عشرون عقبة في طريق المسلم يجب الحذر منها
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- عشرون
عقبة في طريق المسلم يجب الحذر منها
- 1- عقبةُ الكفر
- 2- عقبةُ الشِّرك
- 3- عقبة النفاق
- 4- عقبة الفسوق والعصيان
- 6- عقبة الفحشاء والمنكر
- 7- عقبةُ القول على الله بغير علم
- 8- عقبة الجهل
- 9- عقبة البدعة
- 10- عقبة الكبائر
- 11- عقبة الإرجاء
- 12- عقبة الجبر
- 13- عقبة الدنيا
- 14- عقبة الشيطان
- 15- عقبة النفس
- 16- عقبة الهوى والشهوات
- 17- عقبة الصَّغائر
- 18- عقبة المباحات
- 20- عقبة التَّسْليط
عشرون عقبة في طريق المسلم يجب الحذر منها
القسم العلمي بمدار الوطن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه المصطفى؛ أما بعد.. فإن معرفةَ الشَّرِّ والبصر بالعقبات التي تعترض المسلم وتعوقه عن السير في طريق الهدى والاستقامة أمرٌ ضروريٌّ لكل من أراد النجاةَ من هذه الشرور وتلك العقبات، ولذلك بَيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابه مناهج أهل الضَّلال وأساليبهم في الصَّدِّ عن سبيل الله؛ كما قال سبحانه: ﴿وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام: 55].
وأفاض القرآن في ذكر المحرَّمات حتى يَحْذَرَها الإنسان ويجتنبها؛ فقال سبحانه: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾.
وقال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه: كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
ومن هذا المنطلق رأينا أن نتناول في هذا الكتيب عددًا من أهم تلك العقبات التي تحول بين المسلم وبين الانطلاق في آفاق العبودية لله عز وجل؛ وذلك ليحذر المسلم منها، ويُعدَّ العدَّةَ لمواجهتها، ويلبس لمزيِّنها لَأْمَةَ الحرب ودروع القتال، فيكون يوم القيامة أهلاً لمجاورة الرحمن والفوز بالجنان؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. [النحل: 32]، نسأل الله تعالى أن يحسن لنا القصد، وأن يجزل لنا المثوبةَ والأجر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الناشر
1- عقبةُ الكفر
الكفر هو أعظم العقبات التي تواجه المسلم، وأشدها خطورة عليه؛ إذ بحصوله ينتقل العبد من ديوان السعداء إلى ديوان الأشقياء، ومن زمرة عباد الله المفلحين إلى زمرة أعداء الله الكافرين، ومن حزب الله الفائزين إلى حزب الشيطان الهالكين.
وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته من الكفر فقال صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضرب بعضكم رقاب بعض»([1]) .
والكفر يحبط العمل، ويوجب غضب الله ولعنه وعذابه في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 39].
وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [البقرة: 161].
والكفر من فعل الشياطين؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: 102].
والكفار شرُّ خلق الله على الإطلاق؛ كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. [الأنفال: 55].
أنواع الكفر
الكفر نوعان: كفر أكبر وكفر أصغر.
أ- الكفر الأكبر
وهو الكفر الاعتقادي المضادُّ لأصل الإيمان، وبحصوله يخرج العبد من الإسلام، ويُحبط عمله، ويوجب له الخلود في النار مع الكافرين.
أنواع الكفر الأكبر
الكفر الأكبر خمسة أنواع هي: كفر التكذيب، وكفر الاستكبار، والإباء مع التصديق، وكفر الإعراض، وكفر الشك، وكفر النفاق.
أولاً: كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل أو اعتقاد كذب أحدهم.
ثانيًا: كفر الإباء والاستكبار مع التصديق:
وهو سبب كفر عامة الكفار؛ بل هو سبب كفر إبليس وفرعون واليهود وغيرهم من أعداء الرسل؛ كما حكى تعالى عن فرعون وقومه أنهم قالوا: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ [المؤمنون: 47]؛ فلم يصرفهم عن الإيمان بموسى وهارون سوى الكبر والغرور.
ثالثًا: كفر الإعراض: وذلك بأن يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ فلا يصدقه، ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يقبل ما جاء به ولا يرده.
رابعًا: كفر الشك: وذلك بأن يشك في أمر الرسول، فلا يتيقن صدقه أو كذبه، ولو تأمل هذا الشاك في آيات صدق الرسول لأزالت عن بصيرته كل شك وشبهة.
خامسًا كفر النفاق: وهو إظهار متابعة الرسول مع رفض ما جاء به وجحده بالقلب؛ فهو مظهر للإيمان مبطن للكفر.
ب- الكفر الأصغر
وهذا النوع من الكفر لا يخرج به العبد من الإسلام؛ ولكنه يستحق به الوعيد الشديد والعذاب الأليم في جهنم دون الخلود فيها، ويُعَدُّ صاحبُه مرتكبًا لكبائر الذنوب وعظائم المعاصي؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في أمتي هما بهم كفر: الطَّعن في النَّسب والنياحة»([2]) .
ومن مظاهر الكفر الأصغر: قتال المسلم، والحلف بغير الله، وإتيان الكهَّان، وإتيان المرأة في دبرها، وقول المؤمن لأخيه المؤمن: يا كافر. وغيرها.
فاحذر أخي المسلم من الكفر بجميع أنواعه، واحذر المعاصي؛ فإنها بريد الكفر، واعلم أن الكفر قد يحدث بسبب اعتقاد واحد أو قول واحد باللسان، أو عمل واحد بالجوارح؛ قال تعالى في الذين استهزؤوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: 65، 66].
2- عقبةُ الشِّرك
والشرك كالكفر في خطورته على الإنسان، وهو الذنب الذي لا يغفره الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
والمشرك حابط عمله؛ كما قال تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]، وقال: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
والمشرك من شرار الخلق عند الله تعالى؛ كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
أنواع الشرك
الشرك نوعان: شرك أكبر، وشرك أصغر.
الشرك الأكبر
أ- فالشرك الأكبر: يخرج به العبد من الإسلام، ويحبط العمل، ويوجب الخلود في النار مع المشركين، ولا يغفره الله إلا بالتوبة منه.
وهذا النوع من الشرك يتضمن: اتِّخاذ الأنداد من دون الله، وتسويتها بالله عز وجل، ومحبتها كمحبة الله عز وجل، كما حكى الله عنهم أنهم قالوا لآلهتهم في النار: ﴿تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 97، 98]؛ مع أنَّهم يقرُّون بأن الله وحده خالقُ كل شيء وربُّه ومليكُه، وأن آلهتَهم لا تخلق و لا ترزق ولا تحيي ولا تميت؛ وإنما كانت هذه التَّسويَّة في المحبَّة والتَّعظيم والعبادة كما هو حال أكثر المشركين؛ يحبون معبوداتهم ويعظِّمونها ويوالونها من دون الله، وأعظمهم يحبون معبوداتهم أعظم من محبة الله، ويستبشرون بذكرهم أعظم من استبشارهم إذا ذكر الله وحده، ويغضبون لمنتقص معبوديهم وآلهتهم أعظم مما يغضبون إذا انتقص أحد ربَّ العالمين.
وهكذا كان عباد الأصنام سواء؛ فأولئك كانت آلهتهم من الحجر، وغيرهم اتخذوها من البشر؛ قال تعالى حاكيًا عن أسلاف هؤلاء المشركين: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: 3]، ثم شهد عليهم بالكفر والكذب، وأخبر أنه لا يهديهم فقال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 3]؛ فهذه حال من اتخذ من دون الله وليًّا يزعم أنه يقرِّبه إلى الله، وما أعزَّ مَنْ يخلص من هذا؛ بل ما أعز من لا يعادي من أنكره.
نماذج من الشرك الأكبر
1- الطواف بالقبور ودعاء أهلها.
2- دعاء الأموات والغائبين كما يدعى الله عز وجل.
3- الذبح والنذر لغير الله.
4- السجود لغير الله سجود عبادة.
5- محبة غير الله كحب الله، والخوف من غير الله كالخوف من الله.
6- ابتغاء الرزق من غير الله، واعتقاد أن غيره هو الذي يرزق.
7- الاستغاثة والاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
8- اعتقاد أنه يكون في الكون ما لا يشاؤه الله.
الشرك الأصغر
ب- والشرك الأصغر لا يخرج به العبد من الإسلام، ويستحق به الوعيد والعذاب دون الخلود في النار، وهو مُحبط للعمل الذي اقترن به وصاحبه تحت المشيئة؛ إن شاء عذَّبه الله وإن شاء عفا عنه.
والشرك الأصغر هو ما جاء في النصوص الشرعية أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر؛ ولكنه يعتبر من الوسائل الموصلة إلى الشرك الأكبر.
نماذج من الشرك الأصغر
1- الحلف بغير الله.
2- يسير الرياء.
3- قول الرجل: "ما شاء الله وشئت" أو: "هذا من الله ومنك" أو: "أنا بالله وبك"، أو: "توكلت على الله وعليك"، أو: "لولا أنت لم يكن كذا وكذا"، وغير ذلك من الألفاظ.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك» ([3]) .
سُبُلُ الوقاية من الشرك
1- إخلاص العبادة لله عز وجل بتجريد التوحيد.
2- تَعَلُّمُ العلم الشَّرعيِّ.
3- معرفة عواقب الشرك، وأنه يؤدي إلى العذاب في جهنم، وإلى حبوط الأعمال.
4- معرفة أن الشرك الأكبر لا يغفره الله عز وجل.
5- عدم مصاحبة الجهلة الذين يقعون في صور من الشرك؛ لأن الطبع يسرق من خصال المخالطين.
فاحذر أخي من الشرك بجميع أنواعه، واعلم أن الشرك يكون في الأقوال والأفعال والاعتقادات، ورب كلمة واحدة أوبقت دنيا المرء وآخرته وهو لا يدري؛ قال صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب»([4]) .
3- عقبة النفاق
النفاق: هو الداء العضال الباطن الذي يكون الرجل ممتلئًا منه وهو لا يشعر به.
أنواع النفاق
النفاق نوعان: نفاق أكبر – ونفاق أصغر.
أ- النفاق الأكبر: يخرج به العبد من الإسلام، ويوجب له الخلود في النار في دركها الأسفل؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: 145].
وهذا النوع لا يغفره الله عز وجل إلا بالتوبة منه؛ وهو أن يظهر للمسلمين إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهو في الباطن منسلخ من ذلك كله مكذب به؛ لا يؤمن بأن الله تكلم بكلام أنزله على بشر جعله للناس رسولاً يهديهم بإذنه، وينذرهم بأسه، ويخوفهم عقابه.
علامات النفاق الأكبر
1- بُغْضُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم وما جاءه من الهدى والنور.
2- بغضُ المؤمنين لإيمانهم، وتمسكهم بعقيدتهم ومحبة الكافرين لكفرهم.
3- عدمُ الإيمان بالقرآن أو ببعض ما جاء فيه.
4- التَّحاكُمُ إلى الطاغوت وتركُ التَّحاكُم إلى الله ورسوله.
5- كراهيةُ ارتفاع دين الإسلام ومحبَّةُ انخفاضه.
6- عدمُ الإيمان بوَعْد الله ووعيده في الباطن.
7- الصلاة مع المسلمين رياء؛ لا عن إيمان وتصديق بوجوبها.
8- اعتقاد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض ما أخبر عنه.
النفاق الأصغر
ب- النفاق الأصغر لا يَخْرُجُ به العبد من الإسلام، ويستحق به الوعيد والعذاب دون الخلود في النار، وصاحبه تحت المشيئة؛ إن شاء اللهُ عَذَّبَه وإن شاء غَفَرَ له؛ وهو أن يَتَّصف بصفة من صفات المنافقين العمليَّة مع تصديق الباطن وإيمانه بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبوعد الله ووعيده، ومن هذه الصفات:
1- إخلافُ الوعد.
2- الكذب في الحديث.
3- الخيانة في الأمانة.
4- الغدر في العهود.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمن خان، وإذا حَدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»([5]) .
4- عقبة الفسوق والعصيان
والفسوق في كتاب الله نوعان: فسوق مطلَق مفرد، وفسوق مقرون بالعصيان.
والمفرَدُ نوعان أيضًا: فسوق كفر يخرج عن الإسلام، وفسوق لا يخرج عن الإسلام.
والمقرون بالعصيان: هو المذكور في قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: 7].
والمفردُ الذي هو فسوق كفر كقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: 26، 27]، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ [البقرة: 99].
وأما الفسوق الذي لا يُخرج عن الإسلام فكقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ [البقرة: 282]؛ فقد ورد ذلك في كتابة الدُّيون وعدم الإضرار بالكتبة والشهداء. وقولُه تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ [الحجرات: 6].
فسق العمل
وفسقُ العمل نوعان: نوع مقرون بالعصيان، ونوع مفرد.
فالمقرون بالعصيان: هو ارتكاب ما نهى الله عنه.
والعصيان: هو عصيان أمره؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: 6] وقال تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: 92، 93].
فالفسق: أَخَصُّ بارتكاب النَّهْي.
والمعصية: أَخَصُّ بمخالفة الأمر.
ويطلق كلٌّ منهما على صاحبه؛ كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: 50]؛ فسمى مخالفته للأمر فسقًا، وقال: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121]؛ فَسَمَّى ارتكابَه للنهي معصيةً؛ فهذا عند الإفراد؛ فإذا اقترنا كان أحدُهما لمخالفة الأمر والآخر لمخالفة النهي.
فسق الاعتقاد
وفسق الاعتقاد كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ويحرِّمون ما حرَّم الله، ويوجبون ما أوجب الله؛ ولكن ينفون كثيرًا مما أثبت الله ورسوله، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله؛ وهؤلاء كالخوارج وكثير من الروافض والقدرية والمعتزلة وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم.
فائدة مهمة
قال ابن القيم: عشرة أشياء ضائعة لا يُنْتفع بها:
علمٌ لا يعمل به، وعمل لا إخلاص فيه ولا اقتداء؛ وما لا نفع منه فلا يَسْتَمْتع به جامعُه في الدنيا، ولا يقدِّمه أمامَه إلى الآخرة، وقلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به، وبدن معطل من طاعته وخدمته ، ومحبة لا تتقيَّد برضاء المحبوب وامتثال أوامره، ووقت معطَّلٌ عن استدراك فارط أو اغتنام بر وقربة، وفكر يجول فيما لا ينفع، وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله وهو أسير في قبضته.
وأعظم هذه الإضاعات إضاعتان هما أصلُ كلِّ إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت؛ فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل. [الفوائد].
أنواع العدوان
العدوان: تعدي المباح إلى القدر المحرم الزائد على المباح.
والعدوان ثلاثة أنواع: عدوان في حق الله، وعدوان في حق العبد، وعدوان في حقهما.
أ- أما الذي في حق الله: مثل أن يتعدى ما أباح الله أكله وشربه من الطيبات إلى ما حرمه الله من الخبائث؛ كالميتة والخمر ولحم الخنزير وغير ذلك.
ب- وأما الذي في حقِّ العبد: مثل أن يقوم أحدٌ بأخذ حقي فآخذ منه ما يزيد على حقي وأعتدي عليه في ماله وبدنه وعرضه.
ج- وأما العدوان في حق الله وحق العبد: فهو مثل التعدي على ما أباحه الله عز وجل من الوطء الحلال للزوجات وملك اليمين إلى ما حرم الله من وطء من سواهما من النساء الأجنبيات أو المحارم.
والإثم والعدوان: هما الإثم والبغي المذكوران في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: 33]، والبغي غالب استعماله في حقوق العباد والاستطالة عليهم.
6- عقبة الفحشاء والمنكر
الفحشاء: هي الفعلة الفحشاء، والخصلة الفحشاء، وهي ما ظهر قبحها لكل أحد، واستفحشها كل عقل سليم، ولهذا فُسِّرَتْ بالزنا واللواط، وسماها الله فاحشة لتناهي قبحها وكذلك القبيح من القول يسمى فحشًا، وهو ما ظهر قبحه جدًا من السب القبيح والقذف ونحوه.
وأما المنكر: فهو الفعل المنكر الذي تَسْتَنْكره العقول والفطر السليمة؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90].
7- عقبةُ القول على الله بغير علم
وأما القولُ على الله بغير علم؛ فهو أَشَدُّ المحرَّمات تحريمًا وأعظمُها إثمًا؛ فإنَّ المحرمات نوعان: محرَّمٌ لذاته لا يباح بحاله، ومحرَّمٌ تحريمًا عارضًا في وقت دون وقت.
قال تعالى في المحرَّم لذاته: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، ثم انتقل إلى ما هو أعظم منه فقال: ﴿وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، ثم انتقل إلى ما هو أعظم منه فقال: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾، ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 33].
فالقولُ على الله بغير علم أعظمُ المحرَّمات وأشدُّها ألماً؛ فإنَّه يتضمن الكذب على الله، ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته، وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله، وإبطال ما حقَّقه، وعداوة من والاه، وموالاة من عاداه، وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله.
8- عقبة الجهل
والجهل هو خُلُوُّ النفس من العلم، واعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه، وفعل الشيء بخلاف ما حقُّه أن يُفعل.
والجهل نوعان:
الأول: عدمُ العلم بالحقِّ النافع.
والثاني: عدم العمل بموجبه ومقتضاه.
والواجب: هو التَّخلُّصُ من الجهلين: من الجهل بالعلم إلى تحصيله؛ اعتقادًا ومعرفة وبصيرة، ومن جهل العمل إلى السعي النافع والعمل الصالح قصدًا وسعيًا.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 17]، وقال تعالى: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 54].
قال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ كلَّ ما عصي الله به فهو جهالة.
وقال غيره: أجمع الصحابة أن كل من عصى الله فهو جاهل.
قال تعالى في بيان قبح الجهل وأهله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]، وقال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام: 35].
بين الجهل والكفر
والجهلُ يؤدِّي إلى الكفر والعياذ بالله.
قال الراغب: «ومن الجهل: الكفر؛ وهو عناد الإنسان على سبيل التكذيب لا بيقين».
قال تعالى: ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ [الأنعام: 111]؛ فأبان أنَّ المانعَ لهم من الإيمان هو الجهل، ووصف موسى قومَه بالجهل لمَّا طلبوا منه طلبًا كفريًّا؛ وهو أن يجعل لهم إلهًا يعبدونه من دون الله؛ فقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138].
9- عقبة البدعة
والبدعة هي ما أحدث في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عقيدة أو عمل.
فالبدعة تكون إما باعتقاد خلاف الحق الذي أرسل الله به رسوله، وأنزل به كتابه؛ وإمَّا بالتَّعَبُّد بما لم يأذن به الله من الأوضاع والرُّسوم المحدثة في الدين التي لا يقبل الله منها شيئًا؛ وهاتان البدعتان متلازمتان في الغالب قل أن تنفكَّ إحداهما عن الأخرى؛ كما قال بعضهم: تزوجت بدعة الأقوال ببدعة الأعمال، فاشتغل الزوجان بالعرس، فلم يفجأهم إلا وأولادُ الزِّنا يعيثون في بلاد الإسلام، تضج منهم العباد و البلاد إلى الله تعالى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: تزوجت الحقيقة الكافرة بالبدعة الفاجرة، فتولد بينهما خسران الدنيا والآخرة.
ذَمُّ البدعة في القرءان
والبدعة مذمومة بالكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب فقوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: 103، 104]، وهكذا صاحب البدعة يخالف شرعَ الله، ويضاهي دينه، ويعادي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويحسب أنه على صراط مستقيم.
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [آل عمران: 106].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: تبيضُّ وجوهُ أهل السُّنَّة والائتلاف وتسودُّ وجوهُ أهل البدعة والاختلاف.
ذَمُّ البدعة في السُّنَّة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ»([6]). وفي رواية لمسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَدٌّ».
وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإيَّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة» ([7]) .
أقوال السَّلَف في ذَمِّ البدعة
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه: إيَّاكم وأصحاب الرأي؛ فإن أصحابَ الرأي أعداءُ السُّنن؛ أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي، فضَلُّوا وأَضَلُّوا.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إيَّاكم وما يحدث الناس من البدع؛ فإنَّ الدينَ لا يذهب من القلوب بمرة؛ ولكنَّ الشيطانَ يحدث له بدعًا، حتى يخرج الإيمان من قلبه.
وقال أيضًا رضي الله عنه: اتَّبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.
وقال أيوب السختيانيُّ: ما ازداد صاحب بدعة اجتهادًا إلا ازداد من الله بُعدًا.
وقال شريح القاضي: "إن السنة قد سبقت قياسكم، فاتبع ولا تبتدع؛ فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر".
وقال سفيان الثَّوريُّ: البدعةُ أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها.
10- عقبة الكبائر
المعاصي قسمان: كبائر وصغائر؛ كما قال تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: 31]، وقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللمَمَ﴾ [النجم: 32].
والكبيرة هي كلُّ ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب أو وصف صاحبه بالكفر أو تَوَعُّد صاحبه بالعذاب الشديد والانتقام؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السَّبْعَ الموبقات». قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولِّي يومَ الزَّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات»([8]) .
وليست هذه السَّبع هي كلُّ الكبائر، ولذلك لمَّا سأل رجلٌ ابنَ عبَّاس - رضي الله عنهما - عن الكبائر: أسبع هي؟ قال له ابن عباس: "هنّ إلى السبع مائة أقرب؛ إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار".
فمن الكبائر: الكفر بالله - عز وجل - بجميع أنواعه؛ الأكبر منه والأصغر.
ومنها: الشِّرك بجميع أنواعه.
ومنها: الزنى واللُّواط والسرقة و الكذب والغيبة والنميمة وشرب الخمر والربا، وأكل مال اليتيم، وترك الصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلاً.
ومنها: الظُّلمُ والبغيُ والعدوانُ وقطعُ الطريق وشهادةُ الزُّور، وتَشَبُّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ووصل المرأة شعرها بشعر مستعار، والوشم والنمص والتفلج للحسن، وسؤال المرأة زوجها الطلاق بدون سبب، وتبرُّج النساء، والأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، واليمين الغموس، وتصوير ذوات الأرواح، والإسبال للرجال، و عقوق الوالدين، وقطيعة الرحم وهجر الأقارب وإيذاء الجار، والتجسُّس على المسلمين.
والكبائر كثيرةٌ جدًّا ليس هذا مقام البسط في بيانها وتعدادها، وقد أوصلها صاحب كتاب «الزواجر عن اقتراف الكبائر» إلى ما يزيد عن الأربع مائة والستين كبيرة.
فاحذر - أخي المسلم - من هذه الكبائر المهلكة، واعلم أنها أقرب شيء إلى الكفر والرِّدَّة عن الإسلام؛ فكيف ترضى لنفسك ألَّا يكون بينك وبين الكفر والرِّدَّة إلا درجة واحدة.
جعلني الله وإياك من أهل التوبة والمحاسبة، وبصرني وإياك بعيوب أنفسنا وطرائق علاجها.
11- عقبة الإرجاء
وهذه من أخطر العقبات التي يقع فيها أكثر الخلق إلا من رحم ربي؛ فإن الإنسان لا يعرف أن المعاصي تضره في دينه ودنياه وآخرته، وأنها سببٌ لغضب الله عليه، وتُعَرِّضُه لأنواع البلاء؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: 30]؛ ومع ذلك فإن الإنسان تغالطه نفسه؛ فيفعل المعاصي والسيئات، ويتَّكل على عفو الله ومغفرته تارة، وعلى التسويف بالتوبة تارة، وعلى الاستغفار باللسان مع الإصرار على العودة إلى المعصية تارة، وعلى فعل المندوبات تارة، وعلى الاحتجاج بالقدر تارة، وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال: «أستغفر الله». زال الذنب ولم يعد له أثر.
الإيمان اعتقاد وقول وعمل
والذي أوقع هؤلاء فيما ذهبوا إليه هو اعتقادهم بأنَّ الإيمانَ هو التصديق، وأنه لا يضر مع التصديق معصية، طالما أن الإيمان في قلوبهم.
والإيمان عند أهل الحق يقوم على ثلاثة أركان:
اعتقاد بالقلب.
وقول باللسان.
وعمل بالجوارح.
وأن الأعمال داخلةٌ في مسمَّى الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان.
رجاء كاذب
ويستدل هؤلاء العُصاة ببعض الأدلة من القرآن والسنة كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: 53].
قال ابن القيم: وهذا أيضًا من أقبح الجهل؛ فإنَّ الشركَ داخلٌ في هذه الآية؛ فإنه رأسُ الذنوب وأساسُها، ولا خلافَ أن هذه الآيةَ في حقِّ التائبين؛ فإنه يغفر ذنب كلِّ تائب من أيِّ ذنب كان؛ ولو كانت الآية في حقِّ غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها..
وفي سورة النساء خَصَّصَ وقَيَّدَ فقال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]؛ فأخبر – سبحانه - أنه لا يغفر الشرك، وأخبر أنه يغفر ما دونه؛ ولو كان هذا في حقِّ التائب لم يفرق بين الشرك وغيره.
أُعدَّت للكافرين
ومنهم من يقول: إن الله عز وجل أخبر أنَّ النارَ ﴿أُعِدَّتْ للكَافرين﴾ [آل عمران: 133]، ولا ينافي أن يدخلها من في قلبه أدنى مثقال ذرة من الإيمان؛ كما أخبرت بذلك النصوص الصحيحة.
ولو جمع هؤلاء بين النصوص لتخلصوا من هذا الجهل؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: 14]؛ فماذا يقول هؤلاء في هذه الآية؟! غير أننا لا نضرب كتاب الله بعضه ببعض، ولا نقول: إنَّ كلَّ عاص يخلَّد في النار؛ لأن الخلود في النار خاصٌّ بالكفَّار والمشركين؛ لأن أهلَ التَّوحيد إذا قضى الله عليهم بالعذاب في النار بسبب معاصيهم، فإنهم يخرجون منها ولا يبقى في النار من أهل التوحيد أحد.
صور من الغرور
ومن صور جهل هؤلاء وغرورهم أنَّهم يتعلَّقون بفعل بعض الفضائل؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قال في يوم: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة حُطَّت عنه خطاياه ولو كانت مثل زَبَد البحر»([9]). وقوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل في الرجل الذي يذنب ويستغفر: «علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذَّنبَ ويأخذ به، غَفَرْتُ لعبدي فليصنع ما شاء»([10])، وكاغترار بعضهم بالاعتماد على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة؛ حتى قال بعضهم: صوم يوم عاشوراء يُكَفِّرُ ذنوب العام كلَّها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر.
ولم يدر هذا المغترُّ أنَّ صومَ رمضان والصلوات الخمس التي هي أعظم وأجلُّ من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء لا تقوى على تكفير الصَّغائر إلا إذا اجْتُنبت الكبائر! كما قال صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكَفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجْتُنبت الكبائر»([11]) ؛ فرمضان إلى رمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها؛ فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصَّغائر؛ فكيف يُكفِّر صوم يوم تطوُّع؟! أو قول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة كلَّ كبيرة عملها العبدُ وهو مُصرٌّ عليها غير تائب منها؟! هذا مُحالٌ.
فالإصرار على الكبائر يمنع من تكفير الذنوب، ولذلك فليس هناك حُجَّةٌ لمن قال: أنا أفعل ما أفعل من الذنوب ثم أقول: "سبحان الله وبحمده" مائة مرة وقد زال كلُّ ما فعلتُ. أو يقول: "أنا أفعل ما أفعل ثم أذهب إلى مكة وآخذ عمرة" فيزول عني كلُّ ذنب. فإنَّ هذا من الغرور، وهو عين الجرأة على الله تعالى.
حسنُ الظَّنِّ هو حسنُ العمل
وربما قال بعضُ هؤلاء: إنَّنا نحسن الظَّنَّ بربِّنا. وقد قال في الحديث القدسيِّ: «أنا عند حسن ظن عبدي بي»([12]) ؛ ولا شكَّ أنَّ حسنَ الظَّنِّ يدعو إلى حسن العمل.
قال ابن القيم - رحمه الله: «حسنُ الظَّنِّ بالله هو حسنُ العمل نفسه؛ فإنَّ العبدَ إنَّما يحمله على حسن العمل: حسنُ ظَنِّه بربِّه أن يجازيه على أعماله، ويثيبه عليها, ويتقبلها منه؛ فكلَّما حسن ظنُّه بربِّه حسن عمله؛ وإلَّا فحسنُ الظَّنِّ مع اتِّباع الهوى عجزٌ.. وكثيرٌ من الجُهَّال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا ﴿يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.
قال بعض العلماء: من قطع عضوًا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم، لا تأمن أن تكون عقوبتُه في الآخرة نحوَ هذا.
غرورُ النِّعمة
كثير من الناس يَظُنُّ أنه على خير، وأنه من أهل النَّجاة والسعادة يوم القيامة بسبب ما يرى من نعم الله عليه في الدنيا، فيقول: لولا أن الله - عز وجل - راض عنِّي لما أنعم عليَّ بهذه النِّعم. ويعتقد المسكينُ أنَّ هذه النِّعمَ بسبب محبَّة الله له، وأنه يعطيه في الآخرة أفضل من ذلك؛ مع أنه مقيمٌ على معصية الله، مرتكبٌ لما حرَّم الله، وهذا من الغرور الذي وقع فيه كثير من الناس؛ بل كثيرٌ من المجتمعات.
فعن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا رأيت الله - عز وجل - يعطي العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنَّما هو استدراج». ثم تلا قولَه تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 44] ([13]).
قال بعض السلف: إذا رأيتَ اللهَ يتابع عليك نعمه وأنت مقيمٌ على معاصيه فاحذره؛ فإنما هو استدراجٌ يستدرجك به.
وقد رَدَّ – سبحانه - على من يظن هذا الظَّنَّ بقوله: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن ﴾ [الفجر: 15-17]؛ أي ليس كلُّ من نعَّمْتُه ووَسَّعتُ عليه رزقه أكون قد أكرمته، ولا كلُّ من ابتليتُه وضيَّقْتُ عليه رزقه أكون قد أهنتُه؛ بل ابتلي هذا بالنِّعم، وأُكرم هذا بالابتلاء.
12- عقبة الجبر
وهذه العقبة يَحْتَجُّ بها أيضًا كثيرٌ من العُصاة على معاصيهم ومخالفاتهم؛ فيقولون: أليس اللهُ خالقَ كلِّ شيء ولا يحدث شيء في هذا العالم إلا بإرادته؛ فلو شاء الله - عز وجل - أن نطيعه لأطعناه، ولو شاء أن نعصيه لعصيناه، وربَّما استدلَّ بعضُهم على ذلك بقول الشَّاعر:
ألقاه في اليَمِّ مكتوفًا وقال له | إيَّاك إيَّاك أن تبتلَّ بالماء |
وهذه حجَّةٌ صلعاء قديمة أبطلها الله - عز وجل - في كتابه، وهي باطلة شرعًا وحسًّا وعقلاً؛ قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: 148]؛ فَبَيَّنَ تعالى أن هؤلاء المحتجِّين بالقدر على شركهم كان لهم سلفٌ كَذَّبوا كتكذيبهم، واستمروا عليه حتى ذاقوا بأسَ الله، ولو كانت حجَّتُهم صحيحةً ما أذاقهم اللهُ بأسَه.
ولهذا لما أخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كلَّ واحد قد كتب مقعدُه من الجنة ومقعدُه من النار قالوا: أفلا نتَّكل وندع العمل؟ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا، اعملوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلق له».
والقدر سرٌّ مكتومٌ لا يعلمه إلا الله حتى يقع؛ فمن أين للعاصي العلم بأن الله كتب عليه المعصية حتى يقدم عليها؟ أفليس من الممكن أن يكون الله تعالى قد كتب له الطاعة؟ فلماذا لا يقدم على الطاعة بدلاً من إقدامه على المعصية؟
فالعاصي إنما يعصي اللهَ بإرادته واختياره؛ كما أنَّه يطيعه بإرادته واختياره، وكما أنَّه يختار لنفسه ما هو أنفع له وأصلح في الدُّنيا بإرادته واختياره، فلو عُرضَ عليه عملان متماثلان أحدهما براتب زهيد والآخر براتب كبير فهل سيختار الراتب الزهيد ويقول: إن الله - عز وجل - قَدَّرَ لي ذلك. أم أنَّه سيختار الراتب الكبير؟! سيختار - بلا شك - العملَ ذا الرَّاتب الكبير.. إذن فلماذا لا يختار الطاعة على المعصية طالما أن له إرادةً واختيارًا؟!
13- عقبة الدنيا
أعظم الناس غورًا مَن اغترَّ بالدُّنيا وزُخْرفها وشهواتها؛ فآثرها على الآخرة ورضي بها؛ قال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [آل عمران: 14].
وقال - سبحانه - مبيِّنًا حقيقةَ الدُّنيا: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد: 20].
وأخبر - سبحانه - أنَّ من أراد الدنيا وزينتَها وفضَّلها على الآخرة، فإنَّه لا نصيبَ له في الآخرة.
قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: 15، 16].
وحذَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الدنيا وشهواتها فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «اتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء؛ فإنَّ فتنةَ بني إسرائيل كانت في النِّساء».
رأسُ الخطايا
وحُبُّ الدُّنيا والتَّعَلُّق به وإيثارُها على الآخرة رأسُ كلِّ خطيئة؛ كما قال عيسى ابن مريم عليه السلام: «حُبُّ الدُّنيا رأسُ كلِّ خطيئة».
قال ابن القيم: وإنَّما كان حُبُّ الدُّنيا رأسُ الخطايا ومفسدًا للدِّين من وجوه:
أحدها: حُبُّها يقتضي تعظيمَها وهي حقيرة عند الله؛ ومن أكبر الذُّنوب تعظيمُ ما حَقَّرَ الله.
وثانيها: أن الله لعنها ومقتها وأبغضها؛ إلا ما كان له فيها؛ ومن أَحَبَّ ما لعنه الله وأبغضه فقد تَعَرَّضَ لفتنته وغضبه.
وثالثها: أنَّه إذا أحبَّها صَيَّرَها غايتَه وتَوَسَّلَ إليها بالأعمال التي جعلها الله وسائلَ إليه وإلى الدار الآخرة؛ فَعَكَسَ الأمرَ وقَلَبَ الحكمةَ.
ورابعها: أن محبَّتَها تعترض بين العبد وبين فعل ما يعود عليه نفْعُه في الآخرة؛ لاشتغاله عنه بمحبوبه.
وخامسُها: أن محبَّتَها تجعلها أكثر هَمِّ العبد.
وسادسها: أن مُحبَّها أشدُّ النَّاس عذابًا، وهو مُعَذَّبٌ في دُوره الثَّلاث:
يُعَذَّبُ في الدُّنيا بتحصيلها، وفي دار البَرْزَخ بفواتها، والحسرة عليها.
ويُعَذَّبُ يوم لقاء ربِّه؛ قال تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 55].
وسابعها: أنَّ عاشقَها ومُحبَّها الذي يُؤْثرها على الآخرة من أَسْفَه الخَلْق وأَقَلِّهم عقلاً إذا آثر الخيالَ على الحقيقة؛ كما قيل:
وإن امرؤ دنياه أكبر هَمِّه | لمستمسك منها بحبل غرور |
14- عقبة الشيطان
الشيطان عَدُوُّ الإنسان؛ كما قال - سبحانه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: 6].
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [يوسف: 5].
وعداوةُ الشيطان للإنسان قديمةٌ منذ أن خلق الله - عز وجل - آدم عليه السلام؛ لأن الشيطانَ حَسَدَ آدمَ - عليه السلام - وأبى أن يَسْجُدَ له كما أمره الله عز وجل، وأخذ يُسَوِّل له حتى عصى ربَّه وأُخْرج من الجنة.
ومع هذه العداوة القديمة بين الشيطان والإنسان نجد كثيرًا من الناس قد نسوا تلك العداوة، وصادقوا الشيطان وصافوه، وأحبوه، وأطاعوه من دون الله؛ بل وعبدوه من دون الله - عز وجل ؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان يقعد للعبد في جميع طرق الخير محاولاً صَدَّه عنها وتنفيرَه منها؛ فعن سبرة بن أبي الفاكه أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول: «إنَّ الشيطانَ قعد لابن آدم بأطرقه؛ فقعد له بطريق الإسلام فقال له: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟ قال: فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطور. قال فعصاه فهاجر. قال: ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال له: هو جَهْد النفس والمال فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة ويُقسم المال. قال: فعصاه فجاهد». فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمن فعل ذلك منهم فمات كان حقًا على الله أن يدخله الجنة»([14]) .
فالواجب على العبد أن يستمرَّ في مجاهدة الشيطان ومحاربته ومدافعة وساوسه ونزغاته، ولا يقيم معه أي صلح أو موالاة، وإذا ما وقع في طاعته مرة بادر إلى التوبة والإنابة والاستعاذة منه؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأعراف: 200].
مراتب مجاهدة الشيطان
قال ابن القيم - رحمه الله: وأما جهاد الشيطان فمرتبتان:
إحداهما: جهاده على دفع ما يلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان.
الثانية: جهاده على دفع ما يلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات؛
فالجهاد الأول يكون بعده اليقين.
والجهاد الثاني يكون بعده الصبر؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: 24].
فأخبر أن إمامة الدين إنما تنال بالصبر واليقين؛ فالصبر يدفع الشهوات والإرادات الفاسدة، واليقين يدفع الشكوك والشبهات([15]).
15- عقبة النفس
النفس في الأصل ظالمة جاهلة، والظلم والجهل هو منبع الشر كله؛ فهي أصل كل شر ومنبعه ومعدنه، وما فيها من خير وعلم وإنابة وتقوى وهدى فمن ربها تبارك وتعالى؛ فإذا لم يشأ الله تزكية العبد تركه مع دواعي ظلمه وجهله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ [يوسف: 53]؛ فأخبر – سبحانه - أن الأصل في النفس هو الأمر بالسوء، واستثنى من ذلك النفوس الشريفة التي زكَّاها ورحمها.
وقال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 7-10].
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من شرور النفس فيقول في خطبة الحاجة: «الحمد لله، نستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا»([16]) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
أقسام النفس
النفس واحدة باعتبار ذاتها، ثلاثة باعتبار صفاتها:
- نفس مطمئنة.
- ونفس لوامة.
- ونفس أمارة بالسوء.
أما النفس المطمئنة: فهي التي لا تأمر إلا بالخير والصلاح والعدل والرشد، ولا يكون ذلك إلا بمعونة من الله تعالى ورحمة منه وفضل.
وأما النفس اللوامة: فهي التي تأمر بالشيء ثم تلوم عليه؛ فإن لامت على فعل الخير لحقها الذم، وإن لامت على فعل الشر مُدحَتْ.
وأما النفس الأمارة بالسوء: فهي النفس الظالمة الجاهلة التي تريد هلاك العبد وخسارته، وتوالي أعداءه على محاربته؛ فإن النفسَ الأمارةَ بالسوء من أهمِّ أعوان الشيطان على محاربة الإنسان، وإذا استسلمت النفس للشيطان وصارت من أعوانه وأتباعه سهل بعد ذلك استسلام جميع الجوارح، وقتل جنود القلب واحدًا تلو الآخر.
أقسام الناس مع النفس
والناس بالنسبة للنفس على قسمين:
قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار تحت أوامرها.
وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعًا لهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم؛ فمن ظفر بنفسه فقد أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه فقد خسر وهلك.
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: 37-41].
مجاهدة النفس
ومجاهدة النفس ليست بالشيء الهين؛ بل إن مجاهدة النفس أشق على العارفين من جهاد الأعداء، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»([17])؛ فجهاد النفس مقدَّمٌ على جهاد العدو الخارجي وأصلٌ له؛ لأن من لم يجاهد نفسه أولاً لتفعل ما أمرت به وتترك ما نهيت عنه ويحاربها في الله لم يمكنه جهاد عدوِّه في الخارج؛ إذ كيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلِّطٌ عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله؛ بل لا يمكنه الخروج إلى عدوِّه حتى يجاهد نفسه على الخروج.
16- عقبة الهوى والشهوات
وهذه عقبة كؤود لا ينجو منها سوى أهل المروءة والهمة العالية؛ وقد حذَّر الله – تعالى - عبادَه من اتِّباع الهوى والشَّهوات، فقال - سبحانه: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
وقال تعالى: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ﴾ [الروم: 29].
وقال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [ص: 26].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنَّةُ بالمكاره، وحُفَّت النار بالشَّهوات»([18]).
وقال صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم: شهواتُ الغَيِّ في بطونكم وفروجكم، ومضلَّاتُ الهوى» ([19]).
أقوال السَّلَف في ذَمِّ الهوى والشَّهوات
قال سليمان بن داود: الغالب لهواه أشدُّ من الذي يفتح المدينةَ وحدَه!!
وقال مالك بن دينار: مَنْ غَلَبَ شهوات الدُّنيا فذلك الذي يفرق - أي يخاف - الشَّيطان من ظلِّه.
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد! أي الجهاد أفضل؟ قال: جهادك هواك.
وقال الفضيل: من استحوذت عليه شهوات الدنيا انقطعت عنه مواد التوفيق.
وقال أبو سليمان الدارني في قوله - عز وجل: ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا﴾ [الإنسان: 12] - قال: «صبروا عن الشهوات».
علاجُ الهَوَى
قال ابن الجوزيّ: اعلم أنَّ مطلقَ الهوى يدعو إلى اللَّذَّة الحاضرة، من غير فكر في عاقبة، ويَحُثُّ على نيل الشَّهوات عاجلاً؛ وإن كانت سببًا للألم والأذى في العاجل، ومنع لذات في الآجل؛ فأما العاقل فإنه ينهى نفسَه عن لذَّة تُعْقب ألمًا وشهوة تورث ندمًا، وينبغي للعاقل أن يتمرَّن على دفع الهوى المأمون العواقب؛ ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته.
فإن قال قائلٌ: فكيف يتخلَّص من هذا مَنْ قد وَقَعَ فيه؟ قيل له: بالعزم القويِّ في هجران ما يؤذي، والتدرج في ترك ما لا يؤمن أذاه؛ وهذا يَفْتقر إلى صبر ومجاهَدة يُهَوِّنهما سبعة أشياء:
أحدُها: التَّفَكُّرُ في أن الإنسان لم يُخلق للهوى؛ وإنما هُيِّئ للنَّظَر في العواقب والعمل للآجل.
والثاني: أن يفكر في عواقب الهوى.
والثالث: أن يتصوَّر العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللَّذَّة.
والرابع: أن يتصور ذلك في حقِّ غيره، ثم يتلمح عاقبته بفكره؛ فإنَّه سيرى ما يَعْلَم به عيبَه إذا وقف في ذلك المقام.
والخامس: أن يتفكر فيما يطلبه من اللَّذَّات؛ فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء؛ وإنما عين الهوى عمياء.
والسادس: أن يتدبَّر عزَّ الغلبة وذُلَّ القهر؛ فإنَّه ما من أحد غَلَبَ هواه إلا أَحَسَّ بقوة عز.
والسابع: أن يتفكَّر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذِّكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة.
17- عقبة الصَّغائر
فالشيطان إذا يئس من إيقاع العبد في الكبائر زَيَّنَ له ارتكابَ الصَّغائر، وقال له: إنَّ الصغائرَ يُكَفِّرُها الله - عز وجل - إذا اجْتُنبت الكبائر، وأنت قد اجتنبتَ الكبائر. ولا يزال يهون عليه أمرُ الصَّغائر حتى يُصرَّ عليها وتصبح عادةً عنده؛ فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه؛ فالإصرار على الذنب أقبح من الذنب نفسه، ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكم ومحقِّرات الذُّنوب؛ فإنَّهنَّ يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه»([20]).
18- عقبة المباحات
والمباحات لا حرج على فاعلها، إلا أن الشيطانَ قد يستدرج العبد؛ فيشغله بها عن الاستكثار من الطاعات، وعن الاجتهاد في التَّزَوُّد للآخرة، ثم يستدرجه من ذلك إلى ترك السُّنَن، ومن ترك السُّنَن إلى ترك الواجبات.
ولذلك قال الحسن: ما زالت التَّقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافةَ الحرام.
وقال الثَّوْريُّ: إنما سُمُّوا متقين لأنَّهم اتَّقوا ما لا يُتَّقَى!
فالحذر الحذر من أبواب الشيطان ومداخله الخَفيَّة، وليكن العبد دائمَ اليقظة لحيله ومكائده.
19- عقبة الاشتغال بالمفضول وترك الفاضل:
وهذه العقبة يقع فيها كثير من الناس؛ فيشتغل بالأعمال المرجوحة من الطاعات ويترك الأعمال الفاضلة، ويجتهد الشيطان في تزيين هذه الأعمال له ليصرفه عن الأعمال الفاضلة التي لها من الفضائل والأرباح أضعاف أضعاف ما لهذه الأعمال؛ لأنه لمَّا عَجَزَ عن إيقاعه في المعاصي، ولمَّا عَجَزَ عن تخسيره أصلَ الثواب طمع في تخسيره كمالَه وفضلَه ودرجاته العالية؛ فَشَغَلَه بالمفضول عن الفاضل، وبالمرجوح عن الراجح، وبالمحبوب لله عن الأحبِّ إليه؛ ولكن أين أصحاب هذه العقبة؟! إنهم قليلٌ جدًّا في العالم؛ أمَّا أكثرُ الناس فقد ظفر بهم الشيطان في العقبات الأولى!
20- عقبة التَّسْليط
وهذه العقبة لا يكاد يسلم منها أحد، ولو نجا منها أحد لنجا منها رسل الله وأنبياؤه وأكرم الخلق عليه؛ فالشيطان يعمل على تسليط جنده من الإنس والجنِّ على عباد الله بأنواع الأذى باليد واللسان والقلب على حسب مراتبهم في الخير؛ فكلَّما عَلَت مرتبةُ العبد في الخير كلما زاد في إيذائه والتَّسْليط عليه.
ولكن العبدَ إذا أراد الله به خيرًا جعله صابرًا محتسبًا مراغمًا لعدوِّ الله - عز وجل - مغيظًا له، مقبلاً على طاعة ربِّه، مدبرًا عن معصيته، مستعدًّا لمواجهة عدوِّه؛ وهذه من أعظم العبوديَّة عند الله - عزَّ وجل.
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [التوبة: 120].
حاسب نفسك
أخي المسلم: انظر إلى ما سلف منك من الإساءة، واعلم أنك على خطر عظيم، وحاسب نفسك على تَمكن الشيطان منك في عقبة الكفر؟ أم في عقبة الشرك؟ أم في عقبة الفسوق؟ أم في عقبة العصيان؟ أم في عقبة الإرجاء؟ أم في عقبة الجبر؟
فإذا اصطادك الشيطان في عقبة من هذه العقبات، فاعلم أنك مشرف على الهلاك إن لم تحاسب نفسك وتستدرك ما فرط منك؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [الكهف: 57].
فشمر أخي عن ساعد الجد، وألق عنك غبار النوم والكسل، واستدرك ما فاتك بالعلم والعمل، وتخلص من رق الجناية بالتوبة والندم والاستغفار، والعزيمة الصادقة على التخلص من هذه العقبات واحدة واحدة، حتى لا يبقى أمام الشيطان إلا عقبة تسليط أعدائه عليك؛ وهذه لن تنجو منها إلا بالصبر واليقين والاستعانة بالله - عز وجل - ومجاهدة عدوه؛ وعند ذلك تكون أهلاً للمراتب العالية والدرجات الرفيعة في الجنة.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ *﴾ [القمر: 54، 55].
* * *
([1]) رواه النسائي وصححه الألباني.
([2]) رواه مسلم.
([3]) رواه أحمد والترمذي وحسنه.
([4]) متفق عليه.
([5]) متفق عليه.
([6]) متفق عليه.
([7]) صحيح رواه أهل السنن.
([8]) متفق عليه.
([9]) متفق عليه.
([10]) متفق عليه.
([11]) رواه مسلم.
([12]) متفق عليه.
([13]) رواه أحمد وصححه الألباني.
([14]) رواه أحمد.
([15]) زاد المعاد.
([16]) رواه أهل السنن وصححه الألباني.
([17]) رواه أحمد وابن حبان وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
([18]) متفق عليه.
([19]) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
([20]) رواه أحمد وحسنه الألباني.