المنار المنيف في الصحيح والضعيف
التصنيفات
الوصف المفصل
- المنار
المنيف في الصحيح والضعيف
- المقدمة
- اسم الكتاب:
- نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
- تاريخ تأليف الكتاب:
- التعريف بالكتاب:
- تحقيق الكتاب:
- فصل في ذِكر جوامع وضوابط كُلّية في هذا الباب
- فصل ومنها: أحاديث اتخاذ الدجاج.
- فصل ومنها: أحاديث التواريخ المستقبلة.
- فصل ومنها: الاكتحال يوم عاشوراء، والتزيّن، والتوسعة، والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل.
- فصل ومنها: ذِكر فضائل السور، وثواب من قرأ سورة كذا فله أجر كذا، من أول القرآن إلى آخره (1). كما يَذكر ذلك الثعلبي في أول كل سورة، والزمخشري في آخرها.
المنار المنيف في الصحيح والضعيف
آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (12) المَنَارُ المُنِيفُ في الصَّحيحِ والضَّعِيفِ تأليف الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق يحيى بن عبد الله الثُمَالِي إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
(المقدمة/1)
رَاجَعَ هَذَا الجُزْءَ أنيس بن أحمد بن طاهر الأندُونيسي يحيى بن عبد الله الشَّهري
(المقدمة/3)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
الحمد لله الذي أنزل السنة والقرآن، وحفظهما من الزيادة والنقصان، فقال وهو أصدق القائلين: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبراهين، الذي قال: "تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالكٌ". وقال: "من حدث عني بحديث يُرَى أنه كذبٌ فليتبوأ مقعده من النار". صلوات الله وسلامه عليه ما أظلم ليلٌ، وتجلّى نهار. ورضي الله عن أصحابه البررة الأطهار، الذين اصطفاهم الله لصحبة نبيه، وتبليغ كتابه وسنة نبيه لمن بعدهم، في سائر الأقطار والأمصار. ورحم الله التابعين، وأتباعهم، ومن سار على نهجهم، الذين بذلوا غاية الجهد في حفظ السنة، فكان منهم الجهابذة المؤلفون الجامعون لما بلغهم من الحديث والأثر، والحافظون للسنة والخبر، والناقدون المعدّلون والمجرحون للرواة والنقلة، الواضعون قواعد الرواية وشروط القبول والرد. وبعد: فإن الحديث المنسوب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذا آثار أصحابه، وأخبار التابعين، منها ما يصح، ومنها ما لا يصح، وكل ذلك قد حظيَ
(المقدمة/5)
بما لم يحظَ به أي علمٍ من العلوم؛ حفظًا وجمعًا ودراسةً وتعليلًا ونقدًا وشرحًا في مؤلفاتٍ قد يعجز العادُّ عن حصرها، حتى أصبحت السنة بحمد الله صافيةً من كل شائبةٍ، عاريةً عن كل دخيلٍ، مُمَيزًا بين المقبول منها والمردود. وإن من المصنفات التي خدمت الحديث النبوي: المؤلفات في الحديث الموضوع، وبيان واضعه، وسبب الوضع وبواعثه، وطرائق الكشف عن هذا الوضع، وهي كثيرة (1) ومن أبرزها "كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" (2) لأبي الفرج بن الجوزي، المتوفى سنة (597) عليه رحمة الله. ومن جاء بعد ابن الجوزي ممن كتب في الموضوعات، قد استفاد من كتابه هذا، وما أورده فيه غاية الإفادة، ومنهم العلامة ابن القيم رحمه الله، المتوفى سنة (751) مؤلف هذا الكتاب الذي بين أيدينا، فقد ذكر ابنَ الجوزي وكتابَه هذا في مواطن من كتابه كما في ص (56، 65، 67، 74، 85، 131) حتى إن من يتأمل كتاب ابن القيم هذا جيدًا يجد أنه قد اعتمد اعتمادًا كبيرًا على كتاب ابن الجوزي آنف الذكر، بل ربما عُدّ أحد مختصراته لكن مع تفننٍ في هذا الاختصار، غير مسبوق بمثله، وإنني أعدّ جواب ابن القيم عن السؤال الثاني في هذا الكتاب الذي تكلم فيه عن الحديث الموضوع وضوابطه وكلياته، أعده ضبطًا وتقعيدًا لكتاب ابن __________ (1) انظر عن التأليف في الموضوعات: مقدمة د. نور الدين شكري محقق كتاب الموضوعات لابن الجوزي (1/ 94 - 102). (2) انظر عن هذا الكتاب وما أُلِّف حوله: مقدمة المحقق السابق ذكره لكتاب ابن الجوزي (1/ 103 - 124).
(المقدمة/6)
الجوزي، كما سيتضح فيما بعد في "موضوع الكتاب، ومنهج مؤلفه في تأليفه". ولا أريد هنا أن أستبق الكلام عن كتابنا هذا "المنار المنيف"، فسأمهد إن شاء الله تبارك وتعالى بنُبذٍ مختصرة تُعرّف القارئ بهذا الكتاب، وقد جعلت هذا التمهيد في مباحث موجزة هي: - اسم الكتاب. - نسبة الكتاب لمؤلفه. - تاريخ تأليف الكتاب. - التعريف بالكتاب. - تحقيق الكتاب. أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجعل العمل فيه خالصًا لوجهه الكريم، وأن يرزقني التوفيق والسداد، وأن يغفر لي الخطأ والزلل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
(المقدمة/7)
اسم الكتاب:
المثبت على مخطوطة الكتاب: هذا "كتاب المنار" تصنيف مولانا شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية الحنبلي، تغمده الله برحمته، وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه. وذكره العلامة محمد السفاريني الحنبلي المتوفى سنة (1188 هـ) باسم "المنار المنيف" فقال: قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه "المنار المنيف": ومن العلامات التي يُعرف بها الأحاديث الموضوعة: مخالفة الحديث صريح القرآن، كحديث: مقدار الدنيا وأنها سبعة آلاف سنة ... الخ (1). وهذا النقل موجودٌ في هذا الكتاب في ص (75). وسماه السيوطي المتوفى سنة (911 هـ): "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" فقال: قال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه المسمى بـ "المنار المنيف في الصحيح والضعيف": من الأمور التي يُعرف بها كون الحديث موضوعًا: أن يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه؛ كحديث عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء. ثم أكمل السيوطي كلام ابن القيم في قريبٍ من صفحةٍ كاملةٍ (2). وهذا النقل موجودٌ في هذا الكتاب بنصه ص (71 - 72). __________ (1) شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد: (1/ 624). (2) الأوج في خبر عوج، المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي: (2/ 587).
(المقدمة/8)
وسماه بمثل ما سماه السيوطي: إسماعيل باشا البغدادي المتوفى سنة (1339 هـ) فقال بعد أن ترجم لابن القيم ترجمةً مختصرةً جدًّا: له من التصانيف: ... "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" (1). وكذلك سمّاه بهذا الاسم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" الشيخ أبو الفتح المفيد البخاري (2). فمن خلال هذه النقول يمكن القول بأن اسم هذا الكتاب: "المنار المنيف في الصحيح والضعيف". ومن ذكره ممن سبق ذكرهم باسم "المنار" أو "المنار المنيف" فذلك منهم -والله أعلم- على وجه الإشارة اختصارًا، وذلك -أعني تسمية الكتاب بجزء اسمه اختصارًا- جادةٌ مطروقةٌ عند العلماء؛ بل إنهم ربما سمّوا الكتاب بعنوانٍ يظهر لغير العارفين أنه تحريفٌ للعنوان، أو جهلٌ بحقيقته، كما يُطلق بعضهم على كتاب ابن القيم "إعلام الموقعين": "الإعلام"، وعلى كتابه الآخر: "زاد المعاد في هدي خير العباد": " الزاد" أو "الهدي" والأمثلة على هذا كثيرةٌ، والله أعلم (3). وتسمية الكتاب بهذا الاسم مناسبةٌ جدًّا لمضمونه، فهو أجوبةٌ عن أسئلةٍ حديثيةٍ، يناقشها تصحيحًا وتضعيفًا ووضعًا، ويضبط هذا الباب بضوابط يتميّز بها الموضوع من الحديث عن الثابت. __________ (1) هدية العارفين: (2/ 158 - 159). (2) في أواخر كتابه: "كنز الأخبار ومعادن الآثار والأنوار"، كما في مقدمة الشيخ أبو غدة رحمه الله، لنشرته لهذا الكتاب. (3) وانظر: "ابن القيم حياته آثار موارده" ص (302 - 305).
(المقدمة/9)
ومما يجدر التنبيه إليه أن لابن القيم رحمه الله كتابًا بعنوان "المسائل الطرابلسية" ذكره ابن رجب (1)، والداوودي (2)، وابن العماد (3)، والبغدادي (4)، وأشار ابن العماد والبغدادي إلى أنه في ثلاثة مجلداتٍ. ووجدت العجلوني وهو يتكلم على حديث: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء" يقول: وقال ابن الغرس (5): رأيت في الأجوبة على "الأسئلة الطرابلسية" لابن قيم الجوزية: أن كل حديث فيه يا حميراء، أو ذكر الحميراء فهو كذبٌ مختلقٌ، كحديث: "يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا"، وحديث: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء"، والحميراء: تصغير حمراء، وكانت عائشة بيضاء، والعرب تسمي الأبيض أحمر، ومنه حديث: "بُعثت إلى الأحمر والأسود". انتهى ملخصًا (6). وهذا النص إلى قوله: "خذوا شطر دينكم عن الحميراء" موجودٌ في هذا الكتاب، ص (50). __________ (1) ذيل طبقات الحنابلة: (2/ 449). (2) طبقات المفسرين: (2/ 93). (3) شذرات الذهب: (6/ 169). (4) هدية العارفين: (2/ 158)، وانظر: ابن القيم حياته آثاره: ص (297). (5) ابن الغرس، هو: غرس الدين الخليلي محمد بن أحمد الأنصاري، المتوفى سنة (1057 هـ) وكتابه: تسهيل السبيل إلى كشف الالتباس عما دار من الأحاديث بين الناس، نص في مقدمته أنه جمعه من أربعة كتب: اللآلئ للزركشي، والدرر للسيوطي، والمقاصد للسخاوي، والتمييز لابن الديبع. فهرس مخطوطات الظاهرية: ص (127). (6) كشف الخفاء: (1/ 375).
(المقدمة/10)
فالظاهر أن كتابنا هذا "المنار المنيف" ليس من ضمن "الأسئلة الطرابلسية"، وأن الأجوبة في ذلك الكتاب أوسع من أجوبة هذا الكتاب، يدلّ على ذلك أن ابن الغرس يذكر هذا الجواب كله، وبعضه ليس في كتابنا هذا، ويشير إلى أنه قد اختصر جواب ابن القيم، ولم يُورده كاملًا، والله أعلم.
نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
الكتاب لمؤلفه قطعًا، ودلائل هذا القطع جملةٌ من الأدلة، منها: أولًا: نُسب هذا الكتاب لابن القيم رحمه الله تبارك وتعالى في عنوان مخطوطة هذا الكتاب. ثانيًا: نقل من هذا الكتاب مع نسبته لابن القيم رحمه الله تعالى السيوطي في رسالته "الأوج في خبر عوج" نقلًا مطولًا كما تقدم، ومعلومٌ لدى أهل العلم جامعية السيوطي رحمه الله، وخبرته الواسعة بالكتب ومؤلفيها، وكذلك قرب زمنه من زمن ابن القيم رحمه الله. وكذا استفاد من هذا الكتاب مع عزوه لابن القيم: السفاريني في شرح الثلاثيات، كما تقدم في مبحث "اسم الكتاب". ثالثًا: ساق الملا علي القاري المتوفى سنة (1014 هـ) جواب ابن القيم على السؤال الثاني في كتابه "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" فقال: وقد سُئل ابن قيم الجوزية: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابطٍ من غير أن يُنظر في سنده، ثم ساق جواب هذا السؤال كاملًا ص (399 - 476)، وقد ناقش القاري ابنَ القيم في ثنايا هذا النقل في بعض ما يذكره، وهو مجتهدٌ في ذلك، وإن كان نقاشه لابن القيم لا
(المقدمة/11)
يخلو من أخذٍ وردٍّ، إلا أن القاري لم يبين اسم كتاب ابن القيم الذي نقل عنه، وذلك والله أعلم يعود إلى شهرة كتاب ابن القيم هذا، والمتخصصون في الحديث وعلمه يعرفون مظان هذا النقل غالبًا، والغرض أن القاري شهد بأن هذا الكتاب لابن القيم عليه رحمة الله. رابعًا: نسب هذا الكتاب للمؤلف رحمه الله تبارك وتعالى: البغدادي في "هدية العارفين" كما تقدم في اسم الكتاب. خامشا: نَفَس ابن القيم، وأسلوبه المعروف، وطريقته في النقاش، وتفننه في العرض، كل هذا ظاهرٌ في الكتاب، وبأدنى تأملٍ يَجزم مَن له إلمامٌ بكتب الإمام ابن القيم بأن هذا الكتاب من تصنيفه رحمه الله. فهذه أدلةٌ خمسةٌ هي في نظري كافيةٌ في نسبة هذا الكتاب لهذا الإمام، بل ونجزم بأنه من تصنيفه.
تاريخ تأليف الكتاب:
لم يصرح المؤلف بتاريخ تأليف هذا الكتاب، لكن في ثنايا الكتاب ما يمكن أن يكون دليلًا على تاريخ تأليف هذا الكتاب، فقد قال ابن القيم رحمه الله وهو يتكلم عن ضوابط معرفة الحديث الموضوع، قال: "ومنها: مخالفة الحديث صريح القرآن، كحديث "مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة". وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان صحيحًا لكان كل أحدٍ عالمًا أنه بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنةً". فظاهرٌ من هذا التاريخ الذي ذكره، وأنه لم يبق من الألف السابعة إلا
(المقدمة/12)
هذا العدد من السنين، فيكون تأليفه لهذا الكتاب سنة (749 هـ) أي قبيل وفاته بحوالي ثلاث سنوات، والله أعلم.
التعريف بالكتاب:
وفيه. 1 - أهميته: لمؤلفات ابن القيم عليه رحمة الله أهميةٌ بالغةٌ، فهي موطن الجمال والجلال، والجاذبية الغريبة، تألق نجمها على مدى قرون متطاولةٍ، يتجاذبها الناس بالدرس والفحص والقراءة والإقراء (1)، وهذه الأهمية قد اكتسبتها تلك المؤلفات لِمَا لمؤلفها من تفوّقٍ علمي يكاد أن يكون منقطع النظير بعد عصره، وبهذا التفوق شهد الموافق والمخالف، كما هو معلومٌ في ترجمته. ومن ذلك أن ابن رجب قال عنه: "كان الفضلاء يعظمونه، ويتتلمذون عليه" (2). وقال ابن حجر: "وكل تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف" (3). وكلام العلماء في الثناء عليه يصعب حصره. وإذا كان هذا هو شأن هذا الإمام وكتبه، فهذا الكتاب "المنار المنيف" تظهر أهميته من خلال موضوعه المتخصص في السنة، والذبّ __________ (1) انظر: "ابن القيم: حياته، آثاره، موارده" ص (71). (2) ذيل طبقات الحنابلة (2/ 450). (3) الدرر الكامنة (4/ 22).
(المقدمة/13)
عنها، وما ضمنه مؤلفه من فوائد ونفائس قد لا توجد في كتاب في موضوعه، وهو مع صغر حجمه إلا أنه معدودٌ عند العلماء المتخصصين في الحديث وعلومه من الكتب ذات الشأن في بابه. وسبب ذلك التميّز ما سيأتي بيانه في "موضوع الكتاب"، وأعظم ذلك أنه اجتهد رحمة الله عليه في محاولة ضبط الموضوع من الحديث بضوابط، يسهل فيها على طالب العلم والعالم على حدٍّ سواء حفظ هذا الضابط الذي يندرج تحته أحاديث لا تكاد تحفظ في باب الموضوع إلا للحُفَّاظ من أهل العلم بالحديث (1). ومن الأدلة على أهمية هذا الكتاب في بابه نجد العلامة علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملا علي القاري، المتوفى سنة (1014 هـ) -وهو ممن ألف في الموضوعات- ينقل جواب ابن القيم على السؤال الثاني: معرفة الحديث الموضوع بضابط من غير أن ينظر في سنده، ويختم بهذا النقل كتابه، وهو أطول الأجوبة الثلاثة في كتاب ابن القيم، وما ذاك إلا أن الملا علي القاري رأى أهمية كلام ابن القيم هذا؛ فأورده كاملًا في كتابه في (76) صحيفة (2)، رحمه الله تعالى. __________ (1) وجمع هذه الكليات والضوابط وحفظها مهمٌّ جدًّا في تسهيل العلم وضبطه، ومن أحسن ما كتب فيما يتعلق بضبط ما لا يصح من الحديث كتاب العلامة بكر أبو زيد: التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث، وسلفه في ذلك أئمة منهم العقيلي في الضعفاء، وأشهرهم ابن القيم من حيث قصد التأليف في هذا الباب. (2) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، المعروف بالموضوعات الكبرى: ص (399 - 475).
(المقدمة/14)
2 - موضوعه: موضوع هذا الكتاب وسبب تأليفه أسئلةٌ عُرضت على مؤلفه، فأجاب على هذه الأسئلة بأجوبةٍ طويلةٍ على عادة العلماء المتبحرين الجامعين، وقد كان منهم هذا الإمام، وسأشير إن شاء الله تعالى إلى شيءٍ مما يميّز تأليف هذا العالم الكبير في منهجه في تأليف هذا الكتاب. أما الأسئلة التي سئل عنها هذا الإمام فهي ثلاثة أسئلة: السؤال الأول: عن أربعة أحاديث: الأول: حديث: "صلاةٌ بسواك أفضل من سبعين صلاةً بغير سواك" وكيف يكون هذا التضعيف؟ الثاني: حديث جويرية: "لقد قلتُ بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتِ اليوم لوزنتهن". الثالث: حديث: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر، يقوم مقام الشهر". الرابع: حديث: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله ... ". فأجاب رحمه الله عن الحديث الأول من ص (3 - 16)، وأجاب عن الحديث الثاني من ص (17 - 20)، وأجاب عن الحديث الثالث من ص (21 - 22)، وأجاب عن الحديث الرابع من ص (23 - 25). السؤال الثاني: هل يمكن معرفة الحديث الموضوع بضابطٍ، من غير أن يُنظر في سنده؟ فأجاب عن هذا السؤال بجوابٍ مُجملٍ، وجواب مفصّلٍ، أورد في جوابه أمورًا كليةً يُعرف بها كون الحديث موضوعًا، وذكر أمثلةً من
(المقدمة/15)
الأحاديث الموضوعة لكل ضابطٍ. وهذه الضوابط هي: 1 - اشتمال الحديث على مجازفاتٍ لا يقول مثلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 2 - تكذيب الحسّ للحديث. 3 - سماجة الحديث، وكونه مما يُسخر منه. 4 - مناقضة الحديث لما جاءت به السنة مناقضةً بيّنةً. 5 - أن يُدّعى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل أمرًا ظاهرًا بمحضر من الصحابة كلهم، وأنهم اتفقوا على كتمانه، ولم يفعلوه. 6 - أن يكون الحديث باطلًا في نفسه. 7 - أن يكون الحديث لا يشبه كلام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. 8 - أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا. 9 - أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه. 10 - أحاديث العقل. 11 - الأحاديث التي ذُكر فيها حياة الخضر. 12 - أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه. 13 - مخالفة الحديث صريح القرآن. 14 - الحديث الذي يُروى في الصخرة.
(المقدمة/16)
15 - أحاديث صلوات الأيام والليالي. 16 - ركاكة ألفاظ الحديث، وسماجتها. 17 - أحاديث ذمّ الحبشة والسودان. 18 - أحاديث ذمّ الترك، والخصيان، والمماليك. 19 - ما يقترن بالحديث من القرائن التي يُعلم بها أنه باطلٌ. ثم ذكر المؤلف جوامع وضوابط في مسائل متفرقةٍ نبّه بها إلى وضع أحاديثها، بدأها بأحاديث الحَمَام، وختمها بحديث جابر رضي الله عنه، في التشهد، وفي أوله "بسم الله، التحيات لله ... "، وهي مسائل كثيرةٌ متنوعةٌ لا يضبطها بابٌ واحدٌ. وجواب هذا السؤال هو معظم هذا الكتاب، من ص (26 - 141). السؤال الثالث: حديث: "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم" وكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي، وخروجه، وما وجه الجمع بينهما، وهل في المهدي حديثٌ، أم لا؟. فأجاب عن هذا السؤال من ص (142 - 158) آخر الكتاب، في كلامٍ نفيسٍ. 3 - منهج مؤلفه فيه: إن من يُطالع ترجمة هذا الإمام يجد الإعجاب البالغ، والتطلّع الشديد من أهل العلم في سائر الأقطار لمؤلفات هذا الإمام، والاستئناس بأقواله، بل والاستشهاد بها، وما ذاك إلا لميزات وخصائص انفردت بها، وسمات بارزة تحلّتْ بها.
(المقدمة/17)
وهذه الخصائص ترسم لنا المنهج الأصيل الذي اختطه الإمام ابن القيم في سائر مؤلفاته، ولست بصدد عرض هذه الخصائص جملةً (1). ومن خلال تأمل هذا الكتاب الذي بين أيدينا يمكن لنا أن نبرز أهم الجوانب في منهج ابن القيم في هذا الكتاب على النحو الآتي: - اعتماد المؤلف رحمه الله فيما يكتب ويناقش على كتاب الله تبارك وتعالى، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، مبتعدًا عن الرأي المجرد الذي ليس له عاضدٌ سوى الذوق والهوى، ومستبعَد الأقيسة، وفاسد التأويل، فنجده يناقش السؤال الأول بطريقةٍ علميةٍ موضوعيةٍ، يستخرج أحاديث الباب، وينقل كلام أئمة الجرح والتعديل في الرجال، ويعزو الأقوال إلى أهلها، ويناقش الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، ويصل إلى نتيجةٍ يمليها عليه البحث والتأمل. وحينما تكلم عن آخر سؤال جمع مادة الباب، وناقشها بكل إنصاف، وذكر أقوال الطوائف في "المهدي"، وخلص في نهاية المطاف إلى تقسيمٍ بديعٍ فيما يتعلق بـ "مهدي" أهل السنة، والرافضة، واليهود، والنصارى، في كل ذلك معتمدًا كما تقدم على الحديث والأثر. - السعة والشمول، والاستطراد المناسب المفيد: مما يميّز كتابات هذا الإمام، وذلك ظاهرٌ في هذا الكتاب، فقد استوعب في أجوبته على هذه الأسئلة الثلاثة التي وُجهت إليه، حتى أصبح كل جوابٍ منها يُشكل بحثًا مستقلًّا، وفي ثنايا هذه الأجوبة يذكر فوائد علمية تعتبر في غير __________ (1) انظر: "ابن القيم الجوزية حياته، آثاره، موارده" للعلامة بكر أبو زيد، فقد عرض منهج ابن القيم في البحث والتأليف. ص (85 - 128).
(المقدمة/18)
مظانها عند الباحثين، لكن هذا شأن العالم الموسوعي الذي يخرج في جوابه من فنٍّ إلى آخر. ومن ذلك أن عرض للكلام عن تفاضل الأعمال، وأن العمل اليسير قد يكون أحب إلى الله، وإن كان العمل الكثير أكثر ثوابًا، في دقائق في هذا الباب في ثنايا الجواب عن السؤال الأول. وفي جوابه لآخر سؤال عن المهدي المنتظر، فصّل القول، واستطرد (1) في ذكر من ادعى أنه المهدي المنتظر، وفصّل القول في مهدي ومنتظر الرافضة، وكذا اليهود والنصارى، في جواب لم يكن داخلًا ضمن السؤال، ولهذا قالوا: رُبَّ جوابٍ يكون أفضل وأعظم من السؤال، ورُبَّ سؤالٍ أثار علمًا لم يكن الوصول إليه في الحسبان. - هذا الكتاب وإن عُدّ في كتب الموضوعات، إلا أنني أرى أن هذا العدّ يصحّ على سبيل التجوز، وإلا فإن المؤلف لم يُؤلف هذا الكتاب لسرد الحديث الموضوع فحسب، وإنما هو -كما يُلاحظ- أجوبةٌ عن ثلاثة أسئلة كما تقدم، لكن المؤلف لما تطرق للجواب عن الموضوع ومعرفته أراد أن يُؤسس ما هو أعظم من سرد الموضوع بحسب السؤال، فأورد في جوابه تلك القواعد والضوابط لمعرفة الموضوع، وكليات هذا الباب، فجوابه هذا يُعتبر تأصيلًا، ومقدمةً لكل من كتب في الموضوعات على سبيل السرد. __________ (1) وهذا الاستطراد في كتب ابن القيم عليه رحمة الله يجعلك قد لا تجد القول من أقواله في مظانه، ومعنى ذلك أنه لا بد من فهرسةٍ دقيقةٍ لأقواله وبحوثه رحمه الله، وقد سد الشيخ العلامة بكر أبو زيد الفراغ في هذا بكتابه: تقريب علوم ابن القيم، ولعل الفهرس الموسوعي القادم لمؤلفات هذا الإمام يقر عين الناظرين.
(المقدمة/19)
وهذا الجهد الرائع من هذا الإمام والمقام مقام جواب عن سؤال، فكيف لو أراد المؤلف أن يؤلف في هذا الباب على سبيل التقصي والتتبع والاستقراء لتلك الضوابط والكليات، أظنّ لو وقع ذلك لكان أتى بأعاجيب، رحمة الله عليه. تلك هي أبرز ما يميز هذا الكتاب، ويطلع القارئ على منهج مؤلفه رحمه الله، والله أعلم. 4 - موارده: لما كان هذا الكتاب حديثيًّا، فإن ابن القيم رحمه الله اعتمد في موارده لهذا الكتاب على المؤلفات في الحديث وعلومه، فنجده ينقل من كتب الحديث ويسميها بأسمائها، وهناك عدد من النقول أوردها عن بعض الأئمة كما سيتضح من خلال بيان هؤلاء العلماء ومؤلفاتهم، فنجده أورد: عن البخاري من "صحيحه" عددًا من النصوص، كما في ص (7، 29، 31، 64، 66، 79، 133، 128، 140). وعن الإمام مسلم من "صحيحه" خمسة نصوص، كما في ص (4، 5، 9، 57، 59). وعن أبي داود من "سننه" ثلاثة نصوص أيضًا، كما في ص (127، 128، 130). وعن الترمذي من "سننه" عددًا من النصوص، كما في ص (8، 22، 114، 127، 128).
(المقدمة/20)
وعن النسائي من "سننه" خمسة نصوص، كما في ص (8، 24، 26، 28، 125). وعن ابن ماجه من "سننه" عددًا من النصوص، كما في ص (23، 72، 77، 126، 129، 134). وعن الإمام أحمد من "مسنده" عددًا من النصوص، كما في ص (6، 7، 9، 72، 133، 139). وعن ابن خزيمة من "صحيحه" نصًّا واحدًا، كما في ص (4). وعن الدارمي نصًّا واحدًا، كما في ص (24). وعن الإمام مالك ثلاثة نصوص، كما في ص (30، 47، 121). وعن الدارقطني عددًا من النصوص، كما في ص (24، 26، 28، 30، 55، 110، 117). وعن ابن حبان من "المجروحين" و "الصحيح"، كما في ص (24، 26، 28، 30، 49، 55، 130). وعن البزار من "مسنده"، كما في ص (4). وعن بقي بن مخلد من "مسنده"، كما في ص (106). وعن الحارث بن أبي أسامة من "مسنده"، كما في ص (132). وعن الحمّاني من "مسنده"، كما في ص (131). وعن أبي يعلى الموصلي من "مسنده"، كما في ص (129). وعن الإمام الشافعي أربعة نصوص، كما في ص (101، 103،
(المقدمة/21)
121، 126) وعن البيهقي من "الخلافيات" و "السنن الكبرى" و "شعب الإيمان" ومناقب الشافعي"، كما في ص (4، 5، 121، 126). وعن الحاكم من "مستدركه"، كما في ص (4، 5، 72). وعن الطبراني نصًّا واحدًا، كما في ص (132). وعن العقيلي من "الضعفاء"، كما في ص (55، 108، 110، 118، 117، 115). وعن بن عدي من "الكامل"، كما في ص (23). وعن الخطيب البغدادي، كما في (54، 86، 117). وعن المحاملي من "الأمالي"، كما في ص (114). وعن البخاري من "التاريخ الكبير"، كما في ص (75). وعن أبي حاتم، وأبي زرعة، وابن أبي حاتم من "العلل"، كما في ص (23، 24، 28). وعن يحيى بن معين، كما في ص (28، 30، 121، 125، 130، 131). وعن أبي يعلى الخليلي من "الإرشاد"، كما في ص (100). وعن أبي نعيم من "كتاب المهدي"، كما في ص (130). وعن الثعلبي، والزمخشري من تفسيرهما، كما في ص (95).
(المقدمة/22)
وعن القاضي أبي يعلى، كما في ص (58، 86). وعن المزيّ، كما في ص (114). وعن شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في ص (57، 86).
تحقيق الكتاب:
طبعاته: طبع هذا الكتاب باسم "المنار" طبعته مطبعة السنة المحمدية، شارع شريف باشا الكبير، القاهرة، بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله تعالى، وليس على هذه الطبعة تاريخٌ، ولعلها من أوائل طبعات هذا الكتاب إن لم تكن أول طبعة له، والله أعلم. وطبع باسم "نقد المنقول، أو المنار في الصحيح والضعيف" طبعته مكتبة الشامي بالمنصورة في (5) رجب سنة (1383 هـ). وطبع باسم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" بتحقيق محمود مهدي استانبولي، وبعد أن فرغ من الكتاب ألحق به: كليات في أحاديث غير صحيحة، قال إنه نقلها من سفر السعادة للفيروز أبادي، ومن مصادر أخرى ومن بحوثه الخاصة. وطبع باسم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" في مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب سنة (1395 هـ)، بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله. وطبع أخيرًا بنفس العنوان السابق بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي عليه رحمة الله، عن دار العاصمة (1419 هـ).
(المقدمة/23)
وأحسن هذه الطبعات آخرها، إلا أنها غير مخدومة بما ينبغي أن يخدم به الكتاب عند تحقيقه من حيث المقابلة، والتخريج، والتعليق على ما ينبغي التعليق عليه، وغير ذلك مما يستدعيه التحقيق العلمي. والطبعة التي قام على تحقيقها الشيخ أبو غدة رحمه الله جيّدة في الجملة، وإن كان عليها بعض المؤاخذات فيما يتعلق بترك التعليق والتخريج في أحايين كثيرة، والزيادات التي استحسنها وزادها مما ليس في المخطوط، وغير ذلك من الملاحظات التي تظهر عند التأمل ومقابلة الكتاب بالمخطوط. أما بقية الطبعات فلا أرى أنها خدمت الكتاب من حيث التحقيق والتعليق، فالأخطاء الطباعية لا حصر لها، وفهارسها غير كاشفة عن كل ما في الكتاب مما يحتاج إليه، وغير ذلك مما يعيب الكتاب، وذلك يظهر عند أدنى تأمل. وهذه المؤاخذات على هذه الطبعات هي التي استدعت إخراج هذا الكتاب في صورةٍ لعلها تكون الأقرب إلى الصواب تحقيقًا وتعليقًا ودراسةً وتخريجًا، وفهرسة دقيقة، والله الموفق. مخطوطة الكتاب: لم نقف لهذا الكتاب إلا على مخطوطةٍ واحدةٍ، تقع في (42) لوحةٍ بلوحة العنوان، في كل لوحةٍ صفحتان. لم يكتب على لوحة العنوان سوى عنوان الكتاب: "هذا كتاب المنار تصنيف مولانا شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية الحنبلي، تغمده الله برحمته، وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه".
(المقدمة/24)
في كل صفحةٍ من صفحات الكتاب (19) سطرًا، تتراوح كلمات السطر الواحد ما بين (9) إلى (10) كلمات. خطها واضحٌ جيّدٌ مقروءٌ، مقابلةٌ، وعليها تخريجات مصححةٌ، وليست بالكثيرة، لم يُكتب عليها اسم ناسخٍ، ولا تاريخ نسخٍ، كُتب في آخرها: "بلغ مقابلة على أصلٍ أظنه بخط السيد نور الدين علي السمهودي". عملي في الكتاب: لقد بذلت ما أمكن من جهدٍ في إخراج هذا الكتاب، محاولًا الاختصار، والبعد عن إثقال حواشي الكتاب بما نفعه قليلٌ، أو ما يمكن الاستغناء عنه، وقد اتبعت في التحقيق والتعليق ما يلي: - نسخت المخطوط، ثم قابلت المنسوخ بالمخطوط لأتأكد من مطابقة المنسوخ للمخطوط. - صوبت ما أراه هو الصواب مما وقع في المخطوط من أخطاء -هي من النساخ قطعًا- واعتمدت في هذا التصويب على مصادر النقول التي أوردها الإمام ابن القيم، مستفيدين من نسخة العلامة المعلمي رحمه الله، فهي أضبط ما وصلنا، والعلامة المعلمي رحمه الله معروفٌ بالتحقيق العلمي الدقيق الذي لا يخفى على المختصين في الحديث وعلومه. - خرجت الأحاديث، والآثار، والنصوص التي أوردها العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى، مراعيًا في التخريج الاختصار ما أمكن إلا عند الحاجة، وذلك لأمور، منها: 1 - إن تطويل الكتاب بالحواشي والتعليقات التي قد يمكن
(المقدمة/25)
الاستغناء عنها مما يعيب الكتاب ويخرجه عن قصد مؤلفه الأصلي كما هو الحال في كتابنا هذا الذي هو أجوبة عن أسئلة مما يجعل الكتاب مشوهًا، قد حيل بينه وبين القراء بسبب هذا التطويل غير المفيد كما نشاهده في كثير من الرسائل والمختصرات. 2 - المؤلف رحمه الله تعالى تكلم على معظم أحاديث هذا الكتاب بما يفيد القبول أو الردّ، بما يغني في كثير من الأحايين عن الإطالة في التخريج والتعليق. 3 - ما كان من أحاديث هذا الكتاب قد حكم الحفاظ المعتدلون بوضعه، فلا أرى فائدةً في الاشتغال وتضييع الجهد والوقت ببيان وضعه، ومن وضعه، وكذا تجميع طرقه، وتسويد الكتاب بالمصادر المتعددة التي أخرجت هذا الحديث، أو أوردته، مع سهولة هذا التسويد في عصر الحاسبات والموسوعات الألفية التي تسلق بواسطتها المتعالمون على فن التخريج ودراسة الأسانيد، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، ولو شئت لفعلت عياذًا بالله من سوء القصد والنية. - حاولت أن أقتصر في الغالب على الحكم على الأحاديث على أحكام علمائنا الحفاظ الأوائل، فكلامهم أراه مغنيًا فيما يتعلق بأحاديث هذا الكتاب، ولم أتدخل في الحكم إلا إذا رأيت مصلحةً ظاهرةً. - اقتصرت في العزو لمصادر الموضوعات على الكتب المشهورة في الموضوعات، والتي هي أهم مصادر الموضوعات والكلام عليها، وإلا فالكتب المؤلفة في الموضوعات متعددةٌ، والعزو إلى كل المطبوع منها فيه إطالةٌ مُملّةٌ.
(المقدمة/26)
- استفدت كثيرًا فيما يتعلق بالتخريج والوقوف على مصادر أحاديث ابن القيم من كتاب ابن الجوزي "الموضوعات" بتحقيقه الجيد للدكتور نور الدين شكري، فقد قرّب محققه جزاه الله خيرًا مصادر أحاديث كتاب ابن الجوزي، وكما قدمت أن معظم أحاديث كتاب ابن القيم هي من كتاب ابن الجوزي هذا، وهذه الاستفادة أصبحت متاحة بهذا التحقيق، وإن كان تتبع الحديث وتخريجه من مصادره بالنسبة لكتاب ابن القيم هذا ليست في غاية الصعوبة في حالة عدم توفر مصدر تُقرّب به المعلومة، خاصّةً كما أسلفت مع وجود وسائل التخريج الميسرة في هذا العصر. - أوردت نماذج للمخطوط الوحيد؛ ليطمئن المطلع على هذا الكتاب على هذا التحقيق، وصحة العزو إلى مخطوطه. - عملت للكتاب فهارس تفصيليةً متنوعةً، تقرب مادة الكتاب، وتكشف عن خباياه، وتجلي ما أودعه فيه مؤلفه رحمه الله من بحوثٍ استطراديةٍ في غير مظانّها. أسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد، والإخلاص في القول والعمل، وأن يتجاوز عن التقصير والزلل، إنه جوادٌ كريمٌ. وأختم بقولي: شكر الله لامرئ اطلع في هذا العمل المتواضع على عيبٍ فأصلحه، أو خطأٍ فأرشد إليه، أو نصحٍ أسداه، أو دعوةٍ في ظهر الغيب دعا بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(المقدمة/27)
نماذج من المخطوطة
(المقدمة/29)
صفحة العنوان من نسخة الكتاب الوحيدة
(المقدمة/30)
الورقة الأولى من نسخة الكتاب
(المقدمة/31)
الورقة قبل الأخيرة من نسخة الكتاب
(المقدمة/32)
الورقة الأخيرة من نسخة الكتاب
(المقدمة/33)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الحنبلي، المعروف بابن القيم، تغمده الله تعالى برحمته: فصل سُئلتُ عن حديث: "صَلاةٌ بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سِواك" (1). وكيف يكون هذا التّضعيف؟ وكذلك قوله في حديث جُويرية: "لقد قلتُ بعدك أربعَ كلمات، لو وُزنت بما قُلتِ اليوم لوَزنتهنّ" (2). و"صِيام ثلاثة أيام من كلّ شَهرٍ، يقوم مَقام صيام الشهر" (3). وحديث: "مَن دَخل السُّوق فقال: لا إله إلا الله ... " (4). فهذا السؤال اشتمل على أربع مسائل: المسألة الأولى: تَفضيل الصّلاة بالسّواك على سبعين صَلاة بغيره. فهذا الحديث قد رُوي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حديث لم يُروَ في "الصحيحين" ولا في "الكتب الستة" ولكن رواه: __________ (1) سيأتي تخريج المؤلف له (ص 4). (2) سيأتي تخريجه (ص 17). (3) سيأتي تخريجه (ص 21). (4) سيأتي تخريجه (ص 23).
(1/3)
الإمام أحمد، وابن خُزيمة، والحاكم في "صحيحيهما"، والبزار في "مُسنده" (1). وقال البيهَقي: إسناده غير قوي (2). وذلك أن مَداره على محمد بن إسحاق، عن الزُّهري، ولم يُصرّح بسماعه منه، بل قال: ذَكر الزُّهري، عن عُروة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سَبعين ضِعفًا". هكذا رواه الإمام أحمد، وابن خُزيمة في "صحيحه"، إلا أنه قال: إن صَحّ الخبر. قال: وإنما استثنيتُ صِحّة هذا الخبر لأني خائفٌ أن يكون محمد بن إسحاق لم يَسمع الحديث من الزُّهري، وإنما دَلّسه عنه (3). وقد قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: إذا قال ابن إسحاق: وذَكر فلان فلم يَسمَعه (4). __________ (1) رواه أحمد في المسند (6/ 272)، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 71)، والحاكم في المستدرك (1/ 146)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 38)، والبزار في مسنده كما في كشف الأستار (502)، وسيأتي كلام ابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي في هذا الحديث كما أورده المؤلف عنهم، وقد حكم ببطلانه يحيى بن معين، كما نقله عنه ابن عبدالبر في التمهيد (7/ 200)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 98): "رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى، وقد صححه الحاكم"، وانظر: المقاصد الحسنة (ص 423)، الأسرار المرفوعة (ص 237)، الفوائد المجموعة (ص 11)، السلسلة الضعيفة (1503). (2) السنن الكبرى (1/ 38). (3) صحيح ابن خزيمة (1/ 71). (4) كلام أحمد في الواقدي شديد حتى إنه كذبه كما تراه في: تهذيب التهذيب (3/ 657).
(1/4)
وقد أخرجه الحاكم في "صحيحه"، وقال: هو صحيح على شرط مسلم (1). ولم يَصنع الحاكم شيئًا، فإن مُسلمًا لم يَرو في كتابه بهذا الإسناد حديثًا واحدًا، ولا احتج بابن إسحاق، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد (2)، وأما أن يكون ذِكر ابن إسحاق، عِن الزُّهري، من شَرط مُسلم فلا، وهذا وأمثاله هو الذي شان كتابه ووَضعه، وجَعل تصحيحه دُون تحسين غيره (3). قال البَيهقي: هذا الحديث أَحد ما يُخاف أن يكون من تَدليسات محمد بن إسحاق، وأنه لم يَسمعه من الزُّهري (4). ورواه البَيهقي من طَريق مُعاوية بن يحيى [الصّدَفي] (5) عن الزُّهري. ومعاوية هذا ليس بقوي (6). وقال في "شُعب الإيمان": تَفرّد به معاوية بن يحيى، ويقال: إنّ ابن __________ (1) المستدرك (1/ 146). (2) قال الذهبي في ميزان الاعتدال (3/ 475): "وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق، ذكرها في صحيحه". (3) انظر الكلام على مستدرك الحاكم في: علوم الحديث لابن الصلاح (ص 21 - 22)، تذكرة الحفاظ (ص 1042، 1045)، سير أعلام النبلاء (17/ 175 - 176)، الفروسية للمؤلف (245)، نصب الراية (1/ 341 - 342)، رسالة الدكتور محمود الميرة: "الحاكم وكتابه المستدرك". (4) السنن الكبرى (1/ 38). (5) في الأصل: "الصيرفي"، والتصويب من كتب الرجال، ونسخة المعلمي. (6) السنن الكبرى (1/ 38) وهو من هذا الوجه عند أبي يعلى في مسنده (4738).
(1/5)
إسحاق أخذه منه (1). قال: ويُروى نحوه عن عُروة، وعن عَمرة، عن عائشة، وكلاهما ضعيف (2). ورواه من حديث الواقدي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى الأسلمي، عن أبي الأسود، عن عُروة، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الرّكعتان بعد السّواك أحبّ إلى الله من سَبعين رَكعة قبل السّواك" (3). ولكنّ الواقدي لا يُحتجّ به (4). ورواه من حديث حمّاد بن قِيراط، ثنا فَرج بن فَضالة، عن عُروة بن رُويم، عن عَمرة، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة بسواك، خَير من سَبعين صلاة بغير سِواك" (5). وهذا الإسناد غير قوي. فهذا حال هذا الحديث، وإن ثَبت فله وَجه حَسن، وهو: أن الصلاة بالسواك سُنّة، والسواك مَرضاة الربّ. وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنه، وقال: "لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم __________ (1) شعب الإيمان، بعد الحديث رقم (2774)، والقائل إن ابن إسحاق أخذه منه هو: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن يحيى الذهلي، كما في مقدمة الجرح والتعديل (ص 330). (2) القائل هو: البيهقي، وقوله هذا في السنن الكبرى (1/ 38). (3) السنن الكبرى (1/ 38). (4) الواقدي هو: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي المدني القاضي، روى له ابن ماجه، وهو متروك مع سعة علمه. تقريب التهذيب (ص 882). (5) السنن الكبرى (1/ 38).
(1/6)
بالسواك عند كل صلاة" (1). وأخبر أنه: "مَطهرة للفَم، مَرضاة للربّ" (2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرتُ عليكم في السّواك". رواه البخاري (3). وفي "مُسند أحمد" عن [التّميمي] (4) قال: سألتُ ابن عباس عن السواك؟ فقال: "ما زَال النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرُنا به حتى خَشينا أن ينزل عليه فيه" (5). وفي لفظ: "لقد أُمرتُ بالسواك حتى خشيتُ أن يَنزل عليّ به وحي" (6). وقال ابن عباس: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لي أراكم تأتوني قُلحًا (7)، لولا أن أشقّ على أُمّتي لفرضتُ عليهم السواك، كما قد فُرض عليهم __________ (1) رواه البخاري (887)، ومسلم (588). (2) رواه البخاري معلقًا من حديث عائشة، كتاب الصيام، باب سواك الرطب واليابس للصائم، والنسائي في السنن (5)، وأحمد في المسند (1/ 3)، (6/ 47، 62، 124، 146، 238)، وصححه ابن الملقن كما في البدر المنير (3/ 68). (3) في صحيحه (888). (4) في الأصل: "التيمي"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (5) رواه أحمد في المسند (1/ 237، 285، 307، 315، 337، 340)، وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح". المسند (3152). (6) رواه أحمد في المسند (1/ 315، 337)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. المسند (2895، 3122، 3152). (7) القلح: صفرة تعلو الأسنان، القاموس المحيط (1/ 244).
(1/7)
الوضوء" (1). وقال: "عَشرٌ من الفِطرة: قَصّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك ... " (2) الحديث، فجعل السواك من الفطرة. وقال عبد الله بن حَنظلة بن أبي عامر: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرًا أو غير طاهر، فلما شق عليهم ذلك أمرنا بالسواك" (3). وقال: "إن العبدَ إذا قام يُصلي أتاه المَلَك فقام خَلفه يسمع القرآن، ويَدنو إلى فيه، فلا تقرأ آية إلا كانت في جَوف المَلَك" (4). وكان النبي - صلى الله عليه وسلم -من رَغبته في السّواك- يَستاك إذا قام من نَوم اللّيل (5)، واذا دَخل بَيته (6)، وإذا صَلّى (7)، واستاك عندَ مَوته وهو في __________ (1) رواه أحمد في المسند (1/ 214 - 3/ 442)، وإسناده ليس بقوي كما قاله النووي في المجموع (1/ 325). (2) رواه مسلم (603)، وأبو داود (53)، والترمذي (2757)، والنسائي (5055)، وابن ماجه (293)، وأحمد في المسند (6/ 137). (3) رواه أبو داود (48)، وأحمد في المسند (5/ 225)، وعندهما: "فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك"، والحديث في سنده اختلاف كما في جامع التحصيل ص (209). (4) رواه البزار في مسنده (603)، وقال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 140): "إسناده جيد لا بأس به، وروى ابن ماجه بعضه موقوفًا ولعله أشبه". وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 99): "رواه البزار ورجاله ثقات". (5) رواه البخاري (245، 889)، ومسلم (593، 594). (6) رواه مسلم (589)، وأبو داود (51)، والنسائي (8)، وابن ماجه (290). (7) رواه مسلم (592) ولفظه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام ليتهجد يشوص فاه =
(1/8)
السياق (1). وقال سُفيان: عن [ابن] (2) إسحاق، عن أبي جعفر، عن جابر، قال: "كان السّواك من أُذن النبي - صلى الله عليه وسلم - مَوضع القَلَم من الكاتب" (3). وفي "سُنن النّسائي" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "كان رَسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي رَكعتين، ثمّ يَنصرف فيستاك" (4) وهذا في صَلاة الليل. ولما بات عند خَالته مَيمونة: "فقام فتوضأ وصلي رَكعتين، ثم رَكعتين، ثم رَكعتين -الحديث- وكان يَستاك لكل رَكعتين" (5). وفي "جامع الترمذي" عن أبي سَلمة قال: "كان زَيد بن خالد __________ = بالسواك". (1) رواه البخاري (890، 1389، 3100، 3774، 4438، 4446، 4449، 4450، 4451، 5217، 6510). (2) في الأصل: "أبي"، والصواب ما أثبته. (3) رواه ابن عدي في الكامل (7/ 236)، والخطيب في "التاريخ" (12/ 101)، والطبراني كما في التلخيص الحبير (1/ 81)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 37) وقال: "يحيى بن يمان ليس بالقوي عندهم، ويشبه أن يكون وهم". وسئل عنه أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/ 55) فقال: "وهم فيه يحيى بن يمان إنما هو عند ابن إسحاق عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد من فِعله". (4) رواه النسائي في سننه الكبرى (1343)، وابن ماجه (288)، والحاكم في المستدرك (1/ 145) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". ولم يتعقبه الذهبي بشيء. (5) رواه مسلم (595).
(1/9)
الجُهني يَشهد الصلوات في المسجد، وسِواكه على أُذنه مَوضع القَلَم من أُذن الكاتب، لا يَقوم إلى الصلاة إلا استنّ به" (1). وهو حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي "المُوطّأ" عن ابن شِهاب، عن أبي السياق، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالسّواك" (2). وقد رَوى أبو [نُعيم] (3) من حديث عبد الله بن عُمر، ورَافع بن خَديج، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "السّواك واجب، وغُسل الجُمُعة واجبٌ على كل مُسلم" (4). ويشهد لهذا الحديث ما رواه مُسلم في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "غُسل يوم الجُمعة على كل محتلم، وسواكٌ و [يمسُّ] من الطّيب ما قدر عليه" (5). وإذا كان هذا شأن السّواك وفَضله، وحُصول رِضى الربّ به، وإكثار __________ (1) رواه الترمذي (23)، وأبو داود (43)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5316). (2) رواه مالك في الموطأ (141) مرسلًا، فإن ابن السباق تابعي ثقة، ورواه ابن ماجه في سننه (1098) عن ابن السباق عن ابن عباس وقال البيهقي في السنن الكبرى (3/ 243): "هذا هو الصحيح مرسل وقد روي موصولًا ولا يصح وصله". (3) في الأصل: "نصير"، والصواب ما أثبته. (4) رواه أبو نعيم في كتاب السواك كما في الإمام لابن دقيق العيد (1/ 352)، وابن مندة كما في الإصابة (4/ 191)، وقال ابن حجر: إسناده واهٍ، التلخيص الحبير (1/ 76)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3363). (5) رواه البخاري (880)، ومسلم (1957). ووقع في الأصل "وشيء".
(1/10)
النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأمّة فيه، ومبالغته فيه حتى عِند وفاته وقَبْض نَفْسه الكريمة - صلى الله عليه وسلم -، لم يمتنع أن يكون الصلاة التي استاك لها أحب إلى الله من سبعين صلاة. وإذا كان ثواب السبعين أكثر، فلا يَلزم من كَثرة الثواب: أن يكون العمل الأكثر ثوابًا أحبّ إلى الله تعالى من العمل الذي هو أقل منه، بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى، وإن كان الكثير أكثر ثوابًا. وهذا كما في [المسند] (1) عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "دَم عَفراء أحب إلى الله من دَم سوداوين". يَعني في الأضحية. وكذلك كان ذَبح الشاة الواحدة يوم النَّحر أحب إلى الله من الصدقة بأضعاف أضعاف ثمنها، وإن كَثُر ثواب الصّدَقة. وكذلك قِراءة سُورة بتدبّر ومَعرفة وتَفهُّم، وجَمع القلب عليها، أحب إلى الله تعالى من قِراءة خَتمة سَردًا وهذًّا، وإن كثر ثواب هذه القراءة. وكذلك صلاة ركعتين يُقبل العبد فيهما على الله تعالى بقَلبه وجَوارحه، ويُفرّغ قَلبه كلّه لله تعالى فيهما، أحب إلى الله تعالى من مِئتي ركعة خَالية عن ذلك، وإن كَثُر ثوابها عددًا. ومن هذا: "سَبق دِرهم [مائة ألف] (2) دِرهم" (3). __________ (1) في الأصل: "السنن"، والحديث ليس في السنن، وإنما هو في مسند الإمام أحمد (2/ 417)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 18): "وفيه أبو ثفال، قال البخاري: فيه نظر". (2) في الأصل: "ثمانية آلاف"، والتصويب من مصادره. (3) رواه النسائي في سننه (2526)، وابن خزيمة في صحيحه (2443)، وابن حبان كما في الإحسان (3347)، والحاكم في المستدرك (1/ 416)، وقال: =
(1/11)
ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم: "إنّ اقتصادًا في سَبيل وسُنّة، خَير من اجتهاد في خِلاف سَبيل وسُنّة" (1). فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الربّ وسُنّة رسوله: أحب إلى الله تعالى من العمل الكثير، إذا خلا عن ذلك، أو عن بعضه. ولهذا قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. وقال: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف: 7]. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]. فهو سبحانه وتعالى إنما خَلق السموات والأرض، والموت والحياة، وزَيّن الأرض بما عليها ليَبْلُوَ عِباده أيهم أحسن عملًا، لا أكثر عملًا. و"الأحسن" هو: الأخلص والأصوب، وهو الموافق لمرضاته ومحبته، دُون الأكثر الخالي من ذلك، فهو سبحانه وتعالى يُحب أن يُتعبّد له بالأرضى له، وإن كان قليلًا، دون الأكثر الذي لا يُرضيه، والأكثر الذي غيره أَرضى له منه. ولهذا يكون العمَلان في الصورة واحدًا، وبينهما في الفضل - __________ = "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، ولم يتعقبه الذهبي بشيء. (1) انظر: الزهد للإمام أحمد ص (196)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/ 54).
(1/12)
بل بين قليل أحدهما، وكثير الآخر في الفضل - أعظم ممّا بين السماء والأرض. وهذا الفضل يكون بحَسب رِضا الربّ سبحانه بالعمل، وقَبوله له، ومَحبته له، وفَرحه به سبحانه وتعالى؛ كما يَفرح بتوبة التائب أعظم فرح، ولا ريب أن تلك التوبة الصادقة أفضل وأحبّ إلى الله تعالى من أعمالٍ كثيرةٍ من التّطوعات، وإن زادت في الكثرة على التوبة. ولهذا كان القبول يَختلف ويَتفاوت بحسب رِضا الرب سبحانه بالعمل: فقَبولٌ يُوجب رِضا الله سبحانه وتعالى بالعمل، ومباهاة الملائكة، وتَقريب عبده منه. وقَبولٌ يَترتب عليه كثرة الثواب والعطاء فقط. كمن تَصدق بألف دِينار من جُملة ماله -مثلًا- بحيث لم يَكترث بها، والألف لم تَنقصه نَقصًا يتأثر به، بل هي في بَيته بمنزلة حَصى لَقيه في دَاره أخرج منها هذا المقدار، إمّا ليتَخلّص من هَمّه وحفظه، وإما ليجازى عليه بمثله، أو غير ذلك. وآخر عنده رَغيف واحد هو قُوته، لا يَملِك غيره، فآثر به على نَفسه مَن هو أحوج إليه منه، مَحبةً لله، وتقربًا إليه وتَوددًا، ورَغبةً في مَرضاته، وإيثارًا على نفسه. فيا لله كم بُعد ما بين الصدقتين في الفضل، ومحبة الله وقبوله ورضاه، وقد قَبِل سبحانه هذه وهذه، لكنّ قَبول الرِّضا والمحبّة والاعتداد والمباهاة شيء، وقَبول الثواب والجزاء شيء. وأنتَ تجدُ هذا في الشاهد في: مَلِك تُهْدَى إليه هدية صَغيرة المقدار
(1/13)
لكنه يُحبّها ويَرضاها ويُظهرها لخواصّه وحَواشيه، ويُثني على مُهديها [ ... ] (1) كهدية كثيرة العدَد والقدر جدًّا، لا تقع عنده مَوقعًا، ولكنْ لِكَرمه وجُوده لا يُضيع ثواب مُهديها، بل يُعطيه عليها أضعافها وأضعافَ أضعافها، فليس قبوله لهذه الهدية مثل قبول الأولى. ولهذا قال ابن عُمر وغيره من الصحابة: "لو أعلم أنّ الله قَبل مِنّي سَجدة واحدة، لم يكن غائب أحب إلي من الموت" (2). إنما يُريد به القبول الخاص، وإلا فقبول العطاء والجزاء حاصل لأكثر الأعمال. والقَبول [ثلاثة] (3) أنواع: قَبول رِضًا ومَحبّة واعتداد ومُباهاة، وثَناء على العامل به بين الملأ الأعلى. وقَبول جَزاء وثَواب، وإن لم يَقع مَوقع الأوّل. وقبول إسقاط للعقاب فقط، وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء، كقبول صلاة من لم يُحْضِر قَلبَه في شيءٍ منها، فإنه ليس له من صلاته إلا ما عَقل منها، فإنها تُسقط الفرض، ولا يُثاب عليها. وكذلك صَلاة الآبق، وصَلاة من أتى عرافًا [وصدّقه] (4)، فإن النصّ __________ (1) في الأصل مقدار كلمتين لم تتضح لي، وفي طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله لهذا الكتاب: "ويُثني على مهديها في كلمات" فكأنه قرأها هكذا، ومن جاء بعد الشيخ ممن نشر هذا الكتاب أثبتها كما أثبتها الشيخ. (2) رواه ابن عساكر كما في الدر المنثور (2/ 301)، آية المائدة (27): {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)}. (3) في الأصل: "يليه"، وهو تصحيف. (4) في الأصل: و"صدقته"، والصواب ما أثبته.
(1/14)
قد دلّ على أن صلاة هؤلاء [لا] (1) تُقبل (2)، ومع هذا فلا يُؤمرون بالإعادة، لأنّ عَدم قَبول صلاتهم؛ إنما هو في عَدم حُصول الثواب، لا في سُقوطها من ذمّتهم. والأعمال تَتفاضل بتفاضُل ما في القلوب من الإيمان والمحبة والتعظيم والإجلال، وقصد وجه المعبود وحده، دُون شيءٍ من الحظوظ سواه، حتى تكون صورة العمَلين واحدة، وبينهما في الفضل ما لا يُحصيه إلا الله تعالى. وتَتفاضل أيضًا بتَجريد المتابعة، فبين العَمَلين من [الفضل] (3) بحسب ما يتفاضلان في المتابعة، فتتفاضل الأعمال بحسب تجريد الإخلاص والمتابعة، تفاضلًا لا يُحصيه إلا الله تعالى. وينضاف هذا إلى كون أحد العَملين أحب إلى الله في نَفسه. مثاله: الجهاد وبذل النّفس لله تعالى، هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، ويقترن به تَجريد الإخلاص والمتابعة، وكذلك الصلاة والعلم وقراءة القرآن، فإذا فَضُل العمل في نَفسه، وفَضُل قصد صاحبه وإخلاصه، وتَجرّدت مُتابعته: لم يمتنع أن يكون العمل الواحد أفضل من سبعين، بل وسبعمائة من نَوعه. __________ (1) ساقطة من الأصل، ولعله بسبب انتقال النظر، فقد كتبت الكلمة التي قبلها مع التي بعده هكذا: "هؤلاء تقبل". (2) يُشير إلى حديث: "إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة" رواه مسلم (227)، وحديث: "من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة" رواه مسلم (5782). (3) في الأصل: "الفضلات"، والصواب ما أثبته.
(1/15)
فتأمل هذا فإنه يُزيل عنك إشكالات كثيرة، ويُطلعك على سِرّ العمل والفضل، وأنّ الله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، يضع فضله مَواضعه، وهو أعلم بالشاكرين. ولا تلتفت إلى ما يقول -من غَلُظ حِجابه من المتكلمين والمتكلفين-: إنه يجوز أن يكون العملان مُتَساويين من جميع الوجوه، لا تفاضل بينهما، ويُثيب الله على أحدهما أضعاف أضعاف ما يُثيب على الآخر، بل يجوز أن يُثيب على أحدهما دون الآخر، بل يجوز أن يُثيب على هذا، ويُعاقب على هذا، مع فَرض الاستواء من كل وَجه. وهذا قَول من ليس له فِقْه في أسماء الربّ وصِفاته وأفعاله، ولا فِقْه في شَرعه وأمره، ولا فِقْه في أعمال القلوب وحقائق الإيمان بالله، وبالله التوفيق. إذا عَرفت ذلك: فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي أوقعها فاعلها على وَجه الكمال، حتى أتى بسواكها، الذي هو مَطهرة لمجاري آي القرآن وذِكر الله، ومَرضاة الرّب واتّباع السُّنّة، والحرص على حِفظ هذه الحرمة الواحدة، التي أكثر النفوس تُهملها ولا تلتفت إليها، حتى كأنها غير مَشروعة ولا مَحبوبة، لكن عندها (1)، فحافظ عليها هذا المصلي وأتى بها توددًا وتحببًا إلى الله تعالى، واتباعًا لسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يَبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة تجرّدت عن ذلك، والله أعلم. __________ (1) كذا في الأصل: "ولا محبوبة لكن عندها"، وفي نسخة الشيخ الفقي رحمه الله ومن نشر هذا الكتاب بعده: "ولا محبوبة، لكنّ المصلي اعتدّها"، والذي أثبته المعلمي رحمه الله في نسخته: "ولا محبوبة لله فحافظ عليها هذا المصلي".
(1/16)
فصل ومن هذا يُعرف جواب المسألة الثانية، وهي: تفضيل "سُبحان الله وبحمده عَدد خلقه، ورِضا نَفسه، وزِنة عَرشه، ومِداد كلماته" (1) على مُجرّد الذّكر "سبحان الله" أضعافًا مُضاعفة، فإنّ ما يَقوم بقلب الذّاكر حين يقول: "سُبحان الله وبحمده عَدَد خلقه" من مَعرفته وتَنزيهه وتَعظيمه لله بهذا القدر المذكور من العدَد، أعظم ممّا يقوم بقلب القائل: "سبحان الله" فقط. وهذا يُسمّى الذّكر المضاعف، وهو أعظم ثناءً من الذّكر المُفرد؛ فلهذا كان أفضل منه، وهذا إنما يَظهر بعدَ مَعرفة هذا الذّكر وفهمه. فإن قَول المسبّح: "سبحان الله وبحمده عَدد خَلْقه " تَضمّن إنشاءً وإخبارًا: تَضمّن إخبارًا عمّا يَستحقّه الربّ من التسبيح عَدَد كلّ مَخلوق كان، وهو كائن، إلى ما لا نهاية له، فتضمّن الإخبار عن تنزيهه وتعظيمه والثناء عليه هذا العدد العظيم، الذي لا يبلغه العادّون، ولا يُحصيه المُحصون. وتضمّن إنشاء العبد لتسبيحٍ هذا شأنه، لا أنّ ما أتى به العبد من التسبيح هذا قدره وعدده، بل أخبر أن ما يَستحقه الربّ سبحانه وتعالى من التسبيح، هو: تَسبيح يَبلغ هذا العدد الذي لو كان في العدد ما يزيد لذكره، فإنّ تَجدّد المخلوقات لا يَنتهي عَداده، ولا يُحصى لحاصر. __________ (1) رواه مسلم في صحيحه (6851).
(1/17)
وكذلك قَوله: "ورِضا نَفسه" وهو يَتضمّن أمرين عظيمين: أحدهما: أن يكون المراد تَسبيحًا هو [في] (1) العظَمة والجلال مُساوٍ لرضا نَفسه، كما أنّه في الأول مخبر عن تسبيح مساوٍ لعدد خلقه، ولا ريب أن رِضا نَفس الربّ أمر لا نِهاية له في العظمة والوَصف، والتسبيح ثناءٌ عليه سبحانه يتضمن التعظيم والتنزيه. فإذا كانت أوصاف كماله ونُعوت جَلاله لا نِهاية لها ولا غاية، بل هي أعظم من ذلك وأجلّ، كان الثناء عليه بها كذلك، إذ هو تابع لها إخبارًا وإنشاءً. وهذا المعنى يَنتظم بالمعنى الأول من غير عَكس. وإذا كان إحسانه وثَوابه وبَركته وخَيره لا مُنتهى له، وهو من مُوجبات رِضاه وثمرته فكيف بصفة الرّضا؟ وفي الأثر: "إذا باركت لم يكن لبركتي مُنتهى" (2)، فكيف بالصفة التي صدرت عنها البركة؟ والرِّضا يَستلزم المحبّة والإحسان والجود والبر والعفو والصفح والمغفرة والرحمة. والخلق يستلزم العلم والقدرة والإرادة والحياة والحكمة. وكل ذلك داخل في رِضا نَفسه، وصِفة خلقه. وقوله: "وزِنة عَرشه" فيه إثبات العرش، وإضافته إلى الرب سبحانه __________ (1) في الأصل: "والعظمة"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) هو في الزهد للإمام أحمد (ص 52)، والحلية لأبي نعيم (4/ 41)، وأورده المؤلف وعزاه للزهد للإمام أحمد في: الجواب الكافي (ص 24، 132).
(1/18)
وتعالى، وأنه أثقل المخلوقات على الإطلاق، إذ لو كان شيءٌ أثقل منه لوُزن به التسبيح، وهذا يَردّ على من يقول: إن العرش، ليس بثقيل ولا خفيف. وهذا لم يَعرف العرش، ولا قَدَره حق قَدره. فالتضعيف الأول: للعَدَد والكميّة. والثاني: للصفة والكيفية. والثالث: لِلْعِظم والثِّقَل وكِبَر المقدار. وقوله: "ومِدَاد كلماته" هذا يَعمّ الأقسام الثلاثة ويَشملها، فإنّ مِدَاد كلماته سبحانه وتعالى لا نهاية لقدره، ولا لصفته، ولا لعدده. قال تعالى: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)} [الكهف: 109]. وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)} [لقمان: 27]. ومعنى هذا أنّه لو فُرض البحر مِدادًا، وبَعده سَبعة أبحر تَمدّه، كلها مِدادًا، وجميع أشجار الأرض أقلامًا -وهو ما قام منها على ساق من النبات والأشجار المُثمرة، وغير المثمرة- والأقلام تَستمدّ بذلك المداد فتفنى البحار والأقلام، وكلمات الربّ لا تَفنى ولا تَنفد. "فسبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته". فأين هذا من وَصْف من يَصفُه بأنه ما تَكلّم، ولا يَتكلّم، ولا يَقوم به كلام أصلًا؟
(1/19)
وقول من وَصَف كلامه بأنّه معنى واحد لا يَنقضي ولا يَتجزأ، ولا له بَعض ولا كل، ولا هو سُور وآيات، ولا حُروف وكلمات. والمقصود أنّ في هذا التسبيح من صفات الكمال، ونُعوت الجلال ما يُوجب أن يكون أفضل من غيره، وأنه لو وَزن غيره لوَزن به، وزاد عليه. وهذا بعض ما في هذه الكلمات من المعرفة بالله، والثناء عليه بالتنزيه والتعظيم، مع اقترانه بالحمد المتضمّن لثلاثة أصول: أحدها: إثبات صفات الكمال له سبحانه، والثناء عليه. والثاني: محبته والرضا به (1). فإذا انضاف هذا الحمد إلى التسبيح والتنزيه على أكمل الوجوه، وأعظمها قدرًا وأكثرها عددًا، وأجزلها وصفًا، واستحضر العبد ذلك عند التسبيح، وقام بقلبه معناه: كان له من المزيّة والفضل ما ليس لغيره، وبالله التوفيق. __________ (1) أشار المؤلف رحمه الله إلى أنه سيذكر ثلاثة أصول، وليس في الأصل كما هو مثبت إلا أصلين، ولهذا فإن المعلمي رحمه الله جعل قوله في الأصل الأول: (والثناء عليه) هو الأصل الثاني، والثالث: (محبته والرضا به)، وأما أَبو غدة رحمه الله فقد جعل الأصل الثالث هو قوله: (فإذا انضاف هذا الحمد ... ).
(1/20)
فصل وأما المسألة الثالثة، وهي: كَون "صِيام ثلاثة أيّام من كل شهر تَعدل صيام الشهر" (1)، فقد ذُكر في هذا الحديث سَببه، وهو أن الحسنة بعشر أمثالها (2)، فهو يعدل صيام الشهر غير مُضاعف لثواب الحسنة بعشر أمثالها، فإذا صام ثلاثة أيام من كل شهر، وحافظ على ذلك، فكأنه صام الدّهر كله. ونَظير هذا: قوله في الحديث الصحيح: "من صام رمضان، وأتبعه بستٍّ من شَوال، فكأنّما صام الدّهر" (3) فإن الحسنة بعشر أمثالها. وفي كونها من شوال سِرّ لَطيف، وهو: أنها تَجري مجرى الجُبْران لرمضان، وتَقضي ما وقع فيه من التقصير في الصوم، فتجري مجرى سُنّة الصلاة بعدها، ومَجرى سجدتي السهو، ولهذا قال: "وأتبعه" أي ألحقه بها. وقد استدلّ بهذا من يَستحبّ، أو يُجوّز صيام الدّهر كله، ما عدا العيدين وأيام التشريق، ولا حُجّة له، بل هو حُجّة عليه، فإنه لا يلزم من تشبيه العمل بالعمل إمكان وقوع المشبّه به فضلًا عن كونه مشروعًا. ولهذا جُعل صيام ثلاثة أيام من الشّهر، وصيام رمضان، وإتباعه بستٍّ من شوال: يَعدل صيام ثلاثمائة وستين يومًا، وذلك حرامٌ غير جائزٍ __________ (1) رواه البخاري (1978 - 1981)، ومسلم (2738، 2784). (2) كما قال تعالى في سورة الأنعام، آية (165): {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}. (3) رواه مسلم (2750)، وأبو داود (2433)، والترمذي (759)، وابن ماجة (1716). واللفظ لأبي داود.
(1/21)
بالاتفاق، فإنّه وَقع التشبيه في الثواب [لا] (1) على تَقدير كَونه مَشروعًا، بل ولا مُمكنًا، كما في الحديث الصحيح وقد سُئل عن الجهاد فقال للسائل: "هل تَستطيع إذا خَرج المُجاهد أن تَصوم فلا تُفطر، وتَقوم فلا تَفتر؟ قال: لا. قال: ذلك مثل المجاهد" (2). والمقصود: أنه لا يلزم من تَشبيه الشيء [بالشيء] (3) مُساواته له. ومثل هذا قوله: "من صلّى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى العشاء والفجر في جَماعة، فكأنّما قام الليل كُلّه" (4). وهذا يدلّ على ما تَقدم من تَفضيل العمل الواحد على أمثاله وأضعافه من جنسه، فإنّ من صلى العشاء والفجر في جماعة ولم يُصلّ بالليل، تَعدل صلاته تلك صلاة من قام الليل كلّه، فإن كان هذا الذي قام الليل قد صلّى تلك الصلاتين في جماعة: أحرز الفضل المُحقّق والمقدّر، وإن صلّى الصلاتين وَحدَه، وقام الليل، كان كَمَن صلاهما في جماعة ونام بمنزله، إن صحت صلاة المُنفرد. وهذا كما تقدّم: أنّ تَفاضُل الأعمال ليس بكثرتها وعَدَدها، وإنما هو بإكمالها وإتمامها، ومُوافقتها لرضا الربّ وشَرعه. __________ (1) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (2) رواه البخاري (2633)، ومسلم (4846)، وأحمد في المسند (2/ 344). (3) ليست في الأصل وهي من نسخة المعلمي. (4) رواه أبو داود (555) بنحو هذا اللفظ، وعند مسلم (1489): "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله".
(1/22)
فصل وأما المسألة الرابعة: وهي قوله في الحديث: "من دَخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يُحيى ويُميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قدير، كَتب الله له ألفَ ألفَ حَسنة، ومَحا عنه ألفَ ألفَ سَيئة، ورَفع له ألفَ ألفَ دَرجة" (1). فهذا الحديث مَعلول، أعلّه أئمة الحديث: قال الترمذي في "جامعه": ثنا أحمد بن مَنيع، ثنا يَزيد بن هارون، أنا أزهر بن سِنان، ثنا محمد بن واسع، قال: قدمت مكة فلقيني سالم بن عبد الله بن عمر، فحدثني عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دخل السوق فقال: ... " الحديث. قال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ، وقد رواه عَمرو بن دِينار قَهرمان آل الزُّبير، عن سالم بن عبد الله، فذكر الحديث. ثنا [بذلك] (2) أحمد بن عَبده الضّبي، ثنا حمّاد بن زيد، والمُعتمر بن سليمان، قالا: ثنا عَمرو بن دينار -وهو قَهرمان آل الزبير- __________ (1) رواه الترمذي (3428، 3429) وقال: "حديث غريب"، وابن ماجة (2235)، وقال أبو حاتم في العلل (2/ 17): "حديث منكر جدًّا"، وقال البخاري كما في العلل الكبير للترمذي (674، 675): "حديث منكر"، وأورده الدارقطني في العلل (2/ 48 - 50) وقال بعد أن ساق طرقه: "فرجع الحديث إلى عمرو بن دينار، وهو ضعيف الحديث لا يحتج به"، والحديث أورده الألباني في صحيح الترمذي برقم (2726). (2) في الأصل: "يزيد بن"، والتصويب من مصادره ونسخة المعلمي.
(1/23)
عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دخل السوق ... " وذكر الحديث، وفيه: "وبنى له بيتًا في الجنة". وقد رُوي من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، لكنه مَعلولٌ أيضًا. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل" سألت أبي عن حديث رواه يحيى بن سُليم الطائفي، عن عِمران بن [مسلم] (1) عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال في السوق ... " الحديث [فقال] (2) لي: هذا حديث منكر (3). قال ابن أبي حاتم: وهذا الحديث خَطأٌ، إنّما أراد عِمران بن مُسلم عن عَمرو بن دينار -قَهرمان آل الزبير- عن سالم، عن أبيه، فغلط وجعل بدل عَمرو: عبد الله بن دينار، وأسقط سالمًا من الإسناد، ثنا بذلك محمد بن [عمّار] (4) ثنا إسحاق بن سليمان، عن بُكير بن شهاب الدامغاني، عن عِمران بن مُسلم، عن عَمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن عُمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر الحديث (5). ورواه ابن ماجة في "سننه" عن بِشر بن [مُعاذ] (6) الضّرير، __________ (1) في الأصل: "سليم"، والتصويب من العلل لابن أبي حاتم، وسيأتي على الصواب بعد ثلاثة أسطر. (2) في الأصل: "فقالا"، والتصويب من العلل لابن أبي حاتم. (3) العلل لابن أبي حاتم (2/ 17). (4) في الأصل: "عمران"، والتصويب من العلل لابن أبي حاتم. (5) العلل لابن أبي حاتم (2/ 181). (6) في الأصل: "دينار"، والتصويب من سنن ابن ماجة.
(1/24)
عن حمّاد بن زيد، عن عَمرو بن دينار قَهرمان آل الزبير (1). كنيته: أبو يحيى الأعور البصري، قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال النسائي والدارمي: ضعيف. وقال أبو زُرعة: واهي الحديث. وقال علي بن الجُنيد: هو شِبه المتروك. وقال ابن حبان: لا يَحل كَتْب حديثه إلا على وَجه التعجّب، كان ينفرد بالموضوعات عن الثقات. وقال الدارقطني: ضعيف (2). __________ (1) سنن ابن ماجة (2235). (2) تاريخ الدارمي (449)، الضعفاء للنسائي (452)، الجرح والتعديل (9/ برقم 1281)، الضعفاء لابن الجوزي (2/ 226)، المجروحين (2/ 71)، العلل للدارقطني (2/ 49)، تهذيب الكمال (22/ 14 - 15).
(1/25)
فصل وسألتَ هل يُمكن مَعرفة الحديث الموضوع بضابطٍ، من غير أن يُنظَر في سنده؟ فهذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلّع من مَعرفة السّنن الصحيحة، وخُلطت بدمه ولحمه، وصار له فيها مَلكة، وصار له اختصاصٌ شديدٌ بمعرفة السّنن والآثار، ومَعرفة سِيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهَديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويُخبر عنه ويَدعو إليه، ويُحبه ويكرهه، ويَشرعه للأمّة بحيث كأنّه مُخالط للرسول - صلى الله عليه وسلم -، بين أصحابه. ومثل هذا يَعْرِفُ من أحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهَديه وكَلامه، وما يجوز أن يُخبر به، ولا يجوز، ما لا يعرفه غيره. وهذا شأن كلّ مُتّبع مع مَتبوعه، فللأخصّ به، الحريص على تَتبّع أقواله وأفعاله في العلم بها، والتمييز بين ما يصحّ أن يُنسب إليه، وما لا يَصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلّدين مع أئمّتهم، يَعرفون أقوالهم ونُصوصهم ومَذاهبهم، والله أعلم. ومن ذلك: ما رَوى جَعفر بن [جَسر] (1) عن أبيه، عن ثابت، عن أنسٍ يرفعه: "من قال: سُبحان الله وبحمده، غَرس الله له ألفَ ألفَ نَخلة في الجنّة، أصلها ذَهَب ... " (2). وجعفر هذا، هو: جَعفر بن [جَسر] (3) بن فَرقد، أبو سلمان __________ (1) في الأصل: "حسن"، والصواب ما أثبته. (2) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 150)، وانظر: ميزان الاعتدال (1/ 404). (3) في الأصل: "حسن"، والصواب ما أثبته.
(1/26)
القصّاب البصري، قال ابن عَدي: أحاديثه مناكير. وقال الأزدي: يتكلمون فيه (1). وأما أَبوه، فقال يحيى بن مَعين: لا شيء، ولا يُكتب حديثه. وقال النسائي، والدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: خَرج من مَخرج حَدّ العدالة. وقال ابن عَدي: عامّة أحاديثه غير محفوظة (2). ومن ذلك: ما رَواه ابن مَنده وغيره من حديث أحمد بن عبد الله الجُويباري الكذّاب، عن شَقيق، عن إبراهيم بن أَدهم، عن [ابن] (3) يزيد، عن أُويس القَرني، عن عُمر، وعلي رضي الله تعالى عنهم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من دعا بهذه الأسماء: اللهم أنت حيّ لا تَموت، وغالب لا تُغلب، وبَصير لا تَرتاب، وسَميع لا تَشك، وصادق لا تكذب، وصَمد لا تَطعم، و [عالم] (4) لا تُعلَّم -إلى أن قال-: فوالذي بَعثني بالحق، لو دعا بهذه الدّعوات على صفائح الحديد لذابت، وعلى ماءٍ جار لسكن، ومن دعا عند مَنامه به بُعث بكل حَرف منه سبعمائة ألف مَلك يُسبحون له ويَستغفرون له" (5). __________ (1) الكامل (2/ 150 - 151)، ميزان الاعتدال (1/ 403). (2) الكامل (2/ 168 - 170)، الضعفاء للنسائي (107)، الضعفاء لابن الجوزي (1/ 169)، ميزان الاعتدال (1/ 398). (3) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي، ومصادره. (4) في الأصل: "غالب"، والتصويب من الموضوعات لابن الجوزي (3/ 437 - 438)، ونسخة المعلمى. (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 437 - 439) من طريق ابن منده، وقال: "موضوع، وفي طرقه كلمات ركيكة يتنزه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مثله"، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 321).
(1/27)
وتابعه كذّابٌ آخر، هو الحُسين بن داود البَلخي، عن شَقيق (1). ورَوى جُملة منه كذّاب آخر: سليمان بن عيسى، عن الثوري، عن إبراهيم بن أدهم (2). وهذا وأمثاله: ممّا لا يَرتاب من له أدنى مَعرفة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وكلامه، أنه مَوضوعٌ مُختلقٌ، ومُفترى عليه. ومن ذلك: ما رَواه عبّاس بن الضحّاك البَلخي -كذابٌ أشر- عن عُمر بن الضحّاك -مَجهول لا يُعرف- عن أبي مُعاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لم يُعْم (3) الهاء التي في الله تعالى، كتب الله له ألفَ ألفَ حسنة، ومحا عنه ألفَ ألفَ سيئة، ورَفع له ألفَ ألفَ دَرجة" (4). ومن ذلك ما رَواه أبو العَلاء، عن نافع، عن ابن عُمر -يَرفعه-: "من كفّن مَيتًا فإن له بكل شَعرة تُصيب كَفنه عَشر حَسنات" (5). وأبو العَلاء هذا، يَروي عن نافع ما ليس في حديثه، ولا يَجوز _____________ (1) حلية الأولياء (8/ 55 - 57)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 439). (2) حلية الأولياء (8/ 55 - 57)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 439). (3) معناه: لم يطمسها، وعند ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 368) "لم يُعورّ". وفي رواية: "فحسنها غُفر له"، وفي ثالثة: "فجوده تعظيمًا لله". (4) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 191)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 367 - 368) وقال: لا يصح. (5) رواه ابن حبان في المجروحين (3/ 149)، والدارقطني في الأفراد كما في أطرافه (3224)، والديلمي في مسنده كما في الفردوس (5641)، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 554) وقال: "والظاهر أن هذا حديث موضوع".
(1/28)
الاحتجاج به (1). وهذا الحديث قد رَواه الحسن بن سُفيان، ثنا أبو الرَّبيع الزهراني، ثنا [الصلت] (2) بن الحجّاج، ثنا أبو العَلاء. قال الدارقطني: يقال: إن أبا العَلاء هو الخفّاف الكوفي، واسمه خالد بن طَهمان. انتهى. وقال يحيى بن مَعين: هو ضعيف، خَلّط قبل موته بعشر سنين، وكان قبل ذلك ثقة، وكان في تخليطه يَحمل ما جاءوا به يَقرؤه (3). انتهى. ومن ذلك: حديث يرويه محمد بن عبد الرحمن بن [البيلَماني] (4) عن ابن عُمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام صبيحة يوم الفطر، فكأنّما صام الدهر" (5). وهذا حديثٌ باطلٌ مَوضوعٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وابن [البيلَماني] (6) يَروي المناكير، قال البخاري، وأبو حاتم الرازي، والنسائي: هو منكر الحديث. وقال يحيى بن مَعين: ليس __________ (1) هذا كلام ابن حبان، وهو في المجروحين (3/ 149). (2) في الأصل: "أحمد"، والتصويب من المجروحين، والميزان، ونسخة المعلمي. (3) الكامل لابن عدي (3/ 19)، تهذيب التهذيب (1/ 523)، ميزان الاعتدال (1/ 632). (4) في الأصل: "البيلاني"، والصواب ما أثبته. (5) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 264 - 265)، وقال بعد أن ذكر عددًا من الأحاديث ومنها هذا الحديث بإسناد واحد: "تلك النسخة التي ذكرناها أكثرها موضوعة، أو مقلوبة"، وأورده الذهبي في الميزان (3/ 617). (6) في الأصل: "البيلاني"، والصواب ما أثبته.
(1/29)
بشيء. وقال الدارقطني، والحميدي: ضعيف (1). وقال ابن حِبّان (2): حَدّث عن أبيه بنُسخة [شبيهًا بمئتي] (3) حديث كُلّها مَوضوعة، لا يَجوز الاحتجاج به، ولا ذِكره إلا على وَجه التعجّب (4). ومن ذلك حديث: "من صَام يوم عاشوراء، كتب الله له عِبادة سِتّين سَنة" (5). وهذا باطلٌ، يرويه حَبيب بن أبي حَبيب، عن إبراهيم الصائغ، عن مَيمون بن مِهران، عن ابن عباس. وحَبيب هذا غير [ ... ] (6)، كان يضع الأحاديث (7). ومن ذلك حديث يرويه زكريا بن دُويد الكندِي -الكذّاب الأشر- عن حُميد الطويل، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من دَاوم على صلاة الضحى، ولم يَقطعها إلا من عِلّة، كُنت أنا وهو في الجنة في زَورق من __________ (1) الكامل لابن عدي (6/ 178 - 179)، التاريخ الكبير (1/ 163)، ميزان الاعتدال (3/ 617). (2) في الأصل بعده: "ويحيى"، وقد سبق نقل كلام يحيى بن معين، ولم يثبته المعلمي. (3) في الأصل: "ثمانين حديثًا"، والتصويب من المجروحين (2/ 264)، ونسخة المعلمي. (4) المجروحين (2/ 264). (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 570)، وقال: موضوع بلا شك، وانظر: ميزان الاعتدال (1/ 451)، وقال الذهبي: "فانظر إلى هذا الإفك"، اللآلئُ المصنوعة (2/ 109)، تنزيه الشريعة (2/ 149). (6) بعده في الحاشية كلمة لم أتمكن من قراءتها، وفي نسخة المعلمي: "غير حبيب". (7) انظر: المجروحين (1/ 265 - 266)، الموضوعات لابن الجوزي (2/ 571)، ميزان الاعتدال (1/ 451).
(1/30)
نُور، في بَحر من نُور، حتى يَزور رَبّ العالمين" (1). ومن ذلك حديث يرويه عُمر بن رَاشد (2)، عن يحيى بن أبي كَثير، عن أبي سَلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى بعد المغرب سِتّ رَكعات، لم يتكلم بينهنّ بشيءٍ، عَدلنَ له عِبادة اثنتي عشرة سَنة" (3). وعُمر هذا قال فيه الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والدارقطني: ضعيف. وقال أحمد أيضا: لا يُساوي حديثه شيئًا. وقال البخاري: مُنكر الحديث وضَعَّفه جدًّا (4)، وقال ابن [حِبّان] (5): لا يَحلّ ذكره إلا __________ (1) رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 314 - 315)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 415)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئُ المصنوعة (2/ 35)، تنزيه الشريعة (2/ 82)، الفوائد المجموعة (ص 36). (2) أشار المعلمي رحمه الله في حاشية نسخته من هذا الكتاب إلى أن الذي في جامع الترمذي: عمر بن أبي خثعم، وفي التهذيب وغيره أن اسم أبيه عبد الله "عمر بن عبد الله بن أبي خثعم"، لكن ابن حبان يرى أن ابن أبي خثعم هو: ابن راشد، وخطأه الدارقطني وغيره، فكان ابن القيم جرى على قول ابن حبان، وكلمات الجرح الآتية موزعة على الرجلين، فكلام أحمد ويحيى والدارقطني كله في ابن راشد، وكلام البخاري في ابن أبي خثعم نقله الترمذي عقب هذا الحديث، فأما كلام ابن حبان فإنه رآهما واحدًا كما مر. (3) رواه الترمذي (435)، وابن ماجة (1167)، وابن حبان في المجروحين (2/ 83)، والطبراني في الأوسط (819)، وأورده الذهبي في الميزان (3/ 194)، في ترجمة عمر بن راشد اليمامي، وفي الميزان أيضًا (3/ 211) في ترجمة عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي، ورآهما ابن حبان رجلًا واحدًا. (4) التاريخ لابن معين (2/ 429)، التاريخ الكبير (6/ 155)، الضعفاء للعقيلي (3/ 157)، ميزان الاعتدال (3/ 193 - 194). (5) في الأصل: "عباس"، والصواب ما أثبته.
(1/31)
على سَبيل القَدح فيه، يَضع الحديث على مالك، وابن أبي ذِئب، وغيرهما من الثقات (1). ومن ذلك حديث: "مَن صلّى يَوم الأحد أربع رَكعات بتسليمةٍ وَاحدةٍ، تقرأ في كل رَكعة (الحمد) و {آمَنَ الرَّسُولُ} إلى آخرها، كَتب الله له ألفَ حَجّة، وألف عُمرة، وألف غَزوة، وبكل رَكعة ألف صلاة، وجَعل بينه وبين النار ألف خَندق" (2). فقبح الله واضعه، ما أجرأه على الله ورسوله. ومن ذلك حديث: "من صلى ليلة الأحد أربع ركعات، يقرأ في كل رَكعة "فاتحة الكتاب" مَرَّة، و {قُلْ هُوَ اَللَّهُ أَحَدٌ (1)} خمس عَشرة مَرّة، أعطاه الله يوم القيامة ثواب من قرأ القرآن عَشر مَرَّات، وعَمل بما في القرآن، ويَخرج يوم القيامة من قَبره ووجهه مثل القمر ليلة البدر، ويُعطيه الله بكل رَكعة [ألف] (3) مَدينة من لؤلؤ، في كل مدينة ألف قَصر من زبرجد، في كل قَصر ألف دار من الياقوت، في كل دار ألف بيت من المسك، في كل بيت ألف سرير" (4). واستمر هذا الكذاب الأشر على الألف. __________ (1) المجروحين (2/ 83). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 423 - 424)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 50)، تنزيه الشريعة (2/ 86). (3) في الأصل: ألف ألف، والتصويب من الموضوعات لابن الجوزي (2/ 421). (4) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 421)، وقال: موضوع مظلم، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 49 - 50)، تنزيه الشريعة (2/ 85)، الفوائد المجموعة (ص 44).
(1/32)
ومن ذلك حديث: "من صلى لَيلة الاثنين سِتّ رَكعات، يقرأ في كل ركعة "فاتحة الكتاب" مَرة، وعشرين {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، ويَستغفر الله بعد ذلك عَشر مَرَّات، أعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف صِدِّيق، وألف عابد، وألف زاهد" (1). فقبح الله واضعه ومختلقه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو عَمل الجُويباري الخَبيث. ومن ذلك حديث: "من صلى [يوم] (2) الاثنين أربع ركعات يقرأ في كل رَكعة "فاتحة الكتاب" مَرَّة و "آية الكرسي" مَرَّة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} مَرّة، و {قُل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} مَرَّة، كُفّرت ذنوبه كلها، وأعطاه الله قصرًا في الجنة من دُرّة بيَضاء، في جَوف القصر سبعة أبيات، طُول كل بيت ثلاثة آلاف ذراع، وعرضه مثل ذلك" (3). واستمر هذا الكذَّاب الخبيث على ذلك، حديث طويلٌ فيه من هذه المجازفات، وهو من عَمل الحسين بن إبراهيم، كذّاب [دجّال] (4) يَروي عن محمد بن طاهر، ووَضع من هذا الضرب، أحاديث صلاة يوم الأحد، __________ (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 424)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 48)، تنزيه الشريعة (2/ 84)، الفوائد المجموعة (ص 45). (2) في الأصل: "ليلة"، والتصويب من الموضوعات لابن الجوزي (2/ 425)، ونسخة المعلمي. (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 425)، وقال: "موضوع بلا شك"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 50)، تنزيه الشريعة (2/ 86)، الفوائد المجموعة (ص 45). (4) في الأصل: "وقال"، والتصويب من نسخة المعلمي.
(1/33)
وليلة الأحد، وصلاة يوم الاثنين، وليلة الاثنين، ويوم الثلاثاء، وليلة الثلاثاء. وهكذا في سائر أيام الأسبوع ولياليه (1). وهذا بابٌ واسعٌ جدًّا، وإنما ذكرنا منه جزءًا يسيرًا لتعرف به أن هذه الأحاديث وأمثالها، مما فيه هذه المجازفات القبيحة الباردة، كُلها كَذِبٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد اعتنى بها كثير من الجهال بالحديث، من المنتسبين إلى الزهد والفقر، وكثير من المنتسبين إلى الفقه (2). والأحاديث الموضوعة عليها ظُلمة ورَكاكة، ومُجازفات باردة تنادت على وَضعها واختلاقها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مثل حديث: "من صلّى الضحى كذا وكذا رَكعة أُعطي ثواب سبعين نبيًّا" (3). وكأن هذا الكذاب الخبيث لم يعلم أن غير النبي لو صلّى عُمر نُوح عليه السلام لم يُعط ثواب نبيٍّ واحدٍ. وكقوله: "من اغتسل يوم الجُمعة بِنيّة [وحِسبة] (4) كتب الله له بكل شَعرة نورًا يوم القيامة، ورفع له بكل قَطرة دَرجة في الجنّة من دُرّ، وياقوت، وزبرجد، ما بين كل درجتين مَسيرة مائة عام" (5). __________ (1) مثل هذا الكلام عن الحسين بن إبراهيم تراه في: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 426). (2) وقد ساق ابن الجوزي عددًا من هذه الأحاديث، تراها في كتابه: الموضوعات (2/ 428 - 417). (3) انظر: كشف الخفاء (2/ 557)، وأسنى المطالب (1426). (4) في الأصل: "وخشية"، والتصويب من الموضوعات لابن الجوزي (2/ 398)، ونسخة المعلمي. (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 398 - 400)، وقال: "موضوع، ولقد =
(1/34)
ومَرَّ في حديثٍ طويلٍ، قبح الله واضعه، فهو من عَمل عُمر بن صُبح الكذّاب الخبيث. __________ = أبدع من وضعه، وزاد في حدّ البرودة"، وانظر، اللآلئ المصنوعة (2/ 25)، تنزيه الشريعة (2/ 80).
(1/35)
فصل ونحن نُنَبِّه على أُمور كُلّية يُعرَف بها كون الحديث موضوعًا. فمنها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات الذي لا يَقول مثلها رَسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهي كثيرة جدًّا، كقوله في الحديث المكذوب: "من قال لا إله إلا الله، خَلَق الله من تلك الكلمة طائرًا له سَبعون ألف لِسان كل لِسان سَبعون ألف لُغة يَستغفرون له" (1). و"من فعل كذا وكذا أعطي في الجنة سَبعين ألف مَدينة، في كل مَدينة سَبعون ألف قَصر، في كل قَصر سَبعون ألف حَوراء" (2). وأمثال هذه التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إمّا أن يَكون في غاية الجَهل والحُمق. وإمّا أن يكون زِنديقًا قَصد التّنقيص بالرسول - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) رواه ابن حبان في المجروحين (1/ 85)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 32 - 34)، وفيه قصة مشهورة وقعت لأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، مع قاص وقف بين أيديهم في مسجد الرصافة فروى هذا الحديث عنهما ... ، في قصة عجيبة، وقد أورده الذهبي في الميزان (1/ 47)، لكنه أنكر الحكاية، واتهم إبراهيم بن عبد الواحد البكري بوضعها. (2) سيأتي حديث: "يا علي من صلى ليلة النصف من شعبان ... ".
(1/36)
فصل ومنها: تكذيب الحسّ له، كحديث: "الباذنجان لما أُكل له" (1). و"البَاذنجان شِفاء من كل دَاء" (2). قَبّح الله واضعهما، فإنّ هذا لو قاله [بعض] (3) جَهلة الأطباء لسَخر النّاس منه، ولو أُكل الباذنجان للحُمّى والسوداء الغالبة، وكثير من الأمراض لم يزدها إلا شِدّة (4)، ولو أكله فَقير ليَستغني لم يُفده الغِنَى، أو جاهل ليتعلم لم يُفده العلم. وكذلك حديث: "إذا عَطس الرَّجل عند الحديث فهو صِدق" (5). __________ (1) قال المؤلف في زاد المعاد (4/ 291): "موضوع مختلق". وقال السيوطي: "لم أقف على إسناد له إلا في (تاريخ بلخ)، هو موضوع"، المقاصد الحسنة (ص 231)، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 159)، الفوائد المجموعة (ص 112). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 124)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 224)، تنزيه الشريعة (2/ 238)، الفوائد المجموعة (ص 167). (3) في الأصل: "بوحش"، وأظنها تصحيف، وفي طبعة الشيخ محمد الفقي رحمه الله: "لو قاله يوحنس أمهر الأطباء لسخر الناس منه"، وتبعه على ذلك الشيخ أبو غدة رحمه الله. (4) انظر: زاد المعاد (4/ 291)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 125). (5) رواه أبو يعلى في مسنده (6352)، والطبراني في الأوسط (6509)، وابن عدي في الكامل (6/ 401)، والبيهقي في الشعب (9365)، والدارقطني في الأفراد، كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 286)، والمقاصد الحسنة (ص 643)، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 268)، وقال: "باطل"، وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 342)، مجمع الزوائد (8/ 59)، تنزيه =
(1/37)
وهذا، وإن صَحّح بعض الناس سَنده (1)، فالحسّ يَشهد بوَضعه، لأنّا نُشاهد العُطاس والكَذِب يعمل عمله، ولو عَطس مائة ألف رَجل عند حديث يُروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُحكم بصحته بالعُطاس، ولو عَطسوا عند شهادة زُور لم تُصدّق. وكذلك حديث: "عليكم بالعدَس، فإنّه مبارك يُرقّ القلب، قُدِّس فيه سَبعون نبيًّا" (2). وقد سُئل عبد الله بن المُبارك عن هذا الحديث؟ وقيل له: إنّه يُروى عنك. فقال: وعنّي؟! (3). أرفعُ شيءٍ في العدَس أنّه شَهوة اليهود. ولو قُدّس فيه نبيٌّ واحدٌ لكان شِفاءً من الأدواء، فكيف بسبعين نَبي؟! وقد سَمّاه الله تعالى {أَدْنَى} [البقرة: 61] على من اختاره على المنّ والسّلوَى، وجعلَه قَرين الثُّوم والبصل، أفتَرى أنبياء بني إسرائيل قُدّسوا فيه لهذه العلّة؟. __________ = الشريعة (2/ 239)، فيض القدير (4/ 381)، الفوائد المجموعة (ص 224). (1) قال النووي في فتاويه: (ص 113): "رواه أبو يعلى في مسنده بإسنادٍ جيد حسن ... ". (2) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 120)، وابن عدي في الكامل (3/ 1173)، والبيهقي في شعب الإيمان (5949)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 152)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 112) وقال: "موضوع"، وانظر: المقاصد الحسنة (ص 485)، الفوائد المجموعة (ص 161)، السلسلة الضعيفة (510). (3) رواه ابن عدي في الكامل (3/ 1173)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 114)، عن إسحاق بن إبراهيم أن ابن المبارك سئل ... فذكره.
(1/38)
والمضار التي فيه، من تَهييج السوداء، والنّفخ، والرّياح الغليظة، وضِيق النّفَس، والدّم الفاسد، وغير ذلك من المضار المحسوسة (1). ويُشبه أن يكون هذا الحديث من وَضع الذين اختاروه على المَنّ والسلوى، أو أشباههم. ومن ذلك حديث: "إنّ الله خَلق السماوات والأرض يوم عاشوراء" (2). وحديث: "اشربوا على الطعام تَشبعوا" (3). فإنّ الشُّرب على الطعام يُفسده، ويَمنع من استقراره في المَعدَة، ومن كمال نُضجه (4). ومن ذلك حديث: "أكذبُ الناس الصبّاغون، والصوّاغون" (5). __________ (1) انظر: زاد المعاد (4/ 289 - 290، 295). (2) رواه ابن الجوزي ضمن حديث طويل في الموضوعات (2/ 567 - 571) وقال: "لا يشك عاقل في وضعه"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 109)، تنزيه الشريعة (2/ 149). (3) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 21)، وأعله بعبد الله بن ميمون القداح وأنه لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وأورده الذهبي في الميزان (2/ 512). (4) انظر: زاد المعاد (4/ 205). (5) رواه ابن ماجة (2152)، وأحمد في المسند (2/ 292، 324، 345)، والطيالسي في مسنده (255)، وابن حبان في المجروحين (2/ 313)، والبيهقي في الكبرى (10/ 249)، وابن عدي في الكامل (6/ 293) ترجمة محمد بن يونس الكديمي، والخطيب في تاريخ بغداد (3/ 438)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 604) وقال: "لا يصح"، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 75)، من طريق ابن عدي، وساق سنده إلى أبي نعيم، ثم قال: =
(1/39)
والحسن يَردّ هذا الحديث، فإنّ الكذب في غيرهم أضعافه فيهم، كالرافضة -فإنهم أكذب خلق الله- والكُهّان، والطُّرُقية، والمُنَجمين. وقد تأوّله بعضهم على أنّ المراد بـ "الصبّاغ" الذي يزيد في الحديث ألفاظًا تُزيّنه، "والصوّاغ" الذي يَصوغ الحديث، ليس له أصل (1)، وهذا تَكلّفٌ باردٌ لتأويل حديثٍ باطلٍ. __________ = "ومن افترى هذا على أبي نعيم"، وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 278)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (144) وقال: "موضوع". وانظر: (ص 89). (1) متأول هذا هو: أبو عبيد القاسم بن سلام كما في الكامل لابن عدي (1/ 154)، صفة من لا يؤخذ عنه العلم، العلل المتناهية (2/ 605).
(1/40)
فصل ومنها: سَماجة الحديث، وكَونه مما يُسخر منه، كحديث: "لو كان الأَرُزّ رجلًا، لكان حليمًا، ما أكله جائعٌ إلا أشبعه" (1). فهذا من السَّمِج البارد الذي تُصان عنه الفضلاء فضلًا عن سيد الأنبياء. وحديث: "الجَوز دَواء، والجُبن دَاء، فإذا صار في الجَوف صار شِفاء" (2). فلعن الله واضعه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث: "لو يعلم الناس ما في الحِلبة لاشتروها بوزنها ذهبًا" (3). وحديث: "أحْضِروا موائدَكم البقلَ، فإنه مَطرَدة للشيطان" (4). __________ (1) قال المؤلف في زاد المعاد (4/ 262): "فيه -يعني الأرز- حديثان باطلان موضوعان على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما: ... " فذكر هذا الحديث، وحديثًا آخر، وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 550): "قال شيخنا: هو موضوع"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 163)، الأسرار المرفوعة (ص 287)، كشف الخفاء (2/ 160). (2) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/ 403)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 115، 116) وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 220)، تنزيه الشريعة (2/ 236)، الفوائد المجموعة (ص 164). (3) رواه الطبراني في المعجم الكبير (20/ 96)، وابن عدي في الكامل (2/ 770)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 118)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 246)، الفوائد المجموعة (ص 164). (4) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 186)، ومن طريقه ابن الجوزي في =
(1/41)
وحديث: "ما من ورقة هِندباء إلا عليها قَطرة من ماء الجنة" (1). وحديث: "بِئست البَقلة الجِرجير، من أكل منها ليلًا بات ونَفسُه تُنازعه، وتَضرب عِرق الجُذام في أنفه، كُلوها نهارًا، وكُفوا عنها ليلًا" (2). وحديث: "فضل دُهن البنَفسج على الأدهان كفضل أهل البيت على سائر الخلق" (3). __________ = الموضوعات (3/ 119)، وقال: "لا أصل له"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 165). (1) رواه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 2987)، وابن عدي في الكامل (4/ 1604)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 120)، ورواه ابن الجوزي أيضًا من طريق ابن شاهين كما في الموضوعات (3/ 119)، وقال: "لا يصح"، وانظر: مجمع الزوائد (5/ 44)، تنزيه الشريعة (2/ 246)، الفوائد المجموعة (ص 165)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (559). (2) رواه السهمي في تاريخ جرجان (243)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 121)، وقال: "موضوع"، وانظر: الكامل لابن عدي (6/ 2386)، تنزيه الشريعة (2/ 247)، الفوائد المجموعة (ص 166). (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 123) بهذا اللفظ، ورواه أبو نعيم في الحلية (3/ 204)، وابن حبان في المجروحين (2/ 103)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/ 13)، وابن عدي في الكامل (6/ 2304)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 245 - 248) بلفظ: "فضل البنفسج على الأدهان كفضل الإسلام على سائر الأديان"، ولفظ رواية ابن حبان، والخطيب: "كفضلي على سائر الخلق"، ولفظ رواية ابن عدي: "فضلنا أهل البيت على الناس كفضل البنفسج ... "، وقال ابن الجوزي: "هذه الأحاديث كلها موضوعة"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 223، 277)، تنزيه الشريعة (2/ 237، 271)، الفوائد المجموعة (ص 196).
(1/42)
وحديث: "فضل الكُرّاث على سائر البُقول، كفضل الخُبز على الحُبوب" (1). وحديث: " الكَمأة والكرفس طعام إلياس واليسع" (2). وحديث: "إن للقلب فَرحة عند أكل اللحم" (3). وحديث: "ما مِنْ رُمّان إلا ويُلقّح بحبة من رُمّان الجنَّة" (4). وحديث: "رَبيع أُمّتي العِنب والبطّيخ" (5). وحديث: "عليكم بمداومة أكل العِنب مع الخُبز" (6). __________ (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 123)، وقال: "لا يُشك في وضعه"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 223)، تنزيه الشريعة (2/ 237)، الفوائد المجموعة (ص 196). (2) هو جزء من الحديث الذي قبله. (3) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1534)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 131)، وقال: "موضوع"، والبيهقي في الشعب (5614)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 226). (4) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2287)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 94 - 95)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 259)، الفوائد المجموعة (ص 159). (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 99)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 210)، تنزيه الشريعة (2/ 235)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (155). (6) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1778)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 151)، وقال ابن عدي: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 211)، تنزيه الشريعة (2/ 235)، الفوائد المجموعة (ص 160).
(1/43)
وحديث: "عليكم بالملح، فإنه شِفاء من سبعين داء" (1). وحديث: "من أكل فُولة بِقِشْرها أخرج الله منه [من] (2) الداء مثلها" (3). لعن الله واضعه. وحديث: "لا تَسبّوا الدّيك فإنّه صَديقي، ولو يَعلم بنوا آدم ما في صوته لاشتروا رِيشه ولَحمه بالذهب" (4). وحديث: "من اتّخذ دِيكًا أبيضَ لم يقربه شَيطان ولا سِحر" (5)، وحديث: "إنّ لله دِيكًا عُنقه مَطوية تحت العرش، ورجلاه في التخوم" (6). __________ (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 102)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 211)، تنزيه الشريعة (2/ 243)، الفوائد المجموعة (ص 161). (2) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي ومصادره. (3) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 150)، وابن عدي في الكامل (4/ 1573)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 110 - 111)، وقال: "ليس بصحيح"، وانظر: المقاصد الحسنة (ص 626). (4) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 41)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 133)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 227)، تنزيه الشريعة (2/ 249)، الفوائد المجموعة (ص 172). (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 135)، وقال بعد أن ساق عددًا من الأحاديث في هذا الباب: "هذه الأحاديث ليس فيها شيءٌ صحيحٌ"، وانظر: شعب الإيمان للبيهقي (5177)، تنزيه الشريعة (2/ 250)، الفوائد المجموعة (ص 172). (6) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1830)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 139) وقال بعد أن ساق عددًا من الأحاديث في الباب: =
(1/44)
وبالجملة: فكل أحاديث الديك كذب، إلا حديثًا واحدًا: "إذا سمعتم صِياح [الدّيَكة} (1)، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت مَلكًا" (2). __________ = هذه أحاديث كلها موضوعة"، وانظر: المستدرك للحاكم (4/ 297)، مجمع الزوائد (4/ 180)، اللآلئ المصنوعة (1/ 60)، تنزيه الشريعة (1/ 189)، الفوائد المجموعة (ص 456 - 457)، سلسلة الأحاديث الصحيحة (150). (1) في الأصل: الديك، والتصويب من مصادره. (2) رواه البخاري (3303)، ومسلم (6857).
(1/45)
فصل ومنها: مُناقضة الحديث لما جاءت به السَّنة مُناقضة بَيّنة، فكل حديثٍ يَشتمل على فَسادٍ، أو ظُلمٍ، أو عَيبٍ، أو مَدح باطلٍ، أو ذَم حقٍّ، أو نحو ذلك، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه بَريء. ومن هذا الباب: أحاديث مَدح من اسمه محمّد وأحمد، وأنّ كل من يُسمّى بهذا الاسم، لم يَدخل النار (1). وهذا مُناقض ما هو مَعلومٌ من دِينه: أنّ النّار لا يُجار منها بالأسماء والألقاب، وإنّما النَّجاة منها بالإيمان والأعمال. ومن هذا الباب: أحاديث كثيرة عُلّقت النجاة من النّار [بها] (2) وأنها لا تَمس من فعل ذلك، وغايتها أن تكون من صغار الحسنات. والمعلوم من دِينه - صلى الله عليه وسلم - خِلاف ذلك، وأنّه إنما ضَمن [النجاة] (3) لمن حَقّق التوحيد. __________ (1) ستأتي بعد قليل، وقد قال ابن همات في التنكيت والإفادة (ص 21): "قال الشافعي في سيرته: لم يصح في فضل التسمية به حديث، بل قال الحافظ تقي الدين الحراني: كل ما ورد فيه فهو موضوع". (2) ليس في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (3) زيادة ليست في الأصل.
(1/46)
فصل ومنها: أن يُدّعى على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل أمرًا ظاهرًا، بمحضر من الصحابة كلهم، وأنهم اتفقوا على كِتمانه ولم يَفعلوه [كما] (1) يَزعم أكذب الطوائف: "أنّه - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة كلهم، وهم رَاجعون من حجة الوداع، فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع، ثم قال: هذا وَصيي وأخي، والخليفة من بَعدي، فاسمعوا له وأطيعوا" (2). ثم اتفق الكُلّ على كِتمان ذلك وتَغييره، فلعنة الله على الكاذبين. وكذلك رِوايتهم: "أن الشّمس رُدّت له بَعد العصر، والناس يُشاهدونها" (3). __________ (1) في الأصل كلمة لم أتمكن من قراءتها، والذي أثبته من نسخة المعلمي. (2) ساق ابن الجوزي عددًا من الأحاديث في مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي، وأن عليًّا رضي الله عنه هو الوصي بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحكم بوضعها، وذلك في كتابه: الموضوعات (2/ 104، 105، 147)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/ 361): أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة. ويعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًّا للرد على شبهات الرافضة وأكاذيبهم حول هذه المسألة وغيرها من المسائل التي ضلوا بسببها وأضلوا بها كثيرًا من الناس، وانظر منه (4/ 32، 7/ 279 - 280، 353 - 361)، مجمع الزوائد (9/ 111 - 112)، السلسلة الضعيفة (351 - 352). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 327)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 119 - 120)، وقال: "موضوع بلا شك"، ورواه الجورقاني في الأباطيل (1/ 158)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 8)، وانظر: مجمع الزوائد (8/ 297)، منهاج السنة (8/ 168)، ميزان الاعتدال (3/ 170)، اللآلئ المصنوعة (1/ 336)، تنزيه الشريعة (1/ 378)، الفوائد المجموعة =
(1/47)
ولا يَشتهر هذا أعظم اشتهار، ولا يَعرفه إلا [أسماء بنت عُميس] (1). __________ = (ص 355). (1) في الأصل: "أم سلمة"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي.
(1/48)
فصل ومنها: أن يكون الحديث باطلًا في نَفْسه، فيدل بطلانه على أنه ليس من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم -. كحديث: "المجرّة التي في السماء من عَرَق الأَفعى التي تحت العَرش" (1). وحديث: "إذا غَضب الله تعالى أنزل الوَحيَ بالفارسية، وإذا رَضي أنزله بالعَربيّة" (2). وكحديث: "سِتُّ خِصال تُورث النّسيان: سُؤر الفأر، وإلقاء القَمل في النار، والبَول في الماء الراكد، ومَضغ العِلك، وأكل التفاح الحامض ... " (3). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 60)، الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 44)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 209)، وقال: "لا يصح"، وأبو الشيخ في العظمة (4/ 1302). وانظر: مجمع الزوائد (1/ 135)، ميزان الاعتدال (2/ 530)، اللآلئ المصنوعة (1/ 85)، تنزيه الشريعة (1/ 190). (2) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1670)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 157)، وقال: "موضوع"، وفيه: "إذا غضب أنزله بالعربية، وإذا رضي أنزله بالفارسية". وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 11)، تنزيه الشريعة (1/ 136). (3) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 622)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 190)، ولفظه: "ست من النسيان: سؤر الفار، وإلقاء القملة وهي حيّة، والبول في الماء الراكد، وقطع القطار، ومضغ العلك، وأكل التفاح، ويحل ذلك اللبان الذكر" وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة =
(1/49)
وحديث: "الحِجامة على القفا تُورث النِّسيان" (1). وحديث: "يا حُميراء (2) لا تَغتسلي بالماء المُشمّس، فإنه يُورث البرص" (3). وكل حديث فيه "يا حُميراء" أو ذكر "الحميراء". فهو كذب مختلق (4)، مثل: "يا حُميراء، لا تأكلي الطّين، فإنه يُورث كذا __________ = (2/ 253)، تنزيه الشريعة (2/ 240). (1) رواه الديلمي، كما في المقاصد الحسنة (ص 298)، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 263): "في إسناده متهم بالوضع". وانظر: زاد المعاد (4/ 52 - 53). (2) الحميراء: تصغير حمراء، وهي المرأة البيضاء المشرّب بياضها بحمرة، القاموس المحيط (2/ 13)، سير أعلام النبلاء (2/ 168)، والمراد بها عائشة رضي الله تعالى عنها. (3) رواه ابن حبان في المجروحين (3/ 75)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 358)، وقال: "لا يصح". وأبو نعيم في كتاب الطب كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 5)، وابن عدي في الكامل (3/ 912)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 167): "وقد قيل: إن كل حديث فيه: يا حميراء، لم يصح، وأوهى ذلك: ... "لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص"". ورواه الدارقطني في سننه (3) بدون لفظة "يا حميراء". وهو عند العقيلي في الضعفاء (2/ 176) من حديث أَنس، وجاء هذا في أثر عن عمر رضي الله عنه موقوفًا، رواه الدارقطني في سننه (4)، وانظر: مجمع الزوائد (1/ 214)، تنزيه الشريعة (2/ 69)، الفوائد المجموعة (ص 8)، إرواء الغليل (1/ 50). (4) قال الزركشي في الإجابة (ص 51) بعد أن ذكر حديث: "خذوا شطر دينكم ... ": "سألت شيخنا الحافظ ابن كثير رحمه الله عن ذلك؟ فقال: كان شيخنا حافظ الدنيا أبو الحجاج المزي رحمه الله تعالى يقول: كل حديث فيه =
(1/50)
وكذا" (1). وحديث: "خُذوا شَطر دِينكم عن الحُميراء" (2). وحديث: "من لم يكن له مال يتصدّق به، فليلعن اليهود __________ = ذكر الحميراء باطل إلا حديثًا في الصوم في سنن النسائي. قال ابن كثير: وحديثًا آخر في سنن النسائي أيضًا، ثم ذكر حديث: "يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ... " ثم قال: وإسناده صحيح. وروى الحاكم في مستدركه حديث: "ذَكر النبي - صلى الله عليه وسلم - خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال: انظري يا حميراء ألا تكوني أنت، ثم التفت إلى علي فقال: إن وليت من أمرها شيئًا فارفق بها" وقال: "صحيح الإسناد". وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 355) بعد أن ذكر حديث "يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم": "ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا". وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 167): "وقد قيل: إن كل حديث فيه: "يا حميراء" لم يصح". وانظر: التحديث (ص 185). (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 188 - 189) وقال: "لا يصح"، وقال المؤلف في زاد المعاد (4/ 309): "ورد -يعني فى الطين- أحاديث موضوعة لا يصح منها شيء مثل ... حديث: "يا حميراء ... "، وكل حديث في الطين فإنه لا يصح ولا أصل له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وانظر: ميزان الاعتدال (4/ 412)، اللآلئ المصنوعة (2/ 249)، تنزيه الشريعة (2/ 258)، الفوائد المجموعة (ص 183). (2) قال ابن كثير: "سألت عنه شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي فلم يعرفه، وقال: لم أقف له على سند إلى الآن، وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: هو من الأحاديث الواهية التي لا يعرف لها إسناد". تحفة الطالب (ص 170)، وقال الحافظ ابن حجر: "لا أعرف له إسنادًا، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في نهاية ابن الأثير ذكره في مادة "ح م ر" ولم يذكر من خرَّجه، ورأيته أيضًا في كتاب الفردوس لكن بغير لفظه ... " كذا في المقاصد الحسنة (ص 321)، وكشف الخفاء (1/ 375)، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 399).
(1/51)
النصارى" (1). فإن اللعنة لا تقوم مقام الصدقة أبدًا. وكحديث: "آليت على نفسي أن لا أُدخل النار من كان اسمه أحمد ومحمد" (2). وكحديث: "من وُلد له مَولود فسمّاه محمدًا -تبركًا به- كان هو والولد في الجنة" (3). وكحديث: "ما مِن مُسلم دَنا من زَوجته، وهو يَنوي إن حَبلَت منه يُسميه محمدًا، إلا رزقه الله ولدًا ذكرًا" (4). وفي ذلك جُزء كله كَذب (5). __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (4/ 1517)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 258)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 489 - 495) وليس عندها والنصارى"، وقال: "لا يصح"، وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 486)، اللآلئ المصنوعة (2/ 75)، الفوائد المجموعة (65). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 240 - 241)، وقال: "لا أصل له"، وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 313)، اللآلئ المصنوعة (1/ 105)، تنزيه الشريعة (1/ 173)، الفوائد المجموعة (ص 471). (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 241)، وقال: "روي في هذا الباب أحاديث ليس فيها ما يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 105)، تنزيه الشريعة (1/ 173)، الفوائد المجموعة (ص 471). (4) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 242)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 106)، تنزيه الشريعة (1/ 174). (5) لعله "جزء من اسمه محمد وأحمد" للحسين بن أحمد بن بكير كما في تنزيه الشريعة (1/ 173)، وقد ساق ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 240) حديثًا =
(1/52)
فصل ومنها: أن يكون كلامه (1) لا يُشبه كلام الأنبياء، فضلًا عن كَلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو وَحي يُوحى، كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4]، أي: نُطقه إلا وحي يوحى، فيكون الحديث ممّا لا يُشبه الوحي، بل لا يُشبه كلام الصحابة. كحديث: "ثلاثة تَزيد في البصر: النَّظر إلى الخُضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن" (2). وهذا الكلام ممَّا يُجلّ عنه أبو هريرة وابن عباس، بل سعيد بن المسيّب والحسن، بل أحمد ومالك. وحديث: "النّظر إلى الوجه الحسن يَجلو البصر" (3). وهذا ونحوه من وَضْع بعض الزنادقة. وحديث: "عليكم بالوُجوه المِلاح، والحدَق السُّود، فإنّ الله __________ = في الباب من طريق الحسين بن أحمد هذا، وهذا الجزء مطبوع كما في التحديث (ص 173). (1) أي: الكلام المنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم -. (2) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/ 286)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 366)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 253 - 254)، وقال: "باطل"، وانظر اللآلئ المصنوعة (1/ 116)، تنزيه الشريعة (1/ 200)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (134). (3) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3/ 225)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 252 - 253)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 114)، تنزيه الشريعة (1/ 179).
(1/53)
يَستحي (1) أن يُعذِّب مَليحًا بالنار" (2). فلعنة الله على واضعه الخبيث. وحديث: "النّظر إلى الوجه الجميل عِبادة" (3). وحديث: "الزُّرقة يُمن" (4). وحديث: "إنَّ الله طَهَّر قومًا من الذُّنوب [بالصلعة] (5) في رُؤوسهم، وإن عليًّا لأولهم" (6). وحديث: "نَبات الشّعر في الأنف أمَان من الجُذام" (7). __________ (1) في الأصل: "لا يستحي"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (2) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/ 382)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 249 - 250)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 113)، تنزيه الشريعة (1/ 174)، الفوائد المجموعة (ص 218). (3) قال القاري في الأسرار المرفوعة (ص 355): "قال ابن القيم: سُئل عنه شيخنا -يعني ابن تيمية- فقال: هذا كذب باطل على رسول الله عليه الصلاة والسلام، لم يروه أحد بإسناد صحيح، بل هو من الموضوعات". (4) رواه أبو داود في مراسيله (479) عن الزهري، ورواه ابن حبان في المجروحين (2/ 164)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 251)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 114)، تنزيه الشريعة (1/ 200)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (217). (5) في الأصل: "بالطاعة"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (6) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 207)، وقال: "باطل"، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 261)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 121)، تنزيه الشريعة (1/ 175)، الفوائد المجموعة (ص 474). (7) رواه ابن حبان في المجروحين (3/ 125)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 295)، =
(1/54)
وقد سُئل عنه الإمام أحمد بن حنبل فقال: يا مُؤمن ذا شيء (1). وحديث: "مَن آتاه الله وَجهًا حَسنًا، واسمًا حَسنًا، وجعله في مَوضع غير شَائن، فهو من صفوة الله في خَلقه" (2). وكل حَديث فيه ذِكر حِسان الوُجوه، أو الثناء عليهم، أو الأمر بالنظر إليهم، أو التماس الحوائج منهم، أو أنّ النار لا تَمسُّهم: فكذبٌ مختلقٌ، وإفكٌ مُفترى (3). وفي الباب أحاديث كثيرةٌ، وأقرب شيءٍ في الباب حديث: "إذا بَعثتم إليّ بَريدًا فابعثوه حَسن الوجه حَسن الاسم" (4). __________ = وابن عدي في الكامل (2/ 785)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (13/ 141)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 262، 264، 265)، وقال: "حديث ليس له صحة". وانظر: مجمع الزوائد (5/ 99)، الفوائد المجموعة (ص 475). (1) الموضوعات لابن الجوزي (1/ 267)، وفيها: "ليس من ذا شيء". (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 247)، وقال: "لا يصح"، وانظر: مجمع الزوائد (8/ 194)، اللآلئ المصنوعة (1/ 111)، تنزيه الشريعة (1/ 199)، الفوائد المجموعة (ص 473). (3) انظر مع ما سبق، ومع ما سيأتي بعده (ص 122). (4) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 158)، والبزار في مسنده (1985)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 248)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 47): "رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفي إسناد الطبراني عمر بن راشد وثقه العجلي، وضعفه جمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات، وطرق البزار ضعيفة"، وصححه الألباني في السلسلة (1186)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 112)، تنزيه الشريعة (1/ 200).
(1/55)
وفيه عُمر بن راشد، قال ابن حِبّان: يَضع الحديث (1). وذكر أبو الفَرج هذا الحديث في "الموضوعات" (2). ومنها: أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا، مثل قوله: إذا كان سَنَة كذا وكذا، وَقع كَيت وكَيت. كقول الكذّاب الأشر: "إذا انكسف القَمر في المُحرّم، كان البلاء والقتال، وشُغل السلطان، وإذا انكسف في صَفر كان كذا وكذا ... " (3). واستمر الكذاب في الشهور كلها. وأحاديث هذا الباب كلها كذبٌ. __________ (1) المجروحين (2/ 83). (2) الموضوعات لابن الجوزي (1/ 248). (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 206 - 207)، وقال: "لا يشك في وضعه"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 83)، تنزيه الشريعة (1/ 178)، الفوائد المجموعة (ص 460)، وانظر: (ص 101).
(1/56)
فصل ومنها: أن يكون الحديث بوَصف الأطباء والطُّرُقية أشبه وأليق، كحديث: "الهريسة تَشدّ الظهر" (1). وكحديث: "كل السمك يُوهن الجسد" (2). وحديث: "الذي شكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قِلّة الولد؟ فأمره أن يأكل البيض والبصل" (3). وحديث: "أتاني جبريل بهريسة من الجنة فأكلتها، فأعطيت قُوَّة أربعين في الجماع" (4). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 45)، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (2/ 279)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 157 - 159)، وعنده: "أطعمني جبريل الهريسة لتشد ظهري لقيام الليل"، وقال: "موضوع"، وقال الموصلي: "قد صُنّف في ذلك جزء، لا يصح في هذا الباب شيء". المغني (ص 453)، التنكيت والإفادة (ص 137 - 139)، التحديث (ص 164). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 155)، وفيه: "يُذهب الجسد"، وقال: "هذا حديث ليس بشيء لا في إسناده ولا في معناه، ولعله "يُذيب الجسد". وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 233)، تنزيه الشريعة (2/ 239)، الفوائد المجموعة (ص 175). واستظهر الشيخ المعلمي أن صوابها "يُذهب الحَسَد". (3) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 358)، وقال: "لا يشك أنه موضوع"، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 156)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 233)، تنزيه الشريعة (2/ 252). (4) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1159)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 158)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 236)، تنزيه الشريعة (2/ 253)، الفوائد المجموعة (ص 176)، سلسلة =
(1/57)
وحديث: "المؤمن حُلو يُحب الحلاوة" (1). ورواه الكذّاب الأشر، بلفظ آخر: "المؤمن حَلوي، والكافر خَمري" (2). وحديث: "كُلوا التّمر على الرّيق، فإنّه يَقتل الدُّود" (3). وحديث: "أطعموا نساءكم في نِفاسهن التّمر" (4). وحديث: "من لَقّم أخاه لُقمة حُلوة، صَرَف الله عنه مَرارة الموقف" (5). __________ = الأحاديث الضعيفة (1686). (1) رواه الديلمي كما في كنز العمال (1612)، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3/ 113)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 162 - 163) بلفظ: "قلب المؤمن حلو يحب ... " وقال: "لا يصح". (2) قال ابن حجر: "باطل لا أصل له"، المقاصد الحسنة (ص 685)، كشف الخفاء (2/ 292). (3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 2009)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 172)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 243)، تنزيه الشريعة (2/ 245)، الفوائد المجموعة (ص 180). (4) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/ 261)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 176)، وقال: "لا يصح"، وانظر: مجمع الزوائد (5/ 89)، تنزيه الشريعة (2/ 240)، الفوائد المجموعة (ص 181)، سلسلة الأحاديث الضعيفة (234). (5) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/ 85 - 86)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 179 - 185)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 246)، الفوائد المجموعة (ص 182).
(1/58)
وحديث: "من أخذ لُقمة من مَجرى الغائط والبول، فغَسلَها ثم أكلها، غُفر له" (1). وحديث: "النّفخ في الطعام يُذهب البركة" (2). وحديث: "إذا طَنّت أُذن أحدكم فليُصلّ عليّ، وليقل: ذَكر الله من ذَكرني بخير" (3). وكل حديثٍ في طَنين الأذن فهو كذبٌ". __________ (1) رواه أبو يعلى في مسنده (6750)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 195)، وقال: "موضوع"، وعزاه ابن حجر في المطالب العالية (2/ 326) لأحمد بن منيع في مسنده، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 255)، تنزيه الشريعة (2/ 241)، الفوائد المجموعة (ص 158). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 193)، وقال: "قال النقاش: وضعه عبد الله بن الحارث"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 254)، ففيه تعقب بورود حديث: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن النفخ في الطعام والشراب" في المسند لأحمد (1/ 357)، والترمذي (1887)"، تنزيه الشريعة (2/ 258)، الفوائد المجموعة (ص 157). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 261)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 266)، وقال: "موضوع"، والطبراني في المعجم الصغير (1104)، والبزار في مسنده كما في كشف الأستار (4/ 3124)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 138): "رواه الطبراني والبزار، وإسناد الطبراني في الكبير حسن"، وعزاه ابن القيم في جلاء الأفهام (ص 58) لابن خزيمة في صحيحه وساق سنده. وهذا الحديث تفرد به معمر بن محمد وهو متروك لذا حكم بعضهم بوضعه، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 635)، الفوائد المجموعة (ص 224)، وفيه: "قيل: هو موضوع"، وانظر: تعقب السيوطي في اللآلئ (2/ 285)، وأشار المناوي في فيض القدير (1/ 399) إلى صحة المتن وتعقب ابن الجوزي في الحكم بوضعه.
(1/59)
فصل ومنها: أحاديث "العقل" كلها كَذِب، كقوله: "لما خَلَق الله العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: ما خلقت خلقًا أكرم عليّ منك، بك آخذ، وبك أُعطي" (1). وحديث: "لكلّ شيء مَعدن، ومَعدن [التقوى] (2) قُلوب العارفين" (3). وحديث: "إن الرّجل ليكون من أهل الصلاة والجهاد، وما يُجزى إلا على قَدر عَقله" (4). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 175)، وابن عدي في الكامل (6/ 14) ترجمة الفضل بن عيسى، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (4645)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 272)، وقال: "لا يصح، وليس فيه شيء يثبت"، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: "موضوع"، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 356)، اللآلئ المصنوعة (1/ 129)، تنزيه الشريعة (1/ 253)، الفوائد المجموعة (ص 477 - 478). (2) في الأصل: "النفوس"، والتصويب من الموضوعات لابن الجوزي (1/ 268)، ونسخة المعلمي. (3) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 11)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 268)، وقال: "لا يصح"، وأورده الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 424) وقال: "نقلته من مسند الشهاب"، ونقل الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 475) عن الذهبي أنه قال: "موضوع". وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 143)، ولفظة: "العارفين، في الأصل، وميزان الاعتدال، وأما الموضوعات، والفوائد المجموعة ففيها "العاقلين". (4) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3/ 79)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 269)، وقال: "لا يصح"، وجزم ببطلانه يحيى بن معين =
(1/60)
قال الخطيب: حدثنا الصوري، قال: سمعت الحافظ عبد الغني (1)، يقول: [قال] (2) الدارقطني: "إنّ كِتاب العَقل، وَضعه أربعة: أولهم مَيسرة بن عبد ربه، ثم سَرقه منه داود بن المُحبّر، [فرَكّبه بأسانيد غير أسانيد مَيسرة، وسَرقه عبد العزيز بن أبي رَجاء، فرَكّبه بأسانيد أُخر، ثم سَرقه سُليمان بن عيسى السّجزي، فأتى بأسانيد أُخر (3)] " (4). قلتُ: يُريد كتاب "العقل" [لداود] (5) المُحترق الكذّاب، وهو سِفر (6). وقال أبو الفَتح الأَزدي: لا يَصحّ في العقل حديثٌ، قاله __________ = كما نقله الخطيب في التاريخ، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 125)، تنزيه الشريعة (1/ 175)، الفوائد المجموعة (ص 475). (1) في الأصل: "ابن عبد الغني"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) في الأصل: "إن"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (3) في الأصل: "وركبه بإسناد، وسرقه سليمان بن عيسى السجزي بأسانيد أخر"، والتصويب من تاريخ بغداد (8/ 359 - 360)، والموضوعات لابن الجوزي (1/ 277). (4) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/ 359)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 277). (5) في الأصل: للأودي، وهو خطأ. (6) أورد الحارث بن أبي أسامة في مسنده عددًا من أحاديث كتاب العقل هذا كما تراها في المطالب العالية للحافظ ابن حجر (3/ 13) من الحديث رقم (2742 - 2771) وقال الحافظ ابن حجر قبل أن يسوق هذه الأحاديث: "وهي موضوعة كلها لا يثبت منها شيء". وصاحب كتاب العقل هو: داود بن المحبر بن قحذم البصري، ترجمته وخبر كتابه هذا في: المجروحين (1/ 291)، الكامل لابن عدي (3/ 101)، ميزان الاعتدال (2/ 20)، وفيه: "ليته لم يصنفه".
(1/61)
أبو جعفر العُقيلي (1)، وأبو حاتم [ابن] (2) حِبّان (3)، والله أعلم. __________ (1) الضعفاء (3/ 175)، وفيه أن العقيلي قال: "ولا يثبت في هذا المتن شيئًا". (2) في الأصل: وابن، والصواب ما أثبته. (3) في روضة العقلاء لابن حبان (ص 40): "لست أحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرًا صحيحًا في العقل"، وانظر: جنة المرتاب (ص 59)، التحديث (ص 173).
(1/62)
فصل ومنها: الأحاديث التي ذُكر فيها الخَضر وحياته، كلها كذب ولا يَصح في حياته حديثٌ واحدٌ. كحديث: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في المسجد فسمع كلامًا من ورائه فذهبوا ينظرون فإذا هو الخَضر" (1). وحديث: "يَلتقي الخَضر وإلياس كل عام" (2). وحديث: "يجتمع بعرفة جبريل وميكائيل والخَضر ... " (3) الحديث مفترى طويل. سُئل إبراهيم الحرْبي عن تَعمير الخَضر، وأنه باق؟ فقال: من أحال على غائب لم يُنتصف منه، وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان (4). وسئل البخاري عن الخَضر، وإلياس هل هما أحياء؟ فقال: كيف يكون هذا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبقى على رأس مِئة سنة ممن هو اليوم __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2083)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 308 - 309)، والبيهقي في دلائل النبوة كما في اللآلئ المصنوعة (ص 165)، وانظر: تنزيه الشريعة (1/ 233). (2) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 740)، وقال: "منكر"، والعقيلي في الضعفاء (1/ 225)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 311). وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 166)، تنزيه الشريعة (1/ 234). (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 312)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 167)، تنزيه الشريعة (1/ 235). (4) حكاه عن إبراهيم ابن المنادي في كتابه الذي جمعه في الخضر كما في الإصابة (2/ 300 - 301).
(1/63)
على ظهر الأرض أحدٌ" (1). وسُئل عن ذلك غيره من الأئمة؛ فقرأ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34]. وسُئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: لو كان الخَضر حيًّا لوجب عليه أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجاهد بين يديه ويتعلّم منه، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض" (2). وكانوا ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلًا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، فأين كان الخَضر حينئذ؟ (3) قال أبو الفرج بن الجوزي (4): والدليل على أن الخَضر ليس بباقٍ في الدنيا أربعة أشياء: القرآن، والسنة، وإجماع المحققين من العلماء، والمعقول. أما القرآن فقوله تعالى: ({وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: 34] فلو دام البقاء كان خالدًا. وأما السنّة فذكر حديث: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يَبقى على ظهر الأرض ممّن هو اليوم أحدٌ" متفق __________ (1) أورده عن البخاري ابن حجر في الإصابة (2/ 351)، والحديث رواه البخاري (116) ومسلم (6426). (2) رواه مسلم (4563). (3) انظر مجموع الفتاوى (27/ 100). (4) لعل هذا النقل الطويل عن ابن الجوزي، في كتابه: عجالة المنتظر في شرح حال الخضر، وانظر: الموضوعات (1/ 314 - 315)، البداية والنهاية (1/ 330)، وانظر: الإصابة لابن حجر (2/ 299).
(1/64)
عليه (1). وفي "صحِيح مسلم" عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل موته بقليل: "ما مِن نفس منفوسة يأتي عليها مئة سنة وهي يومئذ حَيّة" (2). ثم ذَكر (3) عن البخاري، وعلي بن موسى الرِّضا، أن الخَضر مات، وأنّ البخاري سُئل عن حياته، فقال: كيف يكون ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مئة سنة لا يَبقى ممّن على ظهر الأرض أحدٌ" (4). قال: وممّن قال إن الخَضر مات: إبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو الحسين بن المُنادي، وهما إمامان. وكان ابن المُنادي يُقبّح قول من يقول: إنّه حَيٌّ. وحَكى القاضي أبو يَعلى مَوته عن بعض أصحاب أحمد، وذَكر عن بَعض أهل العلم أنه احتجّ بأنّه لو كان حيًّا لوجَب عليه أن يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال أحمد: ثنا سُريج بن النُّعمان، ثنا هُشيم، أنا مُجالد، عن الشَّعبي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نَفسي بِيده لو أنّ موسى كان حيًّا ما وَسِعه إلا أن __________ (1) رواه البخاري (116)، ومسلم (6426). (2) رواه مسلم (6428). (3) أي: ابن الجوزي. (4) هذا النقل عن علي بن موسى والبخاري أورده عنهما النقاش في تفسيره كما في الإصابة (2/ 298)، ولا زال الكلام لابن الجوزي، والحديث تقدم تخريجه.
(1/65)
يَتّبعني" (1). فكيف يكون حيًّا ولا يُصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجُمعة والجَماعة ويُجاهد معه، ألا ترى أنّ عيسى عليه السلام إذا نزل إلى الأرض يُصلي خَلف إمام هذه الأمة ولا يَتقدم؛ لئلا يكون ذلك خَدشًا في نُبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو الفرج: وما أَبعد فَهم من يُثبت وجود الخَضر ويَنسى ما في طَي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة. أما الدليل من المعقول فمن تسعة أوجه: أحدها: أن الذي أثبت حياته يقول: إنه وَلد آدم لصُلبه، وهذا فاسد لوجهين: أحدهما: أن يكون عُمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذُكر في [كتب بعض] (2) المؤرخين، ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق بشر. والثاني: أنه لو كان وَلده لصُلبه، أو الرابع من وَلد وَلده كما زعموا، كان وَزير ذِي القَرنين، فإن تلك الخِلقة ليست على خِلقتنا، بل مُفرط في الطول والعرض. وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "خَلق الله آدم طوله ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق يَنقص بَعد" (3). __________ (1) المسند (3/ 338، 387)، وفي إسناده مجالد بن سعيد، فال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 174): "ضعفه أحمد، ويحيى بن سعيد وغيرهما". (2) في الأصل: "كتاب يوحنّي"، والتصويب من نسخة المعلمي. (3) رواه البخاري (3326)، ومسلم (7092).
(1/66)
وما ذَكر أحد ممّن رأى الخَضر أنه رآه على خِلقة عظيمة، وهو من أقدم الناس. الوجه الثاني: أنه لو كان الخَضر قبل نُوح لركب معه في السفينة، ولم يَنقل هذا أحد. الوجه الثالث: أنه قد اتّفق العلماء أن نوحًا لما نَزل [من] (1) السفينة [مات] (2) من كان معه، ثم مات نسلُهم، ولم يَبق غير نَسل نوح، والدليل على هذا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} [الصافات: 77]، وهذا يُبطل قول من قال إنه كان قبل نوح. الوجه الرابع: أن هذا لو كان صحيحًا أن بَشرًا من بني آدم يَعيش من حين يُولد إلى آخر الدهر، ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مَذكورًا في غير موضع؛ لأنه من أعظم آيات الربوبية، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى من استحياه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر، ولهذا قال بعض أهل العلم: ما أَلقى هذا بين الناس إلا شيطان (3). الوجه الخامس: أن القول بحياة الخَضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن. أما المقدمة الثانية فظاهرة. وأما الأولى: فإن حَياته لو كانت ثابتة لَدلّ عليها القرآن، أو السنة، __________ (1) في الأصل: "في"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) في الأصل: "فمات"، والتصويب من نسخة المعلمي. (3) تقدم عزوه (ص 64)، ولا يزال الكلام لابن الجوزي.
(1/67)
أو إجماع الأمة. فهذا كتاب الله تعالى فأين فيه حياة الخَضر، وهذه سُنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأين فيها ما يَدل على ذلك بِوجه، وهؤلاء عُلماء الأمة هل أجمعوا على حياته؟ الوجه السادس: أنّ غَاية ما يَتمسك به من ذَهَب إلى حياته حِكايات مَنقولة، يُخبر الرجل بها أنّه رأى الخَضر، فيالله العَجب، هل لِلخَضر عَلامة يَعرفه بها من رَآه؟ وكثير من هؤلاء يَغترّ بقوله: أنا الخَضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا بُرهان من الله، فأين للرائي أن المُخبر له صادق لا يكذب. الوجه السابع: أن الخَضر فارق موسى بن عمران كَليم الرحمن، ولم يُصاحبه، وقال: {هَذَا فِرَاقٌ بَيْنِى وَبيْنِكَ} [الكهف: 78] فكيف يَرضى لِنفسه بمُفارقته لمثل موسى، ثم يَجتمع بجهلة العُبّاد الخارجين عن الشريعة، الذين لا يحضرون جُمعة ولا جماعة ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئًا، وكل منهم يقول: قال لي الخَضر، وجاءني الخَضر، وأوصاني الخَضر. فيا عَجبًا له يُفارق كَليم الله تعالى، ويدور على صُحْبة الجهال، ومن لا يعرف كيف يتوضأ، ولا كيف يصلي؟!. الوجه الثامن: أن الأمة مُجمعة على أن الذي يقول: أنا الخَضر، لو قال: سَمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كذا وكذا، لم يُلتفت إلى قوله، ولم يُحتجّ به في الدين، إلا أن يُقال: إنه لم يأتِ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا بايعه، أو يَقول هذا الجاهل: إنه لم يُرسل إليه، وفي هذا من الكفر ما فيه.
(1/68)
"الوجه التاسع": أنه لو كان حيًّا لكان جِهاده الكفار، ورِباطه في سبيل الله، ومُقامه في الصفّ ساعة، وحُضور الجمعة والجماعة، وتعليم العلم: أفضل له بكثير، من سِياحته بين الوحُوش في القِفار، والفَلوات، وهل هذا إلا من أعظم الطّعن عليه، والعَيب له.
(1/69)
فصل ومنها: أن يكون الحديث ممّا تَقوم الشواهد الصحيحة على بُطلانه. كحديث عُوج بن عُنق (1) الطويل (2)، الذي قَصَد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء، فإنهم يجترئون على هذه الأخبار. فإن في هذا الحديث: أنّ طوله كان ثلاثة آلاف ذراع، وثلاث مئة وثلاثة وثلاثين وثلثًا، وأن نوحًا لما خَوّفه الغَرَق قال له: احملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه، وأنه خاض البحر فوصل إلى حُجزته، وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضّهم بها، فطوّقها الله في عُنقه مثل الطوق. وليس العَجب من جُرأة مثل هذا الكذاب على الله، إنّما العَجب ممّن يُدخل هذا الحديث في كُتب العلم، من التفسير وغيره، ولا يُبيّن أمره. وهذا عندهم ليس من ذرية نوح، وقد قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} [الصافات: 77]. فأخبر أن كُل من بَقي على وَجه الأرض من ذُرية نوح، فلو كان لعُوج وجود، لم يبق بعد نوح. وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خلق الله آدم، وطوله في السماء ستون __________ (1) ينظر: القاموس وشرحه تاج العروس حول اسم والد عوج، وهل هو عنق، أو عوق؟ (2) للسيوطي رسالة في خبر عوج اسمها "الأوج في خبر عوج" في الحاوي للفتاوي (2/ 586) أورد فيها كلام ابن القيم هذا كاملًا وعزاه له.
(1/70)
ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن" (1). وأيضًا: "فإن بين السماء والأرض خمس مئة عام، وسُمكها كذلك" (2). وإذا كانت الشمس في السماء الرابعة، فبيننا وبينها هذه المسافة العظيمة، فكيف يصل إليها [من طوله] (3) ثلاثة آلاف ذراع حتى يَشوي في عينها الحوت، ولا ريب أن هذا وأمثاله من وَضع زَنادقة أهل الكتاب، الذي قَصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل، وأتباعهم. ومن هذا حديث: "إن قاف جَبل من زَبرجدة خضراء مُحيط بالدنيا كإحاطة الحائط بالبستان، والسماء رافعة (4) أكنافها عليه، فزُرقتها منه" (5). وهذا وأمثاله مما يَزيد زنادقة الفلاسفة، وأمثالهم كفرًا. __________ (1) تقدم تخريجه وأنه في الصحيحين، بدون لفظة: "في السماء"، وقد جاءت في حديث آخر في البخاري (3327)، ومسلم (7078) ولفظه: "إن أول زمرة يدخلون الجنة ... على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء". (2) جاء هذا في حديث رواه أحمد في مسنده (2/ 370)، وانظر: فتح الباري (6/ 210). (3) في الأصل: "طول"، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) في نسخة المعلمي "واضعة". (5) رواه أبو الشيخ في العظمة (4/ 1489)، والحاكم في المستدرك (2/ 464)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (6/ 112) لابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن مردويه، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 429).
(1/71)
ومن هذا حديث: "إن الأرض على صَخرة، والصخرة على قَرن ثَور، فإذا حَرّك الثّور قَرنه تحرّكت الصخرة فتحركت الأرض، وهي الزلزلة" (1). والعجب من مُسوّد كُتبه بهذه الهذيانات. ومن هذا حديث: "كانت جِنّية تأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبطأت عليه، قال: ما بطأ بك؟ قالت: مات لها ميّت بالهند، فذهبتُ في تعزيته، فرأيتُ في طريقي إبليس يُصلي على صَخرة، فقلتُ له: ما حملك أن أضللت آدم؟ فقال: دَعي هذا عنك، قلتُ: تُصلي وأنت أنت؟ قال: يا فارغة إني لأرجو من ربي إذا بَرّ قسمه أن يغفر لي، فما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضَحك [كذلك] (2) اليوم" (3). قال ابن عدي في "الكامل ": ثنا عبد المؤمن بن أحمد، [ثنا مِنقر بن الحكم] (4)، ثنا ابن لَهيعة، عن أبيه، عن أبي الزُّبير، عن جابر، فذكره (5). __________ (1) رواه أبو الشيخ في العظمة (4/ 1489)، وابن أبي الدنيا في العقوبات (ق 63/ أ) كما في حاشية كتاب العظمة، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 435). (2) في الأصل مقدار كلمة ليست واضحة، والمثبت من مصادره. (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 225)، وقال: "لا يصح"، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 190)، وانظر: لسان الميزان (6/ 102)، اللآلئ المصنوعة (1/ 173)، تنزيه الشريعة (1/ 231)، وقال الشوكاني: "موضوع، وفي إسناده منقر بن الحكم بن إبراهيم بن سعد بن مالك". الفوائد المجموعة (ص 497). (4) ساقط من الأصل والتصويب من مصادره ونسخة المعلمي. (5) رواه من طريق ابن عدي بهذا الإسناد ابن الجوزي في الموضوعات (1/ =
(1/72)
والله تعالى أعلم بما دُسّ في كُتب ابن لَهيعة، وإلا فهو أعلم بالحديث من أن يروج عليه مثل هذا. ومن هذا: حديث هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، الحديث الطويل (1)، ونحوه. وحديث زَرنب (2) بن برثملا (3). قال ابن الجوزي: حديث زرنب باطل (4). __________ = 225). رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 96، 98)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 334)، وانظر: ميزان الاعتدال (1/ 186)، اللآلئ المصنوعة (1/ 177)، تنزيه الشريعة (1/ 239). (2) اختلفت المصادر في ضبطه، هل هو زرنب، أو زريب؟ وفي الإصابة (2/ 636): زريب، ذكره الطبري في الصحابة، وذكر ابن حجر قصته، وأنه من حواري عيسى ... إلى آخره! ولابن السماك "جزء فيه حديث منكر ونكير، وحديث زريب وصي عيسى عليه السلام، وغير ذلك" فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية للألباني رحمه الله (ص 84). (3) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1929)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 341)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/ 425)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 255)، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 46)، اللآلئ المصنوعة (1/ 177)، تنزيه الشريعة (1/ 239)، الفوائد المجموعة (ص 498). (4) الموضوعات (1/ 341).
(1/73)
فصل ومنها: مخالفة الحديث صريح القرآن، كحديث: "مقدار الدنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة" (1). وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان صحيحًا لكان كل أحد عالمًا أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وإحدى وخمسون سنة، والله تعالى يقول: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأعراف: 187]. وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34]. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله" (2). وقد جاهر بالكذب بعض من يدعي في زماننا العلم، وهو يَتشبّع بما لم يُعط أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم متى تقوم الساعة، قيل له: فقد قال في حديث جبريل: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" (3) فحرّفه عن مواضعه، وقال: معناه أنا وأنت نعلمها. وهذا من أعظم الجهل وأقبح التحريف، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم بالله من أن يقول لمن كان يَظنه أعرابيًّا: أنا وأنت نعلم الساعة، إلا أن يقول هذا __________ (1) عزاه السيوطي للحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن عساكر، وابن عدي، والطبراني، والبيهقي في الدلائل، كما في الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف، الحاوي للفتاوي (2/ 249 - 250). (2) رواه البخاري (4697). (3) رواه مسلم (93).
(1/74)
الجاهل: إنه كان يَعرف أنه جبريل، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الصادق في قوله: "والذي نفسي بيده ما جاءني في صورة إلا عرفته غير هذه الصورة" (1). وفي اللفظ الآخر: "ما شُبّه عليّ غير هذه المرّة" (2). وفي اللفظ الآخر: "رُدوا عليّ الأعرابي، فذهبوا فالتمسوا فلم يجدوا شيئًا" (3). وإنما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه جبريل بعد مُدّة، كما قال عُمر: فلبثتُ مَليًّا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا عُمر أتدري من السائل؟ " (4). والمحرّف يقول: عَلمَ وقت السؤال أنه جبريل، ولم يُخبر الصحابة بذلك إلا بعد مُدّة. ثم نَقول في الحديث: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" (5) يَعمّ كل سائلٍ ومسؤولٍ، فكل سائلٍ ومسؤولٍ عن الساعة هذا شأنهما. ولكنّ هؤلاء الغلاة عندهم أن عِلم (6) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُنطبق على عِلم الله سَواء بسواء، فكل ما يعلمه الله يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والله تعالى يقول: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ __________ (1) رواه أحمد في المسند (1/ 53). (2) رواه ابن خزيمة في صحيحه (1)، ومن طريقه ابن حبان كما في الإحسان وإسناده صحيح. (3) رواه البخاري (50، 4777)، ومسلم (97). (4) رواه مسلم (93). (5) تقدم تخريجه. (6) في الأصل بعده: "أن"، ولا محل لها.
(1/75)
الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] وهذا في براءة، وهو في أواخر براءة، وهو من أواخر ما نزل من القرآن، هذا والمنافقون جيرانه في المدينة. ومن هذا حديث: "عِقد عائشة رضي الله عنها لما أَرسل في طلبه فأثاروا الجمل [فوجدوه] (1) " (2). ومن هذا حديث: "تلقيح [النخل] (3)، وقال: ما أرى لو تركتموه يضره شيء، فتركوه فجاء شِيصًا، فقال: أنتم أعلم بدنياكم" (4). وقد قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: 50]. وقال: {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف: 188]. ولمّا جَرى لأم المؤمنين عائشة ما جَرى، ورَماها أهل الإفك، لم يَكن يَعلم حقيقة الأمر، حتى جاءه الوحي من الله ببرائتها. وعند هؤلاء الغلاة أنه كان يعلم الحال [إلا] (5) أنه بلا ريبة استشار الناس في فِراقها ودعا [الجارية] (6) فسألها، وهو يعلم الحال، __________ (1) ليس في الأصل: "فوجدوه"، وهو من نسخة المعلمي. (2) رواه البخاري (4750). (3) في الأصل "التمر"، والتصويب من مصادره ونسخة المعلمي. (4) رواه مسلم (1836). (5) في الأصل "لا"، والتصويب من نسخة المعلمي. (6) في الأصل: "ريحانة"، والذي في صحيح البخاري (4750): "وأما علي بن أبي =
(1/76)
وقال لها: "إن كنتِ أَلمَمتِ بذنب فاستغفري الله" (1). وهو يعلم علمًا يقينًا أنها لم تُلم بذنب، ولا رَيب أن الحامل لهؤلاء على هذا الغلو: اعتقادهم أنه يُكفر عنهم سيئاتهم، ويُدخلهم الجنة، [وأنهم] (2) كلما غلوا (3) كانوا أقرب إليه وأخص به، فهم أعصى الناس لأمره، وأكثرهم مخالفة لسنته، وأعظمهم غلوًّا فيه. وهؤلاء فيهم شَبه ظاهر من النصارى، غَلَوا في المسيح أعظم الغلو، وخالفوا شرعه ودينه أعظم المخالفة. والمقصود أن هؤلاء يُصدّقون بالأحاديث المكذوبة، ويُحرّفون الأحاديث الصحيحة. __________ = طالب فقال: يا رسول الله ... وإن تسأل الجارية تصدقك، ... فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة"، ولذا أثبت المعلمي في نسخته (فدعا الجارية)، وكذا أثبتُه وأرى أنه الصواب. (1) رواه البخاري (4750). (2) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (3) بعده في الأصل: "زادوا غلوًّا"، وليس لها محل.
(1/77)
فصل ويُشبه هذا ما وَقع فيه الغلط من حديث أبي هريرة: "خلق الله التربة يوم السبت ... " الحديث، وهو [في] (1) "صحيح مسلم" (2). ولكن وَقع فيه الغلط في رَفعِه، وإنما هو من قول كَعب الأحبار، كذلك قال إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري في "تاريخه الكبير" (3) وقال غيره من علماء المسلمين أيضًا (4). وهو كما قالوا؛ لأن الله أخبر أنه {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الفرقان: 59]. وهذا الحديث يقتضي أن مُدّة التّخليق سبعة أيام، والله تعالى أعلم (5) __________ (1) ليست في الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) رواه مسلم (6985). (3) (1/ 413) قال: "رواه بعضهم عن أبي هريرة عن كعب الأحبار، وهو الأصح". (4) قال المناوي في فيض القدير (3/ 448): "قال الزركشي: أخرجه مسلم، وهو من غرائبه، وقد تكلم فيه ابن المديني والبخاري وغيرهما". (5) انظر: الأنوار الكاشفة للمعلمي رحمه الله (ص 188).
(1/78)
فصل ومن ذلك الحديث الذي يُروى في الصّخرَة: "أنها عَرش الله الأدنى" (1). تعالى الله عن كذب المفترين. ولما سَمع عُروة بن الزُّبير هذا، قال: "سبحان الله، يقول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255] وتكون الصخرة عَرشه الأدنى" (2). وكل حديث في "الصخرة" فهو كذب مفترى. [والقدم] (3) الذي فيها كذبٌ موضوعٌ، مما عملته [أيدي] (4) المزورين (5). وأرفع شيءٍ في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها الأمة الكعبةَ البيت الحرام. ولما أراد أمير المؤمنين عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبني المسجد الأقصى استشار الناس: هل يجعله أمام الصخرة أو خلفها؟ فقال كَعب: يا أمير المؤمنين، ابنه خَلف الصخرة. فقال: يا [ابن] (6) __________ (1) الأسرار المرفوعة (ص 435). (2) الأسرار المرفوعة (ص 435). (3) في الأصل: والحديث، والتصويب من الأسرار المرفوعة (ص 435) ونسخة المعلمي. (4) ليست في الأصل، وهي من الأسرار المرفوعة (ص 435) ونسخة المعلمي. (5) الأسرار المرفوعة (ص 435). (6) في الأصل: "بني"، والتصويب من نسخة المعلمي.
(1/79)
اليهودية، خالطتك اليهودية، بل أَبنيه أمام الصخرة حتى لا يَستقبلها المصلون، فبناه حيث هو اليوم (1). وقد أكثر الكذابون من الوضع في فضائلها، وفضائل بيت المقدس، والذي صح في فضله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا". وهو في الصحيحين (2). وقوله من حديث أبي ذر، وقد سأل: أي مسجدٍ وضع في الأرض أول؟ فقال: "المسجد الحرام" قال: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى ... " الحديث، وهو متفقٌ عليه (3). وحديث عبد الله بن عَمرو: "لما بنى سُليمان البيت، سألَ ربّه ثلاثًا: سأله حكمًا يُصادف حكمه، فأعطاه إياه، وساله مُلكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أن لا يَؤمّ أحدٌ هذا البيت لا يُريد إلا الصلاة فيه إلا رَجع من خَطيئته كيوم ولدته أمه، وأنا أرجو أنه قد يكون أعطاه الله ذلك" وهو في "مسند أحمد"، و"صحيح الحاكم" (4). __________ (1) القصة قريبًا من هذا السياق في مسند أحمد (1/ 38) وفيه: "فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية"، وانظر: مجمع الزوائد (4/ 6)، تاريخ ابن جرير (4/ 16)، البداية والنهاية (7/ 58)، وأشار ابن كثير إلى أن الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم ابن عساكر قد استقصى هذه الأخبار في كتابه: المستقصى في فضائل المسجد الأقصى. (2) البخاري (1189)، ومسلم (3370). (3) البخاري (3366)، ومسلم (1161). (4) مسند أحمد (2/ 176)، المستدرك (1/ 30)، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة، وقد احتجا بجميع رواته، ثم لم يخرجاه، ولا أعلم =
(1/80)
وفي الباب حديثٌ رابع دون هذه الأحاديث، رواه ابن ماجه في سننه". وهو حديثٌ مُضطربٌ: "أن الصّلاة فيه بخمسين ألف صلاة" (1). وهذا مُحالٌ؛ لأنّ مَسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه، والصلاة فيه: "تفضل على غيره بألف صلاة" (2). وقد رُوي في بيت المقدس (3) "التفضيل بخمس مئة" (4) وهو أشبه. __________ = له علة". ولم يتعقبه الذهبي. (1) رواه ابن ماجه في سننه (1413)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 456): إسناده ضعيف، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 520) وقال: "هذا منكرٌ جدًّا". (2) البخاري (3363)، ومسلم (3361). ولفظ مسلم: "صلاة في مسجدي هذا، أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام". (3) في الأصل: "بيت مسجد المقدس"، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) رواه الطحاوي في مشكل الآثار (609)، والبيهقي في شعب الإيمان (4144)، والطبراني في الكبير، وابن خزيمة في صحيحه، والبزار، وأشار البزار إلى تحسينه كما في الترغيب والترهيب (2/ 216)، وتعقب الحافظ الناجي في عجالة الإملاء (لوحة 135/ 1) تحسين البزار له، فقال: فيه سعيد بن سالم القداح وقد ضعفوه، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 7) عن حديث الطبراني: "رجاله ثقات وفي بعضهم كلام، وهو حديث حسن"، والحديث قال عنه الألباني رحمه الله في ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 378): "منكر"، وانظر: إرواء الغليل (4/ 342)، وقد جاء أيضًا أن الصلاة في مسجد بيت المقدس بمائتين وخمسين صلاة كما عند ابن طهمان في مشيخته (62)، ومن طريقه الحاكم في المستدرك (4/ 509)، والطحاوي في مشكل الآثار (608)، والبيهقي في شعب الإيمان (4145)، ولفظه: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه -يعنى مسجد بيت المقدس- ... "، وقال المنذري في =
(1/81)
وصَحّ أنه - صلى الله عليه وسلم -: "أُسري به إليه، وأنه صَلّى فيه، وأمّ المرسلين في تلك الصلاة، ورَبط البراق بحلَقة الباب، وعُرج به منه" (1). وصَحّ عنه أن المؤمنين يتحصّنون به من يأجوج ومأجوج (2). فهذا مجموع ما يصح فيه من الأحاديث. ثم افتتح الجراب، واكتل الأحاديث المكذوبة فيه، وفي الخليل. فقبح الله [الكاذبين] (3) على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمحرّفين للصحيح من كلامه، فيالله مَن لِلأُمّة من هاتين الطائفتين. __________ = الترغيب والترهيب (2/ 217): "رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، وفي إسناده غرابة"، والحديث صححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (2/ 47)، وانظر: تمام المنة له (ص 294). (1) كل هذه الروايات في مسلم (409، 429). (2) الحاكم في المستدرك (1/ 330) ولفظه: "وأنه سيظهر على الأرض كلها، إلا الحرم، وبيت المقدس، وأنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس". (3) في الأصل: "المكذبين"، والتصويب من نسخة المعلمي.
(1/82)
فصل ومنها: أحاديث صلوات الأيام والليالي، كصلاة يوم الأحد، وليلة الأحد، ويوم الاثنين، وليلة الاثنين، إلى آخر الأسبوع (1). كل أحاديثها كذب، وقد تقدم بعض ذلك (2). وكذلك: أحاديث صلاة الرغَائب ليلة أول جمعة من رَجَب (3)، كلها كذب مُختلق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأصله: ما رواه عبد الرحمن بن مَندة -وهو صدوق- عن [ابن] (4) جَهضم، وهو واضع الحديث: ثنا علي بن محمد بن سعيد البصري، ثنا أبي، ثنا خَلف بن عبد الله الصنعاني، عن حميد، عن أنس، يرفعه: "رَجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ... " الحديث، وفيه: "لا تغفلوا عن أول جمعةٍ من رَجب؛ فإنها تسميها الملائكة الرغائب "، وذكر الحديث المذكور بطوله (5). __________ (1) ساقها ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 417 - 428). (2) (ص 32 - 33). (3) انظر: ما بعده. (4) ليست في الأصل، والتصويب من مصادره، وستأتي على الصواب، وهي على الصواب في نسخة المعلمي. (5) رواه من طريق ابن منده، ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 436)، ورواه أبو محمد عبد العزيز الكناني كما في تبيين العجب (ص 55). وابن جهضم هو: علي بن عبد الله بن جهضم شيخ الصوفية بمكة توفي سنة: 414، كما في الميزان (3/ 142)، وانظر: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب، لابن حجر (ص 55)، اللآلئ المصنوعة (2/ 55)، تنزيه الشريعة (2/ 90)، الأسرار المرفوعة (ص 483)، الفوائد المجموعة (ص 47 - 50) قال الشوكاني: ومما =
(1/83)
قال ابن الجوزي: اتّهموا به ابن جَهضم، ونَسبوه إلى الكذب، وسمعتُ عبد الوهاب الحافظ يقول: رِجاله مجهولون، فنبشتُ عليهم جميع الكتب، فما وجدتهم (1). قال بعض الحفاظ: بل لعلهم لم يُخلقوا (2). وكل حديث في ذكر صوم رَجب، وصلاة بعض الليالي فيه، فهو كذبٌ مفترى (3)، كحديث: "من صلّى بعد المغرب أول ليلة من رَجب عشرين ركعة، جاز على الصراط بلا حساب" (4). __________ = أوجب طول الكلام عليها -يعني صلاة الرغائب- وقوعها في كتاب رَزين بن معاوية العبدري، ولقد أدخل في كتابه الذي جمع فيه دواوين الإسلام بلايا وموضوعات لا تعرف، ولا يُدرى من أين جاء بها، وذلك خيانة للمسلمين، وقد أخطا ابن الأثير خطأً بينًا بذكر ما زاده رزين في (جامع الأصول) ولم ينبه على عدم صحته في نفسه إلا نادرًا، كقوله بعد ذكر هذه الصلاة ما لفظه: "هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين، ولم أجده في واحد من الكتب الستة، والحديث مطعون فيه". وقال ابن رجب في لطائف المعارف (ص 288): "وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وممن ذكر ذلك من أعيان العلماء المتأخرين من الحفاظ: أبو إسماعيل الأنصاري، وأبو بكر بن السمعاني، وأبو الفضل بن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزي، وغيرهم، وإنما لم يذكرها المتقدمون؛ لأنها أحدثت بعدهم، وأول ما ظهرت بعد الأربعمائة". (1) الموضوعات (2/ 438). (2) القائل هو: الذهبي كما في تنزيه الشريعة (2/ 91). (3) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 434 - 439، 576)، وما كتبه الحافظ ابن حجر في رسالته المشهورة: تبيين العجب. (4) رواه الجورقاني، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 434)، وانظر: تبيين العجب (ص 17)، اللآلئ المصنوعة (2/ 55)، تنزيه الشريعة (2/ 89)، الآثار المرفوعة (ص 319) وهو موضوعٌ، وأكثر رواته مجاهيل، =
(1/84)
وحديث: "من صام يومًا من رَجب، وصلّى ركعتين، يقرأ في [أول] (1) ركعة مئة مرة آية الكرسي، وفي الثانية مئة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، لم يَمت حتى يَرى مَقعده من الجنة" (2). وحديث: " [من صام] (3) من رَجب كذا وكذا" (4). الجميع كذبٌ مختلقٌ. وأقرب ما جاء فيه، ما رواه ابن ماجه في "سننه": "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام رَجب" (5). __________ = كما في الفوائد المجموعة (ص 47). (1) ليست في الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 435)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 55)، تنزيه الشريعة (2/ 89)، الفوائد المجموعة (ص 47). (3) ليست في الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 576 - 581)، تبيين العجب (ص 10 - 16). (5) سنن ابن ماجه (1743)، وفي سنده داود بن عطاء المزني قال الحافظ في التقريب (ص 306): "ضعيف"، وقد أطال الحافظ الكلام على هذا الحديث في تبيين العجب (ص 31) فليراجع.
(1/85)
فصل ومن ذلك: أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان (1)، كحديث: "يا عليّ، من صلّى ليلة النصف من شعبان [مئة ركعة يقرأ بفاتحة الكتاب، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} عشر مرات] (2)، قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة -وساق خرافات كثيرة- وأُعطي سبعين ألف حوراء، لكل حوراء سَبعون ألف غلام، وسَبعون ألف ولد -إلى أن قال: - ويشفع والداه كل واحد منهما في سبعين ألفًا" (3). والعَجب ممن يَشم رائحة العلم بالسنّة يَغتر بمثل هذا الهذيان، ويُصليها، وهذه الصلاة وُضعت في الإسلام بعد الأربع مئة، ونَشأت من بيت المقدس، فوُضع لها عدة أحاديث. منها: "من قرأ ليلة النصف ألف مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} ... " الحديث بطوله، وفيه: "بَعث الله إليه مئة ألف مَلك، يُبشرونه" (4). __________ (1) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 440 - 445). (2) في الأصل: "مائة ركعة، بألف قل هو الله أحد"، والتصويب من مصادره. (3) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 440)، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 119)، اللآلئ المصنوعة (2/ 57)، تنزيه الشريعة (2/ 92)، الفوائد المجموعة (ص 50 - 51)، قال الشوكاني: "وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب الإحياء وغيره، وكذا من المفسرين، وقد رويت صلاة هذه الليلة على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة". ثم فرق رحمه الله بين ما ورد في فضل هذه الليلة وبين قيامها، وأنه لا تلازم بين هذا وهذا. فلا يلزم من فضلها إن ثبت مشروعية قيامها، فإن العبادات توقيفية. (4) رواه الديلمي في مسنده كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 59)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 442)، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 440)، الآثار =
(1/86)
وحديث: "من صلّى ليلة النصف من شعبان ثلاث مئة (1) ركعة، يقرأ في كل ركعة ثلاثين مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)}، شَفَع في عشرة قد استوجبوا النار" (2). وغير ذلك من الأحاديث التي لا يصح منها شيء. __________ = المرفوعة (ص 308). (1) كذا في الأصل، والذي في الموضوعات لابن الجوزي (2/ 444): "ثنتي عشرة ركعة". (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 443)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 59)، تنزيه الشريعة (2/ 93).
(1/87)
فصل ومنها: رَكاكة ألفاظ الحديث وسَمَاجتها، بحيث يَمُجها السمع، ويسمج معناها الفطن. كحديث: "أربع لا تَشبع من أربع: أُنثى من ذَكر، وأرض من مَطر، وعين من نَظر، وأُذن من خَبر" (1). وحديث: "ارحموا عَزيز قَوم ذَلّ، وغَني قَوم افتقر، وعالمًا تلاعب به الصبيان" (2). وحديث: "لا تستشيروا الحاكة، والأساكفة، والصوّاغين" (3). أو صنعة من الصنائع المباحة. __________ (1) الحاكم في تاريخ نيسابور كما في المقاصد الحسنة (ص 99)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 281)، ومن طريقه: ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 384) وحكم بوضعه، ورواه: العقيلي في الضعفاء (2/ 297)، وابن عدي في الكامل (5/ 1967)، وعندهما: "وعالم من علم" بدلًا من "وأذن من خبر"، وفي الأسرار المرفوعة (ص 118): " الأشبه أنه من كلام الحكماء". وانظر: المجروحين (2/ 278)، ميزان الاعتدال (2/ 617). (2) رواه الدارقطني، وابن حبان في المجروحين (2/ 118)، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (ص 153)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 386 - 387)، المقاصد الحسنة (ص 101)، وفيه عزوه للعسكري في الأمثال، والسليماني في الضعفاء، والقضاعي، كما في المقاصد الحسنة (ص 101)، ورواه الحاكم، ومن طريقه: ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 388) من كلام الفضيل بن عياض. (3) تقدم حديث: أكذب الناس الصباغون، والصواغون (ص 39)، وانظر: الأباطيل (2/ 307)، المقاصد الحسنة (ص 140).
(1/88)
ومن ذلك حديث: "من فارق الدنيا وهو سَكران، دخل القبر سَكران، وبُعث سَكران" (1). وحديث: "إن لله مَلكًا اسمه عُمارة على فرس من ياقوت، طُوله مَدّ بصَره، يدور البلدان، ويقف في الأسواق، يُنادي: ليغل كذا وكذا، وليرخص كذا وكذا" (2). وحديث: "إن لله مَلكًا من حِجارة، يقال له: عُمارة، فينزل على حِمار من [حِجارة] (3) كل يوم فيُسعّر" (4). __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 212)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 209)، وقالا: "باطلًا، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 205)، تنزيه الشريعة (2/ 222). (2) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (12/ 92)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 9)، وقال: "لا يصح"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 142). (3) في الأصل: حماره، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (4) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 10)، وقال: "لا يصح".
(1/89)
فصل ومنها: أحاديث ذَمّ الحبَشة والسودان كلها كذب، كحديث: "الزنجي إذا شَبع زنى، وإذا جاع سرق" (1). وحديث: "إياكم والزنج؛ فإنه خَلق مُشوّه " (2). وحديث: "دعوني من السودان؛ إنما الأسود لبطنه وفرجه (3) " (4). وحديث: "رأى طعامًا، فقال: لمن هذا؟ قال العباس: للحبشة، أُطعمهم، قال: لا تفعل، إنهم إن جاعوا سرقوا، وإن شبعوا زنوا" (5). __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1904)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 627)، وفي إسناده: عنبسة البصري، متروك، كما في: الفوائد المجموعة (ص 415). (2) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 286)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 628)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 314)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 445)، تنزيه الشريعة (2/ 32). (3) وقع هذا الحديث في الأصل قبل بداية هذا الفصل، بعد حديث: "إن لله ملكًا من حجارة ... "، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (14/ 108)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 14)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 626)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 444)، تنزيه الشريعة (2/ 31)، الفوائد المجموعة (ص 414). (5) رواه الدارقطني، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 630)، وفي إسناده: عمر بن حفص المكي، ليس بشيء، وقد تفرد به، الفوائد المجموعة (ص 415).
(1/90)
فصل ومنها: أحاديث ذَمّ الترك (1)، وحديث ذَمّ الخصيان، وأحاديث ذَمّ المماليك. كحديث: "لو عَلم الله في الخصيان خيرًا لأخرج من أصلابهم ذُرية يعبدون الله" (2). وحديث: "شَرّ المال في آخر الزمان المماليك" (3). __________ (1) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 630). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 631)، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 509)، وفيها: "لا يصح، وكذا ما ورد في هذا المعنى من مدح، أو قدح، فهو باطل". (3) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 94)، وأبو الحسن الحلبي في الفوائد المنتقاة، كما في السلسلة الضعيفة (740)، وابن عدي في الكامل (6/ 2264)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 632)، وقال: "لا يصح".
(1/91)
فصل ومنها: ما يَقترن بالحديث من القرائن التي يُعلم بها أنه باطلٌ. مثل حديث: "وَضع الجزية عن أهل خيبر" وهذا كذب، من عدة وُجوه (1): أحدها: أن فيه شهادة سعد بن معاذ، وسعد قد توفي قبل ذلك في غَزاة الخندق. الثاني: أن فيه: "وكتبه معاوية بن أبي سفيان" هكذا، ومعاوية إنما أسلم زمن الفتح، وكان من الطُّلقاء. الثالث: أن الجزية لم تكن نزلت حينئذٍ، ولا يَعرفها الصحابة، ولا العرب، وإنما أنزلت بعد عام تبوك، حين وَضعها النبي - صلى الله عليه وسلم - على نصارى نجران، ويهود اليمن، ولم تُؤخذ من يهود المدينة؛ لأنهم وادعوه قبل نزولها، ثم قَتل من قَتلِ منهم، وأجلى بقيتهم إلى خيبر وإلى الشام، وصالحه أهل خيبر قبل فرض الجزية، فلما نزلت آية الجزية استقرّ الأمر على ما كان عليه، وابتدأ ضربها على من لم يَتقدّم له معه صُلح، فمن هاهنا وقعت الشبهة في أهل خيبر. الرابع: أن فيه: "وضع عنهم الكُلَف والسُّخَر" ولم يكن في زمانه كُلف ولا سُخر، ولا مُكوس. الخامس: أنه لم يجعل لهم عهدًا لازمًا، بل قال: "نُقرُّكم ما __________ (1) انظر: أحكام أهل الذمة، للمؤلف (1/ 7 - 9)، وفيه تكذيب لهذا الحديث من وجوه عشرة أيضًا.
(1/92)
شئنا" (1). فكيف يضع عنهم الجزية التي يصير لأهل الذمة بها عهد لازم مُؤبد، ثم لا يُثبِت لهم أمانًا لازمًا مُؤبدًا. السادس: أن نقل هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، فكيف يكون قد وقع ولا يكون عِلمُه عند حَمَلة السنة من أصحابه، والتابعين، وأئمة الحديث، ويَنفرِد بعلمِه ونقلِه اليهود. السابع: أن أهل خيبر لم يَتقدّم لهم من الإحسان ما [يوجب] (2) وضع الجزية عنهم؛ فإنهم حاربوا الله ورسوله، قاتلوه، وقاتلوا أصحابه، وسَلوا السيوف في وُجُوههم، وسَمُّوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآووا أعداءه المحاربين له المحرّضين على قتاله، فمن أين يقع هذا الاعتناء بهم، وإسقاط هذا الفرض الذي جعله الله عقوبة لمن لم يَدِن منهم بدين الإسلام. الثامن: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُسقطها عن الأبعدين عنه مع [عدم] (3) معاداتهم له؛ كأهل اليمن، وأهل نجران، فكيف يَضعها عن جيرانه الأدنين مع شِدّة مُعاداتهم له، وكفرهم، وعنادهم، ومن المعلوم أنه كلما اشتد كُفر الطائفة، وتغلّظت عداوتهم، كانوا أحق بالعقوبة، لا بإسقاط الجزية. التاسع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أسقط عنهم -كما ذكروا- الجزية؛ لكانوا من أحسن الكفار حالًا، ولم يَحسن بعد ذلك أن يَشترط لهم إخراجهم __________ (1) رواه البخاري (2338)، ومسلم (3944). (2) الأصل "يؤدي" والمثبت من نسخة المعلمي. (3) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي.
(1/93)
من أرضهم وبلادهم متى شاء، فإن أهل الذمة الذين يُقرون بالجزية لا يجوز إخراجهم من ديارهم ما داموا مُلتزمين لأحكام الذمة، فكيف إذا رُوعي جانبهم بإسقاط الجزية، وأُعفوا من الصّغَار الذي يلحقهم بأدائها، فأي صغَار بعد ذلك أعظم من نفيهم من بلادهم، وتشتيتهم في أرض الغُربة، فكيف يجتمع هذا وهذا؟!. العاشر: أن هذا لو كان حقًّا؛ لما اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والتابعون، والفقهاء كلهم على خلافه، وليس في الصحابة رجل واحد قال: لا تجب الجزية على الخيبرية، ولا في التابعين، ولا في الفقهاء، بل قالوا: أهل خيبر، وغيرهم في الجزية سواء، [وعرّضوا] (1) بهذا الكتاب المكذوب، وقد صرّحوا بأنه كذب، كما ذَكر ذلك الشيخ أبو حامد، والقاضي أبو الطيب، والقاضي أبو يعلى، وغيرهم. وذكر الخطيب البغدادي هذا الكتاب، وبيّن أنه كَذب من عِدَّة وُجوه (2)، وأُحضر هذا الكتاب بين يَدي شيخ الإسلام، وحَوله اليهود يَزفونه ويُجلونه، وقد غُشّي بالحرير والديباج، فلما فتحه وتأمله بَزَق عليه، وقال: هذا كذب من عِدّة أوجه، وذكرها. فقاموا من عنده بالذل والصغار. __________ (1) في الأصل: "عرضوا"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) انظر: طبقات الشافعية الكبرى (3/ 14)، البداية والنهاية (12/ 101 - 102)، وقال ابن كثير بعد أن أورد جواب الخطيب البغدادي: "وقد سُبق الخطيب إلى هذا النقد، سبقه محمد بن جرير، كما ذكرت ذلك في مصنف مفرد"، الإعلان بالتوبيخ (ص 10).
(1/94)
فصل في ذِكر جوامع وضوابط كُلّية في هذا الباب
فمنها: أحاديث الحَمَام -بالتخفيف- لا يَصح منها شيءٌ. ومنها: حديث: "كان يُعجبه النظر إلى الحَمَام" (1). وحديث: "كان يُحب النّظَر إلى الخُضرة، والأُترج، والحمام الأحمر" (2). وحديث: "شكا رَجلٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحدة، فقال له: لو اتخذت زوجًا من حمام فآنسك، وأصبت من فراخه" (3). وحديث: "لا سَبق إلا في خُف، أو نَصل، أو حافر، أو جَناح" (4). __________ (1) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 122)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 143)، وانظر: ما بعده، والفوائد المجموعة (ص 173). (2) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 413)، والحاكم، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 144 - 145)، وابن السني في الطب كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 230)، والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (4/ 67)، وقال الهيثمي: "فيه أبو سفيان الأنماري وهو ضعيف"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 173). (3) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2410)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 199)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (5/ 216)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 146 - 147)، وقال: "هذه الأحاديث ليس فيها ما يصح"، ثم بين عللها، وانظر: الفوائد المجموعة (173). (4) الفوائد المجموعة (ص 174). وقال الشوكاني: "وقد صرح الحفاظ أن زيادة: "أو جناح" وضعها غياث بن إبراهيم، في قصة وقعت له مع المهدي العباسي، وهي مشهورة. أما أصل الحديث: "لا سبق إلا في خف، أو نصل، أو حافر" =
(1/95)
من وضع الكذاب: وهب بن وهب [أبي] (1) البختري (2). وحديث: "اتخذوا الحمَام المقاصيص؛ فإنها تُلهي الجن عن صبيانكم" (3). وأرفع شيء جاء فيها: "أنه رأى رجلًا يَتبع حمامة، فقال: شيطان يتبع شيطانة" (4). وقال زكريا بن يحيى الساجي: بلغني أن أبا البختري دخل على الرشيد، وهو يُطيّر الحمَام، فقال: هل تحفظ في هذا شيئًا؟ فقال: حدثني هشام، عن أبيه، عن عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُطيّر الحمام" (5). __________ = فحديث صحيح، رواه أحمد في المسند، وأصحاب السنن الأربعة". (1) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، والتصويب من مصادره، وسيأتي بعد أسطر على الصواب. (2) تقدم النقل عن الشوكاني أن واضعها غياث بن إبراهيم، وكذا في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (12/ 323)، ونُقل عن الأمام أحمد أن واضعها وهب بن وهب كما ذكر المؤلف، تاريخ بغداد (13/ 486). (3) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (5/ 279)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 149)، وقال: "موضوع، والمتهم به: محمد بن زياد، كذاب يضع الحديث"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 173). (4) رواه أحمد في المسند (2/ 345)، وأبو داود (4940)، وابن ماجه (3765 - 3767)، وقال الألباني في حاشية المشكاة (2/ 1276): "إسناده حسن"، وأورده في صحيح أبي داود (4131)، وانظر: النقد الصحيح للعلائي (ص 37). (5) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (13/ 481)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 150)، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 174): "وهو من وضع أبي البختري في قصة وقعت له مع الرشيد".
(1/96)
فقال الرشيد: اخرج عني، ثم قال: لولا أنه رجلٌ من قريش لعزلته. يعني من القضاء (1). وهو الذي دَخل على المهدي (2)، فوجده يلعب بالحمَام فروى له: "لا سَبق إلا في خُف، أو نَصل، أو حافر، أو جَناح" (3). فلما خرج، قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم لم يَدَع الحمام؛ لتَسببهن [في] (4) كذب هذا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5). __________ (1) تاريخ بغداد (13/ 484). (2) تقدم أن الذي زاد للمهدي لفظة: "أو جناح" غياث بن إبراهيم. (3) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (12/ 323)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 269). (4) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي. (5) تاريخ بغداد (12/ 324)، ولعل معنى قوله: "ثم لم يدع الحمام" أي: أنه أمر بذبحه، كما جاء في تاريخ بغداد.
(1/97)
فصل ومنها: أحاديث اتخاذ الدجاج.
ليس فيها حديث صحيح، كحديث: "الدجاج غَنم فُقراء أمتي" (1) وحديث: "أمر الفقراء باتخاذ الدجاج، والأغنياء باتخاذ الغَنَم" (2). __________ (1) رواه ابن حبان في المجروحين (3/ 90)، وقال: "موضوع"، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 143)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 28)، تنزيه الشريعة (2/ 82). (2) رواه ابن ماجه في سننه (2307)، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 170 - 171): "قال العقيلي: لا يصح. وفي إسناده علي بن عروة وضاع".
(1/98)
فصل ومنها: أحاديث ذَمّ الأولاد، كلها كذب من أولها إلى آخرها، كحديث: "لو رَبّى أحدكم بعد الستين ومئة جرو كلب، خير له من أن يربي ولدًا" (1). وحديث: "إذا كان الولد غيظًا، والمطر قيظًا ... " (2). وحديث: "لا يُولد بعد [المئة] (3) مَولود، ولله فيه حاجة" (4). __________ (1) رواه تمام في فوائده (1717)، وفيه: "بعد أربع وخمسين ومائة"، والطبراني في الكبير (10/ 349)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 69)، وابن حبان في المجروحين (1/ 249)، والحاكم في تاريخ نيسابور، كما في الفوائد المجموعة (ص 134)، وهو حديث موضوع. (2) الأسرار المرفوعة (ص 450). (3) في الأصل، والأسرار المرفوعة: "الستمائة"، والتصويب من كتب الموضوعات. (4) رواه الطبراني في الكبير (3/ 728)، وانظر: الموضوعات لابن الجوزي (3/ 463)، وفيها: "قال أحمد: ليس بصحيح"، مجمع الزوائد (8/ 159)، اللآلئ المصنوعة (2/ 389)، تنزيه الشريعة (2/ 345)، الفوائد المجموعة (ص 510).
(1/99)
فصل ومنها: أحاديث التواريخ المستقبلة.
وقد تقدمت الإشارة إليها (1)، وهو: كل حديث فيه: إذا كانت سنة كذا وكذا حلّ كذا وكذا. وكحديث: "يكون في رمضان هدّة تُوقظ النائم، وتُقعد القائم، وتُخرج العواتق من خُدُرها، وفي شوال [همهمة] (2)، وفي ذي القعدة تمييز القبائل بعضها من بعض، وفي ذي الحجة تُراق الدماء" (3). وحديث: "يكون [صَوت] (4) في رمضان، إذا كانت ليلة النِّصف منه ليلة الجمعة يُصعق له سبعون ألفًا، ويُصمّ سبعون ألفًا" (5). وحديث: "عند رأس مئة يَبعث الله ريحًا باردة، يَقبض الله فيها رُوح كل مؤمن" (6). __________ (1) انظر: (ص 57). (2) في الأصل: "مهزمة"، وفي نسخة المعلمي "مهمهة"، وما أثبته من الموضوعات، وفي لفظ آخر في الموضوعات (3/ 462): "معمعة". (3) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 52)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 460 - 461)، وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 675)، تنزيه الشريعة (2/ 347). (4) في الأصل: "موت"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (5) رواه الطبراني في الكبير (18/ 333)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 462)، وقال: "لا يصح"، والجورقاني في الأباطيل (2/ 82)، وانظر: مجمع الزوائد (7/ 310)، الحاوي للفتاوي (2/ 234)، تنزيه الشريعة (2/ 347). (6) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 457)، وقال: "صحيح الإسناد"، ولم يتعقبه =
(1/100)
ومنها: حديث: "إذا كانت سنة [ثلاثين ومئة] (1)، كان الغُرباء: قرآن في جَوف ظالم، ومُصحف في بيت قوم لا يُقرأ فيه، ورجل صالح بين قوم سوء" (2). وحديث: "إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومئة، خرجت شياطين حَبَسهم سليمان بن داود في جَزائر البحر، فذهب منهم تسعة أعشارهم إلى العراق، يُجادلونهم بالقرآن، وعُشْر [بالشام] (3) " (4). وحديث: "إذا كانت سنة خمسين ومئة، خير أولادكم __________ = الذهبي، وأبو يعلى في مسنده (4565)، والروياني في مسنده، وابن قانع في معجمه كما في تنزيه الشريعة (2/ 348)، وحكم ابن عراق بصحته، ونقل تصحيحه عن المقدسي وأنه أورده في المختارة. وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 510): "قيل: باطل، قد كذبه الوجود، وقيل: بل صحيح، روي بطرق صحاح، وهذه المائة هي المائة التي قرب الساعة، ومن قطع بكذبه ظن أنها المائة الأولى من الهجرة". وحديث بعث الريح الطيبة لقبض أرواح المؤمنين قبل قيام الساعة في صحيح مسلم (7307). (1) في الأصل: "ثلاثمائة"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (2) رواه الدارقطني، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 467)، وفيها: "قال ابن حبان: هذا بلا شك معمول"، وانظر: المجروحين (3/ 128)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 470)، ميزان الاعتدال (4/ 390)، اللآلئ المصنوعة (2/ 391) (3) في الأصل: "بالنشاب"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (4) رواه العقيلي في الضعفاء (2/ 213)، وقال: "لا أصل له"، وابن عدي في الكامل (4/ 1403)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (4/ 468)، وأورده الذهبي في الميزان (2/ 305)، وقال: "هذا خبر باطل، والمتهم بوضعه: الصباح بن مجالد، لا يدري من هو"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 250)، تنزيه الشريعة (1/ 313)، الفوائد المجموعة (ص 504).
(1/101)
البنات" (1). وحديث: "إذا كانت ستين ومئة كان كذا وكذا" (2). وحديث: "أصحابي أهل إيمان وعمل إلى أربعين، وأهل بر وتقوى إلى الثمانين، وأهل تواصل وتراحم إلى العشرين ومئة، وأهل تدابر وتقاطع إلى الستين ومئة، ثم الهَرج والمَرج" (3). وحديث: [الآيات] (4) بعد المئتين" (5). وحديث: "إذا أتت على أمتي ثلاث مئة وثمانون؛ فقد حَلّت لهم العُزبة والتّرهّب على رُؤوس الجبال" (6). __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2177)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 9)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 469)، وحكم بوضعه. (2) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (3/ 470). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 427)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 471)، وقال: "هذه الأحاديث لا أصل لها". (4) في الأصل: "الآفات"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (5) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 329)، وابن الجوزي في الموضوعات (3/ 474)، وحكم بوضعه، وأورده الذهبي في الميزان (3/ 306)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 394). (6) رواه البيهقي، والحاكم، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 475)، وحكم بوضعه، وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 218)، اللآلئ المصنوعة (2/ 394)، تنزيه الشريعة (2/ 346). وانظر: (ص 125).
(1/102)
فصل ومنها: الاكتحال يوم عاشوراء، والتزيّن، والتوسعة، والصلاة فيه، وغير ذلك من فضائل.
لا يصح منها شيءٌ، ولا حديثٌ واحدٌ، ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه غير أحاديث صيامه (1). وما عداها فباطلٌ. وأمثل ما فيها: "من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع الله عليه سائر سنته" (2). قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث. وأما أحاديث الاكتحال (3) والادّهان والتّطيب فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألّم وحُزن. والطائفتان __________ (1) صحيح البخاري (1893، 2000 - 2006، 4501 - 4503، 4680)، ومسلم (2632 - 2665). (2) رواه الدارقطني في الأفراد كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 111)، والطبراني في الكبير: 10 (10007)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 252)، وابن عدي في الكامل (5/ 1854)، والبيهقي في شعب الإيمان (3791 - 3792)، وفي فضائل الأوقات، وأبو الشيخ، كما في المقاصد الحسنة (ص 746)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 572)، وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (25/ 313): "قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد عن هذا الحديث؟ فلم يره شيئًا"، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 158) ففيه تعليق على قول الإمام أحمد الذي أورده المؤلف، الفوائد المجموعة (ص 98). (3) رواه الحاكم، ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان (3797)، ومن طريق البيهقي رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 573)، ورواه ابن النجار في تاريخه كما في الفوائد المجموعة (ص 98).
(1/103)
مبتدعتان خارجتان عن السنة، وأهل السنّة يَفعلون فيه ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصوم ويجتنبون ما أَمر به الشيطان من البدع.
(1/104)
فصل ومنها: ذِكر فضائل السور، وثواب من قرأ سورة كذا فله أجر كذا، من أول القرآن إلى آخره (1). كما يَذكر ذلك الثعلبي في أول كل سورة، والزمخشري في آخرها.
قال عبد الله بن المبارك: أظن الزنادقة وضعوها. انتهى. والذي صح في أحاديث السور: حديث فاتحة الكتاب (2)، وأنه لم يُنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور مثلها (3). وحديث البقرة وآل عمران أنهما الزهراوتان (4). وحديث آية الكرسي (5)، وأنها سيّدة آي القرآن (6). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 156)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 390)، وابن عدي في الكامل (7/ 2588)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 390 - 391)، من طريق أبي بكر بن أبي داود السجستاني، وقال: "وقد فرّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره، فذكر عند كل سورة منه ما يخصها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولم أعجب منهما لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنه حديث محال". وهذا حديث أبي بن كعب وهو موضوع باتفاق الحفاظ، كما في الفوائد المجموعة (ص 296). (2) رواه البخاري (4474)، ومسلم (1874). (3) رواه الترمذي (3125)، والنسائي (913). وهو صحيح. (4) رواه مسلم (1871). (5) رواه مسلم (810)، وأحمد في المسند: 5/ 26، 58، 141، 178. (6) انظر موسوعة فضائل سور وآيات القرآن، لمحمد رزق طرهوني: =
(1/105)
وحديث الآيتين من آخر سورة البقرة، من قرأهما [في] (1) ليلة كفتاه (2). وحديث سورة البقرة لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان (3). وحديث العشر آيات من أول سورة الكهف من قرأها عصم من فتنة الدجال (4). وحديث {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} وأنها تعدل ثلث القرآن (5). ولم يصح في فضائل سورة ما صَحّ فيها. وحديث المعوذتين وأنه ما تعوّذ المتعوذون بمثلهما (6). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "انزل إليّ آيات لم يُر مثلهن" ثم قرأهما (7). ويلي هذه الأحاديث، وهو دونها في الصحة: حديث: {إِذَا زُلْزِلَتِ} تعدل نصف القرآن" (8). __________ = 1/ 150 - 151 فقد أورد ما يتعلق بكونها سيدة آي القرآن، وتكلم عليها. (1) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، والتصويب من مصدره، وهو على الصواب في نسخة المعلمي. (2) رواه مسلم (1877). (3) رواه مسلم (1821). (4) رواه مسلم (1880). (5) رواه البخاري (7375)، ومسلم (1883 - 1887). (6) رواه النسائي (5444، 5445، 5446، 5453). وإسناده صحيح. (7) رواه مسلم (1888 - 1890). (8) رواه الترمذي في سننه (2893) وقال: "غريب".
(1/106)
وحديث: " {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} تعدل ربع القرآن" (1). وحديث: " (تبارك) "الملك" هي المُنجية من عذاب القبر" (2). ثم سائر الأحاديث بعد، كقوله: "من قرأ سورة كذا أُعطي ثواب كذا" فموضوعة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اعترف بوَضعها واضعها (3)، وقال: قصدت أن أُشغل الناس بالقرآن عن غيره (4). وقال بعض جُهلاء الوضاعين في هذا النوع: نحن نَكذب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا نَكذب عليه (5). ولا يَعلم هذا الجاهل أنه من قال عليه ما لم يقل، فقد كذب عليه، واستحق الوعيد الشديد. __________ (1) رواه الترمذي في سننه (2893، 2894، 2895) وقال عن الحديث الأول والثاني: "غريب"، وقال عن الثالث: "حديث حسن". (2) رواه الترمذي في سننه (2890) وقال: "حسن غريب". (3) انظر ما سبق في أول الفصل. (4) انظر: ما سبق في أول الفصل، وفي المجروحين لابن حبان (1/ 64)، والموضوعات لابن الجوزي (1/ 392): "وقد روى في فضائل السور أيضًا ميسرة بن عبد ربه، قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لميسرة: من أين جئت بهذه الأحاديث من قرأ كذا فله كذا؛ قال: وضعته أرغب الناس فيه، والذي وضعها واعترف بوضعها نوح بن أبي مريم، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 296). (5) الموضوعات لابن الجوزي (1/ 138 - 139).
(1/107)
فصل وَضعت جَهلة المُنتسبين إلى السنّة في فضائل الصديق، حديث: "إن الله يَتجلّى للناس عامّة يوم القيامة، ولأبي بكر خاصّة" (1). وحديث: "ما صبّ الله في صَدري شيئًا إلا صببته في صَدر أبي بكر (2)، وكان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر، وأنا وأبو بكر، كفرسي رِهان" (3). و"الله لما اختار الأرواح اختار رُوح أبي بكر" (4). وحديث عُمر: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يَتحدّثان، وكنت مثل __________ (1) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 78)، وتعقبه الذهبي فقال: "تفرد به الختلي - محمد بن خالد - وأحسبه وضعه"، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (2/ 388)، وابن حبان في المجروحين (1/ 143)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 40، 44)، ورواه من طرق أخرى في موضوعاته (2/ 40 - 45) وقال: "لا يصح من جميع طرقه"، ورواه أبو نعيم كما في الفوائد المجموعة (ص 330)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 286). (2) قال الشوكاني: "ذكره صاحب الخلاصة، وقال: موضوع"، الفوائد المجموعة (ص 335). (3) قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 64): "وما أزال أسمع من العوام يقولون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال: ... " ثم ذكر هذا الكلام بفقراته الثلاث، ثم قال: "في أشياء ما رأينا لها أثرًا، لا في الصحيح، ولا في الموضوع، فلا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء". (4) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14/ 35)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 49)، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 282) في ترجمة هارون بن أحمد العلاف، وجزم بأنه باطل.
(1/108)
الزِّنجي بينهما" (1). وحديث: "لو حَدّثتكم بفضائل عُمَر، عُمْر نوح في قَومه، ما فَنِيت، وإنّ عُمَر حَسنة من حسنات أبي بكر" (2). وحديث: "ما سَبقكم أبو بكر بكثرة صَوم ولا صَلاة، وإنما فَضَلكم بشيءٍ وَقر في صَدره" (3). وهذا من كلام أبي بكر بن عَيّاش (4). وأما ما وَضعه الرّافضة من فضائل علي، فأكثر من أن يُعد. قال الحافظ أبو يَعلى الخَلِيلي في "كتاب الإرشاد" (5): وضعت الرافضة في فضائل علي، وأهل البيت، نحو ثلاث مئة ألف حديث. ولا يُستبعد هذا، فإنك لو تَتبعت ما عندهم من ذلك لوجدت الأمر كما قال. ومن ذلك: ما وضعه بعض جهلة السنّة في فضائل معاوية (6). __________ (1) الفوائد المجموعة (ص 335)، وفيه: "قال ابن تيمية: موضوع". (2) رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 194)، وفي الموضوعات (2/ 66 - 67) لكنه من كلام جبريل على نبينا وعليه الصلاة والسلام. ثم قال: "وهذا غير صحيح"، وانظر: تنزيه الشريعة (1/ 346). (3) المقاصد الحسنة (ص 369). (4) في حاشية مطبوعة الشيخ أبو غدة رحمه الله: "الذي جاء في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص 369)، وغيره من كتب الموضوعات أنه من قول بكر بن عبد الله المزني". (5) (1/ 420)، وعنه تنزيه الشريعة (1/ 407). (6) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 249)، وساق عددًا من الأحاديث في فضائله =
(1/109)
قال إسحاق بن رَاهُويه: لا يَصح في فضل معاوية بن أبي سفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ (1). قلت: ومُراده، ومُراد من قال ذلك من أهل الحديث: أنه لم يصح [حديث] (2) في مناقبة بخصُوصه؛ وإلا فما صح في مناقب الصحابة على العموم، ومناقب قريش فهو داخل فيه. ومن ذلك: ما وَضعه الكذابون في مناقب أبي حنيفة، والشافعي، على التّنصيص على اسمهما، وما وضعه الكذابون أيضًا فى ذَمّهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3). وما يُروى من ذلك كله [كذبٌ] (4). ومن ذلك: الأحاديث في ذَمّ مُعاوية. وكل حديث في ذَمّه فهو كذبٌ (5). __________ = ثم حكم بوضعها، وذكر الحافظ في فتح الباري (7/ 81) أن ابن أبي عاصم، وغلام ثعلب، وأبو بكر النقاش قد صنفوا في فضائل معاوية، قال: "لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد". (1) في الفوائد المجموعة (ص 407): "وقال الحاكم: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت إسحاق، فذكره". (2) في الأصل: "عندي"، والأقرب ما أثبته، وهو كذلك في نسخة المعلمي. (3) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (13/ 335)، والجورقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 283)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 304، 305)، والحاكم في المدخل إلى كتاب الإكليل كما في الموضوعات لابن الجوزي (2/ 305)، وابن عدي في الكامل (1/ 182)، وهذه الأحاديث موضوعة. وانظر: المجروحين (3/ 46)، لسان الميزان (5/ 7)، اللآلئ المصنوعة (1/ 457)، تنزيه الشريعة (2/ 30)، الفوائد المجموعة (ص 420). (4) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (5) انظر على سبيل المثال: المجروحين (1/ 250)، الكامل لابن عدي (2/ =
(1/110)
وكل حديث في ذَمّ عَمرو بن العاص فهو كذبٌ (1). وكل حديث في ذَمّ بني أُمية فهو كذبٌ (2). وكل حديث في مَدح المنصور، والسفّاح، [والرشيد] (3)، فهو كذبٌ (4). وكل حديث في مَدح بغداد ودِجْلتها، والبصرة، والكوفة، ومَرو، وقَزوين، وعَسقلان، والإسكندرية، ونَصيبين، وأنطاكية، فهو كذبٌ (5). __________ = 626)، الضعفاء للعقيلي (3/ 280)، تاريخ بغداد (12/ 181)، الموضوعات لابن الجوزي (2/ 264 - 269)، اللآلئ المصنوعة (1/ 426)، تنزيه الشريعة (2/ 8)، الفوائد المجموعة (ص 407). (1) سيأتي بعد قليل حديث: "اللهم اركسهما ... " (ص 114). (2) رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 292 - 294)، وقال: "لا يصح". (3) في الأصل: "والترمذي"، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) الفوائد المجموعة (ص 413). (5) ما جاء في بغداد ودجلتها: رواه الخطيب في تاريخ بغداد (1/ 38)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 326). - وما جاء في البصرة: رواه ابن عدي في الكامل (5/ 1731)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 324). - وما جاء في قزوين وعسقلان والإسكندرية، رواه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/ 172)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 316). - وما جاء في نصيبين، رواه ابن عدي في الكامل (6/ 2259)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 318). - وما جاء في أنطاكية، رواه الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 471)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 321). =
(1/111)
وكل حديثٍ في تحريم وَلد العباس على النار، فهو كذبٌ (1). وكل حديثٍ في مَدح أهل خراسان (2)؛ الخارجين مع [عبد الله بن على ولد] (3) العباس، فهو كذبٌ. وكل حديثٍ: أن مَدينة كذا وكذا، من مُدن الجنة، أو من مُدن النار، فهو كذبٌ (4). وكل حديثٍ فيه ذَمّ يَزِيد (5) فكذب. وكذلك أحاديث ذَمّ الوليد (6) وذَمّ مروان بن الحكم. __________ = وهذه أحاديث لا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 464، 465، 477، 478)، تنزيه الشريعة (2/ 46، 50، 51)، الفوائد المجموعة (ص 428، 429، 432، 434). (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 276)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 430)، تنزيه الشريعة (2/ 10)، الفوائد المجموعة (ص 402). (2) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 321)، وقال: "موضوع"، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 47). (3) في الأصل: "عبد الله، وعلي، وولد" والتصويب من مصدره ونسخة المعلمي. (4) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 309)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 309)، وقال: "لا أصل له"، وابن عساكر كما في الفوائد المجموعة (ص 428). (5) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 300)، وقال: "موضوع". وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 453)، تنزيه الشريعة (1/ 415). (6) رواه أحمد في المسند (1/ 18)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 301)، ودافع عن وضعه ابن حجر في القول المسدد في الذب عن المسند (4، 12)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 106)، تنزيه الشريعة (1/ 198).
(1/112)
وحديث عَدد الخلفاء من وَلد العباس كذبٌ (1). وحديث ذَمّ أبي موسى من أقبح الكذب (2). وحديث: "نَظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى معاوية، وعَمرو بن العاص، فقال: اركسهما في الفتنة رَكسًا، دُعهما إلى النار دَعًّا" (3) كذبٌ ومُختلقٌ. وكل حديث فيه أن الإيمان لا يَزيد ولا ينقص (4)، فكذب مُختلقٌ. وقابل من وَضعها طائفةٌ أخرى، فوضعوا أحاديث على رسول الله __________ (1) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 117)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 284). (2) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 772)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 271)، وقال: "موضوع "، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 9). (3) رواه أحمد في المسند (4/ 421)، والبزار في مسنده (2093)، وابن حبان في المجروحين (3/ 101)، وأبو يعلى في مسنده (7436)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 270)، وقد ساق السيوطي في اللآلئ المصنوعة (1/ 427) رواية عند ابن قانع في معجمه: "أن الذين دعا عليهما النبي - صلى الله عليه وسلم - هما: معاوية بن رافع، وعمرو بن رفاعة بن التابوت". ثم قال السيوطي: "وهذه الرواية أزالت الإشكال، وبينت أن الوهم وقع في الحديث الأول، في قوله: ابن العاص، وإنما هو: ابن رفاعة أحد المنافقين، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين". وانظر: مجمع الزوائد (8/ 121)، الفوائد المجموعة (ص 407). (4) رواه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (1/ 17 - 22)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 190)، وانظر: اللالئ المصنوعة (1/ 30، 38 - 39)، تنزيه الشريعة (1/ 149)، الفوائد المجموعة (ص 453).
(1/113)
- صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "الإيمان يزيد، وينقص" (1). وهذا [كلام] (2) صحيح، وهو إجماع السلف، حكاه الشافعي، وغيره (3)، ولكن هذا اللفظ كذبٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مثل إجماع الصحابة، والتابعين، وجميع أهل السنّة، وأئمّة الفقه، على أن القرآن كلام الله، مُنزل غير مخلوق (4)، وليست هذه الألفاظ حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن رَوى ذلك عنه فقد غَلط. __________ (1) رواه الدارقطني، وابن عدي في الكامل (1/ 203)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 189، 188)، وقال: "موضوع"، والجورقاني في الأباطيل (1/ 30، 31)، ورواه ابن ماجه في سننه (75) موقوفًا على أبي هريرة وابن عباس، وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة (ص 452): "وله طرق عند الحاكم، والجورقاني لا يصح منها شيء". (2) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل، والتصويب من نسخة المعلمي. (3) انظر: الإبانة الكبرى (2/ 832)، شرح السنة للبغوي (1/ 38 - 39)، الإيمان لشيخ الإسلام (ص 211)، مجموع الفتاوى له (7/ 672)، تفسير ابن كثير آية التوبة (124)، وانظر الآثار الواردة في هذا الباب وتخريجها في كتاب: أقوال التابعين في مسائل التوحيد والإيمان (3/ 1206 - 1241). (4) انظر: التاريخ الكبير للبخاري (2/ 338)، خلق أفعال العباد له (ص 1)، الرد على الجهمية للدارمي (ص 344)، الرد على بشر المريسي (1/ 573)، شعار أصحاب الحديث (ص 37)، الإبانة الكبرى (ص 183)، الحجة في بيان المحجة (1/ 366)، أقوال التابعين في مسائل الإيمان (3/ 975 - 1000).
(1/114)
فصل وكل حديثٍ في التنشيف [بعد] (1) الوُضوء (2) فإنه لا يصح. وكذا حديث مَسْح الرقبة في الوُضوء باطلٌ (3). وأحاديث الذّكر على أعضاء الوُضوء (4) كلها باطلٌ، ليس فيها شيءٌ يصح. وأقرب ما رُوي منها أحاديث التّسمية على الوُضوء (5). __________ (1) في الأصل: "بعض"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) روى الترمذي في سننه حديثين في الباب برقم (53، 54) وضعفهما، ثم قال: "ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء"، وروى ابن ماجه في سننه حديثًا برقم (468) وفيه: " ... فقلب جبة صوف كانت عليه، فمسح بها وجهه"، وانظر: العلل المتناهية (1/ 353)، وعلق الشيخ أبو غدة رحمه الله في حاشية نسخته من هذا الكتاب، بقوله: "للإمام عبد الحي اللكنوي جزء مطبوع سماه: "الكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل"، جمع فيه أحاديث وآثارًا في الباب". (3) لعله يريد: "مسح الرقبة أمان من الغل"، قال النووي في المجموع (1/ 465): "موضوعٌ، ليس من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - "، وقال ابن الصلاح: "هو من قول بعض السلف". كذا في التلخيص الحبير (1/ 103)، وقد استوفى الحافظ ابن حجر الكلام عليه في كتابه هذا، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 12)، وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 142) بعد أن أورد جملة من الأخبار في ذلك: "وبجميع هذا تعلم أن قول النووي: مسح الرقبة بدعة، وأن حديثه موضوع مجازفة". وعلق الشيخ أبو غدة على قول ابن القيم هذا بقوله: "وللإمام عبد الحي اللكنوي رسالة نفيسة في هذا الموضوع مطبوعة، سماها: "تحفة الطلبة في تحقيق مسح الرقبة"، حقق فيها أنه حديث ضعيف لا موضوع". (4) أورده ابن حبان في المجروحين (2/ 164)، وروى ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 338) حديثًا طويلًا فيما يقال على الوضوء من أذكار، ثم قال: "لا يصح". (5) رواها أحمد في المسند (2/ 418)، (5/ 382)، (6/ 381)، والترمذي في =
(1/115)
وقد قال الإمام أحمد: لا يثبت في التسمية على الوُضوء حديث (1). انتهى. ولكنها أحاديث حِسان. وكذلك حديث: "التشهد بعد الفراغ من الوُضوء، وقول المُتوضئ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" (2). وفي حديثٍ آخر، رواه بقي بن مخلد في "مسنده": "سُبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". __________ = سننه (25، 26)، وابن ماجه في سننه (397 - 400)، وأورد ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 336 - 337) حديثين في التسمية على الوضوء، ثم قال: "لا يثبتان"، وقد أطال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 84) الكلام على أحاديث التسمية على الوضوء، واستوفى تخريجها رحمه الله، ثم قال: والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلًا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله. والحديث بلفظ: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"، قال عنه البخاري: "إنه أحسن شيء في الباب" كما نقله عنه الدولابي في الكنى (1/ 120)، وحسنه العراقي في محجة القرب في فضل العرب (ص 27 - 28)، والألباني في إرواء الغليل (1/ 122). (1) أورده عن الإمام أحمد الترمذيُّ في سننه (1/ 38)، وانظر: نصب الراية (1/ 4)، نيل الأوطار (1/ 117). (2) رواه مسلم (552)، وقوله: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" ليست عند مسلم، وهي عند الترمذي (55)، وانظر: التلخيص الحبير (1/ 111).
(1/116)
فهذا الذكر بعده، والتسمية قَبله، هو الذي رواه أهل السنن، والمسانيد. وأما الحديث الموضوع في الذّكر على كل عُضوٍ فباطلٌ.
(1/117)
فصل وكذلك تقدير أقل الحيض بثلاثة أيام، وأكثره لعشرة (1). ليس فيها شيءٌ صحيحٌ، بل كله باطلٌ. وكذلك حديث: "لا صلاة لمن عليه صلاة" (2). قال إبراهيم الحربي: سألتُ أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: لا أعرفه. قال الحربي: ولا سمعتُ أنا بهذا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3). __________ (1) رواه الدارقطني في سننه (1/ 218)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 51)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 20)، ومن طريقهم ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 382 - 383)، وقال: "لا يصح". (2) أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 439). (3) أورد هذا عن إبراهيم الحربي ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 439).
(1/118)
فصل ومن الأحاديث الباطلة حديث: "من بَشَّرني بخروج نيسان ضمنتُ له على الله الجنة" (1). وحديث: "من آذى ذِمّيًّا فقد آذاني" (2). وحديث: "يوم صومكم يوم [نحركم] (3) يوم رأس سنتكم" (4). وحديث: "للسائل حَقٌّ، وإن جاء على فَرس" (5). قال الإمام أحمد: أربعة أحاديث تدور في الأسواق، لا أصل لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذَكر هذه الأحاديث الأربعة (6). __________ (1) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 348) وفيها: "آذار"، الأسرار المرفوعة (ص 324)، الموضوعات للصغاني (ص 100)، الفوائد المجموعة (ص 438) وفيها: "صفر". (2) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/ 370)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 632)، ولفظه: "من آذى ذميًّا فأنا خصمه ... "، وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 381). (3) في الأصل: "فطركم"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (4) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 633)، وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/ 141): "لا أصل له"، الأسرار المرفوعة (ص 380). (5) رواه أحمد في المسند (1/ 201)، وأبو داود (1665 - 1666)، وقال المدراسي بعد أن استوفى تخريجه: "وبالجملة لا شك في صحته نظرًا إلى مجموع طرقه". ذيل القول المسدد (ص 85 - 86)، وحكم الألباني بضعفه كما تراه في الضعيفة (1378)، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 279). (6) قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 633): "نقلت من خط القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء، قال: نقلت من خط أبي حفص البرمكي =
(1/119)
ومن ذلك حديث: "لولا كذبُ السائل ما أفلح من رَدّه" (1). قال العُقيلي: ليس في هذا الباب شيءٌ يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2). ومن ذلك: حديث: "طَلب الخير من الرُّحماء (3)، ومن حِسان الوجوه" (4). قال العُقيلي: ليس في هذا الباب شيءٌ يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (5). __________ = قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت أبا بكر المروزي، يقول: سمعت أحمد بن حنبل ... " فذكره، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 140) ففيها تعقب على هذا القول المنسوب للإمام أحمد، تنزيه الشريعة (2/ 181). (1) رواه العقيلي في الضعفاء (2/ 275) و (3/ 58)، وابن عدي في الكامل (5/ 1670)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 487 - 488)، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (3398)، والطبراني في الكبير: (8/ 7968)، وانظر: مجمع الزوائد (3/ 102)، اللآلئ المصنوعة (2/ 74)، تنزيه الشريعة (2/ 132)، الأسرار المرفوعة (ص 283)، الفوائد المجموعة (ص 64). (2) الضعفاء (2/ 275). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 3)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 491)، وقال: "لا يصح"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 76)، الفوائد المجموعة (ص 66). (4) رواه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 175)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 43)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 340)، وابن عدي في الكامل (2/ 622)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 493، 495، 499، 500)، وقال: "لا يصح"، ورواه أبو يعلى في مسنده (8/ 4759)، والبيهقي في شعب الإيمان (3541)، وتمام في فوائده (1286)، وابن النجار في تاريخه، وابن أبي شيبة، كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 81)، وانظر: (ص 55). (5) الضعفاء (2/ 321).
(1/120)
ومن ذلك: أحاديث التحذير من التبرّم لحوائج الناس (1). ليس فيها شيءٌ صحيح. قال العُقيلي: وقد رُوي في هذا الباب أحاديث ليس فيها شيءٌ يثبت (2). وكذلك حديث: "السّخي قريب من الناس، قريب من الجنة، والبخيل عكسه" (3). قال الدّارقطني: لا يثبت فيها حديث بوجه (4). ومن ذلك: أحاديث اتخاذ السراري، كحديث: "اتخذوا السراري؛ فإنهنّ مُباركات الأرحام" (5). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (2/ 340)، وابن عدي في الكامل (1/ 174) ترجمة أحمد بن معدان، ومن طريقهما ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 517 - 518)، وقال: "لا يصح". (2) الضعفاء (2/ 340)، العلل المتناهية (2/ 518). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (2/ 117)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 532)، وقال: "لا يصح"، والبيهقي في الشعب (10846)، وتمام في فوائده (1275)، وانظر: مجمع الزوائد (3/ 126)، اللآلئ المصنوعة (2/ 92) ففيها تعقب لابن الجوزي، تنزيه الشريعة (2/ 139)، السلسلة الضعيفة (154). (4) الموضوعات لابن الجوزي (2/ 536). (5) رواه العقيلي في الضعفاء (1/ 275)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 47)، وقال: "لا يصح"، ورواه الطبراني والحاكم كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 162)، وتنزيه الشريعة (2/ 206)، والفوائد المجموعة (ص 123).
(1/121)
قال العُقيلي: لا يصح في السراري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ (1). __________ (1) الموضوعات لابن الجوزي (3/ 48).
(1/122)
فصل ومن هذا: أحاديث مَدح العُزبة (1). كلها باطلٌ. ومن ذلك: أحاديث النّهي عن قَطع السّدر (2). قال العُقيلي: لا يصح في قَطع السّدر شيءٌ (3). وقال أحمد: ليس فيه حديث صحيح. ومن ذلك؛ ما تقدّمت الإشارة إلى بعضه: أحاديث مَدح العدس، والأرز، والباقلاء، والباذنجان، والرمّان، والزبيب، والهندباء، والكراث، والبطيخ، [والجوز] (4)، والجبن، والهريسة، وفيها جُزء كله كذب من أوله إلى آخره (5). __________ (1) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 25) موقوفًا، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 81) مرفوعًا، وقال: "موضوع"، ولفظه: "إذا أحب الله عبدًا اصطفاه لنفسه ولم يشغله بزوجةٍ ولا ولدٍ". وانظر: ميزان الاعتدال (2/ 667)، اللآلئ المصنوعة (2/ 180)، تنزيه الشريعة (2/ 212)، الفوائد المجموعة (ص 508)، وانظر: ص 103. (2) رواه أبو داود في سننه (5239)، ولفظه: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار". وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث؟ فقال: "يعني من قطع سدرة في فلاة يستضل بها ابن السبيل، والبهائم، عبثًا وظلمًا بغير حق". وانظر أقوالًا أخر في رسالة السيوطي: "رفع الخدر عن قطع السدر" في الحاوي للفتاوي (2/ 208 - 213). (3) الضعفاء (ص 396). (4) في الأصل: "الجزر"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (5) انظر: (ص 41).
(1/123)
وأقرب ما جاء فيها حديث: "أفضل طعام الدنيا والآخرة اللّحم" (1). وقال العُقيلي: لا يصح في هذا المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ (2). ومن هذا: "حديث النهي عن قَطع اللّحم بالسكين، وأنه من صُنع الأعاجم" (3). قال الإمام أحمد: ليس بصحيح، و "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتز من لحم الشاة، ويأكل" (4). ومن ذلك: حديث النهي عن الأكل في السوق (5). كلها باطلةٌ. قال العُقيلي: لا يثبت في هذا الباب شيءٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (6). __________ (1) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 258)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 126)، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 224)، الفوائد المجموعة (ص 168). (2) الضعفاء (3/ 258). (3) رواه أبو داود في سننه (3778) وفي سنده: نجيح أبو معشر، متكلم فيه، والطبراني في الكبير (23/ 624)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 37): "وفيه عباد بن كثير وهو ضعيف"، ورواه ابن عدي في الكامل (7/ 2706)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 129)، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 248)، الفوائد المجموعة (ص 169). (4) الموضوعات لابن الجوزي (3/ 129). (5) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 191)، وابن عدي في الكامل (2/ 512)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 383)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 197 - 198)، وقال: "لا يصح"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 158). (6) الضعفاء (3/ 191).
(1/124)
ومن ذلك: أحاديث البطّيخ، وفضله (1). وفيه جُزء (2). وقال الإمام أحمد: لا يصح في فضل البطّيخ شيءٌ، إلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأكله (3). __________ (1) رواه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 96، 97)، وقال: "لا يشك أنه موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 209)، الفوائد المجموعة (ص 160). (2) قال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 238): "صنف فيه أبو عمرو التوقاني جزءًا، وأحاديثه باطلة". (3) أورد هذا الكلام بنصه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 97)، لكنه لم ينسبه لأحمد.
(1/125)
فصل ومن ذلك: أحاديث فضائل الأزهار، كحديث: "فضل النّرجِس، والورد، والمَرزَنجُوش، والبنفسج، والبان" (1) كلها كذبٌ. ومن ذلك: أحاديث فضائل الدّيك (2). كلها كذب (3)؛ إلا حديثًا واحدًا: "إذا سمعتم صِياح الدّيك؛ فاسألوا الله من فضله" (4). وقد تقدم ذلك. __________ (1) هي على هذا الترتيب في الموضوعات لابن الجوزي: (3/ 239، 240، 243، 245، 249)، وحكم عليها بالوضع. (2) رواه ابن حبان في المجروحين (2/ 41)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 127)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 133، 138)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 227)، تنزيه الشريعة (2/ 249)، الفوائد المجموعة (ص 172). (3) روى أبو داود في سننه (5101)، والنسائي في اليوم والليلة (945)، وأحمد في المسند (5/ 192، 193)، وابن حبان كما في الإحسان (5731) حديثًا عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبوا الديك، فإنه يوقظ للصلاة". قال النووي في رياض الصالحين (646): إسناده صحيح". (4) رواه البخاري (3303)، ومسلم (6857). سبق تخريجه ص 45.
(1/126)
فصل ومن ذلك: أحاديث الحِنّاء وفضله، والثناء عليه (1). وفيه جُزءٌ لا يصح منه شيءٌ (2). وأجود ما فيه حديث الترمذي: "أربع من سنن المرسلين: السِّواك، والطِّيب، والحنّاء" (3). وسمعتُ شَيخنا أبا الحجاج المِزّي، يقول: هذا غلطٌ من بعض الرواة، وإنما هو الخِتان بالنون، كذلك رواه المَحامِلي (4) عن شَيخ الترمِذي، قال: والظاهر أنّ اللفظة وَقعت في آخر السّطر فسَقط منها __________ (1) رواه الخطيب في تاريخ بغداد (5/ 56)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 230)، وانظر: مجمع الزوائد (5/ 157)، زاد المعاد (4/ 88 - 90)، اللآلئ المصنوعة (2/ 269)، تنزيه الشريعة (2/ 275)، الفوائد المجموعة (ص 195). (2) لعله جزء أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، كما في اللآلئ المصنوعة (2/ 270)، وقد أورد بعضهم على ابن القيم حديث: "سيد ريحان أهل الجنة الحناء"، فقد رواه: الطبراني في الكبير (11/ 11190)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 56)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 230)، والبيهقي في الشعب (6077)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 157): "رجاله رجال الصحيح خلا عبد الله بن أحمد بن حنبل، وهو ثقة مأمون"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 269)، تنزيه الشريعة (2/ 275)، السلسلة الصحيحة (1420)، جنة المرتاب (ص 465)، التحديث (ص 175). (3) رواه الترمذي في سننه (1080) ولفظه: "أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح"، واستظهر البيضاوي أنه (الختان)، وصوبه الحافظ العراقي في كلام جيد كما في فيض القدير (1/ 465). (4) في أماليه (444).
(1/127)
النُّون، فرواها بعضهم: الحِنّاء، وبعضهم الحيَاء. وإنما هو الخِتان (1). وصَحّ حديث: الخضاب بالحنّاء والكتم (2). ومن ذلك: أحاديث التختُّم بالعَقيق (3). قال العُقيلي: لا يثبت في هذا شيءٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (4). ومن ذلك: حديث النهي أن تُقصّ الرُّؤيا على النساء (5). قال العُقيلي: لا يُحفظ من وَجه يَثبت (6). ومن ذلك أحاديث: لا يَدخل الجنّة وَلد زِنى (7). __________ (1) انظر: زاد المعاد (3/ 309)، فيض القدير (1/ 456) وفيه كلامٌ جيدٌ. (2) رواه أبو داود في سننه (4205)، ولفظه: "إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم"، وانظر: فتح الباري (10/ 367). (3) انظرها في: المجروحين (3/ 153)، تاريخ بغداد (11/ 251)، الضعفاء للعقيلي (4/ 449)، حلية الأولياء (8/ 281)، الأباطيل (2/ 341)، اللآلئ المصنوعة (2/ 272)، تنزيه الشريعة (2/ 276). (4) الضعفاء (4/ 449). (5) رواه العقيلي في الضعفاء (3/ 35)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 255)، وقال: "موضوع"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (2/ 279)، تنزيه الشريعة (2/ 281)، الفوائد المجموعة (ص 216). (6) الضعفاء (3/ 35)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 255). (7) رواه أحمد في المسند (2/ 203)، والنسائي في سننه (5672)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 249)، وابن عدي في الكامل (3/ 1286)، وعبد بن حميد كما في المنتخب من مسنده (1464)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 191)، ومن طريقهم ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 326 - 329)، وانظر: الجواب الكافي (ص 254)، اللآلئ المصنوعة (2/ 192)، تنزيه الشريعة =
(1/128)
قال أبو الفَرج بن الجَوزي: "وقد وَرد في ذلك أحاديث ليس فيها شيءٌ يصح، وهي مُعَارضةٌ بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] " (1). قلتُ: ليست مُعارَضة بها إن صَحّت؛ فإنه لم يُحرم الجنّة بفعل والديه، بل إنّ النُّطفة الخبيثة لا يَتخلّق منها طَيّب في الغالب، ولا يَدخل الجنّة إلا نَفْس طَيّبة، فإن كانت في هذا الجنس طَيبة دَخلت الجنة، وكان الحديث من العَائم المخصُوص. وقد وَرد في ذَمّه: "أنّه شَرّ الثلاثة" (2). وهو حديثٌ حسنٌ، ومعناه صحيحٌ بهذا الاعتبار؛ فإنّ شَرّ الأبوين عارضٌ، وهذا نُطفةٌ خَبيثةٌ، وشرّه من أصله، وشَرّ الأبوين من فعلهما (3). __________ = (2/ 228)، السلسلة الصحيحة للألباني (672 - 673). (1) الموضوعات (3/ 229، 330). (2) رواه أبو داود في سننه (3963)، وأحمد في مسنده (2/ 311)، وانظر: العلل المتناهية (2/ 769)، السلسلة الصحيحة (672). (3) انظر: المقاصد الحسنة (ص 730)، واللآلئ المصنوعة (2/ 192)، فقد نقل السخاوي والسيوطي كلامًا جيدًا فيه بيان أنه لا تعارض بين الآية والحديث، فيض القدير (6/ 364).
(1/129)
فصل ومن ذلك حديث: "ليس لفاسق غيبة" (1). قال الدارقطني، والخطيب: قد رُوي من طُرقِ، وهو باطلٌ. ومن ذلك: أحاديث النهي عن سَبّ البراغيث (2). قال العُقيلي: لا يصح في البراغيث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ (3). ومن ذلك: أحاديث اللعب بالشطرنج إباحةً وتحريمًا (4) كلها كذبٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يثبت فيه المنع عن الصحابة. __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (5/ 221) في ترجمة العلاء بن بشر العبشمي، وقال: "لا يتابع على أحاديثه"؟، والخطيب، ومن طريقهما ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 781)، والدارقطني، والقضاعي، والهروي في ذم الكلام، والبيهقي في الشعب، كما في المقاصد الحسنة (ص 562). (2) رواه البخاري في الأدب المفرد (1237)، والطبراني في الأوسط (8/ 93)، والبزار، كما في المقاصد الحسنة (ص 717 - 718)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 158)، وابن حبان في المجروحين (1/ 347)، ومن طريقهما ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 713)، وقال السخاوي: "أفرد شيخنا فيه جزءًا". انتهى، واسم هذا الجزء: "البسط المبثوث في خبر البرغوث"، وللسيوطي أيضًا جزءٌ فيه اسمه: "الطرثوث في خبر البرغوث"، وانظر: كشف الخفاء (2/ 352)، وكنز العمال (14/ 186). (3) الضعفاء (2/ 158). (4) روى التحذير منه: ابن حبان في المجروحين (2/ 297) و (3/ 26)، وعنه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 783)، وقال: "لا أصل لهما"، وقال في المقاصد الحسنة (ص 343): "رواه ابن عبدان، وأبو موسى، وابن حزم، عن حبة بن مسلم مرسلًا"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 207).
(1/130)
ومن ذلك حديث: "لا تُقتل المرأة إذا ارتدّت" (1). قال الدارقطني: لا يصح هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (2). ومن ذلك حديث: "من أُهديت إليه هدية، وعنده جماعة، فهم شركاؤه" (3). قال العُقيلي: لا يصح في هذا الباب شيءٌ (4). وقال البخاري في صحيحه، باب من أُهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق، قال: ويُذكر عن ابن عباس: "إنّ جُلساءه شركاؤه" ولم يصح (5). ومن ذلك حديث: "إن عبد الرحمن بن عوف يَدخل الجنّة حَبوًا" (6). __________ (1) رواه الدارقطني في سننه (118)، ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 357)، والجورقاني في الأباطيل (2/ 170)، وانظر: لسان الميزان (3/ 323)، تنزيه الشريعة (2/ 225)، الفوائد المجموعة (ص 202). (2) سنن الدارقطني (3/ 118)، الموضوعات لابن الجوزي (3/ 357). (3) رواه العقيلي في الضعفاء (4/ 328)، والخطيب في التاريخ (4/ 249)، ومن طريقهما ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 294 - 295)، تنزيه الشريعة (2/ 298)، الفوائد المجموعة (ص 232). (4) الضعفاء (4/ 328). (5) كتاب الهبة، باب من أهدي له هدية ... ، وقال ابن حجر في الفتح (5/ 227): جاء عن ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصلح إسنادًا من المرفوع ... "، وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 298). (6) رواه أحمد في المسند (6/ 115)، وعنه ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 246)، وقال: "قال أحمد: هذا الحديث كذبٌ منكرٌ"، ونقل ابن الجوزي عن النسائي أنه قال: "موضوعٌ"، ورواه الطبراني في الكبير (1/ 264)، وفي القول =
(1/131)
قال شيخنا: لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1). ومن ذلك: حديث الأبدال، والأقطاب، والأغواث، والنُّقباء، والنُّجباء، والأوتاد (2)، كلها باطلةٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وأقرب ما فيها: "لا تَسبُّوا أهل الشام فإن فيهم البُدلاء، كلما مات رجلٌ منهم، أبدل الله مكانه رجلًا آخر". ذكره أحمد (3). ولا يصح أيضًا؛ فإنه مُنقطع. __________ = المسدد (ص 9، 28): "وأولى محامله أن نقول: هو من الأحاديث التي أمر الإمام أحمد أن يُضرب عليها، فإما أن يكون الضرب ترك، وإما أن يكون بعض من كتبه عن عبد الله كتب الحديث وأخل بالضرب"، وانظر: اللآلئ المصنوعة (1/ 412)، تنزيه الشريعة (2/ 1). (1) انظر: ما بعده. (2) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (3/ 397)، المقاصد الحسنة (ص 43)، اللآلى المصنوعة (2/ 330)، رسالة السيوطي: "الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال" في الحاوي للفتاوي (2/ 455)، تنزيه الشريعة (2/ 306)، الفوائد المجموعة (ص 245). (3) رواه أحمد في المسند (1/ 112)، وانظر: المقاصد الحسنة (ص 45).
(1/132)
فصل ومن ذلك: المنع من رَفع اليدين في الصلاة، عند الركوع، والرفع منه، كلها باطلةٌ مكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يصح شيءٌ منها، كحديث ابن مسعود: "إنما أُصلي بكم صَلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فصلّى فلم يَرفَع يديه إلا في أوّل مَرّة" (1). قال ابن المُبارك: قد ثبت حديث سالم، عن أبيه -يعنى في الرفع- ولم يثبت حديث ابن مسعود (2). وكحديثه الآخر: "صليتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، فلم يرفعوا إلا عند افتتاح الصلاة" (3). وهو مُنقطعٌ لا يصح. وحديث يزيد بن أبي زِياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أُذنيه، ثم لا يعود" (4). __________ (1) رواه أبو داود (748)، وقال: "هذا مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ"، والترمذي (257)، والنسائي: باب ترك رفع اليدين عند الركوع (1025)، صححه أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/ 41) في كلام نفيس، فليراجع، وفيه الجمع بينه وبين أحاديث الرفع الأخرى الثابتة. (2) رواه عن ابن المبارك الترمذي في سننه (2/ 38 - 39)، بعد الحديث رقم (256)، وانظر: نصب الراية (1/ 394)، وفي حاشية نصب الراية تعليق على قول ابن المبارك هذا. (3) رواه أبو داود (748)، والترمذي (257) وقال: "حديث حسن"، وانظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 386)، اللآلئ المصنوعة (2/ 18)، تنزيه الشريعة (2/ 101). (4) رواه أبو داود (749)، وأورده ابن حبان في المجروحين (3/ 100)، وقال: =
(1/133)
قال الشافعي: ذهب بعض الناس إلى تغليط يزيد (1). وقال الإمام أحمد: هذا حديثٌ واهٍ. وقال يحيى: ابن أبي زياد ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: ليس بذاك (2). وضَعّف هذا الحديث جُمهور أهل الحديث، وقالوا: لا يصح. وحديث وَكيع، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مِقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُرفع الأيدي في سَبعة مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال القبلة، والصّفا، والمَروة، والموقِفين، والجمرَتين" (3). __________ = "إن زيادة: "ثم لم يعد" لقنها أهل الكوفة ليزيد بن أبي زياد لما قدم الكوفة وحدّث بهذا الحديث في آخر عمره، فتلقن، وذلك أن سفيان بن عيينة سمعه بمكة قديمًا يحدث بهذا الحديث وليس فيه هذه الزيادة"، وكذا في الكامل لابن عدي (7/ 276)، وانظر: نصب الراية (1/ 402). (1) الأم (1/ 125) وفيه: "ذهب سفيان إلى تغليط يزيد في هذا الحديث". (2) الكامل (7/ 275)، ولفظة ابن عدي: "ويزيد من شيعة الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه"، وأما لفظة: "ليس بذاك" فقد أوردها ابن عدي عن أحمد بن حنبل. (3) رواه الطبراني، وعلقه البخاري في رفع اليدين، كما في الأسرار المرفوعة (ص 472)، ونصب الراية (1/ 390)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 238): "وفي الإسناد الأول: محمد بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ، وفي الثاني: عطاء بن السائب، وقد اختلط"، ورواه الحاكم والبيهقي كما في نصب الراية (1/ 391) وفيه: "قال الشيخ في الإمام: واعترض على هذا بوجوه ... ، وثانيها: رواية وكيع عنه بالوقف على ابن عباس وابن عمر، قال الحاكم: ووكيع أثبت من كل من روى هذا الحديث عن ابن أبي ليلى".
(1/134)
لا يصح رَفْعه، والصحيح وقفه على ابن عمر، وابن عباس. وحديث أَورده [البيهقي] (1) في "الخلافيات" من رواية عبد الله بن [عَون الخراز] (2): ثنا مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود" (3). ومن شَمّ روائح الحديث على بُعد شَهد بالله أنه موضوعٌ. وحديث [عبّاد بن] (4) الزُّبير: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَرفع يديه في أول الصلاة، ثم لم يرفعها" (5). وهو موضوعٌ. وحديثٌ وضعه محمد بن عُكاشة الكرماني، عن أنس، موقوفًا: "من رَفع يديه في الركوع فلا صلاة له" (6). قبح الله واضعه. __________ (1) في الأصل: "البخاري"، والتصويب من نسخة المعلمي. (2) في الأصل: "عوف الحداد"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (3) أورده الزيلعي في نصب الراية (1/ 404)، ثم قال: قال البيهقي: قال الحاكم: هذا باطلٌ موضوعٌ، ... فقد رُوّينا بالأسانيد الصحيحة عن مالك بخلاف هذا، ولم يذكر الدارقطني هذا في غرائب حديث مالك. (4) في الأصل: "أبي"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (5) رواه البيهقي في الخلافيات، كما في نصب الراية (1/ 404)، وقال: "قال الشيخ في (الإمام): وعباد هذا تابعي، فهو مرسل". (6) أورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 387) عن الحاكم، قال: "قيل لمحمد بن عكاشة: إن قومًا عندنا يرفعون أيديهم في الركوع ... ، فقال: حدثنا المسيب، فذكر ابن عكاشة إسنادًا، وساق هذا الحديث مرفوعًا"، وأورده ابن حجر في لسان الميزان (5/ 288) وكذبه.
(1/135)
فصل ومن ذلك حديث: "إن الناس يوم القيامة يُدعون بأمهاتهم لا بآبائهم" (1). هو باطلٌ، والأحاديث الصحيحة بخلافه. قال البخاري في "صحيحه": باب يُدعى الناس يوم القيامة بآبائهم، ثم ذكر حديث: "يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غَدْرته، يقال: هذه غَدرة فلان ابن فلان" (2). وفي الباب أحاديث أُخر، غير ذلك. __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (1/ 343) ترجمة إسحاق بن إبراهيم الطبري، وقال: "منكر المتن بهذا الإسناد"، والطبراني كما في فتح الباري (10/ 579)، قال ابن حجر: "وسنده ضعيف جدًّا". (2) كتاب الأدب، باب ما يدعى الناس بآبائهم (6177).
(1/136)
فصل ومن ذلك: "حُضور رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[سماعًا] (1) ورقص، حتى شقّ قميصه" (2). فلعن الله واضعه، ما أجرأه على الكذب. وحديث: "لو أحسن أحدكم ظنّه بحجر لنفعه" (3). وهو من وضع المشركين عُبّاد الأوثان. وحديث: "اتخذوا مع الفقراء أيادي، فإن لهم دَولة يوم القيامة، وأيُّ دَولة" (4). وحديث: "من عَشق فعَفّ فكتم فمات فهو شهيدٌ" (5). __________ (1) في الأصل بياض، وتسديده من مصادره، ونسخة المعلمي. (2) في الفوائد المجموعة (ص 254): أن أبا محذورة أنشد بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه تواجد حتى وقعت البردة الشريفة عن كتفيه، قال ابن تيمية: هو كذب باتفاق أهل العلم بالحديث. (3) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كذب موضوع"، وقال ابن حجر: "لا أصل له". المقاصد الحسنة (ص 542)، الأسرار المرفوعة (ص 282). (4) رواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة وهب بن منبه، والديلمي، كما في المقاصد الحسنة (ص 54)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 516)، وأورده الذهبي في الميزان (4/ 219)، وقال: "موضوع"، وحكم بوضعه: شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال الحافظ ابن حجر: "لا أصل له"، المقاصد الحسنة (ص 542)، الأسرار المرفوعة (ص 103). (5) رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (5/ 156)، والحاكم في تاريخ نيسابور، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وغيرهم، كما في المقاصد الحسنة (ص 658)، والأسرار المرفوعة (ص 338)، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في =
(1/137)
موضوعٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وحديث: "من أكل مع مَغفورٍ [له] (1) غُفر له" (2). موضوع أيضًا، وغاية ما رُوي فيه أنه مَنَام رآه بعض الناس (3). وحديث: "من قَصّ أظفاره مخالفًا لم يَر في عينيه رمدًا" (4). من أقبح الموضوعات. وحديث: "إذا دعت أحدَكم أمُّه وهو في الصلاة فليجب، وإذا دعاه أبوه فلا يُجب" (5). يرويه عبد العزيز بن أبان القرشي الأموي، قال البخاري: تركوه (6). وقال ابن معين، وغيره: كذاب، روى أحاديث موضوعةً (7). __________ = بيان بطلانه في كتابه زاد المعاد (4/ 275)، وروضة المحبين (ص 180)، والجواب الكافي (ص 353)، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 255). (1) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (2) حكم بوضعه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: "ليس له إسناد عند أهل العلم"، وقال الحافظ ابن حجر: "كذب موضوع، لا أصل له صحيح ولا حسن ولا ضعيف"، المقاصد الحسنة (ص 628)، الأسرار المرفوعة (ص 319)، الفوائد المجموعة (ص 158). (3) المقاصد الحسنة (ص 628) وفيه أنه رؤيا منامية. (4) قال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 664): "لم أجده، وهو في كلام غير واحد من الأئمة، منهم ابن قدامة في المغني، والشيخ عبد القادر في الغنية، وانظر: الأسرار المرفوعة (ص 341). (5) لم أجده. (6) تاريخ بغداد (10/ 446). (7) الضعفاء للعقيلي (3/ 17)، تاريخ بغداد (10/ 445).
(1/138)
وحديث جابر في التشهد، وفي أوله: "بسم الله، التحيات لله" (1). يرويه حُميد بن الربيع، عن أبي عاصم، عن ابن جُريج، عن أبي الزُّبير، عنه. قال ابن معين: هذا حُميد كذابٌ. وقال النسائي: ليس بشيءٍ (2). __________ (1) رواه ابن عدي في الكامل (2/ 281) ترجمة حميد بن الربيع، وقال: "باطل"، وانظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/ 141)، باب من استحب أو أباح التسمية قبل التحية. (2) ميزان الاعتدال (1/ 612).
(1/139)
فصل وسألتَ عن: "لا مَهدي إلا عيسى ابن مريم" (1). فكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي، وخروجه، وما وَجه الجمع بينهما؟ وهل في المهدي حديث، أم لا؟ فأما حديث: "لا مَهدي إلا عيسى ابن مريم" فرواه ابن ماجه في "سُننه" (2)، عن يونس بن عبد الأعلى، عن الشافعي، عن محمد بن خالد الجَنَدي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهو مما تفرد به محمد بن خالد. قال محمد بن [الحسين الآبري] (3) في كتاب "مناقب الشافعي": محمد بن خالد هذا غير معروفٍ عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته (4). __________ (1) رواه ابن ماجه (302)، والحاكم في المستدرك (4/ 441)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 221)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 862)، ونقل عن النسائي أنه قال: "حديث منكر"، ورواه الجورقاني في الأباطيل (1/ 319)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 155)، وانظر: ميزان الاعتدال (3/ 535)، طبقات الشافعية الكبرى (1/ 280)، قال الصغاني: "موضوع". الفوائد المجموعة (ص 510). (2) تقدم تخريجه. (3) في الأصل: "الحسن الأسنوي"، والتصويب من مصادر ترجمته، ونسخة المعلمي، وانظر: سير أعلام النبلاء: (16/ 299). (4) وفي هذا مؤلفات منها: كتاب الشوكاني: "التوضيح في تواتر ما جاء في =
(1/140)
وقال البيهقي: تفرد به محمد بن خالد هذا. وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هو مجهولٌ، وقد اختلف عليه في إسناده فرُوي عنه عن أبان بن أبي عياش، عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد -وهو مجهول- عن أبان بن أبي عياش -وهو متروك- عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو منقطعٌ، والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادًا (1). قلت: كحديث ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو لم يَبق من الدنيا إلا يوم، لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يَبعث رجلًا مني، أو من أهل بيتي، يُواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قِسطًا وعَدلًا، كما مُلئت ظُلمًا وجَورًا". رواه أبو داود، والترمذي (2)، وقال: "حديث حسن صحيح"، قال: "وفي الباب عن علي، وأبي سعيد، وأمّ سَلمة، وأبي هريرة". ثم رَوى حديث أبي هريرة، وقال: "حسن صحيح" (3). انتهى. وفي الباب عن حُذيفة بن اليمان، وأبي أُمامة الباهلي، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وثوبان، وأنس بن مالك، وجابر، وابن عباس، وغيرهم. __________ = المهدي والدجال والمسيح"، وكتاب الكشميري: "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" وهو مطبوع، وموسوعة أحاديث المهدي للدكتور عبد العليم البستوي. (1) المستدرك (4/ 441)، العلل المتناهية (2/ 863). (2) رواه أبو داود (4282)، والترمذي (2231)، وقال: "حسن صحيح"، وصححه المؤلف كما في (ص 147). (3) سنن الترمذي (4/ 438)، وحديث أبي هريرة فيه برقم (2233).
(1/141)
وفي "سنن أبي داود"، عن علي، أنّه نَظر إلى ابنه الحسن، فقال: "إن ابني هذا سيدٌ، كما سَمّاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيخرج من صُلبه رجل يُسمى باسم نبيكم، يُشبهه في الخُلُق، ولا يشبهه في الخَلْق، يملأُ الأرض عدلًا" (1). وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المهدي مِنيّ، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قِسطًا، وعدلًا، كما مُلئت جَورًا وظُلمًا، يملك سبع سنين" (2). رواه أبو داود بإسناد جيدٍ من حديث عِمران بن [دَاوَر] (3) القطان- [وهو] (4) حسن الحديث - عن قتادة، [عن أبي نَضْرة، عنه (5). ورَوى الترمذي نحوه من وجه آخر، عن أبي الصِّدّيق النّاجي، عنه (6)] (7). ورَوى أبو داود من حديث صالح بن أبي مريم [أبي] (8) الخليل، عن صاحب له، عن أم سَلمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يكون اختلاف عند مَوت __________ (1) رواه أبو داود (4290)، وانظر: ضعيف أبي داود (924). (2) رواه أبو داود (4285). وقد حسنه الألباني في صحيح الجامع (6736). (3) في الأصل: "وارد"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (4) في الأصل: "وقال"، والتصويب من نسخة المعلمي. (5) انظر: التعليق الذي بعده. (6) في الأصل هكذا: "عن أبي الصديق الناجي عنه، وروى الترمذي نحوه من وجه واحد، والتصويب من سنن الترمذي (2232)، والمعنى: عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري. (7) سنن الترمذي (2232)، وقال الترمذي: "حديث حسن". (8) في الأصل: "بن"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي.
(1/142)
خَليفة، فيخرج رَجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه، وهو كارهٌ، فيبايعونه بين الرُّكن والمقام، ويُبعث إليه جيش من الشام، فيَخسف بالبيداء، بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام، وعصائب أهل العراق، فيبايعونه، ثم ينشأ رجلٌ من قريش، أخواله كَلب، فيبعث إليهم بعثًا، فيظهرون عليهم، وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غَنيمة كلب، فيقسم المال، ويَعمل في الناس بسُنّة نبيهم، ويُلقى الإسلام بجرانة في الأرض، فيلبث سبع سنين، ثم يُتوفى، ويصلي عليه المسلمون" (1). وفي روايةٍ: "فيلبث تسع" (2). ورواه الإمام أحمد باللفظين (3). ورواه أبو داود من وجه آخر، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن عبد الله بن الحارث، عن أم سلمة نحوه (4). ورواه أبو يعلى المَوصِلي في "مسنده" من حديث قتادة عن صالح [أبي] (5) الخليل، عن صاحب له، وربما قال صالح: عن مجاهد، عن أم سلمة. والحديث حسن، ومثله مما يجوز أن يقال فيه: صحيح. __________ (1) رواه أبو داود (4286)، وهو ضعيف كما في السلسلة الضعيفة (1965). (2) رواه أبو داود في سننه (4286)، وهو كالذي قبله. (3) المسند (3/ 17) (6/ 316)، وهو ضعيف كالذي قبله. (4) رواه أبو داود في سننه (4288)، وهو ضعيف كما تقدم، وانظر: السلسلة الصحيحة (1924). (5) في الأصل: "بن"، والصواب ما أثبته كما تقدم.
(1/143)
وقال ابن ماجه في "سننه": ثنا عثمان بن أبي [شيبة] (1)، ثنا أبو داود [الحفري] (2)، ثنا ياسين، عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، عن أبيه، عن علي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المهدي من أهل البيت يُصلحه الله في ليلة" (3). وياسين (4)، وإن كان ضعيفًا فحديثه يصلح للاعتضاد، ولم يصلح للاعتماد. وفي "سننه" من حديث ابن لَهيعة، عن أبي زُرعة عَمرو بن جابر الحضرَمي، عن عبد الله بن الحارث بن جَزء الزَّبيدي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج ناسٌ من أهل المشرق، فيوطئون للمهدي سلطانه" (5). وذكر أبو نُعيم في "كتاب المهدي" (6) من حديث حُذيفة، قال: قال __________ (1) في الأصل: "لهيعة"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (2) في الأصل: "الجعبري"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (3) رواه أحمد في المسند (1/ 84)، وابن ماجه في سننه (4085)، وهو صحيح كما في السلسلة الصحيحة (2371). (4) هو ابن شيبان العجلي الكوفي، قال ابن حجر: "لا بأس به"، تقريب التهذيب (ص 1047). (5) رواه ابن ماجه (4088) وفيه: " ... فيوطئون للمهدي" يعني: سلطانه. والحديث ضعّف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 264). (6) لعل كتاب أبي نعيم هذا هو الذي لخصه السيوطي في رسالته: "العرف الوردي في أخبار المهدي" فقد قال في مقدمة رسالته هذه: "هذا جزء جمعت فيه الأحاديث والآثار الواردة في المهدي، لخصت فيه الأربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم، وزدت عليه ما فاته ... " انظر: الحاوي للفتاوي (2/ 213)، وجزم الشيخ أبو غدة رحمه الله تعالى في حاشية نسخته من هذا الكتاب (ص 146) بذلك.
(1/144)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو لم يَبق من الدنيا إلا يومٌ واحدٌ، لبعث الله فيه رجلًا اسمه اسمي، وخُلُقه خُلُقي، يُكنى أبا عبد الله" (1). ولكن في إسناده العباس بن بكّار (2) لا يُحتج بحديثه، وقد تقدم هذا المتن من حديث [ابن] (3) مسعود، وأبي هريرة، وهما صحيحان. وقد قالت أم سلمة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المهدي من عِترتي، من ولد فاطمة" (4). رواه أبو داود، وابن ماجه، وفي إسناده زياد ابن بَيان، وثّقه ابن حبان (5)، وقال ابن مَعين: ليس به بأس (6). وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر (7). وقال أبو نعيم: ثنا خلف بن أحمد بن العباس الرَّامَهُرمُزي في "كتابه"، ثنا همّام بن أحمد بن أيوب، ثنا طالوت بن عَبّاد، ثنا سُويد بن إبراهيم، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة [بن] (8) عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليبعثنّ الله من عِترتي رجلًا __________ (1) أورده عن أبي نعيم السيوطي في "العرف الوردي"، كما في الحاوي للفتاوي (2/ 220)، وقد ترجم الذهبي في الميزان (2/ 382) للعباس بن بكير، وقال: "ومن مصائبه"، وذكر حديث حذيفة هذا. وانظر (143). (2) هو: الضبي البصري، كذبه الدارقطني، انظر: ميزان الاعتدال (2/ 382). (3) في الأصل: "أبي"، والتصويب مما تقدم. (4) رواه أبو داود (4284)، وابن ماجه (4086)، وسنده جيد كما في السلسلة الضعيفة (1/ 108). (5) كتاب الثقات (8/ 248). (6) هذا قول النسائي فيه، كما في تهذيب الكمال (9/ 437). (7) التاريخ الكبير (3/ 346) وفيه: "في إسناده نظر". (8) في الأصل: "عن"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي.
(1/145)
أفرق الثنايا، أجلى الجبهة، يملأ الأرض عدلًا، يفيض المال" (1). ولكن طالوت، وشيخه ضعيفان (2). والحديث ذكرناه للشواهد. وقال يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني في "مسنده": ثنا قيس بن الربيع، عن أبي حُصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية، وجبل الديلم، ولو لم يبق إلا يوم، طوّل الله ذلك اليوم حتى يفتحها". يحيى بن عبد الحميد وثقه ابن معين وغيره (3)، وتكلم فيه أحمد (4). وقال أبو نُعيم: ثنا أبو الفَرج الأصبهاني، ثنا أحمد بن الحسين، ثنا أبو جعفر بن طارق، عن [الخليل بن لطيف] (5)، عن أبي نَضْرة، عن أبي __________ (1) أورده عن أبي نعيم السيوطي في "العرف الوردي"، كما في الحاوي للفتاوي (2/ 220). (2) أما سويد بن إبراهيم العطار فقد ضعفه بعضهم كما تراه في ميزان الاعتدال (2/ 247)، وأما طالوت بن عباد الصيرفي فقد قال الذهبي في الميزان (2/ 334): "شيخ معمّر ليس به بأس، قال أبو حاتم: صدوق، وأما ابن الجوزي فقال من غير تثبت: ضعفه علماء النقل، قلت: إلى الساعة أفتش فما وقعت بأحد ضعفه". (3) تهذيب الكمال (31/ 431). (4) تهذيب الكمال (31/ 427). (5) في الأصل: "الجليل بن نظيف"، والتصويب من موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي (2/ 84)، والإكمال لابن ماكولا (3/ 174)، ونسخة المعلمي.
(1/146)
سعيد، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه فيقول: ألا إن بعضهم على بعضٍ أمراء، تَكْرِمة الله لهذه الأمة" (1). وهذا إسنادٌ لا تقوم به حجةٌ، لكن في "صحيح ابن حبان" من حديث عطية بن عامر نحوه (2). وقال الحارث بن أبي أسامة في "مسنده": أنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثنا إبراهيم بن عَقيل، عن أبيه، عن وهب بن مُنبّه، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صَلّ بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أميرُ بعضٍ، تَكْرِمة الله هذه الأمة" (3). وهذا إسنادٌ جيدٌ. وقال الطبراني: ثنا محمد بن زكريا [الغلابي] (4)، ثنا العباس بن بكار، ثنا عبد الله بن زياد، عن الأعمش، عن زِرّ بن حُبيش، عن حُذيفة، قال: "خطبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ما هو كائنٌ، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلا __________ (1) أورده عن أبي نعيم السيوطي في "العرف الوردي" كما في الحاوي للفتاوي (2/ 221 - 222). (2) هو عند ابن حبان من حديث جابر بن عبد الله كما في الإحسان (6819)، ولكن ليس فيه التصريح بأن الإمام هو المهدي، وحديث جابر هذا عند مسلم في صحيحه (393). (3) انظر: التعليق على الذي قبله. (4) في الأصل: "الهلالي"، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي.
(1/147)
يومٌ واحدٌ لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يَبعث رجلًا من ولدي، اسمه اسمي". ولكن هذا إسنادٌ ضعيفٌ (1). وأحاديث هذا [الباب] (2) أربعة أقسام: صِحاح، وحِسان، وغَرائب، وموضوعة. وقد اختلف الناس فيه، على أربعة أقوال: أحدها: أنه المسيح ابن مريم، وهو المهدي على الحقيقة، واحتج أصحاب هذا بحديث محمد بن خالد الجَنَدي المتقدم (3)، وقد بيّنّا حاله، وأنه لا يصح، ولو صح لم يكن فيه حجة؛ لأن عيسى أعظم مهدي بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبين الساعة، وقد دلت السنّة الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على نُزوله على المنارة البيضاء، شرقي دمشق، وحُكمه بكتاب الله، وقَتْله اليهود والنصارى، وَوضعه الجزية، وإهلاك أهل الملل في زمانه (4). فيصح أن يقال: لا مهدي في الحقيقة سواه، وإن كان غيره مهديًّا، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا [ما وقى وجه صاحبه] (5)، __________ (1) فيه: شيخ الطبراني -محمد بن زكريا الغلابي البصري الإخباري-، قال الذهبي: "ضعيف، واتهمه الدارقطني بالوضع، وقال ابن منده: متكلم فيه، ومع هذا فقد ذكره ابن حبان في الثقات، ميزان الاعتدال (3/ 550)، والحديث تقدم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ص 143). (2) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (3) انظر: (ص 142). (4) انظر: صحيح البخاري (2222، 3448)، ومسلم (387، 388، 389). (5) في الأصل بعد قوله: "ولا مال إلا" تخريجة، ولم يتضح لي ما كتب في =
(1/148)
وكما يصح أن يقال: إنما المهدي عيسى ابن مريم، يعنى المهدي الكامل المعصوم (1). القول الثاني: أنه المهدي الذي وَلي من بني العباس، وقد انتهى زمانه، واحتجَّ أصحاب هذا القول بما رواه أحمد في "مسنده": ثنا وكيع، عن شَريك، عن علي بن زيد، عن أبي قِلابة، عن ثَوبان، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حَبوًا على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي" (2). وعلي بن زيد، قد روى مسلم له متابعة، ولكن هو ضعيف، وله مناكير تفرد بها، فلا يحتج بما ينفرد به. وروى ابن ماجه من حديث الثّوري، عن خالد، عن أبي قِلابة، عن [أبي] (3) أسماء، عن ثَوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، نحوه (4). __________ = الحاشية، وما أثبته من نسخة المعلمي. (1) للقرطبي وابن كثير كلام نحو هذا تراه في التذكرة في أحوال الموتى للقرطبي (ص 617)، والنهاية لابن كثير (1/ 32)، وأورده السيوطي في "العرف الوردي"، كما في الحاوي للفتاوي (2/ 247). (2) رواه أحمد في المسند (5/ 277)، والحاكم في المستدرك (4/ 502)، وقال الذهبي في الميزان (3/ 128): "أراه منكرًا"، وانظر: الفوائد المجموعة (ص 412). (3) في الأصل: ابن، والتصويب من مصادره، ونسخة المعلمي. (4) رواه ابن ماجه في سننه (4084)، وأحمد في المسند (5/ 277)، وصحح البوصيري إسناده في مصباح الزجاجة (3/ 263)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (605). وانظر: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 288).
(1/149)
وتابعه عبد العزيز بن المُختار، عن خالد. وفي "سنن ابن ماجه" عن عبد الله بن مسعود، قال: "بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ أقبل فِتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - اغرورقت عيناه، وتَغيّر لونه، فقلتُ: ما نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه؟ قال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريدًا وتطريدًا، حتى يأتي قوم من أهل المشرق، ومعهم رايات سُود يسألون الحق فلا يُعطونه، فيُقاتِلون فيُنصَرون، فيُعطون ما سألوا فلا يَقبلونه، حتى يَدفعُونها إلى رجلٍ من أهل بيتي، فيملؤها قِسطًا، كما مُلئت جَورًا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْوًا على الثلج" (1). وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو سيئ الحفظ، اختلط في آخر عُمُره، وكان يقبل [التلقين] (2)، وهذا والذي قَبْله لو صح لم يكن فيه دليلٌ على أن المهدي الذي تولى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، بل هو مهدي من جملة المهديين، وعمر بن عبد العزيز كان مهديًّا، بل هو أولى باسم المهدي منه. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي" (3). __________ (1) رواه ابن ماجه في سننه (4082)، وأعله البوصيري في مصباح الزجاجة (3/ 262). (2) في الأصل: "الفلوس"، والتصويب من مصادر ترجمته، ففيها: أنه كان يقبل التلقين، وكذا في نسخة المعلمي. (3) رواه أحمد في المسند (4/ 126)، وأبو داود (4067)، والترمذي (2678)، وابن ماجه (42)، وإسناده صحيح.
(1/150)
وقد ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه، وغيره، إلى أن عمر بن عبد العزيز منهم، ولا ريب أنه كان راشدًا مهديًّا، ولكن ليس بالمهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فالمهدي في جانب الخير والرشد، كالدجال في جانب الشرّ والضلال، كما أن بين يدي الدجال الأكبر صاحب الخوارق، دجالون كذابون، فكذلك بين يدي [المهدي] (1) الأكبر مهديون راشدون. القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان، وقد امتلأت الأرض جَورًا وظلمًا، فيملؤها قسطًا وعدلًا، وأكثر الأحاديث على هذا تَدل (2). وفي كونه من ولد الحسن سِرٌّ لطيف، وهو أن الحسن رضي الله تعالى عنه ترك الخلافة لله، فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمنة للعدل الذي يملأ الأرض، وهذه سنة الله في عباده: أنه من ترك لأجله شيئًا أعطاه الله، أو أعطى ذريته أفضل منه، وهذا بخلاف الحسين رضي الله عنه، فإنه حَرَص عليها، وقاتل عليها فلم يظفر بها، والله أعلم. وقد روى أبو نعيم من حديث أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يخرج رجل من أهل بيتي ويَعمل بسنّتي، ويُنزل الله له __________ (1) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (2) قد تقدم أن الشوكاني ألف كتابه: "التوضيح في تراتر أحاديث المهدي"، وانظر: كتاب الشيخ عبد المحسن العباد: "الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي، وعقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر" وهو مطبوع ومفيد في هذا الباب.
(1/151)
البركة من السماء، وتُخرج له الأرض بركتها، ويَملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا، ويَعمل على هذا الأمر سبع سنين، ويَنزل بيت المقدس" (1). ورَوَى أيضًا من حديث أبي أُمامة، قال: "خَطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذَكر الدجال، قال: فتَنفي المدينة الخَبث كما يَنفي الكير خَبث الحديد، ويُدعى ذلك اليوم يوم الخلاص، فقالت أمّ شَريك: فأين العرب يا رسول الله؟ قال: هم يومئذٍ قليلٌ، وجُلّهم ببيت المقدس، وإمامهم المهدي، رجلٌ صالحٌ" (2). ورَوى أيضًا من حديث عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لم تَهلك أُمّة وأنا في أولها، وعيسى والمهدي في وسطها" (3). وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضّعف والغرابة، فهي مما يُقوّي بعضها بعضًا، وتُشدّ بعضها ببعض، فهذه أقوال أهل السنّة. وأما الرّافضة الإمامية فلهم: __________ (1) أورده عن أبي نعيم السيوطي في العرف الوردي كما في الحاوي للفتاوي (2/ 219). (2) أورده عن أبي نعيم السيوطي في العرف الوردي كما في الحاوي للفتاوي (2/ 2/ 222)، وعزاه السيوطي للروياني، وابن خزيمة، وأبي عوانة، والحاكم، إلا أنه قال: "واللفظ لأبي نعيم". وهو في ابن ماجه مطولًا برقم (4077). (3) هكذا هنا، وفي طبعة الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله، والذي أورده السيوطي عن أبي نعيم في الحاوي للفتاوي (2/ 222) ضمن رسالته العرف الوردي، "لن تهلك أمة أنا أولها، وعيسى بن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها"، وقد تقدم أن السيوطي لخص كتاب الأربعين لأبي نعيم الذي جمع فيه أخبار المهدي.
(1/152)
قول رابع: وهو أن المهدي هو محمد بن الحسن العَسكري (1) المُنتظر، من ولد الحسين بن علي، لا من ولد الحسن، الحاضر في الأمصار، الغائب عن الأبصار، الذي يورث العصا، ويختم الفضا (2)، دخل سِرداب سامِرّاء طِفلًا صغيرًا من أكثر من خمس مئة سنة، فلم تَره بَعدَ ذلك عَين، ولم يُحَسّ فيه بخبر [ولا] (3) أثر، وهم ينتظرونه كل يوم، ويقفون بالخيل على باب السّرداب، ويَصيحون به أن يَخرج إليهم: أُخرج يا مولانا، أخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان، فهذا دأبهم ودأبه، ولقد أحسن من قال: مَا آنَ لِلسِّرْدَابِ أَنْ يَلِدَ الَّذِي ... كَلّمتُمُوهُ بِجَهْلِكُمْ مَا آنَا فَعَلَى عُقُولِكُمُ العَفَاء فَإِنَّكُم ... ثَلَّثْتُمُ العَنْقَاءَ وَالغِيلانَا ولقد أصبح هؤلاء عارًا على بني آدم، وضُحكة يَسخر منهم كل عاقل. أما مهدي المغاربة: محمد بن تُومرت (4)، فإنه رجلٌ كذابٌ ظالمٌ، __________ (1) محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي، آخر الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، وهو المعروف عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر والحجة، وصاحب السرداب، ولد سنة (255)، وتوفي أبوه وعمره خمس سنوات، وتزعم الشيعة أنه دخل السرداب في دار أبيه سنة (265)، وعمره تسع سنين، وهم ينتظرون خروجه، ويرى بعض المؤرخين أن والده الحسن لبس له عقب. وفيات الأعيان (4/ 176)، الأعلام (6/ 80). (2) لم يتبين لي المراد بقوله: "الذي يورث العصا، ويختم الفضا". (3) في الأصل: "إلا"، والتصويب من نسخة المعلمي. (4) المنعوت بالمهدي، ينتسب إلى الحسن بن علي، هلك سنة (524)، له ترجمة مطولة في وفيات الأعيان (5/ 45 - 55)، وانظر: الأعلام (6/ 228 - 229).
(1/153)
متغلبٌ بالباطل، مَلك بالظلم والتغلُّب والتحيُّل، فقَتل النُّفوس، وأباح حريم المسلمين، وسَبى ذراريهم، وأخذ أموالهم، وكان شرًّا على الملّة من الحجاج بن يوسف بكثير، وكان يُودع بَطن الأرض في القبور جماعة من أصحابه أحياءً، ويأمرهم أن يقولوا للناس: إنه المهدي، الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَردم عليهم ليلًا؛ [لئلا] (1) يُكذّبوه بعد ذلك، وسمّى أصحابه- الجهميّة نُفاة صفات الرب، وكلامه، وعُلوه على خلقه، واستوائه على عرشه، ورُؤية المؤمنين له بالأبصار يوم القيامة-: الموحّدين، واستباح قَتل من خالفهم من أهل العلم والإيمان، وتَسمَّى بالمهدي المعصوم. ثم خرج المهدي الملحد: عُبيد الله بن مَيمون القدّاح (2)، وكان جَدُّه يهوديًّا من بنت مجوسي، فانتسب بالكذب والزور إلى أهل البيت، وادعى أنه المهدي الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومَلك وتغلّب، واستفحل له أمره، إلى أن استولت ذريته الملاحدة المنافقون الذين كانوا أعظم الناس عداوة لله ولرسوله، على بلاد المغرب، ومصر، والحجاز، والشام، واشتدت غُربة الإسلام ومحنته ومُصيبته، وكانوا يدّعون الإلهية، ويدّعون أن للشريعة باطنًا يخالف ظاهرها. وهم ملوك القرامطة الباطنية أعداء الدين فتستّروا [بالرفض] (3) والانتساب إلى أهل البيت، ودانوا بدين أهل الإلحاد، ولم يزل أمرهم ظاهرًا إلى أن أنقذ الله الأمة، ونصر الإسلام بصلاح الدين يوسف بن __________ (1) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (2) الهالك سنة (322)، وفيات الأعيان (3/ 117)، الأعلام (4/ 197). (3) في الأصل: "بالروافض"، والتصويب من نسخة المعلمي.
(1/154)
أيوب، فاستنقذ الملة الإسلامية منهم، وأبادهم، وعادت مصر دار إسلام، بعد أن كانت دار نفاق وإلحاد في زمنهم. والمقصود أن هؤلاء لهم مهدي، وأتباع ابن تُومرت لهم مهدي، والرافضة الاثنا عشرية لهم مهدي. فكل هذه الفرق تدّعي في مهديّها الظّلُوم الغشُوم، والمستحيل المعدوم، أنه الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم، الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر بخروجه. وهي تنتظره كما تنتظر اليهود القائم، الذي يخرج في آخر الزمان فتعلوا به كلمتهم، ويقوم به دينهم، وينتصرون به على جميع الأمم. والنصارى تنتظر المسيح يأتي [قبل] (1) يوم القيامة، فيُقيم دين النصرانية، ويُبطل سائر الأديان. وفي عقيدتهم: نُزع المسيح الذي هو إله حق، من إله حق، من جوهر أبيه، الذي نزل طامينا، إلى أن قالوا: وهو مُستعدّ للمجيء قبل يوم القيامة. فالملل الثلاث تنتظره إمامًا قائمًا، يقوم في آخر الزمان. ومُنتظَر اليهود، هو الذي يَتبعه من يَهود أَصبَهان سبعون ألفًا. وفي "المسند" مرفوعًا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء" (2). __________ (1) ليست في الأصل، وهي من نسخة المعلمي. (2) رواه أحمد في المسند (4/ 216). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ =
(1/155)
والنصارى تَنتظر المسيح عيسى ابن مريم، ولا رَيب في نُزوله، ولكن إذا نَزل كَسر الصّليب، وقَتل الخنزير، وأباد المِلَل كلها، سِوى مِلّة الإسلام. وهذا معنى الحديث: "لا مَهدي إلا عيسى ابن مريم" (1). والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم، مُدّة ذكر الذاكرين، وسهو الغافلين، والحمد لله رب العالمين (2). __________ = 342): "فيه علي بن زيد وفيه ضعف وقد وثق". (1) تقدم تخريجه. (2) بعده في الأصل في الجانب الأيسر من المخطوط ما نصه: "بلغ مقابلة على أصل أظنه بخط السيد نور الدين علي السمهودي".
(1/156)