الوصية ببعض السنن شبه المنسية
ترجمات المادة
التصنيفات
الوصف المفصل
- الـوصـيـة
ببعض السنن شبه المنسية
- مقدمة
- من المسائل المهجورة في الطهارة
- من السنن المتعلقة بأحكام الجنابة
- من السنن التي ثبتت عن النبي - × -في السواك
- من السنن التي ثبتت عن النبي - × -في مسائل الأذان
- من
السنن في الصــلاة
- المسألة الحادية عشرة (11) مشروعية الصلاة إلى سترة ([122]).
- المسألة الثانية عشرة (12) شرعية الصلاة بالنعال والخفاف ونحوه إذا علمت
- المسألة الثالتة عشرة (13) البـدء بتحية المسجد عند دخوله قبـل السـلام على الناس أي البدء بحق الله.
- المسألة الرابعة عشرة (14) تسوية الصفوف وإهمال كثير من الأئمة الأمر بها والحض عليها.
- المسألة الخامسة عشرة (15) القراءة في الصلوات.
- المسألة السادسة عشرة (16) السنة فـيما يقرأ في ركعتي الفجـر (الراتبة).
- المسألة السابعة عشرة (17) الاضطجاع على الشق الأيمن بعد سنة الفجر.
- المسألة الثامنة عشرة (18) مشروعية الجهر للإمام ببعض الآيات في الصلاة السرية.
- المسألة التاسعة عشرة (19) الدعاء والتسبيح والتعوذ عند قراءة الآيات المناسبة.
- المسألة العشرون (20) قراءة ما تيسر في الركعتين الأُخريين من الظهر والعصر مع الفاتحة أحياناً.
- المسألة الحادية والعشرون (21) قراءة سورة الإخلاص مع ما يقرأ في كل ركعة أحياناً.
- المسألة الثانية والعشرون (22) تسوية الظهر في الركوع .
- المسألة الثالثة والعشرون (23) من السنن القولية عند الرفع من الركوع.
- المسألة الرابعة والعشرون (24) استحباب إطالة الجلسة بين السجدتين قدر الركوع والسجود.
- المسألة الخامسة والعشرون (25) الإكثار من الدعاء بالمغفرة بين السجدتين.
- المسألة السادسة والعشرون (26) إلقام الكف للركبة في التشهد الأخير.
- المسألة السابعة والعشرون (27) التفل على اليسار ثلاثاً عـند الوسوسة في الصلاة.
- المسألة الثامنة والعشرون (28) تنوّع الأذكار بعد الصلاة.
- من السنن التي ثبتت عن النبي-ﷺ-في النوافل
- من
السنن الخاصة بالمسافر
- المسألة الثالثة والثلاثون (33) التأمير في السفر للثلاثة فما فوق أن يأمّروا أحدهم.
- المسألة الرابعة والثلاثون (43) من السنة صلاة النافلة على الراحلة في السفر ولو لغير القبلة.
- المسألة الخامسة والثلاثون (35) المسافر يكبر إذا علا شرفاً أو صعـد ويسبح إذا نزل.
- المسألة السادسة والثلاثون (36) دعاء هام للمسافر.
- المسألة السابعة والثلاثون (37) استحباب صلاة ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر.
- من
السنن الخاصة بالجمعة
- المسألة الثامنة والثلاثون (38) إشارة الخطيب بالإصبع عند الدعاء ما لم يستسق فيرفع يديه
- المسألة التاسعة والثلاثون (39) استقبال الناس الخـطيب بوجوههم يوم الجمعة.
- المسألة الأربعون (40) استحباب تحول الناعس يوم الجمعة من موضعه.
- المسألة الحادية والأربعون (41) السنن للجمعة بعد الصلاة.
- المسألة الثانية والأربعون (42) الفصل بين الفرض و النفل في الجمعة وغيرها.
- من السنن التي ثبتت عن النبي - ﷺ - في قراءة القرآن
- من
السنن المهجورة فيما يتعلق في الحج والعمرة
- المسألة الخامسة والأربعون (45) التكبير أيام عشر ذي الحجة.
- المسألة السادسة والأربعون (46) استحباب بعث الهدي لغير المحرم وهو في بلده ولا يحرم عليه شيءٌ.
- المسألة السابعة والأربعون (47) سنية سوق الهدي في العمرة.
- المسألة الثامنة والأربعون (48) استحباب الوقوف للدعاء والإطالة فيه عند الجمرتين الأولى والثانية.
- من
السنن المهجورة في السلام والاستئذان
- المسألة التاسعة والأربعون (49) رد المصلي السلام بالإشارة.
- المسألة الخمسون (50) كيفية الرد على من بلغه سلام أن يسلم على المبلِّغ والمرسل.
- المسألة الحادية والخمسون (51) السلام عند الانصراف والقيام من المجلس وهو الإلقاء وليس المصافحة.
- المسألة الثانية والخمسون (52) من هديه - × - في الاستئذان وطرق الأبواب.
- المسألة الثالثة والخمسون (53) الاستئذان ثلاثاً فإن أذن لـه و إلا انصرف.
- المسألة الرابعة والخمسون (54) من السنة استئذان الضيف من مضيفه قبل قيامه وانصرافه.
- المسألة الخامسة والخمسون (55) صاحب البيت أحق بالإمامة للصلاة في بيته من غيره ولو كان أفـقـه منه.
- من
السنن المهجورة في آداب النوم
- المسألة السادسة والخمسون (56) نفض الفراش عند النوم.
- المسألة السابعة والخمسون (57) وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن عند النوم.
- مسألة الثامنة والخمسون (58) فضل من انتبه من نوم الليل فذكر الله .
- المسألة التاسعة والخمسون (59) مسح أثر النوم عن الوجه باليد([526]) عند الاستيقاظ.
- المسألة الستون (60) قراءة الآيات الأخيرة من آل عمران عند الاستيقاظ من الليل والنظر إلى السماء.
- من
السنن المهجورة في الطب
- المسألة الحادية والستون (61) التداوي بالتلبينة([537]).
- المسألة الثانية والستون (62) التداوي بالعـسل.
- المسألة الثالثة والستون (63) التداوي بالـحـجــامـة.
- المسألة الرابعة والستون (64) الحمية بتمر العجوة من عالية المدينة النبوية([552]) .
- المسألة الخامسة والستون (65) التداوي بالـحـبـة الـسوداء.
- المسألة السادسة والستون (66) التداوي بالــكـمـأة([563])
- المسألة السابعة والستون (67) الدواء من عرق النسا([568]).
- المسألة الثامنة والستون (68) التداوي بالريق والتراب.
- المسألة التاسعة والستون (69) الطب النبوي في الذباب.
- السنن
المهجورة في آداب الطعام
- المسألة السبعون (70) ترك عيب الطعام.
- المسألة الحادية والسبعون (71) لعـق الأصابع قبل مسحها أو غسلها.
- المسألة الثانية والسبعون (72) إماطة الأذى عن اللقمة الساقطة ثم أكلها.
- المسألة الثالثة والسبعون (73) لعق القصعة والإناء ونحوها.
- المسألة الرابعة والسبعون (74) استحباب السحور بالتمر.
- المسألة الخامسة والسبعون (75) إلـقـاء النـوى بـيـن إصـبـعـيـه.
- المسألة السادسة والسبعون (76) وما يدعى به لأهل الطعام.
- المسألة السابعة والسبعون (77) التنفس عند الشرب خارج الإناء ثلاثاً.
- من السنن المهجورة في حق اللبن
- من السنن المهجورة في آداب العطاس
-
- بعض
الأذكار المهجورة
- المسألة الثالثة والثمانون(83) الدعاء عـقب الوضوء بــ :"سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
- المسألة الرابعة والثمانون(84) الدعاء عند سماع صياح الديكة, والاستعاذة عند سماع نهيق الحمار ونباح الكلب.
- المسألة الخامسة والثمانون (85) الدعاء عند الريح وحال الرسول عندها.
- المسألة السادسة والثمانون (86) كثرة الاستغفار في المجلس.
- المسألة السابعة والثمانون (87) من صيغ حلف النبي صلى الله عليه وسلم.
- المسألة الثامنة والثمانون (88) العـدول عن الأمر المحلوف عليه للمصلحة مع الكفارة.
- جامع
من السنن المهجورة في بعض الآداب والمعاملات وغيرهما
- المسألة التاسعة والثمانون (89) السجود للشكر عند حصول ما يسر واندفاع ما يكره.
- المسألة التسعون (90) تهنئة(·) من تجددت لـه نعمة دينية أو دنيوية.
- المسألة الحادية والتسعون (91) صلاة الركعتين عند التوبة من الذنب.
- المسألة الثانية والتسعون (92) التصدق عند التوبة.
- المسألة الثالثة والتسعون (93) دعاء جامع الصدقات لمن أتى بصدقة ماله.
- المسألة الرابعة والتسعون (94) التكبير والتسبيح عند التعجب أو الاستنكار.
- المسألة الخامسة والتسعون (95) استحباب كتابة الوصية.
- المسألة السادسة والتسعون (96) رد المقترض بأكثر مما اقترضه كماً وكيفاً من غير اشتراط سابق.
- المسألة السابعة والتسعون (97) من هديه - ﷺ - عدم نزع يده عند المصافحة حتى ينزعها الآخـر .
- المسألة الثامنة والتسعون (98) البداءة باليمنى عند لبس النعال و باليسرى عند نزعه.
- المسألة التاسعة والتسعون (99) المشي حافياً أحياناً.
- المسألة المائة (100) كف الصبيان عن الخروج من المنزل عند أول قدوم الليل وتغطية الإناء في الليل .
- المسألة الواحدة بعد المائة (101) تعريض الجسم للمطر عند نزوله.
- المسألة الثانية بعد المائة (102) زيارة مسجد قـباء والصلاة فيه كل أسبوع.
- الخاتمة
- بعض
الأذكار المهجورة
الـوصـيـة ببعض السنن شبه المنسية
(المجموعة الأولى)
تقديم فضيلة الشيخ
عبد العزيز بن محمد السدحان
جمع وإعداد
هيفاء بنت عبد الله الرشيد
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن تعلم العلم والعمل به والدعوة إليه من أفضل القربات، وأرفع الدرجات، ولذا كان أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام عاملين بعلم وداعين بعلم، قال تعالى : ( وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحي ) ، فبالعلم الصحيح الصريح – بعد توفيق الله تعالى – يحيى ما أميت من الخير، ويقبر ما بعث من الباطل، فتتهذب العقائد من درن الشرك والبدع، وتتهذب العبادات مما دخلها وداخلها من الإفراط والتفريط، وتتهذب المعاملات من الغش والغرر، وتتهذب الاخلاق من سيئها إلى غير ذلك.
وجُمَّاعُ الأمر في العلم والعمل: جلب المصالح ودرء المفاسد، فمن ثمرات العمل بعلم طاعة الله تعالى وطاعة رسوله - ﷺ - مما يترتب عليه قرة العين، وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب.
ونشر العلم يتفاوت فضله بحسب أثره وتأثيره، فأعظم العلوم توحيد الله تعالى بأسمائه وصفاته، وصرف العبادة لـه والتحذير مما يخالف ذلك، ثم يأتي بعد ذلك تعليم الناس ما افترض عليهم.
وبكل حال؛ فإن من العلم الذي يترتب على نشره الأجر الكثير: تعليم الناس ما جُهل وتذكيرهم ما نُسي، وقد جاءت البشارة النبوية في قوله - ﷺ-: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» أخرجه مسلم.
وقوله - ﷺ - «من أحيا سنة من سنتي فعمل بها الناس كان لـه مثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا».
شاهد المقال : إن من المعلوم بدهاً أن استدامة ترك العمل ببعض السنن وتقادم الزمن على ذلك قد يورّث نسيانها عند قوم بل ومعاداتها وإنكارها عند آخرين، كما أن إطباق الكثيرين على عمل غير مشروع يساعد على ترسيخ شرعية ذلك العمل في نفوسهم مما يُصعّب ويصعب عليهم الانفكاك عن قناعاتهم، وما أجمل ما قاله الإمام الشاطبي في هذا المبحث، قال – رحمه الله تعالى - : "ولا يخفى أنّ إطباق الناس على أمر ما لتقادم العهد عليه لا يعني أن إطباقهم هذا دليل شرعي إذ ظهور دليل ما خفي على الناس زمانا يبطل هذا الإطباق ويجعله إطباقا لا معنى له".([1])
ونقل الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى – عن شيخ لـه أنه قال: "ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول : لو كان هذا منكرا لما فعله الناس ... " ([2])
وعودا على بدء : إن من العلم الذي يترتب على تعلمه وتعليمه الأجر الوفير إحياء تلك السنن التي جهلها أو هجرها كثير من الناس، ففي ذلك – فضلا عن حصول الأجر – من الثمرات:
- الانتظام في سلك المتابعين للسنن والآثار.
- يورّث صاحبه الحذر من البدع وأهلها.
- يزيد صاحبه محافظة على الفرائض والنوافل.
ومما يحسن ذكره في هذا المقام ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه رأى رجلا خضب شيب لحيته بالحناء أو الكتم فهشّ لـه وبش وخاطبه قائلا: "رحمك الله ، لقد أحييت ميتا"، يعني بذلك إحياء تغيير الشيب بالحناء والكتم.
ختاما: هذا البحث الذي بين يديك تضمن بين طياته علما طيبا، فقد قامت الباحثة الأخت أم أحمد أثابها الله تعالى باستقراء بعض كتب أهل العلم فتحصل لها عشرات من السنن التي قل العمل بها عند بعض الناس بل جهلها كثير منهم.
وقد أجادت في بحثها وأفادت من حيث النقل الموثق مع العناية بنقل كثير من كلام أهل العلم على الأحاديث رواية ودراية.
فشكر الله تعالى لها جهدها وبارك لها في زوجها وذريتها وجعل بيتهم معمورا بالعلم والعمل والتوفيق، فلقد عرفت الأخ الكريم أبا أحمد من المحبين للخير يتوج ذلك خلق حسن زاده الله تعالى توفيقاً، وكذا شكر الله تعالى للأستاذة موضي الجلهم.. التي سمعتُ عنها حرصها على تعلم العلم وتعليمه والحرص على اقتفاء منهج السلف الصالح في دعوتها، فجزى الله الباحثة ومعلمتها خيراً ووفق نساء المسلمين إلى مافيه الخير والفلاح وجنبهن فتن الشبهات والشهوات، إنه تعالى سميع مجيب.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
قدمه فضيلة الشيخ
عبدالعزيز بن محمد السدحان
1425هـ
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لـه، ومن يضلل فلا هادي لـه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - ﷺ - تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين. أما بعد :
فإنه قد ورد في نصوص الكتاب والسنة أدلة كثيرة، تدعو إلى العلم وتبين فضله، وفضل طلبه وأهله ونشره، تعلماً وعملاً وتعليماً. والعلم المقصود بتلك الفضائل العظيمة والمناقب الجسيمة هو العلم الشرعي، علم الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح – وهم الصحابة والتابعون وأتباع التابعين رضي الله عنهم - وجعلنا ممن اتبعهم بإحسان .
وإن من وسائل نشر العلم: الكتابة تأليفاً وجمعاً وترتيباً، فكانت تلك الأدلة هي الحاثة على ما جمعتُ في هذه الرسالة من مسائل منثورة في أبواب مختلفة من العلم الشرعي.
كتبتها أولاً : تعليماً واستفادةً لنفسي، ثم : نصحاً لإخواني من المسلمين والمسلمات. و «الدين النصيحة» كما قال رسولنا الكريم - ﷺ - فيما رواه مسلم ([3]) عن تميم بن أوس الداري - t-.
كما ثمة أمور هي الدوافع لكتابة هذه الرسالة:
1- أنها كما تقدم من العلم الذي أرجو أن يكتب الله لي أجره في حياتي ويديمه علي بعد مماتي، كما أخبر - ﷺ - بقوله: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
أخرجه مسلم، وأبو داود. والترمذي، والنسائي([4]) عن أبي هريرة - t-.
2- وعن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «من دعا إلى هدى، كان لـه من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً..» رواه مسلم([5]).
3- عن أبي مسعود الأنصاري عن رسول الله - ﷺ - قال : «من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم([6]).
4- قولـه - ﷺ - : «من سن في الإسلام سنةً حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء». رواه مسلم([7]).
قال النووي في شرحه([8]): "فيه الحث على الابتداء بالخيرات، وسن السنن المستحبات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات".
وقولـه: (سنّ) قال العلامة ابن عثيمين: «أي : عمل بها ونفذها فاقتدي به، أو أحيا سنةً أميتت فعمل بها من بعده، لا أنه ابتدع في الدين، وسماها بدعةً حسنةً، كما يزعمون»([9]).
وقال – رحمه الله - : "السنة التي تركت، ثم فعلها الإنسان فأحياها، فهذا يقال عنه: سنها بمعنى: أحياها، وإن كان لم يشرعها من عنده"([10]).
وقد آثرت أن أتناول في هذه الرسالة بعض السنن التي قد تكون مهجورة عند كثير من المسلمين؛ لما رأيت عزوف الكثير منهم عن هدي النبي - ﷺ - والتفات بعضهم إلى محدثات الأمور، وإلا لما كان لمثلي أن يكتب في هذا الموضوع، لو لا ما رجوته من نفع لي ولعامة المسلمين، مع رجاء أن أكون ممن أحيا سنة أميتت فأنال – بفضل الله – ما ذكر من الأجور.
وروى ابن ماجه في السنن باب من أحيا سنةً قد أميتت([11]) بسنده وصححه الألباني بشواهده.
قال رسول الله - ﷺ - «من أحيا سنة من سنني، فعمل بها الناس، كان لـه مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيءٌ» الحديث([12]).
قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله - : (فإن السنة كلما أضيعت كان فعلها أو كد؛ لحصول فضيلة العمل ونشر السنة بين الناس)([13]).
وقال رحمه الله: (والذي ينبغي للإنسان – ولا سيما طالب العلم الذي يؤخذ بقولـه – أن يحيي السنن التي أميتت؛ حتى لا يكون المعروف منكراً)([14]).
فنسأل الله أن يجعلني ممن شملهم هذا الوعد العظيم، ونسأله الإخلاص والمتابعة في الأقوال والأعمال. إنه سميع الدعاء.
وقد أخرج أبو نعيم في الحلية([15]) عن أبي العباس أحمد بن محمد بن سهل قال: (من الزم نفسه آداب السنة غمر الله قلبه بنور المعرفة، ولا مقام أشرف من متابعة الحديث في أوامره وأفعالـه وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً ونية وعقداً).
هذا ومنهجي في ذكر هذه السنن المهجورة:
1- أن يكون النص واضحاً في الدلالة على مشروعيتها، ويظهر من حال كثير من الناس تركها.
2- إن وجدت نصاً لإمام متقدم أو عالم معاصر على أنها سنة مهجورة، فأذكر قوله بين يدي المسألة أو أثنائها.
3- وقد اجتهدت أن لا أذكر إلا ما صح دليله، معتمدةً في جل ذلك على ما خرجه الإمامان البخاري ومسلم، فإذا كان الحديث عند غير هما خرجته، ونقلت قول من صححه من العلماء المتقدمين والمعاصرين حسب جهدي وبحثي.
فأما البخاري ومسلم أو أحدهما، فالعزو إليهما كافٍ في الصحة، كما هو معلوم لدى الجميع.
تنبيهات هامة :
الأول : أني لم أقصد الاستيعاب في هذه الرسالة، فهناك سنن كثيرة مما يشملها الشرط، ولكنني لو انتظرت حتى أستوعبها – ولن أستطيع ولو حاولت – لما كان لهذه الرسالة أن ترى النور. فلو جد لي شيء من ذلك أضفته في طبعات لاحقة أو مجموعة ثانية إن شاء الله.
الثاني : قد يرى بعض القراء الكرام أن ثمة أشياء لم تكن مجهولة لدى بعضهم، بل ربما كانوا يفعلونها، ولكن الغالب أن البعض ربما فعلها من قبل العادة فحسب، مع الغفلة عن نية الاقتداء التي فيها عظيم الثواب – كما لا يخفى – فأردت لفت النظر إلى ذلك، وأن يعلم الإنسان ثبوت مشروعيتها عن الرسول - ﷺ - من قولـه أو فعله أو تقريره لفعل أصحابه – رضي الله عنهم - ولا تخفى الفائدة في ذلك.
الثالث : أن ثمةمسائل قد يوجد فيها خلاف لبعض أهل العلم، وأنا أنتظر من الإخوة والأخوات أن يفيدوني بملاحظاتهم وبإضافة ما يرون إضافته من هذه السنن، حتى نتعاون على الدعوة للتي هي أقوم، بالتي هي أحسن.
الرابع: قد روى الترمذي وأبو داود([16]) وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «من لا يشكر الناس لا يشكر الله». وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة([17]).
فأشكر الله –عز وجل – الذي حبب إلي العلم الشرعي وحبب إلي سنة رسوله - ﷺ - كما أشكره سبحانه على أن يسر لي هذا العمل، وأسأله-جل وعلا - أن يتقبله مني وينفع به عباده.
كما أشكر معلمتي الفاضلة وموجهتي الكريمة التي كانت خير معين لي –بعد الله - في حياتي العلمية الأستاذة المربية الكريمة. موضي بنت عبد الله الجلهم. أصلح الله لها شأنها كله، وبلغها رضاه، ورفع درجتها، وجزاها خير ما يُجزى معلمٌ عن تلميذه.
كما أشكر كل من ساعدني بفائدة، أو تخريج حديث، وأخص بالذكر الأخ أبا العباس عادل بن منصور – وفقه الله وزاده علماً وعملاً على ما أفادني به من الفوائد الغالية – حيث قام بتحقيق هذه الرسالة.
وأسال الله أن يسقينا وإياهم من حوض نبينا شربة لا نظمأُ بعدها أبداً، وأن يكرم كل من آثر في هذه الدنيا الورود على السنة المشرفة بالورود على الحوض المورود.
وفي الختام. أسأل الله أن ينفعني بهذه الرسالة وإخواني المسلمين، وأن يجعلها تعليماً للجاهل، وتذكيراً للناسي، وتنبيهاً للغافل.
وأعتذر ابتداءً بين يدي رسالتي هذه لأهل العلم وطلابه ممن قد يقف عليها إن قصر باعي، أو قل اطلاعي، أو ضعفت عبارتي، أو أخطأت في مسألة، فإنني معترفة بداية ونهاية بقلة بضاعتي وضعف إفادتي، وقديماً قيل:
ويعذر النمل في القدر الذي حملا.
وكما قال القاضي عبد الرحمن البيساني المتوفى سنة 596هـ - كلمة تداولها العلماء لفائدتها : - "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يوم إلا قال في غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يستحسن، ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر([18])".
وحسبي أني قد جمعت هذا للأهداف المنوه بها سابقاً، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وقد رأيت أن أسميها: ((الوصية ببعض السنن شبه المنسية)).
والمنسية : معناها المتروكة والمهجورة، فإنه كما لا يخفى يأتي النسيان بمعنى: الترك، ويأتي بمعنى: الذهول عن الشيء بعد العلم به.
كتبته راجية عفو ربها ومغفرته
هيفاء بنت عبد الله الرشيد
غفر الله لها ولوالديها وجزاهما الله خيراً
الريـــــاض
في 15/04/1425هـ
العنوان : المملكة العربية السعودية
الرياض – ص.ب : 60977 الرمز : 11555.
فصل تمهيدي
وقد رأيت أنه يحسن أن أذكر فصلاً هاماً أضمنه جملة من النصوص والآثار في التمسك بالسنة النبوية وفضل ذلك – زيادة على ما تقدم – مع ذكر صور مشرقة من هدي السلف من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم - في اعتنائهم بشأن السنة علماً ودعوةً وإنكاراً على من عارضها أو خالفها، مكتفية في ذلك ببعض الأمثلة، ومن أراد الاستزادة فعليه بكتب السنة وسير السلف، يجد ما تقر به عينه، ويقوي عزيمته في الحرص والتتبع لهدي الرسول - ﷺ-.
إشارة خاطفة لمعنى السنة في اللغة والمقصود منها في هذا البحث:-
السنة في اللغة:
الطريقة سواء كانت حسنة أو سيئة. ومنه قول الشاعر:
فلا تجْزَ عَنْ مِنْ سيرةٍ أنتَ سرتَها | |
فأوَّلُ راضٍ سنَّةً مَنْ يَسِيْرُها |
ومنه قولـه - ﷺ - «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة» و «من سنَّ في الإسلام سنة سيئة». أخرجه مسلم([19]) من حديث جرير بن عبد الله البجلي – t-.
والسنة: هي كل ما ثبت عن رسول الله - ﷺ - في كل أبواب الدين عقيدةً وعملاً وسلوكاً، ولا أدل على ذلك من تسمية الأئمة لكتب الإيمان والتوحيد والعقيدة بكتب السنة.
وأما في اصطلاح الفقهاء المتأخرين، فالسنة عندهم هي: ما عدا الفرض. فهي مقابل الواجب. وهي كل ما ثبت عن رسول الله - ﷺ - «من قول أو فعل أو تقرير. وهذا الجزء متفق عليه بين المحدثين والأصوليين وزاد المحدثون: أو صفة خَلقية أو خُلقية».
والمراد في هذا البحث ما ثبت عن رسول الله من قول أو فعل أو تقرير، مما سنه من غير إيجاب، وعلى هذا مسائل البحث إلا ما ندر، مما قد يقوي بعض أهل العلم القول بالوجوب كالسترة وتسوية الصفوف.
فضل الاتباع:
أ- من القرآن الكريم :
1 - قال الله تعالى: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم )([20]).
قال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة حاكمة عل كل من ادعى محبة الله، وليس على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله ... ثم قال: ( ويغفر لكم ذنوبكم والله عفور رحيم ) أي: باتباعكم الرسول يحصل لكم هذا كله من بركة سفارته)([21]).
وقال ابن القيم في مدارج السالكين([22]): (لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخَلَي حُرقة الشجي فتنوع المدعون في الشهود،فقيل: لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه).
2 - قال الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر وذكر الله كثيرا ) ([23]).
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره([24]): (هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله - ﷺ - في أقواله وأفعاله وأحواله).
وقال ابن سعدي – رحمه الله – (وهذه الأسوة الحسنة إنما يسلكها ويوفق لها من كان يرجو الله واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان وخوف الله ورجاء ثوابه وخوف عقابه يحثه على التأسي بالرسول - ﷺ-)([25]).
ب- وأما من السنة: فذلك كثير وكثير ومنه:
ما رواه مسلم([26]) عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه ... إلى أن قال جابر: ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها. وكل بدعة ضلالة.
وحديث العرباض بن سارية - t - المشهور – وقوله - ﷺ - «فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ» الحديث([27]).
منزلة المندوبات عند رسول الله - ﷺ-:
1 - من الفعلية : ما رواه مسلم([28]) عن عائشة – رضي الله عنها - عن النبي - ﷺ - قال : «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
وفي لفظ : (لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً).
ولا يخفاك أن المراد بر كعتي الفجر هما الراتبة، وهما سنة من السنن المؤكدة.
2 - ومن القولية : ما رواه مسلم([29]) عن أبي هريرة - t - قال: رسول الله - ﷺ - «لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس).
فكيف ينكر بعد هذا على من اعتنى بسنن الرسول - ﷺ ؟ فمن كان صادقاً في محبته فليحب ما يحبه - ﷺ - ورضي الله عن أصحاب رسوله الذين بلغوا الغاية في متابعة نبيهم، حتى قال أنس لما رأى رسول الله يتتبع الدباء ويأكله حبا لـه قال: "فلم أزل أحبه منذ رأيت رسول الله يأكله ". أخرجه البخاري([30]) ومسلم([31]). هذا في المطعومات فكيف في المسنونات؟ بل والواجبات؟ والله المستعان.
وقد علق البخاري جازماً([32]) ووصله الإمام محمد بن نصر في كتاب السنة([33]) واللفظ لـه،واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة([34]) بسند صحيح عن عبد الله بن عون – رحمه الله – قال : ثلاث أرضاها لنفسي ولإخواني: أن ينظر هذا الرجل المسلم القرآن فيتعلمه ويقرأه ويتدبره وينظر فيه، والثانية: أن ينظر ذاك الأثر والسنة، فيسأل عنه ويتبعه جَهْدَه. والثالثة: أن يدع هؤلاء الناس إلا من خير.
ورحم الله الإمام ابن حبان حيث قال في مقدمة صحيحه([35]): "وإن في لزوم سنته تمام السلامة، وجماع الكرامة، لا تُطفأ سُرجها، ولا تُدحض حججها،مَن لزمها عُصم، ومن خالفها ندم، إذ هي الحصن الحصين، والركن الركين، الذي بان فضله، ومتُن حبلُه، من تمسك به ساد، ومن رام خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة في الآجل، والمغبوطون بين الأنام في العاجل".
وقال ابن باز رحمه الله في فتاويه([36]): "ولأن اتباع السنة فيه الخير والبركة والسعادة في الدنيا والآخرة).
وقال العلامة عبد الله بن عبد العزيز العنقري كما في الدرر السنية([37]): "وقصد موافقة رسول الله - ﷺ - في أفعاله من لبس وأكل وشرب، وغير ذلك سنة".
صور مشرقة :
ولتعلم أيها القارئ الكريم أن السلف الصالح –رضي الله عنهم - من الصحابة والتابعين قد جدوا واجتهدوا في متابعة النبي - ﷺ - بما لم يكن ولا يكون مثلهم في ذلك، وإن لعنايتهم بالسنن المروية عن سيد البرية - ﷺ - صوراً متعددة منها:
1 - الاعتناء بها نشراً وتعليماً، ولو تباعدت الديار واختلفت الأقطار، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم([38]) عن ورَّاد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي - ﷺ - كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه لـه الملك ولـه الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد». قال ورَّاد: ثم وفدت بعد ذلك على معاوية قسمعته يأمر النَّاس بذلك.
قال ابن حجر في الفتح([39]): "وفيه المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها".
2 - ومنها : شدة مواظبتهم على السنن، ولو في حالك الظروف: منه ما أخرجه البخاري ومسلم([40]) عن علي - t - في قصة طلب فاطمة بنت رسول الله – رضي الله عنها - من أبيها – u - خادماً. وفيه قولـه - u - لهما : "ألا أعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين. فهو خيرٌ لكما من خادمٍ".
زاد في رواية مسلم: «قال علي: ما تركته منذ سمعته من النبي - ﷺ - قيل لـه ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين».
قال النووي في شرح مسلم([41]): (معناه: لم يمنعني منهن ذلك الأمر والشغل الذي كنتُ فيه. وليلة صفين: هي ليلة الحرب المعروفة بصفين، وهي موضع بقرب الفرات كانت فيه حرب عظيمة بينه وبين أهل الشام) ا.هـ.
3 - ومنها : شدة الرجل على ولده وهو أقرب الناس إليه:
روى البخاري ومسلم([42]) واللفظ له.
عن عبد الله بن عمر - t - عن النبي - ﷺ - قال: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها». قال: فقال بلال بن عبد الله – أي ابن عمر – والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبَّاً سيئاً ما سمعته سبَّه مثله قط. وقال: أُخبرك عن رسول الله - ﷺ - وتقول : والله لنمنعهنَّ.
قال النووي في شرح مسلم([43]) : (فيه تعزير المعرض عن السنة والمعارض لها برأيه). ونحوه في الفتح([44]) والإعلام بفوائد عمدة الأحكام([45]).
وقد قال ابن حجر في الفتح([46]): (وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن).
4 - ومنها : إنكارهم على جليل القدر فيهم: فروى البخاري ومسلم([47]) عن ابن عمر - t - أن عمر بن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجلٌ من المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله - ﷺ - فناداه عمر: أي ساعة هذه؟ قال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأتُ، فقال: والوضوء أيضاً؟ وقد علمت أن رسول الله - ﷺ - كان يأمر بالغُسل. وقد جاءت تسمية هذا المهاجري أنه عثمان بن عفان - t - وقد أخرجه البخاري، ومسلم([48]) من حديث أبي هريرة - t - قال النووي في شرح مسلم([49]): (وفيه ... والإنكار على مخالف السنة، وإن كان كبير القدر).
وقال ابن حجر في الفتح ([50]): (وفي هذا الحديث من الفوائد ..... وإنكاره على من أخل بالفضل، وإن كان عظيم المحل، ومواجهته بالإنكار؛ ليرتدع من هو دونه بذلك) ا.هـ.
5 - وفي البخاري([51]) لما روى عروة بن الزبير حديث الكسوف عن عائشة. قال ابن شهاب الزهري: فقلت لعروة: إن أخاك – يعني: عبد الله بن الزبير - t - يوم خسفت بالمدينة، لم يزد على ركعتين مثل الصبح قال: أجل لأنه أخطأ السنة). هذا وعروة تابعي، وأخوه عبد الله صحابيٌ.
وقد قال الحافظ في الفتح([52]) : (ويحتمل أن يكون عبد الله أخطأ السنة عن غير قصد؛ لأنها لم تبلغه. والله أعلم).
تنبيه هام حول السنة التركية:
قال الإمام الشافعي - رحمه الله - في كتابه الرسالة([53]): "فلما لم يأخذ منه رسول الله، ولا أحد بعده زكاة: تر كناه اتباعاً بتركه).
وقال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين([54]) : (نقل الشرع مبتدأ من جهة النبي - ﷺ - وهو أربعة أنواع: أحدها: نقل قوله. والثاني: نقل فعله. الثالث: نقل تقريره لهم على أمرٍ شاهدهم عليه أو أخبرهم به. الرابع: نقلهم لشيء قام سبب وجوده ولم يفعله) ا.هـ. ثم شرح ذلك في الجزء نفسه([55]) في كلام ممتع أنقله فقال: وأما نقلهم لتركه - ﷺ - فهو نوعان وكلاهما سُنةٌ. أحدهما: تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقولـه في شهداء أحد "ولم يغسلهم ولم يصل عليهم" وكقولـه في صلاة العيد: «لم يكن أذان ولا إقامة ولا نداء» وكقولـه في جمعه بين الصلاتين: «ولم يسبح بينهما ولا على إثر واحدة منهما» ونظائره.
والثاني : وعدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم، أو أكثر هم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ولا حدث به في مجمع أبداً عُلم أنه لم يكن. وهذا كتر كه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة. وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبلاً المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات. وتركه رفع يديه كل يوم في صلاة الصبح بعد رفع رأسه من ركوع الثانية وقولـه: "اللهم اهدنا فيمن هديت" يجهر بها. ويقول المأمومون كلهم آمين. ومن الممتنع أن يفعل ذلك ولا ينقله عنه صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة البتة، وهو مواظب عليه هذه المواظبة لا يُخل به يوماً واحداً، وتركه الاغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي الجمار ولطواف الزيارة ولصلاة الاستسقاء والكسوف، ومن ها هنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلاف السنة، فإن تركه - ﷺ - سنة، كما أن فعله سنة، فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير استحبابنا ترك ما فعله ولا فرق).
وقال العلامة ابن باز –رحمه الله - في فتاويه([56]) وهو يتحدث عن رفع اليدين في الدعاء: "لكن المواضع التي لم يرفع فيها النبي - ﷺ - لا يجوز الرفع فيها لأن فعله سنة وتركه سنة-عليه الصلاة والسلام - ذلك مثل الدعاء بين السجدتين والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام فإنه لا يشرع الرفع فيه؛ لأن النبي - ﷺ - لم يرفع في ذلك). وقال أيضاً([57]) : "لكن لا يشرع رفعهما في المواضع التي وُجِدت في عهد النبي - ﷺ - ولم يرفع فيها كأدبار الصلوات الخمس وبين السجدتين وقبل التسليم من الصلاة وحين خطبة الجمعة والعيدين لأن النبي - ﷺ - لم يرفع في هذه المواضع وهو – عليه الصلاة والسلام - الأسوة الحسنة فيما يأتي ويذر".
وقال ابن عثيمين في شرح حديث جابر في صفة الحج([58]): (وإن السنة كما تكون بالفعل تكون كذلك بالترك، فإذا وجد سبب الفعل في عهد النبي - ﷺ - ولم يفعله دل هذا على أن السنة تركه) ا.هـ.
تـنـبـيـــه :
قد يرى البعض أنه لا فائدة من هذه التنبيهات والدلالات على مثل هذه السنن المشروعات،والقرب المندوبات ثم يختلفون بعد في التعليل لهذا القول العليل، فمنهم من يرى ذلك تشويشاً، ومنهم من يراه إغراقاً في الجزئيات – كما زعموا - وانشغالاً عن المهمات. وهدراً للطاقات، وتفريقاً للجماعات، وغيرها من وساوس الشياطين، وتخرصات الجاهلين. وما مضى من النصوص والمواقف الناصعة للسلف يكشف ذلك التلبيس.
قال العلامة ابن سحمان في سياق كلام له: "فلو كان كل ما ترك من السنن القولية والفعلية، مما كان على عهد رسول الله - ﷺ - مما تساهل الناس بترك العمل به، من الأمور التي يثاب الإنسان على فعلها، ولا يعاقب على تركها إذا أخبر بها مخبر أنها سنة مهجورة غير معمول بها: أن المخبر بذلك مشوش على الناس إذا عمل به ... لانسد باب العلم، وأميتت السنن وفي ذلك من المفاسد ما لا يحصيه إلا الله). ([59])
وقال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله - في فتاويه[60]): " وكوننا ندع السنة خوفا من التشويش معناه: أن كل سنة تشوش على الناس وهم يجهلونها ندعها. وهذا لا ينبغي بل الذي ينبغي إحياء الأمر المشروع بين الناس، وإذا كان ميتا لا يعلم عنه كان الحرص عليه وعلى إحيائه أولى وأوجب؛ حتى لا تموت هذه الشريعة بين المسلمين".
وهذا موقف صارم من عالم عامل:
ففي السؤال 525 من اللقاء الثالث عشر من لقاءات الباب المفتوح مع فضيلة الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله([61]).
سؤال : عندنا شاب دائماً أراه بالمسجد وإذا استفتاه أحد في غسل الجنابة وصف لـه الغسل المجزئ، ولا يبين لهم سننه وواجباته، ويتعلل بأنه لا يريد أن يشق على الناس. فهل من كلمة لمثل هذا؟
الجواب: هذا الرجل الذي لا يبين من الشرائع إلا ما كان فريضة، يعتبر ممن كتم العلم؛ لأن الواجب على طالب العلم أن يبين الفريضة والسنة، ثم يقول للناس: هذه فريضة، وهذه سنة، فمن أتى بفريضة أجزأه، ومن أتى بالسنة زاد أجره، أما أن يكتم السنة مخافة أن يشق على الناس، فهو-والله - ليس أرحم من الله، ولا أرحم من الرسول، فالرسول بين للناس المجزئ، وبين لهم السنة، فأنصح هذا الأخ وصية مني لـه بواسطتك، قل له: يتقي الله، ويبين للناس الواجب والمستحب، وإذا عمل الناس بالمستحب بناء على ما أعطاهم من العلم كان لـه الأجر، فهو يبين للناس الواجب ويبين المستحب، والزائد عن الواجب يقول: يا جماعة إن اقتصرتم على الواجب برأت ذمتكم، وإن فعلتم المستحب فهو أكمل وأكثر لأجور كم، أما أن يكتم الحق خوفاً من أن يشق فالله المستعان، هل هو أرحم بالمؤمنين من الرسول - ﷺ-؟! لا، ما هو أر حم".
من المسائل المهجورة في الطهارة
المسألة الأولى (1) المبالغة في الاستنشاق في الوضوء
عن لقيط بن صبرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً».
وهذا أخرجه جمع من الأئمة في مصنفاتهم منهم أبو داود، والترمذي، وقال: (هذا حديث حسن صحيح). والنسائي في الكبرى، وفي المجتبى، وابن ماجه، وابن الجارود، وابن خزيمة، والدارمي، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم، والبغوي في شرح السنة([62])، قال ابن الملقن عن الحديث: (وصححه الأئمة كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبغوي) ([63]).
قال الإمام الصنعاني في سبل السلام([64]): (والحديث دليل على المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وإنما لم يكن في حقه المبالغة؛ لئلا ينزل إلى حلقه ما يفطره، ودل ذلك من أن المبالغة ليست بواجبة، إذ لو كانت واجبة لوجب عليه التحري ولم يجز لـه تركها) ا.هـ.
وبنحوه قال البسام – رحمه الله - في توضيح الأحكام من بلوغ المرام([65]).
المسألة الثانية (2) المضمضة والاستنشاق ثلاث مرات بكف واحدة.
قال العلامة ابن القيم: (وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمه، ونصفها لأنفه ولا يمكن في الغرفة إلا هذا وأما الغرفتان والثلاث فيمكن فيهما الفصل والوصل إلا أن هديه - ﷺ - كان الوصل بينهما) ([66]).
وقد دل على ذلك من الأحاديث ما يلي:
1 - عن عبد الله بن زيد - t - في صفة وضوء رسول الله: «أنه أفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ثم غسل أو مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثاً... ثم قال: هكذا وضوء رسول الله - ﷺ-»([67]).
قال ابن حجر : (وهو صريح في الجمع كل مرة) ([68]).
وقال أيضاً: (واستدل به على استحباب الجمع بين المضمضة والاستنشاق من كل غرفة).
وقال النووي : (في هذا الحديث دلالة ظاهرة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق: أن يكون بثلاث غرفات، يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها) ([69]).
2 - عن ابن عباس - t - (أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء، فمضمض بها واستنشق.. الحديث وقال: هكذا رأيت رسول الله يتوضأ) ([70]).
قال ابن حجر – رحمه الله - (وفيه دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة) ([71]).
3 - عن علي - t - (أن رسول الله توضأ فمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً من كف واحد) وفي لفظ : (ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً يمضمض وينثر من الكف الذي يأخذ منه الماء) ([72]).
تنبيه هام :
ورد حديث مخالف لما تقدم وهو: عن طلحة بن مصرفٍ عن أبيه عن جده قال: «رأيت رسول الله - ﷺ - يفصل بين المضمضة والاستنشاق»([73]).
لكنه ضعيف لعلتين:
الأولى : ليث بن أبي سليم ضعيف.
والثانية : مصرف والد طلحة مجهول الحال.
فالحديث ضعفه ابن حجر في بلوغ المرام([74]) وابن الملقن([75]) ونقل هو وابن حجر في التلخيص الحبير([76]) عن النووي في تهذيب الأسماء واللغات قولـه: (اتفق العلماء على ضعفه).
وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد([77]): (ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة لكن في حديث طلحة... فذكره. ولكن لا يروى إلا عن طلحة عن أبيه عن جده ولا يعرف لجده صحبة) ا.هـ. والله تعالى أعلم.
من السنن المتعلقة بأحكام الجنابة
المسألة الثالثة (3) استحباب الوضوء قبل الغسل من الجنابة
وصفة غسله ﷺ من الجنابة.
1 - عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : «كان رسول الله - ﷺ - إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم يغتسل ...» الحديث([78]).
قال الحافظ ابن دقيق العيد: ((قولها: (وتوضأ وضوءه للصلاة) يقتضي استحباب تقديم الغسل لأعضاء الوضوء في ابتداء الغسل ولا شك في ذلك)) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام([79]).
وقد بوب على الحديث الإمام البخاري بقولـه باب: الوضوء قبل الغسل فقال شارحه الحافظ ابن حجر: (أي: استحبابه) ([80]) والله اعلم.
2 - وعن ميمونة –رضي الله عنها - قالت: «أدنيتُ لرسول الله - ﷺ - غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تنحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه»([81]).
المسألة الرابعة (4) استحباب الوضوء للجنب إذا أراد الأكل أو النوم.
1 - عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب - t - قال: يا رسول الله أير قد أحدنا وهو جنب؟ قال: «نعم، إذا توضأ أحدكم فلير قد وهو جنب»([82]).
2 - عن عائشة –رضي الله عنها - قالت: «كان النبي - ﷺ - إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة»([83]).
وفي لفظ عند الإمام مسلم([84]): «كان رسول الله إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة». وانظر للتوسع في الاطلاع على شرح الحديث، وذهاب الجمهور إلى الاستحباب في فتح الباري([85]).
المسألة الخامسة (5) الوضوء لمن أراد العود لمجامعة أهله.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - ﷺ - «إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ»([86]).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف([87]) عن سلمان بن ربيعة قال: قال لي عمر: يا سلمان إذا أتيت أهلك ثم أردت أن تعود كيف تصنع؟ قال: قلت كيف أصنع؟ قال: توضأ بينهما وضوءاً.
وقد بوب النووي على هذا الحديث والذي في المسألة السابقة بقولـه: (باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء لـه وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع).
وقال في الشرح([88]): (حاصل الأحاديث كلها: أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال. وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن الجنب وعرقه طاهران. وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الأمور كلها. ولا سيما إذا أراد أن يجامع من لم يجامعها) ا.هـ.
من السنن التي ثبتت عن النبي - × -في السواك
المسألة السادسة (6) العناية بالسواك والاهتمام به،
قال العلامة الصنعاني في سبل السلام([89]): (قال في "البدر المنير" : قد ذكر في السواك زيادة على مائة حديث، فواعجباً لسنة تأتي فيها الأحاديث الكثيرة ثم يهملها كثير من الناس، بل كثير من الفقهاء، فهذه خيبة عظيمة) ا.هـ.
وقال: (والأحسن أن يكون عود الأراك متوسطاً لا شديد اليبس فيجرح اللثة، ولا شديد الرطوبة فلا يزيل ما يريد إزالته).
قد ورد في الأحاديث الحث على السواك وشدة الترغيب فيه وحرص النبي- ﷺ - عليه حتى في آخر لحظات هذه الحياة الدنيا وحبِّه لـه ما يبرر تعجب الصنعاني وأهل العلم بعامة من إهمال الناس لهذه السنة العظيمة أذكر بعضاً من تلك الأحاديث، ومن أراد الاستزادة فليراجع مطولات كتب السنة.
1 - عن ابن عمر - t - قال: «كان رسول الله لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك»([90]) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير، وأحمد، وأبو يعلى والطبراني في الكبير وغيرهم وحسنه العلامة الألباني في الصحيحة.
2 - عن أبي هريرة - t - قال: «لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة». أخرجه البخاري ومسلم([91]).
3 - عن حذيفة - t - قال: «كان رسول الله إذا قام من الليل يشوص([92]) فاه بالسواك». أخرجه البخاري ومسلم([93]).
4 - عن أبي موسى الأشعري - t - قال: (أتيت النبي وهو يستاك بسواك رَطْبٍ قال: وطرف السواك على لسانه وهو يقول: «أُعْ أُعْ» والسواك في فيه كأنه يتهوع). أخرجه البخاري ومسلم([94]).
5 - عن عائشة - t - قالت: «دخل عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصديق على النبي، وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستنُّ به، فأبدَّه رسول الله بصره فأخذت السواك فقضمته وطيبته ثم دفعته إلى النبي - ﷺ - فاستنَّ به فما رأيت رسول الله استن استناناً قط أحسن منه» وفي لفظ (فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه «أن نعم». أخرجه البخاري([95]).
6 - عن أبي هريرة - t - عن رسول الله - ﷺ - قال: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء». علقه البخاري بصيغة الجزم([96]) وأخرجه أحمد([97]) والنسائي في الكبرى([98]) وابن خزيمة([99]) وغيرهم وسنده صحيح.
7 - عن عائشة – رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - ﷺ - «السواك مطهرةٌ للفم، مرضاة للرب» علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم وأخرجه أحمد([100]) والنسائي([101]) وابن خزيمة في صحيحه([102]) .. وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل([103]).
قال النووي في شرح مسلم([104]): (ثم إن السواك مستحب في جميع الأوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحباباً: إحداها: عند الصلاة. والثاني: عند الوضوء. والثالث: عند قراءة القرآن. والرابع: عند الاستيقاظ من النوم. والخامس: عند تغير الفم. وتغيره يكون بأشياء: منها ترك الأكل والشرب، ومنها أكل ماله رائحة كريهة، ومنها طول السكوت، ومنها كثرة الكلام) ا.هـ.
تـنـبـيـه:
قال العلامة ابن القيم – رحمه الله - "وينبغي القصد في استعماله، فإن بالغ فيه فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان، وقوى العمود، وأطلق اللسان، ومنع الحفر، وطيب النكهة، ونقى الدماغ، وشهى الطعام". الزاد ([105]).. وانظر كامل كلامه عن فوائد السواك ففيه فوائد.
قال العلامة ابن عثيمين في فتاويه([106]) : (وينبغي أيضاً أن يغسل السواك وينظفه – ثم ذكر حديث عائشة المتقدم([107]) – وقال: (وفي هذا دليلٌ على أنه ينبغي العناية بالسواك، لا كما يفعله كثيرٌ من الناس اليوم، تجده يستاك بسواكه ولا يغسله، فتبقى الأوساخ متراكمة في هذا السواك، فلا يزيده التسوك إلا تلويثاً. والله أعلم).
المسألة السابعة (7) استحباب البدء بالسواك لمن دخل منزله.
عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة – رضي الله عنها – قلت: بأي شيء كان يبدأ النبي - ﷺ - إذا دخل بيته؟ قالت بالسواك. أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه([108]).
وقال السيوطي في حاشيته على النسائي([109]) : (قال القرطبي: يحتمل أن يكون ذلك لأنه كان يبدأ بصلاة النافلة، فقلما كان يتنفل في المسجد، فيكون السواك لأجلها. وقال غيره: الحكمة في ذلك أنه ربما تغيرت رائحة الفم عند محادثة الناس، فإذا دخل البيت كان من حسن معاشرة الأهل إزالة ذلك. وفي الحديث دلالة على استحباب السواك عند دخول المنزل، وقد صرح به أبو شامة والنووي. وقال ابن دقيق العيد: ولا يكاد يوجد في كتب الفقهاء ذكر ذلك) ا.هـ.
من السنن التي ثبتت عن النبي - × -في مسائل الأذان
المسألة الثامنة (8) متابعة المؤذن والمقيم وقول مثل ما يقول.
1 - عن أبي سعيد الخدري - t - أن رسول الله - ﷺ - قال: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن» أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه([110]).
2 - عن عمر بن الخطاب - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: اشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله. من قلبه دخل الجنة». أخرجه مسلم وأبو داود([111]).
ذهب جمعٌ من أهل العلم إلى أنه يستحب في الإقامة متابعة المقيم مثل ما يقول المقيم كما يتابع في أذانه.
قال ابن قدامة: (ويستحب أن يقول في الإقامة مثل ما يقول) ([112]).
وهي فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله-([113]).
وأشاروا هناك إلى ضعف حديث قول: (أقامها الله وأدامها) عند قول المقيم (قد قامت الصلاة) ولو لا خشية الإطالة لنقلت فتاويهم،فانظرها هناك وفتاوى الإمام ابن باز([114]). والدرر السنية([115]).
المسألة التاسعة (9) الصلاة على النبي - ﷺ - وسؤال الوسيلة له.
1 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص - t - أنه سمع النبي - ﷺ - يقول : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلَّوا عليَّ، فإنه من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت لـه الشفاعة». رواه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي([116]).
2 - عن جابر بن عبدالله - t - أن رسول الله - ﷺ - قال: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت لـه شفاعتي يوم القيامة».
أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه([117]).
المسألة العاشرة (10) قول رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً.
1 - عن سعد بن أبي وقاص - t - عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: «من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك لـه، وأن محمداً عبده ورسوله. رضيت بالله رباً،وبمحمدٍ رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر لـه ذنبه».
أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة([118]) وغيرهم.
أما متى يقال هذا الدعاء والذكر؟ هل عند قول المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله؟ وسط الأذان، أم يقولـه عندما يختم المؤذن الأذان بقولـه (لا إله إلا الله) فيقول وأنا إلى آخره؟ على قولين عند أهل العلم:
الأول : أنه يقولـه عندما يقول المؤذن ذلك وسط الأذان، وهذا ما يشير إليه كلام النووي في شرح مسلم، وإن لم يكن صريحاً([119]). وقال السندي في حاشية النسائي([120]) : (قولــه: حين يسمع المؤذن – أي يقول – أشهد أن لا إله إلا الله فقوله: (وأنا أشهد) عطف على قول المؤذن. أي: وأنا أشهد كما تشهد. ا.هـ.
القول الثاني: أنه عند ختام الأذان. قال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي([121]) قوله: «من قال حين يسمع المؤذن» أي أذانه أو صوته أو قولـه، وهو الأظهر، وهو يحتمل أن يكون المراد به حين يسمع الأول أو الأخير، وهو قولـه آخر الأذان: لا إله إلا الله، وهو أنسب. ويمكن أن يكون معنى يسمع: يجيب، فيكون صريحاً في المقصود، وأن الثواب المذكور مرتب على الإجابة بكمالها مع هذه الزيادة. ولأن قوله بهذه الشهادة في أثناء الأذان ربما يفوته الإجابة في بعض الكلمات الآتية. كذا في المرقاة) ا.هـ.
من السنن في الصــلاة
المسألة الحادية عشرة (11) مشروعية الصلاة إلى سترة ([122]).
قد ورد في إثبات مشروعية ذلك جملة مباركة من الأحاديث والآثار الصحيحة ونذكر منها هنا ما تيسر:
1 - عن ابن عمر - t - أن رسول الله - ﷺ - قال: «إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإنْ أبى فليقاتله فإن معه قرين». أخرجه مسلم([123]).
2 - عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: قال رسول الله - ﷺ - «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مرَّ وراء ذلك».
أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه([124]).
3 - عن أبي ذر - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «إذا قام أحد كم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه، مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود». أخرجه مسلم([125]).
4 - عن ابن عمر - t - أن رسول الله - ﷺ - «كان إذا خرج يوم العيد، أمر بالحربة فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر. فمن ثمَّ اتخذها الأمراء». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([126]).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح([127]): (وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة وهو قوله بعد ذكر الحربة: (وكان يفعل ذلك في السفر). أ.هـ.
5 - عن أبي سعيد - t - قال: سمعت رسول الله-ﷺ - يقول : «إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([128]) نحوه.
6 - عن سهل بن سعد - t - قال: «كان بين مصلَّى رسول الله - ﷺ - وبين الجدار ممر شاة». أخرجه البخاري ومسلم([129]).
7 - عن ابن عمر - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «لا تصلِّ إلا إلى سترة ولا تدع أحداً يمر بين يديك فإن أبى فليقاتله فإن معه قرين».
قال الألباني في صفة الصلاة([130]): "رواه ابن خزيمة بسند جيد".
8 - عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي - ﷺ - قال: « إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدنُ منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته». أخرجه أبو داود والنسائي([131]).
بعض الآثار الواردة عن السلف في ذلك وحرصهم عليه وكل خير في اتباع من سلف:
1- أثر ابن عمر رضي الله عنهما:
أ - قال: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها كيلا يمر الشيطان أمامه) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بسند([132]) صحيح.
ب - عن نافع مولى ابن عمر قال: (كان ابن عمر-t - إذا لم يجد سبيلاً إلى سارية من سواري المسجد قال لي: ولِّني ظهرك) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف([133]) بسند صحيح.
2 - أثر قرة بن إياس مع عمر بن الخطاب - t - :
عن قرة بن إياس قال : (رآني عمر وأنا أصلي بين اسطوانتين فأخذ بقفائي فأدناني إلى سترة فقال: صلِّ إليها).
أخرجه البخاري تعليقا مجزوماً به([134]) ووصله ابن أبي شيبة([135]).
قال الحافظ ابن حجر في الفتح([136]) : وأراد عمر بذلك أن تكون صلاته إلى سترة).
3 - أثر ابن مسعود - t - قال: (أربعٌ من الجفاء: - فذكر منها - أن يصلي الرجل إلى غير سترة). أخرجه ابن أبي شيبة([137]) بسند صحيح.
وبالجملة فالأمر كما قلا العلامة السفاريني – رحمه الله - في شرح ثلاثيات الإمام أحمد([138]): (اعلم أنه يستحب الصلاة إلى سترة اتفاقاً).
وقال الإمام ابن خزيمة: (فهذه الأخبار كلها صحاح قد أمر النبي - ﷺ - المصلي أن يستتر في صلاته).
وقال ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد بن حنبل([139]) : (رآني أبو عبد الله –الإمام أحمد - يوماً وأنا أصلي، وليس بين يدي سترة، وكنت معه في المسجد الجامع، فقال لي: (استتر بشيء، فاستترت برجل) ا.هـ.
قال العلامة الألباني معلقاً: (ففيه إشارة من الإمام أنه لا فرق في اتخاذ السترة بين المسجد الصغير والكبير، وهو الحق، وهذا مما أخلَّ به جماهير المصلين من أئمة المساجد وغيرهم في كل البلاد التي طفتها) ا.هـ. ([140])
المسألة الثانية عشرة (12) شرعية الصلاة بالنعال والخفاف ونحوه إذا علمت
طهارتها والسنن في ذلك.
قال المحدث العلامة مقبل بن هادي الوادعي اليماني – رحمه الله - (سنة هُجِرتْ) مجموع رسائل علمية([141]).
وقد بوب ابن مفلح في الآداب الشرعية([142]) : فصل استحباب الصلاة في النعال، وقال([143]): (وذكر الشيخ تقي الدين – يعني ابن تيمية - أن الصلاة في النعل ونحوه مستحب) ا.هـ.
وقد ورد في ذلك جملة من الأحاديث منها:
1 - عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال: «سألت أنس بن مالك: أكان النبي - ﷺ - يصلي في نعليه؟ قال: نعم». رواه البخاري ومسلم والترمذي([144]) وقال: (العمل على هذا عند أهل العلم).
2 - عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبدالله - t - بال ثم توضأ ومسح على خفيه، ثم قام فصلى فسئل – فقال: «رأيت النبي - ﷺ - صنع مثل هذا». البخاري([145]).
3 - عن المغيرة بن شعبة قال: «وضأتُ النبي - ﷺ - فمسح على خُفيه وصلّى» رواه البخاري([146]).
4 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده – عبدالله بن عمرو بن العاص - t - قال: «رأيت رسول الله - ﷺ - يصلي حافياً ومنتعلاً». أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه([147]) وغيرهم وسنده حسن.
5 - عن أبي سعيد الخدري - t - «أن رسول الله - ﷺ - صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لم خلعتم نعالكم؟ فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا. قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً. إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما، فإن رأى بهما خبثاً فليمسه بالأرض، ثم ليُصلِّ فيهما».
أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة([148]) وغيرهم وسنده صحيح. صححه الألباني ومحققوا المسند.
وبالجملة فالأحاديث في هذا كثيرة ومتواترة، فقد قال الطحاوي في معاني الآثار([149]) : (فقد جاءت الآثار أن الأحاديث الدالة على شرعية الصلاة - أي في النعال – متواترة عن النبي - ﷺ - بما ذكر عنه من صلاته في نعليه، ومن خلعه إياهما في وقت ما خلعهما للنجاسة التي كانت فيهما، ومن إباحة الصلاة في النعال). وقال العلامة ابن القيم([150]) : «وهي سنة رسول الله وأصحابه، فعلاً منه وأمراً».
وقال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله - في فتاويه([151]): «الصلاة في الحذاء سنة». ولـه فتوى مطولة فيها مناقشات وتوجيهات([152]). فانظرها. وقال الإمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (إنكار دخول المسجد بالنعال إنما نشأ عن الجهل بالسنة) الدرر السنية([153]). وانظر مجموع فتاوي ابن تيمية([154]). وللعلامة الوادعي رسالة مفردة في ذلك.
المسألة الثالتة عشرة (13) البـدء بتحية المسجد عند دخوله قبـل السـلام على الناس أي البدء بحق الله.
قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد([155]): (ومن هديه - ﷺ - أن الداخل إلى المسجد يبتدئُ بركعتين تحية المسجد، ثم يجئُ فيسلم على القوم، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله. فإن تلك حقُ الله تعالى، والسلام على الخلق هو حقٌ لهم، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم. بخلاف الحقوق المالية، فإن فيها نزاعاً معروفاً، والفرق بينهما: حاجة الآدمي، وعدم اتساع الحق المالي لأداء الحقين، بخلاف السلام. وكانت عادة القوم معه هكذا: يدخل أحدهم المسجد فيصلي ركعتين، ثم يجئ فيسلم على النبي - ﷺ - ) ا.هـ.
وقد دل على ذلك أحاديث منها:
الحديث الأول: حديث أبي هريرة - t - «أن النبي - ﷺ - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلَّم على النبي - ﷺ - فرد النبي - ﷺ - عليه السلام، فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ (ثلاثاً) فقال: والذي بعثك بالحق فما أُحسنُ غيره فعلمني...» الحديث.
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه([156]).
الحديث الثاني: كما أخرج القصة السابقة من حديث رفاعة بن رافع - t - أحمد في المسند وأبو داود والنسائي والحاكم([157]).
قال الإمام ابن القيم: (فأنكر عليه صلاته، ولم ينكر عليه تأخير السلام عليه - ﷺ - إلى ما بعد الصلاة. وعلى هذا فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثلاث تحيات مترتبة: أن يقول عند دخوله بسم الله والصلاة على رسول الله، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم) ا.هـ. ([158])
المسألة الرابعة عشرة (14) تسوية الصفوف وإهمال كثير من الأئمة الأمر بها والحض عليها.
إن الناظر للحال التي كان عليها رسول الله - ﷺ - وخلفاؤه من بعده من العناية بشأن الصفوف في الصلاة والأمر بتسويتها وشدة العناية بذلك مع ما يراه من حال كثير من الأئمة في هذه الأزمان ليرى الفرق واضحاً جليَّاً بين الهدي النبوي وبين ما عليه أولئك الأئمة – هدانا الله وإياهم سواء السبيل - لذا أردت أن يكون في هذه المسألة جملة من الأحاديث والآثار التي تتبين بها بوضوحٍ وجلاء تلك العناية.
قال العلامة ابن عثيمين في فتاويه([159]) في فتاوى مهمة في تسوية الصفوف قال: (والأئمة اليوم لا يفعلون ذلك ولو فعلوا لقام الناس عليهم وصاحوا بهم ولكن سنة النبي - ﷺ - أحق أن تتبع فعلى الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف) ا.هـ.
1- عن أنس بن مالك - t - قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله - ﷺ- بوجهه فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري».([160]) متفق عليه.
2- عن أبي مسعود-t - قال: كان رسول الله-ﷺ - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: «استوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم». أخرجه مسلم([161]).
3- عن أنس - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة». أخرجه البخاري ومسلم([162]).
4- عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - «أقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة». أخرجه البخاري ومسلم([163]).
5- عن النعمان بن بشير - t - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «لتسوُّن صفو فكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم». أخرجه البخاري ومسلم([164]).
وفي لفظ عند مسلم قال النعمان - t - كان رسول الله - ﷺ - يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح([165])، حتى رأى أنّا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبّر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: «عباد الله لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم».
6- عن جابر بن سمرة - t - قال: ثم خرج علينا – يعني: رسول الله - ﷺ - فقال: «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأُول ويتراصون في الصف» أخرجه مسلم([166]).
7- عن مالك بن أبي عامر قال: سمعت عثمان - t - وهو يقول: (استووا وحاذوا بين المناكب، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف. قال: وكان لا يكبر حتى يأتيه رجالٌ قد وكَّلهم بتسوية الصفوف يخبرونه أنها قد استوت فيكبر). أخرجه عبد الرزاق في المصنف ([167]) وابن أبي شيبة([168]) وسنده صحيح.
8- عن أبي عثمان –هو النهدي - قال: كنت فيمن يقيم عمر بن الخطاب قُدَّامه لإقامة الصف. أخرجه ابن أبي شيبة([169]).
قال ابن عثيمين في فتاويه([170]): (فهذا عمل رسول الله - ﷺ - وعمل الخليفتين الراشدين عمر وعثمان –رضي الله عنهما - لا يكبرون للصلاة حتى تستوي الصفوف، وقد قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ ...} ([171]) وإذا فرط في هذا الأمر من فرط من بعض أئمة المساجد، فإن السنة أحق بالاتباع، ا.هـ.
وبوب البخاري – باب: "إثم من لم يتم الصفوف" - ثم ساق بسنده([172]) عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك - t - أنه قدم المدينة فقيل له: (ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله - ﷺ-؟ قال: ما أنكرت شيئاً إلاّ أنكم لا تقيمون الصفوف).
وفي رواية لحديث أنس([173]) قال رسول الله - ﷺ - «أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه».
المسألة الخامسة عشرة (15) القراءة في الصلوات.
قال العلامة ابن عثيمين –رحمه الله – في فتاويه([174]): "والأولى أن يقرأ الإنسان في صلاته ما ورد عن رسول الله-ﷺ - لأن المحافظة على ما كان يقرؤه رسول الله-ﷺ - أفضل، وأما مسألة الجواز، فالأمر في هذا واسع. والله الموفق".
تـنـبــيه : وأذكرهنا – قبل سرد الأدلة، وما تيسر من كلام أهل العلم – ما ذكره العلماء في تحديد المفصل من القرآن – مختصرا - لوروده في بعض الأحاديث، والله الموفق:
أولاً : في تحديده:
اختلف العلماء في ذلك، كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري([175]): (واختلف في أول المفصل مع الاتفاق على أنه آخر جزء من القرآن على عشرة أقوال ذكرتها في باب الجهر بالقراءة في المغرب).
وقد ذكرها كما أشار في الفتح([176])،كما ذكر الأقوال ابن مفلح في الآداب الشرعية([177])،والسيوطي في الإتقان([178]).
والمهم هنا ما رجحه بعض أهل العلم من أن أول المفصل سورة (ق) ومنهم: الإمام ابن كثير فقال في تفسيره([179]): "وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح".
وقال ابن حجر في الفتح([180]): "تقدم أنه من (ق) إلى آخر القرآن على الصحيح".
والذي تقدم منه([181]) وكرره في الفتح([182]) أنه يبدأ من الحجرات. فالله أعلم.
وقال العلامة ابن باز في تعليقه على الفتح([183]): والراجح أن أوله «ق». وكذا رجحه في فتاويه([184]).
ثانياً: لماذا سمي بالمفصل:
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية([185]): "وفي تسميته بالمفصل للعلماء أربعة أقوال: أحدها: لفصل بعضه عن بعض. والثاني: لكثرة الفصل بينها ببسم الله الرحمن الرحيم. الثالث: لإحكامه. والرابع : لقلة المنسوخ فيه".
وقال النووي في شرح مسلم([186]): "وسمي مفصلاً لقصر سوره وقرب انفصال بعضهن من بعض".
وقال السيوطي في الإتقان([187]): "سمي بذلك لكثرة الفصول التي بين السور بالبسملة، وقيل: لقلة المنسوخ منه، ولهذا يسمى المحكم أيضاً".
وهذا الذي ذكره السيوطي قد رواه البخاري([188]) عن سعيد بن جبير قال: "إن الذي تدعونه المفصل هو المحكم قال: وقال ابن عباس: توفي رسول الله - ﷺ - وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم".
ثالثاً : قال السيوطي في الإتقان([189]): "فائدة: للمفصل طوال وأوساط وقصار. قال ابن معن: فطواله إلى «عمّ» وأوساطه منها إلى «الضحى» ومنها إلى آخر القرآن قصاره، وهذا أقرب ما قيل".
القراءة في صلاة الفجر:
1 - عن أبي برزة الأسلمي - t - قال: (كان رسول الله - ﷺ - «يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة آية». أخرجه البخاري، ومسلم([190]) .
2 - عن جابر بن سمرة - t - أن النبي - ﷺ - كان يقرأ في الفجر بــ {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ([191]). أخرجه مسلم([192]).
وعنه قال: كان النبي - ﷺ - يصلي نحواً من صلاتكم، لكنه كان يخفف الصلاة، كان يقرأ في صلاة الفجر بالواقعة ونحوها من السور. رواه ابن خزيمة في صحيحه([193]).
3 - عن عمــرو بن حـــريث - t - أنـه سمع النبـي - ﷺ - يقـــرأ في الفجـــر {وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ} ([194]). أخرجه مسلم وأبو داود([195]). يريد سورة {إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ} كما صرح به عند النسائي([196]).
4 - عن قطبة بن مالك - t - قال: صليت وصلى بنا رسول الله - ﷺ - فقرأ: {قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} حتى قرأ : {وَالنّخْلَ بَاسِقَاتٍ ...} ([197]). أخرجه مسلم (457).
وربما خففها في السفر:
5 - عن عقبة بن عامر - t - قال: كنت أقود برسول الله - ﷺ - ناقته في السفر، فقال لي: (يا عقبة ألا أعلمك خير سورتين قرئتا)؟ فعلَّمني: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ} و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاسِ} قال: فلم يرني سُررت بهما جداً، قال: فلما نزل لصلاة الصبح صلّى بهما صلاة الصبح للناس، فلما فرغ رسول الله - ﷺ - من الصلاة التفت إليَّ فقال: (ياعقبة كيف رأيت؟). رواه أبو داود([198]) وصححه الألباني.
6 - عن عبد الله بن السائب - t - قال: صلى لنا النبي - ﷺ - الصبح بمكة فاستفتح سورة «المؤمنيين» حتى جاء ذكر موسى وهارون – أو ذكر عيسى – أخذت النبي - ﷺ - سعلةٌ فركع. أخرجه مسلم وابن ماجه([199]).
7 - عن أم سلمة – رضي الله عنها - قالت: إن رسول الله - ﷺ - «قال لها - لما شكت لـه - إذا أقيمت صلاة الصبح - فطو في على بعيرك والناس يصلون» أخرجه البخاري([200]).
وفي رواية قالت: فطفت ورسول الله - ﷺ - حينئذ يصلي إلى جنب البيت وهو يقرأ: {وَالطّورِ * وَكِتَابٍ مّسْطُورٍ }. أخرجه البخاري ومسلم([201]) مختصراً.
عن أبي روح الكلاعي عن رجل من أصحاب النبي - ﷺ - أن النبي - ﷺ - صلى الصبح فقرأ فيها "الروم". أخرجه أحمد والنسائي([202]) وحسنه الألباني ومحققوا المسند.
9 - عن رجل من جهينة أنه سمع النبي - ﷺ - يقرأ في الصبح {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا} في الركعتين كلتيهما فلا أدري: أنسي رسول الله - ﷺ - أم قرأ ذلك عمداً؟ رواه أبو داود([203]) وحسنه الألباني.
وعلى هديه في ذلك حضرا وسفرا كان أصحابه والتابعون –رضي الله عنهم - وانظر الآثار عنهم في ذلك في مصنفي عبد الرزاق، وابن أبي شيبة،([204]) ولم أذكرها خشية الإطالة.
القراءة في صلاة الظهر والعصر:
1 - عن أبي قتادة - t - قال: كان النبي - ﷺ - «يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يُطوِّلُ في الأولى ويقصر في الثانية، ويُسِمعُ الآية أحياناً وكان يقرأ في صلاة العصر بفاتحة الكتاب وسورتين وكان يُطوِّلُ في الأولى، وكان يُطوِّلُ في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([205]).
2 - عن أبي سعيد الخدري - t - قال: كنا نحزر قيام رسول الله - ﷺ - في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة: { الم * تَنزِيلُ ...} - السجدة – وحَزَرْنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك. وحَزَرْنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر. وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك. ولم يذكر أبو بكر –أي: ابن أبي شيبة - في روايته: { الم * تَنزِيلُ ...} وقال : قدر ثلاثين آية. أخرجه مسلم وأبو داود وابن خزيمة([206]).
3 - وعنه - t - لما سأله قزعة عن صلاة رسول الله - ﷺ - فقال: كانت الظهر تقام، فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد، ورسول الله-ﷺ - في الركعة الأولى. أخرجه مسلم([207]).
4 - عن جابر بن سمرة - t - قال: كان رسول الله - ﷺ - يقرأ في الظهر بــ {وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ} وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك. رواه مسلم وأبو داود([208]).
5 - وعنه - t - من طريق الطيالسي بلفظ «أن النبي - ﷺ - كان يقرأ في الظهر بــ {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ} رواه ابن خزيمة([209])، وفيه {وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا} ونحوها،ويقرأ في الصبح بأطول من ذلك.
6 - عن بريدة الأسلمي - t - أن النبي - ﷺ - كان يقرأ في الظهر بــ {إِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ} ونحوها. رواه ابن خزيمة([210]).
7 - عن أنس بن مالك - t - عن النبي - ﷺ - أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بــ {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} رواه ابن خزيمة([211]).
8 - عن عمران بن حصين - t - أن رسول الله - ﷺ - صلّى الظهر، فجعل رجلٌ يقرأ بــ {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ}.
فلما انصرف قال: أيكم قرأ أو أيكم القارئ؟ فقال رجل: أنا فقال: فقد ظننت أن بعضكم خالجنيها([212]) ([213]).
9 - عن جابر بن سمرة - t - أن رسول الله - ﷺ - كان يقرأ في الظهر والعصر بـــ {وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}و{وَالسّمَآءِ وَالطّارِقِ}.
رواه النسائي والترمذي([214]) وقال: (حديثٌ حسنٌ صحيح) وقال الألباني (حسنٌ صحيحٌ) أيضاً.
وانظر: - الآثار عن الصحابة والتابعين في اقتدائهم برسول الله - ﷺ - في ذلك، وما نقل عنهم من التطويل ودونه في المصنف لابن أبي شيبة([215])، والمصنف لعبد الرزاق([216]).
القراءة في صلاة المغرب:
1 - عن ابن عباس - t - قال: إن أم الفضل سمعته وهو يقرأ: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفاً} فقالت: يابني، والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعتُ من رسول الله - ﷺ - يقرأ بها في المغرب. أخرجه البخاري ومسلم([217]).
قال ابن حجر في الفتح([218]): (وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه - ﷺ - كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات، لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف) ا.هـ.
2 - عن جبير بن مطعم - t - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - قرأ في المغرب بالطور. أخرجه البخاري، ومسلم([219]).
قال ابن حجر في الفتح([220]) : (ولم أرَ حديثاً مرفوعاً فيه التنصيص على القراءة فيها – أي المغرب – بشيء من قصار المفصل([221])) ا. هـ.
3 - عن مروان بن الحكم قال: قال لي زيد بن ثابت - t - مالك تقرأ في المغرب بقصارٍ؟ وقد سمعتُ النبي - ﷺ - يقرأ بطُولى الطوليين.
أخرجه البخاري وأبو داود([222]) وفيه قال: قلت وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف. قال ابن حجر في الفتح([223]): "فحصل الاتفاق على تفسير الطولى بالأعراف".
وقال([224]): (وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه - ﷺ - كان أحياناً يطيل القراءة في المغرب، إما لبيان الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين. وليس في حديث جبير بن مطعم دليل على أن ذلك تكرر منه. وأما حديث زيد بن ثابت، ففيه إشعار بذلك، لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي - ﷺ - واظب على ذلك لاحتج به على زيد. لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي - ﷺ-) ا.هـ.
وقال: " واستدل بهذين الحديثين ... وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل".
وقال([225]): "قلت: الأحاديث التي ذكرها البخاري في القراءة هنا – أي المغرب – ثلاثة مختلفة المقادير، لأن الأعراف من السبع الطوال، والطور من طوال المفصل والمرسلات من أواسطه".
4 - عن عائشة - t - أن رسول الله - ﷺ - قرأ في صلاة المغرب سورة الأعراف فرقها في ركعتين. أخرجه النسائي([226]) وصححه الألباني.
وقال ابن خزيمة في صحيحه([227]) : "سمعت أحمد بن نصر المقري يقول: أشتهي أن أقرأ في المغرب مرةً بالأعراف".
وعلى هديه في ذلك حضراً وسفراً كان أصحابه والتابعون – رضي الله عنهم - وانظر الآثار عنهم في ذلك المصنف لعبد الرزاق([228])، والمصنف لابن أبي شيبة([229]).
تـنـبـيـه:
ذهب أبو داود في سننه إلى نسخ التطويل في المغرب، ودلل ابن دقيق باستمرار العمل على التخفيف. وانظر رد ذلك في الفتح([230]).
القراءة في صلاة العشاء:
1 - عن أبي رافع قال: صليتُ مع أبي هريرة - t - العتمة – أي العشاء - فقرأ: {إِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ} فسجد فقلت: ماهذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم - ﷺ - فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. أخرجه البخاري، ومسلم([231]).
2 - وقرأ في العشاء بـ«التين والزيتون» في سفره:
عن البراء بن عازب - t - أن النبي - ﷺ - كان في سفرٍ فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بــ«التين والزيتون». أخرجه البخاري ومسلم([232]).
وفي لفظ عند البخاري([233]) باب: القراءة في العشاء سمعت النبي - ﷺ - يقرأ {وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ} في العشاء، وما سمعت أحداً أحسن صوتا منه أو قراءةً.
وقال ابن حجر في الفتح([234]): (وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل؛ لكونه كان مسافراً، والسفر يطلب فيه التخفيف، وحديث أبي هريرة محمول على الحضر، فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل) أ.هـ.
3 - عن سمرة بن جندب - t - عن سعد بن أبي وقاص - t - قوله: (أما أنا فإني أصلي بهم صلاة رسول الله - ﷺ - ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركدُ([235]) في الأوليين وأُخِفُّ في الأخريين) أخرجه البخاري ومسلم([236]).
4 - عن جابر بن عبد الله - t - أن رسول الله - ﷺ - قال لمعاذ في صلاة العشاء: فلولا صليت بــ {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ} و{وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا} و {وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ} فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة» أخرجه البخاري ومسلم([237]).
وفي الآثار كثرة عن الصحابة والتابعين فيما يقرأ ينظر فيها المصنفات كابن أبي شيبة([238]) ومصنف عبد الرزاق([239]). والله أعلم.
ما يقرأ في صلاة الجمعة:
1 - عن ابن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة - t - على المدينة، وخرج إلى مكة فصلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة: {إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ ...}، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما بالكوفة. فقال أبو هريرة: إني سمعت رسول الله - ﷺ - يقرأ بهما يوم الجمعة. رواه مسلم وأبو داود([240]) .
2 - عن النعمان بن بشير - t - قال: كان رسول الله-ﷺ - يقرأ في العيدين وفي الجمعة بــ{سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ} و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين). رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة([241]).
3 - عن سمرة بن جندب - t - أن رسول الله - ﷺ - كان يقرأ في صلاة الجمعة بــ{سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ} رواه أبوداود وابن خزيمة([242]) و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}.
ما يقرأ في صلاة العيدين:
عن أبي واقد الليثي - t - كان يقرأ فيهما (الفطر والأضحى) بــ{قَ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و{اقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانشَقّ الْقَمَرُ} . رواه مسلم وأبو داود وابن خزيمة([243]).
وتقدم حديث سمرة بن جندب والنعمان بن بشير –رضي الله عنهما - فلينظرا.
ما يقرأ في صلاة الوتر:
عن أبيّ بن كعب - t - : أن رسول الله - ﷺ - كان يقرأ في الأولى بـــ{سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ}. وفي الثانية بـــ{قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ}. وفي الثالثة بــ{قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ}. فإذا فرغ قال عند فراغه: (سبحان الملك القدوس) ثلاث مرات يطيل آخرهن. رواه النسائي وابن ماجه([244]). وصححه الألباني.
وجاء نحوه عن ابن عباس عند ابن ماجه والنسائي([245]) وصححه الألباني فيهما.
القراءة فجر الجمعة
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:كان النبي – ﷺ - يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر{ الم * تَنزِيلُ ...} السجدة و {هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ ...}. رواه البخاري ومسلم([246]) .
ورواه مسلم وابن خزيمة([247]). عن ابن عباس - رضي الله عنهما-. قال الإمام ابن باز:" هذه سنة ثابتة عن النبي– ﷺ - " «فيشرع للإمام قراءة هاتين السورتين في فجر الجمعة وإن كره ذلك بعض الجماعة لكسلهم»([248]) .
خاتـمـة :
قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه([249]) : ( هذا الاختلاف في القراءة من جهة المباح , جائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها التي يزاد على فاتحة الكتاب فيها بما أحب وشيئاً من سور القرآن,ليس بمحظور عليه أن يقرأ بما شاء من سور القرآن، غير أنه إذا كان إماماً,فالاختيار لـه أن يخفف في القراءة، ولا يطول بالناس في القراءة، فيفتنهم كما قال المصطفى – ﷺ - لمعاذ بن جبل - t - :"أتريد أن تكون فتاناً؟", وكما أمر النبي– ﷺ - الأئمة أن يخففوا الصلاة,فقال:"من أمَّ منكم الناس فليخفف").
p p p
المسألة السادسة عشرة (16) السنة فـيما يقرأ في ركعتي الفجـر (الراتبة).
أما ما يقر أفي ركعتي الفجر فقد ورد فيها سنتان:
الأولى: قراءة الكافرون والإخلاص:عن أبي هريرة - t - أن رسول الله – ﷺ - قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه([250]).
الثانية: قراءة {قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىَ وَعِيسَىَ وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ([251]){قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ} ([252]).
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله – ﷺ - يقرأ في ركعتي الفجر { قُولُوَاْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } والتي في آل عمران { تَعَالَوْاْ إِلَىَ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }. أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ([253]).
قال النووي([254]):(هذا دليل لمذهبنا، ومذهب الجمهور: أنه يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة، ويستحب أن يكون هاتان السورتان أو الآيتان كلاهما سنة.وقال مالك وجمهور أصحابه لا يقرأ غير الفاتحة.وقال بعض السلف:لا يقرأ شيئاً كما سبق.و كلاهما خلاف هذه السنة الصحيحة التي لا معارض لها) ا.هـ. والله تعالى أعلم .
فائدة: للإمام ابن القيم كلام ٌطويلٌ ما تع في حِكَمْ القراءة بسورة الكافرون والإخلاص، وما فيهما من الإخلاص في العلم والعمل، كما في زاد المعاد([255])، ولولا خشية الإطالة لنقلته.
المسألة السابعة عشرة (17) الاضطجاع على الشق الأيمن بعد سنة الفجر.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد([256]):(وكان – ﷺ - يضطجع بعد سنة الفجر على شقه الأيمن هذا الذي ثبت عنه في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها-).
قلت: والحديث هو عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي – ﷺ - إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد( [257]).
وعنها قالت: «أن النبي – ﷺ - كان إذا صلى سنة الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني، و إلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([258]).
وانظر: للكلام ومعرفة الأقوال حول هذه الضجعة في زاد المعاد([259]).
فائدة: قال ابن القيم:(وفي اضطجاعه على شقه الأيمن ســـر، وهو أن القلب معلق في الجانب الأيسر، فإذا نام الرجل على الجانب الأيسر استثقل نوماً؛ لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه، فإذا نام على شقه الأيمن، فإنه يعلق ولا يستغرق في النوم؛ لقلق القلب وطلبه مستقره وميله إليه) ([260]).
المسألة الثامنة عشرة (18) مشروعية الجهر للإمام ببعض الآيات في الصلاة السرية.
عن أبي قتادة - t - قال-: «كان رسول الله – ﷺ - يُصلِّي بنا فيقرأ في الظهر والعصر-في الركعتين الأوليين - بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناً،و يطول الركعة الأولى ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب ». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه([261]) وبوب عليه ـ باب الجهر بالآية أحياناً في صلاة الظهر والعصر ـ.
قال النووي: (هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية، وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سنة، ويحتمل أن يكون الجهر بالآية كان يحصل سبق اللسان للاستغراق في التدبر. والله أعلم) ا.هـ. شرح مسلم ([262]) و انظر فتح الباري([263]) .
وقال ابن القيم في الزاد([264]): (والإسرار في الظهر والعصر بالقراءة، وكان يُسمع الصحابة الآية فيها أحياناً) ا.هـ.
وقال العلامة ابن باز: (ويستحب أن يجهر ببعض الآيات في الصلاة السرية بعض الأحيان؛ لأن النبي – ﷺ - يفعل ذلك.. متفق عليه من حديث أبي قتادة الأنصاري - t-). مجموع فتاوى ابن باز([265]).
وقال أيضاً: (ويشرع للإمام أن يجهر بعض الأحيان ببعض الآيات لقول أبي قتادة - t - كان النبي – ﷺ - يسمعنا الآية أحياناً - يعني: في صلاة الظهر و العصر )([266]).
المسألة التاسعة عشرة (19) الدعاء والتسبيح والتعوذ عند قراءة الآيات المناسبة.
عن حذيفة بن اليمان - t - قال:(صليت مع النبي– ﷺ - ذات ليلةٍ فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة،ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعةٍ فمضى،فقلت: يركع بها،ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمرآن فقرأها.يقرأ مترسِّلاً. إذا مر بأيةٍ بها تسبيح سبّح. وإذا مر بسؤال سأل.وإذا مر بتعوذٍ تعوذ... الحديث. رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه([267]).
قال النووي في شرح مسلم ([268]): (فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئٍ في الصلاة وغيرها ومذهبنا - أي الشافعية - استحبابه للإمام والمأموم والمنفرد) ا.هـ. ونحوه في الأذكار ([269]).
وقد بوب عليه النسائي بقوله: (باب تعوذ القارئ إذا مرَّ بآية عذاب) وباب (مسألة القارئ إذا مرَّ بآية رحمةٍ).
قال ابن حزم في المحلى([270]): (ونستحبُّ لكل مصلِّ إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله, و إذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله عز وجل من النار) ا.هـ.
وقيدتها بعض المذاهب كالحنفية وبعض الحنابلة بالنافلة فقال السندي في حاشية النسائي([271]): (عمل به علماؤنا الحنفية في الصلاة النافلة كما هو المورد) ا.هـ. أي ما ورد فيه الحديث وهو النافلة.
وقال العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي([272]): (وهذا نصٌ صريح في أن وقوفه – ﷺ - وسؤاله عند الإتيان على آية الرحمة، وكذا وقوفه وتعوذه عند الإتيان على آية العذاب كان في صلاة الليل) ا.هـ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار ([273]): (فالظاهر استحباب هذه الأمور لكل قارئ، من غير فرقٍ بين المصلي وغيره، وبين الإمام والمنفرد والمأموم، وإلى ذلك ذهبت الشافعية) ا.هـ.
ورجحه الشيخ محمد بن علي آدم في شرح النسائي،([274]) فقال : (ظاهر صنيع المصنف - يعني: النسائي - أنه يوافق مذهب الجمهور القائلين باستحباب هذه الأمور لكل مصلٍّ، حيث أطلق الترجمة ولم يقيدها بالنافلة، وهذا هو المذهب الراجح عندي وليس لمن قال بالكراهة في الفريضة دليل . وأما عدم كونه – ﷺ - لا يفعلها في الفريضة فلأنه كان يصلي إماماً فيخشى من التطويل وهكذا ينبغي للإمام إذا خشي التطويل أن لا يفعلها) ا.هـ.
وقال ابن عثيمين - رحمه الله - في مسألة أخرى : (وما جاز في النافلة جاز في الفريضة إلا بدليل) ا.هـ. الباب المفتوح([275]).
وسئل الإمام عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله-: عن السؤال عند آية الرحمة في الفريضة وكذلك الاستعاذة عند آية الوعيد ؟
فأجاب : هذا جائز في النافلة باتفاق العلماء وأما في الفريضة فكثير من علماء الحنابلة منعه وقال : إنه لم يرد عن النبي – ﷺ - فيُقصر الحكم على ما تناولـه النص . وقال الموفق - رحمه الله - :" يجوز ذلك في الفريضة لأن الأصل المساواة ما لم يقم دليل الخصوصية" وهو قويٌّ .يؤيده قوله – ﷺ - في التشهد الأخير :" وليتخير من الدعاء ما شاء " وهذا عام في الفريضة والنافلة . وعدم فعله في الفريضة خروج من خلاف العلماء ، ومن فعل فقد استند إلى دليل ) . الدرر السنية([276]). والله أعلم .
قال ابن باز في فتاويه([277]): (وكان عليه الصلاة والسلام إذا مرت به آية التسبيح سبح في صلاة الليل، وإذا مرت به آية وعيد استعاذ، وإذا مرت به آيات الوعد دعا روى ذلك حذيفة - t-. عنه - u - وهذا من فعله - u - وسنته الدعاء عند آيات الرجاء والتعوذ عند آيات الخوف، والتسبيح عند آيات أسماء الله وصفاته) ا.هـ.
وبقول الجمهور أفتى ابن عثيمين فقال :" نعم يجوز ذلك، ولا فرق بين الإمام والمنفرد والمأموم، غير أن المأموم يشترط فيه أن لا يشغله ذلك عن الإنصات المأمور به ). فتاويه([278]).
المسألة العشرون (20) قراءة ما تيسر في الركعتين الأُخريين من الظهر والعصر مع الفاتحة أحياناً.
قال الشيخ العلامة ابن باز في صفة صلاة النبي – ﷺ - : (و إن قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة عن الفاتحة في بعض الأحيان، فلا بأس؛ لثبوت ما يدل على ذلك عن النبي – ﷺ - من حديث أبي سعيد الخدري - t-)([279]).
وأقول: إن هذه المـســألـة مهمة؛ وذلك لأنه من أهل العلم من قال: إن من زاد على الفاتحة في الركعتين الأخريين، فعليه سجدتا السهو، وهذا لاشك مخالف للسنة الصحيحة والآثار عن الصحابة .
و أذكر الآن الحديث الذي احتج به من أجاز قراءة غير الفاتحة في الركعتين الأخريين ثم أذكر بعض ما وقفت عليه من كلام أهل العلم.
فعن أبي سعيد الخدري - t-: (( أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلاَثِينَ آيَةً، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ، وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ )). أخرجه مسلم ([280]).
وقد قال ابن القيم في الزاد ([281]): (ولم يثبت عنه أنه قرأ في الركعتين الأخريين بعد الفاتحة شيئاً، وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه، وغيره إلى استحباب القراءة بما زاد عن الفاتحة في الأخريين، واحتج لهذا القول بحديث أبي سعيدٍ الذي في الصحيح ـ فذكر الحديث ـ ثم قال: ( وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهر في الاقتصار على فاتحة الكتاب في الركعتين الأخريين قال أبو قتادة - t - : (وكان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب، وسورتين ويسمعنا الآية أحيانا).
زاد مسلم (ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب ) والحديثان غير صريحين في محل النزاع، وأما حديث أبي سعيد فإنما هو حزر منهم وتخمين، ليس إخباراً عن تفسير نفس فعله – ﷺ - وأما حديث أبي قتادة، فيمكن أن يراد به أنه كان يقتصر على الفاتحة، وأن يراد به أنه لم يكن يُخِلُّ بها في الركعتين الأخريين بل كان يقرؤها فيهما) الى أن قال - رحمه الله-: (وعلى هذا فيمكن أن يقال:إن هذا أكثر فعله، وربما قرأ في الركعتين الأخريين بشيء فوق الفاتحة، كما دل عليه حديث أبي سعيد) ا.هـ. وقال الألباني في صفة الصلاة([282]) عن حديث أبي سعيد: (وفي الحديث دليل على أن الزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين سنة، وعليه جمع من الصحابة منهم أبو بكر الصديق - t - وهو قول الإمام الشافعي، سواء كان ذلك في الظهر أو غيرها وأخذ به من علمائنا المتأخرين أبو الحسنات اللكنوي في التعليق الممجد على موطأ محمد ص102 وقال: (وأغرب بعض أصحابنا حيث أوجبوا سجود السهو بقراءة سورة في الأخريين، وقد رد شراح المنية إبراهيم الحلبي وابن أمير حاج وغيرهما بأحسن رد، ولا شك في أن من قال بذلك لم يبلغه الحديث ولو بلغه لم يتفوه به) ا.هـ.
والحاصل أن الزيادة على الفاتحة في الركعتين الأخريين سنة أحياناً، كما صرح به ابن باز في أول كلامه المنقول.وهذا هو الحق الجامع بين الأدلة وأن الأكثر هو الاقتصار على الفاتحة وهذه الزيادة سنة تفعل أحياناً.
وقد قال ابن قدامة في المغني([283]): (أكثر أهل العلم يرون أن لا تُسن الزيادة على فاتحة الكتاب في غير الركعتين الأوليين).
وقد قال الحافظ ابن حجر في كلام لـه :" وقيل يستحب في جميع الركعات – أي الزيادة على الفاتحة – وهو ظاهر حديث أبي هريرة هذا ". الفتح ([284]). والحديث المشار إليه هو ما رواه البخاري ومسلم([285]) عن أبي هريرة - t - قال:" وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خيرٌ " .
ولهذا فإنني لم أجزم بكونها سنة مهجورة؛ لأن كثيراً ممن تركها قد يكون معتمداً على قول الأكثرين من أهل العلم، ولذا قلت: أنها تفعل أحياناً والعلم عند الله تعالى-.
المسألة الحادية والعشرون (21) قراءة سورة الإخلاص مع ما يقرأ في كل ركعة أحياناً.
1ـ عن عائشة - رضي الله عنها - «أن رسول الله - ﷺ - بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم بــâ ö@è% uqèd ª!$# îymﷺ& á فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله - ﷺ - فقال: سلوه، لأي شيءٍ يصنع ذلك؟ فسألوه: فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله– ﷺ - «أخبروه أن الله تعالى يحبه». أخرجه البخاري ومسلم([286]).
2ـ عن أنس بن مالك - t - قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء فكان كلما قرأ سورة يقرأ لهم في الصلاة يقرأ بها افتتح بــ {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى. قال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي – ﷺ - أخبروه الخبر فقال: يا فلان ما منعك فيما يأمرك به أصحابك وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال:يا رسول الله، إني أحبها فقال رسول الله – ﷺ - «إن حبها أدخلك الجنة».
أخرجه الترمذي،([287]) وقال: (حديث حسن غريب صحيح) وعلقه البخاري كما في الفتح([288]).
قال ابن دقيق العيد: (قولهم فيختم بـ{قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} يدل على أنه يقرأ بغيرها، والظاهر أنه كان يقرأ{قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ} مع غيرها في ركعة واحدة، ويختم بها في تلك الركعة، وإن كان اللفظ يحتمل أن يكون يختم بها في آخر ركعة يختم فيها السورة.وعلى الأول يكون ذلك دليلاً على جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدةٍ) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام([289])، وانظر: صفة الصلاة للألباني([290]).
المسألة الثانية والعشرون (22) تسوية الظهر في الركوع .
وإن من الملاحظ على كثير من المصلين – وفقنا الله وإياهم - أن منهم من يرفع رأسه عن مستوى ظهره، ومنهم من ينحني برأسه جداً أيضاً عن مستوى ظهره.
وقد بوب البخاري([291]) باب: " استواء الظهر في الركوع، وقال أبو حميدٍ في أصحابه: ركع النبي – ﷺ - ثم هصر ظهره".
قال ابن رجب الحنبلي في شرحه فتح الباري([292]): (ويظهر من تبويب البخاري تفسير الهصر بالاستواء والاعتدال،و كذا قال الخطابي: قال: هصر ظهره: أي ثناه ثنياً شديداً في استواءٍ من رقبته ومتن ظهره، لا يقوسه ولا يتحادب فيه) ا.هـ.
وقال ابن حجر في الفتح([293]):" قولـه: (باب استواء الظهر بالركوع) أي من غير ميلٍ في الرأس عن البدن ولا عكسه " ا.هـ.
وقال([294]) في تفسير هصر: «أي ثناه في استواءٍ من غير تقويس ذكره الخطابي» ا.هـ.
والرواية التي ذكرها البخاري سابقاً عن أبي حميد - t - قد أخرجها هو رحمه الله([295]) عن أبي حميد الساعدي قال: «أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله – ﷺ - رأيته إذا كبرَّ جعل يديه حِذاءَ منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره».
وقد روى مسلم برقم (498) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «وكان - ﷺ - إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه» قال النووي في شرحه([296]): (وفيه أن السنة للراكع أن يسوي ظهره بحيث يستوي رأسه ومؤخره)
وما تقدم من تسوية الظهر قد ورد حديثٌ صريحٌ في معناه ذكر بعض طرقه الحافظ ابن رجب في كتابه فتح الباري([297]) وضعفها.
ولكن العلامة الألباني بذل جهداً عظيماً وتتبعاً فريداً لطرقه ورواياته فزيف ما لا يصح منها وما يصلح للتقوية قوى به فخلص من بحثه في السلسلة([298]) إلى تصحيحه .ولفظه : ((كان إذا ركع – ﷺ - لو صُبَّ على ظهره ماءٌ لاستقر)) . وقال في خاتمة بحثه:(والخلاصة أن حديث الترجمة صحيح بلا ريب).و ختمه بقولـه:(فاغتنمه تحقيقاً قـد لا تراه في مكان آخر والله الموفق).ا.هـ.
فجزاه الله خيراً.
المسألة الثالثة والعشرون (23) من السنن القولية عند الرفع من الركوع.
قد وردت في ذلك جملة من الألفاظ والأذكار التي تقال عند الرفع من الركوع. منها ما قد غفل الناس عنها، ومنها ما قد زادوا على المشروع فيها. وللفائدة فإني أذكر هنا ما صح من تلك الأذكار عند الرفع من الركوع، سواءً ما تركه الناس أو عملوا به. تذكيراً للناسي، وتعليماً للجاهل، فمما يقال من تلك الأذكار:
(ربنا لك الحمد) و( ربنا ولك الحمد) و(اللهم ربنا لك الحمد) و(اللهم ربنا ولك الحمد).
فهذه الصيغ الأربع هي أقل ما يقال عند الرفع من الركوع، وقد ورد ما يزاد عليها مما صح الدليل به، وسأخرج هنا لهذه الأربع باختصار، ثم لما يقال من الزيادة.
1ـ «ربنا لك الحمد». أخرجه مسلم([299]) من حديث عبد الله ابن أبي أوفى - t-.
2ـ «ربنا ولك الحمد». أخرجه البخاري([300]) عن رفاعة بن رافع الزُّرقي - t-
3ـ «اللهم ربنا لك الحمد». أخرجه البخاري ومسلم([301]) عن أبي هريرة - t-.
4ـ «اللهم ربنا ولك الحمد». أخرجه البخاري ومسلم([302]) عن أبي هريرة - t-.
فهذه الأربع الواحدة منها أقل ما يقال من ذكر الرفع من الركوع وقد ورد الزيادة على ذلك مثل:
1ـ «ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه». أخرجه البخاري([303]) عن رفاعة الزُّرقي - t-.
2ـ «اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد» أخرجه مسلم([304]) عن ابن أبي أوفى - t - وله عنده روايات.
3ـ «ربنا لك الحمد. ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعدُ. أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد. اللهم لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت و لا ينفع ذا الجد منك الجد». أخرجه مسلم([305]) من حديث أبي سعيد الخدري - t-
4ـ «اللهم ربنا لك الحمد. ملء السماوات وملء الأرض. وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعدُ. أهل الثناء والمجد. لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت و لا ينفع ذا الجد منك الجدُّ». أخرجه مسلم([306]) من حديث ابن عباس - t-.
المسألة الرابعة والعشرون (24) استحباب إطالة الجلسة بين السجدتين قدر الركوع والسجود.
1ـ عن البراء بن عازب - t - قال: «رمقتُ الصلاة مع محمد– ﷺ - فوجدت قيامَه فركعتَه، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدتَهُ، فجلسته بين السجدتين، فسجدتَه، فجلسته ما بين التسليم والانصراف، قريباً من السواء». أخرجه البخاري ومسلم ([307]).
وفي لفظٍ «كانت صلاة رسول الله - ﷺ - وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع وسجوده، وما بين السجدتين قريباً من السواء».
قال الحافظ في الفتح([308]): (وقوله" قريباً من السواء" فيه إشعار بأن فيها تفاوتاً لكنه لم يعينه , وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين؛ لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود) ا.هـ.
2ـ عن ثابت عن أنس - t - قال: (إني لا آلو أن أصلِّي بكم كما رأيت رسول الله– ﷺ - يصلي بنا. قال ثابت: فكان أنسٌ يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع من الركوع انتصب قائماً، حتى يقول القائل: قد نسي.وإذا رفع رأسه من السجدة مكث، حتى يقول القائل:قد نسي). أخرجه البخاري ومسلم([309]).
قال ابن القيم - رحمه الله - في زاد المعاد([310]): (وهذه السنة تركها أكثر الناس من بعد انقراض عهد الصحابة، ولهذا قال ثابت:وكان أنس يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه، يمكث بين السجدتين حتى نقول:قد نسي أو قد وهم.وأما من حكم السنة ولم يلتفت إلى ما خالفها، فإنه لا يعبأ بما خالف هذا الهدي) ا.هـ.
المسألة الخامسة والعشرون (25) الإكثار من الدعاء بالمغفرة بين السجدتين.
عن حذيفة بن اليمان - t - «أن النبي – ﷺ - كان يقول بين السجدتين:ربِّ اغفر لي.ربِّ اغفر لي».
أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني في إرواء الغليل([311]) .
قال ابن باز - رحمه الله - ([312]) :(وأما الجلسة بين السجدتين فيقول الجميع ـ يعني الإمام والمأموم ـ ربِّ اغفر لي ، ربِّ اغفر لي، ربِّ اغفر لي، ثلاث مرات فأكثر، والواجب مرة واحدة، والباقي سنة) ا.هـ.
وقال - رحمه الله - في فتاويه([313]): (ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين، كما ورد عن النبي – ﷺ - ) ا.هـ.
المسألة السادسة والعشرون (26) إلقام الكف للركبة في التشهد الأخير.
عن عبد الله بن الزبير-t - قال: «كان رسول الله – ﷺ - إذا قعد يدعو: وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى،.ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفَّه اليسرى ركبته». أخرجه مسلم وأبو داود([314]).
قال النووي في شرح مسلم([315]) : (وفي رواية «ويلقم كفه اليسرى ركبته» فهو دليل على استحباب ذلك.وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها عند الركبة أو على الركبة، وبعضهم يقول بعطف أصابعها على الركبة وهو معنى قولـه:ويلقم كفه اليسرى ركبته؛ والحكمة في وضعها عند الركبة منعها من العبث) انتهى كلامه.
المسألة السابعة والعشرون (27) التفل على اليسار ثلاثاً عـند الوسوسة في الصلاة.
يشكو كثير من المصلين مما يصيبهم في صلاتهم - التي هي عمود الدين - من الوسوسة، التي تذهب عليهم خشوعهم وتحرمهم-وخصوصاً إذا استجابوا لها - من كثير من آثار الصلاة على قلوبهم وسائر حياتهم.و هنا سنة هجرها كثير من هؤلاء جهلاً بها، وغفلة عن تطبيقها، أو حياءً من العمل بها، والله المستعان .
فعن عثمان بن أبي العاص - t - أنه أتى النبي – ﷺ - فقال:يا رسول الله، إن الشيطان قد حال([316]) بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها عليَّ. فقال رسول الله: «ذاك شيطان يقال لـه: خِـنْـزَب([317]) فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً. قال:ففعلتُ ذلك، فأذهبه الله عني ». أخرجه مسلم([318]) .
قال النووي : (وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثاً). شرح مسلم([319]).
وقال العلامة ابن باز: (الالتفات في الصلاة للتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند الوسوسة لا حرج فيه، بل هو مستحب عند شدة الحاجة إليه بالرأس فقط). مجموع فتاوى ابن باز([320]).
وقال - رحمه الله-: (المشروع للمصلي من الرجال و النساء أن يقبل على صلاته، ويخشع فيها لله، ويستحضر أنه قائم بين يدي ربه، حتى يتباعد عنه الشيطان، ويقل الوسواس، عملاً بقول الله سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} .
ومتى كثرت الوساوس فالمشروع التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو في الصلاة فينفث عن يساره ثلاثاً، ويتعوذ بالله من الشيطان ثلاثاً، كما أمر بذلك النبي – ﷺ - عثمان بن أبي العاص) . مجموع فتاوى ابن باز([321]).
المسألة الثامنة والعشرون (28) تنوّع الأذكار بعد الصلاة.
قد وردت جملة من الأحاديث دبر الصلاة، ومنها أحاديث عدد التسبيح ..
وقد وردت في ذلك صفات مختلفة كلها صحيحة وهي من اختلاف التنوع، كما يقول العلماء، فيفعل الإنسان تارة هذه الصفة، وتارة تلك حتى يحقق بذلك الكمال في اتباع السنة([322]) من ذلك هذا الحديث:
عن عبد الله بن عمر بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله – ﷺ - : «خلتان ـوفي رواية خصلتان ـ لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: الصلوات الخمس يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون ومائة في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان.وأنا رأيت رسول الله - ﷺ - يعقدهن بيده. وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه سبّح ثلاثاً وثلاثين،وحمد ثلاثاً وثلاثين،وكبر أربعاً وثلاثين فهي مائة على اللسان، ألف في الميزان. قال رسول الله:فأ يكم يعمل في كل يومٍ وليلةٍ ألفين وخمس مائة سيئة؟قيل يا رسول الله ،كيف لا نحصيها ؟فقال:إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول:اذكر كذا اذكر كذا، ويأتيه عند منامه فينيمه».
أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وقال:( هذا حديث حسن صحيح) والنسائي في المجتبى. وفي الكبرى وابن ماجه([323]). والحــديث صحيح صحــحه الألبـاني.
التسبيح بخمس و عشرين وزيادة التهليل:
الحديث الأول:حديث زيد بن ثابت - t - قال: أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأُتي رجلٌ من الأنصار في منامه فقيل لـه: أمركم رسول الله– ﷺ - أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم. قال: فاجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل. فلما أصبح أتى النبي– ﷺ - فذكر لـه ذلك. فقال: اجعلوها كذلك.
أخرجه النسائي([324]) وصححه الألباني.
الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً رأى فيما يرى النائم قيل لـه: بأي شيء أمركم نبيكم – ﷺ-؟ قال:أمرنا أن نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين فتلك مائة. قال: سبحوا خمساً وعشرين، و احمدوا خمسا ًوعشرين، وكبروا خمساً وعشرين، وهللوا خمساً وعشرين فتلك مائة. فلما أصبح ذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله – ﷺ - «افعلوا كما قال الأنصاري». أخرجه النسائي([325]) وقال الألباني (حسن صحيح).
من السنن التي ثبتت عن النبي-ﷺ-في النوافل
المسألة التاسعة والعشرون (29) صـــــلاة النــوافـــل فـي الـبــيــــت .
وقد ورد في ذلك جملة من الأحاديث من قولـه - ﷺ - ومن فعله وهو الأكثر .. فمنها :
1 - ما رواه البخاري ، ومسلم ([326]) عن زيد بن ثابت - -t قال: قال رسول الله - ﷺ-: ( فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ).
قال النووي: " هذا عام في جميع النوافل الراتبة مع الفرائض والمطلقة، إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء وكذا التراويح على الأصح فإنها مشروعة في جماعة في المسجد، والاستسقاء في الصحراء ) انتهى كلامه في شرح مسلم([327]).
وقد بوب عليه ابن حبان([328]) فقال: " ذكر البيان بأن صلاة المرء النوافل في بيته كان أعظم لأجره".
2 - وروى البخاري ومسلم([329]) عن ابن عمر – رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا )، وفي لفظ: ( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ) .
3 - وروى مسلم([330]) عن جابر - t - قال : قال رسول - ﷺ - : ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا ).
وقد بوب النووي لما تقدم من الأحاديث" باب استحباب صلاة النافلة في بيته ".
قال النووي في شرح مسلم([331]): " وإنما حث على النافلة لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان، كما جاء في الحديث الآخر وهو معنى قولـه - ﷺ-، في الرواية الأخرى: ( فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا )".
وقد سئل ابن عثيمين: هل يصلي الإنسان في المسجد الحرام لمضاعفة الثواب، أم يصلي في المنزل لموافقة السنة ؟
فأجاب: المحافظة على السنة أولى من فعل غير السنة، وقد ثبت عن النبي أنه قال: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) ولم يحفظ عن النبي - ﷺ - أنه كان يصلي النوافل في المسجد إلا النوافل الخاصة بالمسجد ... فالأفضل المحافظة على السنة، وأن يصلي الإنسان الرواتب في بيته ؛ لأن الذي قال: ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) هو الذي قال : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام ). فأثبت الخيرية في مسجده، وبين أن الأفضل أن تصلى غير المكتوبة في البيت " فتاوى ابن عثيمين([332]).
وقال أيضا - رحمه الله تعالى - في فتاويه([333]) ما نصه: " لأن أداء السنة في البيت أفضل من أدائها في المسجد حتى المسجد الحرام . قال النبي - ﷺ-: « أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». يقول ذلك - u– وهو في المدينة، وهو في مسجد الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت .
وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد الحرام أو النبوي أفضل، وليس كذلك، نعم، لو نعلم أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة فهنا نقول: صلّ في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته صبيان كثيرون فيخشى من التشويش، فتكون الصلاة في المسجد أفضل.
والصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة ؛ لأن الصلاة في البيت أبعد من الرياء، إذ إنك في بيتك لا يطلع عليك إلا أهلُك، وقد لا يرونك وأنت تصلي، أما في المسجد فالكل مطلع عليك ؛ ولأن فيها تعويدا لأهل البيت على الصلاة . ولذلك إذا كنت تصلي وعندك صبي لـه سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، مع أنك لم تأمره بالصلاة، ففي صلاة النافلة في البيت فوائد عظيمة .
وفيها أيضا أنك لا ترتكب ما نهى عنه رسول الله - ﷺ - بقولـه: ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) يعني لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها " انتهى كلامه - رحمه الله تعالى - .
المسألة الثلاثون (30) ابتداء قيام الليل بركعتين خفيفتين.
وقد ورد ذلك من قوله وفعله– ﷺ-:
أما قـوله :
فعن أبي هريرة - t - عن النبي – ﷺ - قال:«إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين». أخرجه مسلم وأبو داود([334]).
وأما من فـعـله:
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله – ﷺ - إذا قام من الليل ليُصلِّي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين». أخرجه مسلم([335]).
قال النووي في شرح مسلم([336]): (هذا دليل على استحبابه لينشط بهما لما بعدهما) ا.هـ.
وقال ابن القيم - رحمه الله - في الزاد([337]): (ولم يذكر ابن عباس افتتاحه بركعتين خفيفتين، كما ذكرته عائشة، فإما أنه كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة،وإما أن تكون عائشة حفظت ما لم يحفظ ابن عباس ،وهو الأظهر، لملازمتها لـه، ولمراعاتها ذلك ،ولكونها أعلم الخلق بقيامه بالليل، وابن عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته، وإذا اختلف ابن عباس وعائشة في شيء من أمر قيام الليل فالقول ما قالت عائشة) ا.هـ. والله تعالى أعلم.
المسألة الحادية والثلاثون (31) صلاة ركعتين خفيفتين بعد الوتر أحياناً:
قال ابن القيم - رحمه الله-([338]): (وكذلك الركعتان اللتان كان يصليهما أحياناً بعد وتره، تارة جالسا ًوتارة قائماً مع قولـه: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً » ([339]). فإن هاتين الركعتين لا تنافيان هذا الأمر، كما أن المغرب وترٌ للنهار وصلاة السنة شفعاً بعدها لا يخرجها عن كونها وترا ًللنهار، وكذلك الوتر لما كان عبادة مستقلة، وهو وتر الليل، كانت الركعتان بعده جاريتين مجرى سنة المغرب من المغرب، شفعاً... وسيأتي مزيد كلام في هاتين الركعتين - إن شاء الله تعالى وهي مسألة شريفة لعلك لا تراها في مصنفٍ وبالله التوفيق) ا.هـ.
ثم قال([340]) (وقد ثبت عنه– ﷺ - أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين، جالساً تارة، وتارة يقرأ فيها جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فركع ) ا.هـ.
الحديث: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة - رضي الله عنها - كيف كانت صلاة رسول الله– ﷺ - ؟ فقالت:«كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح» أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي([341]) .
ماذا يقرأ في هاتين الركعتين؟
روى أحمد في المسند([342]) بسندٍ حسنه محقق زاد المعاد:
"عن أبي أمامة - t - «أن رسول الله - ﷺ - كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ فيهما بـ{إِذَا زُلْزِلَتِ ...}، و {قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ}. وله شاهد عند الدارقطني([343]) من حديث أنس - t-.وقال الدارقطني: (قال لنا أبو بكرـ يعني: شيخه ابن أبي داود ـ :هذه سنة تفرد بها أهل البصرة وحفظها أهل الشام) ا.هـ. وصححه الألباني في صفة الصلاة([344]).
وقد اسـتـشـكل بعضهم هذا مع حديث «اجعلوا آخر صلاتكم وتراً» وقد أجاب عن ذلك ابن القيم بما تقدم، وانظر أيضاً(1/333) من الزاد وفتاوى ابن عثيمين (14/122) فقد قال في خاتمة جوابٍ له: (وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم فاعمل بذلك أحياناً) ا.هـ. والله تعالى أعــلـم.
المسألة الثانية والثلاثون (32) صلاة ركعتين بعد الرجوع من صلاة العـيد:
عن أبي سعيد الخدري – t - قال: « كان رسول الله - ﷺ - لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منـزله صلى ركعتين ».
أخرجه ابن ماجه([345]) وحسنه الألباني، وأحمد في المسند([346]). وحسنه محققوا المسند، وأبو يعلى([347]) وابن خزيمة([348]) ، وبوب عليه بقوله: باب استحباب الصلاة في المنزل بعد الرجوع من المصلى .
وقد حسنه الألباني في الإرواء([349]) وقال:
" والتوفيق بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة([350]) ، النافية للصلاة بعد العيد؛ لأن النفي إنما وقع في الصلاة في المصلى، كما أفاد الحافظ في التلخيص([351]) والله أعلم " انتهى كلام الألباني - رحمه الله تعالى - . ورواها الحاكم([352]) تحقيق الوادعي.
وقال الحاكم : " هذه سنة عزيزة بإسناد صحيح ولم يخرجاه " وحسنه الحافظ في الفتح([353]). وفي بلوغ المرام([354]).
من السنن الخاصة بالمسافر
المسألة الثالثة والثلاثون (33) التأمير في السفر للثلاثة فما فوق أن يأمّروا أحدهم.
وقد ورد هذا في حديثٍ رواه أبو داود والبيهقي([355]).
عن نافع، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - t - قال رسول الله– ﷺ - : «إذا كان ثلاثة في سفرٍ فليأمِّروا أحدهم». قال نافع: فقلت لأبي سلمة أنت أميرنا.
قلت: لأنهم كانوا في سفرٍ وفيه سرعة امتثال السلف - رضي الله عنهم - للسنة وانقيادهم لها.
وهذا قد حسنه الألباني رحمه الله كما في الضعيفة وفي الصحيحة([356]).
وقد ذكره البيهقي في السنن الكبرى جامع أبواب السفر باب: القوم يأمِّرون أحدهم إذا سافروا.
كما جاء نحوه أيضاً عن أبي سعيد الخدري أخرجه أبو داود والبيهقي([357]).ولـه شاهدٌ عن عمر - t - مرفوعاً عند الحاكم([358]) وصححه، وأقره الذهبي .وقد رواه جماعة عنه موقوفاً.
وصحح الحديثين - حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة - الألباني في صحيح سنن أبي داود.
وقال ابن مفلح([359]) عن الحديثين - حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة -: "وإسنادهما جيدٌ ".
قال الخطابي في معالم السنن([360]): (إنما أمروا بذلك؛ ليكون أمرهم جميعاً، ولا يتفرق بهم الرأي، ولا يقع بينهم خلاف فيعنتوا) ا.هـ.
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله - في كتاب العلم([361]): (وإنما أمر النبي – ﷺ - باتخاذ أمير في السفر؛ لأن المسافرين نازحون عن المدن والقرى التي فيها أمراء من قبل الأمير العام، وربما تحصل مشاكل لا تقبل التأخير إلى وصول هذه المدن والقُرى، أو مشاكل صغيرة لا تحتمل الرفع إلى أمراء المدن و القرى .كالنزول في مكانٍ والنزوح عنه، وتسريح الرواحل وحبسها ونحو ذلك . فكان من الحكمة أن يؤمر المسافرون أحدهم لمثل هذه الحالات) ا.هـ.
تنبيه هام :
الحديث قد أخرجه أحمد([362]) وفيه بلفظ: «ولا يحل لثلاثة نفرٍ يكونون بأرض فلاةٍ إلا أمروا عليهم أحدهم».ولكن لفظة: «لا يحل لم يروها إلا ابن لهيعة».
قال العلامة الألباني في الضعيفة([363]): (وهذا سند ضعيف من أجل ابن لهيعة، فإنه ضعيف لسوء حفظه . والذي صح في الباب ما أخرجه أبو داود - ثم ذكر ما تقدم - وسنده حسن.وله شواهد انظرها - إن شئت - في «المجمع». ([364]) وكلها بلفظ الأمر، ليس في شيء منها «لا يحل» فهذا مما تفرد به ابن لهيعة، فهو ضعيف منكر.
أقول هذا تحقيقاً للرواية، وبياناً للفرق بين ما صح، من الحديث وما لم يصح فإنه يترتب على ذلك نتائج هامة أحياناً، وذلك لأن لفظ «لا يحل» نصٌ في حرمة ترك التأمير.وأما لفظ الأمر فليس نصاً في ذلك بل هو ظاهر . ولذلك اختلف العلماء في حكم التأمير: فمن قائل بالندب.ومن قائل بالوجوب. ولو صح لفظ ابن لهيعة لكان قاطعًا للنزاع. أقول هذا، مع أنني أرى الأرجح الوجوب؛ لأنه الأصل في الأمر، كما هو مقرر في علم الأصول) انتهى من كلام الألباني - رحمه الله تعالى - .
المسألة الرابعة والثلاثون (43) من السنة صلاة النافلة على الراحلة في السفر ولو لغير القبلة.
1ـ عن عامر بن ربيعة - t - قال: «رأيت النبي– ﷺ - يصلي على راحلته حيث توجهت به» أخرجه البخاري([365]).
وفي رواية «رأيت النبي – ﷺ - وهو على الراحلة يسبح يومئ برأسه قِبَل أي وجه توجه. ولم يكن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك في المكتوبة»([366]).
2ـ عن جابر - t - «أن النبي– ﷺ - كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة». رواه البخاري([367]).
وفي لفظ: «كان رسول الله يصلي على راحلته حيث توجهت فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة» البخاري([368]) .
وفي لفظ: «أن النبي كان يصلي على راحلته نحو المشرق فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة» رواه البخاري([369]).
3ـ عن أنس بن سيرين قال: ( استقبلنا أنس بن مالك حين قدم من الشام، فلقينا بعين التمر، فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب يعني: عن يسار القبلة فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة؟ فقال: ( لو لا أني رأيت رسول الله – ﷺ - فعله لم أفعله). البخاري ومسلم([370]) .
كما جاء نحوه من رواية وفعل ابن عمر في البخاري ومسلم([371]).
قال النووي - رحمه الله -: ( في هذه الأحاديث جواز التنفل على الراحلة في السفر حيث توجهت وهذا جائز بإجماع المسلمين ) ([372]).
تنبيه هام:
ظاهر الأحاديث المتقدمة أنه يصلي عليها لغير القبلة ولو ابتداء، ولكن هناك حديث يدل على استحباب أن يبدأ عند تكبيرة الإحرام بالتوجه للقبلة ثم بعد ذلك أين توجهت به، وهو عن أنس بن مالك - t - « أن رسول الله-ﷺ - كان إذا سافر فأراد أن يتطوع بالصلاة استقبل بناقته القبلة فكبر، ثم صلى حيث توجهت به الناقة».
أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي في الكبرى([373]) وغيرهم وصححه جمع منهم محققوا المسند والألباني، وقال ابن حجر في بلوغ المرام([374]):(وإسناده حسن).
ولكن ابن القيم قال: ( وفي هذا الحديث نظر وسائر من وصف صلاته – ﷺ - على راحلته أطلقوا أنه كان يصلي عليها قبل أي جهة توجهت به، ولم يستثنوا من ذلك تكبيرة الإحرام ولا غيرها، فعامر بن ربيعة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأحاديثهم أصح من حديث أنس هذا. والله أعلم) ا.هـ. زاد المعاد([375]).
ويمكن الجمع بينهما بأن حديث أنس محمول على من تيسر لـه ذلك { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } ([376]) وإذا لم يتيسر صلى على أي جهة توجهت به، ويفعل هذا في هذا العصر في الطائرات والسيارات ونحوها، إلا أن السائق قد لا يتيسر لـه ذلك لما يخشى من الأضرار بانحراف المركبة.
المسألة الخامسة والثلاثون (35) المسافر يكبر إذا علا شرفاً أو صعـد ويسبح إذا نزل.
روى البخاري في صحيحه([377]) عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: (كُنَّا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبَّحنا).
وقد ورد في صفة هذا التكبير أنه ثلاثاً وذلك فيما أخرجه البخاري ، ومسلم([378]). من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي – ﷺ - إذا قفل من الحج أو العمرة - يقول كلما أوفى على ثنيةٍ أو فدفد([379]) كبَّر ثلاثاً...) الحديث.
قال ابن حجر: (والغرضُ من حديث ابن عمر قوله فيه «كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً »([380]) ا.هـ.
المسألة السادسة والثلاثون (36) دعاء هام للمسافر.
عن خولة بنت حكيم - رضي الله عنها - عن رسول الله – ﷺ - قال: «من نزل منزلاً، ثم قال:أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيءٌ، حتى يرتحل من منزله ذلك».
وفي لفظٍ آخر: «إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل...» الحديث.
أخرجه مسلم باللفظين.وأخرجه مالك والترمذي والنسائي في الكبرى، وابن ماجه والبغوي في شرح السنة، وابن حبان([381]) وغيرهم عن خولة - رضي الله عنها - .
تنبيه: وهذا الذكر ظاهره أنه لمن نزل منزلاً أثناء سفره، وقد دل على ذلك - مع ظاهر لفظي "نزل" و"ارتحل " – فهمُ أهل العلم وتصرفاتهم عند ذكرهم لهذا الحديث، وهم على قسمين:
القسم الأول:من صرّح بالمراد منه، وأنه في السفر، ومنهم:
1-الإمام مالك - رحمه الله - وقد بوّب عليه في الموطأ بقولـه: (باب ما يؤمر به من الكلام في السفر) وعلى هذا التبويب، جرى شرح الحافظ أبي عمر ابن عبد البر في كتابيه التمهيد([382])، والاستذكار([383]).
2-الإمام ابن حبان البستي: في صحيحه بوَّب عليه بقولـه: (ذكر الشيء الذي إذا قالـه المسافر في منزلـه أَمِنَ الضرر في كل شيءٍ حتى يرتحل منه).وذلك تحت باب السفر.
3-ابن مفلح: في الآداب الشرعية([384]). وبوب بقولـه: فصل فيما يستحب في السفر والعودة منه، من ذكرٍ وعملٍ، ثم ذكر الحديث([385]).
القسم الثاني: من لم يصرِّح به هكذا، ولكنه أورده ضمن أحاديث تتعلق بأحكام السفر وآدابه، ومنهم :
1 - النسائي : بوب في الكبرى (عمل اليوم والليلة) بقوله: (ما يقوله إذا نزل منزلاً) وما قبله (مايقول لمن قفل من غزوته) وبعده (ما يقول لمن كان في سفرٍ فأقبل بليلٍ).
2 - والترمذي: جعله في كتاب الدعوات فقال: باب ما جاء ما يقول إذا نزل منزلاً. وبعده مباشرة. ما يقول إذا خرج مسافراً ثم استرسل في آداب السفر([386]).
3 - البغوي : (باب ما يقول إذا نزل منزلاً) قبله (باب التوديع) وبعده (باب التكبير إذا علا شرفاً والتسبيح إذا نزل).
4 - النووي: كذا صنع في الأذكار([387]).
تنبيه: وقد ورد نحو لفظ هذا الحديث أنه من أذكار المساء فيما رواه مسلم (2709) عن أبي هريرة - t - قال: جاء رجلٌ إلى النبي - ﷺ - فقال يا رسول الله: ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة. قال: أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرَّك. والله أعلم.
المسألة السابعة والثلاثون (37) استحباب صلاة ركعتين في المسجد عند القدوم من السفر.
وقد دل على ذلك حديثان:
الحديث الأول: عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: «اشترى مني رسول الله– ﷺ - بعيراً فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين».
وفي رواية: (خرجت مع رسول الله– ﷺ - في غزاةٍ، فأبطأ بي جملي وأعيى... ثم قدم رسول الله – ﷺ - قبلي، .وقدمت بالغداة، فجئت المسجد فوجدته على باب المسجد، قال:«الآن حين قدمت»؟ قلت نعم.قال: «فدع جملك وادخل فصلِّ ركعتين».قال: «فدخلت فصليتُ، ثم رجعتُ». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([388]).
الحديث الثاني: عن كعب رضي الله عنه «أن رسول الله - ﷺ - كان إذا قدم من سفرٍ ضُحىً دخل المسجد فصلى ركعتين قبل أن يجلس». أخرجه البخاري ومسلم([389]) ولفظه «أن رسول الله كان لا يقدم من سفرٍ إلا نهارا ًفي الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس فيه». وأخرجه أبو داود([390]).
وقد ترجم البخاري للحديثين بقوله: (باب: الصلاة إذا قدم من سفر).
قال الحافظ ابن حجر([391]): (وهو ظاهر فيما ترجم له).
وقال النووي: (في هذه الأحاديث استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، والأحاديث المذكورة صريحة فيما ذكرته) ا.هـ.
وقال ابن القيم في الزاد([392]) في ذكر فوائد القصة: (ومنها أن السنة للقادم من السفر: أن يدخل البلد على وضوء، وأن يبدأ ببيت الله قبل بيته، فيصلي فيه ركعتين، ثم يجلس للمُسلِّمين، ثم ينصرف إلى أهله).
وقال ابن حجر في ذكر فوائد قصة توبة كعب - t - التي أخرجها البخاري ومسلم([393]): (وفيها أن المستحب للقادم: أن يكون على وضوء، وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته فيصلي، ثم يجلس لمن يسلم عليه) ا.هـ.
وقال العلامة ابن عثيمين في فتاويه([394]): " فالإنسان إذا قدم إلى بلده سن لـه أن يدخل المسجد فيصلي ركعتين قبل أن يدخل البيت ؛ لأن النبي - ﷺ - كان يفعل ذلك، وأمر به أيضا، كما في قصة جابر في بيع الجمل المشهورة لما قدم المدينة، قال لـه النبي - ﷺ -: هل دخلت المسجد وصليت فيه ؟ قال: لا . قال: ادخل فصل فيه). فالمشروع للإنسان إذا قدم بلده أول ما يقدم أن يذهب للمسجد ويصلي ركعتين " ا. هـ . - رحمه الله تعالى - .
من السنن الخاصة بالجمعة
المسألة الثامنة والثلاثون (38) إشارة الخطيب بالإصبع عند الدعاء ما لم يستسق فيرفع يديه
عن حصين بن عبد الرحمن،عن عمارة ابن رؤيبة قال: رأى - أي عمارة - بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، فقال: قبح الله هاتين اليدين.لقد رأيت رسول الله - ﷺ - ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة.ا هـ
وفي رواية قال: (يوم الجمعة).
رواه مسلم، والترمذي، وأحمد([395])، وفيه لفظ: (لعن الله).
قال النووي: (هذا فيه أن السنة ألا يرفع اليد في الخطبة، وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته؛ لأن النبي رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون، بأن هذا الرفع كان لعارض) ([396]) ا هـ .
وانظر: فتح الباري (11/247).
وقال العلامة ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام([397]): (رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة ليس بمشروعٍ أيضاً، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة. لكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء فإنه ثبت عن النبي – ﷺ– أنه رفع يديه يدعو الله تعالى بالغيث، وهو في خطبة الجمعة ورفع الناس أيديهم معه . و ما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة الجمعة ) ا.هـ.
المسألة التاسعة والثلاثون (39) استقبال الناس الخـطيب بوجوههم يوم الجمعة.
قال العلامة الألباني- رحمه الله -: (استقبال الخطيب من السنن المتروكة) السلسلة الصحيحة([398]).
ثم ذكر العلامة الألباني تحت هذه الترجمة بعض الطرق التي اجتهد في تخريجها من فعل الصحابة مع النبي - ﷺ- مما قد يخالفه فيه غيره، فإن الأحاديث الواردة في ذلك مرفوعةً إلى عهد النبي - ﷺ - لا يصح منها شيء على ما قاله الأئمة، كالترمذي وابن حبان. و لكن يصح في ذلك من الموقوفات عن الصحابة الشيء الذي يدل دلالة واضحة على انتشار هذا الفعل وهو استقبال الخطيب وقت الخطبة-بينهم، ولهذا كان قول أهل العلم بعامة.قال الإمام ابن المنذر في الأوسط([399]) (ذكر استقبال الناس الإمام إذا خطب) ثم قال: (كل من حفظ عنه من أهل العلم يرى أن يُستقبل الإمام يوم الجمعة إذا خطب، فممن رأى ذلك ابن عمر, وأنس بن مالك, وشريح, وعطاء).ثم خرجها عنهم بما سيأتي، ثم قال: (وهذا قول مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جابر، ويزيد بن أبي مريم، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي لا أعلمهم يختلفون فيه) ا.هـ.
وقال الإمام الترمذي (ما جاء من استقبال الإمام إذا خطب.والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - ﷺ - وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق).وقال: (ولا يصح في هذا الباب عن النبي - ﷺ - شيء).
ومن هذه الآثار:
1ـ عن عبد الله بن عمر-العمري ضعيف - عن نافع عن ابن عمر أنه كان يستقبل الإمام يوم الجمعة.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط، وعبدالرزاق، وأخرجه البيهقي في الكبرى([400]) عن الليث عن ابن عجلان عن نافع: (أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد حتى يستقبله).وسنده صحيح.
2ـ عن المستمر بن الريان قال: رأيت أنس بن مالك، جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط، وابن أبي شيبة، وصححه الحافظ في الفتح([401]).
3ـ عن معمر قال: سألت الزهري عن استقبال الناس الإمام يوم الجمعة فقال: كذلك يفعلون.أخرجه عبد الرزاق في المصنف([402]).
4ـ عن الشعبي أن شريحاً كان يستقبل الإمام يوم الجمعة إذا خطب، ولا يقول هكذا و هكذا.
أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة([403]) واللفظ له.
وقد بوب البخاري كما في الفتح([404])، [باب: يستقبل الإمام القوم واستقبال الناس الإمام إذا خطب، واستقبل ابن عمر وأنس - رضي الله عنهمُ - الإمام]. ثم أخرج([405]) عن أبي سعيد الخدري قال: «أن النبي - ﷺ - جلس ذات يومٍ على المنبر وجلسنا حوله» وهو عند مسلم([406]).
قال الحافظ: (وقد استنبط المصنف من حديث أبي سعيد...مقصود الترجمة. ...ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالباً، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة؛ لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث، وهو جالسٌ على مكانٍ عالٍ، وهم جلوسٌ أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى؛ لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها والله أعلم)([407]).
وقد أشار إلى هذا الاستدلال ابن المنذر في الأوسط والبيهقي في الكبرى([408]).
والملاحظ أن بعض الناس يستقبل جهة غير الإمام وقت الخطبة يميناً أو شمالاً، وهذا يلهيهم عن متابعة الخطيب، وتأمل الخطبة والاستفادة والاتعاظ بما يقال، فكان في استقبالهم الخطيب عونًا لهم على تدبر ما يلقى عليهم. والله أعلم .
المسألة الأربعون (40) استحباب تحول الناعس يوم الجمعة من موضعه.
أخرج أبو داود والترمذي وابن خزيمة في صحيحه([409]) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - ﷺ - قال: «إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك».
وقد بوب عليه الأئمة الذين خرجوه بهذا الحكم، فقال الترمذي: (باب ما جاء فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه) وقال ابن خزيمة: (باب استحباب تحول الناعس يوم الجمعة عن موضعه إلى غيره ). والحديث صححه الترمذي فقال: ( هذا حديث حسن صحيح ).
والحكمة من هذا ظاهرة، وهو حتى يطرد النعاس، فيعي ما يقول الخطيب؛ لأنه قدم لسماع ذكر الله، كما قال الله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ } ([410]) .
فلا يتحقق استماع الذكر وفهم ما يقول الخطيب مع نعاسه، كما أنه قد يحدث لـه عند النعاس ما تنتقض به طهارته، ثم قد يحس بذلك فيحتاج إلى الخروج للوضوء، فربما ذهبت عليه الصلاة.وقد لا يدرك فيصلي على غير طهارة، فلله الحمد على هذا الشرع الرحيم الشريف الزكي.فهذا مما أبيح لصالح العبادة.
المسألة الحادية والأربعون (41) السنن للجمعة بعد الصلاة.
يسن لمن حضر الجمعة أن يصلي بعدها إما ركعتين يركعهما في البيت، وإما أربعاً في المسجد.
1ـ عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «إذا صلًّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً». وفي لفظٍ: «من كان منكم مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً» أخرجه مسلم([411]) واللفظ الثاني عنده([412]).
ـ2 عن ابن عمر أنه وصف تطوع صلاة رسول الله - ﷺ - فقال: فكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته. أخرجه البخاري ومسلم([413]).
3ـ وقد روى أبو داود([414]) عن عطاء قال: كان ابن عمر إذا كان بمكة، فصلى الجمعة، تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعاً، وإذا كان بالمدينة صلّى, ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصلِّ في المسجد، فقيل لـه فقال: كان رسول الله - ﷺ - يفعل ذلك. ونحوه في رواية عند مسلم([415]).
قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد([416]): (وكان - ﷺ - إذا صلى الجمعة دخل إلى منزلـه، فصلى ركعتين سنتها، وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعاً. قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين. قلت: وعلى هذا تدل الأحاديث) ا.هـ.
المسألة الثانية والأربعون (42) الفصل بين الفرض و النفل في الجمعة وغيرها.
قال الإمام مسلم - رحمه الله - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا غندر عن ابن جريج قال: أخبرنا عمر بن عطاء بن أبي الخوار. أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر، يسأله عن شيء رآه من معاوية في الصلاة.فقال نعم.صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت من مقامي فصليت.فلما دخل أرسل إليَّ فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله - ﷺ - أمرنا بذلك. أن لا توصل صلاةٌ بصلاةٍ حتى نتكلم أو نخرج)). أخرجه مسلم و أبو داود([417]) .
قال الإمام الصنعاني - رحمه الله - في السبل([418]): (فيه مشروعية فصل النافلة عن الفريضة، وأن لا توصل بهما، وظاهر النهي التحريم، وليس خاصاً بصلاة الجمعة؛ لأنه استدل الراوي على تخصيصه بذكر صلاة الجمعة بحديث يعمها وغيرها). وانظر شرح مسلم للنووي([419]).
وقد أخرجه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه([420]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: (والسنة أن يفصل بين الفرض و النفل في الجمعة وغيرها، كما ثبت في الصحيح عنه أنه - ﷺ - نهى أن توصل صلاة بصلاة حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام، فلا يفعل ما يفعله كثير من الناس يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهي النبي - ﷺ - وفي هذا من الحكمة: التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغير العبادة، ولهذا استحب تعجيل الفطور وتأخير السحور، و الأكل يوم الفطر قبل الصلاة، ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين فهذا كله للفصل بين المأمور به من الصيام وغير المأمور به والفصل بين العبادة وغيرها، وهكذا تتميز الجمعة التي أوجبها الله من غيرها، وأيضاً فإن كثيراً من أهل البدع كالرافضة وغيرهم لا ينوون الجمعة، بل ينوون الظهر، ويظهرون أنهم سلّمُوا، وما سلموا فيصلون ظهراً ويظن الظآن أنهم يصلون السنة، فإذا حصل التمييز بين الفرض و النفل كان في هذا منع لهذه البدعة، وهذا لـه نظائر كثيرة والله سبحانه أعلم)([421]).
وقال الشيخ البسام - رحمه الله - في توضيح الأحكام من بلوغ المرام([422]): (ما يؤخذ من الحديث: كراهة وصل صلاة النافلة - ولو راتبة - بصلاة الفرض حتى يخرج فيصليها في البيت كما هو الأفضل، أو يفصل ذلك بأذكار الصلاة المكتوبة، فإن للشارع الحكيم نظراً للتمييز بين الفرض و النفل، وبين العبادات بعضها عن بعض).
وليس بمشترطٍ تغيير المكان، وإنما بما يحصل به الفصل، فإنه لم يرد حديث صحيحٌ في تغيير المكان كما نص عليه الإمام ابن باز في فتاويه([423])، وانظر:فتاوى ابن عثيمين([424]) .
من السنن التي ثبتت عن النبي - ﷺ - في قراءة القرآن
المسألة الثالثة والأربعون (43) المد في القراءة، والوقف بين الآيات.
وفي ذلك حديثان:
الحديث الأول: حديث أنس بن مالك - t-:فعن قتادة قال: «سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي - ﷺ - فقال:كان يمُدّ مدّاً». أخرجه البخاري وأبو داود([425]).
وفي رواية قال: «سُُئل أنسٌ:كيف كانت قراءة النبي - ﷺ - فقال: كانت مَدّاً ثم قرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم} يَمُدُّ ببسم الله،.ويمد بالرحمن، .ويمد بالرحيم.» أخرجه البخاري([426]).
تعريف المد المذكور: قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري([427]):
(المد عند القراءة على ضربين: أصلي وهو إشباع الحرف الذي بعد ألف أو واو أو ياء، وغير أصلي: وهو ما إذا أعقب الحرف الذي هذه صفته همزة، وهو متصل و منفصل ).فذكرهما ثم قال (والمراد من الترجمة الضرب الأول) أي الأصلي.والله أعلم.
الحديث الثاني: حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة قالت: «كان رسول الله - ﷺ - يقطع قراءته يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقفُ، الرحمن الرحيم، ثم يقف، وكان يقرؤها ملك يوم الدين» ولفظ أبي داود«يقطع قراءتها آية آية». رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي([428]) واللفظ له.
الكلام حول الحديث: قال الترمذي: (هذا حديث غريب) وقال: (وليس إسناده بمتصلٍٍ؛ لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملكٍ، عن أم سلمة. وحديث الليث أصح، وليس في حديث الليث:وكان يقرأ مَلِكِ يوم الدين) .
والحديث من رواية الليث أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي([429]) كلهم عن الليث عن ابن أبي مليكة عن يعلى ابن مملكٍ أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله وصلاته فقالت: «وما لكم وصلاته كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى يصبح، ونعتت قرآءته، فإذا هي تنعت قراءته حرفاً حرفاً». هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح غريب).
تـنـبـيـه:
يظهر من كلام الإمام الترمذي على الرواية الأولى لحديث أم سلمة أنه يراها معلولةً؛ لأنه تبين بالرواية الثانية أن بين ابن أبي مليكة وأم سلمة انقطاعاً؛ لأنه إنما سمعه من يعلى عن أم سلمة، وقد أجاب عن ذلك العلامة المباركفوري في تحفة الأحوذي([430]) فقال: ( قلت:صرح الحافظ في تهذيب التهذيب أن ابن أبي مليكة روى عن أسماء وعائشة وأم سلمة.وفي البخاري قال ابن أبي مليكة: أدركتُ ثلاثين من الصحابة فيجوز أن ابن أبي مليكة كان يروي الحديث أولاً. عن يعلى عن أم سلمة ثم لقيها فسمعه منها فروى عنها بلا واسطة والله تعالى أعلم) انتهى كلامه.
فمن سلم لهذا الجواب صح عنده الحديث. وأما من قال الصواب فقط ذكر الواسطة فحسب، فإن الواسطة هنا هو يعلى بن مملك وهو المكي قال الحافظ في التقريب: (مقبول) أي: حيث يتابع و إلا فلين الحديث كما هو في مقدمة التقريب.
والحديث قد رواه الحاكم([431]) وصححه ووافقه الذهبي و أقرهما محققا زاد المعاد شعيب وعبد القادر الأرنؤوط. كما رجح العلامة الألباني حديث ابن جريج خلافاً للترمذي وصححه في الإرواء([432]).
من فقه الحديث قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد([433]): (وهذا هو الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلقت بما بعدها.وذهب بعض القراء إلى تتبع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها واتباع هدي النبي وسنته أولى .وممن ذكر ذلك البيهقي في شعب الإيمان وغيره. ورجح الوقف على رؤوس الآي وإن تعلقت بما بعدها ) ا.هـ. والله تعالى أعلم .
وقال العلامة الألباني([434]): (وهذه سنة تركها أكثر قراء هذا الزمان فالله المستعان).
وقال([435]): (قلت: وهذه سنة أعرض عنها جمهور القراء في هذه الأزمان فضلاً عن غيرهم).
وقال شيخ القراء أبو عمرو الداني في المكتفى([436]): (وكان جماعة من الأئمة السالفين والـقـراء الماضين يستحبون القطع على الآيات، وإن تعلق بعضهن ببعض ). ا.هـ.
المسألة الرابعة والأربعون (44) مدارسة القرآن ليالي رمضان.
عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال: «كان النبي - ﷺ - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل - u - يلقاه كل ليلة من رمضان، حتى ينسلخ يعرض عليه النبي - ﷺ - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة». رواه البخاري ومسلم([437]).
قال الإمام النووي في شرح مسلم: (وفي هذا الحديث فوائد منها: استحباب مدارسة القرآن)([438]).
قال الإمام ابن باز - رحمه الله-: (يستفاد منها المدارسة، وأنه يستحب للمؤمن أن يدارس القرآن من يفيده وينفعه،لأن الرسول - u - دارس جبرائيل للاستفادة،لأن جبرائيل هو الذي يأتي من عند الله - جل وعلا - وهو السفير بين الله والرسل.فجبرائيل لا بد أن يفيد النبي - ﷺ - أشياء من جهة الله - عز وجل - من جهة إقامة حروف القرآن، ومن جهة معانيه التي أرادها الله، فإذا دارس الإنسان من يعينه على فهم القرآن، ومن يعينه على إقامة ألفاظه فهذا مطلوب، كما دارس النبي - ﷺ - جبرائيل) .
وقال: (وفيه فائدة أخرى، وهي أن المدارسة في الليل أفضل من النهار، لأن هذه المدارسة كانت في الليل، ومعلوم أن الليل أقرب إلى اجتماع القلب وحضوره والاستفادة أكثر من المدارسة نهاراً.وفيه أيضاً من الفوائد:شرعية المدارسة، وأنها عمل صالح حتى ولو في غير رمضان،لأن فيه فائدة لكل منهما، ولو كانوا أكثر من اثنين فلا بأس، يستفيد كل منهم من أخيه، ويشجعه على القراءة وينشطه،فقد يكون لا ينشط إذا جلس وحده، لكن إذا كان معه زميل لـه يدارسه، أو زملاء كان ذلك أشجع لـه وأنشط لـه مع عظم الفائدة فيما يحصل بينهم من المذاكرة والمطالعة فيما قد يشكل عليهم، كل ذلك فيه خير كثير). مجموع فتاوى ابن باز([439]).
من السنن المهجورة فيما يتعلق في الحج والعمرة
المسألة الخامسة والأربعون (45) التكبير أيام عشر ذي الحجة.
يقول الله تعالى : {لّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ فِيَ أَيّامٍ مّعْلُومَاتٍ } ([440]) قال ابن عباس:الأيام المعلومات أيام العشر.علقه البخاري عنه بصيغة الجزم به.
قال ابن كثير([441]): (وروي مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وقتادة وعطاء وسعيد بن جبير والحسن والضحاك وعطاء الخرساني وإبراهيم النخعي، وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل).ا.هـ.
وقد ورد في فضلها ما رواه البخاري([442])عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ يخاطر بنفسه و ماله فلم يرجع بشيء» وقد أخرجه الترمذي([443]) وقال: (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وجابر).
قلتُ: وحديث ابن عمر أخرجه أحمد([444]) وفيه زيادة: «فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» وقال محققوا المسند (حديثٌ صحيح).
وقال البخاري - رحمه الله-: (وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما). كتاب العيدين (باب: فضل العمل في أيام التشريق).
تنبيه في بدعية التكبير الجماعي:
قال الإمام ابن باز - رحمه الله - في مجموع الفتاوى([445]): (أما التكبير الجماعي المبتدع فهو أن يرفع جماعة ـ اثنان فأكثر ـ الصوت بالتكبير جميعاً يبدأونه جميعاً وينهونه جميعاً، بصوت واحد وبصفة خاصة.وهذا العمل لا أصل لـه ولا دليل عليه،فهو بدعة في صفة التكبير، ما أنزل الله بها من سلطان، فمن أنكر التكبير بهذه الصفة فهو محق؛ وذلك لقولـه - ﷺ-: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود غير مشروع .وقوله - ﷺ-: «وإياكم ومحدثات الأمور،فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة».والتكبير الجماعي محدث فهو بدعة.وعمل الناس إذا خالف الشرع المطهر وجب منعه وإنكاره؛لأن العبادات توقيفية لا يشرع فيها إلا ما دل عليه الكتاب والسنة، أما أقوال الناس وآرائهم فلا حجة فيها إذا خالفت الأدلة الشرعية، وهكذا المصالح المرسلة لا تثبت بها العبادات، وإنما تثبت العبادة بنص من الكتاب أو السنة أو إجماع قطعي .والمشروع أن يكبر المسلم على الصفة المشروعة الثابتة بالأدلة الشرعية وهي التكبير فرادى.وقد أنكر التكبير الجماعي ومنع منه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم – مفـتي الديـار السعودية - رحمه الله - وأصدر في ذلك فتوى،وصدر مني في منعه أكثر من فتوى،وصدر في منعه أيضاً فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.وألف فضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - رسالة قيمة في إنكاره والمنع منه، وهي مطبوعة ومتداولة وفيها من الأدلة على منع التكبير الجماعي ما يكفي ويشفي ـ والحمد لله ـ أما ما أحتج به الشيخ أحمد - وهو الذي رد عليه ابن باز - من فعل عمر - t - والناس في منى فلا حجة فيه؛لأن عمله - t - وعمل الناس في منى ليس من التكبير الجماعي ،وإنما هو من التكبير المشروع؛لأنه - t - يرفع صوته بالتكبير عملاً بالسنة وتذكيراً للناس بها فيكبرون، كلٌ يكبر على حاله، وليس في ذلك اتفاق بينهم وبين عمر - t - على أن يرفعوا التكبير بصوت واحد من أوله إلى آخره، كما يفعل أصحاب التكبير الجماعي الآن، وهكذا ما يروى عن السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ في التكبير كله على الطريقة الشرعية ومن زعم خلاف ذلك فعليه الدليل).
المسألة السادسة والأربعون (46) استحباب بعث الهدي لغير المحرم وهو في بلده ولا يحرم عليه شيءٌ.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله - ﷺ - يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه.ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنب المحرم». أخرجه البخاري ومسلم([446]).
قال النووي: (فيه دليل على استحباب الهدي إلى الحرم، وأن من لم يذهب إليه يستحب لـه بعثه مع غيره، واستحباب تقليده وإشعاره، كما جاء في الرواية الأخرى بعد هذه.وقد سبق ذكر الخلاف بين العلماء في الإشعار، ومذهبنا ومذهب الجمهور استحباب الإشعار والتقليد في الإبل والبقر، وأما الغنم فيستحب فيها التقليد وحده.وفيه استحباب فتل القلائد.وفيه أن من بعث هديه لا يصير محرماً، ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم) ا.هـ. شرح مسلم([447]) وانظر:فتح الباري([448]).
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع([449]): (لأن من هدي الرسول – ﷺ – الاهداء التطوعي).
ومنه ما سيأتي في المـسـألة التالية.
الهــدي: ما أهدي إلى البيت الحرام من الإبل والبقر والغنم، ويراد بتقديمه إلى البيت التوسعة والإحسان إلى جيرانه وزائريه من الفقراء والمساكين، وهو من أفضل القرب عند الله تعالى.
القــلائـــد: جمع قلادة وهي ما يحاط به العنق، وكانوا يجعلونها من القرب والنعال وخيوط الصوف ونحو ذلك؛ ليعلم أنها هدي فتحترم. لا يفعلونها تميمة ولرد العين، كما يظنه الجهال.
الإشــعــار: هو إزالة شعر أحد جانبي سنام البدنة والبقرة وكشطه حتى يسيل منه الدم؛ للغرض السابق. وانظر الشرح الممتع([450]). وقد بوب على هذه المسائل ابن حبان في صحيحه([451]).
المسألة السابعة والأربعون (47) سنية سوق الهدي في العمرة.
ودليل هذه المـســـــألـة فعله - ﷺ - في زمن الحديبية:
1ـ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - ﷺ- خرج معتمراً، فحال كفار قريش بينه وبين البيت، فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية ... الحديث.
أخرجه البخاري ومسلم([452]) مختصراً عن أنس بن مالك - t-.
2ـ عن مروان و المسور بن مخرمة - رضي الله عنهما - قالا: خرج النبي- ﷺ - عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها». أخرجه البخاري([453]).
وقد ذكر العلامة ابن القيم قصة الحديبية مستوفاة مساقة بأبدع سياقٍ في كتابه "زاد المعاد". وقال معدداً بعض ما فيها من الفوائد الفقهية: (ومنها أن سوق الهدي مسنون في العمرة المفردة، كما هو مسنون في القران) ([454]).
هذا وإن كان بعض العلماء قد ذكر أنه - ﷺ - إنما ساق الهدي في الحديبية؛ لأنه كان قارناً. أو متمتعاً فلما صد عن البيت تحلل وجعلها عمرة، كما عند الحنفية في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي([455]).
وقال أبو الفرج المقدسي في الشرح الكبير([456]): (فصلٌ: فأما المعتمر غير المتمتع فإنه يحل بكل حال في أشهر الحج وغيرها، كان معه هدي أو لم يكن، لأن النبي - ﷺ - اعتمر ثلاث عمر سوى عمرته التي مع حجته، بعضهن في ذي القعدة، فكان يحل، فإن كان معه هديٌ نحره عند المروة، وحيث نحره من الحرم جاز).
المسألة الثامنة والأربعون (48) استحباب الوقوف للدعاء والإطالة فيه عند الجمرتين الأولى والثانية.
قال العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: (وإذا لم يتيسر لـه طول القيام بين الجمار، وقف بقدر ما يتيسر لـه؛ ليحصل إحياء هذه السنة التي تركها أكثر الناس، إما جهلاً أو تهاوناً بهذه السنة.ولا ينبغي ترك هذا الوقوف فتضيع السنة، فإن السنة كلما أُضيعت كان فعلها أوكد؛ لحصول فضيلة العمل ونشر السنة بين الناس ) مناسك الحج والعمرة([457]). ومن أدلة هذه السنة ما رواه البخاري([458]).
عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصياتٍ، يكبر على أثر كل حصاةٍ ثم يتقدم، ثم يسهل، فيقوم فيستقبل القبلة فيقوم طويلاً ويدعو ويرفع يديه ،ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال، فيسهل ويقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو فيرفع يديه ويقوم طويلاً؛ ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقــف عندها.ثم ينصرف فيقول:هكذا رأيت رسول الله - ﷺ - يفعله) ا.هـ.
قال ابن حجر في فتح الباري([459]): (وفي الحديث...وعلى استقبال القبلة بعد الرمي والقيام طويلاً.وقد وقع تفسيره فيما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن عطاء: كان ابن عمر يقوم عند الجمرتين مقدار ما يقرأ سورة البقرة) ا.هـ.
من السنن المهجورة في السلام والاستئذان
المسألة التاسعة والأربعون (49) رد المصلي السلام بالإشارة.
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله-: (وكان ـ أي: رسول الله ـ يرد السلام بالإشارة على من يسلم عليه، وهو في الصلاة).زاد المعاد([460]).
وقال أيضاً: (ولم يكن يرد بيده ولا برأسه ولا إصبعه إلا في الصلاة فإنه كان يرد على من سلّم عليه إشارة،ثبت ذلك عنه في عدة أحاديث). زاد المعاد([461]).
قلت: ومن هذه الأحاديث ـوقد ذكرها في الموضع الأول ـ ما يلي:
1ـ عن جابر - t - قال: «إن رسول الله - ﷺ - بعثني لحاجةٍ ثم أدركته وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إليَّ».
أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه([462]).
قال النووي في فوائد الحديث: (وتحريم رد السلام فيها باللفظ، وأنه لا تضر الإشارة،بل يستحب رد السلام بالإشارة، وبهذه الجملة قال الشافعي والأكثرون ). شرح مسلم([463]).
2ـ عن صُهيب - t - قال: «مررتُ برسول الله - ﷺ - وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة وقال:ولا أعلمه إلا قال:إشارة بإصبعه». أخرجه أحمد ،وأبو داود والترمذي وابن خزيمة في صحيحه([464]).
3ـ عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «قلت لبلالٍ: كيف كان النبي - ﷺ - يرد عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو في الصلاة ؟ قال كان يشير بيده».
أخرجه الترمذي([465]) واللفظ لـه،.وأبو داود مطولاً، والبيهقي وقال الترمذي: (هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
وصححه العظيم آبادي في التعليق على الدارقطني([466]). والعلامة الألباني في الصحيحة([467]) ولفظ أبي داود: (فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا .وبسط كفه.و بسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق).
وعن ابن عمر قال:«دخل رسـول الله - ﷺ - مسجد بني عمـرو بن عوف - مسجد قباء - يصلي فيه، فدخل عليه رجال من الأنصار يسلمون عليه، ودخل معه صهيب، فسألتُ صهيباً كيف كان رسول الله يصنع إذا سلم عليه؟ قال: يشير بيده». رواه أحمد والبيهقي([468]).
قال الترمذي - رحمه الله-: (وكلا الحديثين عندي صحيح؛ لأنَّ قصة حديث صهيب غير قصة بلال .وإن كان ابن عمر روى عنهما، فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعاً) جامع الترمذي([469]).
4ـ عن عبد الله بن مسعود - t - قال: «لما قدمت من الحبشة أتيت النبي - ﷺ - وهو يصلي فسلّمت عليه فأومأ برأسه» .
رواه البيهقي([470]) عن ابن سيرين أن عبد الله بن مسعود، ولكنه رواه([471]) عن ابن سيرين قال: أنبئت أن ابن مسعود ... الحديث.ثم قال البيهقي: (هذا هو المحفوظ مرسلٌ) ولكن هذا المرسل قد عمل به مرسله الإمام محمد بن سيرين وأخذ به مما يدل على ثبوته عنده .قال العظيم آبادي في عون المعبود([472]): (اعلم أنه ورد الإشارة لرد السلام في هذا الحديث بجميع الكف وفي حديث جابرٍ باليد،وفي حديث ابن عمر عن صهيب بالإصبع وفي حديث ابن مسعود ... فقال برأسه،يعني الرد.و يجمع بين هذه الروايات بأنه - ﷺ - فعل هذا مرة، وهذا مرة فيكون جميع هذا جائزاً ) ا.هـ.
و الحاصل مما تقدم: مشروعية السلام على المصلي، ومشروعية رد المصلي السلام بالإشارة. قال الخطابي في معالم السنن([473]): (قلت:رد السلام في الصلاة قولاً ونطقاً محظور، ورده بعد الخروج من الصلاة سنة... والإشارة حسنة ) ا.هـ.
تنبيــه:
على دليل من خالف في ذلك وهم الحنفية، كما في بدائع الصنائع([474])، حيث خالفوا في المسألتين فقال: (ولا ينبغي للرجل أن يسلم على المصلي، ولا للمصلي أن يرد سلامه بإشارة ولا غير ذلك) وقال: (غير أنه إذا رد بالقول فسدت صلاته؛ لأنه كلام، و لو رد بالإشارة لا تفسد؛ لأن ترك السنة لا يفسد الصلاة .ولكنه يوجب الكراهة.) ا.هـ. ودليلهم على ذلك ما رواه أبو داود والدارقطني ومن طريقه البيهقي([475]).
عن أبي غطفان عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد صلاته» وهذا لفظ الدارقطني. قال الحافظ الزيلعي الحنفي في نصب الراية([476]): (ولنا ـ أي الحنفية ـ حديث جيد ثم ذكره وقد أعل هذا الحديث جمع من الحفاظ والمحققين منهم مخرجه أبو داود فقال عقبة: (هذا الحديث وهم) السنن([477]) وقال الدارقطني: ( قال لنا ابن أبي داود: أبو غطفان هذا رجل مجهول، و آخر الحديث زيادة في الحديث، ولعله من قول ابن إسحاق، والصحيح عن النبي - ﷺ - أنه كان يشير في الصلاة ) ا.هـ. كما أعله ابن الجوزي في التحقيق - بعلتين -:
الأولى : عنعنة ابن إسحاق .
والثانية: جهالة أبي غطفان .
وتابعه على هذه العلة الحافظ ابن القيم فقال في الزاد([478]): (ولم يجئ عنه ما يعارضها إلا بشيء باطل لا يصح عنه كحديثٍ يرويه أبو غطفان رجل مجهول عن أبي هريرة ) ا.هـ. وأجاب عن هذه العلة جمع منهم ابن عبد الهادي في التنقيح، كما في نصب الراية([479]) بأن أبا غطفان قد وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما .ونحوه قاله العظيم آبادي في التعليق المغني على الدارقطني([480]) ولكن يبقى الشأن في العلة الأخرى وهي عنعنة ابن إسحاق قال في التقريب:( صدوق يدلس)فهذه علة الحديث، خصوصاً مع المخالفة.
والمخالفة فيها من وجهين:
الوجه الأول: أنها زيادة على أصل الحديث المعروف والمشهور عن أبي هريرة «التسبيح للرجال و التصفيق للنساء» وهو حديث لـه طرق في الصحيح، وليس فيها هذه الزيادة التي زادها ابن إسحاق.
الوجه الثاني: مخالفته للأحاديث الصريحة الصحيحة المتقدمة في ذلك .
ولهذا قال ابن هانئ في مسائله عن الإمام أحمد في الحديث: (لا يثبت إسناده ليس بشيء)([481])، وبهذا يتبين سلامة الأحاديث السابقة الدالة على مشروعية رد السلام في الصلاة بالإشارة، وأنه لا معارض لها معتمدٌ، ولهذا قال البيهقي في الكبرى([482]): (والأخبار التي مضت تبيح التسليم على المصلي والرد بالإشارة وهي أولى بالاتباع) ا.هـ. والله أعلم وأحكم.
وقال العلامة ابن عثيمين في فتاويه: (إذا سلم الإنسان على المصلي فإن المصلي لا يرد عليه بالقول, ولو رد عليه لبطلت صلاته؛ لأن الرد عليه من كلام الآدميين....ولكنه يرد عليه بالإشارة، بأن يرفع يده هكذا مشيراً إلى أنه يرد عليه السلام.ثم إن بقي المُسلِّم حتى انصراف المصلي من صلاته رد عليه باللفظ، وإن لم يبقَ وانصرف فالإشارة تكفي) ا.هـ.([483]) وانظر المجموع للنووي([484]).
المسألة الخمسون (50) كيفية الرد على من بلغه سلام أن يسلم على المبلِّغ والمرسل.
قال ابن حجر في فتح الباري([485]): (ويستحب أن يرد على المبلِّغ ).
وقال ابن القيم في زاد المعاد([486]): (وكان من هديه - ﷺ - إذا بلغه أحد السلام من غيره أن يرد عليه وعلى المبلغ ) ا.هـ.
وذلك لما أخرجه أبو داود وأحمد والنسائي في الكبرى([487]) (ما يقول إذا قيل له: إن فلاناً يقرأ عليك السلام).
ومن حديث رجلٍ من بني نُمير(ووقع في فتح الباري([488]) من بني تميم). عن أبيه عن جده أنه أتى النبي - ﷺ - فقال: إن أبي يقرأ عليك السلام قال: «عليك وعلى أبيك السلام». وفي سنده جهالة ولكن الألباني حسنه.
وقد ورد ذلك من فعل زوجي رسول الله - ﷺ - خديجة وعائشة - رضي الله عنهما - فأ قرهما:
1ـ خديجة - رضي الله عنها-: عن أنس - t - قال: «جاء جبريل إلى النبي - ﷺ - وعنده خديجة وقال: إن الله يقرئ خديجة السلام فقالت: إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله».
أخرجه الحاكم([489]) والنسائي في الكبرى والبزار والطبراني في الكبير نحوه.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري([490]): (ويستفاد منه رد السلام على من أرسل السلام وعلى من بلغه) ا.هـ.
2 - عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - ﷺ - قال لها: «يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى - تريد النبي - ﷺ-». رواه البخاري ومسلم([491]).
ولكن هناك زيادة في مسند الإمام أحمد([492]) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «فقلت: عليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته».
قال العلامة الألباني في حاشية صحيح الأدب المفرد([493]): " وإسناده صحيح". وهذه زيادة هامة في هذا الحديث ».. والله أعلم وبالله التوفيق.
المسألة الحادية والخمسون (51) السلام عند الانصراف والقيام من المجلس وهو الإلقاء وليس المصافحة.
عن أبي هريرة - t - عن النبي - ﷺ - قال:
«إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسلِّمُ فإذا أراد أن يقوم فليُسلِّمُ، فليست الأولى بأحق من الآخرة».
أخرجه البخاري في الأدب، وأبو داود، والترمذي وقال: (هذا حديث حسن) وأحمد، و الحميدي، وأبو يعلى، والطحاوي، وابن حبان، و البغوي، والبيهقي([494]).
قال العلامة الألباني: (وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات).
وروى البخاري([495]) عن معاوية بن قرة قال: قال لي أبي: (يا بني إن كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة، فقل: سلام عليكم فإنك تشركهم فيما أصابوا في ذلك المجلس) الحديث.
قال العلامة الألباني: (وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وهو وإن كان موقوفاً فهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي ). السلسلة الصحيحة([496]).
وقال - رحمه الله-: (والسلام عند القيام من المجلس أدب متروك في بعض البلاد، وأحق من يقوم بإحيائه هم أهل العلم وطلابه، فينبغي لهم إذا دخلوا على الطلاب في غرفة الدرس مثلاً أن يسلِّموا، وكذلك إذا خرجوا، فليست الأولى بأحق من الأخرى، وذلك من إفشاء السلام المأمور به في الحديث) ا.هـ.
وقال النووي في المجموع([497]):(السنة إذا قام من المجلس وأراد فراق الجالسين أن يسلِّم عليهم).
وقال: (لأن السلام سنة عند الانصراف، كما هو سنة عند اللقاء) ا.هـ.
تنبيه:
والسلام هنا هو الشرعي بصيغته الشرعية أقلها: السلام عليكم.وقد استبدل الناس عنها (مع السلامة) (في أمان الله) (و مساكم بالخير) (أستودعكم) ونحوها، وهذا استبدال للذي هو أدنى بالذي هو خير.
المسألة الثانية والخمسون (52) من هديه - × - في الاستئذان وطرق الأبواب.
روى البخاري في الأدب المفرد( رقم822 صحيح الأدب للألباني وقال:حسن صحيح) وأبو داود([498]).
عن عبد الله بن بسر - t - قال: (كان رسول الله - ﷺ - إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول: السلام عليكم السلام عليكم وذلك أن الدُّور لم يكن عليها يومئذٍ سُتور). هذا لفظ أبي داود.
وقد بوّب البخاري لـه في الأدب المفرد باب: " كيف يقوم عند الباب".
وصححه الألباني في تخريج المشكاة([499]).
وهذا من رفيع الأدب النبوي الذي غفل عنه الكثير والله المستعان .
المسألة الثالثة والخمسون (53) الاستئذان ثلاثاً فإن أذن لـه و إلا انصرف.
قال الله عز وجل: { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّىَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىَ أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ * فَإِن لّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتّىَ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىَ لَكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ([500]).
قال الحافظ ابن كثير: (هذه آداب شرعية أدب الله بها عباده المؤمنين؛ وذلك في الاستئذان، أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم، حتى يستأنسوا أي: يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده، وينبغي أن يستأذن ثلاث مرات، فإن أذن لـه و إلا انصرف. كما ثبت في الصحيح ). تفسير ابن كثير([501]).
والحديث هو ما أخرجه البخاري في صحيحه([502]) (باب: التسليم والاستئذان ثلاثاً) عن أبي سعيد الخدري - t - قال: «كنت في مجلسٍ من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعتُ قال: ما منعك؟ قلت : استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعتُ وقال رسول الله - ﷺ-: «إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن لـه فليرجع». فقال: لتقيمن عليه بينة. أمنكم أحدٌ سمعه من النبي - ﷺ - فقال أبيٌ: والله لا يقوم، معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - ﷺ - قال ذلك». ورواه مسلم([503]).
المسألة الرابعة والخمسون (54) من السنة استئذان الضيف من مضيفه قبل قيامه وانصرافه.
وهو قولـه - ﷺ-: ( إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده فلا يقومَنَّ حتى يستأذنه).
ذكره الإمام محدِّث العصر العلامة الألباني في الصحيحة([504]) وقال: (رواه أبو الشيخ في تاريخ أصبهان (113): ثنا إسحاق بن محمد بن حكيم، قال:ثنا يحي بن واقد، قال:ثنا ابن أبي عتيبة، قال: ثنا أبي، قال: ثنا جبلة بن سحيم، عن ابن عمر. قال: قال النبي - ﷺ-: فذكره. قلت(الألباني): ( وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون).
ثم قال: (وبالجملة فهذا الحديث من الفوائد العزيزة التي لا تراها في كتاب بهذا الإسناد والتحقيق، فلله الحمد وهو ولي التوفيق.
وفي الحديث تنبيه على أدب رفيع، وهو أن الزائر لا ينبغي أن يقوم إلا بعد أن يستأذن المزور، وقد أخل بهذا التوجيه النبوي الكريم كثير من الناس في بعض البلاد العربية، فتجدهم يخرجون من المجلس دون استئذان، وليس هذا فقط بل وبدون سلام أيضا) . انتهى كلامه رحمه الله والله تعالى أعلم.
المسألة الخامسة والخمسون (55) صاحب البيت أحق بالإمامة للصلاة في بيته من غيره ولو كان أفـقـه منه.
عن أبي مسعود الأنصاري – رضي الله تعالى عنه – قال: قال رسول الله - ﷺ - : «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته([505]) إلا بإذنه». أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه([506]).
وفي لفظ عند مسلم: «ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه».
وفي لفظ أبي داود:«ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه».
قال الخطابي في معالم السنن([507]): (وأما قولـه: ولا يؤم الرجل في بيته، معناه أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته، إذا كان من القراءة والعلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة...... و قوله: ولا سلطانه، على معنى ما يتسلط عليه الرجل من ملكه في بيته، أو يكون إمام مسجد في قومه وقبيلته) ا.هـ.
وقال النووي: (معناه: ما ذكر أصحابنا وغيرهم:أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأورع وأفضل منه.
وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم، وإن شاء قدم من يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة لباقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء. فقال أصحابنا: فإن حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت وإمام المسجد و غيرهما، لأن ولايته وسلطانه عامة. قالوا: ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه) شرح مسلم([508]) .
وقال ابن قدامة في الكافي([509]): (فإن أذن صاحب البيت لرجل فهو بمنزلته، فإن اجتمع السلطان وصاحب البيت فالسلطان أولى؛ لأن ولايته على البيت وصاحبه، وإن اجتمع السلطان وخليفته فالسلطان أولى؛ لأن ولايته أعمَّ، وإن اجتمع العبد وسيده في بيت العبد فالسيد أولى؛ لأنه مالك العبد وبيته، وإن اجتمع المؤجر والمستأجر في الدار فالمستأجر أولى؛ لأنه أحق بالمنفعة، وإمام المسجد الراتب فيه بمنزلة صاحب البيت؛ لا يجوز لأحد أن يؤم فيه بغير إذنه).
من حِكـََم هذا الحُكم:
قال العلامة المباركفوري: ( وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادهم، فإذا أم الرجلُ الرجلَ في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة. وكذلك إذا أمه في قومه وأهله، أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع، وظهور الخلاف الذي شرع لدفعه الاجتماع، فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة لا سيما الأعياد والجماعة، ولا على إمام الحي ورب البيت إلا بالإذن قاله الطيبي) ا.هـ. تحفة الأحوذي([510]).
من السنن المهجورة في آداب النوم
المسألة السادسة والخمسون (56) نفض الفراش عند النوم.
عن أبي هريرة - t - قال: قال النبي - ﷺ-: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة([511]) إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين».
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه([512]) وغيرهم.
وعند الترمذي في أولـه: «إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه».
وقال الترمذي: (حديثٌ حسنٌ).
وفي رواية البخاري([513]) «فلينفضه بصنفة ثوبه ثلاث مرًّات».
وفي رواية مسلم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليُسمِّ الله».
قال النووي في شرح مسلم([514]): (داخلة الإزار:طرفه. ومعناه: أنه يستحب أن ينفض فراشه قبل أن يدخل فيه لئلا يكون فيه؛ حية أو عقرب أو غيرهما من المؤذيات.ولينفض يده مستورة بطرف إزاره؛ لئلا يحصل في يده مكروه إن كان هناك) ا.هـ.
وأما لفظة "بصنفة ثوبه": فقد ذكر الحافظ ابن حجر الأقوال في معناها ثم قال: (فالأولى هنا أن يقال المراد طرفه الذي من الداخل جمعاً بين الروايتين) ا.هـ. فتح الباري([515]) .
المسألة السابعة والخمسون (57) وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن عند النوم.
روى البخاري([516]) عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي - ﷺ - إذا أخذ مضجعه من الليل، وضع يده تحت خدِّه، ثم يقول: «اللهم باسمك أموت وأحيا» وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور».بوب البخاري عليه (باب وضع اليد تحت الخد اليمنى).
قال الحافظ في الفتح([517]): (قال الإسماعلي: ليس فيه ذكر اليمنى، وإنما وقع ذلك في رواية شريك ومحمد بن جابر عن عبد الملك بن عمير. قلت: (أي ابن حجر): جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث.
وطريق شريك هذه أخرجها أحمد من طريقه.وفي الباب عن البراء أخرجه النسائي من طريق أبي خيثمة والثوري عن أبي إسحاق عنه-أي البراء - (أن النبي - ﷺ - كان إذا أوى إلى فراشه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وقال: «اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك» وسنده صحيح.وأخرجه أيضاً بسند صحيح عن حفصة وزاد: «يقول ذلك ثلاثاً» ) ا.هـ. كلام الحافظ وفيه الفائدة وكفاية.
وحديث حفصة عند النسائي([518]) وقال الألباني: (حسنٌ صحيحٌ).وهو في الكبرى([519]) ، وحديث البراء في الكبرى عند النسائي([520]) ، وهو عند البخاري في الأدب المفرد، والترمذي ومسند أحمد وابن حبان([521])، وصححه الألباني في الصحيحة برقم(2754).
تنبيهٌ هــــامٌ:
ما ذكره الحافظ من الزيادة في حديث حفصة(ثلاث مرار)، وهذه الزيادة ذكر الألباني أنها لا تصح لثلاثة أمور. راجعها مفصلة مبرهنة في بحث ماتع في الصحيحة([522]).
تـنبيـه ثـانٍ:
البحث هنا كما هو ظاهرٌ عن وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن، وأما مطلق الاضطجاع على الشق الأيمن عند النوم فأدلته معلومة عند كثير من العامة فضلاً عن طلاب العلم، وهي في الصحيحين وغيرهما. فراجعها في مظانها من كتب الأدعية والآداب.
مسألة الثامنة والخمسون (58) فضل من انتبه من نوم الليل فذكر الله .
روى البخاري([523]) عن عبادة بن الصامت - t - عن النبي - ﷺ - قال: «من تعار([524]) من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه. لـه الملك ولـه الحمد، وهو على كل شيء قدير. الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال اللهم اغفر لي - أو دعا - استجيب لـه. فإن توضأ قبلت صلاته».
قال الحافظ: (وإنما يتفق ذلك لمن تعود الذكر واستأنس به، وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته وقبول صلاته).فتح الباري([525]) .
وقال الحافظ أيضاً: (قال ابن بطال: وعد الله على لسان نبيه أن من استيقظ من نومه لهجاً لسانه بتوحيد ربه والإذعان لـه بالملك والاعتراف بنعمه يحمده عليها،.وينزهه عما لا يليق به بتسبيحه والخضوع لـه.بالتكبير والتسليم لـه بالعجز عن القدرة إلا بعونه. أنه إذا دعاه أجابه، .وإذا صلّى قبلت صلاته,فينبغي لمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى) ا.هـ.
ولقد استعاض كثير من أبناء الزمان بما يرشدهم إليه بعض الأطباء من أنهم ينامون وأكواب اللبن أو نحوها عند رؤوسهم، فإذا انتبهوا من نومهم وتقلبوا على فرشهم بادروا بشرب ما في ذلك الكوب.وهذا وإن كان فيه منفعة كما يقول أهل الطب إلا أن ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل .
وقد أرشد الرسول الكريم إلى ما قد علمت من هذا الذكر، وما فيه من التوحيد، فيغفر الله لك ذنبك الذي هو سبب أمراضك ومصائبك البدنية والنفسية.فاحمد الله على نعمة هذا الدين وأقبل على آدابه وأحكامه بعلمٍ وعملٍ كلٌ على يقين. والله أعلم.
المسألة التاسعة والخمسون (59) مسح أثر النوم عن الوجه باليد([526]) عند الاستيقاظ.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «إنه بات ليلةً عند ميمونة زوج النبي - ﷺ - وهي خالته فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله - ﷺ - وأهله في طولها فنام رسول الله - ﷺ - حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله - ﷺ - فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده» الحديث
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود مختصراً وابن ماجه([527]).
قال النووي - رحمه الله-: (قولـه فجعل يمسح النوم عن وجهه معناه أثر النوم، وفيه استحباب هذا). شرح مسلم([528]).
المسألة الستون (60) قراءة الآيات الأخيرة من آل عمران عند الاستيقاظ من الليل والنظر إلى السماء.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «بتُ يوماً عند خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله - ﷺ - مع أهله ساعةً ثم رقد،.فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء» اخرجه البخاري ومسلم([529]) .
وفي رواية «استيقظ رسول الله - ﷺ - فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران([530]) » . أخرجه البخاري ومسلم([531]) .
وفي رواية أخرجها مسلم([532]) عن ابن عباس حدَّث: «أنه بات عند النبي - ﷺ - ذات ليلةٍ، فقام نبي الله في آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران {إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ ...} ([533]) - حتى بلغ - { فَقِنَا عَذَابَ النّارِ } ([534]) ثم رجع إلى البيت فتسوَّك وتوضأ - ثم قام - فصلى ثم اضطجع - ثم قام - فخرج فنظر إلى السماء فتلا هذه الآية.ثم رجع فتسوَّك فتوضأ - ثم قام – فصلى».
قال النووي في شرح مسلم([535]): (وفيه استحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم).ا.هـ. فتلخص مما تقدم أنه فور استيقاظه يقوم بالتالي :
1 - يمسح النوم عن وجهه بيديه.
2 - ينظر إلى السماء إن قدر .
3 - يتلو العشر الآيات من آخر آل عمران .
من السنن المهجورة في الطب
ترك وهجر التداوي بالطب النبوي الكريم من كثير من الناس:
وقبل هذا، لا بد من الإشارة إلى أنه: قد صح في التداوي في السنة أحاديث كثيرة جداً؛ مما جعل الأئمة - رحمهم الله - تعالى يفردون لذلك إما مصنفات مستقلةٍ، وإما أبواباً وفصولاً في مصنفاتهم؛ .وذلك لعظم نفع الطب النبوي المؤيد بالوحي الإلهي.و لا يخفى الفرق العظيم بين ذلك وبين طب غيرهم، وإن نسبة طب الأطباء إلى طب الأنبياء، كطب العجائز بالنسبة إلى طبهم كما يقوله الإمام ابن القيم - رحمه الله -.
وانظر إلى صورة من عناية العلماء في أهم مصادر أئمة الإسلام بعد القرآن - كلام رب العالمين - ألا وهي كتب السنة، وأهمها الأمهات المعروفة المشهورة بنقل السنة المطهرة، ففي صحيح البخاري عقد - رحمه الله - كتابين "كتاب المرضى" و"كتاب الطب"، و مسلم - رحمه الله - في صحيحه "كتاب السلام" يذكر قرابة ( 17باباً ) في الطب و التداوي، والإمام الترمذي جعل في سننه كتاب الطب عن رسول الله - ﷺ - اشتمل على (25باباً) في أنواع الطب النبوي ،وابن ماجه في سننه جعل "كتاب الطب" اشتمل على ( 46بابا)ً وكذا الإمام أبو داود في سننه "كتاب الطب" مشتمل على(24باباً) في ذلك، فهذه أعظم مصادر السنة، وفيها كما ترى، فما للمسلمين اليوم في غفلة وجهالة عن هذا الأمر العظيم؟! وصنف فيه الإمام ابن القيم ضمن كتابه العظيم "زاد المعاد" مجلداً كاملاً، هو الرابع في هديه - ﷺ -في الطب قال فيه: (ونحن نتبع ذلك بذكر فصول نافعة في هديه في الطب الذي تطبب به ووصفه لغيره،ونبين ما فيه من الحكمة التي تعجز عقول أكثر الأطباء عن الوصول إليها، وأن نسبة طبهم إليها كنسبة طب العجائز إلى طبهم، فنقول - وبالله المستعان-: ومنه نستمد الحول والقوة) ا.هـ. زاد المعاد([536]).
وهناك أمثلة كثيرة من الطب النبوي المهجورة من كثير من المسلمين اليوم. أذكر منها ما يفيد الذكرى وهي كالتالي :
المسألة الحادية والستون (61) التداوي بالتلبينة([537]).
عن عروة، عن عائشة زوج النبي - ﷺ - أنها كانت إذا مات الميتُ من أهلها، فاجتمع لذلك النساء، ثم تفرقن إلاّ أهلها وخاصتها، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم ثريدٌ، فصُبَّتِ التلبينة عليها، ثم قالت:كلن منها فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول :«التلبينة مُجمة لفؤاد المريض تُذهب بعض الحُزن».
أخرجه البخاري ومسلم([538]) وفي رواية عن عائشة أنها كانت تأمر بالتلبينة وتقول: (هو البغيض النافع ) البخاري([539]).
تــنـبـيه: وأما الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجه([540]) .
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - ﷺ - إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع، ثم أمرهم فحسوا منه وكان يقول: «إنه ليرتق فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم»... الحديث .
فهو ضعيف ضعفه الألباني وغيره، ويغني عنه حديث عائشة المتقدم في التلبينة في الصحيحين.
المسألة الثانية والستون (62) التداوي بالعـسل.
قال الله تعالى : " يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس " قال ابن كثير في تفسيره([541]):" أي في العسل شفاء للناس. أي: من أدواء تعرض لهم. قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء، ولكن قال: فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة، فإنه حار والشيء يداوى بضده ".
1ـ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «الشفاء في ثلاث شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار. وأنهى أمتي عن الكي» اخرجه البخاري([542]) .
2ـ عن أبي سعيد الخدري - t - قال: «جاء رجل إلى النبي - ﷺ - فقال: إن أخي استطلق بطنه. فقال رسول الله: اسقه عسلاً، فسقاه، ثم جاء، فقال: إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقاً. فقال لـه ثلاث مرات.ثم جاء الرابعة، فقال:اسقه عسلاً فقال:لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقاً فقال رسول الله - ﷺ-: «صدق الله وكذب بطن أخيك» فسقاه فبرأ». أخرجه البخاري ومسلم([543]) .
وقد تحدث عنه ابن القيم في الزاد([544]). ومما قاله قوله:"والعسل فيه منافع عظيمة، فإنه جلاء للأوساخ التي في العروق والأمعاء وغيرها، محلل للرطوبات أكلا وطلاء، نافع للمشايخ وأصحاب البلغم"، وقولـه :" وهو غذاء مع الأغذية، ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلوى ، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات، فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه، ولا مثله، ولا قريبا منه، ولم يكن معول القدماء إلا عليه، وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة، ولا يعرفونه، فإنه حديث العهد قريباً" وقال:"وليس طبه، - ﷺ - كطب الأطباء، فإن طب النبي متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي، ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب ... فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية ".
المسألة الثالثة والستون (63) التداوي بالـحـجــامـة.
1ـ عن أنس - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - : «ما مررت ليلة أسري بي بملأ إلا قالوا: يا محمد مرْ أمتك بالحجامة». وعن ابن عباس «عليك بالحجامة يا محمد».
رواه ابن ماجه([545]) عن أنس، والترمذي عن ابن عباس([546]) وعن ابن مسعود([547]) وهي شواهد يشد بها الحديث فيكون صحيحاً لغيره. كما قاله محققا زاد المعاد([548]).
2ـ عن جابر بن عبد الله، أنه عاد المقنَّع، ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم، فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «إن فيه شفاء». أخرجه البخاري ومسلم([549]) .
3ـ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - ﷺ-: «احتجم وأعطى الحجام أجره». أخرجه البخاري ومسلم([550]).
4ـ عن أنس - t - أن رسول الله - ﷺ - حجمه أبو طيبة، فأمر لـه بصاعين من طعام، وكلم مواليه فخففوا عنه، وقال - ﷺ -: «خير ما تداويتم به الحجامة». أخرجه البخاري ومسلم([551]).
المسألة الرابعة والستون (64) الحمية بتمر العجوة من عالية المدينة النبوية([552]) .
1ـ عن سعد بن أبي وقاص - t - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «من تصبح بسبع تمراتٍ عجوة لم يضره ذلك اليوم سمٌ ولا سحرٌ». أخرجه البخاري ومسلم([553]) .
وفي لفظٍ:«من أكل سبع تمرات مما بين لا بتيها حين يصبح لم يضره سمٌ حتى يمسي».
2ـ عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - ﷺ - قال: «إن في عجوة العالية شفاءٌ أو إنها ترياقٌ أول البكرة». أخرجه مسلم([554]).
المسألة الخامسة والستون (65) التداوي بالـحـبـة الـسوداء.
عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «إن في الحبة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السام([555])». أخرجه البخاري ومسلم([556]).
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في الزاد: " وهي كثيرة المنافع جداً، وقولـه: ( شفاء من كل داء) مثل قوله تعالى: { تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا} أي: كل شيء يقبل التدمير ونظائره ".
وذكر - رحمه الله تعالى - جملة من فوائدها فقال([557]) : "والشونيز([558])حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص وحمى الرِّبْعِ([559]) والبلغمية، مفتح للسدد، محلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها، وإن دق وعجن بالعسل وشرب بالماء الحار، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه، وإن سخن بالخل وطلي على البطن، قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب أو المطبوخ كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع ويحلل ويشفى من الزكام البارد، وإذا دق وصير في خرقه واشتم دائما أذهبه، ودهنه نافع لداء الحية ومن الثآليل والخِـيلان([560])، وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من الـبَـهـَـر وضيق النفس، والضماد به ينفع من الصداع البارد، وإذا نقع منه سبع حبات عددا في لبن امرأة وسعط به صاحب اليـرقان نفعهُ نفعا بليغا، وإذا طبخ بخل وتمضمض به نفع من وجع الأسنان عن برد، وإذا استعطى به مسحوقا نفع من ابتداء الماء العارض في العين، وإن ضمد به مع الخل قلع البثور والجرب المتقرح، وحلل الأورام البلغمية المزمـنة والأورام الصلبة، وينفع من اللقوة إذا تـُسُـعِّـطَ بدهنه، وإذا شرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال نفع من لسع الرُّتـَيْـلاء([561])، وإن سحق ناعما وخلط بدهن الحبة الخضراء وقطر منه في الأذن ثلاث قطرات نفع من البرد العارض فيها والريح والسدد، وإن قلي ثم دق ناعما ثم نقع في زيت وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير، وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن السوس أو دهن الحناء وطلي به القروح الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل نفعها وأزال القروح، وإذا سحق بخل وطلي به البرص والبهق الأسود والحزاز الغليظ نفعها وأبرأها، وإذا سحق ناعما واستف من كل يوم درهمين بماء بارد من عضة كلب قبل أن يخلو من الماء نفعه نفعا بليغا وأمن على نفسه من الهلاك، وإذا استعطى بدهنه نفع من الفالج والكزاز وقطع موادهما، وإذا دخن به طرد الهوام وإذا أذيب الأنزروت بماء ولطخ على داخل الحلقة ثم ذر عليها الشونيز كان من الذروات الجيدة العجيبة النفع من البواسير. ومنافعه أضعاف ما ذكرنا، والشربة منه درهمان وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل"([562]).
المسألة السادسة والستون (66) التداوي بالــكـمـأة([563])
عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – t - قال: سمعت النبي - ﷺ - يقول: «الكمأة من المنِّ وماؤها شفاءٌ للعين». أخرجه البخاري ومسلم([564]) .
وقولـه: (من المنِّ) أي الذي أنزلـه الله –تعالى - على موسى وقومه من بني إسرائيل كما في رواية عند مسلم([565]).
كما قال الله –تعالى-: { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ } ([566]) أما قوله: «ماؤها شفاءٌ للعين» فقيل فيه:
1ـ أن ماءها يخلط في الأدوية للعين، لا أنه يستعمل وحده.
2ـ أنه يستعمل وحده بحتاً بعد شيِّها بالنار وتقطير مائها بالعين.
وقيل غير ذلك. انظر فيها: زاد المعاد([567]).
المسألة السابعة والستون (67) الدواء من عرق النسا([568]).
عن أنس بن مالك - t - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «شفاء عرق النَّسَا أَلْيَةُ شاةٍ أعرابيةٍ، تذابُ ثم تُجزَّأُ ثلاثة أجزاءٍ، ثم يشربُ على الرِّيق في كل يوم جزء». أخرجه أحمد وابن ماجه([569]) واللفظ هنا له.
وأما لفظ أحمد: «ألية كبشٍ عربي أسود، ليس بالعظيم ولا بالصغير، يجزأ ثلاثة أجزاء، فيذاب فيشرب كل يوم جزء».
و أخرجه الحاكم([570]) وغيره وقد صححه الألباني في الصحيحة([571]) والمحققون لمسند أحمد.
المسألة الثامنة والستون (68) التداوي بالريق والتراب.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - ﷺ - يقول للمريض ـ وفي لفظ ـ في الرقية «بسم الله. تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا». أخرجه البخاري ومسلم([572]).
ولفظه عنده في أولـه «أن رسول الله كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحةٌ أو جرح قال النبي بإصبعه هكذا. ووضع سفيان – أي: ابن عـيـينة أحد الرواة - سبَّابته بالأرض ثم رفعها «باسم الله.تربة أرضنا، بريقة بعضنا ليشفي به سقيمنا بإذن ربنا».
قال النووي في شرح مسلم([573]): (ومعنى الحديث أنه يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول هذا الكلام في حال المسح والله أعلم) ا.هـ.
قال الحافظ ابن حجر: (وقال البيضاوي :قد شهدت المباحث الطبية على أن للريق مدخلاً في النضج وتعديل المزاج, وتراب الوطن لـه تأثير في حفظ المزاج ودفع الضرر) ا.هـ.
تـنـبـيـه:
وهل هذا خاص بتربة المدينة؟ الجواب لا.
قال النووي([574]): (قال جمهور العلماء: المراد بأرضنا هنا جملة الأرض وقيل: أرض المدينة خاصة لبركتها). قال ابن حجر عن هذا القول الأخير: (فيه نظر)([575]).
المسألة التاسعة والستون (69) الطب النبوي في الذباب.
1ـ عن أبي هريرة - t - أن رسول الله - ﷺ - قال: «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء، وفي الآخر داء». أخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد([576]).
2ـ عن أبي سعيد الخدري - t - قال: إن رسول الله - ﷺ - قال: «في أحد جناحي الذباب سمٌ، وفي الآخر شفاءٌ، فإذا وقع في الطعام,فأمقلوه فيه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء».
أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد([577]) وسنده صحيح.
قال ابن القيم بعد كلام ممتع حول شرح معنى الحديث: (وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم، بل هو خارج من مشكاة النبوة، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج، ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق، وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية) ا.هـ. زاد المعاد([578]).
واعلم رحمك الله ـ أن هذا الحديث قد شك فيه أهل البدع و الأهواء، والشك والتشكيك في السنة النبوية قديمٌ وحديثٌ، فتصدى أهل العلم والإيمان بالرد عليهم وتفنيد شبههم، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلامهم في الذب عن السنة النبوية، ولكن أحيلك على مصادر كلامهم، فراجعها، واشكر لأهل العلم جهادهم، وادع لهم واسلك سبيلهم في الذب والرد على أهل البدع والأهواء المضلة. من هؤلاء العلماء :
1ـ الإمام أبو جعفر الطحاوي المتوفى/321هـ في كتابه (مشكل الآثار) (4/283ـــ284).
2ـ الإمام أبو سليمان الخطابي المتوفى/388هـ في كتابه (أعلام الحديث شرح البخاري) (3/2141ـ2143).
وكتابه (معالم السنن) شرح سنن أبو داود (4/238ـ239).
ومــن الــمــعـاصـريــن:
3ـ العلامة أحمد بن محمد شاكر المتوفى/1377هـ في تحقيقه وشرحه لمسند أحمد(ج12رقم7141) .
4ـ الإمام العلامة محدث العصر محمد ناصر الدين الألباني المتوفى/1420هـ في كتابه الماتع السلسلة الصحيحة (1/95ــ101)تحت رقم (38و39).والحمد لله رب العالمين.
و على العموم فأنواع وأفراد الطب النبوي الكريم كثيرة، استحث همم المسلمين والمتخصصين لدراستها، وتسهيل استعمال الناس لها، وتداويهم بها، ونسأل الله أن يعلي كلمته، وينصر دينه. والله أعلم .
السنن المهجورة في آداب الطعام
المسألة السبعون (70) ترك عيب الطعام.
كان هذا من هديه وأدبه وحسن خلقه وجميل معاشرته - صلوات الله وسلامه عليه - روى البخاري ومسلم([579]) عن أبي هريرة - t - قال: «ما عاب النبي - t - طعاماً قطُّ إن اشتهاه أكله, و إن كرهه تركه».
قال النووي: (هذا من آداب الطعام المتأكدة وعيبُ الطعام كقولـه: مالح,قليل الملح,حامض, رقيقٌ ,غليظٌ,غير ناضج ونحو ذلك.وأما حديث ترك أكل الضب فليس هو من عيب الطعام,إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص لا اشتهيه) ا.هـ. شرح مسلم([580]).
وقال ابن حجر: (قوله: «ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً» أي: مباحاً, أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه، وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره، وإن كان من جهة الصنعة لم يكره قال:لأن صنعة الله لا تُعاب وصنعة الآدميين تُعاب.قلت(أي ابن حجر):والذي يظهر التعميم، فإن فيه كسر قلب الصانع) ا.هـ. ثم نقل ملخص كلام النووي المتقدم. راجع الفتح (9/458).
وقال([581]): (قولـه: «وإن كرهه تركه» يعني مثل ما وقع لـه في الضب, ووقع في رواية أبي يحي([582]) : «وإن لم يشتهه سكت» أي عن عيبه.قال ابن بطال: هذا من حسن الأدب,لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره.و كل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيبٌ) ا.هـ.
وانظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين([583]).
المسألة الحادية والسبعون (71) لعـق الأصابع قبل مسحها أو غسلها.
1 - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي - ﷺ - قال: «إذا أكل أحدكم فلا يمسح يده حتى يَلعقها أو يُـلعقها». أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه([584]) .
2 - عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: «كان رسول الله - ﷺ - يأكل بثلاث أصابع ويلعق يده قبل أن يمسحها». أخرجه مسلم وأبو داود([585]) .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح([586]): ( وفي الحديث رد على من كره لعق الأصابع استقذاراً، نعم يحصل ذلك لو فعله في أثناء الأكل؛ لأنه يعيد أصابعه في الطعام وعليها أثر ريقه) ا.هـ.
وعليه من الخطأ من يلعق أصابعه أثناء الأكل، ثم يأكل بها، فهذا يقذر الطعام على الناس، ثم الأحاديث السابقة يلعقها قبل أن يغسلها، وقبل مسحها بالمنديل، أي: بعد الانتهاء من الطعام.
وقال الخطابي في معالم السنن([587]): (وقد بين النبي - ﷺ - العلة في لعق الأصابع وسلت الصحفة، وهو قولـه: «فإنه لا يدري في أي طعامه يبارك لـه» يقول لك لعل البركة فيما لعق بالأصابع و الصحفة من لطخ ذلك الطعام. وقد عابه قوم أفسدت عقولهم الترفه، وغير طباعهم الشبع والتخمة، وزعموا أن لعق الأصابع مستقبح أو مستقذر، كأنهم لم يعلموا أن الذي علق بالإصبع أو الصحفة جزء من أجزاء الطعام الذي أكلوه وازدردوه، فإذا لم يكن سائر أجزائه المأكولة مستقذرة لم يكن هذا الجزء اليسير منه الباقي في الصحفة واللاصق بالأصابع مستقذراً كذلك.
و إذا ثبت هذا فليس بعده شيء أكثر من مسه أصابعه بباطن شفتيه هو ما لا يعلم عاقل به بأساً، إذا كان الماس والممسوس جميعاً طاهرين نظيفين.
وقد يتمضمض الإنسان فيدخل إصبعه في فيه فيدلك أسنانه وباطن فمه، فلم ير أحد ممن يعقل أنه قذارة أو سوء أدب، فكذلك هذا لا فرق بينهما في منظر حسٍّ ولا مخبر عقلٍ). والله تعالى أعلم.
وقال العلامة الألباني - رحمه الله -: (وفي الحديث أدب جميل من آداب الطعام ألا وهو: لعق الأصابع، ومسح الصحفة بها. وقد أخلَّ كثير من المسلمين اليوم متأثرين في ذلك بعادات أوربا الكافرة، وآدابها القائمة على الاعتداد على المادة، وعدم الاعتراف بخالقها، والشكر لـه على نعمه.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين (6/227): " وفيه فائدة ذكرها بعض الأطباء: أن الأنامل تفرز عند الأكل شيئاً يعين على هضم الطعام، فيكون في لعق الأصابع بعد الطعام فائدتان: فائدة شرعية: وهي الاقتداء بالنبي – ﷺ– وفائدة صحية طبية: وهي هذا الإفراز الذي يكون بعد الطعام يعين على الهضم. والمؤمن لا يجعل همه فيما يتعلق بالصحة البدنية. أهم شيء عند المؤمن هو اتباع الرسول والاقتداء به؛ لأن فيه صحة القلـب، وكلما كان الإنسـان للرسول أتبـع كان إيمانـه أقـوى ". ونحوه في (7/224).
المسألة الثانية والسبعون (72) إماطة الأذى عن اللقمة الساقطة ثم أكلها.
عن جابر - رضي الله تعالى عنه - « أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِلَعْقِ الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ ».
و في لفظ: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان. و لا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه، فإنه لا يدري في أي طعامه البركة». أخرجه مسلم وابن ماجه([588]) .
قال النووي - رحمه الله - وهو يعدد فوائد هذه الأحاديث وما فيها من السنن: (في هذه الأحاديث أنواع من سنن الأكل منها و: استحباب أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها، هذا إذا لم تقع على موضع نجس، فإن تنجست فلا بد من غسلها - إن أمكن - فإن تعذر أطعمها حيواناً، ولا يتركها للشيطان ). شرح مسلم([589]). وانظر: الآداب الشرعية لابن مفلح([590]).
المسألة الثالثة والسبعون (73) لعق القصعة والإناء ونحوها.
دليل هذه المـســـــألـة حديث جابر المتقدم في المـســـــألـة السابقة.
وحديث أنس – t – عن النبي – ﷺ - :" وأمرنا أن نسلت القصعة قال: ( فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة). ونسلت معناه :نمسحها ونتتبع ما بقي فيها من الطعام" .
وقال العلامة ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين([591]):" إنه ينبغي للإنسان أن يلعق الصحن أو القدر أو الإناء الذي فيه الطعام ، إذا انتهيت فالحس حافته، كما أمر بهذا النبي - عليه الصلاة والسلام - فإنك لا تدري في أي طعامك البركة . ومع الأسف فإن الناس يتفرقون عن الطعام بدون تنفيذ هذه السنة، فتجد حافات الآنية عليها الطعام كما هي . والسبب في هذا الجهل بالسنة . ولو أن طلبة العلم إذا أكلوا مع العامة وجهوهم إلى هذه السنة وغيرها من سنن الأكل والشرب لانتشرت هذه السنن، لكن نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، فنحن نتجاوز كثيراً، ونتهاون في الأمر، وهذا خلاف الدعوة إلى الحق ).
وقال أيضاً([592]):" فهذا أيضاً من السنة التي غفل عنها كثير من الناس مع الأسف، حتى من طلبة العلم أيضاً ،إذا فرغوا من الأكل وجدت الجهة التي تليهم ما زال باقياً فيها لا يلعقون الصحفة وهذا خلاف ما أمر به النبي - ﷺ -).
وقد بوب النووي في شرح مسلم على المسائل الثلاث المتقدمة بقوله :" باب استحباب لعق الأصابع والقصعة وأكل اللقمة الساقطة بعد مسح ما يصيبها من أذى، وكراهة مسح اليد قبل لعقها " . والله أعلم.
المسألة الرابعة والسبعون (74) استحباب السحور بالتمر.
روى أبو داود وابن حبان والبيهقي في الكبرى([593]).
عن أبي هريرة – t – عن النبي – ﷺ – قال: «نعم سحور المؤمن التمر».وسنده صحيح.
صححه العلامة الألباني في الصحيحة([594]) وذكر لـه أيضاً شواهد فانظرها.
وقد بوب عليه ابن حبان([595]) "ذكر الاستحباب لمن أراد الصيام أن يجعل سحوره تمراً)
وبوب البيهقي([596]) "باب ما يستحب من السحور).
قال ابن القيم في زاد المعاد([597]) عن التمر: (وهو فاكهة، وغذاء، ودواء وشراب، وحلوى).
المسألة الخامسة والسبعون (75) إلـقـاء النـوى بـيـن إصـبـعـيـه.
المسألة السادسة والسبعون (76) وما يدعى به لأهل الطعام.
قال الإمام مسلم([598]) حدثني محمد بن المثنى العنزي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن يزيد بن خُمير، عن عبد الله بن بُسر قال: نزل رسول الله - ﷺ - على أبي قال : «فقربنا إليه طعاماً ووطبة([599])، فأكل منها، ثم أُتي بتمر، فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه.ويجمع السبابة والوسطى «قال شعبة: هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين»، ثم أتي بشرابٍ فشربه ثم ناولـه الذي عن يمينه. قال: فقال أبي، وأخذ بلجام دابته: ادع الله لنا فقال: اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم».
قال النووي: (أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر وقيل كان يجمعه على ظهر الإصبعين ثم يرمي به).
وبوب عليه النووي في شرحه (باب: استحباب وضع النوى خارج التمر واستحباب دعاء الضيف لأهل الطعام) ا.هـ
المسألة السابعة والسبعون (77) التنفس عند الشرب خارج الإناء ثلاثاً.
قد روى الإمام البخاري والإمام مسلم([600]).
عن أبي قتادة - t - : «أن النبي - ﷺ - نهى أن يُتنفس في الإناء.» وهذا لفظ مسلمٍ.
وروى البخاري ومسلم([601]) و غيرهما عن أنسٍ - t - قال: «كان رسول الله - ﷺ - يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول: «إنه أروى وأبرأ وأمرأ».
قال أنس: (فأنا أتنفَّس في الشراب ثلاثاً).واللفظ لمسلم .
وقد بوب النووي على الحديثين بقولـه: (باب كراهية التنفس في نفس الإناء واستحباب التنفس ثلاثاً خارج الإناء) ا.هـ.
قوله: (أروى) من الري، أي: أكثر ريّاً.
وقولـه: (أبرأ) أي أبرأ من ألم العطش وقيل: أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحدٍ.
وقوله: (أمرأ) أي: أجمل انسياغاً.
ملخصا ًمن شرح مسلم([602]) وانظر فتح الباري([603]).
وقال الحافظ في الفتح([604]): (فحالة النهي([605]) عن التنفس داخل الإناء، وحالة الفعل([606]) على من تنفس خارجه. فالأول على ظاهره من النهي، والثاني تقديره كان يتنفس في حالة الشرب من الإناء) ا.هـ.
وفي زاد المعاد([607]) كلام طويل ممتع حول هذا الحديث وفوائد الشرب ثلاثا تركته خوف التطويل .وانظر: شرح رياض الصالحين للعثيمين([608]).
من السنن المهجورة في حق اللبن
المسألة الثامنة والسبعون (78) مزج اللبن بالماء.
1ـ عن أنس - t - أن رسول الله - ﷺ -: أتي بلبنٍ قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابيٌ، وعن يساره أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال: «الأيمنُ فالأيمنُ». أخرجه البخاري ومسلم([609]).
2ـ وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - ﷺ - دخل على رجل من الأنصار ومعه صاحب لـه، فقال لـه النبي: «إن كان عندكم ماء بات هذه الليلة في شنة و إلا كرعنا قال: والرجل يحوِّل الماء في حائطه. قال: فقال الرجل: يا رسول الله عندي ماء بائت فانطلق إلى العريش. قال: فانطلق بهما فسكب في قدح ثم حلب عليه من داجنٍ لـه.قال فشرب رسول الله ثم شرب الرجل الذي معه».
أخرجه البخاري([610]) وقد بوب لهذين الحديثين البخاري بقولـه (باب: شرب اللبن بالماء).
قال الحافظ: (وإنما كانوا يمزجون اللبن بالماء، لأن اللبن عند الحلب يكون حاراً وتلك البلاد - أي الحجاز - في الغالب حارة، فكانوا يكسرون حر اللبن بالماء البارد).فتح الباري([611]).
3ـ وفي حديث الهجرة الطويل المعروف بحديث «الرحل» الذي أخرجه مسلم([612]).
قال أبو بكر - t-: «فأتيت النبي وكرهت أن أوقظه من نومه فوافقته استيقظ فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفلُهُ فقلت: يا رسول الله اشرب من هذا اللبن. قال: فشرب حتى رضيتُ...» الى آخر الحديث.
قال الإمام ابن هبيرة: (وفيه أيضاً: ما يدل على التداوي من العطش في شدة الحر باللبن المشوب بالماء البارد ) إلى أن قال: (و هذا مما يدل على أن أبا بكر إنما برد اللبن بالماء؛ ليلتذَّ رسول الله - ﷺ - ببرده ولم يكن - كما يقول الجهال - نوع ترف، ولكن عبادة)([613]).
المسألة التاسعة والسبعون (79) الدعاء عقب شرب اللبن.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: دخلت مع رسول الله - ﷺ - أنا و خالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناءٍ من لبنٍ، فشرب رسول الله، وأنا على يمينه وخالد على شماله، فقال لي: «الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالداً» فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحداً، ثم قال رسول الله - ﷺ -: «من أطعمه الله الطعام فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيراً منه. ومن سقاه الله لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه» وقال رسول الله - ﷺ -: «ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن».
أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وأبو داود، وأبو داود الطيالسي، والنسائي([614]) .
والحديث قال عنه الترمذي (هذا حديث حسنٌ) وحسنه ابن حجر والألباني في السلسلة الصحيحة. والله الموفق([615]).
المسألة الثمانون (80) استحباب المضمضة بعد شرب اللبن ونحوه.
أ - أخرج البخاري([616])"باب: من مضمض من السويق ولم يتوضأ".
عن سويد بن النعمان - t - «أنه خرج مع رسول الله - ﷺ - عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء – وهي أدنى خيبر – فصلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤتى إلا بالسويق، فأمر به فثري([617]) فأكل رسول الله وأكلنا، ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ».
قال ابن حجر في الفتح([618]): ( واستدل به البخاري على: جواز صلاتين فأكثر بوضوء واحد، وعلى استحباب المضمضة بعد الطعام ).
ب - أخرج البخاري([619]) ( باب: هل يمضمض من اللبن).
عن ابن عباس - رضي الله عنهما-: أن رسول الله - ﷺ - شرب لبناً فمضمض وقال: «إن لـه دسماً» وأخرجه مسلم([620]).
قال ابن حجر في الفتح([621]): ( إنما فيه بيان العلة للمضمضة من اللبن، فيدل على استحبابها من كل شيء).
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية([622]): (وتُسنُّ المضمضة من شربه).
وقال: (ويتوجه أن تستحب المضمضة من كل ماله دسم لتعليله عليه السلام).
من السنن المهجورة في آداب العطاس
المسألة الحادية والثمانون (81) الاستحباب للعاطس أن يحمد الله ولو في صلاته.
عن معاويـة بن الحكم السلمي، قـال: (بينما أنا أصلي مع رسـول الله - ﷺ -. إذ عطس رجلٌ من القوم فقلت:يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم! فقلت: واثُكل أُمِّياه ما شأنكم؟تنظرون إليِّ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم.فلما رأيتهم يُصمتونني لكني سكتُّ. فلما صلى رسول الله - ﷺ - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فو الله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد([623]).
قال الخطابي في معالم السنن([624]): (وفي الحديث: دليل على أن المصلي إذا عطس فشمته رجل، فإنه لا يجيبه. واختلفوا إذا عطس وهو في الصلاة، هل يحمد الله؟ فقالت طائفة: يحمد الله.روى عن ابن عمر أنه قال:العاطس في الصلاة يجهر بالحمد، وكذلك قال النخعي، وأحمد بن حنبل.وهو مذهب الشافعي إلا أنه يستحب أن يكون ذلك في نفسه) ا.هـ.
وقال النووي في شرح مسلم([625]): (وأما العاطس في الصلاة فيستحب لـه أن يحمد الله سراً، هذا مذهبنا، وبه قال مالك وغيره, وعن ابن عمر، والنخعي وأحمد ـ رضي الله عنهم ـ أنه يجهر به، والأول أظهر؛ لأنه ذكر والسنة في الأذكار في الصلاة: الإسرار إلا ما استثني من القراءة في بعضها ونحوها ) ا.هـ.
و قال النووي - أيضاً - : (إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول:الحمد لله ويسمع نفسه هذا مذهبنا) الأذكار([626]).
و قال الحافظ في الفتح [627]: (واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي، وقد تقدمت الإشارة إلى حديث رفاعة ابن رافع في (باب: الحمد للعاطس) وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم، وبه قال مالك والشافعي وأحمد) ا.هـ. وانظر فتاوى ابن عثيمين([628]).
المسألة الثانية والثمانون (82) بعض الصيغ الواردة في الحمد والتشميت للعاطس.
وقد ورد في تعليم النبي - ﷺ - لأمته من الدعاء والذكر عند العطاس من العاطس ومن حولـه من الصيغ والألفاظ ما قد علم الناس بعضه فقاموا به, وجهلوا وتركوا بعضاً آخر منها، فمن أشهر وأصح هذه الألفاظ للطرفين:
1ـ ما أخرجه البخاري([629]) عن أبي هريرة - t - عن النبي - ﷺ - قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمدُ لله. وليقل لـه أخوه أو صاحبه: يرحمك الله. فإذا قال يرحمك الله. فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم».
وقد روى هذا الحديث أبو داود([630]) لكن بزيادة «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال» الحديث.وصححه بهذه الزيادة النووي في الأذكار([631]) وحكم الألباني عليها بالشذوذ في هذا الحديث. وهي صحيحة في غير هذه الرواية، كما في إرواء الغليل([632]).
2ـ ما أخرجه مالك في الموطأ موقوفاً([633]): عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا عطس فقيل لـه: يرحمك الله. قال:يرحمنا الله وإياكم.ويغفر لنا ولكم.وسنده صحيحٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌُ.
3ـ وعن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله.علَّمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ.
أخرجه الترمذي([634]) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع).
قال الألباني: (وهو ثقة من رجال البخاري وبقية الرجال ثقات فالإسناد صحيح) إرواء الغليل([635]).
4ـ و أخرج البخاري في الأدب المفرد([636]) عن عبد الله ابن مسعود - t - قال: (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين.وليقل من يرد: يرحمك الله وليقل هو يغفر الله لي ولكم).
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد([637]) .
والحاصل من هذا ما يلي :
العاطس يقول : (الحمد لله) أو(الحمد لله على كل حال) وهذا الثابت عن الرسول – ﷺ-.و(الحمد لله رب العالمين). عن ابن مسعود من قولـه موقوفاً عليه.
المشمت يقول: (يرحمك الله) وهذا الأكثر، وهو الثابت عن رسول الله - ﷺ -.و(عافانا الله وإياكم من النار, يرحمك الله) موقوفاً على ابن عباس في صحيح الأدب المفرد([638]) وصححه الحافظ في الفتح.
ثم العاطس يقول هذه العبارات. (يهديكم الله ويصلح بالكم) أو (يغفر الله لنا ولكم) أو(يرحمنا الله وإياكم). والثابت عن رسول الله - ﷺ - الأول والباقي موقوف:
وأما الموقوف، فلعل أصحابه من الصحابة - رضي الله عنهم - فعلوها أحياناً، و إلا فالسنة الثابتة هي الأولى.
بعض الأذكار المهجورة
المسألة الثالثة والثمانون(83) الدعاء عـقب الوضوء بــ :"سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".
عن أبي سعيد الخدري - t - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق تم جعلت في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة).
قال العلامة الألباني في الإرواء([639]): " فائدة: يستحب أن يقول عقب الوضوء أيضا: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . لحديث أبي سعيد، وسنذكره قبيل صلاة العيدين، بإذن الله تعالى ".
وحديث أبي سعيد قد جاء مرفوعا وموقوفا، فالمرفوع أخرجه النسائي في الكبرى، والبيهقي في الكبرى ، وفي الدعوات الكبير. وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن حجر في نتائج الأفكار، والطبراني في الأوسط([640]).
وأما الموقوف:
فخرجه النسائي في الكبرى([641]) وعبدالرزاق في المصنف([642]) وابن أبي شيبة([643]).
وقد صححه الألباني مرفوعا في الموضع السابق فراجعه([644]) .
شرح غريب الحديث:
قال النووي في المجموع (قولـه: «كتب في رق» هو بفتح الراء، «والطابع» بفتح الباء وكسرها لغتان فصيحتان وهو الخاتم، ومعنى (طبع) : ختم، وقولـه: (فلم يفتح إلى يوم القيامة) معناه لا يتطرق إليه إبطال واحباط). انتهى كلامه رحمه الله.
فائدة : قال البهوتي في كشاف القناع([645]): " والحكمة في ختم الوضوء والصلاة وغيرهما بالاستغفار، كما أشار إليه ابن رجب في تفسير سورة النصر: أن العباد مقصرون عن القيام بحقوق الله كما ينبغي، وعن أدائها على الوجه اللائق بجلاله وعظمته، وإنما يؤدونها على قدر ما يطيقونه، فالعارف([646]) يعرف أن قدر الحق أعلى وأجل من ذلك، فهو يستحي من عمله ويستغفر من تقصيره فيه، كما يستغفر غيره من ذنوبه وغفلاته " ا. هـ. والله أعلم .
المسألة الرابعة والثمانون(84) الدعاء عند سماع صياح الديكة, والاستعاذة عند سماع نهيق الحمار ونباح الكلب.
1ـ عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً. وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأى شيطاناً». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود([647]) .
2ـ عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - ﷺ - «إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار بالليل فتعوذوا بالله، فإنهن يرين ما لا ترون». رواه أبو داود وأحمد([648]) وصححه الألباني رحمه الله.
قال الحافظ ابن حجر: (قال عياض: كان السبب فيه رجاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم لـه وشهادتهم لـه بالإخلاص).وقال الحافظ ابن حجر: (قال عياض:وفائدة الأمر بالتعوذ لما يخشى من شر الشيطان وشر وسوسته، فيلجأ إلى الله في دفع ذلك). الفتح([649]).
المسألة الخامسة والثمانون (85) الدعاء عند الريح وحال الرسول عندها.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - ﷺ - إذا عصفت الريح قال: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به».
قالت: (وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر فإذا مطرت سُري عنه فعرفت ذلك في وجهه قالت:فسألته فقال: «لعله يا عائشة كما قال قوم عاد { فَلَمّا رَأَوْهُ عَارِضاً مّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـَذَا عَارِضٌ مّمْطِرُنَا } ([650]) ». أخرجه مسلم وأخرج آخره البخاري([651]) .
المقصود بيان الحال الفزعة التي يكون عليها المسلم بخلاف حالتين اثنتين: الحالة الأولى:حالة أهل الجاهلية وسبهم الريح والدهر، فخالفهم المسلم بدعاء ربه خيرها واستعاذه من شرها لأنه مصرفها كيف يشاء سبحانه.
الحالة الثانية: حال أهل الغفلة من أبناء زماننا من الضحك والمزاح واللامبالاة،فخالفهم متبع السنة في اقتدائه بنبيه – ﷺ - بالفزع والخوف .
المسألة السادسة والثمانون (86) كثرة الاستغفار في المجلس.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: «إن كنا نعد لرسول الله - ﷺ - في المجلس الواحد مائة مرة:رب اغفر لي.وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم». أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي([652]) .
بلفظ «التواب الغفور» وقال: (هذا حديث حسن صحيح غريب). وفي نسخة تحفة الأشراف(غريب صحيح)[653] .
وقد خرج الحديث العلامة الألباني في الصحيحة([654]) ورجح لفظة «الغفور» من حيث الرواية الإسنادية، ثم قال:(ويؤيده ملاحظة المعنى، فإن قوله: «رب اغفر لي» يناسب قوله «الغفور» أكثر من قوله: «الرحيم» هذا ما بدا لي من التحقيق في هذا الحرف، ولم أقف على أحدٍ كتب فيه.فإن أصبت فمن الله.ولـه الحمد وهو ولييّ، وإن كانت الأخرى فأستغفره من ذنبي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي). ا.هـ.
و الأدلة على الاستغفار كثيرة من القرآن والسنة :
منها : قولـه تعالى :" فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً ". وقولـه تعالى :"والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله "، وقوله تعالى:" لو لا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ".
ومن السنة :
عن أبي هريرة – t – قال: سمعت رسول الله – ﷺ – يقول :" والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "أخرجه البخاري([655]).
وعن الأغر المزني - t – أن رسول الله – ﷺ – قال: " إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة " أخرجه مسلم([656]).
وعن عبد الله بن بسر – t – قال: قال النبي – ﷺ – طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً ". أخرجه ابن ماجه([657]) وصححه الألباني . والأدلة في هذا كثيرة، وما تقدم فيه عظة وعبرة .
المسألة السابعة والثمانون (87) من صيغ حلف النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيه : وليس المراد من هذه المـســألـة تحريض الناس على كثرة الحلف، لما هو معلوم ومقرر من المنع من ذلك، وإنما المراد هو توجيه من اقتضاه الأمر للحلف للمقاصد المبسوطة في كتب أهل العلم أن يتخير هذه الألفاظ النبوية، وكذلك فإنه من الناس من قد يحلف بها، ولكنه لا يستحضر سنيتها وعندما يعلم بها يكون الاقتداء والأجر إن شاء الله. واستغفر الله من خطأي وعمدي وكل ذلك عندي .
أولاً: ( لا ومــقــلــب الــقــلــوب ):
1ـ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كانت يمين النبي - ﷺ - لا ومقلب القلوب» رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه([658]).
ثانياً:(والذي نفس محمدٍ بيده):
1ـ عن عبد الله بن مسعود - t - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «والذي نفس محمدٍ بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة،وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفسٌ مسلمةٌ، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأبيض ،أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر».
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه([659]) .
ثالثا :( وأيم الذي نفسي بيده ) :
1ـ عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال لـه صاحبه:قل إن شاء الله،فلم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجلٍ.وايْم الذي نفس محمد بيده لو قال:إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون».
أخرجه البخاري ومسلم([660]).
رابعا : ( والذي نفسي بيده ) :
1ـ عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي - ﷺ - وهو آخذٌ بيد عمر بن الخطاب، فقال لـه عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليَّ من كل شيءٍ إلا من نفسي، فقال النبي - ﷺ-: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال لـه عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : الآن يا عمر». رواه البخاري([661]).
خامساً:وربـــي:
قال تعالى: { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبّيَ إِنّهُ لَحَقّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } ([662]).
وقال تعالى: { وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتَأْتِيَنّكُمْ } ([663])
و قال تعالى: { زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ } ([664]).
سادساً:و الـلـه:
1ـ عن أبي موسى الأشعري - t - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «والله لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه([665]) .
وقد ورد عن رسول الله - ﷺ - في القسم بلفظ الجلالة أحاديث كثيرة، وإنما اقتصرنا على حديث واحد اختصاراً.
سابعاًً: وايــم الله:
1ـ عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: بعث رسول الله - ﷺ - بعثاً وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمرته فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنكم تطعنون في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، و ايـم الله إن كان لخليقاً بالإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ بعده». أخرجه البخاري ومسلم([666]) .
2ـ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - ﷺ -: «وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها». أخرجه البخاري ومسلم([667]).
قال ابن حجر: (وايـم الله : بسكون الياء وأولها ألف وصل أو قطع وفيها لغاتٌ وهي قَسمٌ)هدي الساري (ص87) مقدمة فتح الباري.
ثامنًا: القسم بأسماء الله و صفاته :منها:
1ـ ورب الكعبة:
عن أبي ذر - t - قال: انتهيت إليه - ﷺ - وهو يقول في ظل الكعبة «هم الأخسرون ورب الكعبة قلت: ما شأني؟ أيُرى فيَّ شيئٌ ما شأني؟ فجلست إليه وهو يقول، فما استطعت أن أسكت وتغشاني ما شاء الله.فقلت: من هم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال: الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا». أخرجه البخاري ومسلم([668]).
2ـ والذي لا إله غيره:
عن عبد الله بن مسعود - t - قال في حديث الصادق المصدوق: «فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها... الحديث». أخرجه البخاري ومسلم([669]) وعنده وحده محل الشاهد.
المسألة الثامنة والثمانون (88) العـدول عن الأمر المحلوف عليه للمصلحة مع الكفارة.
قد ورد في ذلك جملة من الأحاديث الواردة عن النبي - ﷺ - من قولـه وفعله.
فمن قوله - ﷺ -:
1ـ عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أن رسول الله - ﷺ - قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل». أخرجه مسلم والترمذي([670]) .
2ـ عن عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ-: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتـَها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتـَها من غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير منها». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي([671]) .
3ـ عن عدي بن حاتم – رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفرها وليأت الذي هو خير منها» أخرجه مسلم([672]).
4ـ وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة...... الحديث. وفيه «لأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِيْنِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَـهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ ».
أخرجه البخاري ومسلم والإمام أحمد([673]).
ومعنى هذا الحديث:
قال النووي: (ومعنى الحديث أنه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه، ويكون الحنث ليس بمعصية، فينبغي لـه أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفـِّر عن يمينه. فإن قال: لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث وأخاف الإثم فيه، فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثماً من الحنث) ا.هـ. شرح صحيح مسلم([674]).
وأما فعله وتطبيق الذي أمر به.
فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - قال: أتيت النبي - ﷺ -في رهطٍ من الأشعريين أستحمله فقال: «والله ما أحملكم ولا عندي ما أحملكم عليه» قال: ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي بثلاث ذود غر الذرى فحملنا عليها، فلما انطلقنا قلنا - أو قال بعضنا-: والله لا يبارك الله لنا، أتينا رسول الله - ﷺ - نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا فارجعوا بنا إلى النبي - ﷺ - فنـُُذكره، فأتيناه فقال: «ما أنا حملتكم بل الله حملكم وإني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيراً منها إلا كفـَّرت عن يميني وأتيت الذي هو خير، أو أتيت الذي هو خير، وكفـَّرت عن يميني». أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه([675]).
جامع من السنن المهجورة في بعض الآداب والمعاملات وغيرهما
المسألة التاسعة والثمانون (89) السجود للشكر عند حصول ما يسر واندفاع ما يكره.
قال البغوي في شرح السنة([676]): ( سجود الشكر سنة عند حدوث نعمة طالما كان ينتظرها، أو اندفاع بلية ينتظر انكشافها ).
و قال ابن القيم في زاد المعاد([677]): ( وكان من هديه - ﷺ - وهدي أصحابه، سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر، أو اندفاع نقمة ).
وقال النووي: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت لـه نعمة ظاهرة, أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى, و أن يحمد الله تعالى:ويثني عليه بما هو أهله. والأحاديث في هذا كثيرة مشهورة)([678]).
وقد جاء من فعله وفعل أصحابه أحاديث منها:
أ - من فعله صلى الله عليه وسلم:
1 - عن أبي بكرة - t - « أن النبي - ﷺ - كان إذا جاءه أمر يسره خرَّ ساجداً ».
أخرجه أحمد وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه([679]). وهو حديث حسن بشواهده وحسنه الترمذي.
2 - عن عبد الرحمن بن عوف - t - قال:سجد النبي - ﷺ - فأطال السجود، ثم رفع رأسه، وقال: «إن جبريل أتاني فبشرني، فسجدتُ لله شكراً ».
أخرجه أحمد، والحاكم، وأبو يعلى([680]) وغيرهم وإسناده صحيح وانظر تخريجه وشواهده في تحقيق المسند.
ب ـ من فعل أصحابه رضي الله عنهم:
1 - ما ذكره كعب بن مالك - t - في قصة توبته فقال: «فسمعت صوت صارخ، فأوفى على جبل سلع بأعلى صوته: يا كعب ابن مالك أبشر قال: فخررت ساجداً». أخرجه البخاري ومسلم([681]).
قال ابن القيم في الزاد([682]) في فوائد قصة كعب: (وفي سجود كعب حين سمع صوت المبشر دليل ظاهر أن تلك كانت عادة الصحابة، وهي سجود الشكر عند النعم المتجددة والنقم المندفعة) ا.هـ.
وقال ابن حجر([683]): (وفيها مشروعية سجود الشكر).
2 - عن علي - t - ( لما رأى ذا الثُدية مع الخوارج كما أخبره - ﷺ - فسجد سجدة شكر ). رواه أحمد والبغوي([684]) وحسنه محققوا المسند. وقال ابن القيم في الزاد([685]) عن جملة الآثار المتقدمة والأحاديث:(وهي آثار صحيحة لا مطعن فيها).
فائدة: قال العلامة ابن عثيمين في فتاويه([686]): (يكون سجود الشكر عن مصيبةٍ اندفعت، أو نعمة تهيأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة فبعض العلماء يرى لـه الوضوء والتكبير وبعضهم يرى التكبيرة الأولى ثم يخر ساجداً ويدعو بعد قوله"سبحان ربي الأعلى").
المسألة التسعون (90) تهنئة(·) من تجددت لـه نعمة دينية أو دنيوية.
أخرج البخاري ومسلم([687]) في قصة توبة كعب بن مالك - t - قوله: (فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنَّاني).... الحديث.
قال ابن القيم في الزاد([688]). (وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت لـه نعمة دينية، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته. فهذه سنة مستحبة. وهو جائز لمن تجددت لـه نعمة دنيوية، وأن الأولى أن يقال له:ليهنئك ما أعطاك الله وما منّ الله به عليك، ونحو هذا الكلام، فإن فيه تولية النعمة ربَّها والدعاء لمن نالها التهني بها).ا.هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فوائد هذه القصة:"وفيها:...وتهنئة من تجددت لـه نعمة، والقيام إليه إذا أقبل".الفتح([689]). وما ذكره من القيام ليس هو من المنهي عنه؛ لأنه للتهنئة، لا لخصوص السلام والإكرام الذي هو محل الخلاف.
المسألة الحادية والتسعون (91) صلاة الركعتين عند التوبة من الذنب.
قد ورد في ذلك حديث عن أبي بكر الصديق وأبي الدرداء - رضي الله عنهما - ومرسلٌ عن الحسن البصري - رحمه الله - عن رسول الله - ﷺ -.
و قد تكلم فيه جمعٌ من العلماء - رحمهم الله - من حيث تقوية هذا الحديث وتثبيته.
1 - حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-:
جاء من رواية أسماء بن الحكم الفزاري، عن علي - t-عن أبي بكر الصديق - t - أن النبي - ﷺ - قال: «ما من رجلٍ يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي – وفي رواية ركعتين – ثم يستغفر الله إلاّ غفر الله له».
أخرجه أحمد والترمذي «باب ما جاء في الصلاة عند التوبة»، وابن ماجه و الحميدي في مسنده، وأبو داود وابن شاهين في الترغيب، وابن حبان والطبراني في الأوسط والبغوي([690]) وغيرهم.
وهذا الحديث ضعفه البخاري و العقيلي، وقد رد الحافظ المزِّي في تهذيب الكمال([691]) على البخاري، وذكر شواهد للحديث، ولكن الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب([692]) قوّى قول البخاري وتعقب المزِّي.
وقد قال بثبوته أيضاً الحافظ ابن كثير في تفسيره فقال: (وقد ذكرنا طرقه والكلام عليه مستقصى في مسند أبي بكر الصديق - t - وبالجملة فهو حديث حسن، وهو من رواية أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب، عن خليفة النبي - ﷺ - أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - )([693]).
وابن عدي في الكامل([694]) وقال: (وهذا الحديث طريقه حسن، وأرجو أن يكون صحيحاً).
وجوّده أيضاً الحافظ موسى بن هارون، كما نقله ابن حجر في التهذيب.
وحسنه الذهبي في تذكرة الحفاظ([695]). وقال بثبوت الحديث العلامة ابن باز في فـتـاويـه([696]). والعلامة الألباني في تخريجه على الترمذي وابن ماجه.
2 - وحديث أبي الدرداء رواه أحمد والطبراني في الأوسط([697]) ومحل الشاهد في روايته وصححه الألباني في الصحيحة([698]) .
3 - ومرسل الحسن رواه الحميدي في مسنده تحت رقم (1) والله أعلم.
و هذا تخريجٌ مختصر غير مطوّلٍ يفي بالغرض من إثبات هذا الحديث على رأي جمع من الحفاظ والعلماء ذكرت بعضهم والعلم عند الله تبارك وتعالى.
المسألة الثانية والتسعون (92) التصدق عند التوبة.
أخرج البخاري ومسلم([699]) في قصة كعب - t - قولـه: «قلت يا رسول الله إن من توبتي أنَّ أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله: أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك».... الحديث.
قال ابن القيم في الزاد([700]): (وقول كعب يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي، دليلٌ على استحباب الصدقة عند التوبة بما قدر عليه من المال). ا.هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في فوائد هذه القصة: (وفيها...واستحباب الصدقة عند التوبة). الفتح([701]).
المسألة الثالثة والتسعون (93) دعاء جامع الصدقات لمن أتى بصدقة ماله.
قال الله تعالى: â õè{ ô`ÏB öNÏlÎ;ºuqøBﷺ& Zps%y|¹ öNèdãÎdgsÜè? NÍkÏj.tè?uﷺ $pkÍ5 Èe@|¹uﷺ öNÎgøn=tæ á([702])
قال ابن كثير: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ } أي: ادع لهم واستغفر لهم ".
وروى مسلم في صحيحه([703]) عن عبد الله بن أبي أوفى - t - قال: كان رسول الله - ﷺ - إذا أتاه قومٌ بصدقتهم قال: «اللهم صلِّ عليهم» فأتاه أبي ـ أبو أوفى ـ بصدقته فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى».
وأخرجه البخاري([704]) وبوب عليه بقوله:"باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة".
وقال النووي - رحمه الله-: (هذا الدعاء هو الصلاة امتثالاً لقوله تعالى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ } ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن الدعاء لصاحب الزكاة سنة مستحبة ليس بواجبٍ. وقال أهل الظاهر هو واجب. وبه قال بعض أصحابنا. حكاه أبو عبد الله الحناطي، واعتمدوا الأمر في الآية. قال الجمهور: الأمر في حقنا للندب؛ لأن النبي بعث معاذاً وغيره لأخذ الزكاة ولم يأمرهم بالدعاء.وقد يجيب الآخرون:بأن وجوب الدعاء كان معلوماً لهم من الآية الكريمة.و أجاب الجمهور أيضاً بأن دعاء النبي وصلاته سكناً لهم بخلاف غيره.
واستحب الشافعي في صفة الدعاء أن يقول:آجرك الله فيما أعطيت وجعله لك طُهراً وبارك لك فيما أبقيت.
و أما قول الساعي: اللهم صلِّ على فلان فكرهه جمهور أصحابنا، وهو مذهب ابن عباس ومالك وابن عيينة وجماعة من السلف.
وقال جماعة من العلماء: ويجوز ذلك بلا كراهة لهذا الحديث. قال أصحابنا: لا يصلى على غير الأنبياء إلا تبعاً؛ لأن الصلاة في لسان السلف مخصوصة بالأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - كما أن قولنا «عز وجل» مخصوص بالله - سبحانه وتعالى - فكما لا يقال: "محمد عز وجل" وإن كان عزيزاً جليلاً، ولا يقال: أبو بكر - ﷺ - وإن صح المعنى). شرح مسلم([705]) .
وقال ابن حجر: (واستدل به على استحباب دعاء آخذ الزكاة لمعطيها) ثم ذكر نحواً مما تقدم الفتح([706]) .
المسألة الرابعة والتسعون (94) التكبير والتسبيح عند التعجب أو الاستنكار.
وقد ورد في ذلك جملة من الأحاديث في هذه السنة من فعله وفعل أصحابه - ﷺ - وهذا بخلاف ما عليه أهل هذه الأزمان إلاّ من رحم الله من الرجال والنساء بالتصفيق والصياح عند ذلك.
وهذه جملة مختصرة من الأحاديث خشية الإطالة :
1ـ عن أبي هريرة - t - قال: أنه لقيه النبي - ﷺ - في بعض طرق المدينة، وهو جنب فانسل، فذهب فاغتسل، فتفقده النبي - ﷺ - فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال رسول الله - ﷺ -: «سبحان الله ! إن المسلم لا ينجس». أخرجه البخاري ومسلم([707]) واللفظ له.
2ـ عن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - ﷺ -: بينما رجل يسوق بقرة لـه قد حمل عليها، التفتت عليه البقرة فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكن إنما خلقت للحرث، فقال الناس:
سبحان الله! تعجباً وفزعاً أبقرة تتكلم ؟ فقال رسول الله:فإني أؤمن به أنا وأبو بكر و عمر ....الحديث. أخرجه البخاري ومسلم([708]).
التكبير عند الخبر السار:
3 - عن أبي سعيد الخدري - t - قال: قال رسول الله - ﷺ - : «وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا، ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبرنا، ثم قال: شطر أهل الجنة فكبرنا». أخرجه البخاري ومسلم([709]) .والـلـه أعـلـم .
4ـ حديث أبي واقد الليثي - t - «أن رسول الله - -ﷺ لمّا خرج إلى حنين مرَّ بشجرةٍ للمشركين يقال لها: "ذات أنواط" يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط،ٍ فقال النبي - ﷺ -: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى { اجْعَلْ لّنَآ إِلَـَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } ([710]). و الذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم».
رواه الترمذي في سننه([711]) وقال: (هذا حديث حسن صحيح) وقال الألباني صحيح ، ورواه الإمام أحمد في المسند([712]) ، والنسائي في السنن الكبرى([713]) وعنده: «الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل».
وقد عقد البخاري في صحيحه باباً فقال: ( باب التكبير و التسبيح عند التعجب).
ثم روى الحديث([714]). عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت:استيقظ النبي - ﷺ - فقال «سبحان! الله ماذا أنزل من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟» الحديث.وانظر الفتح([715]).
المسألة الخامسة والتسعون (95) استحباب كتابة الوصية.
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - ﷺ - قال: «ماحق امرىء مسلم لـه شيء يوصي به؟» وفي رواية: «له شيء يريد أن يوصي به» أن يبيت ليلتين وفي رواية: «ثلاث ليالٍ» إلا ووصيته مكتوبة عنده.
قال نافع: سمعت عبد الله بن عمر يقول: (ما مرَّت عليَّ ليلة منذ سمعتُ رسول الله - ﷺ - يقول ذلك إلا وعندي وصيتي مكتوبة). أخرجه البخاري ومسلم([716]) .
والوصية تارةً تكون واجبة: إذا كان عليه من حقوق الناس ما ليس فيه إثباتات ويخشى من ضياعها، أو عنده أمانات، وقد أمر الله بأداء الأمانات لأهلها.وتستحب فيما دون ذلك، ومنه إذا كان كثير المال فمستحب أن يوصي بما هو دون الثلث، كما قال - ﷺ - لسعدٍ لما أراد أن يوصي بماله كله، فقال لـه بعد أن أقره على الوصية : «الثلث والثلث كثير». أخرجه البخاري ومسلم([717]) .
و ليراجع كتب الفقه والأحكام لمعرفة تفاصيل أحكام الوصية ومن يرد الله به خيراً يفقهه بالدين.
المسألة السادسة والتسعون (96) رد المقترض بأكثر مما اقترضه كماً وكيفاً من غير اشتراط سابق.
قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله - في الكافي([718]): (وإن وفـَّاه خيراً منه في القدر أو الصفة، من غير شرط ولا مواطأة جاز). ونحوه في المغني([719]) .
وأذكر في ذلك حديثين يدلان على ذلك:
الحديث الأول: عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: كان لرجل على النبي - ﷺ - جملٌ سنٌ من الإبل، فجاءه يتقاضاه فقال: (أعطوه) فطلبوا سنه، فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال أعطوه) فقال: أوفيتني أوفى الله بك. فقال النبي - ﷺ-: «إن خياركم أحسنكم قضاء». أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه([720]) .
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري([721]): (وفيه جواز وفاء ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد، فيحرم حينئذ اتفاقاً، وبه قال الجمهور، وعن تفصيل في الزيادة إذا كانت بالعدد منعت، وإن كانت بالوصف جازت) ا.هـ.
الحديث الثاني: عن أبي رافع - رضي الله تعالى عنه - «أن رسول الله - ﷺ - استسلف من رجل بَكـْراً([722]) فقدمت عليه إبل من الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكرة، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خِـياراً رَبَاعياً ([723])، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء».
أخرجه الإمام مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه([724]) .
قال النووي - رحمه الله - معدداً فوائد الحديث: ( وفيها: أنه يستحب لمن عليه دين من قرضٍ وغيره أن يردَّ أجود من الذي عليه، وهذا من السنة ومكارم الأخلاق، وليس هو من قرض جر منفعة، فإنه منهي عنه؛ لأن ما كان مشروطاً في عقد القرض. و مذهبنا أنه يستحب الزيادة في الأداء عما عليه. و يجوز للمقترض أخذها سواء زاد في الصفة أو في العدد، بأن أقرضه عشرة فأعطاه أحد عشر. و مذهب مالك: أن الزيادة في العدد منهي عنه.وحجة أصحابنا عموم قوله - u-: «خيركم أحسنكم قضاء» ا.هـ.
المسألة السابعة والتسعون (97) من هديه - ﷺ - عدم نزع يده عند المصافحة حتى ينزعها الآخـر .
روى الترمذي وقال: (هذا حديث غريب)، وابن ماجه، و البغوي في شرح السنة، وابن حبان([725]) وغيرهم، عن أنس - t - قال: «كان إذا صافح رجلاً لم يترك يده حتى يكون هو التارك ليد رسول الله - ﷺ -».
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة([726]) وترجم لـه بقولـه (من هديه - ﷺ - في المصافحة).
المسألة الثامنة والتسعون (98) البداءة باليمنى عند لبس النعال و باليسرى عند نزعه.
عن أبي هريرة - t - أن رسول الله - ﷺ - قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشمال، لتكن اليمنى أولهما تَنْعَل وآخرهما تنزع». أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي([727]) وغيرهم.
قال الخطابي في معالم السنن([728]): ( إذا كان معلوما إنَّ لبس الحذاء صيانة للرجل ووقاية لها، فقد أعلم أن التبدية به لليمنى زيادة في كرامتها، وكذلك التبقية لها بعد خلع اليسرى. وقد كان النبي - ﷺ - يبدأ في طهوره بميامنه ويقدمها على مياسره).
وهو يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم([729]) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله و طهوره وفي شأنه كله».
فــائــدة:
قال النووي في شرح مسلم([730]): (هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أن ما كان من باب، التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد، والسواك، والاكتحال، وتقليم الأظافر، وقص الشارب، وترجيل الشعر، وهو مشطه ونتف الإبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، وغسل أعضاء الطهارة، والخروج من الخلاء، والأكل والشرب، والمصافحة واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه، يستحب التيامن فيه.وأما ما كان بضده كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، و الامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف، وما أشبه ذلك، فيستحب التياسر فيه، وذلك كله بكرامة اليمين وشرفها والله أعلم) ا.هـ.
انتهى كلامه وهو نفيس وجامع و مفيد. والله الموفق.
وكثير من الناس لا يخلو في يومه من ممارسة هذه الأمور والأحوال، ومع ذلك يغفل الكثير عن متابعة السنة في هذه الأمور اليسيرة، ففوتوا على أنفسهم أجوراً كثيرة. ومن أسباب ذلك الغفلة ، وعدم اعتياده من أنفسنا، وعدم تعويد أبنائنا عليه وتذكيرهم به . وفق الله الآباء والأمهات لخيري الدنيا والآخرة .
المسألة التاسعة والتسعون (99) المشي حافياً أحياناً.
عن عبد الله بن بريدة أن رجلاً من أصحاب النبي - ﷺ - رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه، فقال : أما إني لم آتك زائراً، ولكني سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله - ﷺ - رجوت أن يكون عندك من علم قال: وما هو ؟ قال: كذا وكذا قال : فما لي أراك شعثاً وأنت أمير الأرض؟ قال: إن رسول الله – ﷺ - كان ينهانا عن كثير من الأرفاه. قال: لا أرى عليك حذاءً ؟ قال: كان النبي - ﷺ - يأمرنا أن نحتفي أحياناً .
أخرجه أحمد، وابو داود([731])، وصححه العلامة الألباني - رحمه الله - في الصحيحة تحت الحديث([732]).
والأرفاه : الترجل كل يوم .كما جاء مفسراً في رواية عند النسائي([733]).
تـنبيـه:
عن جابر – t - قال : سمعت النبي - ﷺ - يقول في غزوة غزوناها استكثروا من النعال، فإن الرجل لايزال راكباً ما انتعل ). أخرجه مسلم ([734]).
قال النووي - رحمه الله - : (معناه أنه شبيه بالراكب في خفة المشقة عليه، وقلة تعبه، وسلامة رجله مما يعرض في الطريق من خشونة وشوك وأذى ونحو ذلك. وفيه استحباب الاستظهار في السفر بالنعال وغيرها مما يحتاج إليه المسافر). شرح مسلم ([735]).
المسألة المائة (100) كف الصبيان عن الخروج من المنزل عند أول قدوم الليل وتغطية الإناء في الليل .
عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - ﷺ - : «إذا جُنح([736]) الليلُ أو - أمسيتم - فكفوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً . وأوكوا قِربكم، واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً».
وفي لفظٍ: «فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عوداً ويذكر اسم الله فليفعل».
أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود بلفظ: «واكفتوا صبيانكم» والترمذي، وابن ماجه([737]) وعندهما بدون الشواهد.
قال الخطابي في معالم السنن([738]): (قولـه: «اكفتوا صبيانكم» معناه ضموهم إليكم و أدخلوهم البيت، وكل شيء ضممته إليك فقد كفته» ا.هـ. ونحوه قاله البغوي([739]).
وقال ابن القيم : ( وفي عرض العود عليه من الحكمة أنه لا ينسى تخميره بل يعتاده حتى بالعود، وفيه: أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه فيمر على العود، فيكون العود جسراً لـه يمنعه من السقوط فيه ). زاد المعاد([740]).
وفي رواية عند مسلم([741]) قال : «غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء ، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء».
قال ابن القيم - رحمه الله - : (وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم، وقد عرفه من عرفه من عقلاء الناس بالتجربة ). زاد المعاد([742]).
وفي لفظٍ لمسلمٍ([743]): «لا تُرسلوا فواشيكم([744]) وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة([745]) العشاء فإن الشياطين تبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء».
قال النووي: (هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا، فأمر - ﷺ - بهذه الآداب التي هي سبب السلامة من إيذاء الشيطان، وجعل الله عز وجل هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه فلا يقدر على كشف إناء ولا حل سقاء ولا فتح باب ولا إيذاء صبي ولا غيره).شرح مسلم([746]).
وقال الإمام ابن هبيرة في الإفصاح([747]): (والجن منقسمون إلى مؤمن مأمون على من يلقاه، ومن لا يؤمن منهم لا يؤمن لكفره.ولا يؤمن على الأطفال والصبيان؛ لأن الصبي غير كامل العقل الذي لا يهوله التهويل، وليس عنده من أسماء الله - عز وجل - ما يتحصن به من كيد الشيطان غالباً فأمر بكف الصبيان لذلك) ا.هـ.
فتلخص مما تقدم :
1-كف الصبيان عن الخروج عند الغروب .
2 - غلق الأبواب مع التسمية .
3-إيكاء القرب مع التسمية – والوكاء ما يشد به رأس القربة، كما في مختار الصحاح ص735.
4 - تخمير الإناء – أي تغطيته كما في مختار الصحاح ص 189 - مع ذكر الله، ولو لم يجد إلا العود فليضعه على فم الإناء .
وظاهر ما تقدم من الأحاديث يدل على أن ذلك يكون من دخول المساء، وأوله عند المغرب لقوله:" أمسيتم " وقوله:" ليلة " والله أعلم .
المسألة الواحدة بعد المائة (101) تعريض الجسم للمطر عند نزوله.
قال الإمام مسلم - رحمه الله-([748]): وحدثنا يحي بن يحي، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، عن أنس قال: قال أنس - رضي الله عنه - : «أصابنا ونحن مع رسول الله - ﷺ - مطرٌ. قال: فحسر([749]) رسول الله - ﷺ - ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: «لأنه حديث عهد بربه تعالى».
وأخرجه أبو داود، و أحمد، والنسائي في الكبرى، والبخاري في الأدب المفرد([750]) وابن أبي عاصم في السنة وغيرهم.
قال النووي في شرحه([751]): (وفي الحديث:دليل لقول أصحابنا إنه يستحب عند أول المطر أن يكشف غير عورته يناله المطر واستدلوا بهذا ،وفيه أن المفضول إذا رأى من الفاضل شيئاً لا يعرفه، أن يسأله عنه؛ ليُعلمه فيعمل به و يعلمه غيره).
وقد أخرج الحديث أيضاً الإمام الدارمي في الرد على الجهمية([752]) تحت باب (استواء الرب - تبارك وتعالى - على العرش وارتفاعه إلى السماء وبينونته من الخلق).
وقال عقبه([753]): (ولو كان على ما يقول هؤلاء الزائغة، أنه في كل مكان ما كان المطر أحدث عهداً بالله من غيره من المياه والخلائق ).
وكذلك أورده الإمام الذهبي في كتابه العلو للعلي الغفار. كما في مختصره للعلامة الألباني([754]).
وقال العلامة ابن باز - رحمه الله-: ( فدل ذلك على استحباب أن يكشف المرء بعض الشيء من جسده كذراعيه أو رأسه حتى يصيبه المطر، كما فعله النبي - ﷺ - فالمشروع أن يكشف المسلم مثلاً عمامته عن رأسه أو طرف ردائه عن عضده، أو عن ذراعه حتى يصيبه المطر أو ساقه، أو ما أشبه ذلك مما يجوز كشفه عند الناس كالقدم والساق والرأس واليد ونحو ذلك) ا.هـ. مجموع فتاوى ابن باز([755]).
المسألة الثانية بعد المائة (102) زيارة مسجد قـباء والصلاة فيه كل أسبوع.
و قد قيل إنه المقصود بقوله تعالى : { لّمَسْجِدٌ أُسّسَ عَلَى التّقْوَىَ مِنْ أَوّلِ يَوْمٍ أَحَقّ أَن تَقُومَ فِيهِ } ([756]). روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي([757]).
عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما-:أن رسول الله - ﷺ - كان يزور قباء راكباً وماشياً.
وفي رواية «كان رسول الله - ﷺ - يأتي قباء راكباً([758]) وماشياً فيصلي فيه ركعتين».
وفي رواية عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يأتي قباء كلَّ سبتٍ وكان يقول: (رأيت النبي- ﷺ - يأتيه كلَّ سبتٍ).
قال ابن دينار :وكان ابن عمر يفعله.
قال النووي: (وفي هذه الأحاديث: بيان فضله([759]) وفضل مسجده والصلاة فيه وفضيلة زيارته) ا.هـ. شرح مسلم([760]).
وأخرج ابن حبان (1629) وبوب بقولـه:"ذكر ما يُستحب للمرء أن يأتي مسجد قباء للصلاة فيه".
وبرقم (1632) وبوب لـه بقولـه:"ذكر اليوم الذي يُستحب إتيان مسجد قباء لمن أراده".
ومما روي في فضل الصلاة فيه :
* أن الصلاة فيه تعدل عمرةً :
أخرج الترمذي([761]) "باب ما جاء في الصلاة بمسجد قباء"عن أسيد بن ظُهير" وقال: (حديثٌ حسنٌ صحيح...ولا نعرف لأسيد بن ظهير شيئاً يصح غير هذا الحديث).وصححه الألباني.
عن أسيد بن ظُهير قال: «الصلاة في مسجد قباء كعمرةٍ» .و ابن ماجه([762]) وأخرج النسائي([763]) وابن ماجه([764])عن سهل بن حنيف ولفظه: «من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاةً، كان لـه كأجر عمرةٍ» قال الأثيوبي في شرح النسائي :(هذا حديث صحيح)وصححه الألباني.
وقال الشيخ الأثيوبي في شرح النسائي([765]) :
(ودل حديث الباب - على اختلاف طرقه - على استحباب إتيان مسجد قباء وصلاة ركعتين فيه.وأن ذلك ليس من باب شد الرحال المنهي عنه؛ لأن ذلك كناية عن السفر، وهذا ليس سفراً).
وقال العلامة ابن باز في حواشيه على فتح الباري([766]) : (والجواب عن حديث قباء أن المراد بشد الرحل في أحاديث النهي: الكناية عن السفر، لا مجرد شد الرحل، وعليه فلا إشكال في ركوب - النبي - ﷺ - إلى مسجد قباء) ا.هـ.
وقال الأثيوبي: (والسر كونه كان يخص السبت بالإتيان فيه كونه أمكن لمواصلة الأنصار، وتفقد أحوالهم وحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه - ﷺ - ) وقال الحافظ نحوه في الفتح([767]) .
وممن خرج الأحاديث:
1 - حديث أسيد :الطبراني في الكبير(570) وأبو يعلى(7172) والحاكم (1/478).
2 - حديث سهل: أحمد(15981) وصححه محققو المسند, والطبراني في الكبير(5558) والحاكم (3/12).
وقد صحح الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (17/470) .
تنبيه هام:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(ولهذا لم يستحب علماء السلف من أهل المدينة وغيرها قصد شيء من المساجد والمزارات التي بالمدينة وما حولها بعد مسجد النبي – ﷺ – إلا مسجد قباء؛ لأن النبي – ﷺ – لم يقصد مسجداً بعينه يذهب إليه إلا هو . وقد كان بالمدينة مساجد كثيرة لكل قبيلة من الأنصار مسجد، لكن ليس في قصده دون أمثاله فضيلة، بخلاف مسجد قباء) ا.هـ.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلمَّ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الخاتمة
الحمد لله على ما أنعم به ووفق إليه من إتمام هذه المجموعة المباركة من السنن النبوية، التي عشت في ظلالها أسعد اللحظات وأطيب الأوقات مع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
هذا وقد بلغت ولله الحمد ( 102 ) سنة في مختلف الأبواب الشرعية مما ثبتت سنيته ومشروعيته عن رسول الله - ﷺ -، مما جهله كثير من الناس، أو علموه ولكن تركوه تكاسلا وإهمالا .
فوفقني الله - ولله الحمد والمنة - إلى جمعها والبحث في أدلتها وكلام أهل العلم فيها. وأرجو من الله - تبارك وتعالى - أن يجعلها نافعة لعباده المؤمنين، معلمة لجاهلهم، ومذكرة لناسيهم، وموقظة لغافلهم، وأن لا يحرمني أجرها في الدنيا والآخرة .. هذا ولما كان كثير من الناس ربما تركوا كثيرا من السنن، بل من الواجبات إيثاراً للعاجل على الآجل .
لما كان الأمر كذلك، وكنت قد وقفت على كلام ماتع لابن القيم - رحمه الله تعالى - جميل الفائدة عظيم العائدة، يحمل الهمم القاصرة عن العمل، ويقوي النفوس الضعيفة ، ويرشد الحيران، ويسلي السالك إلى الله الذي ربما شعر بالوحشة وخاف من الوحدة، فأردت أن أجعله خاتمتي لهذه المجموعة - وهي الأولى - على أمل التوفيق - بإذن الله تعالى - في مجموعة ثانية ..
فدونكم كلامه - رحمه الله تعالى - ولا تستثقل أخي القارئ وأختي القارئة هذا الفصل فإنه من أعز الكلام وأنفسه .. وارعه سمعك والله يتولانا وإياك.
قال ابن القيم في كتابه الفوائد: " إذا كان الله ورسوله في جانب فاحذر أن تكون في الجانب الآخر، فإن ذلك يفضي إلى المشاقة والمحادة، وهذا أصلها ومنه اشتقاقها. فإن المشاقة أن يكون في شق، ومن يخالفه في شق، والمحادة أن يكون في حد وهو في حد. ولا تستسهل هذا، فإن مبادئه تجر إلى غاياته وقليله يدعو إلى كثيره، وكن في الجانب الذي فيه الله ورسوله، وإن كان الناس كلهم في الجانب الآخر، فإن لذلك عواقب هي أحمد العواقب وأفضلها، وليس للعبد أنفع من ذلك في دنياه قبل آخرته .
وأكثر الخلق إنما يكونون في الجانب الآخر - ولا سيما إذا قويت الرغبة والرهبة - فهناك لا تكاد تجد أحدا في الجانب الذي فيه الله ورسوله، بل يعده الناس ناقص العقل سيء الاختيار لنفسه، وربما نسبوه إلى الجنون، وذلك من مواريث أعداء الرسل، فإنهم نسبوهم إلى الجنون، لما كانوا في شق وجانب، والناس في شق وجانب آخر .
ولكن من وطن نفسه على ذلك فإنه يحتاج إلى علم راسخ بما جاء به الرسول، يكون يقينا لـه لا ريب عنده فيه، وإلى صبر تام على معاداة من عاداه ولومة من لامه، ولا يتم لـه ذلك إلا برغبة قوية في الله والدار الآخرة .. بحيث تكون الآخرة أحب إليه من الدنيا ، وآثر عنده منها ، ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .
وليس شيء أصعب على الإنسان من ذلك في مبادئ الأمر، فإن نفسه وهواه وطبعه وشيطانه وإخوانه ومعاشريه من ذلك الجانب يدعونه إلى العاجل، فإذا خالفهم تصدوا لحربه، فإن صبر وثبت جاءه العون من الله، وصار ذلك الصعب سهلا، وذلك الألم لذة، فإن الرب شكور فلا بد أن يذيقه لذة تحيزه إلى الله ورسوله، ويريه كرامة ذلك، فيشتد به سروره وغبطته، ويبتهج به قلبه ويظفر بقوته وفرحه وسروره، ويبقى من كان محاربا لـه – على ذلك – بين هائب لـه ومسالم لـه ومساعد وتارك . ويقوى جنده ويضعف جند العدو .
ولا تستصعب مخالفة الناس، والتحيز إلى الله ورسوله ولو كنت وحدك، فإن الله معك، وأنت بعينه وكلاءته وحفظه لك، وإنما امتحن يقينك وصبرك .
وأعظم الأعوان لك على هذا - بعد عون الله - التجرد من الطمع والفزع، فمتى تجردت منهما، هان عليك التحيز إلى الله ورسوله، وكنت دائما في الجانب الذي فيه الله ورسوله، ومتى قام بك الطمع والفزع فلا تطمع في هذا الأمر، ولا تحدث نفسك به .
فإن قلت بأي شيء أستعين على التجرد من الطمع ومن الفزع ؟
قلت: بالتوحيد والتوكل والثقة بالله، وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، وأن الأمر كله لله، ليس لأحد مع الله شيء."([768]) ا. هـ .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
([1] ) الاعتصام.
([2] ) الاعتصام 2/108-109
([3]) رواه مسلم برقم (55).
([4]) مسلم (1631)، وأبو داود (2880)، والترمذي (1376)، والنسائي (3651).
([5]) (2674).
([6]) (1893).
([7]) (1017).
([8]) (4/113).
([9]) الإبداع في كمال الشرع وخطر الابتداع ص (14،15).
([10]) فتاوى ابن عثيمين (7/360).
([11]) برقم «20»
([12]) بل كل ما سيأتي أيضاً في "فصل تمهيدي" هو من الدوافع أيضاً. أسأل الله أن ينفعني بذلك في الدنيا والآخرة.
([13]) مناسك الحج والعمرة (ص 92).
([14]) الباب المفتوح (1/113).
([15]) (10/302).
([16]) الترمذي (1954) وأبو داود (4811).
([17]) برقم (416).
([18]) الإعلام بأعلام البلد الحرام للنهر والي (ص 456).
([19]) (1017).
([20]) آل عمران (31).
([21]) (1/319).
([22]) (3/8).
([23]) الأحزاب (21).
([24]) (4/211).
([25]) تفسيره (ص 609) ط. الرسالة.
([26]) (867).
([27]) أخرجه أبو داود (4607) والترمذي (2676) وابن ماجه (42)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
([28]) (725).
([29]) (2695)
([30]) (5433)
([31]) (2041)
([32]) (13/263).
([33]) برقم (108).
([34]) برقم (36).
([35]) (1/102).
([36]) (11/177)
([37]) (4/256)
([38]) البخاري (844) ومسلم (593).
([39]) (2/387).
([40]) البخاري (3113) ومسلم (2727).
([41]) (9/55).
([42]) البخاري (865) ومسلم (442).
([43]) (2/400)
([44]) 2/406).
([45]) (2/393).
([46]) (2/246).
([47]) البخاري (878) ومسلم (845).
([48]) البخاري (882)، ومسلم (845/4).
([49]) (3/395).
([50]) (2/419).
([51]) (1046).
([52]) (2/622).
([53]) (ص 194).
([54]) (2/278).
([55]) (ص 281).
([56]) (11/179).
([57]) ص (181).
([58]) (ص 94).
([59]) تحقيق الكلام لابن سحمان ص 62.
([60]) (14/63).
([61]) (1/388-389).
([62]) أبو داود (142)، والترمذي (38) وقال: (هذا حديث حسن صحيح). ورقم (788) والنسائي في الكبرى (99) وفي المجتبى (1/66) وابن ماجه (407 و448) وابن الجارود (80) وابن خزيمة (1/78-87) والدارمي (711) والطبراني في المعجم الكبير (19/479 و 480) والحاكم (1/147-148) والبغوي في شرح السنة (213).
([63]) خلاصة البدر المنير (1/33).
([64]) (1/47) ط. الفكر.
([65]) (1/176).
([66]) زاد المعاد (1/192).
([67]) أخرجه البخاري (191) ومسلم (235) وأبو داود (119) والترمذي (28).
([68]) الفتح (1/349).
([69]) شرح مسلم (2/124). وانظر: سنن الترمذي (1/43).
([70]) أخرجه البخاري (140) وابن ماجه (403).
([71]) الفتح (1/291).
([72]) أخرجه أبو داود (111) والترمذي (49) مختصراً، وابن ماجه (404) واللفظ الأول لـه قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح). وصححه ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (1/32).
قال الصنعاني في سبل السلام (1/54): (هذا من أدلة الجمع). وانظر توضيح الأحكام للبسام (1/195).
([73]) رواه أبو داود (139).
([74]) رقم (52) ط. الزهيري.
([75]) خلاصة البدر المنير (1/32).
([76]) (1/78).
([77]) (1/192-193).
([78]) أخرجه البخاري (272) ومسلم (316).
([79]) (1/92).
([80]) فتح الباري (1/429).
([81]) رواه البخاري (274) ومسلم (317) واللفظ له.
([82]) أخرجه البخاري (287) ومسلم (306).
([83]) أخرجه البخاري (288) ومسلم (305).
([84]) (305/22).
([85]) (1/469) ط. الريان.
([86]) أخرجه مسلم (308) وأبو داود (220) وابن ماجه (587) والترمذي (141).
([87]) (873).
([88]) (2/222).
([89]) (1/40) ط. الفكر.
([90]) أخرجه أحمد (5979) والبخاري في التاريخ الكبير (1/24) وأبو يعلى (5661-5749) والطبراني في الكبير (13598) وغيرهم وحسنه العلامة الألباني في الصحيحة (5/ص146 برقم 2111).
([91]) أخرجه البخاري (887) ومسلم (252).
([92]) يشوص: أي يغسل.
([93]) أخرجه البخاري (889) ومسلم (255).
([94]) أخرجه البخاري (244) ومسلم (254).
([95]) (890-4449).
([96]) (4/158).
([97]) (9928).
([98]) (3031).
([99]) (140).
([100]) (6/47).
([101]) (5).
([102]) (135).
([103]) برقم (66).
([104]) (2/146).
([105]) (4/322-323).
([106]) (13/17).
([107]) برقم (5).
([108]) مسلم (253) وأبو داود (51) والنسائي (8) وابن ماجه (290).
([109]) (1/13-14).
([110]) البخاري (611) ومسلم (383) وأبو داود (522) والترمذي (208) والنسائي (673) وابن ماجه (720).
([111]) مسلم (385) وأبو داود (527).
([112]) المغني (2/87).
([113]) انظر (6/90-93).
([114]) (10/365).
([115]) (4/214).
([116]) مسلم (384) وأبوداود (523) والترمذي (3614) والنسائي (678).
([117]) البخاري (614) وأبوداود (529) والترمذي (211) والنسائي (680) وابن ماجه (722).
([118]) مسلم (386) وأحمد (1565) وأبو داود (525) والترمذي (210) والنسائي (679) وابن ماجه (721) وابن خزيمة (421/422).
([119]) (2/323) ط. دار الحدبث.
([120]) (2/26).
([121]) (1/548)
([122]) المشروعية تشمل الواجب والمستحب ولذا فأنا لم أذكر البحث والخلاف هل هي واجبة أم سنة مؤكدة، ولكني ذكرت الأدلة على مشروعيتها وهو محل اتفاق. فليكن كل من المسلم والمسلمة حريصيْن على تطبيق هذه السنة التي أهملها كثير من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم.
([123]) (260).
([124]) مسلم (241) والترمذي (335) وابن ماجه (940).
([125]) (265).
([126]) البخاري (494) ومسلم (245) وأبو داود (678).
([127]) (1/681).
([128]) البخاري (509) ومسلم (259) وأبو داود (697).
([129]) البخاري (496) ومسلم (262).
([130]) (صـ 82).
([131]) أبو داود (695) والنسائي (748).
([132]) (1/279).
([133]) (1/250).
([134]) (1/687 مع الفتح).
([135]) (2/370).
([136]) (1/687).
([137]) (2/61).
([138]) (2/786).
([139]) 1/66).
([140]) صفة الصلاة (82-83 حاشية).
([141]) (ص 3).
([142]) (3/511).
([143]) (ص 512).
([144]) البخاري (386) ومسلم (555) والترمذي (400).
([145]) (387).
([146]) (388).
([147]) أحمد (6627) وأبو داود (653) وابن ماجه (1038).
([148]) أحمد (11153) وأبو داود (605) وابن خزيمة (1017).
([149]) (1/511).
([150]) اغاثة اللهفان (1/230-231).
([151]) (12/386).
([152]) (12/388-392).
([153]) (4/270).
([154]) (22/121).
([155]) (2/413).
([156]) البخاري (793) ومسلم (397) وأبو داود (856) والترمذي (303) وأحمد (2/437) والنسائي (2/124) وابن ماجه (10601).
([157]) أحمد في المسند (4/340) وأبوداود (857 و 858) والنسائي (2/226) والحاكم (1/242 و 246).
([158]) زاد المعاد (2/414).
([159]) (13/56).
([160]) البخاري (719) ومسلم (434).
([161]) (432).
([162]) البخاري (723) ومسلم (433).
([163]) البخاري (722) ومسلم (435).
([164]) البخاري (717) ومسلم (436).
([165]) القداح: بالكسر هي خشب السهام حين تنحت وتبرى واحدها قِدْحٌ بكسر القاف، معناه: يبالغ في تسويتها. حتى تصير كأنما يقوم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها. قاله النووي (2/394).
([166]) (430).
([167]) (2442).
([168]) برقم (3532)
([169]) برقم (3530).
([170]) (13/50).
([171]) الممتحنة (6).
([172]) رقم (724).
([173]) برقم (725).
([174]) (13/156).
([175]) (8/703).
([176]) (2/291-292).
([177]) (2/283).
([178]) (1/222).
([179]) (4/494).
([180]) (2/303).
([181]) (2/292).
([182]) (8/702).
([183]) (2/292) حاشية (1).
([184]) (11/117).
([185]) (2/283).
([186]) (3/368).
([187]) (1/222).
([188]) (5035).
([189]) (1/223).
([190]) البخاري (771)، ومسلم (647).
([191]) سورة (ق).
([192]) (458).
([193]) برقم (530).
([194]) التكوير (17).
([195]) مسلم (456) وأبو داود (817).
([196]) برقم (951).
([197]) سورة (ق 10).
([198]) (1462 و 1463).
([199]) مسلم (455) وابن ماجه (820).
([200]) برقم (1626).
([201]) البخاري (1619) ومسلم (1276).
([202]) أحمد (15873) والنسائي (947).
([203]) برقم (816).
([204]) عبد الرزاق (2/112-120). وابن أبي شيبة (1/310-312).
([205]) البخاري (759) ومسلم (451) وأبو داود (798).
([206]) مسلم (452) وأبو داود (804) وابن خزيمة (509).
([207]) برقم (454).
([208]) مسلم (459) وأبو داود (806).
([209]) رقم (510).
([210]) رقم (511).
([211]) رقم (512).
([212]) أي ناز عنيها. شرح مسلم للنووي (2/345).
([213]) أخرجه مسلم (398).
([214]) النسائي (979) والترمذي (307).
([215]) (1/312-313).
([216]) (2/104-107).
([217]) البخاري (763)، ومسلم (462).
([218]) (2/291).
([219]) البخاري (765) ، ومسلم (463).
([220]) (2/290).
([221]) أي حديثًا صحيحاً فقد ذكر بعدُ حديثين وضعفهما فراجعه ثم ذكر حديثا عند ابن خزيمة برقم (520) والنسائي (983) لكنه قال: إن في الاستدلال به نظراً لذلك لم أذكره والله اعلم ..
([222]) البخاري (764) وأبو داود (812).
([223]) (2/289).
([224]) (2/290-291).
([225]) (2/290).
([226]) (991).
([227]) (1/288).
([228]) (2/107-110).
([229]) (1/314-315).
([230]) (2/290-291).
([231]) البخاري (768) ومسلم (578).
([232]) البخاري (767) ومسلم (464).
([233]) (769).
([234]) (2/293).
([235]) أي أطول فيها القراءة. الفتح (2/279).
([236]) البخاري (755) ومسلم (453).
([237]) البخاري (705) ومسلم (465).
([238]) (1/315-316).
([239]) (2/110-112).
([240]) مسلم (877) وأبو داود (1124).
([241]) مسلم (878) وأبو داود (1122) وابن خزيمة (1441).
([242]) أبوداود (1125) وابن خزيمة (1441) .
([243]) مسلم (891) وأبو داود (1154) وابن خزيمة (1440).
([244]) النسائي (1699) وابن ماجه (1171).
([245]) ابن ماجه (1172) والنسائي (1702).
([246]) البخاري (1068) ومسلم (880) .
([247]) مسلم (879) وابن خزيمة (533) .
([248]) فتاوى ابن باز (12/393) .
([249]) (1/290) .
([250]) مسلم (726) وأبو داود (1256) والنسائي (945) وابن ماجه (1148) .
([251]) البقرة ( 136).
([252]) آل عمران ( 64).
([253]) مسلم (727) وأبو داود (1259) والنسائي (944) .
([254]) (3/259) .
([255]) (1/316ـ318) .
([256]) (1/318) .
([257]) أخرجه البخاري (1160) ومسلم (736/122) وأبو داود (1262) وابن ماجه (1198،1199) وأحمد (6/121،133) .
([258]) البخاري (1161) ومسلم (743) وأبو داود (1263) .
([259]) (1/319) فما بعدها .
([260]) زاد المعاد (1/321) .
([261]) البخاري (759) ومسلم (451) وأبو داود (797) وابن ماجه (829) .
([262]) (2/412) .
([263]) (2/286ـ287) .
([264]) (1/247ـ248) .
([265]) (11/123) .
([266]) (11/127) .
([267]) مسلم (772) وأبو داود (871 مختصراً) والترمذي (262) والنسائي (1008و1009) وابن ماجه (1351) .
([268]) (3/320) .
([269]) (ص102-103) .
([270]) (4/117) .
([271]) (2/177) .
([272]) (2/112) .
([273]) (2/254) .
([274]) (12/343) .
([275]) (1/118) .
([276]) (4/322) .
([277]) (11/345) .
([278]) (13/340) .
([279]) (17) ط.وزارة الشؤون الإسلامية.
([280]) (452) .
([281]) (1/246) .
([282]) (ص113حاشية 6) .
([283]) (2/218-282) .
([284]) (2/295) .
([285]) البخاري (772) ومسلم (396) .
([286]) البخاري (7375) ومسلم (813) .
([287]) (2901) .
([288]) (2/298) برقم (774) .
([289]) (2/18ـ19) ط.دار الكتب العلمية.
([290]) (ص104ـ105) .
([291]) (2/322) .
([292]) (5/53) .
([293]) (2/322).
([294]) (2/359).
([295]) برقم (828).
([296]) شرح مسلم (2/453).
([297]) (5/54-55).
([298]) (7/القسم الثاني/989-996) حديث رقم (3331) .
([299]) برقم (476) .
([300]) برقم (799) .
([301]) البخاري (796) ومسلم (409) .
([302]) البخاري (795) ومسلم (392) .
([303]) رقم (799).
([304]) رقم (476).
([305]) رقم (477).
([306]) رقم (478).
([307]) البخاري (792) ومسلم (471) واللفظ لـه .
([308]) (2/337) .
([309]) البخاري (821) ومسلم (472) .
([310]) (1/239) .
([311]) أحمد (23375) وأبو داود (874) والنسائي (1145) وابن ماجه (897) وصححه الألباني في إرواء الغليل (2/ص41رقم335) .
([312]) فتاوى ابن باز (11/86-87) .
([313]) (11/37) .
([314]) مسلم (579/113) وأبو داود (988) .
([315]) (3/88) .
([316]) حال بيني وبينها:أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها.
([317]) قال النووي في شرح مسلم (7/447) : "أما خنزب فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاى مكسورة ومفتوحة ويقال أيضا بفتح الخاء والزاى حكاه القاضى ويقال أيضا بضم الخاء وفتح الزاى حكاه ابن الأثير فى النهاية وهو غريب "
([318]) (2203) .
([319]) (7/447) .
([320]) (11/130) .
([321]) (11/258ـ 259) .
([322]) وانظر: فتاوى ابن عثيمين (13/253) فقد ذكر هذه المـســـــألـة.
([323]) أحمد في المسند (6498) والبخاري في الأدب المفرد (1216) وأبو داود (5065) باب: التسبيح عند النوم والترمذي (3410) وقال:( هذا حديث حسن صحيح) والنسائي (1348)باب: عدد التسبيح بعد التــسليم.
وفي الكبرى(1272) وابن ماجه (926)باب: مــا يقـال بـعـد التسليم.
([324]) برقم (1350) .
([325]) برقم (1351) .
([326]) البخاري ( 731 ) ، ومسلم ( 781).
([327]) ( 3/ 328).
([328]) ( 6/ 238 برقم الحديث 2491 ).
([329]) البخاري ( 432) ومسلم ( 777).
([330]) ( 778).
([331]) ( 3/ ص 327، 326).
([332]) ( 14/ 289).
([333]) ( 14/ 355، 356).
([334]) مسلم (768) وأبو داود (1323) .
([335]) (767) .
([336]) (3/314) .
([337]) (1/329) .
([338]) (1/251ـ252) .
([339]) البخاري (998) ومسلم (751) وأبو داود (1438) .
([340]) (1/332) .
([341]) مسلم (738/126) وأبو داود (1340) والنسائي (1756) .
([342]) (5/260) .
([343]) (2/41) .
([344]) ص (123).
([345]) برقم ( 1293 ).
([346]) برقم (11226).
([347]) برقم ( 1347).
([348]) برقم ( 1469 ).
([349]) برقم ( 3/100).
([350]) ومنها حديث ابن عباس أن النبي ﷺ صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ) أخرجه البخاري برقم ( 964) ومسلم ( 884) وأبو داود ( 1159) والترمذي ( 537) وغيرهم .
([351]) ( ص 144).
([352]) ( 1/428) برقم (1103).
([353]) ( 2/552).
([354]) (ص126 - ط الزهيري ).
([355]) أبو داود برقم (2609) والبيهقي (10485) .
([356]) الضعيفة (2/56) وفي الصحيحة (3/1322) .
([357]) أبو داود (2608) والبيهقي (10486) .
([358]) (1/443-444) .
([359]) في الآداب الشرعية (1/452) .
([360]) (2/226) .
([361]) (ص218) .
([362]) برقم (6647) .
([363]) (2/56) .
([364]) (5/255) .
([365]) برقم (1093) .
([366]) البخاري (1097) مسلم (701) .
([367]) ( 1094) .
([368]) (400) .
([369]) (1099) .
([370]) البخاري (1100) ومسلم (702) .
([371]) البخاري (1096، 1098) ومسلم (700) .
([372]) شرح مسلم (3/228) .
([373]) احمد (13109) وأبو داود (1225) والبيهقي في الكبرى (2249) .
([374]) (ص 55) ط.أطلس.
([375]) (1/476) .
([376]) البقرة ( 185).
([377]) برقم (2993) .
([378]) البخاري برقم (2995و6385) ، ومسلم (1344) .
([379]) الفدفد: بفائين مفتوحتين بينهما مهملة وهي الأرض الغليظة ذات الحصى وقيل المستوية وقيل المكان المرتفع الصلب.قاله في الفتح(6/158) .
([380]) الفتح(6/158) .
([381]) مسلم برقم (2708/54و55) باللفظين.وأخرجه مالك (2/977-978) والترمذي برقم (3437) والنسائي في الكبرى(10318) وابن ماجه (3547) والبغوي في شرح السنة(1347) وابن حبان(2700) .
([382]) (16/258) ط.الفاروق.
([383]) (8/527) ط.العلمية.
([384]) (1/453) .
([385]) (ص456) .
([386]) جامع الترمذي (5/496) .
([387]) (صـ367) .
([388]) البخاري (3089و3090) ومسلم (715) وأبو داود (3347) .
([389]) البخاري (3088) ومسلم (716) .
([390]) (2781) .
([391]) (6/224) .
([392]) (3/575) .
([393]) البخاري (4418) ومسلم (2769) .
([394]) (14/289).
([395]) رواه مسلم (874) والترمذي (باب:ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر ) (515) .وأحمد في المسند (17219/17221/17224/18299) .
([396]) شرح مسلم (3/428).
([397]) (ص393).
([398]) (5/110) .
([399]) (4/74ـ75).
([400]) الأوسط (1813) ،وعبدالرزاق (5391)، و البيهقي في الكبرى (5812) .
([401]) ابن المنذر في الأوسط (1814)، وابن أبي شيبة (5233)، والفتح (2/467) .
([402]) برقم (5390) .
([403]) عبد الرزاق(5392)، وابن أبي شيبة (5227) .
([404]) (2/467) .
([405]) برقم (921) .
([406]) (1052) .
([407]) فتح الباري (2/467ـ468) .
([408]) (4/433) .ط الفكر..
([409]) أبو داود (1119) والترمذي (526) وابن خزيمة (1819) .
([410]) الجمعة ( 9).
([411]) (881) .
([412]) برقم (881/69) .
([413]) البخاري (937) ومسلم (882) .
([414]) (1130) .
([415]) (882) .
([416]) (1/440) .
([417]) مسلم (883) و أبو داود (1129) .
([418]) (2/54) ط. دار الفكر.
([419]) (3/437) .
([420]) برقم (1127) .
([421]) مجموع الفتاوى (24/202ـ203) .
([422]) (2/341) .
([423]) (11/378-379) .
([424]) (14/296و354) .
([425]) البخاري (5045) وأبو داود (1465) .
([426]) برقم (5046) .
([427]) (8/709) .
([428]) أحمد في المسند (6/302) ،وأبو داود (4001) ،والترمذي (2927) .
([429]) الإمام أحمد في المسند (6/300) ، وأبو داود (1466) والترمذي (2923) .
([430]) (8/208) .
([431]) (2/232) .
([432]) (2/61) .
([433]) (1/337) .
([434]) في إرواء الغليل (2/62) .
([435]) في صفة الصلاة (96) حاشية (4) .
([436]) (5/2) .
([437]) البخاري (1902) ومسلم (2308) .
([438]) (8/76) .
[439]) (11/331ـ333) .
([440]) [ الحج( 28)].
([441]) (3/429) ط.الرشد.
([442]) (969) .
([443]) (757) .
([444]) (5446) .
([445]) (13/21ـ22ـ23) .
([446]) البخاري (1698) ومسلم (1321) .
([447]) (5/82) .
([448]) ( 3 /638ـ639) .
([449]) (7/106) .
([450]) (7/506) .
([451]) (9/320-321) .
([452]) البخاري (2701) ومسلم (1786) .
([453]) برقم (4157) .
([454]) زاد المعاد (3/301) .
([455]) (2/396) .
([456]) (8/194) .
([457]) (صـ92ـ) .
([458]) برقم (1751) .
([459]) (3/683) .
([460]) (1/266) .
([461]) (2/419) .
([462]) البخاري (1217) مسلم (540) وأبو داود (926) وابن ماجه (1018).
([463]) (3/31) .
([464]) أحمد في المسند (2/10) ،وأبو داود (925) والترمذي (367) وابن خزيمة في صحيحه (888) .
([465]) الترمذي (368)، وأبو داود (927)، والبيهقي (3492) .
([466]) (2/84) .
([467]) رقم (185) .
([468]) أحمد (2/10) والبيهقي (4391) .
([469]) (2/205) .
([470]) برقم (3497) .
([471]) برقم ( 3498) .
([472]) (1/348) .
([473]) (1/189) .
([474]) (1/544ـ545).
([475]) أبو داود (944)والدارقطني (2/83)ومن طريقه البيهقي (3511).
([476]) (1/90) .
([477]) (1/581) .
([478]) (2/419) .
([479]) (1/90) .
([480]) (2/83ـ84) .
([481]) نصب الراية (1/91) .
([482]) (3/148) .
([483]) (13/315) .
([484]) (4/28) ط.إحياء التراث العربي.
([485]) (11/41) .
([486]) (2/427) .
([487]) أبو داود (5231) وأحمد (23104) والنسائي في الكبرى(10133) .
([488]) (11/41) .
([489]) الحاكم (4/175) . والنسائي في الكبرى (10134) والبزار (1904) والطبراني في الكبير (23/15 رقم 25 و 26).
([490]) (7/172) .
([491]) البخاري (3217) ومسلم (2447) .
([492]) (6/117) .
([493]) (ص308/309) .
([494]) البخاري في الأدب المفرد (1007) وأبو داود (5208) والترمذي (2706) وقال (هذا حديث حسن) وأحمد في المسند (2/230) و الحميدي في المسند (1162) وأبو يعلى (6567) والطحاوي في مشكل الآثار(1350) وابن حبان (494) و البغوي (3328) والبيهقي في شعب الإيمان(8846) .
([495]) في الأدب المفرد (1009) .
([496]) (1/357) .
([497]) (4/325) .
([498]) برقم (5186) .
([499]) برقم (4673) .
([500]) سورة النور (27-28).
([501]) (4/41) ط الرشد.
([502]) برقم (6245).
([503]) برقم (2153) .
([504]) برقم (182) .
([505]) قال الخطابي: (وتكرمته فراشه وسريره وما يمد لإكرامه من وطاء ونحوه). معالم السنن (1/145) . وقال النووي: ( قال العلماء: التكرمة: الفراش ونحوه مما يبسط لصاحب المنزل ويخص به، وهي بفتح التاء وكسر الراء) . شرح صحيح الإمام مسلم (3/189) .
([506]) مسلم (673) وأبو داود (582) والترمذي (235) وابن ماجه (980) .
([507]) (1/145).
([508]) (3/189) .
([509]) (1/423) .
([510]) (2/30) .
([511]) داخلة الإزار: هو الطرف الذي يلي الجسد.
([512]) البخاري (6320) ومسلم (2714) وأبو داود (5050) والترمذي (3401) وابن ماجه (3874) .
([513]) برقم (7393) .
([514]) (9/45) .
([515]) (13/392) .
([516]) (6312 و6314) .
([517]) (11/119) .
([518]) برقم (2367) .
([519]) (2688) .
([520]) برقم (10520) .
([521]) البخاري في الأدب المفرد (1215) والترمذي (3399) ومسند أحمد (18472) وابن حبان(5522) وصححه الألباني في الصحيحة برقم (2754) .
([522]) (6/القسم الأول/587-589) .
([523]) برقم (1154) .
([524]) تعار:انتبه من نومه.وقيل التقلب على الفراش ليلاً مع كلام.
([525]) (3/49) .
([526]) تنبيه:واليد هنا يشمل اليدين معاً اليمنى و اليسرى.
([527]) البخاري (183) ومسلم (763) وأبو داود (5043) وابن ماجه (1363) .
([528]) (3/311) .
([529]) البخاري (4569,6215) ومسلم (763) .
([530]) والحديث فيه قصة طويلة وإنما اكتفيت بمحل الشاهد طلباً للاختصار. والله أعلم.
([531]) البخاري (183) ومسلم (763/182) .
([532]) برقم (256) .
([533]) [آل عمران( 190)].
([534]) [آل عمران( 191)] .
([535]) (3/311) .
([536]) (4/5).
([537]) قال ابن القيم رحمه الله: (تلبينة:قد تقدم أنها ماء الشعير المطحون ) زاد المعاد[4/293]
وقد توسع الحافظ ابن حجر في فتح الباري[10/153] في تعريفها ونقل أقوال العلماء فيها فليراجعه هناك من شاء التوسع،حاصلها:حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل وقيل لبن وسميت تلبينة تشبيهاً لها باللبن في بياضها ورقتها.
([538]) البخاري (5417) ومسلم (2216) .
([539]) (5690) .
([540]) الترمذي (2039) وابن ماجه (3445) .
([541]) (3/218) .
([542]) (5680،5681) .
([543]) البخاري (5684) ومسلم (2217) .
([544]) (4/33-36) وص340.
([545]) برقم (3479).
([546]) برقم (2053).
([547]) وبرقم (2052).
([548]) (4/52).
([549]) البخاري (5697) ومسلم (2205).
([550]) البخاري (5691) ومسلم (1202).
([551]) البخاري (5696) ومسلم (1577).
([552]) المشهور عند الناس المدينة المنورة والصواب المدينة النبوية لأن النور كان في مكة أيضاً قبل أن يكون في المدينة قاله العلامة ابن عثيمين كما في الباب المفتوح العدد (2/21) .
([553]) البخاري (5769) ومسلم (2047) .
([554]) برقم (2048) .
([555]) السام:الموت.
([556]) البخاري (5688) ومسلم (2215) .
([557]) (4/298-300) وقاموس التداوي (ص165) .
([558]) قال ابن القيم في الزاد ج 4 ص297 : " الحبة السوداء هي الشونيز في لغة الفرس "
([559]) حمى الربع : التي تنوب كل رابع يوم .
([560]) جمع خال ، وهو شامة في البدن أي بثرة سوداء ينبت حولها الشعر غالبا ويغلب على شامة الخد .
([561]) الرتيلاء : أنواع من الهوام كالذباب والعنكبوت ،والجمع : رتيلاوات .
([562]) زاد المعاد لابن القيم الجوزية (4/297-300).
([563]) الكمأة تكون في الأرض من غير أن تزرع وسميت كمأة لاستتارها ومنه كمأ الشهادة إذا سترها والكمأة مخفية تحت الأرض لا ورق لها ولا ساق.....وتسميها العرب نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته) ا.هـ.بتصرف من الزاد (4/360) .
وقال ابن عثيمين في الشرح الممتع (7/253): (والكمأة والعاقل ونبات الأوبر أنواع داخلة تحت جنس واحد وهو الفقع) ا.هـ.وانظر: قاموس الغذاء والتداوي بالنبات (ص602)
([564]) البخاري (5708) ومسلم (2049) .
([565]) (2049) رقم خاص(159/160) .
([566]) الأعراف (160).
([567]) (4/365) ط. الرسالة.
([568]) وعرق النسا:عرق يخرج من الورك فيتبطن الفخذ.وقيل يمتد من الورك إلى الكعب.
([569]) أحمد (13295) وابن ماجه (3463) .
([570]) (4/206) .
([571]) برقم (1899) .
([572]) البخاري (5745ـ5746) ومسلم (2194) .
([573]) (7/438ـ439) .
([574]) (7/438) .
([575]) الفتح (10/219) .
([576]) البخاري (5782)كتاب الطب (باب: إذا وقع الذباب في الإناء) وابن ماجه برقم (3505) كتاب الطب (باب:يقع الذباب في الإناء) وأحمد في المسند برقم (9186) .
([577]) النسائي (4262) وابن ماجه (3504) وأحمد (18189) .
([578]) (4/112) .
([579]) البخاري (5409) ومسلم (2064) .
([580]) (7/275) ط.دار الحديث.
([581]) (ص459) .
([582]) في مسلم (2064/خاص188) .
([583]) (7/209) .
([584]) البخاري (5456) ومسلم (2031) وابن ماجه (3269) .
([585]) مسلم (2032) وأبو داود (3843) .
([586]) (9/491) .
([587]) (4/240) .
([588]) مسلم (2033) وابن ماجه (3270) .
([589]) (13/204) ط :دار الريان.
([590]) (3/161) .
([591]) (7/245) .
([592]) في (6/228) .
([593]) أبو داود (2345) وابن حبان (3475) والبيهقي في الكبرى(8209) .
([594]) برقم (562) .
([595]) (8/253) .
([596]) (6/265) .
([597]) (4/292) .
([598]) برقم (2042) .
([599]) الوطبة: الحيس يجمع التمر البرني و الأقط المدقوق والسمن.
([600]) البخاري برقم (5630) والإمام مسلم برقم (267) .
([601]) البخاري (5631) ومسلم (2028) .
([602]) (7/218) .
([603]) (10/95-96) .
([604]) (10/95) .
([605]) أي في حديث أبي قتادة.
([606]) أي في حديث أنس .
([607]) (4/230 - 232) .
([608]) (7/249 - 252) .
([609]) البخاري (5612ـ5619) ومسلم (2029) .
([610]) برقم (5613) .
([611]) (10/78) .
([612]) برقم (2009) .
[613] - الإفصاح(1/61) .
([614]) أحمد (1978/2569) والترمذي (3455) .وابن ماجه (3322) وأبو داود (3730) وأبو داود الطيالسي (2723) والنسائي في عمل اليوم والليلة(287) .
([615]) رقم (2320) .
([616]) برقم (209) .
([617]) فثري : بضم المثلثة وتشديد الراء ويجوز تخفيفها:أي بُلَّ بالماء لما لحقه من اليُبس.فتح الباري[1/374].
([618]) (1/374) .
([619]) برقم (211) .
([620]) برقم (358) .
([621]) (1/374) .
([622]) (3/211) .
([623]) مسلم (537) وأبو داود (930) وأحمد (5/447) .
([624]) (/191ـ192) .
([625]) (3/28) .
([626]) (ص436) .
([627]) (10/623ـ624) .
([628]) (13/341) .
[629] - برقم (6224) .
[630] - برقم(5033).
[631] - (ص434).
[632] - (3/244ـ 245).
[633] - (2/965) .
([634]) برقم (2738).
([635]) (3/245) .
([636]) برقم(934/715).
([637]) (ص346).
([638]) (ص374) .
([639]) ( 1/ 135).
([640]) النسائي في الكبرى ( 9829)، والبيهقي في الكبرى ( 6090)، وفي الدعوات الكبير (1/ 59-42). وابن السني في عمل اليوم والليلة ( ص 31) وابن حجر في نتائج الأفكار ( 1/ 247 ، 248). والطبراني في الأوسط برقم ( 1455) .
([641]) (9830 ، 9831).
([642]) ( 1/ 186 برقم 730 ).
([643]) ( 1/ 13 برقم 19 ).
([644]) وقد اختلفت أنظار العلماء في هذا الحديث ، فمنهم من ضعف الموقوف والمرفوع كالنووي في = =المجموع ( 1/ 254) . ومنهم من صحح الموقوف كالدار قطني والنسائي والحافظ . كما نقله الشوكاني في نيل الأوطار ( 1/ 190) . ومنهم من صحح المرفوع والموقوف كالحاكم والألباني .
([645]) ( مجلد 1/ 172).
([646]) مراد الحافظ ابن رجـب - رحمه الله تعالى - بـ [ العارف ] أي العارف بحـقـوق الله ﷻ ، لا ما يزعمه المتصوفة بلفظة العارفين من المعرفة الخاصة وهي من يصل إلى إزالة الحجاب بينه وبين ربه.. و التي تقابل المعرفة العامة عندهم .. ولعل مما يشفع لمن استعمل هذه اللفظة حـديث : (تعـرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ) .
وكان بعض العلماء يمنع من استعمال تلك المصطلحات خشية اللبس على من يسمعها أو يقرأها . بل كان بعضهم ينتقـد على من استعملها.
([647]) البخاري (3303) ومسلم (2729) وأبو داود (5102) .
([648]) أبو داود (5103) وأحمد (3/306) .
([649]) (6/406) .
([650]) الأحقاف ( 24).
([651]) مسلم (899/15) وأخرج آخره البخاري (3206) .
([652]) أبو داود (1516) وابن ماجه (3814) والترمذي (3434) .
([653]) (6/227) .
([654]) (ج2/96ـ 98برقم556) .
([655]) برقم (6307) .
([656]) برقم (2702) .
([657]) برقم (3818).
([658]) البخاري (6628) وأبو داود (3263) والترمذي (1540) والنسائي (3762) وابن ماجه (2092) . وعندهما: «لا ومصرف القلوب»
([659]) البخاري (6528) ومسلم (221) والترمذي (2547) وابن ماجه (4283) .
([660]) البخاري (6639) ومسلم (1654/خاص25) .
([661]) برقم (6632) .
([662]) يونس( 53).
([663]) سبأ( 3).
([664]) التغابن ( 7).
([665]) البخاري (6623) ومسلم (1649) وأبو داود (2376) وابن ماجه (2107) .
([666]) البخاري (3730) ومسلم (2426) .
([667]) البخاري (6788) ومسلم (1688) .
([668]) البخاري (6638) ومسلم (990) .
([669]) البخاري (3208) ومسلم (2643) .
([670]) مسلم (1650) والترمذي (1530) .
([671]) البخاري (6622) ومسلم (1652) وأبو داود (3277) والترمذي (1529) .
([672]) برقم (1651) .
([673]) البخاري (6624،6625) ومسلم (1655) والإمام أحمد في المسند (2/317) .
([674]) (6/137) .
([675]) البخاري (6623) ومسلم (1649) وأبو داود (3276) وابن ماجه (2107) .
([676]) (3/316) .
([677]) (1/360) .
([678]) الأذكار (ص476) . وانظر المنتقى من فتاوى الفوزان (2/172).
([679]) أحمد (5/45) وأبو داود (2774) والترمذي (1578) وابن ماجه (1394) .
([680]) أحمد (1664) والحاكم (1/550) وأبو يعلى (847) .
([681]) البخاري (4418) ومسلم (2769) .
([682]) (3/584) .
([683]) (7/731) .
([684]) أحمد (844) و (1245) والبغوي (772) .
([685]) (3/584) .
([686]) (14/320) .
· ولولا الإطالة لزينت المـســـــألـة ببعض الوارد في التهنئة بالمولود والعلم ونحوها ولكن أحيل القارئ الكريم إلى كتاب الحافظ السيوطي (وصول الأماني بأصول التهاني)مع إفادات محققه عليه ط.دار الأخيار للنشر والتوزيع. الرياض.
([687]) البخاري (4418) ومسلم (2769) .
([688]) (3/585) .
([689]) (7/731) .
([690]) أحمد (48,47,2) والترمذي برقم (406) والنسائي في الكبرى(10175) وابن ماجه (1395) و الحميدي في مسنده (4,1) وأبو داود (1521) وابن شاهين في الترغيب(175) وابن حبان(623) والطبراني في الأوسط(584) والبغوي (1015) .
([691]) (2/534-535) .
([692]) (1/171) .
([693]) (1/362) ط.الرشد.
([694]) (1/431) .
([695]) (1/11) .
([696]) (11/420) .
([697]) أحمد (6/450) والطبراني في الأوسط(5026) .
([698]) (7/القسم الثاني/1179) .
([699]) البخاري (4418) ومسلم (2769) .
([700]) (3/585ـ586) .
([701]) (7/731) .
([702]) التوبة ( 103).
([703]) برقم (1078) .
([704]) برقم (1497).
([705]) (4/198) .
([706]) (3/424) .
([707]) البخاري (285) ومسلم (371) .
([708]) البخاري (3471) ومسلم (2388) .
([709]) البخاري (4741) ومسلم (222) .
([710]) الأعراف ( 138).
([711]) برقم (2180) .
([712]) برقم (21900) .
([713]) برقم (11121) .
([714]) برقم (6218) .
([715]) (10/613ـ614) .
([716]) البخاري (2738) ومسلم (1627) .
([717]) البخاري (1295/2742) ومسلم (1628) .
([718]) (3/176) .
([719]) (6/438) .
([720]) البخاري (2305) وكرره في مواضع كثيرة منها في ( كتاب الاستقراض) برقم (2393) (باب: حسن القضاء) وأخرجه مسلم (1601) والترمذي (1317) والنسائي (7/291) وابن ماجه (2423) .
([721]) (5/70) .
([722]) قال النووي في شرحه:(وأما البكر من الإبل: فبفتح الباء وهو الصغير كالغلام من الآدميين) .
([723]) قال النووي في شرحه: (فإذا استكمل ست سنين ودخل في السابعة وألق رباعية بتخفيف الياء فهو رباع) .
([724]) مسلم (1600)، وأبو داود (3346)، والترمذي (1318)، والنسائي (4617) وابن ماجه (2285) .
([725]) الترمذي (2490)، وابن ماجه (3716)، والبغوي في شرح السنة(13/245) رقم (3680)، وابن حبان (2132).
([726]) برقم (5/ص 6635ـ637برقم2485) .
([727]) البخاري (5856) ومسلم (2097) وأبو داود (4139) والترمذي (1779) .
([728]) (4/189) .
([729]) البخاري (168) ومسلم (268) .
([730]) (2/163) .
([731]) أحمد في المسند (6/22) . وابو داود (4160) .
([732]) رقم (502) .
([733]) برقم (5058) .
([734]) برقم (2096) .
([735]) (14/73) .ط الريان .
([736]) جُنح الليل: ظلامه.
([737]) البخاري (3280) ومسلم (2012) وأبو داود (3733) والترمذي (1812) وابن ماجه (3410) .
([738]) (4/256) .
([739]) (11/391) .
([740]) (4/233) .
([741]) برقم (2014) .
([742]) (4/232) .
([743]) برقم (2013) .
([744]) ( فواشيكم) قال النووي:(قال أهل اللغة الفواشي كل منتشرٍ من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها وهي جمع فاشية لأنها تفشو أي تنتشر قي الأرض) .
([745]) (فحمة الليل) ظلمتها وسوادها وفسرها بعضهم هنا بإقباله وأول ظلامه) شرح مسلم (7/205).
([746]) (7/205) .
([747]) (8/253) .
([748]) برقم (898).
([749]) أي كشف كما في مختار الصحاح ص135.
([750]) أبو داود (5100) ، و أحمد (3/133و267) والنسائي في الكبرى. (1849) والبخاري في الأدب المفرد(571) .
([751]) (3/464) .
([752]) رقم (76).
([753]) (صـ53ـ) ط.البدر.
([754]) رقم (25).
([755]) (13/64) .
([756]) التوبة ( 108).
([757]) البخاري (1194) ومسلم (1399) وأبو داود (2040) والنسائي (698) .
([758]) قوله: راكباً وماشياً:أي راكباً أحياناً وماشياً أخرى .قاله السندي في حاشية النسائي (2/37) .
([759]) أي مسجد قباء .
([760]) (5/184) .
([761]) برقم (324) .
([762]) برقم (1411) .
([763]) برقم (699) .
([764]) برقم (1412) .
([765]) برقم (8/289) .
([766]) (3/84) .
([767]) (3/84) .
([768]) [ كتاب الفوائد ط 5 دار الكتاب العربي بيروت ص 169].