×
كتاب الجوهر المكنون في رواية قالون عبارة عن شرح مختصر على الرسالة التي نظمها المؤلف فيما خالف فيه الإمام أبو موسى عيسى بن مينا الملقب بقالون الإمام أبا سعيد عثمان ابن سعيد المصري الملقب بورش من طريق الشاطبية.

 الجوهر المكنون في رواية قالون

الحمد لله الذي اصطفى من عباده حملة كتابه. والصّلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

( أما بعد ) فيقول راجي رحمة الخبير البصير. علي الضباع ذو العجز والتقصير : هذا شرح مختصر على رسالتي التي نظمتها فيما خالف فيه الإمام أبو موسى عيسى بن مينا الملقب بقالون الإمام أبا سعيد عثمان ابن سعيد المصري الملقب بورش من طريق الشاطبية .

( سميته: الجوهر المكنون في رواية قالون ) وأسأل الله من فضله أن ينفع به وبأصله إنّـه جواد كريم، رؤوف رحيم .

قال الناظم: (بسم الله الرحمن الرحيم)

افتتح نظمه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بسنّة المصطفى

لَكَ الحمدُ يا الله صَلِّ على النّبي    وآلٍ وأصحابٍ كـرامٍ ومن تَلاَ

الحمد هو الثناء الحسن. وابتدأ به بدءا إضافيا اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بالأخبار الواردة في ذلك. والصلاة من الله رحمته المقرونة بالتعظيم. والمراد بالنبي سيدنا محمد إذ هو المراد عند الإطلاق. وقوله ومن تلا يحتمل أن يراد به التابعون وتابعوهم ويحتمل أن يراد به قراء القرآن .

وَبَـعدُ فقالونُ يخالـفُ ورشَهم     لَدى أَحرفٍ هَاهِي مِنَ الحِرزِ تُجتَلاَ

قوله وبعد: هي كلمة يؤتى بها للإنتقال من نوع من الكلام إلى نوع آخر. ويستحب الإتيان بها في أوائل الكتب إقتداء به إذ كان يأتي بها في خطبه ومراسلاته. أي وبعد ما تقدم من البسملة والحمدلة والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقول لك: قالون...الخ،

(وقالون): هو أبوموسى عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى بن عبد الرحمن بن عمرو بن عبد العزيز الزرقي مولى الزهريين. كان قارئ المدينة ونحويها وكان أصم لا يسمع البوق فإذا قُرئ عليه القرآن يسمعه وكان ابن زوجة نافع وقرأ عليه قراءته غير مرة حتى قال له كم تقرأ عليّ اجلس إلى أسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ عليك وهو الذي لقبه بقالون لجودة قراءته فإنّ قالون بلغة الروم: جيِّد. وتوفي سنة 220 هـ على الصــواب.

(وورش): هو أبو سعيد عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو بن سليمان بن إبراهيم المصري القرشي مولاهم ولقب بورش لشدّة بياضه. ولد سنة 110هـ ورحل إلى المدينة ليقرأ على الإمام نافع سنة155هـ فقرأ عليه ختمات ورجع إلى مصر فانتهت إليه رياسة الإقراء بها ولم ينازعه فيها منازع مع براعته في العربية ومعرفته بالتجويد وكان جيِّد القراءة حسن الصوت إذا قرأ لا يمله سامعه. وتوفي بمصر سنة 197هـ وقبره معروف يُزَار .

(وقرأ قالون وورش): على قارئ المدينة الإمام أبي رويم نافع بن عبد الرحمن اللّيثي المتوفى بالمدينة سنة 167هـ . وقرأ نافع على سبعين من التابعين وسمى منهم خمسة: يزيد بن القعقاع القارئ، وعبد الرحمن ابن هرمز الأعرج، وشيبة بن نصاح القاضي، ومسلم بن جندب الهذلي، ويزيد بن رومان. وأخذ هؤلاء عن ثلاثة من الصحابة: أبي هريرة، وعبد الله بن عباس الهاشمي، وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وقرأ هؤلاء الثلاثة على أُبيّ بن كعب. وقرأ أبيّ على رسول الله .

 باب ما جاء بين السورتين وأمّ القرآن

فَبَسمِل لَـهُ فـي السورتين وَصِل    أَواَسْكِنَن ميم جَمعٍ إِن تَحرَّكَ ما تَلاَ

المعنى أنّ قالون أثبت البسملة وفصل بها بين كل سورتين قولا واحدا إلا بين الأنفال وبراءة فبينهما لجميع القراء الوقف والوصل والسكت بلا بسملة لإجماعهم على ترك البسملة أول براءة مطلقا.

 وورد عنه في ميم الجمع وهي الميم الزائدة الدالة على جماعة المذكرين حال وصلها بما بعدها إذا كان متحركا نحو:  عليهم غَير ، عليكم أَنفسكم وجهان: الأول السكون. والثاني الصلة بأن تُضَمَّ وتوصل بواو لفظية وتُعطى حكم المد المنفصل إذا كان ما بعدها همز قطع لدخولها في حدِّه حينئذ. أما إذا سكن ما بعدها نحو: عليهم الذِّلَّة فله ضمها من غير صلة كورش ومعلوم أنهم متفقون على إسكانها في الوقف .

 بـاب هاء الكناية والمد والقصر

هاء الكناية هي الهاء الزائدة الدالة على الواحد المذكر الغائب. والمد لغةً الزيادة واصطلاحا إطالة الصوت بحرف من حروف المد واللِّين أو من حرفي اللِّين فقط. والقصر لغةً الحبس واصطلاحا إثبات حرف المد واللِّين أو أحرف اللِّين فقط من غير زيادة عليه .

                  وَقَـصِّرْ يُؤَدِّهْ مَـعْ نُـوَلِّهْ وَنُصْلـِهْ     وَنُـؤْتِهْ فَـألْقِهْ يَتَّـقِهْ أرْجِـهْ كِـلاَ

     وَفـي يَأتِهْ طَـه خِلاَفٌ وَما انْفَصَلْ      فَوَسِّطْ أوِ اقْصُرْ وَسْطَ ما اتَّصَلَ اقْبَلاَ

المعنى أنّ قالون روى: يؤدِّه إليك موضعي آل عمران، نولِّه ما تولى ونصله جهنَّم في النساء، نؤته منها موضعي آل عمران وموضع الشورى، فألقه إليهم في النمل، يتقه في النور، أرجه في الأعراف والشعراء. بقصر الهاء في المواضع الأحد عشر أي بحذف صلتها جريا على قاعدته في هاء الضمير الواقعة بين ساكن ومتحرِّك فإنَّه لا يصلها. وقد وقعت الهاء في هذه الكلم كذلك باعتبار أصلها إذ أصلها : يؤديه ونوليه ونصليه ونؤتيه ويتقيه وفألقيه و أرجيه؛ فحذف منها حرف العلة وهو الياء للجازم في المضارع وللبناء في الأمر والمحذوف لعلة في حكم الموجود فكأن الياء لا زالت موجودة فأعطيت الهاء حكمها الأصلي وهو القصر. واختلف عنه في : ومن يأته مؤمنا في طــه بين إشباع الهاء لوقوعها بين متحرِّكين باعتبار لفظها وقصرها لوقوعها بين ساكن ومتحرِّك باعتبار أصلها وهما صحيحان مأخوذ بهما والقصر مقدّم في الأداء للقاعدة المشهورة وهي: { متى كان الخلف في هاء الضمير لأحد من القراء دائرا بين القصر والصلة أو القصر والإسكان فالمقدم القصر ومتى كان دائرا بين الصلة والإسكان فالمقدم الصلة }.

(وجاء عنه) في المد المنفصل وهو ما انفصل شرطه عن سببه بأن وقع حرف المد آخر كلمة والهمز أول تاليتها نحو:  بما أنزل ، قالوا ءامنّا ، في أنفسكم . وجهان: الأول القصر وهو أن تمدّ صوتك بحرف المد بقدر النطق بحركتين أي بالقدر الذي لا تتحقق ذات حرف المد إلا به. والثاني المد المتوسط وهو أن تمد صوتك به بقدر النطق بأربع حركات. ولا فرق في ذلك بين ما كان حرف المد فيه ثابتا لفظا ورسما كالأمثلة المتقدمة أو لفظا فقط نحو: يـأيها ، أمره إلى الله ، به إلا . ونحو: عليكم أنفسكم على وجه صلة الميم. وقد استقر عملنا على الأخذ فيه بهذين الوجهين تبعا لما جرى عليه إمامنا الشاطبي كما نبّه عليه تلميذه السخاوي. وقدّر في التيسير مدّه بألف ونصف يعني ثلاث حركات وقد رويناه أيضا ولا مانع من الأخذ به لوروده.

(وجاء عنه) في المد المتصل وهو ما اتصل شرطه بسببه في كلمته بأن اجتمع حرف المد مع الهمز في كلمة وتقدم حرف المد نحو: السفهاء ، قــروء ، جيء ؛ المد المتوسط بأن تمده قدر أربع حركات وهذا على جرى عليه الشاطبي، وقدّره في التيسير بثلاث وقد رويناه أيضا ولا مانع من الأخذ به مع مثله والقصر في المنفصل.

( فائــدة ) : إذا اجتمع في آية ميم جمع ومد منفصل فإن تقدمت الميم وتأخَّر المنفصل كما في قوله تعالى: ختم الله على قلوبهم... الآية، ففيها أربعة أوجه: الأول والثاني سكون الميم مع قصر المنفصل ومــدّه. والثــالث والـرابـع ضـمها معهما أيــضا. وإن تـقدم المنفصل وتأخَّرت الميم كما في قوله تـعالى: والذين يؤمنون بما أنزل... الآية، ففيها أربعة أيضا: قصر المنفصل مع سكون الميم وصلتها ومدّه كذلك. وإذا كان في الآية ميم جمع بعدها همز قطع ففيها ثلاثة أوجه: الأول سكون الميم، والثاني والثالث صلتها مع القصر والمد. اهـ

وَمَا بَـعدَ هَمزٍ خُذْ بِقَصرٍ وَلِينَهُ     كَذَا وَاصِلاً ثَلِّثْ كَشَيْ وَاقِفًا فُلاَ

المعنى أنّه روى باب البدل وهو ما تقدم فيه الهمز على حرف المد نحو: ءامــنــوا ، إيمــانـا ، أوتي ؛ بالقصر وجها واحدا كغير ورش. وروى باب اللِّين والمراد به هنا ما وقع فيه الياء والواو ساكنين بين حرف مفتوح وهمزة في كلمة نحو: كهيئة ، شيء ، سوءة ، امرأ سوء بالقصر في حالة الوصل وجها واحدا. وجاء عنه في متطرف الهمز منه القصر والتوسط والإشباع في حالة الوقف .

 بــاب الهمــزتـين من كلمة

لِثَانِيهِمَا سَهِّلْ وَبِالفَصلِ قُلْ خَلاَ     أئِمَّـهْ ءَآمَنـتُمْ ءَآلِـهَةٌ فَـلاَ

المعنى أنّه روى تسهيل الهمزة الثانية من كل همزتي قطع تلاصقتا في كلمة واحدة مع إدخال ألف فصل بينهما نحو: ءأنذرتهم ، أئنكم ، أؤنبئكم . وقدر ألف الفصل في ذلك حركتان على ما عليه جمهور أهل الأداء وحكى بعضهم الإجماع عليه وبه جرى عملنا. وذهب جماعة إلى تسويتها بالمتصل وضعَّفه المحققون. واستثنى قالون من هذا الباب ثلاث كلمات فلم يفصل بين الهمزتين فيهنّ بهذه الألف وهنّ: أئـمة ووقعت في خمسة مواضع: بالتوبة والأنبياء والسجدة وموضعي القصص. و ءآمنتم في الأعراف وطه والشعراء. و ءآلهة في الزخرف.

 أما أئمة فلأن أصله (أَأْمِمَة) على وزن أفعلة جمع إمام كأردية جمع رداء نُقِلت كسرة الميم الأولى إلى الهمزة قبلها ثمّ أُدغمت الميم في الميم فأصل الهمزة الثانية السكون وحركتها عارضة فاعتبر قالون أصلهَا وهو السكون وألغى حركتها لعروضها فترك الفصل لأنّه إنما يكون بين الهمزتين المتحرِّكتين. وأما ءآمنتم وءآلهتنا فلأن أصلهما قبل الإستفهام (أَأْمنتم)، (أَأْلهتنا) بهمزتين مفتوحة فساكنة فأبدلت الساكنة ألفا على القاعدة المشهورة ثمّ دخلت همزة الإستفهام فاجتمع همزتان في اللّفظ فخَفَّف قالون ثانيتهما بالتسهيل بين بين ورأى عدم الفصل في تقدير أربع ألفات وذلك إفراط في التطويل والثِّقل وخروج عن منهاج كلام العرب .

 بــاب الهمزتــين من كلمتــين

   بِحَالِ اتِّـفَاقِ الْفَتْحِ الاولَى فَاَسْقِطَا      وَفِي الْكَسْرِ أَوْ ضَمٍّ فَسَهِّلْ لِتَعْدِلاَ

  وَفِي السُّوءِ إِلاَّ اخْتِيرَ الابْدَالُ وَادُّغِمْ      وَإِنْ حَرفُ مَـدٍّ قَبلَ هَمزٍ تَسَهَّلاَ

  أَجِـزْ قَصْرَهُ والمَـدَّ لَكِنْ إِذَا سَقَطْ      فَمَعْ مَـدِّ مَفْصُولٍ بِمَـدٍّ تَسَجَّلاَ

المعنى أنّ قالون أسقط الهمزة الأولى أو حذفها بالكلية من كل همزتي قطع اجتمعتا من كلمتين وكانتا مفتوحتين نحو: جاءَ أَمرنا . وسهلها بين الهمزة والياء إذا كانتا مكسورتين نحو: هؤلاءِ إِن كنتم ، وبين الهمزة والـواو إذا كـانتا مضمـومتين نحو: أولياءُ أُولـئك . وزاد في قـولـه تعالى: بالسوءِ إِلا ما رحم في يوسف وجها آخر وهو إبدال الهمزة الأولى واوا مكسورة مع إدغام الواو التي قبلها فيها. وقد اختاره أكثر المحققين ولذا جرى العمل بتقديمه في الأداء. وما ذكرته من إسقاط الأولى حالة الفتح هو مذهب الجمهور؛ وذهب جماعة إلى أنه أسقط الثانية وأبقى الأولى. وتظهر فائدة هذا الخلاف في المد فعلى مذهب الجمهور يكون من قبيل المنفصل فيساويه قصرا ومدا وعلى المذهب الثاني يكون من قبيل المتصل فيتعين مده. ومعنى قول الناظم: وإن حرف مد ..الخ؛ أنّ حرف المد الواقع قبل همز مغيَّر يجوز فيه وجهان: المد مراعاة للأصل وتنزيلا للسبب المغير منزلة المحقق، والقصر اعتدادا بما عرض للهمز من التغيُّر واعتبارا بما صار إليه اللّفظ سواء كان التغير بالإسقاط أو بالتسهيل لكن يترجح المد فيما إذا كان التغيُّر بالتسهيل لبقاء أثر سبب المد في الجملة ويترجح القصر فيما إذا كان التغيُّر بالإسقاط لذهاب أثره. ويأتي كل من الوجهين على وجهي المد المنفصل إلا أنّ القصر في حالة الإسقاط يمتنع على مد المنفصل. ففي قوله تعالى:  وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جا أحد منكم... الآية قصر (مرضى) أو مع القصر والمد في (جا أحد) ثم مدهما معا و يمتنع مد (مرضى) أو مع قصر (جا أحد) لأن الثاني لا يخلو من أن يقدر منفصلا أو متصلا فإن قدر منفصلا ساوى الأول وإن قدر متصلا تعين مده كما مرّ. وتجري هذه الثلاثة أيضا فيما لو تأخر المنفصـل عن الهمزتــين كما في قولــه تعـالى: ويمسك السماءَ أَن تقع على الأرض إلاّ بإذنه إنّ... فإذا مددت (السما أن) فلك في (بإذنه إن) القصر والمد وإذا قصرت (السماء أن) تعيَّن قصر (بأذنه إن) لما ذكر. وفي قوله تعالى :  هــؤلاء إن كنتـم قصر(هاء) التنبيه مع مد (أولا) وقصره استصحابا للأصل واعتدادا بعارض التسهيل. ثمّ مدها معهما فهي أربعة تأتي مع كل من سكون الميم وصلتها. وضعَّف الإمام ابن الجزري في نشره قصر (أولاء) على مد المنفصل واحتج بأنّ سبب الإتصال ولو تغيَّر أقوى من سبب الإنفصال فلا يصح أن يكون أحط رتبة منه. وردَّه الأستاذ المتولي مستدلا بإطلاقه الوجهين في كل من التقريب والطيِّبة وبأن الإعتداد بعارض التسهيل يخرجه من باب المتصل إلى باب الطبيعي فلا يكون ثَمَّ مانع من جوازه. ولذا قال في فتح الكريم: وفي هؤلا إن مدها مع قصر ما  *  تلاه له امنع مسقطا لا مسهلا .

 باب الهمز المفرد والنقل والإظهار والإدغام والفتح والإمالة

الهمز المفرد هو الذي يلاصق مثله. والنقل إلقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذف الهمزة. والإظهار إخراج كل حرف من مخرجه موفّى حقّه ومستحقّه. والإدغام هو اللفظ بالحرفين حرفا كالثاني مشددا. والفتح هنا عبارة عن فتح الفم بلفظ الحرف لا فتح الحرف إذ الألف لا تقبل الحركة. والإمالة أن تنطق بالفتحة قريبة من الكسرة وبالألف قريبة من الياء كثيرا وهي المحضة ويقال لها الكبرى والإضجاع. وقليلا وهي بين اللفظين ويقال لها التقليل وبين بين والصغرى.

وَحَقِّقْ لِئَـلاَّ وَالنَّسِيءُ وَمَـا انْفَرَدْ        مِنْ الْهَمْزِ لاَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فِي كِلاَ

وَمُؤْصَدَةٌ خُـذْ نَقْلَ الانَ مَـعْ رِدَا         وَعَادًا الاُولَى وَاهْمِزْ الْـوَاوَ مُسْجَلاَ

 وَقَـدْ فضَّلُوا فِـي بِدْئِهِ تَرْكَ نَقْلِهِ         وَمَعْ ظَا وَضَادٍ قَـدْ بِالاظْهَاِر عُـدِّلا

وَتَـاءٍ لَـدَى ظَـاءٍ وَيَس ن ثُـمّ        لَـدَى الْبِكْرِ أَدْغِمْ بَـا يُعَذِّبْ مُعَدِّلاَ

وَأَدْغِمْ بخُلْفٍ يَلْهَثْ ارْكَبْ وَلاَ تُمِلْ       وَهَـارٍ أَمِـلْ تَـوْرَاةَ فَـافْتَحْ وَقَلِّلاَ

المعنى أنه روى لئلا في البقرة والنساء والحديد بهمزة محققة بين اللامين. و النسيء في التوبة بياء مدية فهمزة مضمومة محققة فهو عنده من باب المد المتصل. وروى أيضا تحقيق كل همزة مفردة ساكنة أو متحرِّكة نحو: مؤْمنين، مؤَجَّلا. إلاّ أنه استثنى من ذلك يأجوج ومأجوج في الكهف والأنبياء فقرأ بإبدال الهمزة ألفا فيهما . و مؤْصدة في البلد والهُمَزَة واوا فيهما.

 (ووافق ورشا) على النقل في ثلاث كلمات:

1ـ آلان: في موضعي يونس فرواها بنقل حركة إلى اللام وحذف الهمزة فله فيها في الوصل ثلاثة أوجه وهي: إبدال همزة الوصل ألفا مع إشباعها استصحابا للأصل وقصرها اعتدادا بعارض النقل وتسهيلها. فإذا وقف على النون جاز له ثلاثة اللام على كل من ثلاثة الهمزة.

2ـ ردا: من قوله تعالى:  رِدًا يصدقني في القصص فرواه بنقل حركة الهمزة إلى الدال وأسقط الهمزة.

3ـ الاولى: من قوله تعالى: عادا الاولى في النجم فرواه بنقل حركة الهمزة إلى اللام مع إدغام التنوين قبلها فيها في حالة الوصل وهمزة ساكنة مكان الواو وصلا وابتداء. فله في الوصل وجه واحد وهو:(عاداً لُؤْلى) بالنقل وهمز الواو. فإذا وقف على عادا وابتدأ بالأولى فله وجهان: أحدهما (اَلُؤْلَى) بهمزة الوصل اعتدادا بالأصل فلام مضمومة فهمزة ساكنة. وثانيهما (لُؤْلَى) بلام مضمومة من غير ألف الوصل قبلها اعتدادا بحركة النقل وبعدها همزة ساكنة. وزاد أكثر أهل الأداء وجها ثالثا وهو (اَلأُولى) بردِّ الكلمة إلى أصلها قبل النقل أي بهمزة الوصل فلام ساكنة فهمزة مضمومة فواو ساكنة وهو أرجح الثلاثة وحسَّنه الداني والشاطبي وإلى ذلك يشير قول الناضم: وقد فضّلوا في بدئه ترك نقله. لكن لما كان قوله: واهمز الواو مسجلا. ربما يوهم همز الواو في الأوجه الثلاثة قلت بدل السطر المذكور:

 [ وفي البدء زد تحقيقه غير هامز ]. وما عدا هذه الكلمات الثلاث فهو فيه على التحقيق من غير نقل خلافا لورش. وخالف النظم شرطه هنا ليفيد ذلك مع الإختصار.

( وروى أيضا ) إظهار دال (قد) عند الظاء والضاد المعجمتين نحو: فقد ظلم ، فقد ضل . وتاء التأنيث عند الظاء المشالة نحو: كانت ظالمة . والنون عند الواو من يـس والقرآن و ن والقلم قولا واحدا.

 ( وروى ) إدغام الباء في الميم من قوله تعالى: ويعذب من يشاء آخر سورة البكر أي البقرة.

 ( واختلف ) عنه في الثاء عند الذال من قوله تعالى: يلهث ذلك في الأعراف. والباء عند الميم من قوله تعالى: اركب معنا بهود بين الإدغام والإظهار. وهما صحيحان مقروء بهما فيهما إلا أنّ الإدغام أكثر وأشهر ولذى جرى العمل بتقديمه في الأداء.

( وروى ) الفتح قولا واحدا في جميع ما روى ورش تقليله أو إمالته إلا أنه روى هار في التوبة بالإمالة الكبرى.

(واختلف ) عنه في ألف التوراة حيث وقعت بين الفتح والتقليل والوجهان صحيحان مأخوذ بهما إلا أنّ الفتح أشهر ولذا قُدِّم في الأداء. وما ذكره في الحرز من تقليل (هايا) بمريم له نبّه المحقق ابن الجزري على أنه مما خرج فيه عن طريقه تبعا للداني ولذا تركه الناظم.

( فائدة ) إذا جاء مع لفظ التوراة ميم جمع ومنفصل ففيها لقالون من طريق الحرز خمسة أوجه:

ـ الأول والثاني الفتح مع القصر والصلة ومع المد والسكون.

ـ والثالث والرابع والخامس التقليل مع القصر والسكون ومع المد ووجهي الميم.

وأما الفتح مع القصر والسكون ومع المد والصلة والتقليل مع القصر والصلة فممتنعة. نبّه على ذلك المحقق ابن الجزري في أجوبته على الأسئلة التبريزية ونقله عنه الأستاذ المزاحي وغيره. ولكن جرى عملنا على الأخذ بالأوجه الثمانية كما يقتضيه إطلاق الحرز والطيبة وغيرهما ولا فرق في ذلك بين أن تتقدم التوراة على المد المنفصل والميم أو تتأخر عنهما أو تتوسط بينهما.

 باب الرّاءات واللاّمات وياءات الإضافة

وَرَاءَاتِ وَرْشٍ فَخَّمَهَا وَرَقِّـقَنْ      لاَمَاِتِه. لِـي فِيهَا أسْكِنْ لِتُوصَلاَ

كَذَا تُؤْمِنُوا لي يُؤْمِنُوا بِي وَإخْوَتِي     وَمَحْيَايَ أَوْزِعْنِي مَعِي ظُلَّةً عَـلاَ

وَفِي يَا إِلَى رَبِّي الَّذِي تَحْتَ غَافِرٍ     خِلاَفُ وَبِالْوَجْهَيْنِ قَالَ لَـهُ المَلاَ

المعنى أنه روى بابي الراءات واللامات بالأصول والأحكام التي رواها غير ورش ففخم الراءات التي اختص ورش بترقيقها. ورقق اللامات التي اختص ورش بتغليظها.

( وروى أيضا ) إسكان الياء في ولي فيها مآرب بطه، و وإن لم تؤمنوا لي في الدخان، و وليؤمنوا بي بالبقرة، و بين إخوتي بيوسف، و محياي بالأنعام، و أوزعني أن أشكر في النمل والأحقاف، و من معي من المؤمنين في الظُلَّة أي الشعراء. ويلزم على ذلك مد ألف محياي مدا مشبعا لدخولها في باب اللازم الكلمي المخفف وهو ما اجتمع فيه حرف المد مع ساكن مظهر في كلمة واحدة.

( واختلف ) عنه في إلى ربي إنّ في فصلت فأخذ له أكثر أهل الأداء بفتح يائه وبعضهم بإسكانها وهما صحيحان مقروء بهما والمقدم في الأداء الفتح لشهرته ولأنه الأقيس بمذهب قالون.

 باب ياءات الزّوائد

صِـلْ إنْ تَـرَنِ بِالْيَا مَعَ اتَّـبِعُونِ أَهْ      ــدِ آتَانِ نَمْلٍ خُلْفٌ ذَا وَقْفًا اعْتَلاَ

وَفِـي دَعْوَةَ الدَّاعِ دَعَانِ التَّلاَقِ وَالتَّ     ـنَـادِ خِلاَفٌ حَالَ وَصْـلٍ تَوَصَّلاَ

المعنى أنه روى إن ترن في الكهف، و اتبعون أهدكم في غافر بإثبات الياء بعد النون فيهما وصلا ووافق ورضا على حذفها فيهما وقفا.

 ( واختلف ) عنه في الوقف على فما آتان في النمل فرواه عنه جماعة بإثبات الياء وآخرون بحذفها وكلاهما مقروء به إلا أنّ الإثبات مقدم في الأداء ووافق ورشا على إثبات الياء فيه مفتوحة في الوصل.

( واختلف ) عنه أيضا في دعوة الداع و إذا دعان كلاهما في البقرة بين حذف الياء وإثباتها فيهما وصلا فقطع له الأكثرون بالحذف وقطع له غيرهم بالإثبات والوجهان صحيحان مقروء بهما والحذفهو المقدم في الأداء.

( واختلف ) عنه أيضا في التلاق و التناد كلاهما بغافر. وذكر الوجهين فيهما الداني في التيسير والمفردة وتبعه الشاطبي لكن ضعّف المحقق ابن الجزري الإثبات وعدَّه من الإنفرادات التي جرت عادة المحققين بتركها فليعلم.

وَبِالحذْفِ يَدْعُ الدَّاعِ تَسْئَلَن كَالجَـوَا     بِ بِالْوَادِ في الْفَجْرِ دُعَا نُـذُرِ انْجَلاَ

 مَـعَ الْبَـادِ تُرْدِيـنِ نَـذِيرِ يُكَذِّبُو      نِ قَـالَ وَعِيـدِ يُنْقِذُونِ فَحَـصِّلاَ

كَذَا اعْتَزِلُونِ تَـرْجُمُونِ نَكِـيرِ خُذْ      فَهَذِي الأُصُولُ احْفَظْ لِتَرْقَى إِلى الْعُلاَ

المعنى أنه روى حذف الياء في خمس وعشرين موضعا وهي:

يوم يدع الداع في القمر، و فلا تسئلن في هود، و كالجواب في سبأ، و بالواد في الفجر، و دعاء في إبراهيم، و نذر ستة مواضع في القمر، و الباد في الحج، و لتردين في الصافات، و نذير في الملك، و يكذبون قال في القصص، و وعيد في إبراهيم وموضعي ق، و ينقذون في يس، و فاعتزلون، أن ترجمون كلاهما في الدخان، و نكير في الحج وسبأ وفاطر والملك. وهنا تمت الأصول جمع أصل يعني الأحكام المطردة وبالله التوفيق.

 باب فرش الحروف

يعني الأحكام المنفردة المرتبة بحسب ترتيب مواضع السور.

وَهَـا هُوَ عَـنْ فَـا وَوَاوٍ وَلاَمِهَا     وَثُمَّ هْوَ أَسْكِنْ وَالبُيُوتِ اكْسِرْ انجَلاَ

المعنى أنه روى إسكان هاء ضمير المذكّر الغائب المنفصل المرفوع وكذا المؤنث إذا وقع كل منهما بعد الفـاء أو الواو أو اللام الإبتدائية نحو: فهْو خير ، فهْي خاوية ، وهْو واقع ، وهْي تجري ، لـهْو الغني ، لـهْي الحيوان . وكذا ثمّ هْو يوم القيامة في القصص. وروى بيوت كيف جاء نحو: وأتوا البيوت ، بيوتا غير بيوتكم ، من بيوتهن ؛ بكسر الباء .

نِعِمَّا اخْتَلِسْ سَـكِّنْ كَتَعْدُوا يَخَصِّمُو    يَهَدِّي. وَهَـاأَنْتُمْ مَـعَ الْفَصْلِ سَهِّلاَ

وَمَعْ قَصْرِهِ ذَا الْفَصْلِ أَطْلِقْ وَإِنْ تَمُدْ     فَبِالْمَدِّ لاَ غَيْـرُ اقْرَأَنْ كَـيْ تُفَضَّلاَ

المعنى أنه روى فنعمّا هي في البقرة و نعمّا يعظكم في النساء باختلاس كسرة العين وباسكانها أيضا. و لا تعدّوا في النساء باختلاس فتحة العين وبإسكانها أيضا. و أمن لا يهدّي في يونس باختلاس فتحة الهاء وبإسكانها أيضا.و هم يخصّمون في يس باختلاس فتحة الخاء وبإسكانها أيضا. ومعنى الإختلاس اختطاف الحركة بسرعة حتى يذهب القليل ويبقى الكثير فهو عكس الروم. وقد أهمل الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ ذكر الإسكان في الجميع مع أنّ الداني ذكره في التيسير وجعله هو النص عن قالون وبصّ في بعض كتبه على الوجهين وصححهما المحقق. وجرى عملنا على الأخذ بهما مع تقديم الإسكان. ولا مبالاة من الجمع بين الساكنين في مثل ذلك لثبوت القراءة به.

وروى هاأنتم في موضعي آل عمران وفي النساء والقتال بتسهيل الهمزة بين بين مع القصر والمد ويأتي على قصرها قصر المنفصل ومده. ويأتي مده فقط على مدها ففيها ثلاثة أوجه.

رَأَيْتَ فِي الاسْتِـفْهَامِ سَهِّلْ وَفِي أَنَا     لَدَى كَسْرِ هَمْزٍ مُدَّ بِالخُلْفِ وَاصِلاَ

المعنى أنه روى أرأيت كيف وقع مصحوبا بهمزة الإستفهام نحو: أرأيتكم ، أفرأيتم ، أفرأيت بتسهيل الهمزة الثانية بينها وبين الألف وجها واحدا.

(واختلف) عنه في أنا إلا نذير في الأعراف والشعراء والأحقاف وصلا بين إثبات الألف بعد النون وحذفها. وذكر الوجهين في الشاطبية واقتصر في التيسير على الإثبات وصححهما المحقق وجرى عملنا على الأخذ بهما مع تقديم الإثبات. وعلى الإثبات يدخل في باب المنفصل فيساويه قصرا ومدا لدخوله في حدِّه حينـئذ.

وَرَا قُرْبَةٌ سَكِّنْ وَبِالخُلْفِ يَا أَهَبْ     وَرِءْيًا فَأَبْدِلْ مُدْغِمًا تَغْدُ فَاضِلاَ

المعنى أنه روى قربة لهم في التوبة بسكون الراء.

(واختلف) عنه في لأهب لك في مريم بين الياء كورش والهمزة كغيره وجرى عملنا على الأخذ بهما مع تقديم الهمز في الأداء.

(وروى): رءيا في مريم أيضا بإبدال الهمزة ياء وإدغامها في الياء بعدها.

لِيَقْطَعْ فَسَكِّنْ مَعْ لِيَقْضُواكَحَرْفِ عَنْ     ـكَبُوتٍ وَهَمْزَ اللاَّءِ حَقِّقْهُ مُسْجَلاَ

المعنى أنه روى ثمّ لْيقطع و ثمّ لْيقضوا كلاهما في الحج و ولْيتمتعوا في العنكبوت بإسكان اللام في الثلاثة. وروى أيضا اللائي في الأحزاب والمجادلة وموضعي الطلاق بتحقيق الهمزة بلا ياء في الحالين.

وَبِالْيَا مَـعَ التَّشْدِيدِ صِـلْ لِلنَّبِي إِنْ     بـُيُوتَ النَّبِيِّ سَكِّنْ أَوَابَاؤُنَا كِـلاَ

المعنى أنه روى للنبي إن أراد و بيوت النبي إلا كلاهما في الأحزاب بإبدال الهمزة ياء في الوصل ووافق ورشا على الهمز في الوقف.

وروى أوآباؤنا في الصافات والواقعة بسكون الواو.

وَسَكِّنْ وَزِدْ هَمْزًا كَوَاوٍ أَؤُشْهِدُوا     مَعَ الْفَصْلِ بِالْخُلْـفِ. الْمُرَادُ تَكَمَّلاَ

بِحَمْدِ إِلَهِي مَعْ صَلاَتِي مُسَـلِّمَا      عَلَى المُصْطَفَى وَالآلِ وَالصَّحْبِ وَالْوِلاَ

المعنى أنه ورد عنه في أؤشهدوا خلقهم في الزخرف وجهان: أحدهما إدخال ألف الفصل.

والثاني تركها. وجرى عملنا على الأخذ بهما مع تقديم الأول في الأداء.

وأشار الناظم بقوله المراد تكملا إلى تمام المقصود من هذه المنظومة. وحَمِدَ الله سبحانه وتعالى وصلى على نبيه في ختام نظمه كما بدأه بذلك رجاء قبوله لأنه سبحانه وتعالى أكرم من أن يقبل الطرفين ويريد ما بينهما. وأردف الصلاة بالسلام هنا دفعا لكراهة إفراد أحدهما عن الآخر. إن قلتَ قد أفرد الناظم الصلاة عن السلام في أول النظم، قلتُ لا لأنه ليس المراد بالجمع بينهما أن يكونا مقرونين بل المراد أن لا يخلوا الكلام أو المجلس عنهما معا ولا يخفى أن النظم كله كلام واحد. وقوله والصحب اسم جمع لصاحب بمعنى الصحابي والمراد بالولا الإتباع.

وهذا آخر ما يسره الله تعالى والحمد لله أولا وآخرا: وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

وكان الفراغ من نسخه وقت شروق شمس يوم الأربعاء المبارك السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1355 هجرية.

كتبه :

على بن محمد الضباع