قال: قأتانا وقد دخلنا مضاجعنا. فذهبنا لنقوم فقال: «على مكانكما» حتى وجدن برد قدميه على صدري فقال: «ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتماه؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين فإن ذلك خير لكما مما سألتماه». [متفق عليه].
ويرق لهن ويحل مشاكلهن
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديحة، أدخلتها بها على أبي العاص. قالت: فلما رآها رسول الله ﷺ رقَّ رقةً شديدة وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها الذي لها قالوا: نعم». [رواه أبو داود].
وأصلح ﷺ بين علي وفاطمة، فعن سهل بن سعد t قال: جاء رسول الله ﷺ بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يَقِلْ عندي([1]). فقال رسول الله ﷺ لإنسان: «انظر أين هو؟» فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شِقِّه، وأصابه تراب، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب» [متفق عليه].
ويغضب لهن ويخطب في الناس لأجلهن
فعن المسور بن مخرمة t قال: إن عليَّ بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل وعنده فاطمة بنت رسول الله ﷺ فقالت له: إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك وهذا عليٌّ ناكحًا ابنة أبي جهل. قال المسور: فقام النبيُّ ﷺ فسمعته حين تشهد ثم قال: «أما بعد؛ فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني، وإن فاطمة بنت محمدٍ مضغة مني، وإنما أكره أن يفتنوها، وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحدًا أبدًا» فترك عليُّ الخطبة. [رواه مسلم].
وفي لفظ البخاري: «إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها»، ثم قال: «وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا، ولكن الله لا تجتمع بنت رسول الله ﷺ وبنت عدو الله أبدًا» [رواه البخاري].
ويخفف عنهن مصابهن
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ أسرَّ إلى فاطمة حديثًا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيتُ كاليوم فرحًا أقرب من حزنٍ. فسألتها عما قال فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله ﷺ. حتى قبض النبي فسألتها، فقالت: أسرَّ إلي أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنةٍ مرة، وإنه يعارضني العام مرتين، ولا أُراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقًا بي، فبكيت فقال: «أنا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين» فضحكت لذلك. [متفق عليه].
وكان ﷺ يخفف عن ابنته وهو في مرض الموت، فعن أنس t قال: لمَّا ثقل النبي ﷺ جعل يتغشاه. فقالت فاطمة عليها السلام: واكربَ أباه، فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم». [رواه البخاري].
ويذرف الدمع لفقدهم
وها هو ﷺ يتأثر بموت إبراهيم عليه السلام، ويبكي رحمة له، فعن أنس بن مالك t قال: دخلنا مع رسول الله ﷺ على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله ﷺ إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله ﷺ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف t: وأنت يا رسول الله! فقال: يا بن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى فقال ﷺ: «العين تدمع والقلب يحزت، ولا نقول إلا ما يُرْضِي رَبَّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيمُ لمحزونون».
وعن أنس بن مالك t قال: «شهدنا بنتًا لرسول الله ﷺ، ورسول الله ﷺ جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان». [رواه البخاري].
ولما مات صبيٌّ لأحد بناته قام النبي ﷺ، وقام معه سعد ابن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأسامة بن زيد، فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع، كأنه في شنةٍ، ففاضت عيناه ﷺ، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟ قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء». [متفق عليه].
النبي ﷺ مع قرابته
أما هدي النبي ﷺ مع قرابته، فقد كان ﷺ عطوفًا عليهم، حريصًا على هدايتهم، محذرًا لهم من سبل الهلاك وطرق الخران، فعن أبي هريرة t قال: قام رسول الله ﷺ حين أنزل الله عز وجل: } وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ { [الشعراء: 214] قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا صفية عمة رسول الله ﷺ لا أغني عنك من الله شيئًا. ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا». [متفق عليه].
وكان ﷺ حريصًا على هداية عمه عبد المطلب؛ لقرابته، ومواقفه في الدفاع عن النبي ﷺ، فعن سعيد بن المسيب عن أبيه t قال: لمَّا حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله ﷺ فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة؛ فقال رسول الله ﷺ: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله ﷺ يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب (آخر ما كلّمهم): هو على ملَّة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله.
فقال رسول الله ﷺ: «أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله عز وجل }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{[التوبة: 13].
وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله ﷺ: }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{ [القصص: 56]. [متفق عليه].
وذكر النبي ﷺ فضائل أهل بيته وقرابته، وحثّ على محبتهم وولايتهم. وفضائل علي t، والحسن، والحسين، وحمزة والعباس، وعبد الله بن جعفر، وصفية بنت عبد المطلب وبقية آل البيت وقرابة النبي ﷺ كثيرة تزخر بها كتب السنة.
وكان ﷺ يحزن إذا أصيب أحد من قرابته المؤمنين بسوء، فلما قُتل حمزة t في أحد حزن النبي ﷺ حزنًا شديدًا، وفي حديث ابن عمر، وأنس بن مالك رضي الله عنهما قالا: لما رجع رسول الله ﷺ من أُحد، سمع نساء الأنصار يبكين فقال: «لكن حمزة لا بواكي له». [رواه ابن ماجه وقال الألباني: حسن صحيح].
([1]) أي: لم ينم نومة القيلولة.