×
بحث مقدم إلى ندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية والتي عُقدت بالرياض في الفترة من 23، 25/صفر/1429هـ، ويبين الحتمية التاريخية والشرعية لمسألة الترجمة، وترجمة الحديث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والسلوك العملي لترجمة الحديث.

 ترجمة السنة النبوية : دراسة تأصيلية

(بحث مقدم لندوة ترجمة السنة والسيرة النبوية المقامة في مقر الجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها في الرياض في الفترة من 23-25/2/1429هـ)

إعداد:

الدكتور: لطفي بن محمد الزغير

أستاذ مساعد في الحديث وعلومه

جامعة الملك خالد – كلية المعلمين في بيشة


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.

وبعد:

فإن السنة النبوية هي الوحي المروي، الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد مكملاً للوحي المتلو وهو القرآن الكريم، فلا عجب إن وجدت السنة من العناية والاهتمام من علماء هذا الدين ما يجعلها تتبوأ مكانة هامة في وجدان وضمير كل منتسب لهذه الأمة المباركة، فقد بذل العلماء جهوداً مضنية في فهم هذه السنة وتفهيمها، وتنزيل كلمات النبي صلى الله عليه وسلم التنزيل اللائق والصحيح وعدم التعسف في توجيهها، واستنباط الأحكام منها، والقيام بهذا الأمر خير قيام.

        ومن جهودهم المباركة؛ تقريب السنة للعامة، وتفهيمها لمن لا يفهمها بتعليمها وتوضيحها وفك مشكلها، وتقريب غريبها، ومن ضمن ذلك بذل الجهد في إيصالها لكل من التحق بهذا الدين من عرب وعجم، وهذا ما أبرز الحاجة إلى نقل هذه السنة بغير لغة العرب إلى لغات الأقوام التي التحقت بهذا الدين، مما أحوج البحث والتنقيب عن حكم نقل هذه السنة إلى لغات أخرى وما هو الحد الجائز والمحظور في ذلك؟

ولهذا رأيت أن أكتب بحثي هذا لتجلية هذا الأمر وكشف النقاب عنه، سائلاً الله تعالى أن يسدد رأيي وأن يجنبني الخطأ والزلل في هذا الأمر.

وقد قسمت بحثي هذا إلى ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: الحتمية التاريخية والشرعية لمسألة الترجمة.

المطلب الثاني: ترجمة الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

المطلب الثالث: السلوك العملي لترجمة الحديث.

وهذا أوان الشروع بالمقصود.

 المطلب الأول: الحتمية الشرعية والتاريخية لترجمة السنة والسيرة

وأقصد بذلك المسوغات الشرعية والتاريخية التي جعلت من الترجمة أمراً حتمياً، وليس  جائزاً أو مباحاً فحسب، وذلك من خلال النظر إلى طبيعة الرسالة، ومهمة هذا الرسول ﷺ‬.

فرسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة، ومحمد ﷺ‬ آخر رسول أرسله الله تعالى إلى الناس، ولهذا كان من المناسب أن تكون هذه الرسالة عامة للخلق أجمعين، غير مختصة بقوم أو عرق كما هو شأن المرسلين السابقين، إذ كيف سيكون رسولاً خاتماً ( أي إلى آخر الدهر ) وتكون رسالته مختصة بقوم أو فئة ؟!

فإذا ما ألقينا نظرة على النصوص الشرعية من قرآن وسنة أدركنا هذا، وعرفنا أنَّ دين الإسلام دين عالمي غير محدود بقوم أو بقطر، فهو للناس أجمعين، قال تعالى:) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كافّةً للنّاسِ بَشيراً وَنَذِيرا( [سبأ: 38]، وقال: )وَما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمين(  [القلم: 52]، وقال تعالى: }لينذر من كان حياً{ [الأنعام: 92]. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة في هذا الصدد.

أما من السنة النبوية المطهرة فهناك دلائل جلية كقوله ﷺ‬: فيما  رواه البخاري ( 1 ) عن جَابِرُ بن عبد اللَّهِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أُعْطِيتُ خَمْسًالم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لي الْمَغَانِمُ ولم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس عَامَّةً)).

وروى مسلم ( 2 ) عن جابر أيضاً، قال: قال رسول اللَّهِ ﷺ‬: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي؛ كان كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى كل أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ولم تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صلى حَيْثُ كان، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بين يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ )).

وفي رواية أخرى عند مسلم ( 3 ) عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ‬ قال: (( فُضِّلْتُ على الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ؛ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إلى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ)).

وهذه النصوص تدل دلالة واضحة على أن هذا الدين دين عالمي، غير خاص بقوم أو ببيئة، فهو ليس لقريش أو للعرب فقط، وقد فهم النبي ﷺ‬ هذا فهماً سليماً هو وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، فنجد أنَّ النبي ﷺ‬ قد ترجم هذا من أول مراحل دعوته، فلم يقتصر على قريش وحدها في الدعوة وإن كان قد ابتدأ بهم، فنجده ﷺ‬ قد ذهب إلى الطائف ليدعو ثقيفاً، ثم إنه عرض نفسه على القبائل التي كانت تحج البيت مما أسفر عن بيعتي العقبة الصغرى والكبرى، ثم انتقاله ﷺ‬ إلى المدينة، ليبدأ مرحلة جديدة من دعوته ﷺ‬، رسخت هذه العالمية، ولعل أجلى صورها عندما بدأ النبي ﷺ‬ بمكاتبة ومخاطبة ملوك الأرض لدعوتهم إلى هذا الدين، كما سيأتي، ولم يكد ينتهي القرن الهجري الأول إلا والإسلام قد دخل كل قارات الدنيا المعروفة آنذاك.

وهذا الأمر من الوضوح بحيث إننا لا نحتاج للتدليل عليه، ولكن من باب استكمال الأدلة ليس إلا، وإلا فإن واقع هذه الدعوة الآن خير شاهد على ذلك، لدخول الدين إلى كل بلد من بلاد الأرض الآن.   

والمراد من هذا كله الاستشهاد بأنه ﷺ‬ أدرك هذا الأمر وبشَّر به، وهذا يقتضي أن هذا الدين سيدخله أناس من كافة الأجناس والأقطار،سواء أكان ذلك على زمنه ﷺ‬، أم ما سيأتي بعده من الأزمان، وهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف بدعوة هؤلاء الأقوام بما يُفهمهم، وأن يوصل إليهم رسالته، وهنا يبرز تساؤل: كيف بلَّغ النبي رسالته أو أسس لتبليغ رسالته في ظل هذا الفهم لطبيعة الدين ؟

وللإجابة على هذا التساؤل يعترضنا احتمالان:

الأول: أنَّ النبي ﷺ‬ سوف يُعبِّر بلغة هؤلاء جميعاً، أو يتكلم بهذه اللغات جميعها، كنوع من فهم قول الله تعالى: } وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه {[ إبراهيم: 4] فكل رسول عبَّر بلسان قومه ولغتهم التي يتكلمون بها، وبما أن محمداً ﷺ‬ مبعوث إلى الناس كافة، وأمة الدعوة بالنسبة له كل الناس بل والجن أيضاً، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ولغاتهم، فهذا يتطلب أن يكون النبي ﷺ‬ متكلم بلغات هؤلاء الأقوام جميعاً ليتناسب ذلك مع العالمية التي بُعث بها، وهذا ما يُفهم من صنيع البخاري( 4 ) في صحيحه حيث ترجم فقال: (( بَاب من تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وما أَرْسَلْنَا من رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ )). ثم ساق ثلاثة أحاديث ( 5 )في كل منها كلمة أعجمية، وهي المظللة بالأسود.

فقول البخاري رحمه الله تعالى: باب من تكلم بالفارسية والرطانة، ثم ذكره الآية } وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه {، ثم ذكره رحمه الله لثلاثة أحاديث تفيد بأن النبي ﷺ‬ تكلم بغير العربية، يستفاد منه أن البخاري كان يرى أن النبي ﷺ‬ كان يعرف هذه اللغات، ولهذا قال ابن حجر( 6 ): (( وقول الله عز وجل: واختلاف ألسنتكم وألوانكم، وقال: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه، كأنه أشار إلى أن النبي  صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق )) ، وهذا ما ذكره العيني أيضاً ( 7 ).

وإلى قريبٍ من هذا ذهب القاضي عياض ( 8 ) فقال: (( وأما علمه ﷺ‬ بلغات العرب، و حفظه معاني أشعارها، فأمر مشهور، قد نبهنا على بعضه أول الكتاب.

و كذلك حفظه لكثير من لغات الأمم، كقوله في الحديث: سنة، سنة و هي حسنة بالحبشية. و قوله: و يكثر الهرج و هو القتل بها. و قوله ﷺ‬ في حديث أبي هريرة: أشكنب درد أي وجع البطن بالفارسية. إلى غير ذلك ممالا يعلم بعض هذا و لا يقوم به و لا ببعضه إلا من مارس الدرس و العكوف على الكتب و مثافنة أهلها عمره )).

وكذا الحال عند عدد من المفسرين، قال الجمل ( 9 ) في تفسير قوله تعالى ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ): (( والأولى أن يُحمل القوم على من أرسل إليهم الرسول أياً كان، وهم بالنسبة لغير سيدنا محمد خصوص عشيرة رسولهم، وبالنسبة إليه كل من أرسل إليهم من سائر القبائل وأصناف الخلق، وهو صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب كل قوم بلغتهم، وإن لم يثبت أنه تكلم باللغة التركية، لأنه لم يتفق له أنه خاطب أحداً من أهلها، ولو خاطبه لكلَّمه بها )).

وقال أحمد الصاوي ( 10 ): (( إن الله علَّمه جميع اللغات، فكان يُخاطب كل قوم بلغتهم )). ونقل الميانجي الأحمدي ( 11 )عن زيني دحلان (في السيرة هامش الحلبية 3: 83) قريباً من هذا.

ولقد وجدت أن كتَّاب الشيعة يميلون إلى هذا الرأي، بل إنه يكاد يكون كالعقيدة لهم، وقد طوَّل الأحمدي في الاستشهاد لهذا الأمر، وخلص إلى أن النبي ﷺ‬كان يُخاطب كل قوم بلسانهم ؛ العرب بالعربية، والعجم بلغاتهم، فقال ( 12 ): (( كان رسول الله ﷺ‬ مبعوثا إلى الناس كافة، أبيضهم وأسودهم وأحمرهم وعربيهم وعجميهم، فعلمه الله لغاتهم وعرفه كلماتهم لإتمام الحجة - ولله الحجة البالغة - وقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)، فعلمه الله جميع اللغات، لأنه بعث إلى جميع الناس، قال تعالى:(وما أرسلناك إلا كافة للناس). ونُقل أنه لما حضر عنده بلال، وتكلم بلسان الحبشة(اره بره كنكرة كرى كرى منذره) فتحير الحاضرون، بينه هو ﷺ‬ )).

وعلى كل حال فهذا أحد الآراء في هذه المسألة، ولكنه رأي مرجوح، لأنَّ النبي ﷺ‬ لو ثبت أنه تكلم بعض المفردات كما في صحيح البخاري وغيره، فإنَّ هذا لا يعني إتقانه لهذه اللغة ومعرفته بها، بل حتى لو قلنا بإتقانه لهذه اللغة أو تلك فإننا لا نستطيع أن نزعم أن النبي ﷺ‬ قد خاطب أهل لغة بلغتهم خطاباً متواصلاً .

         الأمر الثاني: أنَّ النبي ﷺ‬ بلَّغ باللغة العربية فقط، وكان يعرف ويدرك أن كلامه سيترجم إن في حياته أو بعد وفاته.

        ويستدل لهذا الرأي بما نقلته عن ابن حجر في الاستدلال السابق حيث قال( 13 ): ((ويحتمل أن يقال لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق )).

        وقال أيضاً ( 14 ): (( ووجه الدلالة منه أن النبي ﷺ‬كتب إلى هرقل باللسان العربي، ولسان هرقل رومي، ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه، والمترجم المذكور هو الترجمان )).

        وقال البغوي( 15 )(( قوله تعالى:} وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم { بلغتهم ليفهموا عنه. فإن قيل: كيف هذا وقد بعث النبي ﷺ‬ إلى كافة الخلق؟ قيل: بعث من العرب بلسانهم، والناس تبع لهم، ثم بث الرسل إلى الأطراف يدعونهم إلى الله عز وجل ويترجمون لهم بألسنتهم)).

        وقال ابن بطال ( 16 ): (( وحجة من أجاز ترجمة الواحد فى ذلك ترجمة زيد بن ثابت وحده للنبي ﷺ‬ وترجمة أبى جمرة بين يدى ابن عباس، وأن عبد الله بن سلام ترجم عن التوراة في آية الرجم للنبي  - صلى الله عليه وسلم -  فجاز ذلك، وأيضًا فإن ترجمان هرقل ترجم عن قريش فجازت ترجمته )).

        قال القرطبي ( 17 ): قوله تعالى: (( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء وهو العزيز الحكيم قوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول) أي قبلك يا محمد (إلا بلسان قومه) أي بلغتهم، ليبينوا لهم أمر دينهم، ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة، فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير، ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة )).

        وقال الزمخشري ( 18 )أيضاً: (( فإن قلت: لم يُبعث رسول الله ﷺ‬ إلى العرب وحدهم وإنما بعث إلى الناس جميعا ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ) الأعراف: 158، بل إلى الثقلين، وهم على ألسنة مختلفة، فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة، وإن لم تكن لغيرهم حجة، فلو نزل بالعجمية لم تكن للعرب حجة أيضا.

قلت: لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل، فبقي أن ينزل بلسان واحد فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول ؟ لأنهم أقرب إليه، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه كما ترى الحال وتشاهدها، من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم )).

        والنقول في هذا المجال كثيرة ما بين كتب حديث تفسير وأصول ( 19 )، وكلها توضح أن الترجمة تنوب عن التبليغ لكل قوم بلسانهم، بل إنَّ هناك إجماعاً من العلماء على وجوب الترجمة لمن لا يعرف العربية حتى نقول إنه قد وصلته الحجة، وهذا ما سأتعرض له في مطلب قادم إن شاء الله تعالى.

وهذا يدل على جواز الترجمة لأحكام الدين ونصوصه غير المتعبد بألفاظها، وبذلك يتوضح كيف أن الحتمية التاريخية والشرعية أدت إلى القول بجواز الترجمة إن لم نقل بوجوبها، وهو الأظهر في هذا المقام حسب ما تقدم، ولسوف أُبين في المطلب الثاني نصوص العلماء في هذا المجال بما لا يترك مجالاً للشك في مشروعية ترجمة حديث رسول الله ﷺ‬ وما يتعلق به.

 المطلب الثاني: الدلائل والبينات على مشروعية الترجمة

لقد تبين لنا فيما سبق أن الترجمة أمرٌ حتمته طبيعة الدين العام الحاتم، والرسول ﷺ‬ قد بلغ بلغة قومه وهي اللغة العربية، فكان لزاماً أن تتم ترجمة أقواله وما صدر عنه إلى الأقوام الأخرى الذين دخلوا في هذا الدين وإلا لما جاز أن نقول قد قامت عليهم الحجة.

وفي هذا المحور سأستوفي الاستدلال لهذا الأمر من خلال ما ورد من نصوص شرعية كأقوال النبي ﷺ‬ أو أفعاله، التي تدل دلالة واضحة لا لبس فيها على مشروعية ترجمة السنة والسيرة النبوية، ومن ذلك:

أولاً: أمر النبي ﷺ‬ زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية، لأنه لا يأمن يهود على كتابه. فقد روى الترمذي( 20 ) عن زيد بن ثابت قال: أمرني رسول الله ﷺ‬ أن أتعلم له كتاب يهود، قال: إني والله ما آمن يهود على كتاب، قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم،  وإذا كتبوا إليه قرأته كتابهم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وفي هذا النص دلالة واضحة بينة على أنه كان ﷺ‬ يُملى على زيد ما يريده بالعربية، وزيد يترجم هذا وينقله إلى لغة اليهود، والتي هي العبرانية أو السريانية، وإلا ما من فائدة من قوله: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم .

وقد يقول قائل: لقد عُرف عن النبي ﷺ‬ أنه كان يُكاتب غير العرب باللغة العربية كما سيأتي في رسائله إلى الملوك، فكيف نوفق بين هذا المعلوم عنه، وبين أنه كان يأمر زيداً أن يكتب لليهود بلغتهم ؟

وهذا التساؤل تمت الإجابة عليه  من قبل الطحاوي فقال ( 21 ): (( فتأملنا هذا الحديث، فوجدنا ما كان يرد على رسول الله ﷺ‬ من كتب يهود بالسريانية إنما كان يقرؤه له اليهود الذين كانوا يحضرونه، وهم غير مأمونين على كتمان بعض ما فيه، وغير مأمونين على تحريف ما فيه إلى ما يريدون، وكان ما ينفذ من كتبه إلى اليهود جواباً لكتبهم له بالعربية، فتحتاج اليهود الواردة عليهم إلى من يحسن العربية ليقرأه عليهم، إذ كانوا لا يحسنون العربية، فلعله أن يحرف ما في كتبه إليهم إلى ما يريد  لا سيما إن كان من عبدة الأوثان الذين في قلوبهم على رسول الله ﷺ‬ ما لا خفاء به، وفي قلوبهم على أهل الكتاب ما فيها، فأمر رسول الله ﷺ‬ زيدا أن يتعلم له السريانية ليقرأ كتبهم إذا وردت عليه قراءة، فيأمن بها كتمان ما فيها،  ويأمن بها تحريف ما فيها، ويكون كتابه ﷺ‬ إذا ورد على اليهود ورد عليهم كتاب يقرؤه عامتهم، يأمن فيه من كتمان بعض ما فيه، ومن تحريف ما فيه إلى غير ما كتب به، فهذا وجه هذا الحديث عندنا )).

   إذاً فمخالفة النبي ﷺ‬ لما درج عليه من الكتابة إلى الآخرين باللغة العربية، وكتابته لليهود بلغتهم لأنَّ النبي ﷺ‬ لم يكن يأمن اليهود على كتابه، فلو كتب لهم بالعربية لحرَّفه بعضهم، ولذكروا أثناء ترجمته غير ما أراد النبي ﷺ‬ فيزيد فيه أو يُنقص، ولكن لما كتب لهم بلغتهم يكون إنما كتب لهم بلغة يفهمها عامتهم، ولا يكون للقاريء إلا ذكر ما كتب له ليس إلا، فيأمن من التحريف والزيادة والنقصان.

ووجه الاستدلال من هذا النص أن النبي ﷺ‬ كان يتكلم لزيد رضي الله عنه بما يريده باللغة العربية، وزيد يترجم كلام النبي ﷺ‬ إلى لغة اليهود ويكتبه بلغتهم، وهذا دليل قوي، بل من أقوى الأدلة على جواز الترجمة.

وقد ذكر الخزاعي ( 22 )هذا عندما ترجم لمن كان يترجم للنبي ﷺ‬ فقال: (( الفصل الثاني: في ذكر من كان يترجم للنبي صلى الله عليه وسلم 

1 -  ذكر من كان يترجم له باللسان: في " العمدة " للتلمساني: زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه كان يكتب للملوك ويجيب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وكان ترجمانه بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية، تعلم ذلك بالمدينة من أهل هذه الألسن )).

ثانياً: الاستدلال برسائله وكتبه ﷺ‬ إلى الملوك.

فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأسانيد الواضحة المليحة أن النبي ﷺ‬ وتطبيقاً لعالمية الرسالة قد كاتب ملوك الأرض في السنة السابعة للهجرة، يدعوهم إلى دين الإسلام، وهم آنذاك من أجناس شتى، ويتكلمون لغات مختلفة، خاطبهم باللسان العربي  وهو ﷺ‬ يدرك أنه ستتم ترجمة كتبه إلى لغاتهم، ومع ذلك لم يتحرز أو يتحرَّج من أن يكاتبهم باللغة الغربية، وهذا يعد بعد الدليل السابق من أقوى الأدلة وأظهرها على مشروعية الترجمة، بل لو أن مصنفاً من مصنفي الصحاح والسنن ترجم لباب بقوله: باب جواز ترجمة حديث رسول الله ﷺ‬ ونقله إلى غير العربية، لما أبعد.

أما عن كتبه إلى الملوك فمنها ما رواه البخاري ( 23 ) عن عَبْدَ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ:(( أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بن حَرْبٍ أخبره أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إليه في رَكْبٍ من قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بالشام في الْمُدَّةِ التي كان رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  مَادَّ فيها أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ في مَجْلِسِهِ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فقال أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بهذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فقال أبو سُفْيَانَ فقلت أنا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا فقال أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قال لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لهم إني سَائِلٌ هذا عن هذا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ من أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عنه ثُمَّ كان أَوَّلَ ما سَأَلَنِي عنه أَنْ قال كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قلت هو فِينَا ذُو نَسَبٍ قال فَهَلْ قال هذا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ قلت لَا قال فَهَلْ كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ قلت لَا قال فَأَشْرَافُ الناس يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ ؟ فقلت:بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قال: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ ؟ قلت: بَلْ يَزِيدُونَ، قال: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ منهم سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فيه ؟ قلت: لَا، قال: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَنْ يَقُولَ ما قال ؟ قلت: لَا، قال: فَهَلْ يَغْدِرُ ؟ قلت: لَا، وَنَحْنُ منه في مُدَّةٍ لَا نَدْرِي ما هو فَاعِلٌ فيها، قال: ولم تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فيها شيئا غَيْرُ هذه الْكَلِمَةِ، قال: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ ؟ قلت: نعم، قال: فَكَيْفَ كان قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ ؟ قلت: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ منه، قال: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قلت: يقول اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَاتْرُكُوا ما يقول آبَاؤُكُمْ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ فقال لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ له سَأَلْتُكَ عن نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ في نَسَبِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هل قال أَحَدٌ مِنْكُمْ هذا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فقلت لو كان أَحَدٌ قال هذا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ وَسَأَلْتُكَ هل كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا قلت فَلَوْ كان من آبَائِهِ من مَلِكٍ قلت رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أبيه وَسَأَلْتُكَ هل كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قبل أَنْ يَقُولَ ما قال فَذَكَرْتَ أَنْ لَا فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لم يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ على الناس وَيَكْذِبَ على اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ الناس اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حتى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فيه فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حين تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ وَسَأَلْتُكَ هل يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شيئا وَيَنْهَاكُمْ عن عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ فَإِنْ كان ما تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وقد كنت أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ لم أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إليه لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كنت عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عن قَدَمِهِ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  الذي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ إلى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ من مُحَمَّدٍ عبد اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ على من اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ الله أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فإن عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ قل يا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ألا نَعْبُدَ إلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شيئا ولا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ يا قال أبو سُفْيَانَ فلما قال ما قال وَفَرَغَ من قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فقلت لِأَصْحَابِي حين أُخْرِجْنَا لقد أَمِرَ أَمْرُ بن أبي كَبْشَةَ إنه يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فما زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حتى أَدْخَلَ الله عَلَيَّ الْإِسْلَامَ.....)).

وقد ذكرت هذا النص بطوله لأن فيه ذكراً لكتاب رسول الله ﷺ‬ بنصِّه، وفيه كذلك ما احتف بهذا الكتاب من أحداث وسؤال، ثم ما فيه من تصريح بقراءة هذا الكتاب من قبل ترجمان خاص لهرقل، وهو ما أردت الاستدلال به.

والأمر لا بد أنه كذلك لبقية الكتب التي أرسلها النبي ﷺ‬ إلى بقية الملوك والحكام، ككسرى ( 24 )، والنجاشي ( 25 )، والمقوقس ( 26 )، وغيرهم.

 وروى مسلم ( 27 ) عن عن أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  كَتَبَ إلى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كل جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إلى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الذي صلى عليه النبي  صلى الله عليه وسلم

وقد أجمل ذلك كله الطبراني ( 28 ) بسند فيه محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف ( 29 ) عَنِ الْمِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ قال: خَرَجَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَصْحَابِهِ فقال:(( إِنَّ اللَّهَ عز وجل بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلنَّاسِ كَافَّةً، فَأَدُّوا عَنِّي يَرْحَمْكُمُ اللَّهُ، وَلا تَخْتَلِفُوا كما اخْتَلَفَ الْحَوَارِيُّونَ على عِيسَى عليه السَّلامُ، فإنه دَعَاهُمْ إلى مِثْلِ ما أَدْعُوكُمْ إليه، فَأَمَّا من قَرُبَ مَكَانُهُ فأنه أَجَابَ وَأَسْلَمَ، وَأَمَّا من بَعُدَ مَكَانُهُ فَكَرِهَهُ فَشَكَا عِيسَى ابن مَرْيَمَ ذلك إلى اللَّهِ عز وجل، فَأَصْبَحُوا وَكُلُّ رَجُلٍ منهم يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ وُجِّهَ إِلَيْهِمْ، فقال لهم عِيسَى بن مَرْيَمَ عليه السَّلامُ: هذا أَمَرٌ قد عَزَمَ اللَّهُ لَكُمْ عليه فَامْضُوا فَافْعَلُوا، فقال أَصْحَابُ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم، نَحْنُ يا رَسُولَ اللَّهِ نُؤَدِّي عَنْكَ فابْعَثْنَا حَيْثُ شِئْتَ، فَبَعَثَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بن حُذَافَةَ إلى كِسْرَى، وَبَعَثَ سَلِيطَ بن عَمْرٍو إلى هَوْذَةَ بن عَلِيٍّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ، وَبَعَثَ الْعَلاءَ بن الْحَضْرَمِيِّ إلى الْمُنْذِرِ بن ساوي صَاحِبِ هَجَرَ، وَبَعَثَ عَمْرَو بن الْعَاصِ إلى جَيْفَرَ وَعَبَّادِ ابْنِي جَلَنْدَا مَلِكَيْ عُمَانَ، وَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ إلى قَيْصَرَ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بن وَهْبٍ الأَسَدِيَّ إلى الْمُنْذِرِ بن الْحَارِثِ بن أبي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ، وَبَعَثَ عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ إلى النَّجَاشِيِّ.

فَرَجَعُوا جميعا قبل وَفَاةِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم غير الْعَلاءِ بن الْحَضْرَمِيِّ فإن رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم تُوُفِّيَ وهو بِالْبَحْرَيْنِ.

ثالثاً: إقراره ﷺ‬ لما تُرجم في حياته من أحاديثه وسيرته.

إذ يترجح أنَّه قد تمت ترجمة بعض أحاديثه صلى الله عليه وسلم في حياته ﷺ‬، ولم يُنقل عنه ﷺ‬ إنكاراً، مما يدل على إقراره لما حدث.

والشاهد على هذا حديث جعفر بن أبي طالب ( 30 )، وهو الحديث الوحيد الذي يروى عنه، عند هجرته هو وبعض المسلمين إلى أرض الحبشة، وما وقع لهم مع النجاشي، حيث إن جعفر رضي الله عنه أخذ يسرد له محاسن الدين، وما يدعو إليه النبي ﷺ‬، ولا شك أن جعفر تكلم بلغته الأم – أي العربية -، والنجاشي كان يُترجم له ذلك، وإن لم يُذكر في الروايات ذكر الترجمة والترجمان، اللهم إلا ما ورد في مسند عبد بن حميد من أن النجاشي ابتدأ الحوار بقوله:

والمقصد أنَّ النبي ﷺ‬ قد بلغه ما حصل مع المسلمين في أرض الحبشة، وبلغه ما قاله جعفر وذكره، ولا شك أنه يعلم أن عادة العجم في بلدانهم أن يترجم لهم ما لا يعرفونه من اللغات، بل إنَّ غالبهم كان يطلب ترجماناً حتى ولو كان يعرف اللغة الأخرى أنة من أن يتكلم بغير لغته، ولهذا نظمت هذا الشاهد من قبيل إقراره صلى الله عليه وسلم لما ترجم في حياته.

 المطلب الثالث: السلوك العملي لمن جاء بعد النبي ﷺ‬ فيما يتعلق بالترجمة

ومن جاء بعده ﷺ‬ يحتمل أولاً الخلفاء وقواد الجيوش وكيفية تعاملهم مع هذه المسألة، ثم من جاء بعدهم من العلماء وكيفية تطبيقهم للترجمة عملياً، ومن جانب آخر كتاباتهم في التأصيل لمسألة الترجمة، لذا اشتمل هذا المطلب على ثلاثة أمور:

أولاً: سيرة خلفائه وقواده وتطبيقهم العملي للترجمة.

ثانياً: التأصيل العلمي لهذه المسألة في كتابات المحدثين وغيرهم من العلماء.

ثالثاً: السلوك العملي، وبيان بعض ما كتبه العلماء من كتب بغير العربية.

أولاً: سيرة خلفائه وصحابته من بعده ﷺ‬ وكيف تعاملوا مع هذه المسألة.

والمقصود بهذا العنوان ما سلكه خلفاؤه ﷺ‬ وقواد الجيوش وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين من اهتمامهم واتخاذهم للمترجمين، وحرصهم على التبليغ بما يفهمه الآخرون، اقتداءً بالنبي ﷺ‬، واتباعاً لما سلكه.

وبين يدي في هذا الصدد نصوص كثيرة، ولعل الناظر إلى كتب التواريخ والسير يجد الشيء الكثير من هذا، بل إن كتب المغازي والتواريخ قد حفلت بذكر ما كان عليه المسلمون عندما يتوجهون لفتح بلدة أو مدينة من مدن العجم من فرس ورومان وغيرهم، وما كان يحدث بينهم من محاورات ومساجلات، فيبين لهم قادة الفتوح مرادهم، وهذا المراد ما هو إلا تكرار لما كان يفعله النبي ﷺ‬ ويطلبه من بقية الأمم، وهذا كله كان يحتاج إلى مترجمين يبينون هذا، وهو عين ما كان يتم، ولولا الإطالة لاستوعبت ما ذكره المؤرخون ومؤلفو المغازي من هذا الأمر، ولكن أكتفي بذكر بعض النماذج القليلة التي أرى أنها تفي بالغرض والله أعلم.

فمن ذلك ما رواه أبو داود في القدر، واللالكائي ( 31 )وابن بطة ( 32 )، والفريابي في القدر( 33 ) واللفظ له، وغيرهم( 34 ) عن عبد الله بن حريث قال: خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية والجاثليق ماثل بين يديه، والترجمان يترجم، فقال: عمر من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فقال الجاثليق: إن الله تعالى لا يضل أحداً ! فقال عمر: ما تقول ؟ فقال الترجمان: لا شيء، ثم عاد في خطبته فلما بلغ من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له قال الجاثليق: إن الله تعالى لا يضل أحداً، فقال عمر ما تقول ؟ فأخبره، فقال: كذبت يا عدو الله، ولولا ولت عهد لك لضربت عنقك، بل الله خلقك والله أضلك ثم يميتك ثم يدخلك النار إن شاء الله ثم قال إن الله عز وجل لما خلق آدم عليه الصلاة السلام نثر ذريته فكتب أهل الجنة وما هم عاملون وأهل النار وما هم عاملون ثم قال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه

وقد كان الناس تذاكروا القدر فافترق الناس وما ينكره أحد.

ومن ذلك أيضاً ما رواه أبو داود ( 35 )عن هِلَالِ بن أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ سَلْمَى مَوْلًى من أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَجُلَ صِدْقٍ قال بَيْنَمَا أنا جَالِسٌ مع أبي هُرَيْرَةَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَارِسِيَّةٌ مَعَهَا بن لها فَادَّعَيَاهُ وقد طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فقالت يا أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَطَنَتْ له بِالْفَارِسِيَّةِ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي فقال أبو هُرَيْرَةَ: اسْتَهِمَا عليه، وَرَطَنَ لها بِذَلِكَ، فَجَاءَ زَوْجُهَا فقال: من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي ؟ فقال أبو هُرَيْرَةَ: اللهم إني لَا أَقُولُ هذا، إلا أَنِّي سمعت امْرَأَةً جَاءَتْ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  وأنا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فقالت: يا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وقد سَقَانِي من بِئْرِ أبي عِنَبَةَ وقد نَفَعَنِي، فقال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم: اسْتَهِمَا عليه، فقال زَوْجُهَا: من يُحَاقُّنِي في وَلَدِي فقال النبي  صلى الله عليه وسلم: هذا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ.

فكما يظهر من هذا الحديث أن المرأة لم تكن تعرف العربية لأنها رطنت بالفارسية، وأبو هريرة رضي الله عنه كان على معرفة باللغة الفارسية، فبين لها الحكم بالفارسية مترجماً أحاديث وردت عن النبي ﷺ‬ بذلك.

ومما يجري هذا المجرى أيضاً ما رواه البخاري ( 36 )ومسلم ( 37 )عن أبي جمرة قال: كنت أُتَرْجِمُ بين بن عَبَّاسٍ وَبَيْنَ الناس.

قال ابن بطال ( 38 ): وقول ابن عباس لأبى جمرة: أقم عندى حتى أجعل لك سهمًا من مالى، فإنما قال ذلك، لأن أبا جمرة كان يتكلم بالفارسية، فأراد أن يجعله ترجمانًا بينه وبين من لا يعرف بالعربية.

وقال ابن الصلاح ( 39 ): وقوله أترجم فيه أنه كان يتكلم بالفارسية فكان يترجم لابن عباس عن من يتكلم بها، وعندي أن معناه أنه كان يبلغ كلام ابن عباس إلى من خفي عليه من الناس ؛ إما لزحام منع من سماعه فأسمعهم، وإما لاختصار منع من فهمه فأفهمهم أو نحو ذلك، وإطلاقه ذكر الناس يشعر بهذا، ويبعد أن يكون المراد به الفرس خاصة، وليست الترجمة مخصوصة بتفسير لغة أخرى، وقد أطلقوا على قولهم باب كذا وكذا اسم الترجمة لكونه يعبر عن ما يذكر بعده والله أعلم.

وهذا الذي ذكره ابن الصلاح محتمل، لكن ما ذهب إليه ابن بطال أرجح، لأنه ذكر في ترجمة أبي جمرة هذا أنه كان يعرف اللغات ومنها الفارسية، ثم إن ما يمنع من ترجيح ما ذهب إليه ابن الصلاح من وجود بعض الروايات التي تفيد أن ابن عباس كان يُجلس أبا جمرة معه على السرير، كما روى ذلك أبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه على صحيح مسلم ( 40 ): (( عن أبي جمرة قال كنت مع ابن عباس على سريره أترجم بينه وبين الناس ))، فيسقط بذلك احتمال الزحام الذي ذهب إليه ابن الصلاح، وهذا ما وضحه وبينه ابن حجر فقال ( 41 ):  قال ابن الصلاح: أصل الترجمة التعبير عن لغة بلغة، وهو عندي هنا أعم من ذلك، وأنه كان يبلغ كلام بن عباس إلى من خفي عليه ويبلغه كلامهم، إما لزحام أو لقصور فهم، قلت: الثاني أظهر لأنه كان جالسا معه على سريره، فلا فرق في الزحام بينهما إلا أن يحمل على أن بن عباس كان في صدر السرير وكان أبو جمرة في طرفه الذي يلي من يترجم عنهم، وقيل إن أبا جمرة كان يعرف الفارسية فكان يترجم لابن عباس بها.

أما ما ورد من الترجمات في الفتوح فهي كثيرة، وأقتصر على ذكر أنموذجين أنتزعهما من كتب السنة، وأولهما ما رواه ابن حبان ( 42 )، وأبو يعلى ( 43 )واللفظ لابن حبان عن عمرو بن العاص قال: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم حتى نزلنا الإسكندرية، فقال عظيم من عظمائهم: أخرجوا إلي رجلا يكلمني وأكلمه، فقلت: لا يخرج إليه غيري، فخرجت ومعي ترجماني ومعه ترجمانه حتى وُضع لنا منبر، فقال: ما أنتم ؟ فقلت: إنا نحن العرب، ونحن أهل الشوك والقرظ، ونحن أهل بيت الله كنا أضيق الناس أرضاً، وأشدهم عيشاً، نأكل الميتة والدم، ويُغير بعضنا على بعض، بأشد عيش عاش به الناس، حتى خرج فينا رجل ليس بأعظمنا يومئذ شرفاً، ولا أكثرنا مالاً، وقال: أنا رسول الله إليكم، يأمرنا بما لا نعرف، وينهانا عما كنا عليه وكانت عليه آباؤنا، فكذبناه ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا فقالوا: نحن نصدقك، ونؤمن بك، ونتبعك، ونقاتل من قاتلك، فخرج إليهم وخرجنا إليه، فقاتلناه فقتلنا، وظهر علينا وغلبنا، وتناول من يليه من العرب فقاتلهم حتى ظهر عليهم، فلو يعلم من ورائي من العرب ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم حتى يشرككم فيما أنتم فيه من العيش، فضحك ثم قال: إن رسولكم قد صدق، قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاء به رسولكم، فكنا عليه حتى ظهرت فينا ملوك، فجعلوا يعملون بأهوائهم، ويتركون أمر الأنبياء، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه، ولم يشارككم أحد إلا ظهرتم عليه، فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا، وتركتم أمر نبيكم وعملتم مثل الذي عملوا بأهوائهم، فخلى بيننا وبينكم،لم تكونوا أكثر عدداً منا ولا أشد منا قوة.

قال عمرو بن العاص: فما كلمت رجلاً قط أمكر منه.

فهذا النص فيه بيان لترجمة بعض سيرة النبي ﷺ‬ التي سردها عمرو بن العاص رضي الله عنه،  وبعضهم بل أكثرهم كان يذكر ما يُخاطب به القوم من الإسلام أو الجزية أو القتال، وهذا يتطلب عرض لأحكام الإسلام إذ كيف سيدخل الناس في الدين وهم لا يعرفون هذا الدين ؟؟

وثانيهما ما رواه أبو نعيم الأصبهاني ( 44 ) عن أبي البختري أن جيشاً من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي فحاصروا قصراً من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم ؟ فقال: دعوني أدعوهم كما سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال لهم: إنما أنا رجل منكم فارسي، أترون العرب تطيعني ؟! فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه وأعطيتمونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.

قال: ورطن إليهم بالفارسية وأنتم غير محمودين وإن أبيتم نابذناكم على سواء فقالوا ما نحن بالذي نؤمن وما نحن بالذي نعطي الجزية ولكنا نقاتلكم، قالوا: يا أبا عبدالله ألا ننهد إليهم ؟ قال: لا فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: انهدوا إليهم فنهدوا إليهم، قال ففتحوا ذلك الخ.

ويمكن أن يُستشهد لهذا الفرع أيضاً ما كان من جواب جعفر بن أبي طالب للنجاشي عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة، وأخذ يبين له أساس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له عدداً من الأحكام والعقائد، ولا شك أن السرد كان بالعربية، والمترجم يترجم للنجاشي، وهذا حدث في زمن النبي ﷺ‬، ولا شك أن تفاصيل هذا اللقاء قد بلغت النبي ﷺ‬، فيكون منه إقرار بجواز نقل ما يتعلق بأقواله وأفعاله ﷺ‬ إلى لغات أخرى، ولو استشهدنا بهذه الحادثة في الفرع السابق لما أبعدنا، لأن الإقرار كاقول أو الفعل من حيث الدلالة.

إذاً يتبين من هذا السرد أن من جاء بعد النبي ﷺ‬ سار على نهجه في إجازة الترجمة وإباحتها ، بل وممارستها عملياً من باب تبليغ الدين، وتحقيق هدف الإسلام من نشر الدين في كافة أقطار الأرض.   

ثانياً: التأصيل العلمي لترجمة الحديث في كتابات المحدثين وغيرهم

لقد وجدت إشارات في كتب المحدثين عن الترجمة، وبيان جوازها، بل والتعامل مع المسألة كأنها حتمية وقياس غيرها عليها، ولعل أقدم من وجدته طرح هذه المسألة من المحدثين الخطيب البغدادي حيث قال في معرض مناقشته لمن يمنع رواية الحديث بالمعنى( 45 ): (( ثم يقال لهم: ما الفصل بينكم وبين من قال لما حصل الاتفاق على إباحة الترجمة في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأوامره ونواهيه، والاخبار عن جملة دينه وتفصيله، وجب كذلك جواز روايته على المعنى باللفظ العربي، الذي هو أقرب إلى لفظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاعجمي، فلا يجدون لذلك مدفعا  )).

وقال أيضاً ( 46 ): (( ويدل على ذلك أيضا اتفاق الأمة على أنَّ للعالم بمعنى خبر النبي  صلى الله عليه وسلم، وللسامع بقوله، أن ينقل معنى خبره بغير لفظه، وغير اللغة العربية، وأنَّ الواجب على رسله وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم، أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه، مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله، على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين، فإنه لا يجوز أن يكل ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان، لأنه لا يأمن الغلط وقصد التحريف على الترجمان، فيجب أن يرويه بنفسه )).

وقال ابن حجر ( 47 ): وأما الراوية بالمعنى ؛ فالخلاف فيها  شهير، والأكثر على الجواز أيضا، ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى ؛ فجوازه باللغة العربية أولى.

فهذه النصوص ومثلها كثير تبين أن علماء الحديث كانوا يرون وجوب الترجمة، وقعدوا لهذا في كتاباتهم، كما بينت ونقلت في الهامش، وهذا ليس بمستغرب عنهم، ولكن الأمر الملحوظ في كتاباتهم هذه أنهم قاسوا القول بجواز الترجمة ليخلصوا إلى القول بجواز الرواية بالمعنى، فأضحى الاستشهاد بالترجمة عندهم أصلاً يقاس عليه، مما يُشعر بعدم وجود القائلين  بمنعها والله أعلم .

وهناك نصوص مشابهة لغير المحدثين رأيت أن أنقل بعضها، وأُشير إلى بعضها الآخر، وكلها تتضافر لتؤكد ما ذهب إليه المحدثون، كالأصوليين، والمفسرين، ومن ذلك ما ذكره الآمدي ( 48 ) فقال: (( أن الإجماع منعقد على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم وإذا جاز الإبدال بغير العربية في تفهيم المعنى فالعربية أولى )).

وقال الغزالي ( 49 ): (( نقل الحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ودقائق الألفاظ، أما العالم بالفرق بين المحتمل وغير المحتمل، والظاهر والأظهر، والعام والأعم، فقد جوز له الشافعي ومالك وأبو حنيفة وجماهير الفقهاء أن ينقله على المعنى إذا فهمه، وقال فريق: لا يجوز له إلا إبدال بما يرادفه ويساويه في المعنى، كما يبدل القعود بالجلوس، والعلم بالمعرفة، والاستطاعة بالقدرة، والإبصار بالإحساس بالبصر، والحظر بالتحريم، وسائر ما لا يشك فيه، وعلى الجملة ؛ ما لا يتطرق إليه تفاوت بالاستنباط والفهم، وإنما ذلك فيما فهمه قطعاً، لا فيما فهمه بنوع استدلال يختلف فيه الناظرون.

 ويدل على جواز ذلك للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم، فإذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها، فلأن يجوز عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى. وكذلك كان سفراء رسول الله صلى الله عليه و سلم في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم،  وكذلك من سمع شهادة الرسول صلى الله عليه و سلم، فله أن يشهد على شهادته بلغة أخرى، وهذا لأنا نعلم أنه لا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الخلق ))

أما المفسرون فقد وُجد هذا التأصيل في كتاباتهم، قال القرطبي ( 50 ): (( واتفق العلماء على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم وذلك هو النقل بالمعنى )).

فهذه نقولات دالة على أن الترجمة أمر حتمي، بل على حد تعبير ابن الوزير ( 51 ) هو ضرورة، حيث قال: (( ولولا ضرورة الترجمة للعجم ما شك منصف أنَّ الأولى منع هذا سداً للذريعة )).

 وبهذا يتوضح اتفاق علماء الطوائف على هذه المسألة، ووجوب الترجمة، لأن بيان الشرع لا يكون إلا بترجمة نصوصه من اللغة العربية إلى لغات أخرى يحتاجها أهل تلك هذه اللغات، ولو أضفنا ما استشهدنا به في الفرع الثاني من المبحث الأول ههنا لكان الأمر سائغاً، بل هو من صميمه، ذلك أن استشهدنا في ذلك المكان لمن رأى أن الترجمة تنوب في التبليغ عن إتقان جميع اللغات، وهو الرأي الأصوب، والأقرب إلى طبيعة هذا الدين.

ثالثاً: السلوك العملي للترجمة وبيان بعض ما أنتجه العلماء في هذا الشأن.

وهذا الفرع هو ما أختتم به بحثي  من بيان ما أنتجه العلماء من كتب وجهود في نقل الأحاديث وسيرة النبي ﷺ‬ إلى لعات أخرى غير اللغة العربية، فينضم محتوى هذا المطلب إلى الأدلة السابقة في مشروعية الترجمة وضرورتها، لأن اتفاق أهل العلم على عمل ما يدل على مشروعيته وجوازه.

وأدرك في هذا الصدد أن الإحاطة بكل ما كُتب، أو بكل جهد في هذا الجانب أمرٌ محال، لأنه في البداية لم يُنقل إلينا كل ما كتب من مصنفات حديثية بغير اللغة العربية، ثم إن الإحاطة بكل ما ذُكر ونقل أمرٌ في غاية الصعوبة، ولست أدعي في هذا المطلب الكمال أو الاقتراب منه، بل حسبي بأني نقبت وبحثت، وما وجدته صالحاً للاستدلال ذكرته، وما تركته أكثر مما أثبتّته، وما أدى الغرض بذكر شاهد أو شاهدين لا أطلب له أكثر.

ولهذا فما في هذا المبحث هو مبلغ علمي أولاً، ولست أدعي فيه الإحاطة، ثم ما ترجح عندي جدوى ذكره، فهو اختيار ثانياً، وأرجو أن أكون وُفقت في هذا وما جانبت الصواب.

بقي أن أنوه إلى أنَّ ما سيذكر في البحوث الأخرى في هذه الندوة من جهود في ترجمة لغة ما لا شك أن سيكون فيها كثير من الإثراء، ويمكن أن تكون مما يستدل به في هذا المقام، وعند النظر في جهودهم رأيت أنها تتوزع بين التدريس والمناظرة، والتأليف بغير اللغة العربية، وبخاصة لدى المحدثين.

1 – التدريس بغير العربية وما يجري مجراه.

لا شك أن عدداً كبيراً من السلف الأوائل كانوا يدرسون بلغات الأقوام التي دخل إليها الإسلام وأهلها ليسوا من العرب، ولا ممن يُحسن العربية، وقد سبق وبينت أن العلماء أجمعوا على جواز نقل نصوص الدين إلى لغات هؤلاء، ونجد من النوع الأول أي التدريس أمثلة متنوعة منها ما رواه أبو نعيم( 52 )، وابن عساكر ( 53 )عن تميم بن عطية العنسي قال: كثيرا ما كنت أسمع مكحولا يُسأل، فيقول: نادانم، بالفارسية لا أدري.

        ومكحول كان رجلاً فارسياً كما ذكر أهل التواريخ ، ولعله كان يقول هذه الكلمة عندما يخاطب العجم، وهذا يقتضي أن يكون خاطبهم وشرح لهم وفهمهم بالفارسية كما يُفهم من النص.

        وروى ابن عساكر ( 54 )، وكذا هو عند الذهبي ( 55 )في ترجمة إبراهيم بن ديزيل، عن يحيى الكرابيسي أنه قال: صححنا كتبنا بإبراهيم، قال ومر يوماً حديث فقال يحيى: قد كنا سمعناه، فقال إبراهيم: سمعتموه بالفارسية، وتسمعونه اليوم بالعربية.

وقد وقفت على عدد من العلماء كانوا يدرسون بغير العربية، وبالذات باللغة الفارسية، نظراً لأنها لغة الجمع الأكبر الذين دخلوا في الدين، وقد اعتمدت على بعض الكتب في هذا الصدد، ولعل النظر في كتب أخرى يزيد عندنا في هذا الأمر.

قال الرافعي ( 56 ) في ترجمة الشيخ محمد بن بندار بن المعالي، أبو عبد الله الكلامي شيخ ورع بهي حسن السيرة قنوع موقر لقيته في صباي وكان يعرف الفقه والكلام ويدرس بالفارسية للعوام وصلح به أقوام وسمع صحيح البخاري أو بعضه.

وقال في ترجمة والده ( 57 ): وفوض إليه تدريس مدرسته...وكان ينتابه جماعة من صلحاء المحترفة وأهل السوق زرافاتا ووجدانا يتلفقون منه الفقه والكلام بالفارسية، رأيت منهم في صغري كهلاً من الصالحين يقال له: عثمان الحلاج يأتيه كل يوم وقت العصر... فكان يقال أنه سرد فقه المهذب بتمامه بالفارسية حفظاً.

وقال ( 58 )في ترجمة محمد بن علي بن أبي الحسين المتكلم كان يعرف شيئا من الفقه والكلام بالفارسية.

وقال أيضاً ( 59 )في ترجمة محمد بن فيروز بن عبد الله الزاهد القزويني شيخ متورع...وكان قد درس ما يحتاج إليه من الفقه بالفارسية على السيد أبي حرب الهمداني.

وقال أيضاً ( 60 ): في ترجمة أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد أبو الفضائل الكرجي: فقيه مناظر حسن السمت، كان مقبول القول عند الخواص والعوام، مرجوعاً إليه تفقه بقزوين ثم بأصبهان، وتفقه عليه جماعة وكان يزدحم عليه في المسجد الجامع بالليل جماعة من العوام يدرس لهم الفقه بالفارسية

وقال في ترجمة أبو الفوارس المغازلي ( 61 ): يعرف بالأستاذ شيخ متبرى به كان يعرف الكلام والفقه بالفارسية ويكتب ما سمعه على ضعف كتابته.

وقال في ترجمة آخر ( 62 ): وشرح هبة الله الشهاب لأبي عبد الله القضاعي شرحا بالفارسية يقع في مجلدات.

وقال في ترجمة ( 63 ): عمر بن بندار بن خرشيد البيع، أبو حفص الخازن، كان أميناً، سهل الأخلاق ملازماً لأهل العلم، كان يعرف الكلام والفقه ويناظر فيها بالفارسية وكتب بخطه اصولا من كتب الكلام والفقه.

ولا شك أن هناك شواهد أخرى على هذا الأمر لكن ما ذُكر يفي بالغرض.

2 – التأليف في مجال الحديث والسيرة بلغات غير العربية.

وهذا بحر لا شاطئ له، وقفت على أقل القليل منه، وما سأذكره إنما هو مأخوذ من مصدر أو مصدرين من كتب الرجال، والكتب التي فيها للمؤلفات، ككشف الظنون وأبجد العلوم، وهذا إجمال لما جمعته.

ذكر الذهبي في ترجمة طاهر بن محمد الشحامي، أنه صنف كتابا بالفارسية في الشرائع.( سير أعلام النبلاء 18/448، وانظر كذلك: المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور: 289).

وقال في ترجمة أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي: وأما التفسير والمعاني والإعراب فقد صنف فيه كتبا بالعربية وبالفارسية (سير أعلام النبلاء:20/83 )

وفي كشف الظنون ( 64 )لحاجي خليفة جملة وافرة من هذا القبيل ففي كشف الظنون ج1/ص17، أحسن الحديث، وهو شرح الأربعين بالتركية، للأمير الفاضل محمد بن محمد الشهير باوقجي زاده، من مشاهير كتاب الروم المتوفي سنة تسع وثلاثين وألف، جمع فيه ما وافق الوزن من المتون.

وفي 1/ 76، كتاب أسباب النزول للشيخ عبد الرحمن بن المعروف بمطرف الأندلسي المتوفى سنة اثنتين وأربعمائة وترجمته بالفارسية لأبي النصر سيف الدين احمد الاسبرتيكني .

وفي 1/104، أشرف التواريخ، للقاضي العلامة عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي المتوفى سنة ست وخمسين وسبعمائة، وهو مختصر من بدء الخلق وترجمته بالتركية لمصطفى بن أحمد المعروف بعالي الشاعر المتوفى سنة ثمان وألف.

وفي 1/126،ترجمة الإعلام بأعلام بلد الله الحرام، وهو من تواريخ مكة المكرمة إلى التركية، للمولى عبد الباقي الشاعر المتوفى سنة ثمان وألف.

        وفي ج1/ص340: ترجمة لكتاب( التبيان في آداب حملة القرآن )، للشيخ محمد بن محمد بن أبي سعيد الايجي بالفارسية سماها حديقة البيان.

        وفي 1/ 362، تحفة الإسلام تركي منظوم لمردمي بن علي من شعراء الروم مات في سنة 971 جمع فيه أربعين آية وأربعين حديثا وجعلها قطعة قطعة.

        وفي 1/ 374، التحفة المكية تركي مختصر في مائة حديث ومائة حكاية

وفي 1/397، ترجمة الأحكام في الفروع، فارسي لمحي الدين السنة حسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 ست عشرة وخمسمائة.

وفي 1/669، ترجمة بالفارسية لمختصر الحصن الحصين، للسيد أصيل الدين عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني الواعظ.

وفي 1/688، ترجمته ( الأذكار )، لبعض الأعاجم بالفارسية فرغ عنها سنة 776 ست وسبعين وسبعمائة.

وفي 1/878، الرسالة العلية في الأحاديث النبوية، فارسية  لحسين علي الكاشفي الواعظ البيهقي، المتوفي سنة عشر وتسعمائة جمع فيها أربعين حديثاً جامعاً لأكثر أصول العبادات .

وفي 2/1037، شرح الحديث الأربعين للجامى وهو الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي المتوفى سنة 898 ثمان وتسعين وثمانمائة شرحه كله بقطعة فارسية ثم ترجمها الفضولى كلها بقطعة أخرى تركية.

وفي 2/1059، شرح شمائل النبي صلى الله عليه وسلم لابن حجر الهيثمي نزيل مكة، فأطال ثم شرح هو شرحاً متوسطاً، وفرغ من تعليقه سنة 999 في آخر أيام التروية، وترجمه بالتركية: المولى أحمد بن خيرالدين الأيدينى المشهور بخواجه إسحاق أفندي المتوفى سنة 1120 عشرين ومائة والف، ونظمه بالتركي العالم الفاضل الأديب مصطفى بن الحسين الحلبي الأصل، المعروف بمظلوم زاده.

وفي2/ 1076، صحيفة الفصاحة لمحمود بن الفارابي، المتوفى سنة وهى مرتبة على الحروف ؛ في كل حرف منها ثلاثة فصول أوله في الحديث، وثانيه في الأمثال والحكم، وثالثه في البيات العربية مترجمة بالفارسية كتبه للسلطان محمود.

وفي 2/ 1119، طيب القلوب لمحمد بن محمد بن على الخزيمى جمع فيه أربعين حديثا وشرحه بالفارسية في سنة 500خمسمائة.

وفي2/1239، فتوح أعثم، وهو محمد بن على أبو محمد أحمد بن على المعروف بابن أعثم الكوفي، وترجمة بالفارسية لأحمد بن محمد المستوفى.

        وفي 2/ 1938، نزهة الأبرار ونخبة الأخبار في سيرة النبي المختار، فارسي.

        ومن هذا القبيل ما وجد في الحطة في ذكر الصحاح الستة، فقد قال المؤلف:

 167: تأكد العزم مني أن أشرحه ( صحيح البخاري ) أيضا شرحاً بالفارسية.

        وقال أيضاً: 196: وشرح البخاري للملا أحسن الصديقي الفنجابي المعروف بحافظ درار بالفارسية وسماه منح الباري.

        وفي: 206: وشرحه أيضا المولى ولي الله الفرخ آبادي وسماه المطر الثجاج على صحيح مسلم بن الحجاج وهو بالفارسية ولا يخلو عن فائدة زائدة وشرحه أيضا بالفارسية بعض العلماء من أولاد الشيخ عبد الحق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى.

        وبنظرة بسيطة إلى البحث الذي كتبه د. عبد الجبار الفريوائي بعنوان: الحركة السلفية ودورها في إحياء السنة، المنشور في  مجلة الجامعة الإسلامية، في المدينة المنورة، عدد 53، من ص 143 - 158، وما ذكره من عشرات بل مئات المؤلفات لكتب الحديث الشريف التي كتبها هؤلاء العلماء بغير اللغة العربية، ندرك أن هذا الأمر لا يمكن الإحاطة به، وهو يحتاج إلى جهود متخصصة للكشف عن جهود العلماء في ترجمة نصوص الشرع وبخاصة الحديث الشريف لهذه اللغة أو تلك.

ولم أتعرض لما كتبه الباحثون الفضلاء والعلماء الأجلاء من كتب وبحوث في ترجمة القرآن الكريم، وإن كانت تلك البحوث من صميم هذا الموضوع، لأنه إن ثبت جواز ترجمة معاني القرآن الكريم كما انتهى إليه هؤلاء الفضلاء، فجواز ترجمة نصوص الحديث من باب أولى، ولم أفعل ذلك لأني أردت أن يكون بحثي متعلق بالحديث فحسب، ثم لأن البحث محصور بعدد من الورقات، فلم أرد إثقاله بما كُتب في ترجمة القرآن الكريم.

وفي نهاية هذا البحث توصلت إلى ما يلي:

        1 - إن معرفة طبيعة هذا الدين العالمي والخاتم تحتم ترجمة نصوصه إلى لغات من سيدخله، وهذا ما كان قديماً، وحصل.

        2 - إن النبي ﷺ‬ قد أجاز هذا العمل وهو الترجمة، من خلال قوله، وفعله، وتقريره.

        3 - إن من جاء بعده من الخلفاء والصحابة رضوان الله عليهم،  سار على نفس الدرب، فترجموا وأجازوا الترجمة.

        4 – أصَّل العلماء وبخاصة المحدثون والأصوليون لهذه المسألة، وأبانوا ما الحكم فيها، فأنتج إجماعاً على جوازها، وبعضهم رأى أن الترجمة تتنزل منزلة الضرورة.

         5 – طبق العلماء هذا الجواز وتلكم الضرورة ترجمة عملية، فترجموا، واتخذوا من يترجم، ومن كان يتقن لغة درّس بها وصنف، حتى إننا لو أردنا أن نحصي ونجمع كتب السنة والسيرة التي كتبت بلغات غير العربية لكانت في سفر ضخم.

                وبهذا لا يتسرَّب إلينا ولو جزء ضئيل من الشك على عدم مشروعية أو جواز ترجمة الحديث والسنة، والله الموفق .

 الهوامش والمراجع



 ( 1 )  صحيح البخاري ج1/ص128، رقم: 328، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة -  بيروت، ط الثالثة 1407 هـ، 1987م.

( 2 )  صحيح مسلم ج1/ص370رقم: 521، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث – بيروت، دون تاريخ.

( 3 )  المصدر السابق: 1/371 ، رقم : 523.

( 4 ) الصحيح: 3/1117 –  1118،

( 5 ) أولها رقم: عن جَابِرَ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: قلت يا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لنا وَطَحَنْتُ صَاعًا من شَعِيرٍ فَتَعَالَ أنت وَنَفَرٌ، فَصَاحَ النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قد صَنَعَ سورا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ.

والثاني رقم: 2906 حدثنا حِبَّانُ بن مُوسَى أخبرنا عبد اللَّهِ عن خَالِدِ بن سَعِيدٍ عن أبيه عن أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بن سَعِيدٍ قالت أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  مع أبي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  سَنَهْ سَنَهْ قال عبد اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قالت فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أبي قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  دَعْهَا ثُمَّ قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  أَبْلِي واخلقي ثُمَّ أَبْلِي واخلقي ثُمَّ أَبْلِي واخلقي قال عبد اللَّهِ فَبَقِيَتْ حتى ذَكَرَ.

والثالث رقم: 2907 حدثنا محمد بن بَشَّارٍ حدثنا غُنْدَرٌ حدثنا شُعْبَةُ عن مُحَمَّدِ بن زِيَادٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ الْحَسَنَ بن عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً من تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا في فيه فقال النبي  صلى الله عليه وسلم  بِالْفَارِسِيَّةِ كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ.

( 6 ) فتح الباري 6/184، تحقيق: محب الدين الخطيب، وتعليقات الشيخ عبد العزيز بن باز،  دار المعرفة – بيروت.

( 7 ) عمدة القاري 15/4 ، دار إحياء التراث - بيروت.

( 8 ) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 1/ 358،دار الفكر – بيروت، 1409 هـ، 1988م.

( 9 ) انظر: سليمان بن عمر الشهير بالجمل - الفتوحات الآلهية بتوضيح تفسير الجلالين، المعروف بحاشية الجمل: 2/ 514، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

( 10 )  حاشية الصاوي على الجلالين: 2 / 235، دار إحياء الكتب العربية ( عيسى البابي الحلبي ) – القاهرة، دون تاريخ.

( 11 ) انظر: علي الميانجي  الأحمدي - مكاتيب الرسول: 1/ 79 – 80، دار الحديث، الطبعة الأولى، 1998م.

( 12 )  يُنظر المصدر السابق: 1 / 80 – 88، وهذا النقل خاصة في: 1: 83.

( 13 ) فتح الباري: 6 /  184، دار المعرفة – بيروت، تصحيح.

( 14 )  المصدر السابق:  13/ 516، ونقل عن ابن بطال في الفتح: 9/10 أنه قال: ((مناسبة الحديث للترجمة أن الوحي كله متلواً كان أو غير متلو إنما نزل بلسان العرب ولا يرد على هذا كونه  صلى الله عليه وسلم  بعث إلى الناس كافة عربا وعجما وغيرهم لأن اللسان الذي نزل عليه به الوحي عربي وهو يبلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم )).

( 15 ) معالم التنزيل: 4/ 335، حققه وخرج أحاديثه: محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرشي، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1417 هـ - 1997م.

( 16 )  شرح صحيح البخاري  9/270 ( تحقيق: ياسر بن إبراهيم، وإبراهيم صبيح، مكتبة الرشد – الرياض )

( 17 )  الجامع لأحكام القرآن: 9 / 340، مكتبة الرياض الحديثة، مصور عن الطبعة الثانية الصادرة عن دار الكتب المصرية – القاهرة.

( 18 ) الكشاف: 2/ 518، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الأولى 1995م، وانظر: الخازن – لباب التأويل: 4 / 32، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، طالثانية 1375 / 1955م.

( 19 ) قال العظيم أبادي في عون المعبود: 3/ 312، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الثانية 1995م: (( فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها، فإن كان السامعون أعجمياً يترجم بلسانهم، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم )).

( 20 )  الجامع الصحيح: 5/ 67، رقم 2715، وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده: 5/ 182-183، وانظر طبعة الأرنؤوط:35 / 463 رقم: 21587، وانظر أيضاً: 35 /490 رقم:   21618 وأبو داود في السنن:3645،والبخاري في التاريخ: 3 / 380 – 381، وابن سعد في الطبقات: 2: 358 – 359، والطحاوي في شرح مشكل الآثار: 2039، والطبراني في الكبير: 4856 و 4857، وابن حبان في الصحيح: 7136، والحاكم في المستدرك: 1: 75، 3: 422.

( 21 )  مشكل الآثار: حديث رقم 1720.

( 22 ) تخريج الدلالات السمعية له ﷺ‬ من الحرف والصنائع والعمالات: 218، تحقيق: إحسان عباس، الطبعة الأولى 1985م،  دار الغرب الإسلامي - بيروت.

( 23 ) صحيح البخاري: 1/ 7 – 10، ورواه مسلم في صحيحه: 3 / 1294، رقم: 1773.

( 24 ) انظر نص الكتاب في: ابن سعد – الطبقات: 1/ 260، دار صادر – بيروت.

( 25 ) انظر نص الكتاب: الحاكم – المستدرك: 2 / 678، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الأولى 1411هـ.

( 26 ) انظر نص الكتاب في: الزبير بن بكار – المنتخب من كتاب أزواج النبي ﷺ‬ ص 55 - 56، تحقيق: سكينة الشهابي، مؤسسة الرسالة –بيروت، ط الأولى 1403هـ ,

( 27 )  الصحيح: 3 / 1397 حديث رقم: 1774.

( 28 )  المعجم الكبير:20/ 8، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مكتبة الزهراء – الموصل، ط الثانية، 1404هـ، 1983م، وانظر هذه الرسائل كلها في الوثائق السياسية في العهد النبوي للدكتور حميد الله.

( 29 ) انظر الهيثمي: مجمع الزوائد: 5/306، دار الريان للتراث – القاهرة، 1407هـ.

( 30 ) انظر الحديث بطوله: أحمد – المسند: 1 / 202، وفي طبعة الرسالة تحقيق: شعيب الأرنؤوط: 3 / 262 – 269.

( 31 ) شرح أصول أهل السنة والجماعة: 4 / 659، تحقيق: د. أحمد سعد حمدان، دار طيبة – الرياض 1402هـ.

( 32 ) الإبانة الكبرى: 1/ 192- 193، تحقيق: د. عثمان عبد الله آدم الأثيوبي، دار الراية - الرياض، ط الثانية 1418هـ.

( 33 )  القدر: 66 -67، تحقيق: عمرو عبد المنعم سليم، دار ابن حزم – بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ.

( 34 ) انظر ابن أبي حاتم – التفسير: 5/ 1625 رقم 8595، تحقيق: أسعد محمد الطيب، المكتبة العصربة – صيدا، وابن وهب في القدر 113، تحقيق د. عبد العزيز عبد الرحمن العثيم، دار السلطان – مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1401هـ، ونسبه المزي في تهذيب الكمال لأبي داود، وكذا عزاه له المتقي الهندي في كنز العمال: 1 / 178، وأضاف في تخريجه أسماء أخرى، والآجري في الشريعة،  وابن عساكر في تاريخ دمشق: 27 / 316.

( 35 ) السنن: 2 / 283 رقم: 2277، وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: 4/108 رقم 7039،والبيهقي في السنن الكبرى: 8/103، مكتبة الباز – مكة المكرمة 1414هـ، 1994.

( 36 ) الجامع الصحيح: 1/ 45.

( 37 ) الجامع الصحيح: 1 / 47.

( 38 )  شرح صحيح البخاري: 1/ 119، وانظر: النووي – شرح صحيح مسلم: 1/ 186، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط الثانية 1393هـ.

( 39 ) صيانة صحيح مسلم: 153تحقيق: موفق عبد الله عبد القادر، دار الغرب الإسلامي – بيروت، ط الثانية 1408هـ .

( 40 ) المسند المستخرج على صحيح مسلم 1/111، تحقيق: محمد حسن محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الأولى 1417 هـ.

( 41 ) فتح الباري: 1/ 130.

( 42 ) صحيح ابن حبان: 14/ 522 رقم: 6564، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مكتبة الرسالة – بيروت، ط الثانية 1414هـ.

( 43 ) المسند: 13/337- 339 رقم: 7353، تحقيق: حسين أسد، دار المأمون – دمشق، ط الأولى 1404هـ، 1984م، وقال الهيثمي – مجمع الزوائد: 8/238، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن علقمة وهو ثقة.

( 44 ) حلية الأولياء: 1/189، دار الكتاب العربي – بيروت، ط الرابعة 1405 هـ.

( 45 )  الكفاية:ص 202، تحقيق: أبو عبد الله السورقي، وإبراهيم حمدي، المكتبة العلمية – المدينة المنورة

( 46 )  المصدر السابق: 201.

( 47 ) نزهة النظر: ص76، تحقيق: صلاح محمد عويضة، دار الكتب العلمية – بيروت. وانظر كذلك: السخاوي – فتح المغيث: 2 / 246 – 247، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الأولى 1403هـ. والسيوطي – تدريب الراوي: 2 / 101، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف مكتبة الرياض الحديثة – الرياض، والصنعاني – توضيح الأفكار: 2 / 392، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة السلفية – المدينة المنورة، والجزائري – توجيه النظر: 2 / 693، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، ط الأولى 1416هـ / 1995م، والقاسمي – قواعد التحديث: 224، دار الكتب العلمية – بيروت 1399هـ.

وكل هؤلاء العلماء ذكروا ما نقله ابن حجر والخطيب من إجماع العلماء على جواز الترجمة وشرح الشريعة للعجم بلسانهم.

( 48 ) الأحكام في أصول الأحكام: 2 / 116، تحقيق: سيد الجميلي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط الأولى 1404هـ.

( 49 ) المستصفى في علم الأصول: 1 / 133 – 134، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية – بيروت، ط الأولى 1413هـ. وانظر أيضاً: الرازي – المحصول: 4 / 669، تحقيق طه جابر فياض العلواني، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض، ط الأولى 1400هـ. والآمدي –، وابن قدامة – روضة الناظر: 125، تحقيق: د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود – الرياض، ط الثانية 1399هـ.

( 50 ) الجامع لأحكام القرآن: 1 / 412، وانظر: الزرقاني - مناهل العرفان 2/121، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط الثانية 1417هـ / 1996م.

( 51 )  إيثار الحق على الخلق: 135، دار الكتب العلمية – بيروت ط الثانية 1987م.

( 52 )  حلية الأولياء: 5/ 179، دار الكتاب العربي – بيروت، ط الرابعة 1405هـ.

( 53 ) تاريخ مدينة دمشق: 60 / 218، تحقيق: محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري، دار الفكر – بيروت 1995م.

( 54 )  المصدر السابق: 6 / 389.

( 55 ) سير أعلام النبلاء: 13 / 188 /، تحقيق مجموعة من الباحثين، وهذا الجزء تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ومحمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط الثانية 1412هـ، 1992 م.

( 56 )  التدوين في أخبار قزوين: 1/237، تحقيق: عزيز الله العطاري، دار الكتب العلمية – بيروت 1987م.       

( 57 ) المصدر السابق: 1/ 334.

( 58 ) المصدر السابق: 1/460.

( 59 ) المصدر السابق: 1/496.

( 60 ) المصدر السابق: 2/241.

( 61 ) المصدر السابق: 4/  26.

( 62 ) المصدر السابق:4/178.

( 63 )  المصدر السابق: 3/ 343.

( 64 ) لقد خالفت منهجي في حواشي هذا الكتاب نظراً لأن الإحالات كثيرة، ووضع، الحواشي بالطريقة المعتادة يطوِّل البحث وأنا أجهد في الاختصار منه، ولهذا كتبت الإحالة مع ذكر الكتاب.