منهج مناعة إيمانية ( سؤال وجواب )
التصنيفات
الوصف المفصل
- منهج
مناعة إيمانية ( سؤال وجواب )
- الدرس الأول
- الدرس الثاني
- الدرس الثالث
- الدرس
الرابع
- 1- هل الإسلام دين اختصنا الله به أم أنَّه دينٌ لجميع البشر؟
- 2- كل الانبياء جاؤوا بالتوحيد، لكن هل بقي على التوحيد اليوم سوى الاسلام؟
- 3- هل في الإسلام جواب للأسئلة التي حارت العقول في الإجابة عنها: مِن أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وإلى أين المصير؟
- 4- كيف أعرف أنني مُختبر في هذا العالم؟
- خلاصة الدرس الرابع:
- الدرس الخامس
- الدرس السادس
- الدرس السابع
- الدرس الثامن
- الدرس التاسع
- الدرس العاشر
- الدرس الحادي عشر
- الدرس الثاني عشر
- الدرس الثالث عشر
- الدرس الرابع عشر
- الدرس الخامس عشر
- الدرس السادس عشر الفرق بين الوسواس والشبهة
- الدرس السابع عشر العلم التجريبي والإنسان
- الدرس الثامن عشر أسئلة قد تَرِد إلى ذهنك!
منهج مناعة إيمانية ( سؤال وجواب )
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف النبيين, وإمام المرسلين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذا منهج في المناعة الإيمانية وتعزيز اليقين وترسيخ النقد الذاتي للشبهات في عقل طلاب وطالبات مدارس القرآن الكريم.
والمنهج بنظام سؤال وجواب.
الدرس الأول
1- ما هو الفرق بين آيات الله المنظورة وآيات الله المسطورة؟
ج: الآيات المنظورة هي: الآيات التي نراها بأعيننا في مخلوقات الله في العالم من حولنا، وفي أنفسنا.
بينما الآيات المسطورة هي: الآيات المكتوبة والتي هي القرآن الكريم... وحيُ اللهِ ربِ العالمين.
وكلا النوعين: آيات الله المنظورة وآياته المسطورة، إذا نظرتَ في أيٍ منهما فإنهما يدفعانك إلى تقوية الإيمان وزيادة الطاعة لله عز وجل.
قال الله تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ﴿١٠١﴾ سورة يونس.
وقال سبحانه: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ﴿٤﴾ سورة الجاثية.
ففي السماوات والأرض وفي أنفسنا آيات لقوم يوقنون... وهي آيات تزيد اليقين.
فالآيات المنظورة كالسماوات والأرض والإنسان والشجر الدواب، كل هذه الآيات تدفعك لتدبر نِعم الله وقدرة الله وحكمة الله، انظر مثلاً كيف يسوقُ اللهُ الماءَ لنشرب منه ونسقي المواشي التي نأكلها والزرع الذي نتغذى عليه.
انظر على سبيل المثال في أحد الأنهار كنهر النيل: كيف يتشكل هذا النهر العجيب حين ينزل الماء من السماء بكميات كبيرة جدًا على بعض الهضاب الصغيرة في إثيوبيا، ثم يتحرك من هذه الهضاب ليُشكل نهرًا ضخمًا يرتوي منه مئات الملايين من البشر كل يوم.
فهذا من آيات الله المنظورة.
قال ربنا سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ﴿٦٨﴾ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ﴿٦٩﴾} سورة الواقعة.
أما الآيات المسطورة والتي هي آيات القرآن الكريم التي أنزلها رب العالمين على رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّـهِ مُبَيِّنَاتٍ} ﴿١١﴾ سورة الطلاق.
هذه الآيات هي نورٌ من الله عز وجل، ولو تدبَّرت هذه الآيات لازددت يقينًا.
فآيات القرآن تنير حياة المسلم {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا} ﴿١٧٤﴾ سورة النساء.
والله عز وجل حثنّا على تدبرها فقال تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} ﴿٨٢﴾ سورة النساء.
وتدبُّر القرآن معناه أنْ: تقرأ كل يوم شيئًا من القرآن بتفكرٍ وتأملٍ في معاني الآيات.
والمسلم والمسلمة إذا تفكروا في آيات القرآن الكريم ونظروا في آيات المخلوقات من حولهم، لحصل لهم الخير الكثير ولصنعوا مجتمعًا مسلمًا صالحًا.
2- ما هو الإسلام؟
ج: الإسلام هو: الاستسلام والخضوع والانقياد لله تعالى .
قال جل شأنه {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} ﴿١٢٥﴾ سورة النساء.
ومعنى أسلم وجهه لله: أي استسلم لله وانقاد له سبحانه تعالى وتقدس ربُّنا، وهذا أحسن الناس دينا.
إذن لو سألك إنسان من هو أحسن الناس دينًا.. بماذا تجيب؟
تقول: أحسن الناس دينًا هو مَن أسلم وجهه لله تمام الاستسلام، وانقاد له سبحانه.
وقال تعالى {فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} ﴿٣٤﴾ سورة الحج.
ومعنى فله أسلموا أي: استسلموا لحكمه.
فهذه الآيات تفيد أنَّ معنى الإسلام هو الاستسلام المطلق لله تعالى, والانقياد له جلَّ في علاه, والامتثال لشرعه ومنهجه برضىً وقبول، وهذا هو جوهر الإسلام وحقيقته.
فالإسلام هي الاستسلام لله في قضائه وشرعه.
3- ما معنى الاستسلام لله في قضائه وشرعه؟
ج: الاستسلام لله في قضائه أي: نستسلم له في العافية والمرض، فإذا كنت معافىً اشكر الله على نعمة معافاته.
وإذا أصبت ببلاءٍ أو مرضٍ لا قدَّر الله ذلك، فاحمد الله واصبر، وقل: الحمد لله على كل حال.
فأنت تَقبَل بقضاء الله وتصبر على قضائه وترضى بقضائه.
أما الاستسلام لشرع الله فمعناه أن: تنقاد لله في كل ما شرَع وأَمَر.
فكل ما أمر الله به في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يستسلم له المسلم.
خلاصة الدرس الأول:
على المسلم أن يتدبر في آيات الله المنظورة والمسطورة، فهذه الآيات تعينه على مزيد طاعةٍ وإيمانٍ بالله.
فالله رزقنا النِّعم من حولنا ورزقنا الهداية فنحن نشكر الله على نعمه ونلتزم بهدايته.
ومعنى الإسلام أن: ننقاد لله تمام الانقياد وكمال الانقياد، وأن نلتزم بشرعه ونرضى بقضائه.
الدرس الثاني
1- إذا كان الإسلام هو الاستسلام لله فماذا تعني عبودية الاستسلام؟
ج: عبودية الاستسلام تعني أن: يُسْلم العبد نفسه لله, فيخضع لله وينقاد له بالطاعة، ويُذعن لخالقه ومولاه.
قال الله تعالى {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ} ﴿٢٢﴾ سورة لقمان.
تسلم وجهك لله أي: تنقاد له، فهو الذي رزقك وتفضَّل عليك، فقد رزقك الله وأنت في بطن أُمك بما يقويك ويُنمي أنسجتك بلا نقص ولا زيادة، وأنت بلا حول ولا قوة.
وهو سبحانه يرزق النبات، مع أنَّ النبات في مكانه لا يغادره، ومع ذلك يأتيه رزقه بمقدار.
وهو عزَّ وجلَّ يرزق الدواب والطير، ويُدبر أمر كل هذا العالم بكل ما فيه منذ خلقه، ويُدبر أمرك، ويُدبر كل شيء وله مُلك كلِ شيء.
فالعالم كلُّه مستسلم لله مِلك لله، وكل شيء في العالم يسير وفق النواميس التي أودعها الله فيه.
اقرأ هذه الآية {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} ﴿٨٣﴾ سورة آل عمران.
فالكون كله مُسلِمٌ لله خاضعٌ له سبحانه.
والإنسان خُلِق ووُجد في هذا العالم ليُكلف ويُختبر ويُمتحن، هل يخضع لله كما خضعَ له وأسلَمَ كل شيء أم سيعاند ويستكبر؟
فمعنى الاستسلام لله: الخضوع التام له وحده.
فكل ما يأمر به الله يفعله المسلم:
أمرني الله بالصلاة... إذن أُصلي.
أمرني ببر والديَّ... إذن أبرُّهما.
أمرني بفعل الخير... إذن أفعله.
وكل ما ينهى عنه الله ينتهي عنه المسلم:
نهى الله عن الكذب... إذن لا أكذب.
نهى عن الغش... إذن لا أغش.
نهى عن الكلام الفاحش... إذن أنتهي.
بهذا يكون الإنسان مسلمًا لله ككلِ ما حوله من الكائنات.
لكن الذي يميز الإنسان عما حوله، أنَّ كل ما حوله مسلمٌ بلا إرادةٍ منه، فالحجر والشجر والدواب الكلُ مسلمٌ لله بغير إرادة، أما أنت فمسلمٌ لله بإرادتك.
انظر لهذا الكون العظيم الضخم المهول بما فيه من أفلاك ونجوم وكواكب وشموس وأقمار، الكل مستسلمٌ منقادٌ لله, يسير وفق تدبير الله, يسير وفق القوانين التي أودعها الله ووفق تقدير الله.
قال ربنا عز وجل {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ﴿٢﴾ سورة الفرقان
فكل شيءٍ خاضعٌ مستسلمٌ لله، منقادٌ لذي الجبروت والإنعام سبحانه، فكن أنت أيضا مستسلمًا منقادًا لله.
لا تجعل الأحجار والجبال والدواب أفضل منك عند الله.
لو أنت استسلمت لله كنت أفضل ما في خلقه، لأنك أسلمت لله بإرادتك.
ولو لم تستسلم لله لصارت الأحجار والصخور والحشرات والحيوانات أفضل منك عند الله، فهي كلها مسلمة خاضعة له.
فلا تكن أنت الكائن الوحيد الجاحد المتمرد في كونٍ كله خاضعٌ لله.
2- أريد مثالاً على حكمة الله؟
ج: هل فكرتَ يومًا في البذرة التي تلقيها جانبًا بعد أن تأكل الفاكهة اللذيذة؟
هذه البذرة التي عادةً ما تكون جافة وصُلبة وطعمها مرٌ ولا رائحة لها ولا نحبها أبدًا، هذه البذرة لو اعترَضَت وقالت لماذا يكون مذاقي سيئًا ويزهدني الناس؟
هل تتخيل ماذا سيحصل لو صار طعمها حلوًا؟
ستنتهي النباتات من العالم وينتهي الحيوان وينتهى الإنسان!
لأن هذه البذرة بداخلها كتالوج ضخم جدًا اسمه الشفرة الوراثية، هذه الشفرة الوراثية لو وضعت في التربة سوف تصبح شجرة ضخمة تأتينا بثمارٍ جديدةٍ وهكذا، أما لو تحولت البذرة إلى نفس طعم الثمَرة وصار طعمُها شهيًا وأكلها الناس فلن تتجدد النباتات مرة أخرى لأن البذور التي سيأتي منها النبات تم استهلاكُها، وبالتالي ستختفي كل النباتات مع الوقت وسيختفي الحيوان بالتبعية والإنسان كذلك.
فالله لأنه حكيم ولأنه عليم ولأنه قدير جعل هذه البذرة بلا طعم بل وهي مؤلمة للأسنان لو حاولت أن تأكلها وطعمها مرٌ في الغالب، كل هذا حتى يزهدها الناس، فيلقونها بعيدًا فتأتي بعد سنوات بأطيب الثمر.
الشفرة الوراثية داخل البذرة عبارة عن شريط ضخم جدًا من المعلومات، لو وُضعت هذه المعلومات بجوار بعضها البعض فإنها قد تصل إلى مئات الملايين من الحروف في كل خلية من خلايا هذه البذرة.
إنها معلومات دقيقة مرتبة أودعها الله في هذه البذرة الصغيرة فما أن توضع في الأرض حتى يشاء الله بقدرته ورحمته أن تتحول هذه المعلومات داخل البذرة إلى شجرة عملاقة.
فكل هذا العالم مُسخَّرٌ لله مستسلمٌ له منقادٌ لتدبيره وأمره، يدبره الله كيف شاء بحكمته وإلا لفسد العالم بما فيه.
وأنت أيضًا أيها الإنسان مطالبٌ بالاستسلام لله، وإلا كنت الكائن الوحيد الجاحد في كون مسلم لربه.
خلاصة الدرس الثاني:
عبودية الاستسلام تعني: أن يُسْلم العبد نفسه لله, فيخضع له سبحانه كما خضع له كل شيء، وينقاد له بالطاعة كما انقاد له كل شيء.
الدرس الثالث
1- ما هي مظاهر التسليم لله تعالى؟
أو بصيغةٍ أخرى: كيف تعرف أنك مستسلم لله استسلامًا كاملاً؟
ج: علامات الاستسلام لله تعالى أربع وهي:
أولاً: العبودية لله في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾} سورة الأنعام.
صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين: كل شيء أفعله لله، فأنا أصلي لله، وأطيع والديَّ لله، وأذاكر وأتعلم حتى أنفع الناس لله، وأنام حتى أكون أقوى في الغد على فِعل ما أمرني الله به.
فهي عبودية لله في كل عمل، وهذه أولى مظاهر وعلامات التسليم لله.
العلامة الثانية حتى تكون مستسلمًا لله تمام الاستسلام: هي اتباع ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه، قال ربنا سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} ﴿٢٠﴾ سورة الأنفال.
وقال عزَّ وجلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} ﴿٢٠٨﴾ سورة البقرة
في السلم أي: في الإسلام.
ادخلوا في السلم كافة: أي التزموا بكل ما أمر به الله وانتهوا عما نهى عنه.
أمرني الله بشيء أفعله.... نهاني عن شيء أنتهي عنه، فهذا هو تمام الاستسلام والانقياد لله.
العلامة الثالثة على التسليم لله هي أن: نُسَّلم بتحكيم ما شرع الله، فنرضى بشرعه ونقبل به.
نقبل بكل تشريع إلهي ولا ننكر مثلا حد السرقة -وهو قطع اليد- بل لابد أن نرضى بشرع الله، لأنَّ الله يعلم ما يُصلِح خلقه، ويعلم أنَّ في هذه الحدود طهارة للمجتمع {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ﴿١٤﴾ سورة الملك.
وقال سبحانه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّـهِ حُكْمًا} ﴿٥٠﴾ سورة المائدة.
فالله هو الذي يعلم ما يصلح الناس في دنياهم وفي آخرتهم.
وتطبيق شرع الله يُطهر الناس ويجعلهم يعيشون في أمان.
ذهب رجل يزعم أنه مؤمنٌ بالله وبما أُنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن الأشرف اليهودي ليحكم له في قضية من القضايا، بدلاً من أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفًا من أن يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمٍ لا يعجبه، فذهب لليهودي أملاً في حكم يعجبه، فنزل قول الله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} ﴿٦٠﴾ سورة النساء.
فإذا كنت مسلمًا منقادًا لله فعليك أن تلتزم بشرع الله، وأن تُسلم بحُكم الله ولو أتى حكمُ الله على غير هواك، لا أن تترك شرع الله وتذهب ليهودي ليحكم لك في قضيتك من أجل أن يرضيك.
وقال الله عز وجل في الآيات التالية:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ} ﴿٦٤﴾ سورة النساء.
فالله لم يرسل الرسل حتى نتركها ونحتكم إلى شرع غيرها.
ثم يختم الله عز وجل الدرس من هذه الحادثة وأشباهها بآيةٍ هامة تبين ضرورة الخضوع للاحتكام لشرع الله، قال ربنا عز وجل {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ﴿٦٥﴾ سورة النساء. لابد من التسليم التام لما شرع الله فالتسليم لشرع الله من علامات الانقياد للإسلام!
أما العلامة الرابعة على التسليم لله تعالى فهي: التسليم لأقداره، فكل شيء قدَّره الله سبحانه بحكمته وبالتالي فالمسلم يستسلم لله في كل أقداره ... في الخير والشر.
إن أصابت المسلم سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر.
لو رزقك الله طعامًا أو رزقًا حسنًا أو بيتًا جميلاً أو نجاحًا في الدراسة أو صحةً في البدن أو أهلاً طيبين تشكر الله.
ولو أصابت المسلم ضراء من مرض أو فقر أو خوف أو بلاء أو هَم، صبرَ على هذه الضراء واستعان بالله، فهذا حال المسلم المنقاد المستسلم لربه سبحانه.
فكل شيءٍ بتقدير الله عز وجل: الصحة والمرض والغنى والفقر... كل شيء بتقديره وحكمته، وعلى المسلم الرضا بالأقدار لأن الله هو الذي يُقدِّرها.
قال ربنا سبحانه {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ﴿٤٩﴾ سورة القمر.
وقال تعالى {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَنَا} ﴿٥١﴾ سورة التوبة.
لن يصيبنا إلا ما قدّر الله لنا.
وقال عز من قائل {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ} ﴿١٤٥﴾ سورة آل عمران.
الآجال قدرها الله.
وقال سبحانه { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} ﴿٢﴾ سورة الفرقان.
فهو سبحانه يقدر ما يشاء كيف شاء بحكمته وعلمه.
فأنا كمسلم مطالب بالتسليم بكل أقدار الله عز وجل.
خلاصة الدرس الثالث:
علامات الاستسلام لله أربع:
العلامة الأولى: العبودية لله في كل صغيرة وكبيرة في حياتك، فكل شيء تفعله تنوي أن يكون لله.
العلامة الثانية: اتباع أمر الله واجتناب نهيه.
العلامة الثالثة: التسليم بتحكيم شرع الله، فترضى بما شرع الله لأنَّ شرعه سبحانه هو أحكم تشريع وأرحم تشريع وأعدل تشريع وأقوم تشريع.
أما العلامة الرابعة فهي: التسليم لأقدار الله كيف كانت.
وعندما تتحلى بهذه العلامات الأربع ساعتها تكون مسلمًا تمام الاستسلام لله سبحانه.
رزقنا الله وإياكم هذه الدرجة.
الدرس الرابع
1- هل الإسلام دين اختصنا الله به أم أنَّه دينٌ لجميع البشر؟
ج: الإسلام دين الله للناس جميعًا... دين الله لجميع البشر.
قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ} ﴿١٩﴾ سورة آل عمران.
فالإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الأديان {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ﴿٨٥﴾ سورة آل عمران.
والإسلام هو الدين الذي أرسل الله به جميع الأنبياء والرسل، قال عزَّ وجلَّ حكايةً عن نوحٍ عليه السلام {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ﴿٧٢﴾ سورة يونس.
فنوح عليه السلام كان مسلمًا.
وأخبرنا ربنا عز وجل عن وصية إبراهيم ويعقوب عليهما السلام فقال {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٣٠﴾ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٣١﴾ وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٣٢﴾ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾} سورة البقرة.
فالإسلام هو دين جميع الأنبياء.
قال نبي الله يوسف عليه السلام {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} ﴿١٠١﴾ سورة يوسف.
فدين الأنبياء واحد وهو الإسلام، وكل الأنبياء أتوا بالتوحيد وإن اختلفت شرائعهم.
عقيدتهم واحدة وهي الإسلام، أما التشريعات ككيفية الصلاة وكيفية الطهارة وكيفية الصوم فهذه تختلف من شريعةٍ لأخرى، قال تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} ﴿٤٨﴾ سورة المائدة.
فكل الأنبياء على عقيدةٍ واحدة، كلهم على توحيد الله سبحانه وإن اختلفت تشريعاتهم.
قال الله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ﴿٢٥﴾ سورة الأنبياء.
2- كل الانبياء جاؤوا بالتوحيد، لكن هل بقي على التوحيد اليوم سوى الاسلام؟
ج: لم يبق على التوحيد سوى الإسلام.
فالإسلام هو الدين التوحيدي الأوحد اليوم على الأرض.
بينما كل المنتسبين للشرائع الأخرى أصبح لهم من الشرك نصيبٌ قَلَّ أو كَثُر، فبعد موت الأنبياء وبعد أن تركوا الناس على التوحيد اتخذ الناس مع الوقت الشركيات، ولم يبق اليوم على التوحيد النقي الذي جاء به الأنبياء سوى الإسلام.
إذن كل البشر في الأصل كانوا على الإيمان بالله، وكل الشرائع على وجه الأرض اليوم كانت في الأصل تؤمن بالله سبحانه لكن الناس مع الوقت كفروا بالله وجعلوا معه آلهة أخرى.
ولم يبق على التوحيد النقي سوى الإسلام.
3- هل في الإسلام جواب للأسئلة التي حارت العقول في الإجابة عنها: مِن أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وإلى أين المصير؟
ج: الاسلام أجاب عن كل هذه الأسئلة في آيةٍ واحدة من القرآن الكريم، قال ربنا سبحانه {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ﴿٢٢﴾ سورة يس.
من أين جئت؟ الله خلقني (الَّذِي فَطَرَنِي).
وإلى أين أنا ذاهب؟ سوف أذهب إلى الله لأحاسب على عملي (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
لماذا جئت إلى هذا العالم؟ لعبادة الله ولأُختبر.
لماذا أعبد الله؟ من الطبيعي أن أعبد الله الذي فطرني، فهذه طبيعة العلاقة بين العبد وربه... أنْ يعبد العبد ربه وخالقه (وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي).
آية واحدة جمعت جواب أهم ثلاثة أسئلة يحار فيها البشر {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ﴿٢٢﴾ سورة يس.
4- كيف أعرف أنني مُختبر في هذا العالم؟
ج: انظر لنفسك سوف تعلم أنك مختبر، أليس بداخلك شعور افعل الصواب ولا تفعل الخطأ؟
لو كانت أمامك أموال وصاحبها مشغولٌ عنها، فإنه يأتيك شعور خذ هذه الاموال واستفد منها، وشعور مقابل يقول لك: لا تفعل ذلك فهذا حرام وجريمة.
فأنت مختبر في كل موقف من حياتك.
فهذا الشعور –شعور افعل ولا تفعل- يوجد بداخلك لأنك بالفعل مختبر ولستَ همَلاً... لستَ شيئا هكذا بلا قيمة.
قال تعالى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} ﴿٣﴾ سورة الإنسان.
فالإنسان بداخله افعل ولا تفعل: فهو إما شاكرًا وإما كَفُورًا في كل موقفٍ من حياته.
بل في كل خطوة من خطوات حياة الإنسان يمكن للإنسان أن يفعل الخير أو يفعل الشر، هل يذهب للمسجد أم يذهب ليلهو، هل يحضر الدروس الشرعية العلمية أم يستمع للملهيات، كل لحظة هناك اختيارية في حياة الإنسان.
ولذلك قال الله عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴿٥٦﴾ سورة الذاريات.
في كل خطوة تجد نوعًا من العبودية لله أو معصية له سبحانه.
فمن وُفق لفعل ما أمر الله به نجا، ومن عصى ما أمره الله به أخطأ.
وهذه الاختيارية يترتب عليها حساب الإنسان على كل ما فعل.
فغاية خَلْقنا أن نُمتحن وأن نُختبر، وهذه هي الغاية التي أرسل الله من أجلها الرسل وأنزل الكتب {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ﴿٣٦﴾ سورة النحل.
وبعد أن ينتهي الاختبار بالموت نعود إلى الله {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ﴿٢٢﴾ سورة يس.
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ} ﴿٤٢﴾ سورة النجم.
{إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ} ﴿٨﴾ سورة العلق.
نعود إلى الله لنُحاسَب على ما قدمنا {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴿٤١﴾} سورة النجم.
سوف يُرى ما قدمتَ من عمل وستُحاسب على ذلك {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾} سورة الزلزلة.
خلاصة الدرس الرابع:
الإسلام دين الله للناس جميعًا، فهو دين جميع الانبياء {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ} ﴿١٩﴾ سورة آل عمران.
ولم يبقى على التوحيد الذي جاء به كل الأنبياء سوى الإسلام.
والإسلام هو الذي يملك جواب الأسئلة التي حارت فيها العقول: من أين جئنا؟ ولماذا نحن هنا في هذا العالم؟ وإلى أين المصير؟
والجواب على هذه الأسئلة في آيةٍ واحدة {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ﴿٢٢﴾ سورة يس.
فالله خلقنا وإليه نعود ونحن في هذا العالم مُختبرون ونعلم أننا مختبرون مكلفون.
وبعد موتنا سنُحاسب على ما قدمنا {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴿٣٧﴾ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٣٨﴾ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿٣٩﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٤٠﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿٤١﴾} سورة النازعات.
جعل الله الجنة مأوانا ومأواكم.
الدرس الخامس
1- ما هو أول واجب على الإنسان؟
ج: أول واجب على الإنسان: أن يعرف ربَّه الذي خلقه فسواه ورزقه وهداه, فمعرفة الله أساس الدين ومحور حياة الإنسان.
2- لكن كيف نعرف الله؟
ج: نعرف الله بطرق كثيرة جدًا لكن سنذكر هنا أربعة طرق:
الطريق الأول: نعرف الله عن طريق الفطرة السليمة.
فالإنسان بفطرته يعلم أنَّ له خالقًا، فأنت بالفطرة تعرف أنَّ لك خالقا خلقك بهذه الهيئة وهذه الأعضاء وهذه الخِلقة وهذا الصنع والإتقان المدهش.
وأيضًا الإنسان بفطرته يعلم أنه مُطالب باللجوء إلى خالقه بالعبادة، ويعلم أيضًا بفطرته أنه مفتقرٌ لخالقه سبحانه ومحتاجٌ إليه في كل وقت، ويزداد هذا الشعور بالحاجة لله في الشدائد.
ففطرة معرفة الله فُطِر عليها كل البشر، قال الله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ﴿٣٠﴾ سورة الروم.
وقال سبحانه {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ} ﴿١٧٢﴾ سورة الأعراف.
فقبل أن نُخلق فُطِرنا على معرفة الله وفُطرنا على العبودية له سبحانه (وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: ما مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ.[1]
فكلنا نُولد على هذه الفطرة، وهذه الفطرة تكفي كل إنسان يريد الحق أن يستدل على الحق وأن يستسلم لهذا الحق متى تبين له.
وهذه الفطرة لا يستطيع أن ينكرها حتى أشد الناس كفرًا وخاصةً في الأوقات العصيبة، فالناس كلهم يلجأون لله في أوقات الشدائد وينسون ما يشركون {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} ﴿٦٧﴾ سورة الإسراء.
إذا كان الإنسان في كربٍ شديدٍ وشعر بالهلاك، فإنه لن يدعو إلا الله، وسينسى كل شركياته؛ وهذا الإخلاص لله في الدعاء وقت الشدائد دافعه الفطرة السليمة الموجودة بداخل كل إنسان.
يقول أحد رؤساء أمريكا -أيزنهاور- وكان قائدًا للقوات الأمريكية في الحرب العالمية الثانية يقول بعد أن شاهد كيف أنَّ القوات تعود للفطرة وقت الخطر الشديد: "لا يوجد ملاحدة في الخنادق".
ففي الخندق وقت الحرب لا يوجد منكرٌ لله، الكل يعود لله، فهذه حقيقة الفطرة التي يعترف بها كل البشر وقت الشدائد.
الطريق الثاني لمعرفة الله هو العقل:
فنحن نعرف الله بالعقل {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} ﴿٣٥﴾ سورة الطور.
بالعقل هناك ثلاثة احتمالات لا رابع لها:
الأول: أن نكون خُلقنا من غير خالق (أم خلقوا من غير شيء) وهذا مستحيل، إذ كيف نُخلق من غير خالق؟
الثاني: أن نكون خَلقنا أنفسنا (أم هم الخالقون) وهذا محال أيضًا، إذ كيف أَخلق نفسي قبل أن أُخلق؟
إذن بالعقل يبقى الاحتمال الثالث وهو الذي سكتت عنه الآية الكريمة لأنه هو البديهة، وهو أنّ لنا خالقًا خلقنا.
فنحن نعرف الله بالعقل.
الطريق الثالث لمعرفة الله هو النظر في مخلوقات الله:
النظر في خلق الله يضعنا أمام عظمة الله عز وجل {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ﴿١٠١﴾ سورة يونس.
فكلما نظرنا إلى دقيق خلق الله وعجيب الإتقان ازددنا معرفةً بالله.
الطريق الرابع لمعرفة الله هو من خلال الرسل:
وهذا هو الطريق الأعظم لمعرفة الله عز وجل، وهو أن نعرف اللهَ من خلال رسلِه وأنبيائه، فالرسل أخبروا عن الله وأخبروا عن صفاته وأخبروا عن ذاته سبحانه، فمن خلال الأنبياء عرفنا الله بأسمائه وصفاته، وعرفنا كيف نعبد الله وكيف نتقرب إليه، وعرفنا كيف ننجو يوم الحساب من عذاب الله، فالرسل دعوا الناس لعبادة الله أو بمعنىً آخر: دعوا الناس للعودة لفطرهم التي فُطروا عليها وأن يَعبدوا الله كما أمر.
فالرسل أرشدوا الناس إلى طريق الحق والنجاة {رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} ﴿١٦٥﴾ سورة النساء.
فإخبار هؤلاء الأنبياء والرسل عن الله وتأييد الله لهم بالمعجزات، لا يجعل لأحدٍ حجة على الله يوم القيامة.
فالله عز وجل أعطاك الفطرة التي تعرف بها خالقك، وأعطاك العقل وأعطاك النظر في مخلوقاته وأرسل لك الرسل، فلم يبق لك عند الله حجة.
خلاصة الدرس الخامس:
أول واجبٍ على الإنسان: أن يعرف ربه الذي خلقه وفطَره ورَزقه وهَداه.
ومعرفة الله تكون بالفطرة السليمة التي فُطر عليها الناس جميعا، تلك الفطرة التي يعترف بها كل البشر في أوقات الشدائد.
ومعرفة الله تكون أيضًا بالعقل، فبالعقل نوقن أنَّ لنا خالقًا.
ومعرفة الله تكون بالنظر في مخلوقات الله وعجيب صنعه.
ومعرفة الله تكون من خلال أنبيائه ورسله، فمن خلال الرسل نعرف الله بأسمائه وصفاته ونعرف كيف نعبده وكيف نتقرب إليه.
الدرس السادس
1- ما هي القواعد العقلية التي نستدل بها على وجود الله سبحانه؟
ج: القاعدة الأولى : العدم لا يفعل شيئًا:
العدم لا يصنع شيئا وهذه بديهة عقلية، فلابد لكل فعلٍ من فاعل.
وإذا نظرت إلى هذا العالم وعرفت أنه له بداية، وعلمت أنَّ الكائنات الحية كذلك لها بداية، فهذا يجعلك توقن بأنَّه لابد لهذا العالم ولهذه الكائنات من صانعٍ موجِد... وليس أنَّ العدم هو الذي أوجد العالم أو أوجد هذه الكائنات الحية، فالعدم كما قلنا ليس بشيءٍ ولا يصنع شيئًا.
إذن: بما أن العالم كلَّه بكل ما فيه من مادة وقوانين ونجوم وكواكب له بداية، فهذا دليل على أنَّ له خالقًا خلقه.
القاعدة الثانية التي نستدل بها على وجود الله وهي أنَّ: الموجودات تدل على بعض صفات مَن أوجدها:
فإذا رأيت شيئًا متقنًا فسوف تقطع بأنَّ صانعه قد أتقن صُنعه، وستقطع بالعقل أنَّ صانع هذا الشيء عنده قدرة على إيجاده وتصميمه وضبطه.
وهكذا يمكننا أن نعرف بعض صفات الخالق سبحانه من النظر في خلقه.
انظر للسماء والأرض والنبات والشجر والجبال وانظر للدواب من حولك، عالم مدهش من المخلوقات العجيبة.
انظر لداخل جسدك، وانظر لضبط الوظائف الدقيق في جسمك.
سأعطيك مثالاً واحدًا على الصنع المبهر والضبط الدقيق والأمثلة في هذا لا حصر لها:
هرون النمو الذي يساعدك على النمو، هذا الهرمون تركيزه في الدم: 5 نانو جرام. لو ازدادت نسبة هذا الهرمون بمقدار يقاس بأجزاء من المائة مليون من الجرام -يعني الجرام مقسم إلى مائة مليون جزء- لو ازداد الهرمون بأجزاء من المائة مليون من الجرام فإنَّ هذا يؤدي إلى مرض العملقة – تضخم جسم الإنسان بصورة مخيفة-، ولو قلّت بأجزاء من المائة مليون من الجرام، فإنَّ هذا يؤدي إلى مرض التقزم – صغر حجم الجسم والأعضاء-.
هذا التغير المدهش بسبب تغير بأجزاء بسيطة جدًا من هذا الهرمون.
فانظر لجسدك الذي خلقه الله في أحسن تقويم، بهذا الضبط المدهش لهذا الهرومون ولغيره من الهرمونات.
فهذه دقة وإتقان في الخلق {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ﴿٤٩﴾ سورة القمر.
فنحن مُحاطون بالرعاية الإلهية في كل جزءٍ من أجسادنا، وما الجوائز التي يحصل عليها العلماء إلا لاكتشافهم بعض أوجه هذه الرعاية في العالم.
القاعدة الثالثة والتي نستدل بها على وجود الله هي: فاقد الشيء لا يعطيه:
الأوثان والطبيعة لا تملك القدرة على الخلق ولا على الإيجاد ولا على الضبط ولا على الإتقان.
فالأوثان التي يعبدها الكفار، والطبيعة التي يؤمن بها الملحد كلاهما مفتقرٌ لخالقه.
فلا تملك الأوثان ولا الطبيعة من أمرهما شيئًا، وليس لديهما القدرة على ضبط الهرمونات بداخلك بهذا المقدار المدهش ولا لديهما القدرة على وضع الشفرة الوراثية والتي هي ملايين المعلومات داخل البذرة، ولا لديهما القدرة على إيجاد أي شيء ولا حتى على إيجاد أنفسهما.
فخالق هذا العالم بهذه العجائب هو خالق عظيم عليم قدير حكيم.
والآن سنعطي بعض الأمثلة البسيطة على دقيق الصنع الإلهي والعلم الإلهي والقدرة الإلهية والحكمة الإلهية، لنعرف كيف أنَّ المخلوقات خلقها الله وحده وليست الطبيعة أو الأحجار أو الاوثان:
وأنت في بطن أمك لا تستخدم رئتيك في التنفس أبدًا فأنت يأتيك الأوكسجين الذي تحتاجه مع دم الأم، ومع ذلك ومع عدم حاجتك للرئة إلا أنَّ الله خلق رئتيك وأنت في بطن أمك، لأنك بمجرد خروجك من بطنها ستستخدم رئتيك فورًا وإلا فبدون رئتيك لن تعيش لحظةً واحدةً بعد الولادة
وكذلك خلق الله عينيك في بطن أمك وأنت لا تحتاجهما أصلاً إلا بعد الولادة.
فالله لأنه عليم بما ستحتاج إليه بعد خروجك من بطن أمك قدَّرَ لك الأعضاء التي تريدها بقدْرِها.
وخلق الله عظام جمجمتك غير ملتحمة ببعضها البعض ولا تلتحم إلا بعد الولادة بزمن، إذ لو كانت عظام الجمجمة ملتحمة لما استطعت النزول من بطن أمك لكبر حجم رأسك، فمن رحمة الله ومن حكمة الله أن تكون العظام غير ملتحمة فيحصل لها تداخل وانضغاط لحظة الولادة فينزل الجنين بسهولة من بطن أمه.
وتظل هذه العظام غير ملتحمة لزمن بعد الولادة حتى ينمو المخ بدون عوائق تمنع من نموه.
وبعد نزولك من بطن أمك بلحظات يبدأ لبن الأم في الخروج لتغذيتك، وأُمك لا تعرف شيئًا عن المضادات الحيوية التي تكون في لبنها في أول أربعة أيام والتي تطهر مجاري جسمِك كلِّها، ولا تعرف شيئًا عن مراحل إنتاج اللبن ومستويات تركيز اللبن بحسب عمر الرضيع، فكل هذا خلَقه الله اللطيف الودود الكريم بمقدار.
وأودع الله في أبويك غريزة حبِّك والتضحية بالمال والصحة والوقت من أجلك، وهم في كل هذا راضون تمام الرضا.
فنِعم الله عليك لا تحصى في كل وقت.
وخلق الله كل محاور أعصابك والتي تنقل الإشارات الكهربية من جسمك إلى المخ والعكس، خلقها كلها مُغطاه بطبقة عازلة كما نفعل نحن الآن مع الأسلاك الكهربية لئلا تشرد الإشارة الكهربية أو تضيع أو تسبب لك إزعاجًا.
وخلق الله صمامات للإخراج لئلا تتأذى ثيابُك، فهناك صمامات في الشرج وفتحة للبول، وهذه الصمامات تغلق هذه المخارج لئلا تتأذى في كل لحظة.
وهناك صمامات في المعدة لئلا يرجع الطعام إلى فمك فتتأذى.
خلْق إلهي متقَن ودقيق وعجيب {هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} ﴿١١﴾ سورة لقمان.
فهل الأوثان أو الطبيعة تستطيع أن تفعل من ذلك شيئًا؟
تخيل لو كانت الشمس من الفحم... هذه الشمس العظيمة تخيل لو أنها كانت من الفحم، هل تعرف كم سيكون عمرها؟ ثلاثمائة عام فقط، وتنتهي وبالتالي تنتهي الحياة على الارض.
فالله خلق كل شيء بمقدارٍ سبحانه.
تخيل لو أنَّ الإنسان بلا عظام؟ سيصبح كومة لحم لا حركة فيها.
لو ظللتُ أعرض الأمثلة بكل ما أوتي الناس من علمٍ ألف عام والله ما ذكرت شيئًا من نِعم الله وعجيب خلق الله {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} ﴿١٠٩﴾ سورة الكهف.
{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّـهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ﴿٢٧﴾ سورة لقمان.
فآيات الله في خلقه لا تنتهي ولا يُحصيها أحد.
{صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} ﴿٨٨﴾ سورة النمل.
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} ﴿٧﴾ سورة السجدة.
فالنظر في هذه النعم مع استحضار أسماء الله الحسنى يزيدك إيمانًا ومعرفةً بالله.
فالله هو الرزاق العليم الحكيم الخبير الكريم اللطيف المنان ذو الجلال والإكرام الحي القيوم.
فانظر في نِعم الله وتأمَّل وسبِّح بحمده... وقل: سبحان ربي وبحمده.
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴿١﴾ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿٢﴾ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ﴿٣﴾} سورة الأعلى.
خلاصة الدرس السادس:
العدم لا يصنع شيئًا فلابد من فاعلٍ لكل فعل.
الموجودات تدل على بعض صفات من أوجدها، وبالتالي يمكننا أن نعرف بعض صفات الخالق سبحانه من النظر في مخلوقاته.
ومن نظر في خلق الله وتأملَ بعض نعمِ الله عليه، سيستشعر معاني كثير من أسماء الله الحسنى فيزداد بهذا طاعةً لله ويزداد إيمانًا.
الدرس السابع
1- ما هو التوحيد وما هي أقسامه؟
ج: التوحيد هو أن: تعتقد أن الله واحد لا شريك له، أو بمعنى أكثر تفصيلاً: هو إفراد الله بالعبادة في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته.
إذن هناك:
إفراد الله بالعبادة في ألوهيته: أي أنَّ العبادة تكون لله وحده.
وفي ربوبيته: وهذا يعني الإقرار الجازم بأنَّ الله رب كل شيء وخالق كل شيء.
وفي أسمائه وصفاته: وهو الإيمان بجميع أسماء الله وصفاته التي وردت في القرآن والسنة الصحيحة، من غير تشبيه لصفات الله بصفات غيره من خلقه.
2- ما معنى توحيد الألوهية؟
ج: توحيد الألوهية هو: إفراد الله بالعبادة، فتكون جميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة لله وحده {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾} سورة الأنعام.
فالدعاء يكون لله وحده بحيث لا أدعو نبيًا ولا أدعو شيخًا ولا أدعو زاهدًا بل أدعو الله وحده، وكذلك أذبح لله وحده وليس لقبر أحد من الصالحين، وأيضًا أتوكل على الله وحده وأستعيذ به وحده.
فهذا يسمى توحيد الألوهية، وتوحيد الألوهية هو الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} ﴿٢٥﴾ سورة الأنبياء.
فما خلق الله الجن والإنس إلا ليفردوه بالعبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴿٥٦﴾ سورة الذاريات.
فهذا أول وأعظم واجب على العبيد وهو أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا معه أحدًا {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٦٥﴾ بَلِ اللَّـهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٦٦﴾} سورة الزمر.
فأنْ تشرك مع الله أحدًا في العبادة هذا مُحبط للعمل.
فالشرك هو أعظم المعاصي على الإطلاق، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ.[2]
والشرك ينقسم إلى قسمين:
الشرك الأكبر وهو أن: يشرك الإنسان مع الله أحدًا في العبادة، بحيث يتخذ مع الله ندًا وهذا هو الشرك الأكبر.
ومن صور هذا الشرك أيضًا أن يأتي شخص عند أحد القبور ويدعو صاحب القبر... يدعو إنسانًا صالحًا أو نبيًا بأن يرزقه أو يشفيه، فيقول: يا فلان اشفني من مرضي... أو يا فلان زوجني... أو يا فلان ارزقني، فكل هذه صورٌ من الشرك الأكبر قال الله تعالى {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠٦﴾ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّـهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴿١٠٧﴾} سورة يونس.
فلا تدعو من دون الله نبيًا ولا صالحًا ولا عابدًا بل ادعو الله وحده، فهو وحده القادر على كشف الضر وجلب الخير لك.
وقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} ﴿١٩٤﴾ سورة الأعراف.
فهؤلاء الذين ماتوا هم عبادٌ أمثالكم فادعوهم ولن يستجيبوا لكم.
{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤﴾} سورة فاطر.
فدعاء غير الله هذا من الشرك الأكبر.
وهناك شرك آخر وهو الشرك الأصغر:
والشرك الأصغر له صور كثيرة منها مثلاً: الرياء:
والرياء هو أنْ: يعمل الإنسان عبادةً أمام الناس من أجل أن يثنوا عليه خيرًا.
فيصلي ويطيل الصلاة أمام الناس من أجل أن يقولوا هذا شابٌ صالح، فهذا اسمه رياء وهذه معصية، فالمفترض أن تصلي لله وأن تكون صلاتك خالصة لله فلا تصلي من أجل الناس، فإذا صليتَ سواءًا في بيتك أو أمام الناس تكون صلاتك لله وليس من أجل ثناءِ أحد من الخلق، قال الله تعالى {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ﴿١١٠﴾ سورة الكهف. فلا تشرك بعبادة الله أحدًا من خلقه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصغرُ ، قالوا : وما الشِّركُ الأصغرُ ؟ قال الرِّياءُ ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لأصحابِ ذلك يومَ القيامةِ إذا جازَى النَّاسَ: اذهبوا إلى الَّذين كنتم تُرائون في الدُّنيا فانظُروا هل تجِدون عندهم جزاءً؟"[3]
فالرياء شرك أصغر.
3- ما هو الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر؟
ج: الشرك الأكبر هذا كفرٌ بالله، أما الشرك الأصغر كالرياء فهذه معصية، وبالتالي فإنَّ العمل الذي عملته من أجل الناس لا يقبله الله لكنه ليس كفرًا.
لنفترض أنَّ شابًا مسلماً دخل يصلي ركعتي تحية المسجد فوجد الناس ينظرون إليه، فقرأ بعد الفاتحة سورة الإخلاص ثم زاد عليها من أجل الناس سورة الفلق، فهذا الشاب صلاته صحيحة لكن قرائته لسورة الفلق التي قرأها من أجل الناس مردودة وعليه ذنب الرياء.
أيضا من صور الشرك الأصغر:
الحلف بغير الله، كمن يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: والنبي، أو يحلف بالكعبة، أو يحلف بالشرف فيقول: وشرفك، أو يحلف بالأمانة، فهذه كلها من صور الشرك الأصغر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن حلَف بغيرِ اللهِ فقد أشرَك".[4]
وكذلك من صور الشرك الأصغر التسوية في المشيئة بين الله وبين خلقه، كأن يقول: شاءت الأقدار، أو شاءت الظروف، أو: شاءت الأقدار أن يحصل كذا وكذا، وهذا كله لا يجوز.
فالأقدار والظروف لا تشاء، وإنما المشيئة والأقدار بيد الله وحده!
أيضا لا يجوز أن نقول: ما شاء الله وشئت.
قالَ رجلٌ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : ما شاءَ اللَّهُ وشئتَ. فقالَ : أجعلتَني للَّهِ ندًّا؟ قُلْ: ما شاءَ اللَّهُ وحدَهُ.[5]
وكذلك من صور الشرك الخطيرة:
تعليق التمائم، كالذي يُعلق شيئًا في يده أو في عنقه، أو يضع شيئًا في غرفته ويقول: هذا الشيء يجلب لي الرزق أو يجلب لي الحظ، أو يدفع عني العين.
وكثيرون منكم يرون بعض الناس يعلقون صورة الكف أو يعلقون خرزة زرقاء أو يشيرون بالخمسة أصابع لدفع العين.
وهذه كلها من صور الشرك، فهذه التمائم والأكف لا تجلب رزقًا ولا تدفع عينًا، بل لا يجلب الرزق ولا يدفع العين إلا الله.
وتشاهدون بعض الناس يعلق عينًا زرقاء خوفًا من الحسد، وهذا كله من أفعال الجاهلية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن عَلَّقَ تَميمةً فقد أَشرَكَ".[6]
فتعليق الخرزة على الأولاد أو على البيت أو على السيارة لدفع العين هذه كلها شركيات.
4- هل تعليق التمائم شرك أكبر أم شرك أصغر؟
ج: لو اعتقد مَن يُعلق التميمة أنَّ هذه التميمة هي التي ترزق الإنسان بنفسها أو تدفع عنه السوء بنفسها فهذا شرك أكبر.
أما لو اعتقد أنَّ الله جعل هذه التميمة سببًا للرزق أو سببًا لدفع السوء فهذا شرك أصغر.
كذلك من صور الشرك الأصغر: التشاؤم ببعض الأشخاص أو الأوقات أو الحيوانات، فإذا شاهد غرابًا تشاءم، هذا شرك أصغر.
بعض الناس يتشاءم من الرقم ثلاثة عشر، هذا شرك أصغر.
بعض الناس يتشائم من فلان أو علان، هذا شرك أصغر.
بعض الناس يخرج من بيته صباحًا، فيجد مثلاً حادثًا أمامه أو شخصًا مُعينًا يتشاءم منه أمامه، فيقول: هذا يوم نحس فيتشاءم... هذا من صور الشرك الأصغر، فاحذروا من هذا الصنيع بشدة.
وقد ورد النهي الشديد عن التشاؤم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الطِّيَرةُ شِركٌ، الطِّيَرةُ شِركٌ".[7]
أيضا من صور الشرك: إتيان الكُهان والعرافين.
والكاهن هو الشخص الذي يدعي معرفة الغيبيات، وإتيان هؤلاء الكُهان من الشرك لأنه لا يعلم الغيب إلا الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً."[8]
فلو ذهب مسلمٌ لعراف وهو يعلم أنَّ العراف لا يعلم الغيب لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.
أما لو أتاه وهو يُصدق أنَّ العراف يعلم الغيب فهذه مصيبة أكبر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقولُ فقد كفَرَ بما أُنزِلَ علَى محمَّدٍ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ".[9]
فهذه كلها صور مختلفة من الشرك يجب أن نحذر منها.
نعوذ بالله من الشرك الأكبر والأصغر.
وعلينا أن نعلم أنَّ الشرك الأكبر لا يغفره الله إلا لو تاب منه الإنسان قبل موته، قال الله تعالى {إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} ﴿٤٨﴾ سورة النساء .
والشرك الأكبر يَحرم صاحبه من دخول الجنة، قال تعالى {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} ﴿٧٢﴾ سورة المائدة.
5- هل سَبُّ الدين من صور الشرك الأكبر؟
ج: للأسف نشاهد بعض الشباب الصغار يسبُّون الدين في الطرقات وأثناء اللعب وأثناء المشاجرات بل وحتى على سبيل المزاح والهزار، وهذه مصيبة كبرى فمَن سبَّ الله أو سبَّ الأنبياء أو سبَّ دين الله أو سبَّ الإسلام، أو ما شابه من أنواع السب واللعن والسخرية والاستهزاء والاحتقار، فهذا كفر أكبر وشرك أكبر وعلى صاحبه أن يغتسل وأن ينطق الشهادتين وأن يتوب إلى الله تعالى، فسبُ دينِ الله كُفرٌ، وعلى أولياء الأمور والمعلمين أن يُنبِّهوا أشد التنبيه على خطورة هذه القضية لأنها أصبحت منتشرة للأسف في كثيرٍ من المدن والقرى.
فدين الله ورسوله ليسوا عرضةً للسب ولا للعن في شجارٍ أو مزاح {قُلْ أَبِاللَّـهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴿٦٥﴾ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} سورة التوبة.
فالأمرُ خطيرٌ حقًا.
خلاصة الدرس السابع:
التوحيد هو: إفراد الله بالعبادة فلا أشرك به أحدًا في عبادته، ولا أدعو أحدًا غيره.
وأيُ شركٍ مع الله في العبادة أو في الدعاء يحبط العمل، فهذا شرك أكبر.
وهناك الشرك الأصغر: كالرياء وكالحلف بغير الله وكقولك شاءت الأقدار أو شاءت الظروف، فهذا كله شرك أصغر.
كذلك من صور الشرك الأصغر: التشاؤم ببعض الأشخاص أو الحيوانات أو الأرقام أو المواقف.
أيضًا من صور الشرك الخطيرة: تعليق التمائم بدعوى أنها تجلب الرزق أو تدفع الضر.
ومن صور الشرك الخطيرة كذلك: إتيان الكهان والعرافين.
فهذا كله يجب على المسلم أن يجتنبه.
اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ أنْ نُشرِكَ بكَ شيئًا تعلِمُه ونستغفِرُكَ لِمَا لا نعلَمُ.
الدرس الثامن
1- ما معنى توحيد الربوبية؟
ج: توحيد الربوبية: هو الإقرار الجازم بأنَّ الله ربَّ كلِّ شيء وخالق كلِّ شيء ومدبر كلِّ شيء والمتصرف في كل شيء.
فالله هو الخالق لا يقدر على الخلق إلا الله، قال تعالى {اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ﴿٦٢﴾ سورة الزمر.
وقال عز من قائل {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} ﴿٥٤﴾ سورة الأعراف.
والمراد بالخلق هنا: إيجاد الشيء من لاشيء فهذا لا يقدر عليه إلا الله .
والله مدبرُ كلِّ شيء، فهو متفرد بتدبير الأمور وتصريف هذا الكون {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} ﴿٣﴾ سورة يونس.
وقال سبحانه {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} ﴿٥﴾ سورة السجدة.
والله مالكُ كلِّ شيء، فهو المتصرفُ في كل شيء {قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ} ﴿٢٦﴾ سورة آل عمران.
فهذا هو توحيد الربوبية.
ومن العجيب أنَّ كل البشر يُقرون بتوحيد الربوبية... يُقرون بأنَّ الله هو الخالق والمدبر ومالك كل شيء، قال الله تعالى عن المشركين {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿٨٤﴾ سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ} سورة المؤمنون.
وقال تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّـهُ ۚ} ﴿٣٨﴾ سورة الزمر.
فكل البشر عبر كل التاريخ يؤمنون بالله الخالق الرازق المدبر.
بل حتى أشد الناس كفرًا وعبادةً للأوثان يؤمنون بالله الخالق الرازق المدبر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن ظن في عُبَّاد الأصنام أنهم كانوا يعتقدون أن هذه الأصنام تخلق العالم أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات أو تخلق الحيوان أو غير ذلك، فهو جاهل بهم بل كان قصد عباد الأوثان لأوثانهم من جنس قصد المشركين بالقبور".[10]
فُعباد الأصنام والأوثان يفعلون كما يفعل الشخص الذي يذهب لقبور الصالحين ليدعوهم، فهذا الشخص يعلم أنَّ الله هو الخالق وهو الرزاق لكنه مع ذلك يذهب للقبر ليدعو غير الله، وهذا بالضبط ما يفعله عُبَّاد الأصنام، فهم يعلمون أنَّ الله هو الخالق والرازق لكنهم أشركوا معه الأصنام والأوثان في الدعاء والعبادة.
فكل الديانات تؤمن بأن الله هو الخالق وهو المُدبر وهو الرزَّاق.
لكنهم مع ذلك جعلوا مع الله آلهةً أخرى، ولم يبق على التوحيد سوى الإسلام.
وقبل سنوات حاول العلماء في الغرب دراسة تاريخ الإنسان فقاموا بدراسة عقيدة القبائل التي تعيش على جمع الثمار في أفريقيا واستراليا، فاكتشفوا أيضًا أنَّ جميع هذه القبائل تؤمن بالله الواحد الخالق المدبر الرازق.[11]
فكل البشر على توحيد الربوبية.
2- هل توحيد الربوبية كافٍ؟
ج: لا
توحيد الربوبية لا يكفي حتى يكون الإنسان مسلمًا لله، فما معنى أن تؤمن بأن الله هو الخالق الرازق المُدبِّر، ثم تتخذ معه الأوثان أو الأصنام أو الشركيات أو تدعو غيره؟
فكل الكفار على توحيد الربوبية كما قلنا، فهم يؤمنون بأنَّ الله هو الخالق، ومع ذلك يعبدون ويدعون معه آلهةً أخرى.
فتوحيد الربوبية لا يكفي ولا تكون به النجاة في الآخرة، فالكفار والمشركون مع أنهم على توحيد الربوبية إلا أنَّ الله حَكم عليهم بدخول النار لأنهم جعلوا معه آلهة أخرى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَـٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ﴿٦﴾ سورة البينة.
ووعيد الله بدخولهم النار حق {فَحَقَّ وَعِيدِ} ﴿١٤﴾ سورة ق.
فليس الإسلام وليست النجاة لمجرد إقرار الإنسان بأنَّ الله هو الخالق الرازق المحيي المميت فحسب، بل لابد من توحيد الألوهية: لابد من عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، بحيث يكون توجيه العبادة والدعاء لله وحده، ولابد من الإيمان بجميع رسل الله سبحانه.
إذن فتوحيد الربوبية لا يكفي ولا ينفع العبد عند الله يوم القيامة، إذ لابد أن يُعبد الله وحده كما شرع!
ولو كان توحيد الربوبية كافيًا لما أرسل الله رسله ولا أنزل كتبه، لأن البشر جميعًا يعرفون الله بالفطرة.
فتوحيد الربوبية لابد أن يكون معه توحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة.
فالله الذي خلقك وهداك ورزقك هو وحده المستحق أن تعبده.
وهو وحده المستحق أن تُخضع رقبتك له، فهو باريك وهاديك.
خلاصة الدرس الثامن:
توحيد الربوبية: هو الإقرار الجازم بأن الله ربَّ كلِّ شيء وخالق كلِّ شيء ومدبر كلِّ شيء
وكل البشر على توحيد الربوبية، فهم جميعًا يُقرون بأنَّ الله هو الخالق المدبر.
لكن توحيد الربوبية لا يكفي وحده حتى يكون الإنسان مسلمًا لله.
فلابد من توحيد الألوهية... لابد من عبادة الله وحده بما شرع، ولابد من الإيمان بجميع رسل الله.
الدرس التاسع
1- ما هو توحيد الأسماء والصفات؟
ج: توحيد الأسماء والصفات يعني: الإيمان بجميع ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته من غير تمثيلٍ ولا تعطيلٍ لهذه الصفات.
من غير تمثيل: أي من غير تشبيهِ صفات الله بصفات أحدٍ من خلقه.
ومن غير تعطيل: أي من غير نفيٍ لصفات الله، فنحن نُثبت صفات الله التي أثبتها لنفسه في كتابه وسنة نبيه.
قال الله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ﴿١١﴾ سورة الشورى.
فهو سبحانه سميعٌ بصير – السميع البصير من صفات الله-، لكن ليس كمثله شيء... لا يشبه في صفاتِه شيئًا من خلقه.
2- هل أسماءُ الله وصفاتُه توقيفية؟
ج: نعم أسماءُ الله وصفاتُه توقيفية.
ومعنى توقيفية أي: لا نثبت إلا ما أثبته لنفسه في كتابه أو في سنة نبيه.
فلا نثبت اسمًا لله أو صفةً من صفاته لم ترد في القرآن أو السنة النبوية.
3- هل نحن نعرف جميع أسماء الله الحسنى؟
ج: لا
هناك أسماء حسنى لله تعالى نحن لا نعرفُها، فنحن لم نحِط بكل أسماء الله الحسنى.
ولذلك ورد في الحديث الصحيح: "أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ".[12]
فهناك أسماء حسنى لله نحن لا نعرفُها.
4- ما هو أثر أسماء الله الحسنى في حياة المؤمن؟
ج: أسماء الله الحسنى تُعرّفُنا بالله.
وأسماء الله الحسنى ندعو الله بها {وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا} ﴿١٨٠﴾ سورة الأعراف.
وأسماء الله الحسنى نستحضر معانيها ونستوعب أثرها الإيماني.
ومن هذه الأسماء الحسنى: لفظ الجلالة "الله".
ومعنى لفظ الجلالة "الله" أي: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين.[13]
ومن هذه الأسماء الحسنى أيضًا "الرحمن الرحيم" أي أنَّ: شرعه رحمة وأمره رحمة وتقديره رحمة ودعا عباده بالجهد اليسير إلى الرحمة الأبدية.[14]
فأنت تعمل عملاً يسيرًا في الدنيا وتنال به رحمة الله الأبدية، وتصبر على بلاءٍ أو تجاهد في سبيل الله أو تأتمر بما أمرك به الله وتنتهي عما نهاك عنه، فيوصلك برحمته إلى رحمته الأبدية والسعادة السرمدية، فهو سبحانه الرحمن الرحيم.
ومن الأسماء الحسنى "الجبار": فكل ما في العالم خاضعٌ لله، فهو سبحانه وحده المتصرف في العالم بما شاء كيف شاء، و كل أجرامِ العالمِ وأفلاكِه وقوانينِه مسخرةٌ منكسرةٌ تحت جبروته وقهره سبحانه.
ومن معاني الجبار: الذي يجبر الكسير ويجبر المريض ويجبر المبتلى فيهون عليه أوجاعه ويقذف في قلبه الطمأنينة والأنس، ويجبر جبرًا خاصًا من ينكسر لجلاله ويخضع لكماله ويتذلل بين يديه راجيًا فضله أو مستغفرًا من ذنب ألَّمَ به.[15]
ومن أسمائه الحسنى "المؤمن": الذي يُصدق الصادقين ويقيم البراهين على صدقهم.
فهو سبحانه صدَّق رسله وأيدهم بالبراهين وثبَّت حجتهم على خصومهم بالآيات والمعجزات والخوارق التي تُعرِّف العباد بصدق الرسل وبالحق الذي جاؤوا به.[16]
وهو سبحانه "المؤمن" الذي يُصدِّق الدعاة إلى سبيله الصادقين فينصرهم بالحجة إلى يوم القيامة {وَلَن يَجْعَلَ اللَّـهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ﴿١٤١﴾ سورة النساء.
فلن ينتصر الكافر على المؤمنِ العالمِ بدينه في ميدان الحجة والبرهان أبدًا!
والله سبحانه من أسمائه "الحكيم": أي الموصوف بكمال الحكمة والاطلاع على مباديء الامور وعواقبها.[17]
فكل ذرة تسير في الكون بحكمة الله، وكلُ شيء قدَّره الله في الكون أو في جسدك أو في أي شيء من حولِك بحكمته سبحانه، فكل بلاءٍ بحكمة وكل خيرٍ لحكمة.
ونحن لا نحيط علمًا بشيء من حكمته {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} ﴿١١٠﴾ سورة طه.
ومن أسمائه سبحانه "العليم الخبير": العليم بكل شيءٍ فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، والخبير بسرائر غيب السماوات والأرض.
ومن أسمائه سبحانه "اللطيف": حيث يوصل أوليائه إلى الخيرات والكرامات بالطرق التي يعرفون والتي لا يعرفون، والتي يحبون والتي يكرهون.
فيرفع درجة عبدِه في الجنة فيبتليه بما يَكره ليصبر ويحمد الله فترتفع درجته، ويُقدر سبحانه أمورًا في مبتئدها مكروهه للنفس كإلقاء يوسف في غيابةِ الجب، لكن تصبح عواقبها أحمد العواقب، فهو سبحانه اللطيف.[18]
ومن أسمائه سبحانه "الواسع": واسع الصفات والنعوت لا يُحصى أحدٌ ثناءًا عليه، واسع العظمة والسلطان والملك.
ومن أسمائه سبحانه "الحليم": فيُدِّر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة مع أنهم يعصونه، لكنه يحلم عنهم ويمهلهم لكي يتوبوا ولا يعاجلهم بالعقوبة.
ومن أسمائه سبحانه "الحي القيوم": له كمال الحياة والقيومية، قامت به السماوات والأرض وما فيهما من مخلوقات .
فهو قيوم السماوات والأرض يحفظهما في كل لحظة.
خلاصة الدرس التاسع:
توحيد الأسماء والصفات يعني: الإيمان بجميع ما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته من غير تشبيه صفات الله بصفات أحدٍ من خلقه ومن غير تعطيلٍ لهذه الصفات.
ولا نُثبت من الأسماء والصفات إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والأسماء الحسنى ندعو الله بها ونستحضر معانيها ونستوعب أثرها الإيماني.
ومن هذه الأسماء الحسنى: الله الرحمن الرحيم الجبار المؤمن الواسع الحكيم العليم الخبير الحي القيوم.
وعلينا أن نستحضر معاني أسماء الله الحسنى وأن ندعوه بها دومًا.
الدرس العاشر
1- ماهي العبادة؟
ج: العبادة هي: اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
فكل أمْرٍ أمَر الله به ففِعلُه عبادةٌ، وكلُ نهيٍ نَهى الله عنه فتركه عبادةٌ، وكلُ عادةٍ مباحةٍ مثل: الأكل والشرب والنوم تصبح عبادةً إذا قصدتَ بها امتثال أمر الله والاستعانة بها على طاعته سبحانه وتعالى.
فإذا أكلتَ لتتقوى على فعل ما أمرك الله به فهنا يصبح الأكل عبادة وفيه أجر، وهكذا.
والعبادة هي الغاية التي خلق الله العباد لأجلها, قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴿٥٦﴾ سورة الذاريات.
ومهمة جميع الرسل دعوة الناس إلى عبادة الله، قال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ﴿٣٦﴾ سورة النحل.
فالعبادة هي حق الله على عبيده {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} ﴿٢٢﴾ سورة يس.
وفي الحديث المتفق على صحته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلْ تَدْرِي ما حَقَّ اللَّهِ علَى عِبادِهِ، وما حَقُّ العِبادِ علَى اللَّهِ؟، قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقَّ اللَّهِ علَى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئًا".[19]
فالعبادة هي حق الله الخالص على العباد.
والعبادة شاملة لكل أفعال المسلم الظاهرة والباطنة: كالصلاة والصوم والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذِكر وشتى أنواع الطاعات، وحتى العادات التي يفعلها المسلم لله تصبح عبادة كالأكل للتقَّوي على طاعة الله، فهذه كلها عبادات حيث يصبح أكلُك عبادة وحركتك عبادة، فالعبادة في الإسلام شاملة لكل أفعال المسلم الظاهرة والباطنة قال تعالى {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٢﴾ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٦٣﴾} سورة الأنعام.
ويستطيع المسلم أن يجعل كل تصرفاته عبادة لله، فيذاكر ويجتهد في دراسته حتى ينفع المسلمين، فتصبح مذاكرته ودراسته عبادة لله، ويعمل حتى يجتنب أكل الحرام وحتى يُطعم زوجته وأولاده لله، فيصبح عمله عبادة، ويتقي الله في عمله ويؤديه على وجهه الصحيح فيأخذ بعمله أجرًا وهكذا.
مرَّ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رجلٌ فرأَى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من جلَدِه ونشاطِه فقالوا يا رسولَ اللهِ! لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ.[20]
فهنا تتحول الأمور العادية كالعمل والمذاكرة إلى عبادة بتغيير النية وجعلها لله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، قالَ: تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَة".[21]
كُلُّ سُلامَى: يعني كل مَفصِل.
فالأعمال الصالحة كالإصلاح بين اثنين متخاصمين، أو إزالة الأذى من الطريق أو إعانة الرجل الضعيف، كل هذه الأعمال تتحول إلى عبادات وتأخذ عليها أجرًا إذا قصدتَ بها وجه الله.
2- هل ينال الكافر الأجر من الله على أعماله الصالحة؟
ج: العمل الصالح فِطرة فَطر اللهُ الناس عليها، لذلك ترى أي إنسان يمكن أن يعمل أعمالاً صالحةً ولو كان كافرًا أو مشركًا، فالكل يعملون أعمالا صالحة للفطرة التي فُطروا عليها.
لكن شرط قبول العمل الصالح هو أنْ: يُقصد به وجهُ الله، أي: يُقصد به الحصول على ثوابه من الله.
أما الشخص الكافر بالله الذي يعبد مع الله آلهةً أخرى فنقول له: اذهب لمن أشركتهم مع الله في عملك الصالح واحصل على أجرك منهم، فأنت لم ترجو بأعمالك الصالحة وجه الله وحده.
تخيل إنسانًا قام أهلُه بتربيته والإنفاق عليه حتى صار شابًا قويًا، ثم ذهب لغيرهم ليخدمهم، هل يحق له أن يعود لأهله ليقول لهم: أعطوني أجرة خدمتي لغيركم؟
فليذهب لمن كان يخدمهم وليحصل على أجرته منهم.
ولله المثل الأعلى.
فالله هو الذي خلقك ورزقك وامتن عليك بكل النعم ثم تترك عبادته وتريد أن تأخذ منه أجر عملك؟ كيف هذا؟
ولذلك قال الله عز وجل {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} ﴿٢٣﴾ سورة الفرقان.
وقال سبحانه {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} ﴿٣٩﴾ سورة النور.
فالذين كفروا لا يستحقون الثواب على العمل وإن كان صالحًا، لأنهم كفار لم يقصدوا بالعمل الصالح أن ينالوا ثواب ربهم، ولا ابتغوا به رضا خالقِهم.
فليست القضية في مجرد العمل الصالح فنحن جميعًا مفطورون على كثيرٍ من الأعمال الصالحة، وإنما القضية لماذا تعمل هذا العمل الصالح ولمن تعمله؟ وهل تعمله لمصلحتك الشخصية أو تعمله رياءً أو تعمله لغير الله؟
فكل هذا ليس في سبيل الله ولا يُرجى منه ثواب العمل الصالح الذى يُرجى من الله.
خلاصة الدرس العاشر:
العبادة: هي اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، فكل ما أمرَ الله به ففِعلُه عباده، والأعمال الصالحة كالإصلاح بين متخاصمين أو إزالة الأذى من الطريق تصبح أيضًا عبادة إذا قصدتَ بها وجه الله، بل وحتى كل العادات المباحة كالأكل والشرب والنوم تصبح عبادة إذا فعلتها من أجل ان تعينك على طاعة الله.
والعبادة هي الغاية التي خُلق العباد لأجلها، ومن أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب.
فالعبادة هي حق الله الخالص على العباد.
وكل عملٍ صالحٍ لا يُبتغى به وجه الله مردود على صاحبِه لا يقبله الله.
فالعمل الصالح الذى يُرجى ثوابه هو ما كان لله خالصًا.
الدرس الحادي عشر
1- ماهي حقيقةُ العبادة وأركانُها؟
ج: حقيقة العبادة تتمثل في: الخضوع والتذلل وإظهار العجز والذل لرب العالمين.
فأنت تخضع لله، وتتذلل وتتضرع لخالقك ورازقك والممتن عليك بكل مِنةٍ ونعمةٍ وهدايةٍ... تخضع وتتضرع لمالك يوم الدين رب العالمين.
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ﴿٥٥﴾ سورة الأعراف.
{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} ﴿٢٠٥﴾ سورة الأعراف.
فالخوف والتضرع لله والانكسار بين يديه هو حقيقة العبادة لله {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} ﴿٥٧﴾ سورة المؤمنون.
ومع هذا الخوف والتضرع لله عز وجل تحبُه سبحانه.
تحب مناجاته، وتحب القرب منه، وتحب أن تختلي بنفسك ساعةً تذكره فيها أو تقرأ القرآن بتدبر أو تصلي بخشوع {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ} ﴿١٦٥﴾ سورة البقرة.
فعبادتك لربك تشمل الخشوع والتذلل مع المحبة في نفس الوقت {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} ﴿٩٠﴾ سورة الأنبياء.
رغبا ورهبا: رغبة ورهبة.
فالمسلم يعبد الله عز وجل عبادة خشية ومحبة وتعظيم له سبحانه، فيحقق بهذا حقيقة العبادة التي أرادها الله منه ويتمثل العبودية الحقة التي خُلق من أجلها.
ومن نتائج هذه العبودية الحقة أن تُحب أنْ ينتصر دين الله، وأن تحب المسلمين لحبك لله، وأن تكره الكافرين لكفرهم بالله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ﴿٢٣﴾ سورة التوبة.
فمن كمال حبك لله تحب المؤمنين وتبغض الكافرين.
ومن كمال عبوديتك لله أن تحب الجهاد في سبيله ولا تمنعك من ذلك دنيا ولا مال ولا أب ولا إبن ولا زوجة ولا ولد ولا سكن ولا عمل.
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} ﴿٢٤﴾ سورة التوبة.
فمحبة الله إذا قويت في قلبك كانت طاعته مهجة فؤادِك والجهاد في سبيله أسمى غاياتِك.
وسوف تكون العبادة سعادتك، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قُم يا بلالُ فأرِحنا بالصَّلاةِ".[22]
وكان يقول: "جُعل قُرَّةُ عيني في الصلاةِ".[23]
فمن أطاع الله حبَّب الله إليه الطاعة، وصارت لذته في القرب من الله، وصارت حياته كلها طيبة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ﴿٩٧﴾ سورة النحل.
2- لكن ما هي شروط العبادة؟ أو: ما هي الشروط التي يقبل الله بها العبادة؟
ج: العبادة لا تكون صحيحة إلا إذا توافر فيها شرطان:
الشرط الأول: الإخلاص، وهو أن يقصد العبد بعبادته وجه الله تعالى دون سواه.
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ﴿٥﴾ سورة البينة.
فالشرط الأول أن تعبد الله مخلصًا له العبادة.
جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، فقالَ: أرأيتَ رجلًا غزا يلتمسُ الأجرَ والذِّكرَ، ما لَهُ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: لا شيءَ لَهُ فأعادَها ثلاثَ مرَّاتٍ، يقولُ لَهُ رسولُ اللَّهِ: لا شيءَ لَهُ ثمَّ قالَ: إنَّ اللَّهَ لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ لَهُ خالصً، وابتغيَ بِهِ وجهُهُ.[24]
يلتمسُ الأجرَ والذِّكرَ أي: يلتمس الأجر من الله، والذِكر بين الناس: بالمديح والشهرة، فهذا عمله مردود إذ لابد من إخلاص العبادة لله، وهذا هو الشرط الأول لقبول العبادة.
أما الشرط الثاني :فهو شرط المتابعة.
ومعنى المتابعة أن تعبد الله بما شرَع، فعندما شرع الله الظهر أربع ركعات إذن تصليه أربع ركعات، ولا تقول أجعل الظهر ست ركعات فهذا أكثر عبادة، لا... هذا إفساد للعبادة.
فالمتابعة هي أن تفعل العبادة كما أمرك الله بها، وكما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ﴿٣١﴾ سورة آل عمران.
فأنت تتبع الشرع الإلهي في طريقة أداء العبادة، ولا تبتدع من عند نفسك.
لا تقول سأجعل السجود قبل الركوع وبعد الركوع، هذه صلاة مردودة عليك لأنك أخللت بالشرط الثاني وهو شرط المتابعة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ".[25]
فما اخترعته في الدين مما ليس فيهِ مردودٌ عليك.
إذن شرطا قبول العبادة: الإخلاص والمتابعة.
فأنت تُخلص لله وتفعل ما أمرك الله به، دون اختراعِ شيء في الدين من عند نفسك.
خلاصة الدرس الحادي عشر:
حقيقة العبادة تتمثل في الخضوع والتذلل وإظهار العجز والذل لرب العالمين مع كمال المحبة له سبحانه.
وشرطا صحة العبادة: الإخلاص والمتابعة.
الدرس الثاني عشر
1- ما معنى البدعة وما هي خطورة الابتداع في الدين ؟
ج: البدعة هي: كل مُحدَثٍ في الدين على خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالبدعة هي التعبُّد لله بما لم يشرعه الله.
فكل من تعبد لله بشيءٍ لم يشرعه الله أو بشيءٍ لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، فهو مبتدعٌ مرتكب للبدعة.
والبدعة لا تكون إلا في الدين.
أما الابتداع في العادات فالأصل فيه الإباحة، فمثلاً إشارة المرور هذه بدعة في العادات، وبدع العادات لا شيء فيها.
فالمنهي عنه فقط هو البدعة في الدين بالزيادة أو النقصان، هذا هو المحرم والمذموم شرعًا حتى ولو كان بنيَّة العبادة لله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: "مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ".[26]
وفي رواية مسلمٍ: "مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ".
ليس عليه أمرنا: أي ليس عليه ديننا وشرعنا، فهذا مردود على صاحبه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأحسنَ الهديِ هديُ محمَّدٍ ، وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلُّ محدثةٍ بِدعةٌ ، وكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النَّارِ".[27]
فأحسن الاتباع اتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
وشر الأمور محدثاتها: شر الأمور الاختراع في الدين، فكل اختراعٍ في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
2- لكن لماذا ورد النهي الشديد عن البدعة؟
ج: حقيقة الابتداع في الدين أنَّه تغيير للدين ولأحكام الشريعة، وكأن الدين بحاجة إلى تكملة من هذا المبتدع، ولذلك البدعة أمرها خطير، وورد عليها النهي الشديد، فالله عز وجل أكمل الدين وأتم الشريعة، قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ﴿٣﴾ سورة المائدة.
فالمبتدع يرتكب خطأً شنيعًا من حيث يظن أنه يحسن صنعًا ببدعته، فعندما يضيف شيئًا للدين هو بهذا كأنه يقول أنَّ: الدين ناقص وأنا سأكمله بهذه البدعة، لذلك فالبدعة دليل على الجهل الشديد والخطأ في حق الدين، ومن أجل هذا فهي ضلالٌ، حتى ولو كان صاحبُها يظن أنها شيء جيد {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} ﴿١٠٤﴾ سورة الكهف.
أيضًا البدعة أشد خطرًا من المعصية، لأنَّ صاحبها يظن أنها تقربه إلى الله فيتمادى فيها، ولذلك قال سفيان الثوري رحمه الله: " البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ لأنَّ البدعة لا يُتاب منها والمعصية يُتاب منها".[28]
فصاحب البدعة يظن أنه يفعل خيرًا ببدعته فكيف يتوب منها؟
بينما العاصي ينتظر دائما اللحظة التي يتوب إلى الله فيها.
والمبتدع يألف البدعة ويعتاد عليها بل ويزداد تمسكًا بها مع الوقت.
لذلك كان السلف يُحذِّرون أشد التحذير من البدعة في الدين.
سُئل الإمام مالك عن شخص أحرم من المدينة وراءَ الميقات، أي أنَّ: شخصًا ذهب للحج أو للعمرة فأراد أن يُحرم من وراء الميقات باعتبار أنه بهذا يكون اتقى لله، فقال الإمام مالك رحمه الله: هذا مخالف لله ورسوله، أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، أما سمعتَ قولَه تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ﴿٦٣﴾ سورة النور، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُهَلَّ من المواقيت.[29]
فالبدعة في الدين مخالفة لله ورسوله.
خلاصة الدرس الثاني عشر:
البدعة هي إحداث وابتداع في العبادات ليس له أصلٌ في دين الله، فالبدعة هي التعبُّد لله بما لم يشرعه الله.
والبدعة صاحبها على خطرٍ عظيم، فكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النَّارِ .
الدرس الثالث عشر
1- ما هي أنواع العبادات في الإسلام؟
ج: للعبادات في الإسلام أنواع كثيرة منها:
1ـ العبادات القلبية: ويُقصد بها العبادات التي مصدرها القلب، وهي أصل الأعمال وأساسها وكل عبادات الجوارح كالصلاة والذِكر وغيرها تبعٌ للعبادات القلبية.
وعلى العبادات القلبية يترتب ثواب الأعمال والتفاضل بين الناس.
والعبادات القلبية تعكس مدى ارتباط المسلم بربه وتَوثق صلته بالله وتوكله عليه ويقينه به، فالعبادة القلبية تزيد في الإيمان، وأيضًا كلما ازددت طاعةً لله زادت هذه العبادات القلبية رسوخًا في القلب.
ومِن العبادت القلبية:
محبة الله: قال تعالى{وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ} ﴿١٦٥﴾ سورة البقرة.
فمحبة الله وإيثار محبته سبحانه على ما سواه هذه من أعظم العبادات القلبية.
أنْ يكون اللَّهُ ورَسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ ممَّا سِواهُما.[30]
ومحبة الله تكون بالتزام أمره واجتناب نهيه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل كبيرٍ وصغير، قال الله تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ} ﴿٣١﴾ سورة آل عمران. أيضا من العبادات القلبية:
الخوف من الله: قال الله تعالى {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ﴿١٧٥﴾ سورة آل عمران.
وقد مدح الله عز وجل الذين يخشونه، فقال عنهم {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴿٥٧﴾ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٨﴾ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴿٥٩﴾ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴿٦٠﴾ أُولَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴿٦١﴾} سورة المؤمنون.
فمن يخشى الله يسارع في الخيرات، فالخوف من الله يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من خافَ أدلَجَ ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ".[31]
ومعنى الحديث أنَّ الشخص الذي يخاف من عدم الوصول يدلج أي: يسير بأول الليل حتى يصل سريعًا، فالذي يخاف من ربه يعمل لمرضاته في كل وقت وفي أقرب فرصة حتى يصل لرضا ربه.
كذلك من العبادات القلبية:
الرجاء وحسن الظن بالله: قال ربنا سبحانه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ﴿١١٠﴾ سورة الكهف.
والرجاء وهو الاستبشار بجود الله وفضله، والطمع في إحسانه وإنعامه، وهذا الرجاء يكون مع الأخذ بالأسباب، فأنا أرجو أن يغفر الله لي إذن آخذ بالأسباب وأستغفر وأعزم ألا أعود للذنب بهذا أرجو مغفرة ربي.
والرجاء يجعل العبد يستبشر ويحسن الظن بربه... وربُّنا سبحانه لطيف ودود كريم غفور رحيم، فأبشِر وأحسِن الظن بالله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلّ".[32]
ومن العبادات القلبية كذلك:
التوكل على الله: قال عز مِن قائل {وَعَلَى اللَّـهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ﴿٢٣﴾ سورة المائدة.
وقال سبحانه {وَعَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ﴿١٦٠﴾ سورة آل عمران.
والتوكل يعني: صدق اعتماد القلب على اللّه تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة.[33]
فأنت تتوكل على الله، وتثق أنَّه لا يرفع البلاء إلا هو، وتوقِن أنَّه لا يُقدر الأقدار إلا الله، وبالتالي تتوكل عليه وحده، ومن يتوكل على الله يحبه الله {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} ﴿١٥٩﴾ سورة آل عمران.
هذه كانت بعض العبادات القلبية، وهي أعمال عظيمة ترفع درجة العبد عند ربه.
2- وهناك العبادات القولية: ويُقصد بها العبادات التي مصدرها اللسان، مثل:
الدعاء: فالدعاء عبادة قولية قال الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ﴿٦٠﴾ سورة غافر.
كذلك من العبادات القولية:
الذِكر: فذِكر الله سبحانه عبادة قولية، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} ﴿٤١﴾ سورة الأحزاب.
أيضًا من العبادات القولية:
الدعوة إلى الله: فأنْ تدعو الناس إلى الله كأنْ تدعو غير المسلم إلى الاسلام أو تدعو زميلك الذي لا يصلي إلى الصلاة فهذه من أعظم العبادات القولية، قال الله تعالى {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ} ﴿٣٣﴾ سورة فصلت.
فمن يدعو إلى الله هو من أحسن الناس قولاً.
3- وهناك العبادات البدنية: وهي العبادات التي تؤدَى بالبدن كالصلاة والصوم والحج.
4- وهناك العبادات المالية: وهي التي تؤدى بالمال ومنها: الزكاة وإطعام الطعام.
2- لماذا نعبد الله؟
ج: لأن الله وحده هو الذي يستحق أن يُعبد.
فلا يستحق العبادة إلا الله، فهو الخالق الذي أوجدنا من العدم قال سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ﴿٢١﴾ سورة البقرة.
وهو الذي هدانا وهو الذي شرع وقدَّر وأمر ونهى {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} ﴿٥٤﴾ سورة الأعراف.
فليس له الخلق فقط، وإنما له الأمر أيضًا ونحن نأتمر بأمره سبحانه.
فالعبادة هي حقُ الله على عباده، فهو سبحانه الذي فطرنا وأحيانا ورزقنا وهدانا وأرسل إلينا رسله ليختبرنا وليبلونا مَن مِنّا أحسن عملاً، فالعبادة هي حق الله علينا {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ﴿٢﴾ سورة الملك.
لكن في نفس الوقت لابد أن نعلم أنَّ الله سبحانه غنيٌ عنا وعن كل عبادتنا وعن العالمين، فمن عمِل خيرًا فلنفسه {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ﴿٦﴾ سورة العنكبوت.
فالله غنيٌ عنّا وعن عبادتنا، لكن نحن من نحتاج إلى العبادة، فهي تنفعنا نحن ولا تستقيم حياتنا وآخرتنا إلا بها، ولا تنصلح أخلاقنا إلا بها، فالعبادة تنهى عن الفواحش والمنكرات وتصلح بها دنيا الناس، قال ربنا تعالى { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} ﴿٤٥﴾ سورة العنكبوت.
ولا نفوز بالجنة إلا بالعبادة فهي النجاة في الآخرة والهناءة في الدنيا.
فالعبادة لنا نحن ولخيرنا نحن، وهي واجبة علينا تجاه الله عز وجل لأنه خالقنا، ونَفْعُها يعود علينا نحن فقط والتقصير فيها يعود علينا نحن فقط، لذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي: "يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُمْ، ما زَادَ ذلكَ في مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا علَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، ما نَقَصَ ذلكَ مِن مُلْكِي شيئًا، يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فمَن وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ، فلا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ".[34]
فالله غنيٌ عنّا، لكن هي أعمالُنا وأجرُها لنا ووزرُها علينا.
والجنة غالية، فمن يريد الجنة يعمل لها، فنحن المحتاجون إليه سبحانه... المحتاجون لعبادته، وهو الغني عنَّا وعن كل خلقه.
خلاصة الدرس الثالث عشر:
العبادات أنواع كثيرة منها عبادات قلبية: كمحبة الله والخوف من الله ورجاء الله والتوكل على الله.
وهناك العبادات القولية: كالدعاء والذِكر والدعوة إلى الله.
وهناك العبادات البدنية: كالصلاة والصوم والحج.
وهناك العبادات المالية: كالزكاة والصدقة.
ونحن نعبد الله لأنه هو الذي فطرنا وخلقنا ورزقنا وهدانا وأرسل إلينا رسله، فله سبحانه الخلق والأمر.
وأجر العبادة لنا نحن، فالله غنيٌ عنا وعن العالمين.
فهي أعمالنا يعود ثوابها علينا، فنحن المحتاجون لرضوان الله ومغفرته وعبادته.
الدرس الرابع عشر
1- ما هي ثمراتُ عبادةِ الله سبحانه وتعالى؟
ج: الإنسان بفطرته لا يعرف ذاتَه ولا تطمئن روحُه ولا تهدأ وحشةُ قلبه إلا بعبادة الله {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ﴿٢٨﴾ سورة الرعد.
فبالعبادة يطمئن الصدر {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴿٩٧﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴿٩٨﴾ وَاعْبُدْ رَبَّكَ} سورة الحجر.
اعبد ربك... اذكر ربك فيطمئن صدرُك.
ولذلك ركعتان بخشوع وتدبر تفعلان في النفس الإنسانية ما لا تفعل ساعات من جلسات التهدئة النفسية.
فالعبادة فيها طمأنينة النفس الإنسانية، وكل بعيدٍ عن ذكر الله يضيق صدره، فتجده دائما يتلهف على الدنيا، فلا هو يشبع ولا يطمئن {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ﴿١٢٤﴾ سورة طه.
فمهما كان الإنسان في سعةٍ من الرزق إلا أنَّه بدون الإيمان يحيا في ضنك، وفي سباق محموم لا ينتهي مع المجهول فتراه دائمًا قلِقًا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدُّنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينَيْه، ولم يأتِه من الدُّنيا إلَّا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرةُ نيَّتَه جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدُّنيا وهي راغمةٌ".[35]
فالعبادة تحرر المسلم من الخضوع للدنيا، وتجعله حرًا.
ولذلك المسلم الذي يعبد الله بحقٍ هو إنسان فَهِم معنى الحياة، وفهم قيمة الدنيا، وفهم غاية وجوده في هذا العالم، وفَهم أنَّه في هذا العالم ليختبر وليعبد ربه حق العبادة وليس ليعيش في قلق بلا طائل تحته، قال ربنا سبحانه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ﴿٢﴾ سورة الملك.
أيضا عبادة الله عز وجل هي سبب في محبته ومعيتِه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك".[36]
فإذا حفظت حدود الله بحيثُ يَجِدُك في الطَّاعاتِ ولا يَجِدُك في المعاصي، حفظك مِن الشُّرورِ وحفَظَك في نَفسِك وأهلِك ومالِك ودِينِك ودُنياك، وحفظك مِن مكارِهِ الدُّنيا والآخِرَة.
فالله مع عبده الصالح {وَأَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} ﴿١٩﴾ سورة الأنفال.
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} ﴿٥١﴾ سورة غافر.
فطاعة الله سبب لمعيته ونصرته.
وأيضا طاعة الله جعلها الله سببًا لدخول الجنة برحمته {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ﴿٧٢﴾ سورة الزخرف.
فكل خيرٍ في طاعة الله، وكل أذىً وضيق في البعد عن الله.
2- لكن كيف تكون العبادة سببًا في معية الله بينما الأمة المسلمة اليوم أضعف من الأمم الكافرة؟
ج: هذا السؤال مهم جدًا.
والجواب لا علاقة بين الأفضلية وبين التقدم الحضاري.
فلا يلزم من كون الإنسان فاضلاً وصالحًا أن يكون متقدمًا حضاريًا.
فقد يكون الشخص ملتزمًا بتعاليم الإسلام لكنه فقير بسيط، وقد يكون العكس.
فالعبرة ليست بالثراء المالي المجرد.
وقد كان الكفار عبر التاريخ يحتجون على الأنبياء بنفس هذه الحجة فيقولون للأنبياء: أتباعكم فقراء.
قال الكفار لنوح عليه السلام {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} ﴿٢٧﴾ سورة هود.
ونفس الحال حصل مع كفار مكة {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ﴿٣١﴾ سورة الزخرف.
فدائما الكفار يحتجون بهذه الحجة الساقطة {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} ﴿٧٣﴾ سورة مريم.
أي الفريقين أفضل ماديًا؟
فهذه حجة خاطئة تمامًا، فما علاقة التقدم المادي بكوني على حق أو على باطل؟
كم من الأمم كانت متقدمة حضاريًا وهي من أبعد الناس عن شرع الله ودينه ووحيه {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} ﴿٩﴾ سورة الروم.
كانوا متقدمين ماديًا لكنهم بالمقياس الأخروي... بالمقياس الديني، في غاية التخلف والبعد عن وحي الله.
فالتقدم المادي والثراء المالي ليسا معيارًا على صاحب الحق {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ﴿٨٣﴾ سورة غافر.
فالتقدم الدنيوي المفتَقِد للتسليم للوحي الإلهي هو باب فتنة عظيمة، وقد يكون باب استدراج يُستدرج به الغافلون ليكون هذا التقدم شغلهم الشاغل ومنتهى ما يأملون من الحياة فيهلكون كافرين {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} ﴿٥٥﴾ سورة التوبة.
{وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} ﴿٣٣﴾ سورة الزخرف.
فليس التقدم المادي ممدوحًا في ذاته وليس مذمومًا في ذاته، وإنما يُمدح بقدر تزكيته بالوحي الإلهي، وبقدر تطبيق الدين فيه، وبقدر انتفاعك به في دينك، وبقدر ما تستخدمه في نفع الناس وصلاح أحوالهم.
وهذا هو التقدم المطلوب.
فمعيار التفاضل الحقيقي بين البشر ليس في تقدمهم المادي ولكن في التفاضل بالتقوي والعمل الصالح، ويأتي التقدم المادي كوسيلة وليس كغاية، يأتي كوسيلة لخدمة ونفع الناس.
فيكون تقدما ماديا مُزكَّى بالوحي الإلهي وهو وحده التقدم المطلوب.
إذن فمعنى الاستخلاف الحقيقي في الأرض هو: استخلاف عبودية لله، واستخلاف تزكية إيمانية لكل مناحي الحياة {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} ﴿٤١﴾ سورة الحج.
هذا هو معنى الاستخلاف الحقيقي في الأرض.
واعلم أنَّ المسلم إذا فعل ما عليه يَسَّر اللهُ له أسباب كل خيرٍ وسعادة وتقدم في الدنيا، ونجاة ورفع درجة في الآخرة {وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ﴿٥٥﴾ سورة النور.
خلاصة الدرس الرابع عشر:
من ثمرات عبادةِ الله سبحانه وتعالى: اطمئنان النفس وسكون الروح ومعية الله ونصرتِه ودخول الجنة برحمة الله.
والتقدم المادي الحضاري ليس غايةً للإنسان في ذاته، وإنما الغاية الأساسية تحقيق العبودية لله في الأرض.
وإذا فعل المسلم ما عليه يَسَّر الله له أسباب كل خير وتقدم في الدنيا ونجاة في الآخرة.
الدرس الخامس عشر
1- اذكر بعض مظاهر قدرة الله في خلق الإنسان؟
ج: من يتأمل في الإنسان يجد في خلقه مظاهر عدة لقدرة الله عز وجل, وبديع صنعه وعجيب إتقانه, وصدق الله إذ يقول {وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ﴿٢١﴾ سورة الذاريات.
ومن صور قدرة الله تبارك وتعالى :
البصمة :
فبصمة الأصابع آية من آيات الله، فهي خريطة لا يتشابه فيها اثنان من البشر، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعجزة في قوله تعالى {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ ﴿٣﴾ بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴿٤﴾} سورة القيامة.
والبنان في لغة العرب هو أطراف الأصابع.
فالله قادر على أن يعيد ليس عظام الإنسان يوم القيامة فحسب، بل هو سبحانه قادرٌ أيضًا على إعادة تسوية أصابع كل إنسان ببصمته المميزة.
ولم يكتشف العلماء حقيقة البصمة المعجزة إلا في نهاية القرن التاسع عشر، فبصمة كل إنسان ثابتة متميزة، لا تتأثر بتقدم العمر ولا بالإصابات، وحتى لو احترق جلد الأصابع فإنَّ البصمة تعود بنفس شكلها الأول.
أما لو ذهبنا للعين:
تلك النعمة التي لا تُقدر بثمن {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} ﴿٨﴾ سورة البلد.
فدقة العين توازي: خَمْسمائة وستة وسبعين ميجا بيكسل.
وتحتوي العين على أنقى عدسة في العالم.
وحجم المستقبل الضوئي في الشبكية لا تتجاوز مساحته نصف ملليمتر مربع، ويميز بها بين عشرة ملايين درجة لونية بأبعادها المختلفة، إنَّه إعجاز وخلق إلهي مبهر.
وعندما تنظر لشيءٍ أمامك ويسقط الضوء على شبكية العين، فإنه تحصل في هذه اللحظة عدة عمليات كيميائية معقدة تُوَّلِد في الأخير تيارًا كهربيًا، ينتقل هذا التيار من شبكية عينك إلى دماغك عبر أسلاك عصبية، والدماغ هنا يقوم بتفسير تردد هذا التيار الكهربي على أنه رؤية، وكأن الدماغ يمتلك قاموسًا متكاملاً مسبقا يُحول التيار الكهربي الذي وصل إليه إلى رؤية لما أمامَك.
شيء مدهش لو فكرتم فيه!
تخيل: هذا المخ يقبع داخل صندوق عظمي مظلم – الصندوق المظلم هو الجمجمة-.
ولا يصل لمخِك إلا تيارات كهربية.
فكيف يفسر المخ هذا التيار على أنَّه رؤية؟
كيف أعطاك الرؤية؟
هذا الإعجاز يحصل في لحظة بمجرد أن تفتح عينيك وتنظر!
ونفس الأمر بالنسبة للسمع:
حيث تدخل موجات الصوت إلى طبلة أذنك، فتُحولها طبلة الأذن من موجات إلى حركة ميكانيكية، ثم تنتقل هذه الحركة الميكانيكية عبر ثلاث عظمات صغيرة جدًا داخل الأذن الوسطى إلى الأذن الداخلية والتي تحولها إلى تيار كهربي.
هذا التيار الكهربي سوف ينتقل الآن من الأذن الداخلية إلى المخ، ليبدأ المخ في تمييز هذا التيار الكهربي إلى أصوات فتسمع الصوت!
كل هذا يجري أيضًا في أقل من جزء من الثانية {وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ﴿٧٨﴾ سورة النحل.
تخيل أنَّ المخ تصل إليه كل لحظة آلاف الإشارات الكهربية من العين والأذن واللمس والتذوق والشم، ومن أعضاء الجسم المختلفة ليميز بين كل هذه الاشارات بدقة من أعجب ما يكون {هَـٰذَا خَلْقُ اللَّـهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ﴿١١﴾ سورة لقمان.
{صُنْعَ اللَّـهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} ﴿٨٨﴾ سورة النمل.
وبالتوازي مع كل هذه الإشارات التي تصل للمخ، فإن المخ يدير أيضًا عمليات النمو وعمل الأعضاء، وما لا يحصى من الحركات التي نؤديها في كل لحظة. لذلك قال بعض العلماء أنَّ: المخ هو أعقد آلة في هذا الكون.
وفي كل جزء من جسم الإنسان تعقيد مبهر مازلنا نكتشف بعضًا من عجائبه.
تخيل لكي تؤدي حركة واحدة بسيطة بإصْبَعك فإنك بحاجة لمنظومة هائلة من الوصلات العصبية الكهربية الكيميائية، التي تخرج من المخ حتى تصل إلى العضلة المطلوبة في الإصبع، حيث تتحرك الإشارة الكهربية من المخ على طول العصب ثم تتحول هذه الإشارة الكهربية في آخر العصب إلى إشارة كيميائية لتنتقل للعصب الذي يليه، ثم تتحول إلى إشارة كهربية على طول العصب وهكذا حتى تصل للعضلة.
فكل عصب تسير فيه الإشارة على شكل تيار كهربي، لكن في نهاية العصب تنتقل الإشارة الكهربية إلى العصب المجاور عبر النواقل الكيميائية، وهكذا تظل تتنقل الإشارة حتى تصل للعضلة التي تريد قبضها أو بسطها.
طريق طويل... فتخرج في النهاية الحركة التي أنت تريدها بنفس القدر والقوة والاتجاه المناسبين، كل هذا التعقيد والطريق الطويل يحصل بمجرد أن تفكر في تحريك أحد أصابعك.
شيء معجز حقا فما بالك بعشرات العضلات التي تحركها كل لحظة!
ثم تخيل ضبط الهرمونات التي تُفرَز بحسب الطلب والحاجة بضبط دقيق للغاية وحسابات حساسة لأبعد حد، فبحسب كمية السكر التي تقوم بتناولها يتم إفراز هرمون الإنسولين.
نِعم الله لا تحصى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} ﴿٢٠﴾ سورة لقمان.
من هذا الذي يُحصي نعمة واحدة من نعم الله؟
فَكِر في كل مَفصِل في جسدك وفي كل عظمة تتيح لك الحركة بقدرها!
فَكِر في المفاصل الملساء التي تتيح لك الحركة بلا احتكاك بين العظام ولا تآكل، هذه المفاصل التي أودع الله فيها سائل كالشحم الذي يوضع في مفاصل الآلات!
فَكِر في نعم الله متأملاً شاكرًا لأنعمه سبحانه.
الدرس السادس عشر الفرق بين الوسواس والشبهة
1- ما معنى الشبهة؟
ج: الشبهة هي: مسألة لا يفهمها المسلم في دينه، وقد تلتبس عليه إلى أنْ يجد لها ردًا.
2- لماذا هناك شبهات حول بعض الأمور في الإسلام؟
ج: شاء الله سبحانه أن تكون هناك أمور مشتبهة في مسائل فرعية من الدين، حتى يبتعد بها من يريد الباطل عن طاعة ربه.
قال الله عز وجل {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} ﴿٧﴾ سورة آل عمران.
فالذي في قلبه زيغ سيتبع هذه الشبهات ابتغاء الفتنة وابتغاء البعد عن الله.
فقد شاء الله بحكمته أن يكون هناك إيمان وكفر {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} ﴿٢﴾ سورة التغابن.
فيتعلق بهذه الشبهات مَن يريد الكفر وينشغل بها عن دينه وعن صلاته وعن إيمانه.
أما المؤمن فإنه يتبع الأدلة المحكمة الثابتة والتي هي (أُمُّ الْكِتَابِ) ولو وَجد شيئًا لا يفهمه فإنه يسأل عنه، لكنه لا ينشغل بما لا يفهمه عن دينه أو عن صلاته.
فلا ينشغل عن دينه بما لا يفهمه إلا مَن في قلبه مرض {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِهَـٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ} ﴿٣١﴾ سورة المدثر.
ومن حِكمة وجود الأمور المشتبهة أيضًا أنَّ هذه المتشابهات يتمايز بسببها أهل العلم وأهل البصيرة في دين الله، فترى العالِم يعرف جواب الأمور المشتبهة ويتميز بها عن الشخص العامي الذي لم يتعمق في الدين ولم يدرسه، فيرفع الله الذين أوتوا العلم درجات.
3- ما هي الوساوس؟
ج: الوساوس هي أفكار مزعجة تقفز فجأةً إلى عقل الإنسان.
مثال على ذلك: عندما تذهب للصلاة قد تشعر أنَّ ريحًا خرجت منك، أو أنَّ قطرة بول قد نزلت للتو، وفي الواقع هذه وساوس ليست لها حقيقة وعلى المسلم ألا يلتفت إليها.
وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم كيف نتعامل مع هذه الوساوس، فأرشدنا إلى: عدم الانصراف عن الصلاة بمجرد الشعور بخروج الريح إلا أن نسمع صوتًا أو نشُم ريحًا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْفَتِلْ - أوْ لا يَنْصَرِفْ - حتَّى يَسْمع صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا".[37]
فيجب تجاهل هذه الوساوس وعدم الالتفات إليها حتى تختفي ذاتيًا.
وهناك نوع آخر من الوساوس وهي التساؤلات التي تقفز إلى الذهن فجأةً عن الدين وعن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الذات الإلهية وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار وغير ذلك، وعادةً تكون هذه الوساوس عبارة عن تساؤلات غريبة تزعج صاحبها وتجعله يشعر أنَّ إيمانه في خطر.
وهذه الوساوس لا شيء فيها على الإطلاق بل هي دليلٌ على أنَّ صاحبها على صريح الإيمان، فصاحبُها منزعجٌ منها ويريد التخلص منها وهذا دليلٌ على إيمانه، جاء أشخاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: " إنَّا نَجِدُ في أنْفُسِنا ما يَتَعاظَمُ أحَدُنا أنْ يَتَكَلَّمَ به، قالَ: وقدْ وجَدْتُمُوهُ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: ذاكَ صَرِيحُ الإيمانِ".[38]
فهذه الوساوس هي صريح الإيمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
4- كيف نتعامل مع هذه الوساوس؟
ج: لو تعاملت مع الوساوس كما تتعامل مع الشبهات فبدأتَ البحث عن جوابٍ لها فإنها بهذا تزداد، وهذه طبيعة الوساوس أنها تزداد بالاهتمام بها والرد عليها والانشغال بها والتركيز معها.
لأن الوساوس هي أسئلة مزعجة تظهر فجأةً بدون سابق إنذار، وهذه الأسئلة تكون عبارة عن فروض عقلية بلا معنى فعلاجُها في كل الأحوال هو: التجاهل التام وليس الاهتمام، وسوف تختفي ذاتيًا مع الوقت.
فالوسواس يستمد وجودَه من انزعاجك منه، ويحاول الوسواس أنْ يقنعك بأهميته أو أنه يؤثر على إيمانك بالله، حتى تنشغل به فاحذر من ذلك وتعامَل معه بتجاهلٍ تام وسوف ينتهي.
إذن يجب تجاهل الوسواس، وهذا ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ باللَّهِ ولْيَنْتَهِ".[39]
ومعنى الانتهاء هو: التجاهل التام للفكرة الوسواسية وعدم الالتفات إليها وعدم الاهتمام بها مهما كانت مزعجة ومتكررة، وسوف تختفي.
الدرس السابع عشر العلم التجريبي والإنسان
1- كيف نشأ العلم التجريبي؟
ج: نشأ العلم التجريبي كالفيزياء والكيمياء والأحياء بسبب الإيمان بالله.
فنتيجةً للإيمان بالله آمن الناس بأن هذا العالم مُرتَّب ومُنظَّم وفيه تصميم، فبدأ الناس ينظروا في تصميم العالم وقوانينه فظهر العلم التجريبي.
إذن فبداية العلم هي الدين.
وطالما أنَّ العالَم قد خلقه الله فلابد أن يكون هذا العالم ممتلئًا بقوانين متقَنة عجيبة تحكمه، وطالما أننا مخلوقون مكلفون إذن يمكننا استيعاب هذه القوانين التي خلقها الله، لأن هذا الاستيعاب للقوانين يترتب عليه الإقرار ببديع الخلق وعجيب الصنع... فتوقَّع الناس وجود القوانين والنُظم العجيبة في الكون، ومن هنا بدأ البحث في العالَم فظهر العلم التجريبي.
2- هل العلم التجريبي كافٍ لجواب كل سؤال؟
ج: لا.
العلم التجريبي يجيد جواب الأسئلة الدنيوية... يجيد توفير ما نحتاج إليه ماديًا كالدواء والطائرة والقطار.
لكن أهم ما يشغل الإنسان لا يملك العلم التجريبي جوابه.
فالعلم التجريبي لا يعرف جواب سؤال: لماذا نحن هنا؟ ماذا بعد الموت؟ لماذا يجب أن نكون على أخلاق؟
هذه أسئلة جوابها فقط داخل ميدان الإيمان بالله.
3- ما معنى الإنسان؟
ج: الإنسان هو كائن مخلوق لله.
مخلوق ليعبد الله.
قال الله عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ﴿٥٦﴾ سورة الذاريات.
فأنت لا تعرف معنى وجودك ولا غاية وجودك إلا بعبادة الله عز وجل.
ولذلك لو كفر الإنسان بالله فلن يعرف معنى وجوده، وسيعاني من الشعور بالضياع واللامعنى والعبث التام {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا } ﴿١٢٤﴾ سورة طه.
وسيشعر الإنسان بأنه بلا قيمة في هذا العالم، لذلك قال الله عز وجل {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} ﴿١٣٠﴾ سورة البقرة.
فإذا ابتعد الإنسان عن وحي الله عز وجل سَفِه نَفسه ولم يعرف قدرها.
فالإنسان لا يعرف مكانه في العالم وقيمته في الوجود إلا بعبوديته لله.
4- ما هو شكل العالم بدون الإيمان بالله؟
ج: بدون الإيمان بالله سيصبح الإنسان كائنًا ماديًا يعيش ويموت بلا معنى ولا قيمة، ولن يكون هناك فرق بينه وبين الأحجار أو الحيوانات، ولن يعرف معاني الصدق ولا الخير ولا الشر ولا الصواب ولا الخطأ.
لأن هذه المعاني لا وجود لها في العالم المادي ولا في عالم الحيوانات، فأنت إذا نظرت إلى الحائط الذي خلفك: هذا الحائط لا يعرف معاني الخير والشر ولا معاني الصواب والخطأ، وكذلك الحيوانات لا تعرف هذه الأمور، وكذلك مخك يتشكل من نفس الذرات التي يتشكل منها العالم من حولك، فما الذي يميزك عن الحائط وعن الحيوان؟
ربما ستقول يميزني العقل؟
لكن لا وجود للعقل في العالم المادي، ولا يوجد عضو في الجسم اسمه العقل.
إذن لن تستطيع الدفاع عن العقل ولا عن القيم ولا عن العدل أو الخير أو الأخلاق من خلال النظرة المادية للعالم وستكون أنت نفسك عبارة عن ذرات ملتحمة بلا معنى، فمعاني الأخلاق والقيم والعقل لا توجد في هذا العالم المادي ولا تنتمي إلى عالم الطبيعة أو عالم الذرات أو عالم الحيوانات وإنما تنتمي فقط إلى عالم التكليف الإلهي وعالم الوحي وعالم الدين، فلو ابتعد الإنسان عن الدين وأنكر الله عز وجل سيعيش أشبه فعليًا بالحيوانات بل والجمادات في كل سلوكياته ولذلك قال الله عز وجل {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ﴿١٧٩﴾ سورة الأعراف.
فلا يعرف الإنسان مصدر الأخلاق ولا معنى التكليف ولا معنى العقل تلك الأمور التي يشعر بها في داخله، إلا إذا كان يؤمن بالله والأنبياء والكتب واليوم الآخر.
لذلك فالإيمان بالله هو ضرورة لتعرف معنى وجودك وتعرف غاية حياتك، وتعرف لماذا أنت يجب أن تكون على أخلاق، وتعرف مصدر الشعور بالتكليف بداخلك، وتعرف أنك عاقل.
فكل هذا تفهمه وتعرفه فقط إذا آمنت بالله واتبعت الوحي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
5- كيف يبتعد الإنسان عن الإيمان بالله؟
ج: الشهوات والمعاصي هي بداية أي فتنة وأي بُعد عن الله عز وجل.
فالشهوات تجعل الدنيا تكبر في عقل الإنسان فينسى آخرته ويزداد ركونًا إلى الدنيا فيضعف مع الوقت، ويُذنب ولا يتوب، وتكثر المعاصي ولا يستغفر ويرجع، فتكون عاقبته أنه يبتعد عن الله شيئًا فشيئًا.
ولذلك قال الله عز وجل {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ﴿٢٨﴾ سورة الكهف.
فمن يتبع هواه يُفتن {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ} ﴿٢٦﴾ سورة ص.
ومن يسير خلف الذنوب والهوى والإهمال في الصلاة ولا يتوب يهلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وثلاث مهلكات: هوىً متبع وشحٌ مطاع وإعجابُ المرء بنفسه".[40]
والحل للذنوب والبعد عن الله يكون بـ: العودة للخضوع لله عز وجل والمبادرة بالإنابة، والتوبة والاستغفار والإقلاع عن هذه الذنوب، وإذا أذنب العبد المسلم يستغفر ويعزم ألا يعود للذنب مرةً أخرى، فإذا ضَعُف مرة ثالثة يستغفر ويتوب ويعزم ألا يعود، وهكذا كلما أذنب استغفر وتاب لربه وعزمَ ألا يعود إلى الذنب، بهذا يتوب الله عليه ولا تضره معصية.
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٣٥﴾ أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿١٣٦﴾} سورة آل عمران.
الدرس الثامن عشر أسئلة قد تَرِد إلى ذهنك!
السؤال الأول: لماذا هناك شر في العالم ولماذا هناك حروب وزلازل وأمراض؟
ج: الشر موجود لأننا مُكلفون، فالشر والبلاء والأوجاع لأننا في عالم اختباري.
قال ربنا سبحانه {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} ﴿٣٥﴾ سورة الأنبياء.
فالخير والشر والبلاء والنعم لأنك مُكلف، ولأنك مُطالب بالصبر على البلاء والشر والمرض ومطالب بشكر الله على النعم التي أنت فيها، وهذه غاية وجودك هنا في هذا العالم، قال ربنا سبحانه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} ﴿٢﴾ سورة الملك.
فبعض الناس إذا أصابه بلاء يصبر ويؤمن أنَّ هذا قدَر الله، وآخر إذا أصيب ببلاء أو مرض أو فتنة انقلب على وجهه وضَعُف إيمانه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ﴿١١﴾ سورة الحج.
فنحن مكلفون مُختبرون وعلينا أن نصبر وأن نشكر الله على نعمِه.
وكل تقدير الله وإن كان في ظاهره أذىً ففيه خير وحكمة من الله، انظر مثلاً إلى أفعال الخضر مع موسى عليه السلام فهذه الأفعال ظاهريًا مُنكرة وغير مستساغة، لكنها تكتنف على خيرٍ عظيم.
فالله يقدر بحكمته أشياء قد نراها صعبة لكن في عمقها الخير الكبير {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} ﴿٦٨﴾ سورة القصص.
فكل تقدير الله خيرٌ لك في الدنيا والآخرة.
انظر للأذى الشديد الذي يتعرض له المجاهد في سبييل الله، ومع ذلك عندما يرى من نعيم الله الذي أعده الله له فإنه يُحب أن يرجع إلى الدنيا ليعاني من نفس الأذى بسبب ما رأى من نعيم الله في الجنة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا وله ما علَى الأرْضِ مِن شيءٍ إلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أنْ يَرْجِعَ إلى الدُّنْيا، فيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِما يَرَى مِنَ الكَرامَةِ".[41]
فمن تَدَّبرحكمة الله سيرى عجيب تقديره في كل شيء.
وكثير من الناس ينزل بهم البلاء فيعودون إلى الله ويصبحون من الصالحين فسبحان الله العظيم وبحمده.
ويجب على المسلم أن يؤمن بقضاء الله ويستسلم لكل أقدار الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم "وتؤمن بالقدر خيره وشره".[42]
ومن لم يؤمن بالقضاء والقدر فهو من أهل النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله، ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم: أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلت النار".[43]
فالإيمان بالقضاء والقدر هو دين المسلم!
السؤال الثاني: لماذا ندعو الله وتتأخر إجابة الدعاء أحيانًا؟
ج: في الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، بدأ كلُ واحدٍ منهم يدعو الله عز وجل بخير ما كان يعمل:
فأولهم: كان بارًا بوالديه جدًا إلى درجة أنَّه ظل واقفًا بإناء اللبن حتى الصباح ليشربا منه.
والثاني: انصرف عن الزنا بعد أن تهيأت له أسبابه.
والثالث: حفظ أجرة العامل الذي كان يعمل عنده... حفظ هذه الأجرة لسنوات ونمَّاها له حتى أصبحت جبالاً من الكنوز وأداها للعامل كما هي.
فالشاهد من هذا الحديث أنَّ الصخرة لم تنزاح إلا قليلاً مع دعوة كلِ واحدٍ منهم ومع انتهاء دعاء الثلاثة انزاحت الصخرة فخرجوا يمشون.
فالدعاء يحتاج للأخذ بالأسباب، وقد يحتاج لأعمال إيمانية.
فالأنبياء ومن بعدهم كانوا يدعون الله وهم على ظهور الخيل وقد أخذوا بالأسباب وبذلوا جهدهم.
ونوح عليه السلام دعا ربه على قومه بعد 950 عامًا من الدعوة إلى الله والعمل والجهد الدعوي.
فالله عز وجل قال {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} لكن قال أيضًا {وَأَعِدُّوا}.
فخذ بالأسباب وادع الله عزَّ وجل.
فالدعاء يشمل المسألة والطلب ويشمل أيضًا الأخذ بالأسباب التي تقتضي حصول المطالب.
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدُّعاءُ هوَ العبادةُ".[44]
وهناك معاصٍ تمنع من إجابة الدعاء مثل الأكل الحرام.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟".[45]
فعلى المسلم أن يتحرى المال الحلال.
وكذلك على المسلم أن يتأدب في الدعاء مع الله عز وجل فيدعوه بتضرع، قال الله تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ﴿٥٥﴾ سورة الأعراف.
والمسلم لا يتعجل إجابة الدعاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يستجاب لأحدكم ما لم يَعجل يقول دعوت فلم يُستجب لي".[46]
ولما دعا موسى وهارون على فرعون قال الله لهما {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} ﴿٨٩﴾ سورة يونس.
مع أنَّ هلاك فرعون وشيعته حصل بعد هذا الدعاء بزمن.
كذلك إبراهيم دعا ربه أن يبعث رسولاً في مكة {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ} ﴿١٢٩﴾ سورة البقرة.
وقد بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الدعاء بزمن طويل جدًا.
فنحن ندعو الله عز وجل، وهو سبحانه يجيب عبده بحكمته وعلمه متى شاء وكيف شاء.
والله بفضله يجيب دعاء المضطر في أي وقت وفي أي مكان ولو كان كافرا {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} ﴿٦٢﴾ سورة النمل.
وليس أحد على الأرض إلا وقد جرَّب دعاء المضطر.
فعلينا الدعاء والأخذ بالأسباب والرضا بقضاء الله وحسن الظن بالله وهذا حال المسلم.
السؤال الثالث: ما هي أدلة صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
ج: أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم لا حصر لها.
وإذا نظرتَ في سيرته صلى الله عليه وسلم ووجدته صادقًا وقد اشتهر بالصدق باعتراف أشد الناس له عداوةً، ولم يُرم بكذبٍ ولا فجورٍ، ثم وجدته يتحدى أهل الدنيا بالقرآن فما يجدون إلا السيف ليسكتوه به، فلابد أنه نبيٌ إذن.
فالثبات على الصدق مع توافق العقيدة التي جاء بها مع عقيدة الأنبياء السابقين، مع كثرة الأدلة والآيات على نبوته، مع الإخبار بالمغيبات، مع تأييد الله له، مع بشارة الأنبياء السابقين به، مع فطرة الحاجة لنبوته، مع كمال نبوته وإبهار الشرع الذي جاء به، مع انتصار دينه مع هذا الكتاب المعجز الذي نزل عليه بكل ما فيه من آيات مبهرات، كل هذا يفيد التواتر القطعي بصحة رسالته صلى الله عليه وسلم.
هذا بالإضافة إلى معجزاته صلى الله عليه وسلم المادية والغيبية والتي تزيد على الألف بكثير والعهد بها قريب وناقلوها هم أصدق الخلق وأبرهم.
وهؤلاء الرواة الذين نقلوا إلينا هذه المعجزات كانوا لا يجيزون الكذب فيما دقَّ، فكيف يكذبون عليه وهم يعلمون أنَّ مَن كذب عليه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، كما حذّر هو صلى الله عليه وسلم.
فمعجزاته صلى الله عليه وسلم ثابتة، وبعض معجزاته شهدها آلاف الصحابة وبعضها رواه العشرات منهم فكيف يجتمعون على الكذب في كل هذا؟
أمثلة يسيرة من معجزاته صلى الله عليه وسلم:
أخبر صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ من الليالي بأن ريحًا شديدة ستهُب، ونهى الناس عن القيام، فقام رجل فحملته الريح وألقته في مكان بعيد عن مكانه.[47]
وأخبر صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وكبَّر عليه أربعًا.[48]
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة عمرَ وعثمانَ وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين، وأنهم لن يموتوا على فُرُشِهم كما يموت الناس.
فقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل ذات يومٍ هو وأبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعليُ وطلحةُ والزبيرُ، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجبل: "اهدأ، فما عليك إلا نبيٌ أو صديقٌ أو شهيد".[49]
فحكم لنفسه بالنبوة ولأبي بكر بالصدِّيقية وللباقين بأنهم سيكونون شهداء، وحصل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وهناك 150 حديثًا دعا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه وأُجيب في الحال والناس يشهدون![50]
وحيث سأل أهلَ مكَّةَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُريَهُم آيَةً، فأراهُمُ القمَرَ شِقَّينِ، حتى رأوْا حِراءً بَينهُما، وهذا الحديث متواتر، أي أنه في أعلى درجات الصحة.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة القمر التي فيها معجزة شق القمر، كأن يقرأ هذه السورة في المجامع الكبار كالجُمع والأعياد ليُسمع الناس ما فيها من معجزاته صلى الله عليه وسلم وكان يستدل بها على صدق نبوته.
ثم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن آدم هو آخر الخلق من الكائنات الحية "وخَلَقَ آدمَ بعدَ العصْرِ من يومِ الجمعةِ ؛ في آخِرِ الخلقِ".[51]
وهذه الحقيقة العلمية صارت الآن ثابتة، فكيف علِم صلى الله عليه وسلم بأنَّ آدم عليه السلام آخر الكائنات ظهورًا على الأرض بعد ظهور النبات والحيوان؟
وقال صلى الله عليه وسلم: " يوشِكُ يا معاذُ إِنَّ طالَتْ بِكَ حياةٌ أنْ تَرَى ما هَهُنا قَدْ مُلِئَ جِنانًا".[52]
والحديث كان في منطقة تبوك، واليوم منطقة تبوك جنان فيها من كل الثمرات.
وانظر لقول الله عز وجل {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} ﴿١٢﴾ سورة الإسراء.
فمحونا آية الليل: أي أنَّ القمر وهو آية الليل كان مضيئًا ثم مُحي ضوؤه.
وهذا بالفعل ما فسّر به الصحابة الآية الكريمة فقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره أنَّ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، وهو آية الليل، فمُحي".
والعجيب أنَّ هذا ما انتهى إليه العلم اليوم، فقد نشرت ناسا على موقعها الرسمي وقناتها الرسمية الحقبة الأولى من عمر القمر وكان فيها مضيئًا متوهجًا.[53]
فقد ثبت بالتواتر وقوع الآيات والإخبار بالمغيبات التي لا حصر لها على يد رجلٍ واحدٍ صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل جاء بما عليه النبيين من قبله، وكان مؤيدًا من عند الله ولم يَمت حتى تمت الشريعة وكَملت.
فالقطع بأنه نبيٌ هو رشاد العقل!
فآياته صلى الله عليه وسلم الغيبية تزيد على الألف.
وآياته المعرفية تملأ موسوعات.
ونقَلَة المعجزات هم صحابته أصدق الخلق وأبّرهم بعده.
وبعض معجزاته شهدها آلاف الصحابة مثل نبع الماء من بين أصابعه الشريفة حتى توضأ منه وشرب ألف وخمسمائة صحابي، والحديث متواتر ورواه البخاري ومسلم.
وتكثير الطعام اليسير ليَطعم منه الجيش العظيم وهذا أيضًا جائت به الأخبار المتواترة عن الصحابة، وقد ذكر البخاري وحده معجزات تكثير الطعام على يد النبي صلى الله عليه وسلم في خمسة مواضع من صحيحه.[54]
فإذا كانت أدلة الصدق ثابتة والمعجزات حافلة على نبوته صلى الله عليه وسلم، فأنى لعاقل أن يُكذب بكل هذا؟
والعجيب أن كبار الصحابة أسلموا فقط لكون محمد صلى الله عليه وسلم صادقًا، فقد أسلموا قبل أن يَروا المعجزات وقبل أن يَروا تأييد الله لهذا الدين، وقبل أن يروا الكثير من براهين صحة الإسلام التي ظهرت لاحقًا، فقط أسلموا لأنهم علموا أنه صلى الله عليه وسلم صادق.
وهذا الموقف من كبار الصحابة هو موقف عقلي حكيم، فصِدق النبي صلى الله وعليه وسلم دليل كافٍ مستقل لإثبات صحة النبوة... وهذا لأن: الشخص الذي يدَّعي النبوة إما أن يكون: أصدق الناس، لأنه نبيٌّ... فالنبي هو أصدق الناس.
وإما أن يكون: أكذَبَ الناس، لأنه يفتري كذبًا في أعظم الأمور شأنًا.
ولا يختلط أصدق الناس بأكذب الناس إلا على أجهل الناس.[55]
فما أيسر أن يستطيع العاقل أن يُميز بين أصدق الناس وأكذب الناس.
وقد علم الصحابة من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه أصدق الناس، فهذا كان دليلاً كافيًا على أنه نبيٌ من عند الله.
وقد اعترف المشركون في أول يومٍ من بعثته صلى الله عليه وسلم أنه لم يكذب قط، فقالوا له: "ما جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا".[56]
بل لقد عجَز الكُفار عن إظهار كَذِبةٍ واحدة في كل حياته صلى الله عليه وسلم، ولذلك أنكر القرآن عليهم كفرهم مع علمهم بحاله هذا قبل بعثته فقال ربنا سبحانه{أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} ﴿٦٩﴾ سورة المؤمنون.
فحال النبي وسيرته دليل مستقل على أنه نبي.
صلى الله عليه وسلم.
[1] صحيح مسلم، ح:2658.
[2] صحيح البخاري، ح:4477.
[3] السلسلة الصحيحة، ص:951.
[4] صحيح سنن أبي داود، ح:3251.
[5] تخريج المسند، شعيب الأرناؤوط، ح: 1964، درجة الحديث: صحيح لغيره.
[6] صحيح الجامع، ح:6394.
[7] صحيح سنن أبي داود، ح:3910.
[8] صحيح مسلم، ح:2230.
[9] صحيح سنن أبي داود، ح:3904.
[10] مجموع الفتاوى، م1 ص 359.
[11] E. O. James, Prehistoric religion: A study in prehistoric Archeology, p. z06.
[12]السلسلة الصحيحة، 199.
[13] عن ابن عباس، رواه ابن جرير في تفسيره م1 ص54.
[14] فتح الرحيم الملك العلّام، العلامة عبد الرحمن السعدي، ص30.
[15]فتح الرحيم الملك العلّام، العلامة عبد الرحمن السعدي، ص32.
[16]المصدر السابق.
[17] المصدر السابق.
[18] فتح الرحيم الملك العلّام، العلامة عبد الرحمن السعدي، ص40.
[19] متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:5967 ومسلم، ح:30.
[20]صحيح الجامع، ح:1428.
[21]متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:2891، ومسلم، ح:1009.
[22] صحيح سنن أبي داود، ح:4985.
[23] صحيح سنن النسائي، ح:3939.
[24] صحيح سنن النسائي، ح:3140.
[25] متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:2697 ومسلم، ح: 1718.
[26] متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:2697 ومسلم، ح: 1718.
[27] صحيح مسلم، ح:867.
[28] التحفة العراقية في الأعمال القلبية، ص12.
[29] الاعتصام، الشاطبي، م1 ص100.
[30] متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:16، ومسلم، ح:43.
[31] صحيح سنن الترمذي، ح:2450.
[32] صحيح مسلم، ح:2877.
[33] العلوم والحكم، ابن رجب، ص409.
[34] صحيح مسلم، ح:2577.
[35] صحيح سنن الترمذي، ح:2465.
[36] صحيح سنن الترمذي، ح:2516.
[37] صحيح البخاري، ح:137.
[38] صحيح مسلم، ح:132.
[39] متفق عليه... البخاري، ح:3276، ومسلم، ح:134.
[40] صحيح الجامع، ح: 3039، درجة الحديث: حسن.
[41] متفق عليه... أخرجه البخاري، ح:2817، ومسلم، ح:1877.
[42]صحيح مسلم، ح: 8.
[43] سنن أبي داود، ح: 4699.
[44] صحيح الترمذي، ح:2969.
[45] صحيح مسلم، ح:1015.
[46] صحيح البخاري، ح:6340.
[47] صحيح مسلم، ح: 3319.
[48] صحيح البخاري، ح:1333.
[49] صحيح مسلم، ح:2417.
[50] جمع هذه الأحاديث سعبد ين عبد القادر باشنفر، في كتابه دلائل النبوة، والكتاب من إصدارات دار ابن حزم.
[51] صحيح الجامع، 8188.
[52] صحيح مسلم، ح: 706.
[53] http://www.nasa.gov/mission_pages/LRO/news/vid-tour.html
https://www.youtube.com/watch?v=UIKmSQqp8wY
[54] البخاري (1217)، البخاري (2618)، البخاري (3578)، البخاري (4101)، البخاري (6452). وكلها أحداث ووقائع مختلفة متباينة وهذا في البخاري وحده!
[55] ثبوت النبوات عقلًا ونقلًا، ابن تيمية، دار ابن الجوزي، ص573، وبمعناه في نفس المصدر ص318.
[56] صحيح البخاري، ح:4971.