المختارات السلفية من الأحاديث النبوية
ترجمات المادة
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- المختارات
السلفية من الأحاديث النبوية
- مقدمة وإهداء
- تقريظ صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
- في فضل العلم
- في فضل العلم والورع
- في العمل الجاري أجره لصاحبه بعد الموت
- في فضل مجالسة العلماء العاملينَ
- في جريمة الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
- في المحافظة على الحقوق الإنسانية
- في علامات حصول الفتن
- في فضل الدعوة إلى الهدى وعقوبة من دعى إلى ضدِّه
- في حرمة المسلم
- في السبعة الذين يظلهم الله في ظله
- في عقوبة الظالم
- في الحسد الممدوح
- في ذكر خير القرون وشر من بعدهم
- في علامة أهل الجنة والنار
- في القناعة والعفاف
- في مشروعية المبايعة
- في مشروعية الاستئذان
- في حفظ حقوق الجار
- في حسن المعاملة والمقاضاة
- في فضل الزراعة والغرس
- في الورع والزهد
- في الحلم وذمِّ الغضب
- في حسن الخلق
- في فضل الإنفاق من فضول الأموال
- في فضل القناعة
- في تحريم منع فضل الماء واليمين الكاذبة على السلعة ومبايعة الإمام للدنيا
- في الحث على الزواج للمستطيع أو الصوم لمن لا يستطيع
- في الخصال التي تنكح المرأة من أجلها
- في أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى
- في وجوب العدل بين الأولاد
- في الجليس الصالح وجليس السوء
- في أدب المجالس
- في عظم وزر المجاهرين بفعل المعصية
- في الحرص على تلاوة القرآن الكريم
- في الاكتساب بالعمل والحث عليه
- في ذكر عدم المبالاة في الاكتساب من الدنيا
- في تحريم بيع السلعة المعيبة إلا مع بيان عيبها
- في التخوف على الدين وأهله من المنافق
- في فضل الجهاد في سبيل الله
- في فضل سبل الخير وعظم شأن نعيم الجنة
المختارات السلفية من الأحاديث النبوية
محمد بن علي بن جماح
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة وإهداء
الحمد لله حمدًا على ما بين الأرض والسماء، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المجتبى، وعلى آله وصحبه الأصفياء، وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد:
فإني بكل سرور ومحبة وإشفاق أقدم هذه الهدية الشهية، والمقتطفة من بستان خير البرية، وأشرفها، وأتقاها، وأزكاها، أقدمها مستوية ناضجة، حلوة سائغة، لحضرات أبنائي الطلاب الحريصين على التضلع من ثمار أشجار بستانها، وعلى إهدائها لكل مفتقر إليها، وإنني إذ أقدمها إليهم فما هو إلا اشتياقٌ وحرصٌ على أن يكون لي سهيمٌ أتوصل به إلى بعض الإصلاحات وأحض بموجبه على أصلح الدعوات، سائلاً الله العلي القدير السميع البصير أن يجعلها هدية مقبولة نافعة خالصة آمين..
الفقير إلى عفو ربه
محمد بن علي جماح
في: 1/2/1385هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
تقريظ صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز
نائب رئيس الجامعة الإِسلامية بالمدينة
الحمد لله، والصلاة على رسول الله وعلى آله، وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد اطلعت على ما جمعه أخونا الفاضل الشيخ محمد بن علي جماح - مدير المدرسة السلفية في بالجرش في هذه الرسالة من الأحاديث الجليلة، مذيلةً بفوائد قيِّمةً، وتوجيهات سديدة، ونصائح ثمينة فألفيتها رسالةً قيِّمة كثيرةَ الفائدة عظيمةَ المقدار، جديرة بأن يُعتنى بها وتُحفظ لكثرة ما اشتملت عليه من الأحكام الشرعية، والآداب المرعية، والحكم المنوعة، والأخلاق الكريمة، والتنبيهات القيمة؛ فجزاه الله خيرًا، وبارك في جهوده، ونفع بمساعيه، وأصلح لنا وله لسائر إخواننا النية والعمل، إنه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
أملاه الفقير إلى ربه
عبد العزيز عبد الله بن باز
نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
في: 1/2/1385هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحديث الأول
في فضل العلم
عن معاوية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين»([1]) [رواه البخاري ومسلم وأبو يعلى وزاد فيه: «ومن لم يُفَقِّهْهُ لم يبالِ به»]([2]).
الحديث الثاني
في فضل العلم والورع
عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع»([3]) [رواه الطبراني في الأوسط، والبزار بإسناد حسن].
الحديث الثالث
في العمل الجاري أجره لصاحبه بعد الموت
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»([4]) [رواه مسلم وغيره].
الحديث الرابع
في فضل مجالسة العلماء العاملينَ
عن ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: قيل: يا رسول الله، أيُّ جلسائنا خيرٌ؟ قال: «من ذكَّركم الله رؤيته([5]) وزاد في علمكم منطقه([6])، ذكَّركم بالآخرة عملُه»([7]). [رواه أبو يعلى، ورواته رواة الصحيح إلا مبارك ابن حسَّان].
الحديث الخامس
في جريمة الكذب على الرسول - صلى الله عليه وسلم -
عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ كذبًا عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ متعمِّدًا ([8]) فليتبوأ مقعده ([9]) من النار».
الحديث السادس
في المحافظة على الحقوق الإنسانية
عن ابن عباس – رضي الله عنها – عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس منَّا ([10]) من لم يوقِّر الكبير ([11])، ويرحم الصغير ([12])، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر». [رواه أحمد، والترمذي، وابن حبان في صحيحه].
الحديث السابع
في علامات حصول الفتن
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: (كيف بكم إذا لبستكم فتنة([13]) يربو([14]) فيها الصغير، ويهرم([15]) فيها الكبير، وتُتَّخذ سنَّة([16]) فإن غُيِّرَتْ يومًا؟ قيل: هذا منكرٌ)([17]).
قيل: ومتى ذلك؟ قال: (إذا قلَّتْ أمناؤكم، وكثرتْ قرَّاؤكم([18])، وقلت فقهاؤكم ([19])، وكثرت أمراؤكم ([20])، وتُفَقَّهُ لغير الدين ([21]) والتُمستْ أعمالُ الدنيا بعمل الآخرة)([22]) [رواه عبد الرزاق في كتابه موقوفًا].
الحديث الثامن
في فضل الدعوة إلى الهدى وعقوبة من دعى إلى ضدِّه
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من دعى إلى هدى([23]) كان له من الأجر ([24]) مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعى إلى ضلالة ([25]) كان عليه من الإثم ([26]) مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا». [رواه مسلم وغيره].
الحديث التاسع
في حرمة المسلم
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سباب ([27]) المؤمن فسوق ([28]) وقتاله كفر ([29])» [رواه مسلم].
الحديث العاشر
في السبعة الذين يظلهم الله في ظله
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم ([30]) الله في ظله يوم لا ظلَّ إلى ظله، إمام عادل ([31])، وشاب نشأ ([32]) في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب ([33]) وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت([34]) عيناه» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الحادي عشر
في عقوبة الظالم
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله ليملي للظالم ([35]) حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102]» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثاني عشر
في الحسد الممدوح
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا حسد ([36]) إلى في اثنتين: رجلٌ آتاه الله مالاً فسلَّطه على هلكته في الحقِّ، ورجل آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها، ويعلمها الناس» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثالث عشر
في ذكر خير القرون وشر من بعدهم
عن عمران بن حُصَيْن - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيركم قرني([37])، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قومٌ يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السِّمن ([38])». [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الرابع عشر
في علامة أهل الجنة والنار
عن حارثة بن وهب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيف متظعِّن لو أقسم على الله لأبره. ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلٍ ([39]) جوَّاظ متكبِّر» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الخامس عشر
في القناعة والعفاف
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ([40])، ألا تزدروا نعمة الله عليكم» [البخاري، ومسلم].
الحديث السادس عشر
في مشروعية المبايعة
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في العُسر ([41]) واليسر ([42]) والمنشط ([43]) والمكرهِ ([44]) وعلى أثرةٍ ([45]) علينا، وأن لا ننازع ([46]) الأمر أهلَه إلا أن تروا كفرًا بواحًا ([47])، عندكم من الله فيه برهان ([48])، وعلى أن نقول بالحقِّ أينما كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم)([49]) [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث السابع عشر
في مشروعية الاستئذان
عن أبي موسى الأشعريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الاستئذان ثلاثٌ ([50]) فإن أُذِن لك وإلا فارجع» [رواه البخاري ومسلم].
الحديث الثامن عشر
في حفظ حقوق الجار
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل: من يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه ([51])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث التاسع عشر
في حسن المعاملة والمقاضاة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَطْلُ ([52]) الغنيِّ ظلم، وإذا أُتْبِعَ ([53]) أحدكم على مليءٍ ([54]) فليَتْبَعْ ([55])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث العشرون
في فضل الزراعة والغرس
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طيرٌ، أو دابَّة، أو إنسان إلا كان له به صدقة ([56])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الحادي والعشرون
في الورع والزهد
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «اشترى رجل من رجل عقارًا ([57]) فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرَّة ([58]) فيها ذهب، فقال الذي اشترى العقار: خذْ ذهبك أنا اشتريت منك الأرض ولم أشتر منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولدٌ؟ قال أحدهما: نعم. وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكح الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه فانصرفا»([59]) [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثاني والعشرون
في الحلم وذمِّ الغضب
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الشديد بالصرعة ([60]) إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضبِ» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثالث والعشرون
في حسن الخلق
عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: (لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاحشًا ولا متفحشًا ([61]) كان يقول: «إن من خياركم أحسنكم ([62]) أخلاقًا») [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الرابع والعشرون
في فضل الإنفاق من فضول الأموال
عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا بن آدم إنك إن تبذل الفضل([63]) خير لك، وإن تمسكه شرٌ لك، ولا تلام على كفاف ([64])، وابدأ بمن تعول ([65])، واليد العليا ([66]) خير من اليد السفلى ([67])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الخامس والعشرون
في فضل القناعة
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الغني عن كثرة العرض([68]) ولكن الغنى غنى النفسِ([69])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث السادس والعشرون
في تحريم منع فضل الماء واليمين الكاذبة على السلعة ومبايعة الإمام للدنيا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، رجل على فضل ماء بالفلاة ([70]) يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع([71]) رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لأخذها بكذا وكذا فصدَّقه وهو على غير ذلك، ورجل بايع ([72]) إمامًا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفِّى ([73]) وإن لم يعطه منها لم يف» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث السابع والعشرون
في الحث على الزواج للمستطيع أو الصوم لمن لا يستطيع
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ([74]) فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر([75])، وأحصن للفرج ([76])، ومن لم يستطع فعليه بالصيام؛ فإنه له وجاء ([77])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثامن والعشرون
في الخصال التي تنكح المرأة من أجلها
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت([78]) يداك» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث التاسع والعشرون
في أحبِّ الأعمال إلى الله تعالى
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قلت: ثم أيٌّ؟. قال: «بر الوالدين». قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله([79])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثلاثون
في وجوب العدل بين الأولاد
عن النعمان بن بشير – رضي الله عنهما – أن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إنِّي نحلْت ([80]) ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أفعلت هذا بأولادك كلِّهم؟» قال: لا. قال: «اتقوا الله، واعدلوا ([81]) في أولادكم»، فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة. [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الحادي والثلاثون
في الجليس الصالح وجليس السوء
عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل الجليس الصالح وجليس السُّوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ([82]) وإما أن تبتاع منه ([83]) وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا منتنة»([84]) [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثاني والثلاثون
في أدب المجالس
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقيمنَّ أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس([85]) فيه» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الثالث والثلاثون
في عظم وزر المجاهرين بفعل المعصية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة: أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبحُ يكشف ستر الله عنه»([86]) [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الرابع والثلاثون
في الحرص على تلاوة القرآن الكريم
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقَّلة ([87])، وإن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث الخامس والثلاثون
في الاكتساب بالعمل والحث عليه
عن المقدام بن معد يكرب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا ([88]) من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود u كان يأكل من عمل يده([89])» [رواه البخاري، ومسلم].
الحديث السادس والثلاثون
في ذكر عدم المبالاة في الاكتساب من الدنيا
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يأتي على الناس زمان لا يبالي ([90]) المرء ما أخذ، من الحلال أم من الحرام» (رواه البخاري، ومسلم].
الحديث السابع والثلاثون
في تحريم بيع السلعة المعيبة إلا مع بيان عيبها
عن أبي سباع - رضي الله عنه - قال: اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركني يجرُّ إزاره.
فقال: اشتريتَ؟ قلتُ: نعم.
قال: أبين لك ما فيها ([91]).
قلتُ: وما فيها؟
قال: إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال: أردتَ بها سفرًا أو أردتَ بها لحمًا؟
قلتُ: أردتُ بها الحجَّ.
قال: فارتجِعْهَا ([92]) فقال صاحبها: ما أردتَ إلى هذا – أصلحك الله – إلا تُفْسد عليَّ. قال إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا يحل لأحد بيع شيء إلا بيَّن ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه» [رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد].
الحديث الثامن والثلاثون
في التخوف على الدين وأهله من المنافق
عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - - صلى الله عليه وسلم - -: «إنَّ أخوف ما أخاف عليكم كلَّ منافق ([93]) عليم اللسان» [رواه الطبراني في الكبير، والبزار، ورواته محتج بهم في الصحيح، ورواه أحمد من حديث عمر بن الخطاب].
الحديث التاسع والثلاثون
في فضل الجهاد في سبيل الله
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله – والله أعلم بمن يجاهد في سبيله – كمثل الصائم القائم وتوكَّل الله ([94]) للمجاهد في سبيله إنْ توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمة» [رواه البخاري].
الحديث الأربعون
في فضل سبل الخير وعظم شأن نعيم الجنة
عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رباط يومٍ ([95]) في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط ([96]) أحدكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحة ([97]) يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة ([98]) خيرٌ من الدنيا وما عليها» [رواه البخاري].
([1]) الفقه: هو العلم بدقائق الأمور.
([2]) المبالاة: هي الاعتناء وضده الإِهمال.
دل الحديث على وجوب تعلم العلم الديني؛ لأن من تعلم أحكام العبادات، عبد الله -تعالى- على بصيرة وعلم، وكان على خير من ربه.
([3]) الورع: هو تحري الصواب والأخذ باليقين، كما أن التوقف عن الشبهات أمر يحقق صحة الدين، ويجعله نقيًّا من الشوائب المدنسة له.
دل الحديث على أن فضل التزود من العلم يفوق فضل عمل النوافل.
([4]) دل الحديث على أن هذه الأعمال الثلاثة تمتاز وتفوق سائر الأعمال، بدوام أجرها على فاعلها في حياته وبعد مماته.
([5]) رؤيته: نظركم إليه.
([6]) منطقه: كلامه وحديثه.
([7]) ذكَّركم: أنبهكم عمله الصالح بيوم المعاد إلى الله – عز وجل – والمعنى: أن جلساء الخير، هم الذين إذ رآهم الناس ذكروا ربهم وأطاعوه، وما ذاك إلا لصلاحهم وفضلهم، وإذا نظروا إلى أعمالهم زهدوا في دنياهم، وذكروا آخرتهم.
وفي الحديث دليل على أن أهل الطاعة المخلصين الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر يكسوهم الله مهابةً وإجلالاً ووقارًا.
([8]) متعمدًا: قاصدًا الكذب والافتراء.
([9]) فليتبوأ مقعده: فليأخذ مكانه من النار؛ ليحل ويقيم فيه، وهذا حماية وصيانة لسنة رسول الله ﷺ؛ لئلا يدخل عليها من كلام غيره.
وفيه دليل على تحريم الكذب، وأنه على الرسول ﷺ أشد تحريمًا من الكذب على غيره من الناس.
([10]) ليس منا: أي: على طريقتنا الكاملة.
([11]) من لم يوقر الكبير: يقوم بحقه من الإكرام والاحترام.
([12]) ويرحم الصغير: يشفق عليه، ومن ذلك تعليمه وتأديبه؛ فتوقير الكبير، والشفقة بالصغير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من سنن الأنبياء والمرسلين فمن لم يهتد بهديهم فليس على طريقتهم المثلى.
وفيه دليل على فضل من تخلَّق بهذه الأخلاق الجليلة الفاضلة والوعيد لمن أعرض عنها.
([13]) الفتنة: أمور تخالف الدين والدين يحاربها.
([14]) يربو: أي: ينمو ويكبر.
([15]) يهرم: أي: يشيب وتكبر سنه.
([16]) سنة: أي: طريقًا يسلكها العالم ويتبعهم المسلمون فيها وهي تخالف الشرع الشريف.
([17]) المنكر: ضده المعروف، والمراد: أنه إذا قيض الله من يزيل ذلك المنكر، قال الآلفون له هذا منكر؛ لمحبتهم له، وإدمانهم عليه، وجهلهم بالحق.
([18]) أي: كثر المدعون للإمارة.
([19]) أي: قل المتفقهون في الدين الذين يقصدون العمل به.
([20]) أي: كثر القراء الذين يقرؤون القرآن لا للتدُّبر والعمل به بل للتوصُّل به إلى غيره.
([21]) أي: تعلم العلم لطلب الدنيا ومناصبها وأبهتها.
([22]) أي: قصد عرض الدنيا بعمل الآخرة.
ولما كانت هذه الأمور المذكورة في الحديث تستغرب في عهد الصحابة - y - قالوا: (متى يكون ذلك؟) فأخبر - t - بما ألهمه الله من العلامات الدالة على الوقت الذي سيحدث فيه ذلك الأمر المستغرب، وقد وقع الأمر باتخاذ البدعة سنة ووضعها بدلاً منهما، واستنكار تغييرها؛ وذلك لوجود ضعف الأمانة، وكثرة المدعين للإمارة، وقلة المتفقهين في الدين، وكثرة القراء المنحرفين، ووجود طلب الدنيا ومفاخرها باسم التفقه في الدين كما هو الواقع من أكثر الناس اليوم فإلى الله المهرب، وإليه المشتكى وهو حسبنا ونعم الوكيل.
والحديث يدل على وجود الضعف في القلوب عن الدين، وقلة المتمسكين، وكثرة المارقين في العصر الذي تقع فيه هذه الأمور.
([23]) الهدى: الطاعة والمعروف.
([24]) الأجر: الثواب والحسنات.
([25]) الضلالة: المعصية والمنكر.
([26]) الإثم: الوزر والسيئات.
دل الحديث على عظم فضل الدعوة إلى الهدى، كما دل على عظم إثم الداعي إلى الضلالة، ولكل من الفريقين لدى خالقه جزاء يستحقه مقابل عمله }وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{ [النجم: 31].
([27]) السباب: هو التعيير والشتم.
([28]) الفسوق: هو العصيان والإجرام.
([29]) الكفر: هو استباحة دم المسلم.
دل الحديث على أن لدماء المسلمين وأعراضِهِم عند الله حرمة عظيمة، فلا يجوز سفك دمائهم وانتهاك حرماتهم إلا بحق أذن به الشارع من إقامة حد، أو قصاص، أو تأديب، أو تعذير. ومن عدل عن الحق وجب على المسؤولين ردعه وتأديبه بما يستحقه.
([30]) يظلهم: يدني عليهم ظل عرشه.
([31]) عادل: منصف من نفسه وبين رعيته.
([32]) نشأ: فطر وترعرع آلفًا طاعة الله – تعالى -.
([33]) منصب: حسب ونسب ورفعة.
([34]) ففاضت عيناه: دمعت عيناه من خشية الله وتعظيمه.
دل الحديث على عظم فضل الله وكرمه، وأنه يحب الطائعين من عباده فينجيهم من العذاب وأهوال يوم القيامة، وهؤلاء السبعة نالوا رضاه – تعالى – بهذه الأفعال الحميدة، فتفضل – سبحانه – بأن يظلهم في ظله في يوم تدنو الشمس فيه حتى ما يكون بينها وبين الناس إلا مقدار ميل، ومن شدة حرها تتصبَّب أجسادهم عرقًا حتى يلجم بعضهم عرق نفسه.
([35]) الظلم ظلمات يوم القيامة، وينقسم إلى قسمين:
ظلم النفس بإهمالها في ترك واجبات خالقها وواجبات ذاتها.
ظلم الغير بأخذ ماله، أو سفك دمه، أو نيل عرضه، أو خدعه، أو غشه إلى غير ذلك من الحقوق الإنسانية التي يجب المحافظة عليها والاحتراز من إهمالها.
وبالجملة فإن الظلم حرام كما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا».
قال الشاعر:
أما والله إن الظلم شؤم | ولا زال المسيء هو الظلوم | |
إلى الديان يوم الدين نمضي | وعند الله تجتمع الخصوم | |
ستعلم في الحساب إذا التقينا | غدًا عند المليك من الملوم |
([36]) الحسد: هو تمني زوال النعمة عن أخيك المؤمن، وهذا حرام بنص القرآن والسنة. والمراد في الحديث حسد الغبطة وهو أن تتمنى وتحب لنفسك مثل ما أعطى الله غيرك من مال، أو ولد، أو منصب، أو جاه، أو علم؛ لتنتفع في الطاعة، وتعمل به الخير، وهذا محمود مستحب.
([37]) القرن: يراد به الجيل من الناس، وقد يطلق على مائة سنة، وأهل القرن الأول هم أقرب الناس من رسول الله ﷺ وألصقهم به؛ لتمسكهم بشريعته فأخلاقهم جليلة وصفاتهم شريفة وسجاياهم كريمة }أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29] وما زالوا دائبين على ذلك متمسكين به حتى خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيًّا، أما الذين يشهدون ولا يستشهدون فالظاهر أنهم يسبقون بشهادة الباطل؛ للمقاضاة بينهم والحمية الجاهلية، ولا يبالون بذلك، ويخونون في عهودهم وأماناتهم، وعقودهم ومعاملاتهم، وينذرون التكرم بأفعال الخير ولا يوفون به إلا حيث يخدعون ويفتخرون.
([38]) وأما ظهور السمن فيهم؛ فذلك لاشتغالهم بتنمية أجسادهم وتسمينها بأنواع المغذيات والمقويات، ولا يبالون بالطاعات وأداء الفروضات، وأنه ليؤتى بأحدهم يوم القيامة سمينًا طويلاً عظيمًا أكولاً شروبًا فلا يساوي عند الله جناح بعوضة.
([39]) العتل: هو الغليظ الجافي، والجواظ: هو المتكبر المختال أو الجموع المنوع، والناس يختلفون بأبدانهم وأرواحهم قوة وضعفًا، وبنفوسهم وقلوبهم طهارة وخبثًا. وقد جعل الله للجنة أهلاً وهم المؤمنون الأقوياء في الإيمان، الرحماء بينهم، الأشداء على الكفار، والمتواضعون لله في غير ذلة ولا مهانة. وللنار أهلاً وهم الكافرون المتكبرون الذين إذا سمعوا داعي الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون وإذا عرفوا الحق ولم تكن لهم حاجة قالوا للذين آمنوا: لو كان خيرًا ما سبقونا إليه وليس المراد في الحديث بالضعيف المتضعف جنس البلهاء من الناس أو المجانين وذي العاهات الجهلاء، أو من لا يرد عن دينه، ونفسه، وكرامته، وأهله عدوًا لا. إنما المراد به أنه لا يتكبر على أحد مع ما أكرمه الله به من علم وقوة بدن أو مال أو منصب أو جاه، ومع ذلك يؤدي فرائض الله، ويجتنب محارمه، ويحافظ على سنة رسول الله، ويهتدي بهديه، وينافس في كل فضيلة وعزة: }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{ [المنافقون: 8].
([40]) الأجدر: الأحق، والازدراء: الاحتقار.
دل الحديث على وجوب التمسك بأفضل الآداب وأشرف الأخلاق، وهي صفات أهل الإيمان الذين إذا جاءتهم نعمة من الله نظروا إلى من دونهم فشكروه، وإذا حلت بهم مصيبة نظروا إلى أكبر منها فصبروا عليها، وذكروا الله وحمدوه، ولم يكن همهم إلا رضاء خالقهم في كل حال وزمان ومكان متدبرين قول الله – تعالى – }نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون{ [الزخرف: 32]. قال الشاعر:
ومن يطلب الأعلى من العيش لم يزل | حزينًا على الدنيا رهين غبونها | |
إذا شئت تحيا سعيدًا فلا تكن | على حالةٍ إلى رضيت بدونها |
وهذا في شئون الدنيا أما في أمور الآخرة فينبغي للمؤمن أن ينظر إلى من فوقه فيها؛ حتى يتأسى به غيره لقوله – سبحانه -: }سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ{ [الحديد: 21].
([41]) العسر: هو العدم.
([42]) اليسر: هو الوجد.
([43]) المنشط: هو طيب النفس للعمل.
([44]) المكره: هو إكراه النفس وإجبارها بما لا تقصده.
([45]) الأثرة: هي تقديم حاجة الأخ عن حاجة النفس كما قال – تعالى-: }وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ{ [الحشر: 9].
([46]) المنازعة: هي المجاذبة والمجادلة والمراد بها معارضة ولاة الأمر لأخذ الجد من سلطتهم.
([47]) بواحًا: أي: صريحًا لا خفاء فيه.
([48]) البرهان: أي الدليل القاطع.
([49]) لومة لائم: أي معارضة منتقدٍ ومنتقص.
وفي الحديث دليل على مشروعية مبايعة الإمام المسلم، والوفاء بها مع الطاعة والتسليم، ما لم يحدث عمل كفر يخرج عن الملة، وفيه دليل على التسامح في الجزئيات للولاة مع التصريح لهم ولغيرهم بالنصيحة والتوجيه في كل زمان ومكان.
([50]) الاستئذان: هو طلب السماح بالدخول في دار الغير، وقد علمنا النبي ﷺ كيفية الاستئذان، وهو أن يقول المستأذن: السلام عليكم، أأدخل؟ ثلاث مرات، فإن سمح له بالدخول في أثنائها أو بعدها وإلا فليرجع كما قال -تعالى-: }وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ{ [النور: 28]، ويلحق بذلك البستان والمكتبة والكتاب والسلاح وغير ذلك، وبالجملة فالاستئذان من صميم الدين وآداب الإسلام. والحديث يدل على مشروعية الاستئذان ورجوع المستأذن إذا لم يؤذن له بالدخول.
([51]) بوائقه: أي: شره وخديعته وخيانته.
وللجار على الجار حقوق كثيرة عظيمة، وقد كان العرب يحترمون الجار ويعظمون حقوقه وجاء الإسلام وئيدًا ومعززًا له، والجيران ثلاثة:
جار مسلم قريب: له حق الجوار والإسلام والقرابة.
جار مسلم: وله حق الجوار والإسلام.
جار كافر: وله حق الجوار.
وأعظم حقوق الجار: تعظيمه، وصيانة أهله، وقضاء حاجته، والكف عن أذيته، والإحسان إليه، وأمره بالخير، ونهيه عن الشر، وقد قال النبي ﷺ: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».
([52]) المطل: هو ضرب المواعيد وعدم الوفاء بها مع القدرة.
([53]) أتبع: أي: دفع وحول.
([54]) مليء: يعني: غني.
([55]) فليتبع: أي: فليقبل متابعته في التحويل.
والحديث يدل على حسن المعاملة بين الدائن والمستدين والطالب والمطلوب، وتحريم دفع المطلوب للطالب عن حقه إذا كان مقتدرًا عليه وعلى وجوب موافقة الطالب للمطلوب في تحويله إذا كان على مليء فإذا كان على غيره لم يلزمه إلا برضاه، وخير الناس أكثرهم صبرًا، وأحسنهم وفاءً.
([56]) والحديث يدل على فضل الزراعة والغرس، وخير البر أدومه، وأفضل الصدقة ما بقي وعم نفعه، والشأن كل الشأن في صحة إسلام المرء؛ ليجني ثمرة أفعاله الحسنة.
([57]) العقار: كلمة تطلق على الأرض الزراعية ونحوها والدور المعمورة.
([58]) الجرة: إناء مستدير واسع البطن، ضيق الفم، يصنع من طين، أو نحاس، أو زجاج.
([59]) والحديث يدل على صدق البائع والمشتري وزهدهما، وورع الحاكم واجتهاده في الحكم، وهذه أخلاق فاضلة وآداب جليلة وسامية قصها النبي ﷺ؛ لنتخلَّق بها فننتمي إليها وقد قال – تعالى -: }يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{ [التوبة: 119] والصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.
([60]) الشديد بالصرعة: أي القوي الذي يطرح خصمه ويزيد عليه وليس هو المراد في الحديث بالمدح، وإن كان ممدوحًا في أماكنه إنما المراد به الذي يملك زمام نفسه وقت شدة الغضب، ويتحلى بحلية الحلم والعفو.
والحديث يدل على مدح الحلم وذم الغضب؛ لأنه يدفع صاحبه إلى المهالك، وقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال أوصني، قال: «لا تغضب» وردد مرارًا قال: «لا تغضب» [رواه البخاري] كما روى: أن «الرجل المسلم ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم».
([61]) الفحش: هو ما قبح من القول والفعل.
([62]) أحسنكم: أي أجملكم وأكملكم.
النبي ﷺ صفوة الله من خلقه ففعله حق، وقوله صدق، وحكمه عدل، وصفاته جميعها صفات كمال ورشد، وحسبنا ما وصفته به الصديقة أم المؤمنين عائشة – رضي الله تعالى عنها – حيث قالت: (وكان خلقه القرآن) كما كان يقول: «أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا» والله – تعالى – يقول: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{ [الأحزاب: 21]. ويقول: حاثًّا على متابعته ﷺ: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{ [آل عمران: 31].
والحديث يدل على عظم فضل حسن الخلق، وهو التأدب بآداب القرآن الكريم.
([63]) الفضل: ما زاد عن القوت الضروري واللباس.
([64]) الكفاف: ما لا زيادة فيه.
([65]) وابدأ بمن تعول: أي الذي تلزمك نفقتهم.
([66]) واليد العليا: هي المنفقة.
([67]) اليد السفلى: هذه الآلفة للأخذ.
تعاليم النبي ﷺ وإرشاداته كلها خير وبركة، وفيها ضمان مصلحة الدنيا والآخرة فالذي منَّ الله – تعالى – عليه بالرزق أرشده بأن ينفق ما زاد عنه ومن يعوله للفقراء والمساكين شبوبة عاجزين وشباب عاطلين وأرامل وأيتام لا يستطيعون العمل، ولا يندفعون إلى محذور، فهم لهذا الإنفاق محتاجون والأغنياء بهذا الإنفاق هم الفائزون ويتعدى طلب البذل إلى عادة المساجد والمدارس، والأربطة، والطرق، وإعداد القوة لأعداء الإسلام إلى غير ذلك من الأفعال العائدة على الإسلام والمسلمين بخير.
وفق الله أغنياءنا إلى هذه الأعمال الجليلة والمسارعة إليها آمين.
والحديث يدل على مشروعية بذل فضول الأموال من دون إكراه وإجبار، ومدح الباذل، وكراهية الإمساك، وذم الأخذ؛ ليجتهد في العمل ويكتسب إذا كان ذا مقدرة وحول.
([68]) العرض: هو المال.
([69]) غنى النفس: أي قناعتها وعفتها، والقناعة كنز لا يفنى، ومعلوم أنَّ الذي يحرز مالاً كثيرًا ولم يجعل له حظًّا من قناعة النفس وعفتها، تراه يجدُّ ساعيًا إلى جمع المال، ولا يبالي من أي وجه دخل عليه، يرى الألف في يده قليلاً، ويرى المائة في يد غيره كثيرة، ويرى الإنفاق من ماله ينقصه وإن كان شيئًا يسيرًا.
أما غني النفس: فهو في راحةٍ من الاضطرابات المقلقة، والنظرات الحاسدة يقدم الأسباب، ويقنع بالقليل من كسب الحلال، ينفق ويقرض، ويكرم معتقدًا عدم النقص من ماله، يفعل هذه الأعمال المباركة عاملاً بقول الله – جل ذكره -: }مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم{ [البقرة: 261].
الحديث يدل على فضل القناعة، وعفة النفس، والرضا بالقليل.
([70]) فضل الماء: ماء زاد عن الحاجة الضرورية. والفلاة: الأرض المنقطعة عن العمران.
([71]) بايع رجلاً: أي تبادل معه الكلام في ثمن السلعة.
([72]) بايع إمامًا: أي عاهده وواثقه.
([73]) وفَّى: أي أتم وصدق.
باءً هؤلاء الثلاثة بغضب الله وعذابه، وكانت جريمتهم من أكبر الجرائم ومصيبتهم من أعظم المصائب، وما هو إلا بسبب الهلع والأطماع.
والحديث يدل على تحريم منع فضل الماء عن عابر السبيل والمضطرين، وعلى شدة تحريم اليمين الكاذبة بعد العصر، كما هي محرمة في سائر الأوقات، وعلى تحريم الغش، والخداع للمسلمين، وعلى تحريم إرادة الدنيا في مبايعة الإمام المسلم.
([74]) الباءة: هي القدرة على الوطء والإيثار بالنفقة.
([75]) أغض للبصر: أي أقصر لإطلاقه إلى النساء.
([76]) أحصن للفرج: أي أحوط لصيانته وحفظه.
([77]) وجاءٌ: أي رحمة ومنع.
حث النبي ﷺ الشباب على الزواج لحكمة كثرة التناسل، ولما فيه من الصيانة والعفاف، وحفظ الكرامة الإنسانية، من الوقوع في فاحشة الحرام التي تسبب انتشار الفساد والقضاء على الدين والأخلاق.
([78]) تربت يداك: أي تلوثت بالتراب ووقعت عليه.
أخبر النبي ﷺ عن محاسن المرأة التي يستحسنها الراغبون في النكاح وكل واحد يميل إلى رغبته وشكله، أما التي حث عليها وتُسارع ورغَّب في نكاحها، فهي ذات الدين؛ لأنها إن حضر سرته، وإن غاب حفظته، وإن أعطاها شكرته، وإن قصَّر عن شيء عذرته، وإن ضاق عن أمر صبرته.
والمرأة الصالحة: هي حسنة الدنيا أما صاحبة المال فلابد وأن تتمنن على زوجها الفقير، وتستذله، وتؤذيه.
وأما صاحبة الحسب: فقد تترفَّع على زوجها، وتسمعه ما يكره، وتحاول أن تكون هي المتسلطة والمتصرفة في نفسها وزوجها ومالها.
وأما صاحبة الجمال: فالغالب أن يطغيها جمالها فتزل عيناها، وترقص رجلاها، وتشارك فسقة الناس مع زوجها في حسنها وجمالها، وقد تتبذل أمام زوجها ضعيف الإرادة؛ ليكرهها ويطلق سراحها، أو تتهيأ له، وتتجمل وتتملق خداعًا منها ومكرًا؛ ليقرها على سفورها، وتبرجها، وقلة حيائها، ومن لا حياء له لا أمانة له، ولا إيمان له. وإنه لحسن إذا اجتمع للمرأة الصالحة بعض الخصال المذكورة أو جميعها مع الدين.
([79]) أخبر النبي ﷺ عن أحب الأعمال إلى الله -تعالى عز وجل-، وقدم الصلاة؛ لأنها صلة بين العبد وبين ربه، ولا يصح إسلام من تركها، ولا يقبل الله -تعالى- أي عمل صالح منه، إلا بإقامتها، وهي أهم ركن بعد تحقيق الشهادتين من أركان الإسلام قال تعالى: }فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 5].
وثنَّى ببر الوالدين، وهو فريضة لازمة، وواجب محتم في حدود الحلال والمباح، لا في الحرام والمكروه وعقوقهما من أكبر الآثام، وأعظم الإِجرام، ولعظم حقهما قرن الله بينه وبين توحيده وعبادته، وبيَّن ما لهما. كما نبَّه على أدنى ما لا يحل فعله معهما، قال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ [الإسراء: 23، 24].
وثلَّث بالجهاد، والجهاد هو الشأن الوحيد في إقامة الدين، وإعزاز جانبه ونصرة حزبه، ولو لم يكن جهادًا لم يكن دينًا ودولة والجهاد ثلاث مراتب:
الأولى: أن يجاهد المرء نفسه على قبول كلام الله – عز وجل -، والعمل به والاهتداء بهدي رسوله ﷺ ومتابعته.
الثانية: أن يجاهد شيطانه يدحر ما يلقيه في قلبه من الشكوك والشبهات القادمة في دينه وإيمانه.
الثالثة: أن يجاهد أعداء دين الله – تعالى – بقلبه ولسانه وقلمه وماله وسيفه وسنانه قال الله – تعالى -: }وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ{ [البقرة: 193] وقال تعالى: }وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{ [الحج: 78].
ويلتحق بهذا القسم جهاد العصاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب مراتبه الثلاث.
([80]) النحلة: هي العطية.
([81]) اعدلوا: أي ساووا.
أراد بشير بن سعد - t - أن يخصص ولده النعمان بهذه العطية دون إخوته، ورغب أن يشهد عليها رسول الله ﷺ؛ ليتم مقصوده، ولما كانت العدالة والمساواة واجبة على الآباء بين أولادهم، أبى رسول الله ﷺ أن ينفذ رغبة بشير بن سعد، وعدَّ ذلك من الجور، فقال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».
والحديث يدل على وجوب العدالة والمساواة بين الأولاد، ولا عدالة أحسن وأكمل من قسمة الله – تعالى – في ذوي الأرحام في كتابه العزيز فإنه لم يدعها لأحد يتصرف فيها بعقله ورأيه كما يفعل من لا حظ له في العدالة من إيقاف تركته على أولاده الذكور دون الإناث، أو عليهم جميعًا دون أولاد البنات، فهذا باطل وظلم يجب إزالته، ومنعه، وإبطاله، وإجراء حكم الله – تعالى – وعدله، وحكمته بإعطاء كل ذي حق حقه: } فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا { [النساء: 11]. نعوذ بالله من الجور والفجور وسوء الخاتمة.
([82]) أن يحذيك: يهدي إليك.
([83]) تبتاع منه: تشتري منه.
([84]) هذا تعليم نافع ومثل رائع ضربه نبي الرحمة والهدى في الجليس الصالح وجليس السوء، فجليسك الصالح يكسبك العلم النافع، والقول الصادق ويبصرك في أمور دينك ودنياك، ويأمرك بالخير، وينهاك عن الشر، ويعرفك عيوب نفسك، ويشغلك بخير يصرفك به عن الاشتغال بعيوب الغير.
وكذلك إذا ذكَّرته ونصحته شكرك، وإذا حضرت مجلسه احترمك، وإذا غبت عنه بخير ذكرك، وإذا دعوته لخير أجاب دعوتك، وإذا احتجته في أمر يجده، أو يقدر عليه ولو بمشقة قضى حاجتك، وبالجملة فهو كمعلم مخلص ملازم، نصيحته حكمة، ونطقه فائدة، يدعوك بأقواله وأفعاله إلى كل فضيلة وخير، فاحرص على ملازمة مجلسه، فإنه من القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم.
أما جليس السوء: فهو لا يأمرك بخير، ولا ينهاك عن شر، وإن فعل نادرًا فما هو إلا لغرض يقصده، إن قدر على أعدائك أغواك، وإن توجهت بقلبك وبصرك إلى هدى أعمالك يحاول أن يرضيك بسخط الله، ويلتمس إعزازك بمعصية الله، لا يجهد نفسه في مساعدتك أحيانًا؛ لتكون إلى صفه مائلاً ولفكره ورأيه المنحرف مناصرًا أو لفعله المنكر مقرًا ومداهنًا؛ فحذاري أن تجالسه، فإنه من القوم الذين يشقى بهم جليسهم.
([85]) كثيرًا ما تجمع المجالس بين الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والغني والفقير، والرئيس والمرءوس، فينبغي أن يعرف كل فرد حق الآخر عليه فالعالم والرئيس والشيخ الكبير لهم حق الوقار والاحترام. الصغير والجاهل لهم حق الرحمة والشفقة ولين الجانب. وعلى العالم والرئيس والكبير إذا سبقهم من دونهم على صدر المجلس أن يجلسوا حيث ينتهي بهم المجلس؛ تواضعًا لله وامتثالاً لرسوله، ورفقًا بمن دونهم، وعلى الصغير والجاهل أن يقدروا لعالمهم ورئيسهم وكبيرهم حقه ويجعلوا لهم مجالس تليق بجنابهم، وعلى جميعهم أن يتواسعوا ويفسحوا للداخل إذا امتلأ المجلس؛ لينشرح صدره وينال حظه.
وللقادم على المقدوم عليه حق إذا علم قدومه بأن يراقبه ويقابله وإذا دخل عليه وهو جالس يقوم إليه ويقدمه إلى مجلسه، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: (لجليسي علي ثلاث، أرمقه إذا أقبل، وأوسِّع له إذا جلس، وأصغي إليه إذا تحدث) ولما أقبل سعد بن معاذ على رسول الله ﷺ وعنده اليهود والمهاجرون والأنصار قال – عليه الصلاة والسلام - «قوموا إلى سيدكم».
وأما قيام التعظيم المنهي عنه فهو كمن يتخذ من الجهلاء وضعفة العقول جلساء وخدمًا؛ ليستخف بهم الناس يقومون لقيامه، ويقعدون لقعوده، ويتحركون لحركاته وإن فعل ذلك عشرات المرات من يومه أو ساعته ويلحق بهم من يفعل فعلهم ويحذو حذوهم في المدارس وغيرها.
نسأل الله السلامة والتوفيق والهداية.
([86]) اعلم أن ارتكاب المحذور عصاية لله وجناية على النفس، والمجاهرة به مكابرة وجناية على الناس، وقد جمع المجاهر بفعل المحذور بين أربع جنايات خطيرة، كما عد النبي ﷺ الممتدح بفعل المعصية أمام الناس من المجاهرين، ولو لم يقل ذلك؛ لما فيه من التجري والإغراء على انتشار الفساد في الأرض وعدم المبالاة بحفظ حدود الله – تعالى – وانتهاك حرماته والاختفاء بالمعصية يدل على وجود الحياء مع فعلها والمجاهرة بها، والامتداح بفعلها يدل على نزع الحياء وقد جاء في الحديث: «إذا لم تتسح فاصنع ما شئت» ومن لا بستحي لا من الله ولا من الناس فلا يستحى منه، بل ينصح ويزجر ويؤدب، قال رسول الله - ﷺ -: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرًا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم» وهذا القول للنبي ﷺ مفسر لقول الله – جل وعلا -: }لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{ [المائدة: 78، 79]. وقال – تعالى -: }وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [الأنفال: 25].
فيجب على من فعل المعصية خفية أن يتوب إلى الله منها سرًا ومن فعلها علنًا فليتب إلى الله علنًا ومن تاب تاب الله عليه.
([87]) المعقلة: هي المقيدة، والعقال: هو الحبل الذي تقيد به الإبل في يديها والمعنى أن الذي يقيد القرآن الكريم بالتلاوة يكون حافظًا ذاكرًا له، والذي يهمل تلاوته وينشغل بغيره يذهل عنه وينساه، ومن نسيه فهو إلى مخالفته بل إلى محاربته أقرب وإلى العمل به وتحكيمه أبعد.
والقرآن هو كلام الله المبين وحبله المتين، من تمسك به سلم ونجى، ومن أهمله ضل وغوى، نسأل الله – تعالى – أن يرزقنا تلاوة القرآن الكريم والعمل به حتى نلقاه فإنه جواد كريم آمين.
([88]) خيرًا: أي أحسن وأهنأ وأمرأ.
([89]) من عمل يده: أي من الاكتساب من عمل يده.
أخبر النبي ﷺ أن خير الطعام ما يناله الإنسان من عمل يده باكتساب الرزق الحلال وسواء كان كذلك العمل تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو حرفة، أو خدمة، فهو ممدوح ومستحب، والعمل يحفظ كرامة الإنسان وعزه، ويصون عرضه، والعامل التقي محبوب عند الله ومحبوب عند الناس، والجبان العاطل بغيض، مقيت، كريه، سفيل، قال النبي ﷺ: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه».
والحديث يدل على فضل الاكتساب، وأنه دأب الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -.
قال الشاعر:
وخل الهوينا للضعيف ولا تكن | نئومًا فإن الحر ليس بنائم | |
وإنك لا تستطرد الهم بالمنى | ولا تبلغ العليا بغير المكارم |
([90]) لا يبالي: أي لا يتوع ولا يتحرى.
أخبر النبي ﷺ بما سيحصل مستقبلاً، وهذا من علم الله الذي يدلُّنا على صحة نبوته وعلو شأنه وقدره.
وهذا الزمان الذي أشار إليه رسول الله ﷺ إما أن يكون زمان مجاعة وقحط يجبر الناس على عدم التورع لكسب الحلال ولقمة الحلال، أو يكون زمان تفاخر، وتكاثر، وقلة إيمان، ودين، يجعل كل واحد ينظر إلى من هو أعلى منه في الدنيا، ثم يصرف جل جهوده في الاستحصال والتمول بأي وسيلة يدركها، وهذا هو الأقرب من معنى الحديث لحصول بعضه حاليًا في المعاملات التجارية من بيع السلعة بلا قبض ولا تحويل، وإبراز أجود الصنف لزيادة الثمن وبقيته أدنى منه.
وكذا معاملة البنوك مع أهل النقود الذين يودعونها عندهم يقرضونهم من البنك نقودًا، ويفرضون عليهم في المائة شيئًا معلومًا في كل سنة ما دام الدين عند المستدين، وذلك مع قبض صكوك العقار عندهم للاحتفاظ.
وكذلك الفقير يعطونه إذا وجد كفيلاً على هذا المنوال ولو لم تكن إلا هذه الكارثة لعمت البلواء، ولكانت كافية لتفسير الحديث المذكور والله أعلم.
([91]) أبين: أي أوضح لك عيبها.
([92]) ارتجعها: أي ارتدها.
هكذا كانت معاملة أهل الصدق والوفاء والأمانة، يقفون عند حدود الله ولا يتعدونها، وإن جرى عليهم النقص من جهة الدنيا فإنهم لا يرونه كما يرونه من لا بصيرة لهم ولا ورع، أنَّ من أوضح عيب سلعته خسرها، فالمؤمن التقي يحرص على عدم نقص دينه، وإن أدى ذلك إلى نقص دنياه، والغش حرام، وقد جاء في الحديث: «من غشنا فليس منا».
والحديث يدل على تحريم بيع السلعة المعيبة إذا لم يبين عيبها، كما يدل على أن من علم عيبها ولم يبينه فهو مأزور، وإن لم تكن له، ويدل مفهومه على إرجاعها إلى بائعها بعد اتضاح عيبها، - والله أعلم -.
([93]) المنافق المتعلم شر على الدين والمجتمع؛ لأنه بعلمه وفصاحته يتمكن من قلب الحقائق وتلبيسها، وقد أفصح القرآن الكريم وأوضح صفات المنافقين بما لا إشكال فيه ولا غبار عليه قال – تعالى -: }وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{ [المنافقون: 4] وما قبلها وما بعدها وبضع عشرة آيات من صدر سورة البقرة من قوله – تعالى -: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ...{ [آية: 8] وكذا في سورة التوبة من قوله – تعالى -: }يأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...{ [آية: 73] ومن قوله – تعالى -: }وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ{ [آية: 54] من التوبة. ومن تأمل هذه الآيات وغيرها اتضح له جليًا أن غالب المدعين للإسلام واقعون في هذه الكارثة باسم السياسة والأخلاق، وعز من ينطق بالحق عن بصيرة وقوة.
([94]) توكَّل: أي تكفَّل والجهاد من أعظم شرائع الإسلام وقد سبق إيضاح أقسام في شرح الحديث (29) بما أغنى عن إعادته.
والحديث يدل على فضل الجهاد الخالص في سبيل الله، ومكانته العالية من الإسلام.
([95]) الرباط: المداومة، والإقامة في ثغر من ثغور المسلمين للحراسة والحماية.
([96]) السوط: العصا الرقيقة.
([97]) الروحة: هي التوجُّه إلى الجهاد في آخر النهار.
([98]) الغدوة: التوجُّه إلى الجهاد في أول النهار.
أخبر النبي ﷺ عن الرباط في سبيل الله أنه أفضل من الدنيا بما حوته من النعيم الفاني، كما أخبر أن مكان السوط في الجنة أفضل من الدنيا وما عليها.
والله أعلم وأحكم، والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.