×
الميسر المفيد في علم التجويد: رسالةٌ جمع فيها الكاتب - وفقه الله - أحكام التجويد وقراءة القرآن الكريم بشيءٍ من الإيجاز والاختصار.

الميسر المفيد في علم التجويد

صبري سلامة شاهين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي علَّم القرآن وخلق الإنسان علَّمه البيان. وأشهد ألاَّ إله إلا الله وحده لا شريك له، توالت علينا نعمه فهو علينا ذو مَنٍّ وفضلٍ وإحسان، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمةً للعالمين ونذيرًا للكافرين ومبشرًا للمؤمنين .. صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه وسار على دربه من إنسٍ وجانٍ وسلَّم تسليمًا.

أما بعد..

فقد تفضَّل عليَّ أخونا صبري بن سلامة بن شاهين فأحسن بي الظن، وأرجو أن أكون لِما ظنَّ بي أهلاً، فأطلعني على ما أعدَّه في تجويد القرآن الكريم ليُسهِّل على المريدين الاطلاع عليه والرجوع إليه، فألفيته جيدًا مُعتنًى به، قد بَذَل فيه جهدًا نسأل الله تعالى ألاَّ يُضيِّعَ أجره عليه، كما أسأله تعالى أن يجعل ذلك ذُخرًا له إلى يوم القيامة بثقل موازينه، ويجعلنا وإياه ممن يقال لهم يوم القيامة «اقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها»، وقد سمَّاه «الميسر المفيد في علم التجويد».

هنا أن أشير إلى أهمية تجويد كتاب الله تعالى، ولو لم يَرِد بفضله إلاَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة» لكان بذلك حافزًا لتعلُّمه وتعليمه، وليدخل تحت قوله - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه».

اللهم اجعلني من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك بفضلك، وصلِّ الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

كتبه: عادل بن سالم الكلباني


الاستعاذة لغة: الالتجاء والاعتصام والتحصُّن.

واصطلاحًا: لفظ يُحصَّل به الالتجاء إلى الله تعالى والاعتصام والتحصُّن به من الشيطان الرجيم، وهي ليست من القرآن بالإجماع.

وحُكمها: اتَّفق العلماء على أنَّ الاستعاذة مطلوبة ممَّن يريد القراءة، واختلفوا هل هي واجبة أو مندوبة .. فذهب جمهور العلماء وأهل الأداء إلى أنها مندوبة عند ابتداء القراءة، وذهب بعض العلماء إلى أنها واجبة عند ابتداء القراءة.

وصيغتها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، كما جاء في الآية.

وقد جاء في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما استبَّ رجلان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدهما كان مغضبًا وقد احمرَّ وجهه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»([1]).

فائدة: لو قطع القارئ قراءته لعُذر طارئ كالعطاس أو التنحنح أو لكلام يتعلق بمصلحة القراءة فلا يُعيد الاستعاذة، أما لو قطعها إعراضًا عن القراءة أو لكلام لا تعلُّق له بالقراءة، ولو لردِّ السلام؛ فإنه يستأنف الاستعاذة.

أما البسملة: أي يقول «بسم الله الرحمن الرحيم»؛ فقد أجمع القرَّاء السبعة على الإتيان بها عند ابتداء القراءة بأول أيَّة سورة من سور القرآن سوى سورة «براءة»، و كذلك كتابتها في المصحف، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يعرف فصل السورة حتى تنـزل عليه "بسم الله الرحمن الرحيم"»([2]).

أوجه الابتداء: إذا ابتدأ القارئ قراءته بأول أية سورة من سور القرآن سوى «براءة» فله أن يجمع بين الاستعاذة والبسملة وأول السورة، ويجوز له حينئذ أربعة أوجه:

1- قطع الجميع: أي فصل الاستعاذة عن البسملة عن أول السورة بالوقف على كلٍّ منها، وهذا الوجه أفضلها.

2- قطع الأول ووصل الثاني بالثالث: أي الوقف على الاستعاذة ووصل البسملة بأول السورة، وهو يلي الوجه الأول في الأفضلية.

3- وصل الأول بالثاني وقطع الثالث: أي وصل الاستعاذة بالبسملة والوقف عليها، وهو أفضل من الأخير.

4- وصل الجميع: أي وصل الاستعاذة بالبسملة بأول السورة.

النون الساكنة: هي النون الخالية من الحركة والثابتة لفظًا وخطًّا ووصلاً ووقفًا، وتكون في الأسماء والأفعال والحروف، وتكون متوسطة ومتطرِّفة، وتكون أصلية من بنية الكلمة مثل «أَنْعَمَ» وتكون زائدة كما في ﴿فَانْفَلَقَ﴾ فأصل الفعل: «فَلَق».

وأما التنوين: فهو نون ساكنة زائدة تلحق آخر الاسم لفظًا ووصلاً وتفارقه خطًّا ووقفًا، وعلامته: فتحتان أو كسرتان أو ضمتان.

وللنون والتنوين أربعة أحكام: «الإظهار، الإدغام، الإقلاب، الإخفاء».

أولاً- الإظهار

وهو في اللغة: بمعنى الإيضاح والبيان.

وفي الاصطلاح إخراج كلِّ حرفٍ من مخرجه من غير غُنَّة.

والإظهار: أي النُطق بالنون وتحقيقها من مخرجها وبحرف الإظهار من مخرجه مع الفصل بينهما وإيضاح كلٍّ منهما مع الاحتراس من زيادة الغُنة في النون، وحروف الإظهار هي حُروف الحلق، وهي ستة ذكرها الناظم في قوله:

هَمْزٌ فَهَاءٌ ثُمَّ عَيْنٌ حَاءُ

مُهْمَلَتَانِ ثُمَّ عينٌ خَاءُ

ولا فرق في الإظهار إذا اجتمعت النون مع حرف الحلق في كلمة واحدة، أو تكون النون في كلمة وحرف الحلق في كلمة أخرى.

ومثال الهمزة مع النون الساكنة في كلمة واحدة: ﴿يَنْأَوْنَ﴾.

ومثال الهمزة مع النون الساكنة في كلمتين منفصلتين: ﴿مَنْ آمَنَ﴾

ومثال الهمزة مع التنوين: ﴿كُلٌّ آمَنَ﴾.

وكذا باقي الحروف فالهاء: ﴿مِنْهُمْ﴾ ﴿إِنْ هُوَ﴾ و ﴿فَرِيقًا هَدَى﴾.

والعين: ﴿أَنْعَمْتَ﴾ ﴿مِنْ عَمَلِ﴾ ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

والحاء: ﴿وَانْحَرْ﴾ ﴿مَنْ حَادَّ﴾ ﴿عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.

والخاء: ﴿وَالْمُنْخَنِقَةُ﴾ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾.

والعلَّة في إظهار النون عند هذه الحروف تباعد مخرج النون عن مخارج حروف الحلق.

ثانيًا- الإدغام

وهو لغة: إدخال الشيء في الشيء.

واصطلاحًا: التقاء حرف ساكن بحرف متحرك بحيث يصيران حرفًا واحدًا مشدَّدًا يرتفع اللسان عنه ارتفاعه واحدة.

وحروفه ستة مجموعة في كلمة : «يرملون» .

فتدغم النون الساكنة أو التنوين في أربعة منها بغُنَّة وهي: «الياء والنون والميم والواو»، مجموعة في كلمة «ينمو»، وفي اثنين بغير غُنة وهما: «اللام والرَّاء».

فائدة الإدغام: التسهيل؛ لأنَّ النطق بالأحرف المتماثلة أو المتقاربة وفصلها عن بعضها وإظهار كلِّ حرفٍ منها ثقيلٌ على اللسان؛ فخُفِّف بالإدغام بينهما، والإدغام مُمكن في سائر الحروف سوى حروف الحلق..

أمثلة الإدغام بغُنة.

حرف الياء: ﴿إِنْ يَشَأْ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ﴾.

حرف النون: ﴿أَنْ نَعْفُ﴾ ﴿أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾.

حرف الميم: ﴿مِنْ مَالٍ﴾ ﴿عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾.

حرف الواو: ﴿مِنْ وَاقٍ﴾ ﴿جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾.

أمثلة الإدغام بلا غُنة:

حرف الرَّاء: ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾.

حرف اللام: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾.

ويستثنى من الإدغام:

إذا وقعت هذه الأحرف بعد النون في كلمة وجب الإظهار، ويسمى «إظهارًا مطلقًا»، ولم يقع في القرآن بعد النون في كلمة واحدة إلاَّ الياء والواو. فالياء في كلمتي: ﴿الدُّنْيَا﴾ ﴿بُنْيَانُهُمُ﴾، والواو في كلمتي ﴿صِنْوَانٌ﴾ ﴿قِنْوَانٌ﴾.

والإدغام بغنة يعتبر إدغامًا ناقصًا لذهاب الحرف وهو النون أو التنوين وبقاء الصفة وهي الغنة، أما الإدغام بغير غنة يعد إدغامًا كاملاً لذهاب الحرف وهو الرَّاء أو اللام مع الصفة.


ثالثًا- الإقلاب

وهو لغة: تحويل الشيء عن وجهه.

واصطلاحًا: جعل حرف مكان حرف..

أي قلب النون الساكنة ميمًا قبل الباء، مع مراعاة إخفاء الميم في الباء وإظهار الغُنة، ووجه القلب هنا هو عُسر الإتيان بالغُنة في النون والتنوين مع الإظهار، ثم إطباق الشفتين لأجل الباء، وعُسر الإدغام، كذلك لاختلاف المخرج وقلَّة التناسب؛ لذا تعيَّن الإخفاء، وتوصِّل إليه بالقلب ميمًا؛ لأنها تشارك الباء في المخرج والنون في الغنة .. والإقلاب يكون مع الباء فقط.

الأمثلة:

﴿الْأَنْبِيَاءَ﴾ ﴿أَنْ بُورِكَ﴾ ﴿سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.

﴿أَنْبِئُونِي﴾ ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾.

رابعًا- الإخفاء

في اللغة: هو الستر.

وفي الاصطلاح: هو إخفاء الحرف الأول في الحرف الثاني مع بقاء صفة الغُنة في الحرف الأول، وهو حالة بين الإظهار والإدغام.

وبيان ذلك: أنَّ الإظهار هو بقاء ذات الحرف بتحقيق مخرجه وصفاته، وتمييزه عن الحرف الآخر فلا يمتزج به، والإدغام هو إذهاب ذات الحرف الاول بإذهاب مخرجه وصفته ومزجه بالحرف الثاني وإدماجه فيه.

والإخفاء:

درجة متوسطة بين الدرجتين ومرتبة بين المرتبتين، وذلك لأنه لَمَّا لم تكن أحرفه قريبة قُرب أحرف الإدغام، ولا بعيدة بعد أحرف الإظهار؛ لم تُدغم فيها النون ولم تظهر عندها، بل ابتغينا مسلكًا وسطًا، فخلطنا بعض النون في الحرف الذي بعدها، وأبقينا بعضها ظاهرًا في النُطق، وحرصنا على إظهار صفتها التي هي الغُنة؛ لأنك عندما تنطق بالنون المُخفَاة فإنك تنطق بها من الخيشوم فلا يرتفع اللسان بمخرجها ولا يلتصق بأصول الثنايا.

والحروف التي تخفى فيها النون خمسة عشر حرفًا جمعها الجمزوري صاحب «تحفة الأطفال» في أوائل هذا البيت:

صِفْ ذا ثَنا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا

دُمْ طيبًا زدْ في تُقى ضَعْ ظَالمَا

الأمثلة:

1- ص ﴿يَنْصُرْكُمُ﴾ ﴿مِن صَيَاصِيهِمْ﴾ ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾.

2- ذ ﴿لِيُنْذِرَ﴾ ﴿مَنْ ذَا الَّذِي﴾ ﴿ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ﴾.

3- ث ﴿مَنْثُورًا﴾ ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ﴾ ﴿مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾.

4- ك ﴿يَنْكُثُونَ﴾ ﴿فَمَنْ كَانَ﴾ ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾.

5- ج ﴿فَأَنْجَيْنَاكُمْ﴾ ﴿أَنْ جَاءَكُمْ﴾ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾.

6- ش ﴿أَنْشَأَ﴾ ﴿فَمَنْ شَهِدَ﴾ ﴿رَسُولًا شَاهِدًا﴾.

7- ق ﴿يَنْقَلِبُونَ﴾ ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾.

8- س ﴿مَا نَنْسَخْ﴾ ﴿أَنْ سَيَكُونُ﴾ ﴿قَوْلًا سَدِيدًا﴾.

9- د ﴿أَنْدَادًا﴾ ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ﴾ ﴿قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ﴾.

10- ط ﴿يَنْطِقُونَ﴾ ﴿مِنْ طِينٍ﴾ ﴿شَرَابًا طَهُورًا﴾.

11- ز ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ ﴿مَنْ زَكَّاهَا﴾ ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾.

12- ف ﴿فَانْفِرُوا﴾ ﴿مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ ﴿خَالِدًا فِيهَا﴾.

13- ت ﴿كُنْتُمْ﴾ ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ﴾ ﴿جَنَّاتٌ تَجْرِي﴾.

14- ض ﴿مَنْضُودٍ﴾ ﴿مِنْ ضَرِيعٍ﴾ ﴿عَذَابًا ضِعْفًا﴾.

15- ظ ﴿فَانْظُرْ﴾ ﴿مِنْ ظَهِيرٍ﴾ ﴿قُرًى ظَاهِرَةً﴾.

هاء الكناية

وهي هاء الضمير التي يُكنَّى بها عن المفرد الغائب.

وتلحق الحروف كما في «إنهُ – لهُ – إليه - فيه».

وتلحق الأسماء كما في «أهله - مثواهُ - ملائكته».

وتلحق الأفعال كما في «يُجاورُهُ – خَلَقهُ – خُذُوه».

وحكمها يَدُور بين المدِّ بمقدار حركتين أو القصر.

فتُمَدُّ إذا وقعت الهاء بين حركتين مثل: ﴿إِنَّه هُوَ﴾ ﴿أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾ ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ﴾، فتصلها بواو ممدود بمقدار حركتين إن كانت مضمومة وبياء ممدودة بمقدار حركتين إن كانت مكسورة، إلاَّ في قوله:

ا- ﴿أَرْجِهْ﴾ في الأعراف والشعراء فتقرأ بالسكون.

ب- ﴿فَأَلْقِهِ﴾ في النمل تقرأ بلا مد.

ج- ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ في الزمر فإنها تُقرأ بلا مد أيضًا.

وتقصر فيما سوى ذلك، أي إذا وقعت بين ساكنين مثل: ﴿إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾.

أو بين ساكن ومتحرك مثل: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ ﴿لَهُ الْمُلْكُ﴾.

حكم اللام والرَّاء

اللام الواردة في القرآن الكريم إمَّا ساكنة وإمَّا متحركة.

فاللام ساكنة: يدور الحكم فيها بين الإظهار والإدغام، وقد تكلَّمنا عنها في حكم اللامات السواكن.

أما اللام المتحركة فالحكم فيها يدور بين «التفخيم والترقيق».

والأصل في اللام الترقيق لأنها من حروف «الاستفال»، سواء كانت مفتوحة مثل: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾..

أو مكسورة مثل ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾.

أو مضمومة مثل ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.

ولا تُفخَّم اللام إلاَّ في لفظ الجلالة وذلك في حالتين:

الحالة الأولى: إذا وقعت بعد فتح مثل ﴿قَالَ اللَّـهُ﴾.

الحالة الثانية: إذا وقعت بعد ضمٍّ مثل ﴿عَبْدُ اللَّـهِ﴾.

أما اذا وقعت اللام بعد كسر فحكمها أن تُرقَّق مثل: ﴿لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ﴿مَنْ آَمَنَ بِاللَّـهِ﴾.

أما حكم الرَّاء:

تُفخَّم الرَّاء في سبعة مواضع:

1- إذا كانت الرَّاء مضمومة مثل: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ﴾.

2- إذا كانت الرَّاء مفتوحة مثل: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾.

3- إذا كانت الرَّاء ساكنة وسبقها ضم، مثل ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾.

4- إذا كانت الرَّاء ساكنة وسبقها فتح، مثل: ﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا﴾.

5- إذا جاءت الرَّاء بعد حرف ساكن سوى الياء، وسبق الحرف الساكن فتح أو ضم، مثل ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.

6- إذا جاءت الرَّاء ساكنة بعد كسر عارض، مثل: ﴿الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾.

7- إذا جاءت الرَّاء ساكنة بعد كسر أصلي وبعدها حرف استعلاء متصل بها، ورد هذا في القرآن في خمس كلمات هي:

1- «قرطاس» في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾.

2- «إرصادًا» في قوله تعالى: ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾.

3- «فِرقة» في قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾.

4- «مرصادًا» في قوله تعالى: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا﴾.

5- «لبالمرصاد» في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾.

وتُرقَّق الرَّاء في خمسة مواضع:

1- إذا كانت الرَّاء مكسورة مثل: ﴿رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾ ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾.

2- إذا كانت الرَّاء ساكنة وسبقها كسر أصلي ﴿فِرْعَوْنَ﴾ ﴿شِرْعَةً﴾.

3- إذا كانت الرَّاء ساكنة متطرفة بعد حرف ساكن غير الياء وقبل هذا الحرف كسر، ويتم الوقف على الرَّاء مثل ﴿الذِّكْر﴾ ﴿الشِّعْر﴾.

4- إذا كانت الرَّاء ساكنة متطرِّفة بعد ياء ساكنة ويتم الوقف على الرَّاء أيضًا مثل قوله ﴿قَدِير﴾ ﴿بَشِير﴾ ﴿نَذِير﴾.

5- إذا كانت الرَّاء ساكنة بعد كسر أصلي ووقع بعدها حرف استعلاء ولكنه منفصل عنها ﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ﴾ ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا﴾

الممدود والميم الساكنة

المد: هو إطالة الصوت بالحرف، وحروفه ثلاثة «الألف - الواو ويسبقها ضم - الياء ويسبقها كسر».

فهذه الأحرف فيها مد طبيعي بمقدار حركتين، واجتمع المد الطبيعي في ﴿نُوحِيهَا﴾.

فإنه يجب أن تمد صوتك بالواو والياء والألف بمقدار حركتين عاديتين بالأصابع، وللمدِّ سببان هما: «الهمز، والسكون»، فإذا جاء بعد حرف المد همز أو سكون خرج من كونه مدًّا طبيعيًّا.

وهو على أقسام بحسب أحوال الهمزة والسكون.

الهمزة:

1- المد المتصل «جَاءَ، شَاءَ، جيء، سيءَ، السوء، قُرُوء، الملائكةُ، أُولئكَ، الفَائزونَ، للطائفين) ففي هذه الكلمات جاءت الهمزة متصلة بحرف المد في كلمة واحدة، ولهذا سمي «المدّ المتصل»، ويُمَد بمقدار أربع حركات إلى ستٍّ وجوبًا ولا يجوز قصره.

2- المدُّ المنفصل: ﴿وَمَا أَنْزَلَ﴾، ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾، ﴿يا أيُهَا﴾، ﴿قُوا أنفُسكُمْ﴾، ﴿ادْعُوني أَستْجَب لَكُمْ﴾، ﴿وَأَنيبوا إلى رَبكمْ﴾..

ففي هذه الأمثلة جاءت الهمزة منفصلة عن حرف المدِّ في كلمة أخرى، ولهذا سمي «المدُّ المنفصل»، ويُمدُّ بمقدار أربع حركات إلى خمس.


السكون

1- المد اللازم.

أ- «الآنَ، الضَّالينَ، الطَّامَّةُ، أَتُحَاجُوني».

ب- «ق~- ص~- حم- الم- طسم».

وهو أن يأتي بعد حرف المد سكون لازم وصلاً ووقفًا وحُكمه اللزوم، للزوم مدِّه ستَّ حركات بلا زيادة ولا نقص عند جميع القراء، ومن نقص عن ذلك أو زاد فقد أساء وظلم.

2- المد العارض: «الْعَالَمِينَ- الرَّحِيم- فَتْحٌ قَرِيبٌ- الْخُرُوجَ- مَّرْصُوصٌ- تَعْلَمُونَ- مَتَاب- الحسَاب- الرَّحْمَن».

بقراءة الكلمات السابقة تلاحظ الآتي:

1- إذا وقعت عليها وقع السكون على أواخرها بعد حرف المدِّ بسبب الوقف.

2- ولو وُصِلت الكلمة بما بعدها زال السكون وتحرَّكت الكلمة بحركتها قبل الوقف هكذا ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * فَتْحٌ قريب﴾

ولهذا سُمي هذا المد بـ«المدِّ العارض»، أي الذي كان السكون فيه عارضًا بسبب الوقف ويسقط بالوصل، وحُكمه أن يمد بمقدار حركتين او أربع أو ست.


أحكام الميم الساكنة

وهي الميم التي لا حركة لها، وهي تقع قبل أحرف الهجاء جميعًا ما عدا حروف المد الثلاثة (الألف، والواو، والياء).

وأحكامها ثلاثة:

أولاً- الإخفاء الشفوي:

وله حرف واحد وهو «الباء»، فإذا وقعت بعد الميم الساكنة ولا يكون ذلك إلاَّ في كلمتين جاز الإخفاء، ويُسمَّى «إخفاءً شفويًا»، ولا بد معه من الغُنة.

مثال: ﴿يَعْتَصِمْ بِاللهِ﴾ ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ﴾ ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾.

ثانيًا- الإدغام:

وله حرف واحد وهو «الميم»، فإذا وقعت الميم المتحرِّكة بعد الميم الساكنة وجب الإدغام، ويُسمَّى «إدغام متماثلين صغيرًا»، ولا بدَّ معه من الغُنة أيضًا مثال: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ﴾ ﴿أَمْ مَنْ أَسَّسَ﴾.

ثالثًا- الإظهار الشفوي:

وله الستة والعشرون حرفًا الباقية من أحرف الهجاء بعد إسقاط «الباء» في الإخفاء و«الميم» في الإدغام، وحُكمها الإظهار، فلا بدَّ من إظهار الميم الساكنة عند ملاقاتها للحروف الستة والعشرين، وسُمِّي شفويًّا لأنَّ الميم الساكنة - وهي الحرف المظهر - تخرج من الشفتين.

ولا بدَّ من مراعاة إظهار الميم الساكنة إظهارًا شفويًا شديدًا بعد «الواو» و«الفاء» حتى لا يُتوهَّم إخفاؤها عندهما كما تخفى عند الباء، وذلك لاتحاد مخرجها مع الواو وقرب مخرجها من الفاء، وإلى ذلك أشار صاحب التُحفة.

وَاحذَرْ لَدَى «وَاوٍ» وَ«فَا» أنْ تَخْتَفي

لِقُربهَا والاتَّحادِ فَاعرِفِ

حكم النون والميم المشدَّدتين

اللامات السواكن:

النون والميم المشدَّدتان إما أن يكونا في وسط الكلمة أو في آخرها، سواء في الاسم والفعل والحرف.

وحُكمها: وجوب إظهار الغُنة فيهما حال النطق بهما، ويُسمَّى كلٌّ منهما حرف غُنة مشددًا.

والغُنة لغة: صوت له رَنين في الخيشوم.

واصطلاحًا: صوت لذيذ مركب في جسم النون والميم، لا عمل للسان فيه.

ومخرجها: من الخيشوم، وهو أعلى الأنف وأقصاه من الداخل.

ومقدارها: حركتان بحركة الإصبع قبضًا أو بسطًا.

كيفية النطق بالغنة؟

فهي تابعة لِما بعدها تفخيمًا وترقيقًا، فإن كان ما بعدها حرف استعلاء فُخِّمت مثل ﴿يَنْطِقُونَ﴾، وإن كان ما بعدها حرف استفال رُقِّقت مثل ﴿مَا نَنْسَخْ﴾.

حُكم اللامات السواكن

وهي خمسة أنواع:

1- لام التعريف «ال».

2- لام الفعل.

3- لام الحرف.

4- لام الاسم.

5- لام الأمر.

أولاً- حكم لام «ال»:

وهي المعروفة بـ«لام التعريف»، وتدخل على الأسماء، وهي زائدة عن بِنية الكلمة وسواء أمكن الاستغناء عن «ال»، كما في ﴿الْأَرْضِ﴾ أم لم يمكن مثل ﴿الَّذِينَ﴾، وهذا النوع الأخير حكمه وجوب الإدغام إذا أتى بعدها لام كما في ﴿الذي، التي والذين، اللذان، اللاتي، واللآئي﴾، ووجوب الإظهار إذا أتى بعدها ياء أو همز كما في ﴿وَالْيَسَعَ﴾ ﴿آلآنَ﴾ وهي في ذلك كلُّه لا تفارق الكلمة.

أما «ال» التي يمكن استقامة الكلام بدونها فلها قبل أحرف الهجاء حالتان:

الأولى- الإظهار.

وتسمى «أل» فيها بـ«اللام القمرية»، وتختصُّ بأربعة عشر حرفًا وهي «الهمزة، والباء، والحاء، والجيم والكاف والواو والخاء والفاء والعين والقاف والياء والميم والهاء»، مجموعة في قول صاحب التحفة «ابغ حجك وخف عقيمه».

فإذا وقع حرف من هذه الأحرف بعد «أل» وجب إظهارها، ويُسمَّى إظهارًا قمريًا، وتظهر السكون على اللام.

والثانية: الإدغام وتسمى «أل» فيها بـ«اللام الشمسية»، وهي تختصُّ بالأربعة عشر حرفًا الباقية من أحرف الهجاء، وقد جمعها صاحب التحفة في أوائل كلم هذا البيت:

طِبْ ثُمَّ صِلْ رَحمًا تَفُزْ ضفْ ذَا نِعَمْ

دَعْ سُوءَ ظَنَّ زُرْ شَريفًا للكَرَمْ

وهي: «الطاء، والثاء والصَّاد والرَّاء والتاء، والضَّاد والذال والنون والدال والسين والظاء والزاي والشين واللام».

فإذا وقع حرف من هذه الأحرف الأربعة عشر بعد لام «ال» وجب إدغامها ويسمى إدغامًا شمسيًّا، واللام لا تُسكَّن، بل الحرف الذي يأتي بعدها يُشدَّد.

ثانيًا- حكم لام الفعل:

وهي اللام الساكنة الواقعة في فعل، سواء كان ماضيًا أو مضارعًا أو أمرًا، وسواء وقعت اللام في وسط الفعل أو في آخره.

مثال: ﴿الْتَقَى- أَنزَلْنَاهُ- يَلْتَقطْهُ- أَلمْ أقُلْ إنكَ- وَألْق- وَتوكَّلْ﴾، ولها قبل أحرف الهجاء حالتان:

الأولى- الإدغام: فتُدغم لام الفعل مطلقًا إذا وقع بعدها «لام أو راء» مثل:

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ﴾ ﴿وَقُلْ رَبِّ﴾ ﴿وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ﴾.

والثانية- الإظهار: فتظهر لام الفعل مطلقًا إذا وقع بعدها حرف من الحروف الستة والعشرين الباقية.

ثالثًا- حكم لام الحرف:

وهي اللام الواقعة في حرف، وذلك في «هَلْ – بَلْ»، حيث لا يوجد غيرها في القرآن، وحكم اللام في ﴿بَلُ﴾ وجوب الإظهار نحو قوله تعالى: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ﴾ ما لم يقع بعدها «لام أو راء» فتدغم في «اللام» للتماثل مثل ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾.

وتدغم في «الرَّاء» للتقارب مثل ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾، ويستثنى منها قوله تعالى: ﴿بَلْ رَانَ﴾ وذلك لوجوب السكت عليها، والسكت يمنع الإدغام.

أما حكم ﴿هل﴾ فيجب إظهار لامها دائمًا نحو: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ﴾، إلاَّ إذا وقع بعدها «لام» فتُدغم فيها للتماثل مثل: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾، أما وقوع الرَّاء بعدها فلم يوجد في القرآن.

رابعًا- حكم لام الاسم:

وهي اللام الواقعة في كلمة فيها إحدى علامات الاسم أو تقبل إحداها، وتكون دائمًا متوسطة وأصلية أي من بنية الكلمة مثل ﴿أَلْسِنَتُكُمُ﴾ ﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ ﴿سَلْسَبِيلًا﴾ ﴿سُلْطَانٌ﴾، وحكمها وجوب الإظهار مطلقًا.

خامسًا- حكم لام الأمر:

وهي اللام الساكنة الزائدة عن بنية الكلمة، والتي تدخل على الفعل المضارع فتحوله إلى صيغة الأمر، وذلك بشرط أن تكون مسبوقة بـ«ثم أو الواو أو الفاء» كما في الأمثلة:

﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ﴾ ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾.

وحُكمها وجوب الإظهار مطلقًا مثل «لام» الاسم.

المتماثلان والمتقاربان والمتجانسان والمتباعدان

المتماثلان:

هما الحرفان اللذان اتَّفقا اسمًا ومخرجًا وصفةً، كالدالين كما في قوله ﴿وَقَدْ دَخَلُوا﴾، وينقسم إلى صغير وكبير مطلَق.

فالمتماثلان الصغير: أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا مثل ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا﴾.

وحكمه وجوب الإدغام إلاَّ في مسألتين:

الأولى- أن يكون الحرف الأول منهما حرف مد مثل: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾، وحكمه وجوب الإظهار لئلاَّ يذهب المدُّ بالإدغام.

أما إذا انفتح ما قبل الواو كما في ﴿عَصَوْا وَكَانُوا﴾، وانفتح ما قبل الياء كما في ﴿لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ﴾ وجب إدغامها.

والمسألة الثانية- أن يكون الحرف الأول منهما هاء السكت كما في ﴿مَالِيَهْ * هَلَكَ﴾ فيجوز فيها الوجهان: الإظهار والإدغام، والإظهار لا يتأتَّى إلاَّ مع السكت وهو الأرجح.

وأمَّا المتماثلان الكبير:

وهو أن يكون الحرفان متحرِّكان، سواء في كلمة واحدة كما في ﴿مَنَاسِكَكُمْ﴾ أو في كلمتين ﴿الرَّحِيمِ * مَالِكِ﴾، وحُكمه وجوب الإظهار إلاَّ في كلمتين:

الكلمة الأولى: ﴿تَأْمَنَّا﴾ ففيها وجهان: الإدغام مع الإشمام، وذلك بضم الشفتين مقارنًا للنطق بالنون الأولى الساكنة حالة إدغامها، لأنَّ ﴿تَأْمَنَّا﴾ أصلها «تأمنُنا».

والوجه الثاني: الرَّوم في النون الأولى، وذلك بتبعيض الحركة بصوت خفي، ويعبِّر عنه بعضهم بـ«الإخفاء»، ولا بدَّ معه من الإظهار. وهذا كله لا يتحقَّق إلاَّ بالمشافهة.

والكلمة الثانية: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي﴾ فإن أصلها: «مكنَنِي.

وأما المتماثلان المطلق: وهو أن يكون الحرف الأول منهما متحركًا والثاني ساكنًا مثل ﴿مَا نَنْسَخْ﴾، وحُكمه وجوب الإظهار.

المتقاربان:

وهما حرفان تقاربا مخرجًا وصفةً أو مخرجًا لا صفةً، أو صفةً لا مخرجًا.

ا- الحرفان اللذان تقاربا مخرجًا وصفةً مثل «اللام والرَّاء»، كما في ﴿قُلْ رَبِّ﴾.

ب- الحرفان اللذان تقاربا مخرجًا لا صفةً مثل: «الدال والسين» كما في ﴿قَدْ سَمِعَ﴾.

ج- الحرفان اللذان تقاربا صفةً لا مخرجًا مثل «الشين والسين» كما في ﴿ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾.

والمتقاربان ينقسم إلى:

صغير: وهو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحرِّكًا، وحُكمه الإظهار عند حفص، والإدغام والإظهار عند غيره، أما في الرَّاء واللام فيجب الإدغام عند الجميع ﴿قُلْ رَبِّ﴾ ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللهُ﴾، إلاَّ في ﴿بَلْ رَانَ﴾ خاصة عند حفص؛ فإنه يقول بوجوب الإظهار لأنه يُسكَت على اللام، والإدغام يمنع السكت.

وكبير: وهو أن يكون الحرفان متحرِّكين مثل الدال والسين كما في ﴿عَدَدَ سِنِينَ﴾، والشين والسين كما في ﴿ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾، وحكمه الإظهار عند الجميع:

ومطلق: وهو أن يكون الحرف الأول متحرِّكًا والثاني ساكنًا، وهو عكس الصغير، ومثال ذلك: اللام والياء في ﴿إلَيك﴾ ﴿علَيك﴾، والدال والياء في ﴿لدَينا﴾.

وحُكمه وجوب الإظهار عند الجميع:

المتجانسان:

ومعناه: الحرفان اللذان اتفقا مخرجًا واختلفا صفةً، كالدال والتاء، فهما اتفقا في المخرج حيث يخرجان من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، واختلفا في الصفات.

وينقسم المتجانسان إلى:

صغير: وهو أن يكون الحرف الأول ساكنًا والثاني متحركًا نحو ﴿لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ﴾، وحُكمه الإظهار إلاَّ في خمسة أحرف «الباء – التاء – الثاء – الدال – الذال» فيجب فيها الإدغام، ولكن لا تدغم في كلِّ حرف يأتي بعدها، بل تدغم في أحرف خاصة مثال: «الباء تُدغم في الميم»، كما في ﴿ارْكَبْ مَعَنَا﴾، «التاء تُدغم في الدال والطاء»، كما في ﴿أَثْقَلَتْ دَعَوَا﴾ ﴿لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ﴾.

«الثاء تُدغم في الذال» كما في ﴿يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ﴾.

«الدال تُدغم في التاء» كما في ﴿قَدْ تَبَيَّنَ﴾.

«الذال تُدغم في الظاء» كما في ﴿إِذْ ظَلَمْتُمْ﴾.

وكبير: وهو أن يكون الحرفان متحرِّكَين نحو ﴿الصَّالِحَاتِ طُوبَى﴾ وحُكمه الإظهار.

ومطلق: وهو أن يكون الحرف الأول متحركًا والثاني ساكنًا نحو الميم والباء كما في ﴿مَبْعُوثُونَ﴾ وحُكمه الإظهار.

المتباعدان:

وهما الحرفان اللذان تباعدا مخرجًا واختلفا صفة، وحُكمه الإظهار، سواء كان صغيرًا كالتاء والعين كما في ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ﴾، أو كبيرًا كالكاف والهاء كما في ﴿فَاكِهُونَ﴾، أو مطلقًا كالحاء والقاف كما في ﴿هُوَ الْحَقُّ﴾.

انتبــه

هناك فرقٌ بين حرف الضَّاد والظاء من ناحيتي المخرج والصفة، ومع ذلك فبعض الناس ينطقون الضَّاد «ظاء».

قال في التمهيد:

اعلم أنَّ حرف الضَّاد ليس في الحروف حرف يعسر على اللسان غيره، وقلَّ من يُحسنه، فمنهم من يُخرجه ظاء، وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفته المعنى الذي أراده الله؛ إذ لو قلنا في «الضالين» الظالين بالظاء لكان معناه «الدَّائمين»، وهذا خلاف مراد الله تعالى، لأنَّ الضَّلال بالضَّاد هو ضدّ الهدى، والظَّلول بالظَّاء هو الصيرورة كقوله ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ وشبهه، فمثال الذي يجعل الضَّاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يُبدِّل السين صادًا في نحو قوله تعالى: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾، أو يُبدل الصَّاد سينًا في نحو قوله تعالى: ﴿وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا﴾، فالأول من السر والثاني من الإصرار .. من أجل ذلك يجب الاحتراز من تغيير مخرج الحرف الحقيقي، لأنَّ ذلك لحنٌ جليّ، لا يجوز للقارئ أن يفعله حتى لا يُغيِّر المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى.

صفات الحروف

الصفات تُعتبر بمثابة المعايير للحروف، فتُميِّز بينها حتى يُعرف القويَّ من الضعيف، وخاصة تلك التي تخرج من مخرج واحد كالطاء والتاء، فلولا الإطباق والقلقلة في الطاء لَما استطعت أن تُميِّز بينهما.

وهذه الصفات تنقسم إلى قسمين:

صفات لها أضداد.

وصفات ليس لها أضداد.

1- الهمس: وهو عبارة عن جريان النفس في مخرج الحرف عند النطق به، فيكون الصوت حينئذٍ خفيًّا ضعيفًا لضعف انحصاره في المخرج، وحروفه عشرة جمعها ابن الجزري في قوله: «فحثه شخص سكت».

2- الجهر: وهو ضدُّ الهمس، وهو عبارة عن انحباس النفس في المخرج عند النطق بالحرف، فيكون انحصاره فيه قويًّا، ولذلك يصدر الصوت من المخرج مجهورًا واضحًا قويًا، وحروفه هي ما سوى حروف الهمس.

3- الشدَّة: وهي انحباس الصوت عند النُطق بالحرف، وذلك لكمال قوَّة الانحصار وقوَّة الاعتماد على مخرجه، وحروف الشدَّة ثمانية جمعها ابن الجزري في قوله «أجد قط بكت».

4- الرخاوة: وهي ضدُّ الشدِّة، وهي عبارة عن جريان الصوت عند النطق بالحرف لضعف الاعتماد على مخرجه، وحروفها ما سوى حروف الشدَّة والتوسُّط.

5- التوسط (بين الشدة والرخاوة): وهو اعتدال الصوت عند النطق بالحرف، وحروفه جمعها ابن الجزري في قوله «لن عمر»، ويسميها بعضهم «البينية»؛ لأنها تكون في حالة بين الشدَّة والرَّخاوة.

6- الاستعلاء: وهو عبارة عن ارتفاع جزء كبير من اللسان عند النطق بأغلب حروفه إلى الحنك الأعلى، وحروفه جمعها ابن الجزري بقوله «خص ضغط قظ»، وهذا هي الحروف التي تُفخَّم.

7- الاستفال: وهو ضدُّ الاستعلاء، وهو عبارة عن انخفاض اللسان إلى قاع الفم عند النطق بأغلب حروفه، وحروفه هي ما سوى حروف الاستعلاء، وحُكمها الترقيق ما عد الألف واللام والرَّاء، فلها أحكامها التي تخصُّها من تفخيم وترقيق.

8- الإطباق: ومعناه إطباق اللسان على الحنك الأعلى عند النطق بحروفه بحيث ينحصر الصوت بينهما، وحروفه أربعة «الصَّاد والضَّاد والطاء والظاء».

9- الانفتاح: وهو ضد الإطباق، وهو عبارة عن تجافي اللسان عن الحنك الأعلى، ليخرج الريح عند النطق بأغلب حروفه، وحروفه هي ما سوى حروف الإطباق.

10- الإذلاق: وهو عبارة عن خفَّة الحرف وسرعة النطق به، لخروجه من ذلق اللسان، أي طرفه أو من طرف إحدى الشفتين أو منهما معًا، وحروفه ستة جمعها ابن الجزري في قوله: «فِرَّ منْ لُبِ».

11- الإصمات: وهو ضد الإذلاق، وهو عبارة عن ثِقل الحرف وعدم سرعة النطق به لخروجه بعيدًا عن ذلق اللسان والشفة، وهذا التعريف يتعارض مع الواو لخروجها من الشفتين، ولكنها وُصِفت بالإصمات لأنَّ فيها بعض الثقل حيث تخرج من الشفتين مع انفراج بينهما بعكس الفاء و الباء والميم، وحروف الإصمات هي ما سوى حروف الإذلاق.

أما الصفات التي لا ضد لها فهي:

1- الصفير: وهو صوت زائد يخرج من بين الثنايا وطرف اللسان عند النطق بأحد حروفه، وحروف الصفير ثلاثة «الصَّاد – الزاي – السين».

2- القلقلة: وهو اضطراب الصوت عند النطق بالحرف حتى يُسمع له نبرة قوية.

ومراتبها أربعة: أقواها عند الساكن الموقوف عليه المشدَّد مثل ﴿الْحَقُّ﴾ يليه الساكن الموقوف عليه غير المشدَّد مثل ﴿خَلَاقٍ﴾ ثم يلي هذا الساكن الموصول مثل ﴿خَلَقْنَا﴾ وفي الثلاثة قد بلغت القلقلة صفة الكمال. أما المرتبة الرابعة وهي في المحرك مثل ﴿الْمُتَّقِينَ﴾.

وحروف القلقلة جمعها ابن الجزري في قوله: (قطب جد).

3- اللين: وهو عبارة عن خروج الحرف من مخرجه بسهولة وعدم كلفة على اللسان، وحرفاه اثنان «الواو – الياء» الساكنتان المفتوح ما قبلهما مثل ﴿خَوْفٌ - بَيْتٌ﴾.

4- الانحراف: وهو عبارة عن الميل بالحرف بعد خروجه من مخرجه عند النطق به حتى يتصل بمخرج آخر، وحرفاه «اللام – الرَّاء»، ووُصِفا بالانحراف لأنهما انحرفا عن مخرجهما حتى اتصل بمخرج غيرهما، فاللام فيها انحراف إلى طرف اللسان، والرَّاء فيها انحراف أيضًا إلى ظهر اللسان، وميل قليل إلى جهة اللام.

5- التكرير: هو عبارة عن ارتعاد رأس اللسان عند النطق بالحرف، وحرفه «الرَّاء» فقط، وهذه الصفة ملازمة للراء، فلذا يجب التحرُّز عنها وتركها عند النطق بهذا الحرف، وأكثر ما يظهر التكرير إذا كانت الرَّاء مشددة نحو ﴿كَرَّةً - مَرَّةٍ﴾..

وليس معنى إخفاء التكرير إعدام ارتعاد رأس اللسان بالكلية، ولكن المطلوب ارتعاد رأس اللسان ارتعاده واحدة خفيفة حتى لا تنعدم الصفة، وطريق الخلاص من التكرير أن يلصق القارئ ظهر لسانه بأعلى حنكه بحيث لا يرتعد رأس اللسان كثيرًا.

6- التفشي: وهو انتشار خروج الريح بين اللسان والحنك الأعلى عند النطق بالحرف، وحرف التفشِّي هو «الشين».

7- الاستطالة: هو عبارة عن امتداد الصوت من أول إحدى حافتي اللسان إلى آخرها، وحرف الاستطالة هو «الضَّاد».

8- الخفاء: وهو عبارة عن خفاء صوت الحرف عند النطق به، وحروف صفة الخفاء مجموعة في كلمة «هاوي».

9- الغُنة: وهي عبارة عن صوت لذيذ مركَّب في جسم النون والميم في كلِّ الأحوال، وحرفاه هما «الميم - النون».

مخارج الحروف

فالمخرج لغة: محل الخروج.

واصطلاحًا: اسم لموضع خروج الحرف وتمييزه عن غيره.

والحروف: ثمانية وعشرون حرفًا إذا اعتبرنا الألف الممدودة اللينة فرعًا عن الهمزة، وأمَّا إذا اعتبرناها حرفًا مستقبلاً فتكون الحروف الأصلية تسعة وعشرين.

والحروف الفرعية: هي التي تخرج من مخرجين أو تتردد بين حرفين أو صفتين وعددها ثمانية هي:

1- الهمزة المسهلة بين بين: أي التي ينطق بها بين الهمزة والألف نحو قوله تعالى: ﴿أَأَعْجَمِيٌّ﴾ أو بين الهمزة والياء نحو ﴿أَئِنَّكَ﴾ أو بين الهمزة والواو نحو ﴿أَؤُنْزِلَ﴾.

2- الألف المُمَالة: أي التي يُنطق بها مائلة إلى الياء كما في قوله تعالى: ﴿مَجْرَاهَا﴾.

3- الصَّاد المشمة صوت الزاي: نحو ﴿الصِّرَاطِ﴾.

4- الياء المشمَّة صوت الواو: نحو ﴿قِيلَ﴾.

5- الألف المفخمة: وذلك إذا وقعت الألف بعد حرف مفخم، فإنها تتبعه في التفخيم، مع أن الأصل فيها الترقيق نحو ﴿الطَّامَّةُ﴾.

6- اللام المفخمة: وذلك في لفظ الجلالة إذا وقع قبلها ضمٌّ أو فتحٌ نحو ﴿عَبْدُ اللهِ﴾ و﴿قَالَ اللهُ﴾، مع أن الأصل في اللام الترقيق.

7- النون المخفاة: حيث تخلط بالحرف الذي بعدها مثل ﴿يَنْكُثُونَ﴾.

8- الميم المخفاة: وهي مثل النون، وكلاهما إذا أخفيا صارا حرفين ناقصين مثل ﴿أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ﴾.

وعدد المخارج سبعة عشر مخرجًا:

وتوجد المخارج في خمس مناطق هي:

1- الجوف: وهو الخلاء الواقع داخل الحلق والفم، وتخرج منه ثلاثة أحرف، وهي حروف المد «الألف» كما في ﴿قال﴾، و«الواو» المَدِّية كما في ﴿يقول﴾ و«الياء» المَدِّية كما في ﴿قيل﴾.

2- الحلق: وفيه ثلاثة مخارج تخرج منها ستة أحرف وهي:

ا- أقصى الحلق: وهو الذي يلي الصدر ويخرج منه «الهمزة والهاء».

ب- وسط الحلق: يخرج منه «العين والحاء».

ج- أدنى الحلق: وهو الذي يلي الفم، وتخرج منه «الغين والخاء».

3- اللسان: وفيه عشرة مخارج وهي:

ا- أقصى اللسان: أي آخره من جهة الحلق، وتخرج منه «القاف» بينه وبين أقصى الحنك الأعلى.

ب- أقصى اللسان: مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه «الكاف»، وهو أسفل من مخرج «القاف».

ج- وسط اللسان: مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه «الجيم فالشين فالياء غير المَدِّية».

د- إحدى حافتي اللسان: مما يلي الأضراس العليا اليسرى أو اليمنى، ويخرج منه «الضَّاد»، وهو أصعب المخارج وأشدُّ الحروف على اللسان، ولا يُوجد هذا الحرف في أيَّة لغة غير اللغة العربية، وبذلك سُميت بـ«لغة الضَّاد».

ﻫ- الحافة الأمامية من اللسان: إلى منتهاها مع ما يحاذيها من اللثة العليا، ويخرج منه «اللام».

و- طرف اللسان: تحت مخرج اللام قليلاً مع ما يليه من لِثة الأسنان العليا، ويخرج منه «النون».

ز- طرف اللسان: بعد مخرج «النون»، ويخرج منه «الرَّاء».

ح- طرف اللسان: من جهة الشفتين، مع اقترابه اقترابًا شديدًا من أصول الثنايا حتى يكاد يلتصق بها، غير أنه تبقى فُرجة صغيرة يَمُرُّ منها الهواء والصوت، ومنه يخرج «الصَّاد والزاي والسين»، إلاَّ أنَّ «الصَّاد» مع استعلاء من اللسان إلى جهة الحنك الأعلى، و«الزاي والسين» بغير استعلاء.

ط- ظهر طرف اللسان: مع التصاقه بأصول الثنايا العليا، وتخرج منه «الطاء والدال والتاء» إلاَّ أنَّ «الطاء» باستعلاء و«الدال والتاء» بغير استعلاء.

ي- ظهر طرف اللسان: مع التصاقه برءوس الثنايا العليا، وتخرج منه «الظاء» باستعلاء، و«الذال والثاء» بغير استعلاء.

4- الشفتان: وفيهما مخرجان:

ا– بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا: ويخرج منه «الفاء».

ب- ما بين الشفتين معًا: ويخرج منه «الواو» بغير انطباق و«الميم والباء» بانطباقهما فيهما.

5- الخيشوم: وهو أعلى الأنف، وهو مخرج الغنة..

والغنة صفة لحرفين: «النون والميم»، وتكون مظهرة في حالة: الإدغام والإخفاء والتشديد.

رزقني الله وإياكم حُسن تلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، ومَنَّ علينا بالعمل بما جاء فيه من الآيات المحكمة، والإيمان والتصديق بما فيه من الآيات المشابهة، ونفعني وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



([1]) رواه البخاري (6115) ومسلم (2610).

([2]) صحيح الجامع سنن أبي داود (788).