الضلالة بعد الهدى أسبابها وعلاجها
التصنيفات
الوصف المفصل
- الضلالة
بعد الهدى أسبابها وعلاجها
- مقدمة
- من أسباب الضلالة بعد الهدى الكبائر
- الكبائر لابن القيم
- فوائد العمل بمواعظ القرآن الكريم
- (ثواب من أطاع الله ورسوله)
- باب حكم المرتد
- أضرار المعاصي
- السبع المهلكت والجرائم الموبقات
- من أسباب العذاب
- نواقض الإسلام
- حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم([41])
- خطر السفر إلى بلاد الكفر
- التحذير من مخالطة الأشرار
- أسباب المغفرة([44]) وهي علاج الضلالة بعد الهدى
- حلاوة الإيمان([64])
- طريق الإيمان
- الهوامش
الضلالة بعد الهدى أسبابها وعلاجها
تأليف الشيخ عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
رحمه الله تعالى وأسكنه فردوسه الأعلى
اعتنى به وقدم له تلميذ المؤلف:
عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من أسباب اطمئنان القلب وراحة النفس أن يسير العبد في جميع أموره على ما يرضي الله تعالي: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{.
فإذا كان العبد كذلك عاش بخير ومات بخير وبعث بخير. ذلك أن نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم تقطف ثمارها في الدنيا والبرزخ والآخرة.
شاهد ذلك في قوله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة{.
وقوله: }يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ{.
وقوله: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ{ والنصوص في الباب كثيرة معلومة.
ولما كانت هذه النعمة -أعني الهداية- فيها نجاة للعبد وفوز عظيم وعاقبة حميدة، سخر الشيطان وسائله وأجلب بخيله ورجله وحاول جاهدا في مشاركة المهتدين في أموالهم وأولادهم وزين لهم الوعود الكاذبة والأماني المضللة. ومع هذا فقد حفظ الله لهم هدايتهم وبصرهم بمداخل الشيطان ومكائده فما ازدادوا إلا ثباتًا وتمسكًا }إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا{.
لكن قومًا من الناس فتنوا بما ألقى عليهم الشيطان من الشبهات وزين لهم من الشهوات فلوثوا جوارحهم بالإثم ولطخوها بالمعاصي ومازال الشيطان بهم حتى أخرجهم من طريق الهداية إلى طريق الضلالة بعد أن كانوا مستبصرين }وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{.
فاالله نسأل أن يهدينا صراطه المستقيم وأن يحينا ويميتنا ويبعثنا عليه إنه سميع مجيب.
تعريف بالكتاب:
هذا الكتاب الذي بين يديك عبارة عن مجموعة كلمات جامعة ومواعظ نافعة تتعلق بأسباب الضلالة وموجباتها، ويتخلل ذلك أحيانا نوع من التوسع قليلا في بعض مستلزمات الموضوع كأضرار المعاصي ثم يعقب ذلك فصل مستقل عن أسباب المغفرة وقد أطال المؤلف رحمه الله تعالى النفس فيه، لأهميته وقبل الخاتمة أورد رحمه الله تعالى كلاما لأحد أهل العلم عن حلاوة الإيمان نظرا لأهمية هذا الجانب في الكلام عن مسألة الضلالة والهدى.
ثم ختم رحمه الله تعالى هذه الرسالة بملخص لأهم النتائج التي تضمنتها هذه الرسالة.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
هذه الرسالة....
كان الشيخ رحمه الله تعالى حريصًا عليها وكلمني مرارًا تارة مشافهة وتارة مهاتفة وتارة مكاتبة بالإسراع في طبعها وقد مكثت عندي فترة في سبيل البحث عن دار نشر تتولى طبعها وكان الشيخ رحمه الله تعالى يطلب ارجاعها إليه حرصًا عليها.
وأرسل إلي ورقة في أول يوم من شهر رمضان - 1414هـ - بطلب الرسالة فزرته في اليوم السابع من رمضان بعد صلاة التراويح وأخبرته أن سبب التأخير أن الرسالة أخذتها دار للنشر لطبعها ثم عدلوا عن ذلك وبقيت عندهم وقد طلبتها منهم فوعدوني بارجاعها.... وكان هذا آخر العهد بشيخنا عبد الله رحمه الله تعالى.
· شيء من ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى:
قد كفانا المؤلف رحمه الله تعالى سياق ترجمته العلمية وقبل سياق كلامه رحمه الله تعالى.
أرى لزاما علي أن أذكر شيئًا يسيرًا من خلال ما يجول في نفسي عن المؤلف رحمه الله تعالى ردا لمعروفه علي فأقول وبالله التوفيق:
وهو شيخي الكريم المربي الفاضل والمتواضع الزاهد صاحب التصانيف الكثيرة النافعة([1]) أبو محمد عبد لله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله عرفته واحببته من كتبه ورسائله.
وأنعم الله على بمعرفته وزيارته من قرابة عشر سنين أو تزيد فلما جالسته وسمعت كلامه ونصائحه زادت محبتي له وتوطدت علاقتي به وكنت أتردد على زيارته كثيرًا.
ويعلم الله أنني كنت أتأثر من مجالسته لما أرى ويرى غيري من بشاشته وترحيبه وإصراره على خدمة أضيافه بنفسه. كل هذا مع ما يعاني من الأمراض المزمنة فكان يعاني من مرض السكر والضغط والقلب.
وكان رحمه الله تعالى عجيبا في صبره على أمراضه الكثيرة وكثيرا ما كنت أسأله عنها فكان يجيبني بعبارة يرددها كلما سألته وهي قوله: «إخبار لا شكوى» ثم يبدأ في إخباري عن نتائج العلاج وأثره عليه.
- كان الشيخ رحمه الله تعالى إذا زرته يسأل كثيرًا عن أخبار مشائخنا وخاصة عن سماحة شيخنا الوالد عبد العزيز بن باز وعن آخر ما نزل في الأسواق من الكتب والرسائل.
- ولا أحصي عدد ما أعطاني من الرسائل والكتيبات العلمية التي قام بإعدادها وجمعها.
إضافة إلى تلك الرسائل الشخصية إلى بعض المسؤولين والدوائر ودور النشر والتي يطلب فيها إعادة طبع بعض رسائله الكثيرة وقد تم له بفضل الله شيء من ذلك.
- لم يشتهر للشيخ رحمه الله تعالى درس معلوم بل كان بعض الطلاب العلم يترددون عليه في منزله ويقرأون عليه. ولعل عذر الشيخ رحمه الله تعالى في ذلك أمراضه الكثيرة التي أضرت بصحته كثيرًا. الله أسأل أن يجعلها سببا في مضاعفة درجاته عند الله.
- وبكل حال: فما صنفه وجمعه من الرسائل الكثيرة حصل به من النفع والخير ما لا يحصل بعشرات الدروس والمحاضرات.
- ولإن كان ابن الجوزي يقول عن شيخه عبد الوهاب الانماطي: «كنت أقرأ عليه وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته وانتفعت به ما لم انتفع بغيره»([2]).
فأقول أما عن شيخي عبد الله:
لقد استفدت من تواضعه وبشاشته ولين جانبه وزهده أكثر من علمه.
وأخيرا:
هو الموت قد فرق الأحباب سهمه | ||||
ولكن رب الموت لابد جامع | ||||
فرحم الله شيخنا واسكنه فردوسه الأعلى وجمعنا به في دار كرامته آمين يا رب العالمين.
تلميذ المؤلف
عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان
الرياض 12/10/1414 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة المؤلف([3])
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
بناء على طلب من تعينت إجابته عن ترجمة حياتي العلمية والعملية أقول مستعينا بالله تعالى ومتحدثا بنعمته أنا عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله من قبيلة النواصر من بني تميم ولدت في مدينة المذنب من مدن القصيم عام 1354هـ تقريبًا ودرست في الكتاتيب على الشيخ عبد الرحمن الصالح المطلق رحمه الله مبتدء بالقرآن الكريم. ثم حفظت القرآن الكريم على والدي رحمه الله تعالى عن ظهر قلب ثم سافرت إلى الرياض عام 1368هـ لطلب المعيشة حتى أتيحت لي الفرصة لطلب العلم عام 1374هـ فدرست على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله في مسجده في مدينة الرياض بحي دخنة مع جماعة من الطلبة وفي عام 1375هـ فتح معهد إمام الدعوة العلمي فالتحقت به ودرست فيه على عدد من المشايخ منهم الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري المكنى (أبو حبيب) والشيخ محمد بن عباد مؤلف كتاب «دواء القلوب» رحمه الله والشيخ إسماعيل الأنصاري والشيخ حماد الأنصاري والشيخ سعد الفالح إمام جامع الملك عبد العزيز في المربع آنذاك والشيخ عبد الله بن حسن القعود والشيخ فهد بن عبد الرحمن الفهد (الحمين) وفي عام 1376هـ تزوجت وولد لي ابنان هما الشيخ محمد القاضي حاليا بالمحكمة الكبرى بالرياض وفقه الله والثاني أحمد أصلحه الله وأربع بنات. درست في معهد إمام الدعوة العلمي وتخرجت منه عام 1379هـ والتحقت بكلية العلوم الشرعية وتخرجت منها عام 83 - 1384هـ وبعد ذلك درست في المعهد العالي للقضاء ونلت منه درجة الماجستير عام 1399هـ في الفقه المقارن.
أما ما يتعلق في مجال العمل فقد عينت بعد التخرج من كلية الشريعة مدرسا في مدينة حائل في المرحلة المتوسطة عام 1384هـ وفي عام 1385هـ نقلت إلى مدينة بريدة مدرسا في نفس المرحلة وفي عام 1386هـ نقلت إلى مدينة الرياض مدرسًا في نفس المرحلة وفي عام 1403هـ نقلت إلى المرحلة الثانوية إلى حال التاريخ 1408هـ([4]).
أما ما يتعلق في مجال التأليف فكنت في البداية أكتب كلمات في مجال الوعظ والإرشاد فيما أرى المجتمع بحاجة إليه وزعت على الأفراد والجماعات وأئمة المساجد وغيرهم ثم جمعت في كتاب «كلمات مختارة» وفي أثناء التدريس كتبت أسئلة وأجوبة على شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وجمعنا به في جنات النعيم الذي طبع بعنوان «الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد» ثم كتبت بحثا في مصارف الزكاة لنيل درجة الماجستير عام 1399هـ مطبوع وفي عام1402هـ تعاونت مع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف على أن أكتب بعض البحوث بالإضافة إلى زيارة مراكز الهيئة بالرياض وإرشادهم إلى الطريقة المثلى في الأمر والنهي فكتبت ما تيسر من البحوث في مواضيع متنوعة بفضل من الله ومعونة وله الحمد والشكر والثناء فصارت هذه البحوث نواة وأساسا لمؤلفاتي التي يسر الله جمعها واختصارها وتحقيقها وطبعها وتوزيعها التي اشتملت على مواضيع مختلفة فيما يتعلق بالعقيدة وأصول الإيمان وأركان الأسلام وفي معالجة واقع المجتمع المسلم.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بها وأن يجعلها حجة لي وذخرا لي عند ربي حين ألقاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
21/6/1408هـ
قال ابنه محمد: وفي ضحى يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام ألف وأربعمائة وأربعة عشر للهجرة توفي الوالد في مدينة مكة المكرمة وصلى عليه في الحرم المكي الشريف ليلة الاثنين الموافق 25/9/1414هـ ثم نقل إلى مدينة الرياض حيث مقر إقامته وصلي عليه في جامع سوق الخضار بعتيقة ودفن في مقبرة العود رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من آثار المؤلف
1. «بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين».
2. «كلمات مختارة - عقائد - أحكام - مواعظ».
3. «رسالة رمضان فضائل - خصائص - أحكام - فؤائد - آداب».
4. «الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد».
5. «البيان المطلوب لكبائر الذنوب» من كتاب «الكبائر»للإمام الذهبي ومن «إعلام الموقعين»لابن القيم (اختصار).
6. «طبقات المكلفين» لابن القيم (اختصار).
7. «الهداية لأسباب السعادة».
8. «من أحكام الفقه الإسلامي وما جاء في المعاملات الربوية وأحكام المداينة».
9. «توجيهات إسلامية» تشتمل على 12 موضوعًا جمع وتحقيق.
10. «التوضيح والبيان لشجرة الإيمان» تأليف الشيخ عبد الرحمن السعدي ومعه «مختصر شعب الإيمان» للإمام البيهقي (تحقيق).
11. «خلاصة الكلام في أحكام الصيام».
12. «من أحكام المريض وآدابه والوصايا الطيبة النافعة».
13. «مسئولية المرأة المسلمة».
14. «مصارف الزكاة».
15. «منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين» للشيخ عبد الرحمن السعدي (تحقيق).
16. «فضائل القرآن الكريم».
17. «من أضرار المسكرات والمخدرات».
18. «خلاصة الكلام في أحكام الحج والعمرة إلى بيت الله الحرام».
19. «توجيهات إلى أصحاب الفيديو وأصحاب التسجيلات».
20. «زاد المسلم اليومي».
21. «الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة».
22. «المجموع المفيد» يشتمل على إحدى عشرة رسالة.
23. «مواضيع مهمة في حياة المسلم» إحدى عشرة رسالة.
24. «مواضيع تهم الشباب».
25. «الكواكب النيرات في المنجيات والمهلكات» في تفسير آيات جامعة في التوحيد وأوصاف المؤمنين و17 حديثا جامعا.
26. «الأخوة الإسلامية وآثارها».
27. «قضايا تهم المرأة».
28. «أحكام الجنائز».
29. «مجموعة فتاوى مهمة».
30. «رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين».
31. «رسالة إلى القضاة».
32. «رسالة إلى أغنياء المسلمين».
33. «الزواج وفوائده - غلاء المهور وأضراره».
34. «أربح البضاعة بفوائد صلاة الجماعة».
35. «الحديقة اليانعة من العلوم النافعة».
36. «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».
37. «حكم وإرشادات».
38. «خطر الجريمة الخلقية».
39. «تذكير البشر بخطر الشعوذة والكهانة والسحر».
40. «إتحاف أهل الإيمان بوظائف شهر رمضان».
41. الاستقامة.
42. ثلاثة رسائل في المحبة.
43. تحذير المسلمين من الاستهزاء والسخرية بالدين.
44. طريق التعلم وأسباب فهم الدروس.
45. الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان.
46. أسباب دخول الجنة والنجاة من الناء.
47. آفات اللسان.
48. الأبيات الجامعة للمسائل النافعة.
49. بر الوالدين وصلة الرحم.
50. تذكير المسلمين بتوحيد رب العالمين.
51. تذكير الشباب بما جاء في إسبال الثياب.
52. تذكير البشر بفضل التواضع وذم الكبر.
53. التذكرة بأسباب المغفرة.
54. الرؤيا وما يتعلق بها.
55. تذكير الأنام بأحكام السلام.
56. الإمتحان الأكبر ونتيجته.
57. الإفادة فيما ينبغي أن تشغل به الإجازة.
58. الدعوات المستجابة.
59. الحياء وأثره في حياة المسلم.
60. رسالة أخوية إلى أصحاب المحلات التجارية.
61. الدرة في سنن الفطرة.
62. تذكير الخلق بأسباب الرزق.
63. معلومات تهمك.
64. اتحاف الخلق في معرفة الخالق.
65. تذكير العباد بحقوق الأولاد.
66. «عقيدة الفرقة الناجية وتوحيد الأنبياء والمرسلين».
67. «من أحكام الطهارة والصلاة».
68. «من أحكام الزكاة».
69. «من أحكام الصيام».
70. «من أحكام الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي».
71. «الجهاد في سبيل الله وأسباب النصر على الأعداء».
72. «العلم والتربية والتعليم».
73. «من السيرة النبوية».
74. «من محاسن الإسلام».
75. «حكم اللحية والغناء والتصوير في الإسلام».
76. «من مشاهد القيامة وأهوالها وما يلقاه الإنسان بعد موته».
قلت: له غيرذلك من الرسائل.
نبذة عن حياة الشيخ عبد الله الجار الله
بقلم / رفيقه في الدراسة والعمل
فضيلة الشيخ محمد العرفج أثابه الله تعالى([5])
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
وبعد: حقًّا إن الموت حق - ولو كان الخلد لأحد لكان للنبي ﷺ هذا هو سلوتي وعزائي في أخي الحبيب وصديقي الحميم والمحب في الله الشيخ عبد الله الجار الله إبراهيم الجار الله والذي عاشرته (31) عامًا زميل دراسة في الفصل في المستوى الرابع من كلية الشريعة بالرياض. وزميل تدريس بمتوسطة حطين. وزاملته كمدير ورئيس عليه بثانوية موسى بن نصير حتى طلب الاستقالة لعجزه عن العمل، وخلال هذه الأعوام الكثيرة لم تنفك صحبتنا لأنها كانت محبة في الله ولله، وما كان لله اتصل وما كان لغيره انقطع.
صاحبته هذه المدة الطويلة في السفر والحضر فكان رحمه الله نعم الصديق والصاحب والشيخ الجليل. كم كان قلبه يفيض نصحا وإخلاصا ومحبة لكل مسلم وحرصًا شديدًا على النفع العام عملا بقوله ﷺ: «خير الناس أنفعهم للناس» وكان رحمه الله يتصف بمكارم الأخلاق الفاضلة كالصبر والكرم والزهد والتواضع، ولم يستغل يومًا صحبته في التهاون أو التكاسل عن العمل. بل كان رحمه الله مثال الرجل المخلص في عمله المطيع لرؤسائه في غير معصية الله بل والنصح لرؤسائه وعدم المجاملة في الباطل بل ينصح وينبه برفق كل فئات الناس على اختلاف طبقاتهم. وهاهي ذي كتبه ومؤلفاته بيضاء. ناصعه تخاطب كل فئة من الناس وكل طبقة. وما ذلك إلا لحرصه الشديد على النصح والتوجيه والإرشاد ومع ذلك فهو متواضع يسمع لإخوانه نصائحهم أو الإشارة بتهيئة كتاب أو رسالة للطبع ثم إنه يتلمس الأساليب المناسبة للإستفادة من الكتاب أو الرسالة وإيصالها إلى الناس لتحصل الفائدة المرجوة، فأذن رحمه الله ببيع كتبه واكتفى بأخذ نسبة معينة من الكتب ثم هو يوزعها بنفسه بعيد عن التعلق بالدنيا.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجمعنا وإياه ووالدينا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
محمد بن على بن إبراهيم العرفج
إمام وخطيب جامعة العرفج بشبرا
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أباح لنا ما ينفعنا وحرم علينا ما يضرنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، أباح لنا الطيبات النافعة وحرم علينا الخبائث الضارة لأجسامنا وصحتنا وعقولنا وأموالنا رحمة بنا وإحسانا إلينا قال تعالى في وصف نبينا محمد ﷺ: }وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{ [سورة الأعراف: الآية 157] فالحلال بين والحرام بين والحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والأصل في الأشياء الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله.
وكل طيب نافع فهو مباح لنا قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{ [سورة البقرة: الآية 172] فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك، وحماية للمسلم من أن يقع فيما حرم الله عليه ورسوله رتب على بعض الجرائم حدودا تردع عنها كالقتل للقاتل والرجم للزاني المحصن - المتزوج - وقطع يد السارق وجلد الزاني البكر والقاذف وشارب الخمر، ورتب على النهي عن كثير من المحرمات الوعيد الشديد بالعذاب الأليم الذي إذا سمعه المؤمن العقل خاف وانزجر عما نهى الله عنه ورسوله؛ فكيف يقدم العاقل على لذة ساعة تعقبها الحسرة والندامة والعذاب الأليم لو أن مريضا أتى طبيبا ليعالجه فنصحه بترك بعض المأكولات اللذيذة محافظة على صحته لصدقه واستجاب له وأطاعه وامتنع عنها ومع ذلك ترى كثيرًا من الناس يعصون الله ورسوله بترك الواجبات وفعل المحرمات وهم يقرأون ويسمعون الأوامر والنواهي ويعرفون الحلال والحرام فهل الطبيب عندهم أصدق من الله تعالى؟ أم أن المرض أشد عليهم من النار؟ والواقع أن الكثير من الناس لم يدخل الإيمان بالآخرة صميم قلوبهم ولم يبلغ سويداء أفئدتهم ويدل على ذلك شدة استعدادهم لحر الصيف وبرد الشتاء وعدم استعدادهم لحر جهنم وزمهريرها، أليس قائد السيارة إذا أضاءت الإشارة الحمراء وقف عندها محافظة على نفسه وعلى سيارته وعلى سمعته؟ فلماذا لا يقف أمام أوامر ربه التي رتب عليها سعادة الدنيا والآخرة؟ ولماذا لا يقف أمام نواهيه التي رتب عليها شقاوة الدنيا والآخرة؟ فهل آمنت أيها المسلم بالله حق الإيمان فرجوت ثوابه وخفت عقابه وامتثلت أوامراه وانتهيت عن نواهيه لتفوز وتنجو؟ أم فيك صبر وجلد على النار؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ وفي الحديث «أن العبد إذا أذنب ذنبًا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن عاد عادت حتى يسود قلبه» أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح. فذلك الران الذي قال الله: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [سورة المطففين: الآية 14].
وبناء على ما تقدم ونصحًا لله ولرسوله وعباده المؤمنين فقد جمعت بعض كبائر الذنوب التي نهى عنها ورسوله ورتب عليها الوعيد الشديد بالعذاب الأليم ليتذكرها المؤمن فيخاف منها ومن سوء عاقبتها فيتجنبها ويقول كما قال المؤمنون «سمعنا وأطعنا» فيترك العادات التي كان مقيما عليها وهي مخالفة للشرع لأنه يؤمن بالله واليوم الآخر والثواب والعقاب والجنة والنار ويعلم أن الله يراه ويسمعه ويعلم ما يكنه ضميره، وأنه سوف يموت عن قريب فيجزى بما قدمت يداه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر كما قال الله تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدينا وسائر أخواننا المسلمين صراطه المستقيم وأن يثبتنا على دينه القويم وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجعلنا هداة مهتدين وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
من أسباب الضلالة بعد الهدى الكبائر
الكبائر جمع كبيرة: وهي ما فيه حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة أوجاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو نار أو تهديدا أو لعن فاعله على لسان نبينا ﷺ فإنه كبيرة وكذلك ما ورد فيه وعيد بنفي إيمان أو قيل فيه ليس منا من فعل كذا، أوتبرأ منه رسول الله ﷺ واختلف العلماء في عدد الكبائر: فقيل هي سبع، واحتجوا بقول النبي ﷺ: «اجتنبوا السبع الموبقات» متفق عليه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع» رواه عبد الرزاق والطبري في تفسيره عند قوله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ{ [سورة النساء: الآية31] والحديث المتقدم ليس فيه حصر الكبائر وقد أوصلها الذهبي إلى سبعين كبيرة وأوصلها ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر إلى سبع وستين بعد الأربعمائة (467) ورتبها على أبواب الفقه. وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات قال تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا{ [سورة النساء: الآية31].
فقد تكفل الله بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة وقال رسول الله ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم وغيره.
لذا أحب أن أذكر القارئ الكريم بعناوين الكبائر التى ذكرها الذهبي وأحيله بأدلتها وشرحها إلى كتاب الكبائر للإمام الذهبي: قال رحمه الله تعالى:
1- الكبيرة الأولى: الشرك بالله وهو نوعان أحداهما أن يجعل لله ندًا أو يعبد معه غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو ولي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله. فمن أشرك بالله ثم مات مشركًا فهو من أصحاب النار قطعًا. كما أن من آمن بالله ومات مؤمنًا فهومن أصحاب الجنة وإن عذب بالنار. والنوع الثاني من الشرك الرياء بالأعمال
2- الكبيرة الثانية: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وهي نفس المسلم المعصوم وقتل المعاهد.
3- الكبيرة الثالث: السحر لأن الساحر لابد وأن يكفر وأن يشرك بالله تعالى.
4- الكبيرة الرابعة: ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها والتخلف عن جماعتها.
5- الكبيرة الخامسة: منع الزكاة.
6- الكبيرة السادسة: إفطار يوم من رمضان بلا عذر.
7- الكبيرة السابعة: ترك الحج مع القدرة عليه.
8- الكبيرة الثامنة: عقوق الوالدين ومعصيتهما.
9- الكبيرة التاسعة: هجر الأقارب.
10- الكبيرة العاشرة: الزنا قال تعالى: }وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{ [سورة الإسراء: الآية32].
11- اللواط: وهو عمل قوم لوط: وهو إتيان الذكران من العالمين في أدبارهم.
12- أكل الربا والمعاملة به: وقد لعن رسول الله صلى لله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال«هم سواء»رواه مسلم وغيره.
13- أكل مال اليتيم ظلمًا.
14- الكذب على الله أو على رسوله ﷺ.
15- الفرار من الزحف: وهو الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال في سبيل الله.
16- غش الإمام للرعية وظلمه لهم.
17- الكبر والفخر والخيلاء والعجب: ويظهر ذلك في عدم قبول الحق واحتقار الناس.
18- شهادة الزور: وهو الكذب.
19- شرب الخمر: (المسكر).
20- القمار: وهو المراهنة والمغالبة ومنه اللعب على عوض.
21- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات: (رميهن بالزنا).
22- الغلول من الغنيمة: ومنه الأخذ من بيت المال من غير إذن الإمام أو من الزكاة قبل أن تقسم.
23- السرقة: وهي أخذ المال خفية من حرز مثله من غير إذن صاحبه.
24- قطع الطريق.
25- اليمين الغموس: وهي التي يتعمد الكذب فيها سميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم وقيل تغمسه في النار ومن ذلك الحلف بغير الله عز وجل كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والماء والحياة والأمانة والشرف والروح ونحو ذلك قال ﷺ: «فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت» حديث صحيح.
26- الظلم: بأكل أموال الناس وأخذها ظلما وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، ومن الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء، ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها، ومن الظلم أن يستأجر أجيرا في العمل ولا يعطيه أجرته.
27- المكاس: والمكس: الجباية قال في المصباح: وقد غلب استعمال المكس فيما يأخذه أعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء والمكاس: من أكبر أعوان الظلمة بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق. قال ﷺ: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» رواه أبو داود.
28- أكل الحرام: وتناوله على أي وجه كان سواء كان من سرقة أو غصب أو خيانة أو على جهة الهزل واللعب كالذي يؤخذ في القمار والملاهي وغير ذلك. وفي صحيح البخاري أن رسول الله ﷺ قال: «إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة». وقال العلماء: ويدخل في هذا الباب المكاس والخائن والسارق وآكل الربا وموكله وآكل مال اليتيم وشاهد الزور ومن استعار شيئًا فجحده وآكل الرشوة ومنقص الكيل والوزن ومن باع شيئا فيه عيب فغطاه والمقامر والساحر والمنجم والمصور والزانية والنائحة والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع ومن باع حرًّا فأكل ثمنه.
29- أن يقتل الإنسان نفسه وهو الانتحار.
30- الكذب في غالب أقواله قال ﷺ: «إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار» رواه البخاري ومسلم. فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة فإن السكوت سلامة والسلامة لا يعدلها شئ.
31- القاضى السوء: قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ [سورة المائدة: الآية 44].
32- أخذ الرشوة على الحكم: وقد لعن رسول الله ﷺ: «الراشي والمرتشي في الحكم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن. فالراشي هو الذي يعطي الرشوة والمرتشي هو الذي يأخذ الرشوة، وهي من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهي الله عنه في كتابه.
33- تشبه المرأة بالرجال وتشبه الرجال بالنساء، وفي الصحيح «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء» رواه البخاري وغيره وهو عام في اللباس والكلام وغيره.
34- الديوث: المستحسن على أهله والقواد الساعي بين الإثنين بالفساد وهو متوعد بحرمان الجنة نعوذ بالله من ذلك.
35- والمحلل والمحلل له: صح في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: «لعن المحلل والمحلل له» رواه النسائي والترمذي وغيرهما.
36- عدم التنزه من البول: هو شعار النصاري ومن أسباب عذاب القبر وفي الحديث «استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» رواه الدارقطني. ثم إن من لم يتحرز من البول في بدنه وثيابه فصلاته غير مقبولة.
37- الرياء بالأعمال: وهو أن يعمل عملا مما يبتغى به وجه الله تعالى من أجل رؤية الناس له وثناؤهم عليه وهو يفسد العمل.
38- التعلم للدنيا وكتمان العلم: فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى. وفي الحديث «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة» يعني ريحها، رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
39- الخيانة في الأمانة: وهي من أوصاف المنافقين والخيانة قبيحه في كل شئ وبعضها شر من بعض وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم.
40- المنان بما أعطى: وهو الذي يعطي شيئًا أويتصدق به ثم يمن به وهو يمحق الأجر.
41- التكذيب بالقدر: قال تعالى: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{ [سورة القمر: الآية49]. والإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان الستة وهو أن تعلم أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك رفعت الأقلام وجفت الصحف (وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلا).
42- التسمع على الناس ما يسرون: قال تعالى: }وَلَا تَجَسَّسُوا{ [سورة الحجرات: الآية12].
والتجسس: البحث عن عيوب المسلمين وعوراتهم قال ﷺ: «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة» أخرجه البخاري.والآنك: الرصاص المذاب.
43- النمام: وهو من ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم والنميمة حرام بإجماع المسلمين.
44- اللعن: ومعناه:الطرد والإبعاد عن رحمة الله قال ﷺ: «لعن المؤمن كقتله» أخرجه البخاري وغيره ويجوز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين المعروفين كقولك: لعن الله الظالمين، لعنة الله على اليهود والنصارى.
45- الغدر وعدم الوفاء بالعهد.
46- تصديق الكاهن والمنجم.
47- نشوز المرأة على زوجها ومعصيتها له ما لم يأمرها بمعصية الله.
48- التصوير في الثياب والحيطان والحجر والدراهم وسائر الأشياء سواء كانت من شمع أو عجين أو حديد أو نحاس أو صوف أو قرطاس أو بالكمرة أو غير ذلك فإن قضية العموم تأتي عليه قال ﷺ: «إن الذين يصنعون هذه الصوريعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم»([6]) ويجب إتلاف الصور لمن قدر على إتلافها وإزالتها. والمحرم هو تصوير الصور ذوات الأرواح.
49- اللطم والنياحة وشق الثوب وحلق الرأس ونتفه والدعاء بالويل والثبور عند المصيبة.
50- البغي: وهو التعدي على الناس بغير حق ظلما وعدوانا.
51- الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة فإن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم.
52- أذى الجار.
53- أذى المسلمين وشتمهم.
54- أذية عباد الله والتطاول عليهم.
55- إسبال الإزار والثوب واللباس والسراويل أسفل من الكعبين. تعززا وعجبا وفخرا وخيلاء.
56- لبس الذهب والحرير للرجال: فمن استحله من الرجال فهو كافر.
57- إباق العبد.
58- الذبح لغير الله عز وجل مثل أن يقول باسم الشيطان أو الصنم أو باسم الشيخ فلان.
59- من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فهو كافر والجنة عليه حرام كما روى البخاري.
60- الجدل والمراء واللدد والخصومة.
61- منع فضل الماء.
62- نقص الكيل والميزان والذرع وما أشبه ذلك قال تعالى: }وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ{ والمطفف هو الذي ينقص الكيل والوزن وذلك ضرب من السرقة والخيانة وأكل الحرام وقد توعد الله من فعل ذلك بويل وهو شدة العذاب وقيل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره نعوذ بالله منه.
63- الأمن من مكر الله.
64- القنوط من رحمة الله: وهو قطع الرجاء من رحمته قال تعالى: }قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ{ [سورة الحجر: الآية6].
65- تارك الجماعة الذي يصلي وحده من غير عذر.
66- الإصرار على ترك الجمعة والجماعة من غير عذر.
67- الإضرارفي الوصية.
68- المكر والخديعة: قال الله عز وجل: }وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ{ [سورة فاطر:الآية 43].
69- من تجسس على المسلمين ودل على عوراتهم، وبالضرورة يدري كل جاسوس أن النميمة إذا كانت من أكبر المحرمات، فنميمة الجاسوس أكبر وأعظم نعوذ بالله من ذلك. قال تعالى: }وَلَا تَجَسَّسُوا{ [سورة الحجرات: الآية 12].
70- سب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين. نعوذ بالله من ذلك.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مختصر من كتاب الكبائر للإمام الذهبي.
الكبائر لابن القيم
سئل الرسول ﷺ عن الكبائر فقال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، وقتل النفس التي حرم الله والفرار يوم الزحف، واليمين الغموس، وقتل الإنسان ولده خشية أن يطعم معه، والزنا بحليلة جاره والسحر، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات»وهذا مجموع من أحاديث.
بعض الكبائر
ومن الكبائر ترك الصلاة، ومنع الزكاة، وترك الحج مع الإستطاعة، والإفطار في رمضان بغير عذر، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا واللواط، والحكم بخلاف الحق، وأخذ الرشوة على الأحكام، والكذب على النبي ﷺ، والقول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وجحود ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، واعتقاد أن كلامه وكلام رسوله لا يستفاد منه يقينا أصلا، وأن ظاهر كلامه وكلام رسوله باطل وخطأ بل كفر وتشبيه وضلال، وترك ما جاء به لمجرد قول غيره، وتقديم الخيال المسمى بالعقل، والسياسة الظالمة، والعقائد الباطلة، والآراء الفاسدة، والإدراكات والكشوفات الشيطانية على ما جاء به ﷺ، ووضع المكوس، وظلم الرعايا، والأستئثار بالفيء، والكبر والفخر، والعجب، والخيلاء، والرياء، والسمعة وتقديم خوف الخلق على خوف الخالق، ومحبتهم على محبة الخالق، ورجائهم على رجائه، وإرادة العلو في الأرض والفساد وإن لم ينل ذلك، ومسبة الصحابة رضوان الله عليهم، وقطع الطريق، وإقرار الرجل الفاحشة في أهله وهو يعلم، والمشي بالنميمة، وترك التنزه من البول، وتخنث الرجل وترجل المرأة، ووصل شعر المرأة وطلبها ذلك، وطلب الوصل كبيرة، وفعله كبيرة، والوشم والاستيشام، والوشر والاستيشار، والنمص والتنميص([7])، والطعن في النسب، وبراءة الرجل من أبيه وبراءة الأب من ابنه، وإدخال المرأة على زوجها ولدًا من غيره، والنياحة، ولطم الخدود، وشق الثياب،وحلق المرأة شعرها عند المصيبة بالموت وغيره وتغيير منار الأرض وهي أعلامها وقطيعة الرحم والجور في الوصية، وحرمان الوارث حقه من الميراث،وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والتحليل واستحلال المطلقة به، والتحيل على اسقاط ما أوجب الله، وتحليل ما حرم الله وهو استباحة محارمه واسقاط فرائضه بالحيل، وبيع الحرائر، وإباق المملوك من سيده، ونشوز المرأة على زوجها وكتمان العلم عند الحاجة إلى إظهاره وتعلم العلم للدنيا والمباهاه والجاه والعلو على الناس، والغدر، والفجور في الخصام، وإتيان المرأة في دبرها وفي محيضها، والمن في الصدقة وغيرها من عمل الخير، وإساءة الظن بالله، واتهامه في أحكامه الكونية والدينية، والتكذيب بقضائه وقدره واستوائه على عرشه وأنه القاهرفوق عباده، وأن رسول الله ﷺ عرج به إليه، وأنه رفع المسيح إليه، وأنه يصعد إليه الكلم الطيب، وأنه كتب كتابًا فهو عنده على عرشه، وأن رحمته تغلب غضبه، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يمضي شطر الليل، فيقول: من يستغفرني فأغفر له؟ وأنه كلم موسى تكليمًا، وأنه تجلى إلى الجبل فجعله دكًا، واتخذ إبراهيم خليلا، وأنه نادى موسى وينادي نبينا يوم القيامة، وأنه خلق آدم بيديه، وأنه يقبض سمواته بإحدى يديه، والأرض باليد الأخرى يوم القيامة.
ومنها الاستماع إلى حديث قوم لا يحبون استماعه، وتخبيب المرأة على زوجها والعبد على سيده، وتصوير صور الحيوان سواء كان لها ظل أو لم يكن، وأن يرى عينيه في المنام ما لم ترياه، وأخذ الربا واعطاؤه والشهادة عليه وكتابته، وشرب الخمر وعصرها واعتصارها وحملها وبيعها وأكل ثمنها، ولعن من لم يستحق اللعن، وإتيان الكهنة والعرافين والسحرة وتصديقهم والعمل بأقولهم والسجود لغير الله والحلف بغيره كما قال النبي ﷺ: «من حلف بغير الله فقد أشرك»([8]) وقد قصر ما شاء أن يقصرمن قال أنه مكروه، وصاحب الشرع يجعله شركًا، فرتبته فوق رتبة الكبائر، واتخاذ القبور مساجد وجعلها أوثانا وأعيادا يسجدون لها تارة ويصلون إليها تارة، ويطوفون بها تارة ويعتقدون أن الدعاء عندها أفضل من الدعاء في بيوت الله التي شرع أن يدعى فيها ويعبد ويصلي له ويسجد.
ومنها معاداة أولياء الله وإسبال الثياب من الإزار والسراويل والعمامة وغيرها، والتبختر في المشي، واتباع الهوى وطاعة الهوى وطاعة الشح والإعجاب بالنفس، وإضاعة من تلزمه مؤنته ونفقته من أقاربه وزوجته ورقيقه ومماليكه، والذبح لغير الله، وهجر أخيه المسلم سنة كما في صحيح الحاكم من حديث أبي خراش الهذلي السلمي عن النبي:«من هجر أخاه سنة فهو كقتله» وأما هجره فوق ثلاثة أيام فيحتمل أنه من الكبائر، ويحتمل أنه دونها. والله أعلم.
ومنها الشفاعة في اسقاط حدود الله، وفي الحديث عن ابن عمر يرفعه «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره» رواه أحمد وغيره بإسناد جيد. ومنها تكلم الرجل بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا.
ومنها أن يدعو إلى ضلالة أو بدعة أو ترك سنة، بل هذا من أكبر الكبائر وهو مضادة لرسول الله ﷺ.
ومنها ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث المستورد بن شداد قال: قال رسول الله ﷺ: «من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة، ومن قام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام رياء وسمعة، ومن اكتسى بمسلم ثوبًا كساه الله ثوبًا من نار يوم القيامة» ومعنى الحديث أنه توصل إلى ذلك وتوسل إليه بأذى أخيه المسلم من كذب عليه أو سخرية أو همزة أو لمزة أو غيبة، والطعن عليه والازدراء به والشهادة عليه بالزور والنيل من عرضه عند عدوه، ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس والله المستعان.
ومنها التبجح والافتخار بالمعصية بين أصحابه وأشكاله وهو المجاهرة الذي لا يعافي الله صاحبه إن عافاه من شر نفسه.
ومنها أن يكون له وجهان ولسانان، فيأتي القوم بوجه ولسان، ويأتي غيرهم بوجه ولسان أخر.
ومنها أن يكون فاحشًا بذيًّا يتركه الناس ويحذرونه إتقاء فحشه.
ومنها مخاصمة الرجل في باطل يعلم أنه باطل، ودعواه ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له.
ومنها أن يدعى أنه من آل بيت رسول الله ﷺ وليس منهم، أو يدعى بأنه ابن فلان وليس بإبنه، وفي الصحيحين «من ادعى إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام» وفيهما أيضا: «لا ترغبوا عن آبائكم، من رغب عن أبيه فهو كافر» وفيهما أيضا: «ليس منا رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا وقد كفر ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار ومن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» أي رجع عليه.
فمن الكبائر تكفير من لم يكفره الله ورسوله، وإذا كان رسول الله ﷺ قد أمر بقتال الخوارج وأخبر أنهم شر قتلى تحت أديم السماء وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وديدنهم تكفير المسلمين بالذنوب فكيف من كفرهم بالسنة ومخالفة آراء الرجال لها وتحكيمها والتحاكم إليها؟!ومنها أن يحدث حدثا في الإسلام، أو يؤوي محدثا وينصره ويعينه.
وفي الصحيحين «من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلا» ومن أعظم الحدث تعطيل كتاب الله وسنة رسوله، وإحداث ما خالفهما، ونصر من أحدث ذلك والذب عنه، ومعاداة من دعى إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ومنها إحلال شعائر الله في الحرم والإحرام كقتل الصيد واستحلال القتال في حرم الله.
ومنها لبس الحرير والذهب للرجال، واستعمال أواني الذهب والفضة للرجال والنساء
ومنها التطير وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «الطيرة شرك» فيحتمل أن يكون من الكبائر وأن يكون دونها.
ومنها الغلول من الغنيمة، ومنها غش الإمام والوالي لرعيته ومنها أن يتزوج ذات رحم محرم له، أو يقع على بهيمة.
ومنها المكر بأخيه ومخادعته ومضاربته، وقد قال ﷺ: «ملعون من مكر بمسلم أو ضار به»([9]).
ومنها الاستهانة بالمصحف وإهدار كرامته كما يفعله من لا يعتقد أن فيه كلام الله عن طريق الله أو صراطه المستقيم؟.
ومنها أن يسم إنسانا أو دابة في وجهها، وقد لعن رسول الله ﷺ من فعل ذلك([10]).
ومنها أن يحمل السلاح على أخيه المسلم؛ فإن الملائكة تلعنه.
ومنها أن يقول ما لا يفعل، قال الله تعالى: }كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ{.
ومنها الجدال في كتاب الله ودينه بغيرعلم.
ومنها إساءة الملكة برقيقه وفي حديث «لا يدخل الجنة سيء الملكة»([11]).
ومنها أن يمنع المحتاج فضل ما لا يحتاج إليه مما لم تعمل يداه.
ومنها القمار وأما اللعب بالنرد فهو من الكبائر، لتشبيه لاعبه بمن صبغ يده في لحم الخنزير ودمه، ولا سيما إذا أكل المال به، فحينئذ يتم التشبيه به، فإن اللعب بمنزلة غمس اليد، وأكل المال بمنزلة لحم الخنزير.
ومنها ترك الصلاة مع الجماعة وهو من الكبائر وقد عزم رسول الله ﷺ على تحريق المتخلفين عنها، ولم يكن ليحرق مرتكب صغيرة، وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق معلوم النفاق وهذا فوق الكبيرة. والحديث رواه مسلم.
ومنها ترك الجمعة وفي صحيح مسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين».
وفي السنن بإسناد جيد عن النبي ﷺ قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه».
ومنها أن يقطع ميراث وارثه من تركته، أو يدله على ذلك، ويعلمه من الحيل ما يخرجه من الميراث.
ومنها الغلو في المخلوق حتى يتعدى به منزلته وهذا قد يرتقي من الكبيرة إلى الشرك وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو»([12]).
ومنها الحسد وفي السنن أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
ومنها المرور بين يدي المصلي ولو كان صغيرة لم يأمر النبي ﷺ بقتال فاعله ولم يجعل وقوفه عن حوائجه ومصالحه أربعين عاما خيرًا له من مروره بين يديه كما في مسند البزار والله أعلم([13]) وصلى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فوائد العمل بمواعظ القرآن الكريم
}وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا{([14]).
يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد ولا يشق فعلها، وفي هذه إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات لتخف عليه العبادات ويزداد حمدًا وشكرًا لربه، ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي ما أوجبه عليهم في كل وقت بحسبه فبذلوا همهم ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه ولم يكونوا بصدده وهذا هو الذي ينبغي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي تلزمه القيام بها فيكملها ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق المهمة وحصول الكسل وعدم النشاط. ثم رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به وهو أربعة أمور:
أحدهما: الخيرية في قوله: }لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ{ أي لكانوا من الأخيار المتصفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها وانتفى عنهم بذلك صفة الأشرار، لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضده.
الثاني: حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإن الله يثبت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وعظوا به فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن في الأوامر والنواهي والمصائب فيحصل لهم ثبات يوفقون به لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها وعند حلول المصائب التي يكرها العبد فيوفق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو الرضا أو الشكر فينزل عليه معونه من الله للقيام بذلك ويحصل له الثبات على الدين عند الموت وفي القبر، وأيضا فإن العبد القائم بما أمر به لا يزال يتمرن على الأوامر الشرعية حتى يألفها ويشتاق إليها وإلى أمثالها فيكون ذلك معونة له على الثبات على الطاعات.
الثالث: قوله: }وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا{ أي في العاجل والآجل الذي يكون للروح والقلب والبدن من النعيم المقيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
الرابع: الهداية إلى صراط مستقيم، وهذا عموم بعد خصوص لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم من كونها متضمنة للعلم بالحق ومحبته وإيثاره. والعمل به وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمن هدي إلى صراط مستقيم فقد وفق لكل الخير واندفع عنه كل شر وضير.
(ثواب من أطاع الله ورسوله)
}وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا{([15]).
أي كل من أطاع الله ورسوله على حسب حاله وقدر الواجب عليه من ذكر أو أنثى وصغير وكبير }فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ{. أي النعمة العظيمة التي تقتضي الكمال والفلاح والسعادة }مِنَ النَّبِيِّينَ{ الذين فضلهم الله بوحيه واختصهم بتفضيلهم بارسالهم إلى الخلق ودعوتهم إلى الله تعالى }وَالصِّدِّيقِينَ{ وهم الذين كمل تصديقهم بما جاءت به الرسل فعلموا الحق وصدقوه بيقينهم وبالقيام به قولا وعملا وحالا ودعوة إلى الله }وَالشُّهَدَاءِ{ الذين قاتلوا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله فقتلوا }وَالصَّالِحِينَ{ الذين صلح ظاهرهم وباطنهم فصلحت أعمالهم فكل من أطاع الله تعالى كان مع هؤلاء في صحبتهم، }وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا{ بالإجتماع بهم في جنات النعيم والأنس بقربهم في جوار رب العالمين }ذَلِكَ الْفَضْلُ{ الذي نالوه }مِنَ اللَّهِ{ فهو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه وأعطاهم من الثواب ما لا تبلغه أعمالهم }وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا{ يعلم أحوال عباده ومن يستحق منهم الثواب الجزيل بما قام به من الأعمال الصالحة التي تواطأ عليها القلب والجوارح([16]).
(وعيد المتكبرين عن آيات الله بعدم فهمها والعمل بها)
}سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([17]).
يقول تعالى }سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ{ أي سأمنع فهم الحجج والأدله الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ويتكبرون على الناس بغير حق أي كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل كما قال: }وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ{ وقال تعالى: }فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ{ وقال بعض السلف لا ينال العلم حي ولا مستكبر وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا. وقال سفيان بن عيينة في قوله }سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ{ قال أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي قال ابن جرير وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة (قلت) ليس هذا بلازم لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة ولا فرق بين أحد وأحد في هذا والله أعلم.
وقوله }وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا{ كما قال تعالى }إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ{ وقوله }وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا{ أي وإن ظهر لهم سبيل الرشد أي طريق النجاة لا يسلكوها وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا{ أي كذبت بها قلوبهم }وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ{ أي لا يعلمون شئيا مما فيها، وقوله }وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ{ أي من فعل منهم ذلك استمر عليه إلى الممات حبط عمله وقوله }هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ أي إنما نجازيهم بحسب أعمالهم التي أسلفوها إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وكما تدين تدان([18]).
باب حكم المرتد
وهو الذي يكفر بعد إسلامه جادًا أو هازلا لاستخفافه بالدين وأستهانته بأمر الله سبحانه مختارا الضلالة على الهدى اتباعا للهوى والشهوات سواء جحد ربوبية الله لخلق الكائنات كفرعون وملاحدة الشيوعيين والإباحيين والعلمانيين والمأسونيين والوجوديين وغلاة الفلاسفة ونحوهم أو أشرك بالله في ألوهيته بعبادة غيره من رسول أو ملك أو صالح أو شمس أو قمر أو حيوان أو غير ذلك كفعل المشركين والمجوس والقرامطة والإسماعيلية والنصيرية والدروز وغلاة الشيعة ونحوهم في عليٍّ وأهل البيت.
أو عطل شيئًا من أسمائه وصفاته وأفعاله عن حقيقتها وزعم أن القرآن مخلوق كغلاة الجهمية أو أنكر ختم الرسالة والوحي كالقاديانية والبهائية أو جحد ركنا من أركان الإسلام الخمسة مع معرفته به كالصلاة أوالزكاة. أو أصلا من أصول الإيمان الستة بأن جحد كتابا من كتبه كالتوراة أو رسولا من رسله أو ملكا من الملائكة كجبريل أو ميكائيل أو البعث والحساب والجزاء أو الجنة والنار. أو جحد شيئا مما جاء به الرسول ﷺ كالسنة أو سوغ الخروج عن الإسلام أو تحكيم القوانين الوضعية أو سب الله تعالى أو رسوله أو كتابه أو دينه أواستهزأ بشئ من ذلك أواستباح شيئا من المحرمات الظاهرة كالربا أوالزنى أو شرب الخمر أو حرم شيئا من الحلال كلحم الإبل أوالنكاح، أو تعلم السحر أو صحح دين اليهود والنصارى أو شك في كفرهم ونحو ذلك فهو كافر يستتاب فإن تاب وشهد الشهادتين واستقام على الإسلام وأقر بما جحده وأنكره أو قال أنا برئ من كل دين وقول وفعل يخالف الإسلام فهو مسلم معصوم الدم والمال وإلا حل قتله لطعنه في الدين وارتداده عنه من رجل أو امرأة ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن اتصف بصفات المنافقين فله حكم الإسلام في الدنيا وحسابه على الله عز وجل في الآخرة، وإن ارتكب كبيرة من الكبائر كالربا أو الزنى أو شرب الخمر ونحو ذلك فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وإن ارتكب محرما دون الكبائر فهو مخطئ آثم ويجب عليه التوبة إلى الله تعالى من جميع ذلك([19]).
أضرار المعاصي
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
1- فمنها حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، قال تعالى: }وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ{. وقال العالم العارف:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي | ||||
فأرشدني إلى ترك المعاصي | ||||
وأخبرني بأن العلم نور | ||||
ونور الله لا يهدي لعاص | ||||
2- ومنها: حرمان الرزق وفي المسند: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
3- ومنها: وحشة يجدها العاصى في قلبه لا يوازيها ولا يقارنها لذة أصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام.
4- ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس لاسيما أهل الخير منهم وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه، قال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق ابني وامرأتي.
5- ومنها: تعسير أموره وعدم اهتدائه إلى الطريق الأقوم.
6- ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم.
7- ومنها: إن المعاصي توهن القلب والبدن وتحرم الإنسان من الطاعة وتقصر العمر وتمحق بركته ويذهب هباء منثورا.
8- ومنها: إن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
9- ومنها: وهو من أخوفها على العبد - إنها تضعف القلب عن إرادته فتقوي إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية.
10- ومنها: أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه.
11- ومنها: أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل كالعلو في الأرض والفساد فيها فإنها ميراث عن فرعون وقومه وهكذا.
12- ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، قال الله تعالى في سورة الحج: }وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ{.
وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهون.
13- ومنها: إن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه ذلك علامة الهلاك.
14- ومنها: إن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.
15- ومنها: إن المعصية تورث الذل فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى قال تعالى في سورة فاطر: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا{.. أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعته وكان من دعاء بعض السلف اللهم أعزني بطاعتلك ولا تذلني بمعصيتك، قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه.
16- ومنها: إن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفئ نور العقل كما أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى في سورة المطففين: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{.
17- ومنها: حرمان دعوة رسول الله ﷺ ودعوة الملائكة فإن الله سبحانه أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات وقال تعالى: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ{ [سورة غافر: الآية 7-9].
18- ومنها: ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه وفي الصحيح عن ﷺ أنه قال: «الحياء خير كله» وقال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت».
19- ومنها: إنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله وتضعف وقاره في قلب العبد ولابد شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.
20- ومنها: إنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه وهنالك الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة، قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة الحشر: الآية 18-19].
21- ومنها: إنها تزيل النعم وتحل النقم فما أزالت النقم عن العبد نعمة إلا بسبب الذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة، وقد قال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{.
22- ومنها: إنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه فلا يزال مريضًا معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها ولا دواء لها إلا تركها، وقد أجمع السائرون إلى الله أنا القلوب لا تعطي مناها حتى تصل إلى مولاها ولا تصل إلى مولاها حتى تكون صحيحة سليمة ولا تكون صحيحه سليمة حتى ينقلب داؤها فيصير دواءها ولا يصح لها ذلك إلا بمخالفة هواها وهواها مرضها وشقاؤها فإن استحكم المرض قتل أو كاد.
وكما أن من نهى نفسه عن الهوى كانت الجنة مأواه كذلك يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة، لا يشبه نعيم أهلها ألبتة بل التفاوت بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نعيم الدنيا والآخرة، وهذا لا يصدق به إلا من باشر قلبه هذا ولا تحسب أن قوله تعالى: }إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ{ مقصورعلى نعيم الآخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثلاثة كذلك أعني دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار، فهؤلاء في نعيم وهؤلاء في جحيم وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ وأي عذاب أشر من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر وأعراضه عن الله والدار الآخرة وتعلقه بغير الله وانقطاعه عن الله؟ بكل واد منه شعبة وكل شئ تعلق به وأحبه من دون الله فإنه يسومه سوء العذاب. ثم يختم ابن القيم رحمه الله حديثه بقوله: فيا من باع حظه الغالي بأبخس الثمن وغبن كل الغبن في هذا العقد وهو يرى أنه قد غبن إذا لم تكن لك خبرة بقيمة السلعة فأسأل المقومين فيا عجبا من بضاعة معك الله مشتريها وثمنها جنة المأوى، والسفير الذي جرى على يده عقد التبايع وضمن الثمن عن المشتري هو الرسول ﷺ وقد بعتهابغاية الهوان، وانتهى.
وابن القيم هنا يشير إلى آية من كتاب الله حددت البائع والمشتري والمبيع والثمن والسفير بين البائع والمشتري وهو قوله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [سورة التوبة: الآية 111]. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد لله رب العالمين([20]).
السبع المهلكت والجرائم الموبقات
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «اجتنبوا اسبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» متفق عليه.
معاني المفردات:
اجتنبوا: ابتعدوا.
الموبقات: المهلكات.
الشرك بالله: صرف العبادة لغير الله.
السحر: عبارة عما خفي ولطف سببه وهوعزائم ورقى يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه بإذن الله تعالى.
الربا: في اللغة: الزيادة، وفي الشرع الزيادة في أشياء مخصوصة.
اليتيم: من فقد أباه وهو صغير دون البلوغ.
التولي يوم الزحف: الإعراض والإدبار عن الكفار وقت التحام القتال وتقارب الصفوف يوم جهاد الكفار.
قذف المحصنات: رمي النساء العفيفات بالزنا.
الغافلات: اللاتي لا يفكرن في الفواحش.
المؤمنات: المصدقات بالله ورسوله وكتابه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه.
الشرح:
يأمر الرسول ﷺ بالابتعاد عن الجرائم المهلكات المترتب عليها الوعيد الشديد فأولها وأعظمها الشرك بالله تعالى وهو نوعان:
أحدهما: شرك أكبر يخرج من الملة الإسلامية ويوجب الخلود في النار لمن لم يتب منه وهو صرف العبادة لغير الله كائنًا من كان في القول أو العمل أو الاعتقاد كدعاء غير الله أو الذبح لغيره أو التوكل والاعتماد على غيره في جلب نفع أو دفع ضر أو حصول نصر، وكذلك يكون الشرك في المحبة لغير الله كما يحب أو الخوف والرجاء من غيره فأي نوع من أنواع العبادة صرف لغير الله كان ذلك شركا به أكبر، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله كما قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ [سورة النساء: الآية 48] }إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ{ [سورة المائدة الآية 72] فمن أشرك بالله ثم مات مشركا فهو من أصحاب النار كما أن من آمن بالله ثم مات مؤمنًا فهومن أصحاب الجنة وإن عذب بالنار.
والنوع الثاني: الشرك الأصغر وهو كل وسيلة يتوسل بها إلى الشرك الأكبر ولم تبلغ رتبة العبادة كالرياء وهو إظهار العمل ليراه الناس، والسمعة وهي إظهار العمل ليسمعه الناس، والتصنع للخلق بملاحظتهم وقت العبادة، وكالحلف بغير الله كالنبي والكعبة والأمانة، قال النبي ﷺ: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت»([21]) ومن ذلك قوله ما شاء الله وشئت، ولولا الله وأنت، وأنا بالله وبك، والواجب أن يؤتى بثم فيقال لولا الله ثم أنت وأنا بالله ثم بك. قال تعالى: }فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{ [سورة الكهف: الآية 110] أي لا يراني بعمله أحدا ولا يقصد به غير الله، وقال ﷺ قال الله تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه»([22]).
وقال ﷺ: «رب صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر»([23])، يعني إذا لم تكن الصلاة والصوم لوجه الله فلا ثواب له وفي الحديث: «من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد اشرك»([24]).
وقال تعالى: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ [سورة الفرقان: الآية 23] يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله أبطلنا ثوابها وجعلناه كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس فالشرك بالله واتخاذ الأنداد والوسطاء والأولياء والشفعاء ودعاؤهم في الملمات كما يدعى الله وعبادتهم كما يعبد والتقرب إليهم بالقرابين والنذر وأنواع التقديس وتلك أكبر جريمة أن تجعل لمن خلقك ندا تدعوه أو ترجوه أو تخافه أو تحبه كمحبة الله فتشرك به ما لا يملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
أو تشرك به أمواتا غير أحياء عجزة غير أقوياء أو تشرك به من لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا وربك أقرب إليك من حبل الوريد قد فتح بابه للسائلين وأظهر غناه للراغبين ووعد بالإجابة للداعين فادع الله وحده مخلصا له الدين، وصدق قولك بعملك: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ ولما كان الشرك بالله أعظم الذنوب عند الله عز وجل حرم الجنة على أهله فلا يدخل الجنة نفس مشركة وإنما يدخلها أهل التوحيد والإخلاص لله في القول والعمل والاعتقاد فإن التوحيد هو مفتاح باب الجنة فمن لم يكن معه مفتاح لم يفتح له بابها وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يكن الفتح به. وأسنان هذا المفتاح هي الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصدق الحديث وأداء الأمانة وصلةالرحم وبر الوالدين ونحو ذلك فأي عبد اتخذ له في هذه الدار مفتاحا صالحا من التوحيد وركب فيه أسنانا من الأوامر جاء يوم القيامة إلى الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به فلم يعقه عن الفتح عائق اللهم إلا إن يكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار فإنه يحبس عن الجنة حتى يطهر منها فإن الجنة دار الطيبين الذين طابت أقوالهم وأعمالهم في هذه الدار فطاب لهم النعيم في دار القرار قال تعالى: }الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ{ [سورة النحل: آية 32] وقال تعالى: }وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ{ [سورة الزمر: الآية 73] وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأفعال والمآكل والمشارب. ودار الخبيثين فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون.
الثانية من المهلكات:
السحر: وهو ذنب كبير وأثم عظيم. وهو كما تقدم عبارة عما خفي ولطف سببه، ومنه عزائم ورقى تؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه، قال تعالى: }وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{ [سورة الفلق: الآية 4] وهن السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيوط، وفي الحديث: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك»([25]).
فالسحر يدخل في الشرك من جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن جهة ما فيه من ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه، والساحر لا بد وأن يكفر كما قال تعالى: }وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ{ إلى قوله تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{ [سورة البقرة الآية 102] وما للشيطان الملعون غرض في تعليم الإنسان السحر إلا ليشرك بالله، وحد الساحر القتل وفي الحديث: «حد الساحر ضربه بالسيف»([26]).
الثالثة من المهلكات:
قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق: قال تعالى: }وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [سورة النساء: الآية 93].
وقال النبي ﷺ: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» متفق عليه من حديث أبي بكرة، والحق الذي يبيح قتل النفس الكفر بعد الإسلام والزنا بعد الإحصان، والقصاص بشروطه، وقال النبي ﷺ: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا»([27]) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه فقتل النفس المحرمة وإزهاق الروح الآمنة البريئة وإراقة الدماء الطاهرة الزكية فتلك جريمة ترفع الأمن وتنشر الخوف وتفتك بالأمة وتضعفها وتقطع روابط الإخاء بينها تلك الجريمة المرملة للنساء الميتمة للأطفال الزارعة للإحن والعداوات تلك التي يقول الله فيها: }مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا{ [سورة المائدة: الآية 32] تلك الجريمة التي لا تخطر على قلب مؤمن }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً{ [سورة النساء: الآية 92] وقتل النفس يشمل قتل العدوان وقتل الأولاد خشية الفقر ووأد البنات خشية العار فالنفس الإنسانية محترمة إلا إن كانت نفسا شريرة مجرمة مفسدة فإن دواءها إراحة المجتمع منها فالقاتل يقتل: }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ{ [سورة البقرة: الآية 179] والزاني المحصن إذا انتهك عرض امرأة وارتكب الفاحشة يرجم والمرتد عن الإسلام التارك لدينه المفارق لجماعة المسلمين في عقائدهم وأقوالهم المحارب لله ورسوله الساعي في الأرض فسادا يقتل.
الرابعة من المهلكات:
أكل الربا- وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل وربا النسيئة وربا القرض، فربا الفضل كأن يبيعه مائة بمائة وعشرين من جنسها، وربا النسيئة كأن يبيعه صاعا بصاعين مؤجلا أو حالا لم يقبض ولو كا من غير جنسه فإذا بيع الشيء بجنسه اشترط فيه شرطان المماثلة والقبض في مجلس العقد قبل التفرق وإذا بيع بغير جنسه جاز فيه التفاضل بشرط التقابض في مجلس العقد لقوله ﷺ: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والتمر بالتمر والبر بالبر والشعير وبالشعير والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد»([28]).
النوع الثالث ربا القرض كأن قرضه قرضا ويشترط عليه منفعة أو بيعا أو شراء فكل قرض جر نفعا فهو ربا، والربا ظلم للإنسان وأكل لماله بالباطل ومحاربة لله ورسوله وموجب للخلود في النار إذا لم يمنع من ذلك مانع. وإن الربا ما حق للمال مذهب للبركة ونازع للرحمة وموجب للعداوة: }يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ{ [سورة البقرة: الآية 276].
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة آل عمران: الآية 130. وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ{ [سورة البقرة: الآية 278، 279] وجاء عن النبي ﷺ أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى أن تقوم الساعة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة وهو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقمه حجارة من نار كما ابتلع الحرام في الدنيا([29]). هذا العذاب له في البرزخ مع لعنة الله له. نسأل الله العافية.
الخامسة من المهلكات:
أكل مال اليتيم ظلمًا: وكان واجبا على الناس أن يكفلوه وينموا ماله ويرعوه ويساعدوه حتى يبلغ رشده ولكن هناك نفوس خبيثة تنتهز فرصة الصغر والضعف فتأكل أموال اليتامى إسرافا وبدارا أن يكبروا، وفيهم يقول الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا{ [سورة النساء: الآية 10] وهل ترضى أن يكون لك ذرية ضعافا تتركهم صغارا تموت عنهم فيأتي ظالم يجتاح ثروتهم، إذا كنت تخاف عليهم ذلك وتمقته فلماذا لا تمقته من نفسك لأولاد غيرك، قال تعالى: }وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ [سورة النساء: الآية 9] وقال ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»([30]). وقال ﷺ: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها»([31]) وكفالة اليتيم هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله وفي الحديث: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه»([32]).
السادسة من المهلكات:
التولي يوم الزحف: الفرار من لقاء العدو والهرب من وجه الجيش المهاجم والعدو المناجز فإن ذلك جبن وإضعاف لشوكة المسلمين وفت في عضد المجاهدين وضياع البلاد وإضعاف الدين والقضاء عليه وفي ذلك تمكين الأعداء من دمائنا ونسائنا وأولادنا وفي ذلك الاستعباد والاستذلال والقضاء على الحريات فبع نفسك واشتر بمالك ونفسك جنة عرضها السموات والأرض، وما الشجاع إلا من يميت نفسه في سبيل الله في حياة دينه وإرضاء ربه وأن الموت لا بد نازل فيها فليكن في سبيل الله في سبيل العزة والكرامة. وفي التولي يوم الزحف يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [سورة الأنفال: الآية 15- 16].
والمتحرف للقتال الذي يفر عن وجه العدو لخدعة حربية والمتحيز إلى فئة من يفر وجه العدو لينضم إلى جماعة المجاهدين وجملتهم فهؤلاء لا حرج عليهم.
السابعة من المهلكات: وهي الأخيرة:
قذف المحصنات الغافلات المؤمنات: قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{ [سورة التوبة: الآية 23- 25] وقال تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة النور: الآية 4]. بين الله تعالى في هذه الآيات أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن نالزنا والفاحشة أنه ملعون في الدنيا والآخرة وله عذاب عظيم وعليه الحد في الدنيا ثمانون جلده وتسقط شهادته وإن كان عدلا والقذف أن يقول لامرأة حرة عفيفة مسلمة يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة أو يقول لزوجها يا زوج القحبة أو يقول لولدها يا ولد القحبة أو يا ولد الزانية أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية. فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة لرجل أو امرأة وجب عليه الحد ثمانون جلدة إلا أن يقيم بذلك بينة والبينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذلك الرجل. فإن لم يقم البينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها وطالبه بذلك الذي قذفه([33]).
وكثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا والآخرة، ولهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب»([34]) وقال معاذ بن جبل يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال: «ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»([35]). وقال عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك»([36]). وقال ﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»([37]) وقانا الله شر ألسنتنا بمنه وكرمه.
فيا أيها المسلم لا تدنس نفسك بهذه الموبقات فتوجب لها مقت الله ومقت الناس وتعرضها لشديد العذاب في الدنيا والآخرة بل اجعلها طاهرة نقية طيبة مهذبة متصفة بالخوف من عقاب الله والرجاء لثوابه والحياء منه ثم من خلقه متأدبة بآداب الشريعة الغراء متحلية بالأخلاق الفاضلة لا ترض بالخير بديلا.
تنبيه:
ليس الغرض حصر الموبقات في هذه السبع بل الغرض التنبيه إلى أمثالها كالزنى والسرقة والخيانة في الأمانة ونحوها وعقوق الوالدين وقيطعة الأرحام واليمين الغموس وترك الصلاة ومنع الزكاة والإفطار في رمضان بلا عذر وترك الحج مع القدرة عليه والإلحاد وشراب المسكرات وشهادة الزور والغيبة والنميمة والكذب على الله أو على رسوله أو في سائر الأخبار وغالب الأقوال ومفارقة جماعة المسلمين بالردة عن الإسلام وترك التنزه من البول والامن من مكر الله القنوط من رحمة الله والإضرار في الوصية والجمع بين الصلاتين من غير عذر، فكل هذه من الكبائر المهلكات والموبقات المردية التي جاء فيها الوعيد الشديد بالعذاب الأليم وبعضها أكبر من بعض فترك أحد أركان الإسلام مع القدرة أكبر إثما من غيره وأشد عقوبة، وقد اختلف العلماء في حد الكبائر وعددها فقيل هي سبع وقيل سبعون، وقيل سبعمائة، والحد الجامع لذلك أن الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو عذاب أو نفي إيمان أو جاء فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة ونحو ذلك، وقدجمع من ذلك العلامة محمد ابن أحمد الذهبي سبعين كبيرة من جنس ما ذكر وجمع من ذلك العلامة ابن حجر الهيتمي ما يزيد على أربع مائة كبيرة مرتبة على أبواب الفقه في كتابه «الزواجر عن اقتراف الكبائر».
وقد ضمن الله لمن اجتنب الكبائر بتكفير سيئاته ودخول الجنة، قال تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا{ [سورة النساء: الآية 31] كما أن الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر، فالتفكير مشروط باجتناب الكبائر فإذا اجتنبت الكبائر كفرت الصغائر بهذه الأعمال والله أعلم.
ما يستفاد من هذا الحديث:
1- تحذير الرسول ﷺ أمته عن ما يضرهم وبيان حكمة ذلك.
2- وعيد من أشرك بالله شيئا وهو أكبر الكبائر.
3- تحريم السحر والوعيد الشديد عليه وأنه من الكبائر المهلكات.
4- تحريم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والوعيد الشديد على ذلك.
5- تحريم أكل الربا بأنواعه وأنه من الكبائر الموبقات وأن المتعامل به متوعد بالوعيد الشديد.
6- تحريم أكل مال اليتيم ظلما والتصرف فيه بغير حق.
7- تحريم الإدبار عن جهاد الكفار وقت التحام القتال.
8- تحريم قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ورميهن بالزنا.
9- أن هذه الأشياء من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالعذاب الأليم لمن لم يتب منها.
10- شفقة الرسول ﷺ على أمته حيث حذرهم مما يهلكهم.
من أسباب العذاب
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله ﷺ مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما وإنا آتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوى بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى، قال: قلت لهما سبحانه الله ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود إليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى. قال قلت: سبحان الله ما هذان؟ فقالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل بناء التنور، وإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضؤ قال قلت: من هؤلاء؟ قال فقالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا، فأتينا على نهر أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا قال قلت لهما ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا، وإذا هو عنده نار يحشها ويسعى حولها قال قلت لهما ما هذا قال قالا لي انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال قلت لهما ما هذا ما هؤلاء قال قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا فأتينا على دوحة عظيمة لم أر دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قال قالا لي ارق فيها قال فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة قال: فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر منهم كأقبح ما أنت راء قال قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قال قالا لي هذه جنة عدن وهذاك منزلك قال فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال قالا لي هذاك منزلك قال قلت لهما بارك الله فيكما ذراني فأدخله قالا أما الآن فلا وأنت داخله قال قلت لهما فإني رأيت منذ الليلة عجبًا فما هذا الذي رأيت قال قالا لي أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة المنظر الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة وفي رواية البرقاني ولد على الفطرة فقال بعض المسلمين يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله ﷺ وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنا وشطر قبيحا فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم. رواه البخاري.
معاني المفردات اللغوية:
يثلغ رأسه: يشدخه ويشقه.
يتدهده: يتدحرج.
الكلوب: المنشار أو شبهه.
يشرشر: يقطع.
ضوضؤ: صاحوا.
فيفغر: أي يفتح.
كريه المرآة: أي كريه المنظر.
يحشها: يوقدها.
معتمة: وافية النبات طويلته
المحض: اللبن.
سما بصري: ارتفع.
الدوحة: الشجرة الكبيرة.
صعدا: مرتفعا.
الربابة: السحابة.
شرح الحديث:
رؤيا الأنبياء حق وتعتبر من أنواع الوحي وكان رسول الله ﷺ لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فقد رأى رسول الله ﷺ في هذه الرؤيا أناسا يعذبون بأنواع العذاب بسبب جرائم ارتكبوها فذكر من أسباب العذاب رفض القرآن بعدم تلاوته وترك العمل به والنوم عن الصلاة المفروضة، ومن أسباب العذاب الكذب على الله أو على رسوله أو على عباده المؤمنين في الأخبار والأحكام وغير ذلك وهو من صفات المنافقين، قال تعالى: }وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ{ [سورة الزمر: الآية 60] وقال تعالى: }إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ{ [سورة النحل: الآية 105] وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ{ [سورة النحل: الآية 116] وقال ﷺ: «إن كذب علي ليس ككذب على غيري، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» رواه البخاري ومسلم والترمذي، وقال ﷺ: «إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا» رواه البخاري ومسلم، ولما كان الكذب ينتشر في الآفاق والجهات عوقب الكذاب من جنس عمله بشق شدقيه وعينيه ومنخريه إلى قفاه وصار متصفا بالنفاق والفجور الذي هو طريق إلى نار جهنم فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة فإن في السكوت سلامة والسلامة لا يعد لها شيء، ومن أسباب العذاب ارتكاب فاحشة الزنا، قال تعالى: }وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{ [سورة الإسراء: الآية 32]. وقال تعالى: }الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [سورة النور: الآية 2].
قال العلماء: هذا عذاب الزانية والزاني في الدنيا إذا كانا عزبين غير متزوجين فإن كانا متزوجين أو قد تزوجا ولو مرة في العمر فإنهما يرجمان بالحجارة إلى أن يموتا كذلك ثبت بالسنة عن النبي ﷺ وثبت في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» رواه البخاري ومسلم، وأنه قال: «من زنا أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه»([38]) وقد قرن الله الزنا بالشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لذلك عوقب الزناة والزواني بالعذاب في ثقب مثل التنور يتوقد تحته نار يأتيهم لهبها وحرها حتى يصيحوا من شدة حره فهذا عذابهم إلى يوم القيامة نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة. ومن أسباب العذاب المذكور في هذا الحديث أكل الربا قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً{ [سورة آل عمران: الآية 130]. وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ{ [سورة البقرة: ا لآية 278- 279]. فالمرابي قد حارب الله ورسوله، وقال تعالى: }الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ{ [سورة البقرة: الآية 275] أي كما يقوم المصروع الذي يقوم تارة ويسقط أخرى وقال ﷺ: «ما ظهر في قوم الربا إلا ظهر فيهم الجنون»([39]). وأخبر ﷺ في هذا الحديث أن آكل الربا يعذب من حين يموت إلى يوم القيامة بالسباحة في النهر الأحمر الذي هو مثل الدم ويلقم الحجارة وهو المال الحرام الذي جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقح حجارة من نار كما ابتلع الحرام في الدنيا هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له.
ما يستفاد من الحديث:
1- وعيد من رفض القرآن وأعرض عن قراءته وتدبره والتفكر في معانيه والعمل به.
2- وعيد من نام عن الصلاة المفروضة عياذا بالله من ذلك.
3- وعيد أكلة الربا بأنواع العذاب.
4- وعيد الزناة والزواني بالعذاب في النار في سجن مثل التنور.
5- تحريم الكذب والوعيد الشديد عليه.
6- الترغيب في العمل الصالح المؤدي إلى الجنة والتحذير من عمل السوء المؤدي إلى النار عياذا بالله منها ومما يقرب إليها من قول وعمل.
7- شرف وفضل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.
8- قبح وبشاعة صورة مالك خازن جهنم.
9- علو منزلة الرسول محمد ﷺ ورفعتها عند الله.
10- أن أطفال المسلمين في الجنة وكذلك أطفال المشركين والله أعلم.
11- هذه الجرائم المذكورة في هذا الحديث من أكبر الكبائر المهلكة عياذا بالله منها وقد ارتكبها أكثر الناس فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نواقض الإسلام
6- نواقض لا إله إلا الله:
ونواقض لا إله إلا الله تعد في مجموعها نقضا لتوحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وقد بينها السلف الصالح وعددوها وحذروا من الوقوع فيها وذكر الفقهاء حكم المرتد وماتحصل به الردة كما ذكر أئمة الدعوة رحمهم الله تفصيل نواقض الإسلام ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقد لخصها في عشرة نواقض وقد أضاف عليها الشيخ عبد العزيز بن باز ما ظهر من تعبيرات معاصرة تنقض الشهادتين والعياذ بالله وندرجها فيما يلي:
1- الشرك في عبادة الله تعالى: }إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ [سورة المائدة: الآية 72]. ومن ذلك دعاء الأموات والاستغاثة بهم والنذر والذبح لهم قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{.
2- من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعًا.
3- من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر.
4- من اعتقد أن الأنظمة والقوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة ا لإسلام، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين أو أن الإسلام كان سببا في تخلف المسلمين أو أنه ينحصر في علاقة المرء بربه دون أن يتدخل في شئون الحياة الأخرى، أو القول بأن إنفاذ حكم الله في قطع يد السارق أو رجم الزاني المحصن لا يناسب العصر الحاضر، أو اعتقاد أنه يجوز الحكم بغير ما أنزل الله في المعاملات الشرعية أو الحدود أو غيرها، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الشريعة، لأنه بذلك قد استباح ما حرم الله إجماعا وكل من استباح ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة كالزنا والخمر والربا والحكم بغير شريعة الله فهو كافر بإجماع المسلمين.
5- من أبغض شيئا مما جاء به الرسول ﷺ لمشروعيته ولو عمل به فقد كفر لقوله تعالى: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ{ [سورة محمد الآية 28].
6- من استهزأ بشيء من دين الرسول ﷺ وثوابه أو عقابه فقد كفر لقوله تعالى: }قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ [سورة التوبة: الآية 65- 66].
7- السحر ومنه الصرف أي صرف الرجل عن محبة زوجته إلى بغضها ومنه العطف أي ترغيب الإنسان فيما لا يهواه بطرق شيطانية، فمن فعله أو رضي به كفر لقوله تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{ [سورة البقرة: الآية 102].
8- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين لقوله تعالى: }وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: الآية 51].
9- من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد ﷺ فهو كافر لقوله تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [سورة آل عمران: الآية 85].
10- الإعراض الكلي عن دين الله أو عما لا يصح الإسلام إلا به لا يتعمله ولا يعمل به لقوله تعالى: }وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ{ [سورة السجدة: الآية 32] ولا فرق بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره لقوله تعالى: }إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ{ [سورة النحل: الآية 106]. نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه([40]). انتهى.
حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم([41])
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين أما بعد:
فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في الامتحان وغير ذلك من الأمور التي اختص الله –سبحانه وتعالى- بعلمها كما قال تعالى: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا{ [سورة الجن: الآية 26- 27].
وقال سبحانه: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{ [سورة النمل: الآية 65].
فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله –سبحانه وتعالى- ورسوله ﷺ ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى: }وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{ [سورة البقرة: الآية 102]. وقال سبحانه: }إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{ [سورة طه: الآية 69] وقال تعالى: }وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [سورة الأعراف: الآية 117، 118].
فهذه الآيات وأمثالها تبين خسارة الساحر ومآله في الدنيا والآخرة، وأنه لا يأتي بخير وأن ما يتعلمه أو يعلمه غيره يضر صاحبه ولا ينفعه، كما نبه –سبحانه- أن عملهم باطل وصح عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». متفق على صحته. وهذا دليل على عظم جريمة السحر لأن الله قرنه بالشرك، وأخبر أنه من الموبقات وهي المهلكات، والسحر كفر لأنه لا يتوصل إليه إلا بالكفر، كما قال تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{ [سورة البقرة الآية: 102].
وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: «حد الساحر ضربة بالسيف» وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر بقتل السحرة من الرجال والنساء، وهكذا صح عن جندب الخير الأزدي رضي الله عنه أحد أصحاب النبي ﷺ أنه قتل بعض السحرة، وصح عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله ﷺ ناس عن الكهان، فقال: «ليسوا بشيء» فقالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقًّا فقال رسول الله ﷺ: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيخلطوا معها مائة كذبة» رواه البخاري، وقال ﷺ فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» رواه أبو داود وإسناده صحيح. وللنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إليه». وهذا يدل على أن السحر شرك بالله تعالى كما تقدم وذلك لأنه لا يتوصل إليه إلا بعبادة الجن والتقرب إليهم بما يطلبون، من ذبح وغيره من أنواع العبادة، وعبادتهم شرك بالله عز وجل فالكاهن من يزعم أنه يعلم بعض المغيبات وأكثر ما يكون ذلك ممن ينظرون في النجوم لمعرفة الحوادث أو يستخدمون من يسترقون السمع من شياطين الجن، كما ورد في الحديث الذي مر ذكره ومثل هؤلا من يخط في الرمل أو ينظر في الفنجان، أو في الكف ونحو ذلك، وكذا من يفتح الكتاب زعما منهم أنهم يعرفون بذلك علم الغيب وهم كفار بهذا الاعتقاد، لأنهم بهذا الزعم يدعون مشاركة الله في صفة من صفاته الخاصة وهي علم الغيب، ولتكذيبهم بقوله تعالى: }قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ{ [سورة النمل: الآية 65]ز وقوله: }وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ{ [سورة الأنعام: الآية 59].
وقوله تعالى لنبيه ﷺ: }قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ{ [سورة الأنعام: الآية 50].
ومن أتاهم وصدقهم بما يقولون من علم الغيب فهو كافر، لما رواه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ». وروى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ﷺ عن النبي ﷺ أنه قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي ﷺ أنه قال: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ» رواه البزار بإسناد جيد، وبما ذكرنا من الأحاديث يتبين لطالب الحق أن علم النجوم وما يسمى بالطالع وقراءة الكف وقراءة الفنجان ومعرفة الحظ وما أشبه ذلك مما يدعيه الكهنة والعرافون والسحرة كلها من علوم الجاهلية التي حرمها الله ورسوله، ومن أعمالهم التي جاء الإسلام بإبطالها والتحذير من فعلها، أو إتيان من يتعاطاها وسؤاله عن شيء منها، أو تصديقه فيما يخبر به من ذلك لأنه من علم الغيب الذي استأثر الله به.
ونصيحتي لكل من يتعلق بهذه الأمور أن يتوب إلى الله ويستغفره، وأن يعتمد على الله وحده ويتوكل عليه في كل الأمور مع أخذه بالأسباب الشرعية والحسية المباحة وأن يدع هذه الأمور الجاهلية ويبتعد عنها ويحذر سؤال أهلها أو تصديقهم، طاعة لله ولرسوله، ﷺ وحفاظا على دينه وعقيدته، وحذرًا من غضب الله عليه، وابتعادا عن أسباب الشرك والكفر التي من مات عليها خسر الدنيا والآخرة.نسأل الله العافية من ذلك ونعوذ به سبحانه من كل ما يخالف شرعه أو يوقع في غضبه.
كما نسأله سبحانه أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه وأن يعيذنا جميعًا من مضلات الفتن ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصل الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
بسم الله الرحمن الرحيم
خطر السفر إلى بلاد الكفر
الحمد الذي أعزنا بالإسلام، وأمرنا بالتمسك به حتى نصل إلى دار السلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. حذرنا عن كل ما يضر بديننا أو يمس كرامته من الأقوال والأفعال. ليكون لنا هذا الدين عزا في الدنيا وسعادة في الآخرة فصلى الله وسلم على هذا النبي الكريم الذي لم يترك خيرا إلا دل الأمة عليه، ولا شرا إلا حذرها منه رحمة بها ونصحا لها. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزى به نبيا عن أمته ودينه.
أما بعد: أيها الناس اتقوا الله واحتفظوا بدينكم. أيها المسلمون: إنكم تعلمون اليوم ما تموج به البلاد الخارجية الكافرة من كفر وإلحاد وانحطاط في الأخلاق والسلوك. فالإلحاد فيها ظاهر. والفساد فيها منتشر. فالخمور والزنا والإباحية وسائر المحرمات مبذولة بلا رادع ولا وازع. وإذا كان الحال كذلك وأكثر منه فالسفر إلى هذه البلاد فيه من الخطورة على الدين ما فيه. وأعز شيء لدى المسلم دينه فكيف يعرضه لهذا الخطر الشديد إن الإنسان لو كان معه مال وسمع أنه سيعترضه خطر يهدده بضياع هذا المال لرأيته يعمل أعظم الاحتياطات لحفظه. فكيف يعظم في عينه المال ويهون عليه الدين. قال بعض السلف: إذا عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك. فإن تجاوز البلاء فقدم نفسك دون دينك... نعم يجب تقديم النفس دون الدين. ولذلك شرع الجهاد الذي فهي القتل حفاظا على الدين. لأن الإنسان إذا فقد الدين فقد فقد كل شيء. وإذا أعطى الدين فقد أعطي السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: إن السفر إلى بلاد الكفار خصوصا في هذا الزمان الذي عظمت فيه الفتنة وتنوعت، إن السفر إلى تلك البلاد لا يجوز إلا في حالات محددة تصل إلى حد الضرورة مع التحفظ والحذر والابتعاد عن مواطن الفساد.وتكون إقامة المسلم هناك بقدر الضرورة مع اعتزازه بدينه وإظهاره. ومحافظته على الصلوات في أوقاتها... واعتزاله عن مجمعات الفساد. وجلساء السوء. فاعتزاز المسلم بدينه يزيده عزًّا ورفعة حتى في أعين الكفار. إن المسلم يحمل دينا عظيما يشتمل على كل معاني الخير وحميد الخصال. صحة في الاعتقاد. ونزاهة في العرض. واستقامة في السلوك. وصدقا في المعاملة. وترفعا عن الدنايا. وكمالا في الأخلاق. إن المسلم يحمل الدين الكامل الذي اختاره الله لأهل الأرض كلهم إلى أن تقوم الساعة إن المسلم هو المثال الصحيح للكمال الإنساني... وإن ما عدا الإسلام فهو انحطاط وهبوط ورجوع بالإنسانية إلى مهاوي الرذيلة ومواطن الهلاك. فيجب على المسلم إذا اضطر إلى السفر إلى تلك البلاد الكافرة أن يحمل هذا الدين بقوة وأن يظهره بشجاعة أمام أعدائه والذين يجهلون حقيقته بالمظهر اللائق حتى يكون قدوة صالحة لغيره. إن كثيرا ممن يذهبون إلى تلك البلاد يشوهون الإسلام بأفعالهم وتصرفاتهم. يشوهونه عند من لا يعرف حقيقته، ويصدون عنه من يتطلع إليه. ويريد الدخول فيه. فحينما يرى تصرفات هؤلاء ينفر عن الإسلام ظنا منه أنهم يمثلونه.
أيها المسلمون: إن بلاد الكفار فيها من مظاهر الحضارة الزائفة ودواعي الفتنة ما يخدع ضعاف الإيمان فتعظم تلك البلاد وأهلها في صدور وتهون في أنظارهم بلاد الإسلام. ويحتقرون المسلمين. لأنهم ينظرون إلى المظاهر ولا ينظرون إلى الحقائق فبلاد الكفر وإن كانت تكسى بالمظاهر البراقة الخادعة إلا أن أهلها يفقدون أعز شيء وهو الدين الصحيح الذي به تطمئن قلوبهم وتزكوا به نفوسهم وتصان به أعراضهم وتحقن به دماؤهم وتحفظ به أموالهم إنهم يفقدون كل تلك المقومات فماذا تفيدهم تلك المظاهر الخادعة. عقائدهم باطلة. وأعراضهم ضائعة. وأسرهم متفككة. فماذا يفيد جمال البنيان مع فساد الإنسان.
أيها المسلمون: إن أعداءكم يخططون الخطط لسلب أموالكم وإفساد دينكم والقضاء عليكم. قال تعالى: }وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ{ [سورة البقرة: الآية 109] وقال تعالى: }مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلَا المُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُم{ [سورة البقرة: الآية 105]، وقال تعالى: }وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا{ [سورة البقرة الآية 217] وقال تعالى: }وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً{ [سورة النساء: الآية 89] إنكم إذا سافرتم إليهم في بلادهم تمكنوا من إغوائكم وإغرائكم بشتى الوسائل حتى يسلبوكم دينكم أو يضعفوه في نفوسكم.. إنهم بثوا دعوة لشباب المسلمين في الصحف أعلنوا لهم فيها عن تسهيل رحلات سياحية إلى بلادهم ووعدوهم أن يبذلوا لهم كثيرا من المغريات.... وغرضهم من ذلك إفساد هؤلاء الشباب وإغراقهم في بحار الشهوات البهيمية حتى يرجعوا إلى بلاد المسلمين معاول هدم وتخريب فيتمكن هؤلاء الكفار من القضاء على المسلمين بأيدي أولادهم.
أيها المسلمون: إنه لمن المحزن أن أصبح السفر إلى بلاد الكفار موضع افتخار بعض المخدوعين من المسلمين فيفتخر أحدهم بأنه ابتعث أو سيبتعث إلى أمريكا أو أن له ولدا يدرس في أمريكا أو في لندن أو فرنسا. إنه يفتخر بذلك دون تفكير في العواقب أو تقدير للنتائج. ودون تحسب لتلك الأخطار التي تهدد دينه... وبعض المسلمين يسافرون بعوائلهم للمصيف هناك أو للسياحة. دون اعتبار لحكم الشرع في ذلك السفر هل يجوز أولا... ثم إذا ذهبوا هناك ذابت شخصيتهم مع الكفار فلبسوا لباسهم واقتدوا بأخلاقهم حتى نساؤهم يخلعن لباس الستر ويلبسن لباس الكافرات... وإذا كان هذا تحول الظاهر فما بالك بتحول الباطن. إن المسلم مطلوب منه أن يتقي الله في أي مكان. وأن يتمسك بدينه. ولا يخاف في الله لومة لائم. لماذا يعطي الدنية في دنيه إنه دين العزة والكرامة والشرف في الدنيا والآخرة. }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ{ [سورة المنافقين: الآية 8]. وإن أخلاق الكفار وتقاليدهم ذلة ومهانة ونقص. فكيف يستبدل المسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير. كيف يتنازل من عليائه إلى الحظيظ.... ومن العجيب أن الكفار إذا جاءوا إلى بلاد المسملين لا يغيرون أزياءهم ولا يتحولون عما هم عليه. ونحن على العكس إذا ذهبنا إليهم فالكثير منا يتحول إلى عادتهم في لباسهم وغيره... والبعض يتعلل بأنه لو لم يفعل ذلك لخشي على نفسه أو ماله أن يتعدى عليه. وهذا اعتذار غير مقبول. لأننا نرى الذين يبقون بلباسهم ويعتزون بدينهم يرجعون وهم موفوروا الكرامة لا ينالهم أي أذى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا{ [سورة الطلاق: الآية 2] ولئن قبلت هذه المعذرة من بعض الأفراد الذين لا يحسب لهم حساب. فلن تقبل ممن هم على مستوى المسئولية ومن يكونون محل اهتمام الدول التي يقدمون عليها ومع هذا يغيرون لباسهم من غير مبرر...إنه التقليد الأعمى وعدم المبالاة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها المسلمون: إن خطر السفر إلى بلاد الكفار عظيم وضرره جسيم وإن من سافر إلى تلك البلاد من غير ضرورة. بل بدافع الهوى وميل النفس الأمارة بالسوء. واقتداء بمن لا يصلحون للقدوة فهذا حري أن يعاقب وأن يصاب في دينه. وبعض الناس يرسل أولاده الصغار أو بعضهم أو يسمح بابتعاثهم إلى بلاد الكفار ليتعلموا اللغة أو غيرها هناك دون تفكير في العواقب ولا تقدير للنتائج ودون خوف من الله الذي حمله مسئولية هؤلاء الأولاد. وإذا كان الأولاد الصغار على خطر وهم في بلادنا وبين المسلمين فكيف إذا أرسلوا إلى بلاد كافرة منحلَّة وعاشوا في أوكار الفساد...... ومواطن الإلحاد؟ إن الشاب من أولادنا المبتعثين يغمس في وسط عائلة كافرة ليعيش معهم طيلة بقائه هناك. فماذا تصورون من شاب غريب في وسط كافر منحل؟ ماذا سيبقى معه من الدين والخلق؟! فاتقوا الله في أولادكم لا تهلكوهم بحجة أنهم يستعلمون. إن التعلم ميسور هنا. فاللغة يمكن تعلمها هنا بدون مخاطرة. وبقية التخصصات لا يبتعث لها إلا من كبار السن ومن الذين رسخت عقيدتهم وقويت عقليتهم. مع الرقابة الشديدة عليهم. فالدين رأس المال. وماذا بعد ذهاب الدين. واتقوا الله أيها المسلمون وأشكروه على ما أعطاكم من النعم العظيمة التي أجلها نعمة الإسلام فلا تعرضوا هذه النعمة للزوال. حافظوا على دينكم الذي هو عصمة أمركم }وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم }وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ{([42]).
بسم الله الرحمن الرحيم
التحذير من مخالطة الأشرار
الحمد لله الذي أمر بمصاحبة الأخيار ونهى عن مصاحبة الأشرار فقال: }وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا{ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بين لعباده طرق الخير ليسلكوها. وبين لهم طرق الشر ليجتنبوها. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رغب في اختيار الجليس الصالح وحذر من جليس السوء –صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله اتقوا الله واعلموا أن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يعيش وحده في عزلة تامة عن الناس فهو بحاجة إلى مخالطتهم ومجالستهم. وهذا الاختلاط لا بد أن تكون له آثار حسنة أو قبيحة –حسب نوعية الجلساء والخلطاء. ومن هنا تظافرت نصوص الكتاب والسنة على الحث على اختيار الجليس الصالح والابتعاد عن الجليس السيء- قال الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ{ وقال تعالى: }وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{ وقال ﷺ: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحاكمل المسك ونافخ الكير –فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه. وإما أن تجد منه ريحا طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة» متفق عليه.
أيها المسلم: اجعل هذا الحديث الشريف دائما على بالك وأنت تخالط الناس في الأسواق والمجالس. وفي البيوت والمدارس. وفي المكاتب والدوائر. وفي كل مجال تخالط فيه الناس فاختر لصحبتك ومجالستك ومشاركتك في مزوالة أي عمل. اختر الصالحين من الناس ليكونوا لك جلساء وزملاء وشركاء وحاشية ومستشارين. فهذا الحديث الشريف يفيد أن الجليس الصالح جميع أحوال صديقه معه خير وبركة ونفع ومغنم. مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معهم إما بهبة أو ببيع أو أقل شيء تكون مدة جلوسك معه قرير العين منشرح الصدر برائحة المسلك – جليسك الصالح يأمرك بالخير وينهاك عن الشر ويسمعك ا لعلم النافع والقول الصادق والحكمة البالغة. ويعرفك عيوب نفسك ويشغلك عما لا يعنيك. يجهد نفسه في تعليمك وتفهيمك. واصلاحك وتقويمك. إذا غفلت ذكرك. وإذا أهملت أو مللت بشرك وأنذرك. يحمي عرضك في مغيبك وحضرتك. أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم. تنزل عليه الرحمة فتشاركهم فيها –وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح- وهي فائدة لا يستهان بها – أن تكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعا عن الشر- وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى وحسب المرء أن يعتبر بقرينة، وأن يكون على دين خليله.
وصحبة الصالحين ينتفع بها حتى البهائم –كما حصل للكلب الذي كان مع أصحاب الكهف فقد شملته بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال العجيبة وصار له ذكر وخبر وشأن. أما صحبة الأشرار فإنها السم الناقع، والبلاء الواقع. فهم يشجعون على فعل المعاصي والمنكرات ويرغبون فيها ويفتحون لمن جالسهم وخالطهم أبواب الشرور. ويسهلون له سبل المعاصي. فقرين السوء إن لم تشاركه في إساءته أخذت بنصيب وافر من الرضا بما يصنع. والسكوت على شره –فهو كنافح الكير على الفحم الملوث. وأنت جليسه القريب منه يحرق بدنك وثيابك ويملاء أنفك بالروائح الكريهة. وفي مجالس الشر تقع الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام الفاحش ويقع اللهو واللعب وممالأة الفساق على الخوض في الباطل فهي ضارة من جميع الوجوه لمن صاحبهم. وشر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم أقوام. وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.
وإليكم واقعتين ومأساتين حصلتا بسبب صحبة الأشرار:
الواقعة الأولى: ورد أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع النبي ﷺ بمكة ولا يؤذيه وكان بقية قريش إذا جلسوا معه يؤذونه عليه الصلاة والسلام. وكان لابن أبي معيط خليل كافر غائب في الشام. فظنت قريش أن ابن أبي معيط قد أسلم فلما قدم خليله من الشام وبلغه ذلك غضب عليه غضبا شديدا وأبى أن يكلمه حتى يؤذي النبي ﷺ فنفذ ما طلب منه خليله الكافر وآذى النبي ﷺ فكانت عاقبته أن قتل يوم بدر كافرًا. وأنزل الله فيه قوله تعالى: }وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا{. وهي عامة في كل من صاحب الظلمة فأضلوه عن سبيل الله فإنه سيندم يوم القيامة على مصاحبتهم وعلى الإعراض عن طريق الهدى الذي جاء به الرسول ﷺ.
الواقعة الثانية: روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له يا عم قل لا إله إلاالله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب فأعاد عليه النبي ﷺ فأعادا فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي ﷺ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل: }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى{ الآية. وأنزل الله في أبي طالب }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{ ففي هذه الواقعة التحذير الشديد من مصاحبة الأشرار وجلساء السوء –وفي يوم القيامة يقول القرين لقرينه من هذا الصنف: }يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ{ ألا فانتبهوا يا عباد الله لأنفسكم وجالسوا أهل البر والتقوى وخالطوا أهل الصلاح والاستقامة. وابتعدوا وأبعدوا أولادكم عن مخالطة الأشرار ومصاحبة الفجار- خصوصًا في هذا الزمن الذي قل فيه الصالحون وتلاطمت فيه أمواج الفتن. فإن الخطر عظيم. والمتمسك بدينه غريب بين الناس وقد وقع ما أخبر به النبي ﷺ بقول: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء – قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» وفي رواية: «يصلحون ما أفسد الناس» وفي رواية: «هم النزاع من القبائل». فتنبهوا لذلك وفقكم الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: }هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ{([43]).
أسباب المغفرة([44]) وهي علاج الضلالة بعد الهدى
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي يتوب على من تاب إليه ويغفر لمن استغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له....
أمر بالتوبة والاستغفار ووعد بقبولهما وهو لا يخلف الميعاد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام التائبين والمستغفرين وقدوتهم صلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن سلك طريقهم في العلم والعمل والتوبة والاستغفار إلى يوم الدين.
أما بعد فإن للذنوب والمعاصي خطر عظيم وعواقب وخيمة في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة. ولا ينجي منها إلا الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لله الموافق لسنة رسوله ﷺ –والتوبة النصوح بترك المعاصي والندم على ما حصل منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل والإكثار من الاستغفار في الليل والنهار لقوله تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ أي استمر على ذلك ثم الإكثار من الذكر لله والدعاء فإن الله تعالى يذكر من ذكره ويجيب من دعاه ويغفر لمن استغفره ويتوب على من تاب إليه وهو التواب الرحيم، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. وقد قال الله تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء: الآية 110]، وقال تعالى عن نبيه ورسوله موسى عليه السلام }قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة القصص: الآية 16].
وأخبر تعالى أن الملائكة عليهم السلام يستغفرون للمؤمنين التائبين المتبعين طريق الحق وهو العلم النافع والعمل الصالح فقال تعالى عنهم: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{ [سورة غافر: الآية 7]، وقال تعالى: }وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ [سورة الأنفال: الآية 33] وقال النبي ﷺ: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم وقال ﷺ: «والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم» رواه مسلم.
فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يلازم التوبة والاستغفار في آناء الليل والنهار لعل الله أن يتوب عليه ويغفر له ويرحمه. وبناء على محبة الخير لإخواني المسلمين وعلى وجوب التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق، فقد جمعت في هذه الرسالة ما تيسر من أسباب المغفرة وسميتها «التذكرة بأسباب المغفرة» والذكرى تنفع المؤمنين. وهي مستقاة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم أسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين برحمته وهو أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف في 11/ 6/ 1411 هـ.
1- من أسباب المغفرة
قال الله تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ [سورة طه: الآية 82].
ذكر الله في هذه الآية للمغفرة أربعة أسباب:
1- التوبة النصوح في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات قال الله تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور: الآية 31] فإذا تبتم أفلحتم ونجحتم وسعدتم في الدنيا والآخرة وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ{ [سورة التحريم: الآية 8]، وتكفير السيئات ودخول الجنات المشتملة على ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين حاصل لمن تاب إلى الله تعالى توبة نصوحًا صادقة بأن يفعل التائب الواجبات ويترك المحرمات ويندم على ما فات من ذنوب وسيئات ويعزم أن لا يعود إليها في المستقبل فإنها تكفر سيئاته ويدخل الجنة برحمة الله تعالى بسبب توبته النصوح وقال تعالى: }وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة الأعراف: الآية 153] وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{ [سورة الشورى: الآية 25] والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة.
2- ومن أعظم أسباب المغفرة الإيمان الصادق بالله تعالى وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه، الإيمان بملائكة الله الكرام البررة وأنهم عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، والإيمان بكتب الله المنزلةعلى رسله لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور وفي مقدمتها القرآن الكريم أفضل الكتب السماوية: }وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{ [سورة فصلت: الآية 42] وقال تعالى: }وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{ [سورة النحل: الآية 89] وقال تعالى: }قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [سورة المائدة: الآية 15- 16] وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ{ [سورة يونس: الآية 57].
والإيمان برسل الله عليهم الصلاة والسلام جملة وتفصيلا وفي مقدمتهم خاتمهم محمد ﷺ الذي أرسله الله رحمة للعالمين وجعل أمته خير الأمم وكتابه القرآن خير الكتب وشريعته أفضل الشرائع وأسمحها، وأسماها وأكمل الله له ولأمته دينهم ورضيه منهم وأتم عليهم به النعمة فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك.
والإيمان بالعبث بعد الموت والجزاء والحساب والثواب والعقاب والحوض والميزان والصراط والجنة والنار وأنهما دار ثواب للمحسنين وعقاب للمسيئين. والإيمان بالقدر خيره وشره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن ما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال عليه الصلاة والسلام: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» رواه مسلم.
3- ومن أعظم أسباب المغفرة: العمل الصالح الخالص لله الموافق لسنة رسول الله ﷺ من صلاة وصدقة وصوم وحج وتلاوة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار وأمر بمعروف ونهي عن منكروجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران قال الله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [لقمان: الآية 7-9]، وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوسِ نُزُلا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا{ [سورة الكهف: الآية 107 – 108] وفي القرآن ما يزيد على خمسين آية يقرن الله فيها الإيمان بالعمل الصالح ويرتب عليهما سعادة الدنيا والآخرة والسلامة من شقاوة الدنيا والآخرة.
4- والاستمرار على الإيمان الصادق: والعمل الصالح والتوبة النصوح مدى الحياة حتى الممت قال الله تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر: الآية 99] أي حتى تموت وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [سورة الأحقاف: الآية 13، 14].
وطلب رجل من النبي ﷺ وصية جامعة لأبواب الخير فقال: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدًا غيرك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم». وفي رواية: «قل ربي الله ثم استقم» رواه مسلم.
والاستقامة هي لزوم طاعة الله تعالى وتشمل فعل جميع الواجبات وترك جميع المحرمات قال ﷺ: «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» رواه أحمد وغيره ورمز السيوطي لصحته.
فأسباب المغفرة كلها منحصرة في هذه الأسباب الأربعة: الإيمان الصادق والعمل الصالح والتوبة النصوح والاستقامة على ذلك فإن التوبة تجب ما قبلها والإيمان والإسلام يهدم ما قبله والعمل الصالح الذي هو الحسنات يذهب السيئات وسلوك طرق الهداية من تعلم علم وتعليمه والدعوة إليه والعمل به والصبر عليه كلها مكفرات للذنوب وموجبات للمغفرة والرحمة والرضوان وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم([45]).
أسباب العذاب
قال الله تعالى: }إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{ [سورة طه: الآية 48] وقال تعالى في حق بعض الكفار }فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى{ [سورة القيامة: الآية 31- 32] فأسباب العذاب منحصرة في هذين السببين وهما تكذيب القلب بخبر الله ورسوله وأعراض البدن عن طاعة الله ورسوله }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [سورة النور: الآية 63].
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تنبيه:
كثير من الجهال اعتمدوا على مغفرة الله ورحمته وكرمه فضيعوا أمره ونهيه ونسو أنه شديد العقاب وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين.
وأعظم الخلق غرورا من اغتر بالدنيا وعاجلها فآثرها على الآخرة ورضي بها بديلا من الآخرة وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله.
وينبغي أن يعلم أن من رجا شيئا استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدهما: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاء لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأماني([46]).
فحسن الظن بالله إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة كما قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة البقرة: الآية 218] فانظر كيف قدموا أمام الرجاء الإيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله. وقال تعالى: }إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ{ [سورة الأعراف: الآية 56] أي المحسنين في عبادة الله المحسنين إلى عباد الله ولم يقل إن رحمت الله قريب من العصاة والفسقة والملحدين وقال تعالى: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ{ [سورة الأعراف: الأية 156- 157] فهؤلاء المؤمنون المتقون لله بطاعته وترك معصيته المتبعون لرسوله محمد ﷺ هم أهل رحمة الله. اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسناطرفة عين وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
2- من أسباب المغفرة
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا بان آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
في هذا الحديث بشارة عظيمة، وحلم وكرم عظيم، وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان والرأفة والرحمة والامتنان قوله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك» يعني غفرت لك على عظم ذنوبك وكثرة خطاياك. وفي الصحيح عن النبي ﷺ قال: «إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء». وفي صحيح الحاكم عن جابر: «أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ وهو يقول: واذنوباه مرتين أو ثلاثا. فقال له النبي ﷺ: قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي،ورحمتك أرجى عندي من عملي فقالها، ثم قال له: عد فعاد، ثم قال له: عد فعاد، ثم قال له: قم قد غفر الله لك» وقد قال تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [سورة آل عمران: الآية 135] وقال عز وجل: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء: الآية 110] وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم، فإنكم ما تدرون حتى تنزل المغفرة. وعن أبي هريرة مرفوعًا «بينما رجل مستلق إذ نظر إلى السماء وإلى النجوم فقال: إني لأعلم أن لي ربًّا خالقًا اللهم اغفر لي فغفر له» رواه ابن أبي الدنيا، وعن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك: وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعتمك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» رواه البخاري. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «إن كنا لنعد لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور» أخرجه الأربعة. وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب». قال قتادة: إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب،وأما دواؤكم فالاستغفار. وفي الدعاء المأثور: «اللهم إني أسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب». قال بعضهم:
أستغفر الله مما يعلم الله | إن الشقي لم لا يرحم الله | |
ما أحلم الله عمن لا يرقابه | كل مسيء ولكن يحلم الله | |
فاستغفر الله مما كان من زلل | طوبى لمن كف عما يكره الله | |
طوبى لمن حسنت منه سريرته | طوبى لمن ينتهي عما نهى الله |
قال تعالى: «يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» قراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها. قال الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ [سورة النساء: الآية 48] وفي المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ قال لأصحابه: ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، ثم وضع رسول الله ﷺ يده ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني الجنة عليها، وإنك لا تخلف الميعاد، ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم»
وقد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة:
أحدها: الدعاء مع الرجاء: فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة كما قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر: الآية 60] وفي السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبي ﷺ قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم تلا هذه الآية. وفي حديث آخر خرجه الطبراني مرفوعا: «من أعطى الدعاء أعطي الإجابة لأن الله تعالى يقول: }ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{»، وفي حديث آخر: «ما كان الله يفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة»، لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه. وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه وآدابه. ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى كما خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وإن الله تعالى لا يقبل دعاء من قبل غافل لاه» وفي المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: «إن هذه القلوب أوعية فبعضها أوعى م نبعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاء من ظهر قلب غافل».
ولهذا نهى العبد أن يقول في دعائه: اللهم اغفر لي إن شئت. ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له، ونهي أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة وجعل ذلك من موانع الإجابة حتى يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء ما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في الإجابة من غير قطع الرجاء فهو قريب من الإجابة.
السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء وهو السحاب، وقيل ما انتهى إليه البصر منها، وفي الرواية الأخرى: «لوأخطأتم حتى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم» والاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة هي وقاية اشر الذنوب مع سترها، وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار، فتارة يؤمر به كقوله تعالى: }اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة المزمل: الآية 20]، وقوله: }وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ{ [سورة هود: الآية 3] وتارة يمدح أهله كقوله تعالى: }وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ{ [سورة آل عمران: الآية 17] وقوله تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ{ [سورة آل عمران: الآية 135]، وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره كقوله تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء: الآية 110] وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح. وتارة يفرد الاستغفار ويرتب عليه المغفرة كما ذكر في هذا الحديث وما أشبهه، فقد قيل إنه أريد به الاستغفار المقترن بالتوبة، وقيل إن نصوص الاستغفار كلها المفردة مطلقة تقيد بما ذكر في آية آل عمران من عدم الإصرار، فإن الله وعد فيها بالمغفرة لم استغفره من ذنوبه ولم يصر على فعله فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد، ومجرد قول القائل اللهم اغفر لي طلب منه للمغفرة ودعائها فيكون حكمه حكم سائر الدعاء فإن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه لا سيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب أو صادق ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات.
السبب الثالث: من أسباب المغفرة التوحيد وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة فمن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة، قال الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{ [سورة النساء: الآية 48] فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، وهو ملؤها أو مايقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة([47]).
3- الأسباب التي تزول بها عقوبات الذنوب
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
قد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب:
1- أحدها: التوبة، وهذا متفق عليه بين المسلمين قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر: الآية 53] وقال تعالى: }أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{ [سورة التوبة: الآية 104] وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{ [سورة الشورى: الآية 25] وأمثال ذلك...
2- السبب الثاني: الاستغفار: كما جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «أذنب عبد ذنبًا فقال: أي رب أذنبت ذنبًا فاغفره لي فقال: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنبًا آخر فقال: أي رب أذنبت ذنبًا آخر فاغفره لي، فقال ربه: علم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء قال ذلك في الثالثة أو في الرابعة» وفي صحيح مسلم عنه أنه قال: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»([48]).
3- السبب الثالث: الحسنات الماحية: كما قال تعالى: }وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ{ [سورة هود: الآية 114] وقال ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»([49]) وقال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([50]) وقال: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([51]) وقال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»([52]) وقال: «فتنة الرجل في أهله وماله وولده تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»([53]) وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح وقال: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار»([54]) «والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»([55]).
4- السبب الرابع: الدافع للعقاب: دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن ا لنبي ﷺ أنه قال: «ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه» وعن ابن عباس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه» رواهما مسلم وهذا دعاء له بعد الموت فلا يجوز أن تحمل المغفرة علىالمؤمن التقي الذي اجتنب الكبائر وكفرت عنه الصغائر فإن ذلك مغفور له فعلم أن هذا الدعاء من أسباب المغفرة للميت.
5- السبب الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها فإن هذا ينتفع به بنصوص السنة الصحيحة الصريحة واتفاق الأئمة وكذلك العتق والحج بل قدثبت عنه في الصحيحين أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» وثبت مثل ذلك في الصحيح في صوم النذر من وجوه أخرى، ولا يجوز أن يعارض هذا بقوله تعالى: }وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{([56]) لوجهين:
أحدهما: أنه قد ثبت بالنصوص المتواترة وإجماع سلف الأمة أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه كدعاء الملائكة واستغفارهم له،ودعاء المؤمنين واستغفارهم، وكدعاء المصلين للميت ولمن زاروا قبره من المؤمنين.
الثاني: أن الآية ليست في ظاهرها إلا أنه ليس له إلا سعيه وهذا حق فإنه لا يملك ولا يستحق إلا سعي نفسه، وإما سعى غيره فلا يملكه ولا يستحقه لكن هذا لا يمنع أن ينفعه الله ويرحمه به كما أنه دائما يرحم عباده بأسباب خارجة عن مقدورهم. وهو سبحانه بحكمته ورحمته يرحم العباد بأسباب يفعلها العباد ليثبت أولئك على تلك الأسباب فيرحم الجميع كما في الحديث الصحيح عنه ﷺ أنه قال: «ما من رجل يدعو لأخيه بدعوة إلا وكل الله به ملكًا كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل»([57]) وكما ثبت عنه ﷺ في الصحيح أنه قال: «من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان أصغرهما مثل أحد»([58]) فهو قد يرحم المصلي على الميت بدعائه له ويرحم الميت أيضا بدعاء هذا الحي له.
6- السبب السادس: شفاعة النبي ﷺ وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة كما قدتواتر عنه أحاديث الشفاعة مثل قوله ﷺ في الحديث الصحيح: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»([59]) وقوله ﷺ: «خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة»([60]) لأنها أعم وأكثر أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخطائين.
7- السبب السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا: كما في الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه».
8- السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذه مما يكفر به الخطايا.
9- السبب التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها..
10- السبب العاشر: رحمة الله وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد([61]).
4- أسباب المغفرة في رمضان
شهر رمضان تكثر فيه أسباب المغفرة والغفران فمن أسباب المغفرة فيه:
2- صيامه: قال ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
3- وقيامه بصلاة التراويح، والتهجد قال ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
4- وقيام ليلة القدر وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم. قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
5- وتفطير الصوام قال ﷺ: «ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار» رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
6- والتخفيف عن المملوك والخدم قال ﷺ: «ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار».
7- وذكر الله تعالى في حديث مرفوع: «ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله فيه لا يخيب» رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
8- والاستغفار: طلب المغفرة والدعاء في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره، وقدأمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر: الآية 60] وفي الحديث: «ثلاثة لا ترد دعوتهم. وذكر منهم الصائم حتى يفطر» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي الحديث: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» رواه ابن ماجة.
فينبغي للمسلم أن يكثر من الذكر والدعاء والاستغفار في جميع الأوقات وخصوصا في رمضان في حال الصيام وعند الإفطار وعند السحور وقت النزول الإلهي آخر الليل قال ﷺ: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه مسلم.
9- ومن أسباب المغفرة: استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا كما في حديث أبي هريرة المتقدم رواه أحمد.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان، متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر؟ متى يقبل من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟
5- الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة
كما جاء في الكتاب الذي ألفه الإمام أحمد بن حجر العسقلاني صاحب كتاب «فتح الباري» بشرح صحيح البخاري بهذا العنوان وهي:
1- إسباغ الوضوء وخصوصا على المكاره وفي شدة البرد. رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو بكر أحمد بن علي المروزي شيخ النسائي والبزار في مسنده وأصله في الصحيحين ولكن ليس فيه «وما تأخر».
2- قول: «رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ﷺ نبيا» بعد الأذان رواه أبو عوانة الإسفرائيني في مستخرجه الصحيح على مسلم، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وليس عندهم «وما تأخر».
3- صلاة التسبيح بأن يصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغ من القراءة في أول ركعة يقول وهو قائم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة ثم يقولها في الركوع عشرا وفي الرفع من الركوع عشرا وفي كل سجدة عشرا وبين السجدتين عشرا وهكذا في بقية الركعات فذلك خمس وسبعون في كل ركعة وفي مجموع الركعات ثلاثمائة تسبيحة «رواه أبو داود والترمذي وأورده ابن خزيمة وله شواهد»([62]).
4- قول «آمين» خلق الإمام وموافقة الملائكة فيه. رواه ابن وهب في مصنفه وأخرجه مسلم وابن ماجة بدون ذكر «وما تأخر».
5- صلاة الضحى إيمانا واحتسابا وفيه حديث ضعيف رواه آدم بن إياس في كتاب الثواب.
6- قراءة سورة الفاتحة وقل هو الله أحد والمعوذتين بعد الجمعة ثلاث مرات ورد فيه حدث ضعيف الإسناد رواه أبو الأسعد القشيري وابن أبي شيبة في مصنفه.
7- 8-9- صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر إيمانا واحتسابا. رواه أحمد والنسائي ورواه مسلم وغيره بدون ذكر «وما تأخر».
10- صيام يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة لغير الحاج رواه مسلم وغيره بلفظ: «يكفر السنة الماضية والمستقبلة».
11- الإهلال بالحج من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام. رواه أبو داود والبيهقي في شعب الإيمان رواه البخاري في تاريخه الكبير ولم يذكر فيه «وما تأخر».
12- الحج المبرور الخالص لله الموافق للسنة ولم يرتكب الحاج فيه معصية، رواه أبو نعيم في الحلية وأبو عبد الله بن مندة في أماليه وأحمد بن منيع في مسنده وأبو يعلى في مسنده الكبير.
13- قراءة آخر سورة الحشر آية 22- 24 رواه أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره.
14- قول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» مائة مرة رواه أبو عبد الله محمد بن حيان في فوائد الأصفهانيين.
15- تعليم الولد القرآن: «رواه أبو بكر بن بلال في كتاب مكارم الأخلاق».
16- قيادة الأعمى أربعين خطوة. أخرجه أبو عبد الله بن منده في أماليه وقال غريب وقال الإمام أحمد وابن معين وأبو داود رواته ثقات.
17- السعي في قضاء حاجة المسلم قضيت أولم تقض أخرجه أبو أحمد عبد الله بن محمد والمفسر الناصح.
18- المصافحة عند اللقاء والصلاة على النبي ﷺ أخرجه الحسن بن سفيان وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن حبان.
19- أن يقول بعد الأكل: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة رواه أبو داود في السنن وإسناده حسن.
20- التعمير في الإسلام تسعين سنة رواه جماعةمن المحدثين عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وهو مشهور وله شواهد. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فلله الحمد والشكر والثناء لا نحصي ثناء عليه([63]).
حلاوة الإيمان([64])
تقوم عقيدة المسلم على الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيره وشره.
وهذا الإيمان ليس مجرد اعتقاد في القلب، ونطق في اللسان، بل يشمل الأعمال والأحكام التي تترجم الإيمان إلى واقع ملموس، وسلوك محمود، وعمل صالح، وحركة مفيدة، وهنا تظهر حقيقة الإيمان إلى الوجود، وترى حلاوته إلى القلوب، ويتجلى نفعه وخيره ليقطف المؤمن ثماره، ويذوق طعمه، ويطمئن قلبه، وتسعد نفسه، وتنقلب حياته إلى نعيم في الدنيا قبل الآخرة ويعيش في الدنيا واثقا بوعد الله تعالى، ومستظلا برحمته، ومتمتعا بنعمه الوافرة، وخيراته العامة، راضيا بما أصابه، صابرًا لما نزل به، مجاهدًا في سبيل الله، زاهدا في المال طامعا في الجنة، خائفا من النار، يحب لغيره ما يحبه لنفسه، تطهرت سريرته من الطمع والحسد، والأنانية والحقد، وسمت سجاياه إلى الأخلاق الفاضلة، والمعاملة ا لحسنة، أحب الناس وأحبوه، وألفهم وألفوه، وأنس بهم وأنسوا به، فكان قرير العين، حلو الطباع، طليق الروح، سعيد الحياة.
طريق الإيمان
ولكن ما هو الطريق الذي يوصل إلى هذا الإيمان؟ وما هي السبل التي تحقق هذه الأهداف؟ وما هي الوسائل التي توفر هذه الغايات؟
يجيب على هذه الأسئلة المعلم الأول والمربي الحكيم، والقائد الموجه، والنبي الخاتم والرسول المبعوث رحمة للعالمين، فيرشد أمته إلى البر، ويدلهم على الخير، ويضع في أيديهم مفاتيح السعادة، ويبصرهم معالم الطريق، ويرشدهم للتي هي أقوم، فيما رواه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا»(1).
وهذا ما نريد بيانه وشرعه، وعرض مضمونه، ومعرفة حقيقته وأبعاده، وتحديد شروطه وصفاته.
وقبل الشروع في ذلك نذكر حديث آخر يكمل هذا المعنى، ويساعد في البيان، وهو ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار»(2).
وفي رواية الطبراني مرفوعًا: «ثلاث من كن فيه فقد ذاق طعم الإيمان، من كان لا شيء أحب إليه من الله ورسوله، ومن كان أن يحرق بالنار أحب إليه من أن يرتد عن دينه، ومن كان يحب لله، ويبغض لله».
ومن هذين الحديثين تظهر حقيقة الإسلام، وتتأكد حلاوته، وتنكشف سبل الرشاد إليه.
الرضا بالله تعالى ربًّا:
معنى رضيت بالشيء قنعت به، واكتفيت به، ولم أطلب معه غيره.
ومن رضي بالله تعالى ربا فقد اعتقد اعتقادا جازما بأن الله تعالى رب كل شيء، وأنه لا رب سواه، وأن الله سبحانه تفرد بالربوبية على خلقه، وأنه سبحانه هو وحده خالق الخلق، ومالك الكون، وأنه هو المحيي والمميت، والضار والنافع، والسميع والبصير، وأنه يجيب دعاء المضطر إذا دعاه، وهو المعطي والمانع، وهو المدبر لشئون الكون والخلق وهو القادر على كل ذلك، وأن له الخلق والأمر كما قال تعالى عن نفسه: }أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ{ (3).
وأن الله تعالى هو الرزاق يرزق من يشاء بغير حساب.
ومن رضي بالله تعالى ربًّا فقد أقر بالربوبية الحقة والمطلقة لله تعالى، وأثبت الربوبية لله تعالى فقط دون سواه، وسلب حقيقة هذه الصفة عن كل شيء في السموات والأرض وأنه لا رب إلا الله، ولا يشاركه أحد في ذلك، فمنه النفع والضرر، وله الخوف والرجاء، وهو مالك الملك في الدنيا والآخرة: }لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{ [سورة غافر: الآية 16]. }مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{ [الفاتحة: الآية 4].
ومن رضي بالله تعالى ربا خصه وحده بالتعظيم، وتوجه إليه وحده بالدعاء، وكان أمله في الرجاء، وتوجه إليه بالخشوع والخضوع، لأن الله تعالى وحده المستحق للتعظيم والتقديس وله يسجد من في السموات والأرض، ويسبح بحمده من في السموات والأرض وهو ما جاء في القرآن الكريم: }تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ{ 4 }وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا{ (5) }أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ{ (6).
ومن رضي بالله تعالى ربا خصه وحده بالعبادة.فلا يعبد إلا الله تعالى حقا وصدقا واعتمد عليه في كل أمر، واستعان به في كل عمل، وقصده في كل مطلوب، وهذا ما يكرره المسلم في كل يوم عدة مرات }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ وهو ما أرشد إليه المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي سنذكره بعد قليل.
ومن رضي بالله تعالى ربا التزم طاعته، واجتنب معصيته، ووقف عند حدوده، قال تعالى: }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا{ (7)، وقال عز وجل: }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا{ (8)، وأخلص العمل في جميع الأمور له، لقوله تعالى: }مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ{ (9)، وخصه بالتوكل عليه في كل شيء: }وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{ (10).
ومن رضي بالله تعالى ربا قصد رضوانه، ووجه جميع قواه وملكاته في مرضاته، فأحب في الله، وأبغض في الله للحديث الشريف السابق «وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» وسخر عواطفه وميوله ورغباته تبعا لمحبة الله تعالى، لما جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به»(11).
ومن رضي بالله تعالى ربا كفر بغيره من الآلهةوالأرباب، والأصنام والأوثان، والطواغيت المتألهين، وعلم حقًّا ويقينا أنه لا إله إلا الله.
ومن رضي بالله تعالى ربًّا اطمأن قلبه بالإيمان، وأحسن بالسعادة القلبية، والنشوة الوجدانية، وأقبل على الحياة راضيا ومبتسما ومتفائلا، مع انشراح الصدر والهمة العالية النشاط المتدفق، وأحس بطعم الإيمان، وذاق حلاوته في البيت والمجتمع، والعمل والتعامل والحزن والفرح، والسراء والضراء، والسلم والحرب، ووجد الله معه وعنده وأمامه، ويؤيد ذلك ويجمعه الحديث الشريف الذي رواه أبو العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي ﷺ يوما فقال: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: «احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا»(12).
الرضا بالإسلام دينا:
الدين في اللغة من دان به أي اتخذه دينا ومذهبا، أي اعتقده واعتاده، ودان بالإسلام دينا أي تعبد به وتدين، والدين هو الملة والشرع والقانون والطريقة والمذهب والعادة، والدين أيضا من دان له أي أطاعه وخضع له، أو ذل أو استكان أو عبد، فالدين هو الإطاعة والخدمة والعبودية.
فمن رضي التدين بالإسلام فقد التزم بالطاعة والعبودية على هذا الشرع في علاقاته وعباداته، وسلوكه وتصرفاته.
ومن رضي بالإسلام دينا فقد أقر في قلبه بأركان الإسلام، وتجلى ذلك في صلته مع الله تعالى، وأن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإتياء الزكاة، وصوم رمضان وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا.
ومن رضي بالإسلام دينا فقد رضي بأحكامه وشرعه، وتبنى مبادئه وقواعده، وأخذ بنظريته في معرفة الله والكون والحياة الإنسان، وسار في الحياة بمقتضى الأحكام الشرعية، والأخلاق الفاضلة، وحافظ على نفسه وعلى نفوس الآخرين، ورعى أمواله وأموال غيره، وصان عرضه وأعراض المسلمين، وحقن دماء الناس كما يحقن دمه وروحه، والتزم بمنهج العبادة فيه كما وردت دون زيادة أو نقصان، ولا بدعة أو ابتداع.
ومن رضي بالإسلام دينا أحب الإسلام والمسلمين، وعض عليهم بالنواجذ وتمسك بالهدى الذي جاء به، وضحى بكل غال ونفيس في سبيله، واستعذب المرارة من أجل دينه وكره أن يمسه الكفر، وأن يعود إلى الضلال، (يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
ومن رضي بالإسلام دينا وجب عليه أن يكون داعية له بالقول والفعل، والأخلاق والسلوك والمعاملة والتعامل، وكان مبشرا بتعاليم الدين، قائما على حدوده، مجاهدا في سبيله بماله ودمه وروحه، مستعذبا للموت فداء لنشره، ولتعميم الخير لكل البشر، تطبيقا لقوله تعالى: }وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ{ (13).
ومن رضي بالإسلام دينا ومنهجا جعله معيارا يسير به الدعاوي الباطلة، والمبادئ الهادمة، والأفكار المبرقعة والشعارات الزائفة، فما وافق الإسلام فهو الحق يقينا وصدقا، بل هو الإسلام ومن الإسلام وما خالفه فهو الباطل بدون ريب ولا شك فيطرحه أرضا، وما اتفق مع مقاصد الشرع والإسلام فهو خير، وما عارضها فهو شر وضلال وانحراف.
ومن رضي بالإسلام دينا أقام الموازين عليه في تقييم الأشخاص، وتحديد المواقف، فمن سلك طريق الإسلام نجا، وكان من الثقاة المقبولين، ومن حاد عنه، انحرف إلى الهاوية، وتردى في شباك الشيطان وشركه، ووقف في الصف المعادي، ليكون كافرا أو ملحدا أو منافقا، فليس بعد الحق إلا الضلال.
ومن رضي بالإسلام دينا فلا يقبل على يهودية أو نصرانية، ومن المغضوب عليهم ولا الضالين، ولا يميل سمعه إلى فرق ضالة أو منحرفه؛ لأنها كلها في النار، ولا يتلفت نظره إلى المذاهب الخداعة، والأقوال البراقة التي تصدر من معين الشيطان وأعوانه، ويحيكها أعداء الإسلام من كل جانب بألفاظ منمقة، ودعاوي جوفاء، وأدوية مسمومة، تصنع منها الحبال لاصطياد البلهاء والشاردين عن الحق وعن جماعة المسلمين: (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).
ومن رضي بالإسلام دينا نبذ ما عداه، وأدرك منهج الإسلام المستقيم }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ (14).
ومن رضي بالإسلام دينا كان ذا عقل راجح، وفكر واع، ومنطق قويم، لأنه رضي لنفسه ما رضيه له رب العزة، العليم الحكيم الذي قال في محكم كتابه: }وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا{ (15) وأن الله تعالى رضي لعباده الإسلام ليصلحهم في الدنيا، ويحقق لهم السعادة في الحياة، ويمنحهم الجزاء الأوفى، والفردوس الأعلى، والنجاة من النار، والفوز بالجنة في الآخرة، وإذا كان الله تعالى رضي لعبيده الإسلام فهل يخطر على بال ذي لب وعقل أن يرضى بغير ما رضيه الله له، وأن يتنكب عن صراط الله، ويعرض عن رضاء الله؟ والعياذ بالله ومن يفعل ذلك فقد خاب وخسر، وكشف عن غبائه وغفلته، وسذاجته وبلادته، وأنه سار في الطريق المعوج، وهو أعمى لا يدري، ومثله كحاطب ليل، يحمل الأفعى مع حطبه، وتلدغه في ظهره، وتمص دمه، قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى{(16).
ومن رضي بالإسلام دينا حمد الله تعالى على فضله، وشكره على نعمه، وكرر يوميا هذه العبارة (الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله).
الرضا بمحمد ﷺ رسولا:
الرضا بمحمد ﷺ رسولا هو أن يقر المؤمن بنبوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وأن الله تعالى اصطفاه من خلقه، واختاره لرسالته، وأنه خاتم النبييين كما قال تعالى: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا{ (17)، وأنه أفضل المرسلين، وهو الشافع والمشفع يوم الدين، لما رواه جابر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أنا قائد المرسلين، ولا فخر، وأنا خاتم النبيين، ولا فخر، وأنا أول شافع ومشعف، ولا فخر»(18)، وأن الله تعالى أرسله رحمة للعالمين، لقوله تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{.
ومن رضي بمحمد رسولا آمن بكل ما جاء به من ربه، وصدقه بكل ما نقله عن الله تعالى من المغيبات، والأحكام وأخذ بالآيات التي وصفت هذا الرسول الكريم، ومدحه الله تعالى بها، كقوله تعالى: }وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ{(20)، وقوله تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ (21)، وقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا{ (23).
ومن رضي بمحمد رسولا علم يقينا أن ما جاء به هو من عند الله تعالى: }وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{ (24)، وأن رسول الله ﷺ أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، نصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ثم لحق بالرفيق الأعلى، وقدترك أمته على شريعة بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
ومن رضي بمحمد رسولا درس سيرته العطرة، وحياته الشريفة، ليقتدي بأقواله وأفعاله، ويتخذه مثلا أعلى في الحياة، وقائدا حقيقيا للأمة وأسوة حسنة في العبادة والمعاملة، والأخلاق والسلوك، ويتمثل صفاته الحميدة ليرشف من معينها، ويتخذها عبرة له، ومرشدا في حياته، وموجها في أعماله.
ومن رضي بمحمد رسولا أخذ بسنته وأقواله وأفعاله }وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ (25) وأطعه في جميع أوامره ونواهيه، لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ{ (26)، ولأن طاعة الرسول ﷺ طاعة لله تعالى: }مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ{ (27)، وأن اتباعه سبيل إلى محبة الله ورضوانه، لقوله تعالى: }قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ{ (28).
ومن رضي بمحمد رسولا أحبه من قلبه، وقدم حبه على نفسه (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وفداه بماله وأهله وأولاده وروحه، وهو ما كان يردده الصحابة رضوان الله عليهم (فداك أبي وأمي يا رسول الله)، وتشوق إلى زيارته، والسلام عليه في الدنيا، كما يحن الغريب إلى وطنه، ويتذكر المسافر أهله، فلا يجفوه البعد، ولا يزيده النوى إلا لظى وحنينا، ويسأل الله تعالى شفاعة نبيه يوم البعث والنشور، وعند العرض والحساب، وتمنى أن يحشر تحت لوائه يوم القيامة (يحشر المرء مع من أحب).
ومن رضي بمحمد رسولا اتخذه رائدا للصلاح والإصلاح، ومرشدا في الملمات، وموجها للخير، وهاديا عند الخطوب، ومعلما للأمة والأجيال، ومربيا للشعوب، وكشف عن طريقه القيادات الزائفة، والزعامات العميلة، والسيادات المأجورة، والمتنبئين الكذبة، والدعايات المغرضة، وأصحاب الأهواء المدسوسة، ويبقى محمد ﷺ في نفسه وقلبه نورا ساطعا، وسراجا منيرا، وأملا مشرقا بكل ما وعد وأوعد، وبشر وأنذر.
وبعد: فإن فعل المؤمن ما سبق ذاق طعم الإيمان، واستشعر حلاوته، وشفي قلبه من كل سوء، وزال عنه القلق والاضطراب، وحل فيه اليقين والسكينة، وأمن الناس منه على دينهم وما لهم وأنفسهم وأعراضهم وأولادهم، وشاع في المجتمع الأمن والطمأنينة، واجتث الخوف والفساد، والاضطراب، تحقيقا لقوله ﷺ: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله تعالى ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا».
قال الإمام النووي: (فمعنى الحديث: لم يطلب غير الله، ولم يسع في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة محمد ﷺ، ولا شك أن من كانت هذه صفته فقد خلصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه) ثم نقل النووي عن القاضي عياض رحمه الله قال: (معنى الحديث صح إيمانه، واطمأنت به نفسه، وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشة قلبه، لأن من رضي أمرا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى، ولذت له) (29)، ثم نال الثواب الكبير لقوله ﷺ: «من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه».(30)
وقال الفيروزآبادي عن هذين الحديثين (ذاق طعم الإيمان، من قال حين يسمع النداء) قال: (وهذان الحديثان عليهما مدار مقامات الدين، وقد تضمنا الرضا بربوبيته سبحانه وألوهيته، والرضا برسوله، والانقياد له، والرضا بدينه، والتسليم له، ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصديق حقا، وهي سهلة بالدعوى واللسان، ومن أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان، ولا سيما إذا ما خالف هوى النفس ومرادها، فحيئذ يتبين أن الرضا كان على رسالة، لا على حالة) (31).
والإيمان بما سبق له مذاق خاص، وحلاوة شهية، وطعم رقيق، لا يدركه إلا من لامس الإيمان شغاف قلبه، ولا يلتذ به إلا من مارسه، ومن ذاق عرف، نسأل الله تعالى إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، ورضاء شاملا، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش
1- رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي (صحيح مسلم 2/ 2، مسند أحمد 1/ 208، سنن الترمذي 7/ 372، الفتح الكبير 7/ 372).
2- رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه (صحيح البخاري 1/ 14، صحيح مسلم 2/ 13، سنن الترمذي 7/ 372، سنن ابن ماجه 2/ 1338، الفتح الكبير 2/ 48، نزهة المتقين 1/ 149).
3- سورة الأعراف: الآية 54.
4- سورة الإسراء: الآية 44.
5- سورة الرعد: الآية 15.
6- سورة الحج: الآية 18
7- سورة البقرة: الآية 187.
8- سورة البقرة: الآية 229.
9- سورة البينة: الآية 5.
10- سورة التوبة: الآية 51.
11- رواه المقدسي وأبو نعيم في الأربعين وأبو بكر الأصبهاني والنووي في الأربعين وقال: حديث حسن صحيح.
12- رواه الترمذي والإمام أحمد (جامع العلوم والحكم ص 161، الحديث رقم 19)
13- سورة الحج: الآية 78.
14- سورة الأنعام: الآية 153.
15- سورة المائدة: الآية 3.
16- سورة طه: الآية 124- 126.
17- سورة الأحزاب: الآية 40.
18- حديث حسن رواه الدارمي (الفتح الكبير 1/ 275، فيض القدير 3/ 43).
19- سورة الأنبياء: الآية 107.
20- سورة القلم: الآية 4.
21- سورة التوبة: الآية 128.
22- سورة الأحزاب: الآية 45- 46.
23- سورة النجم: الآية3-4.
24- سورة الحشر: الآية 7.
25- سورة الأنفال: الآية 20.
26- سورة النساء: الآية 80.
27- سورة آل عمران: الآية 31.
28- شرح النووي على صحيح مسلم 2/ 2.ط
29- رواه الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة (الفتح الكبير 3/ 217) وروى البخاري ومسلم أن رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» (صحيح البخاري 1/ 14، صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 15).
30- بصائر ذوي التميز 2/ 79.
الخاتمة([65])
في نهاية هذا البحث المتواضع أتوجه إلى الله العلي القدير بما هو أهله أن ينفعني به وأن ينفع به قارئه وسامعه وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن يجعل العمل خالصا لوجهه الكريم وأن يتجاوز عما فيه من زلل وخطأ وتقصير عمدا كان أو سهوا.
ويمكن أن ألخص أهم النتائج في هذا البحث إلى النقاط التالية:
1- إن مما قد يحتج به بعض العصاة حين وقوعه في المعصية بقوله (إنها مقدرة عليه) فهو باطل لأن القدر يحتج به في المصائب لا في المعائب ولو كان الاحتجاج بالقدر جائزا كان فيه حجة لإبليس أخزاه الله.
2- أن المعاصي تنقسم إلى قسمين كبائر مكفرة وكبائر مفسقة وصغائر وهي كثيرة وأن ضبطها بعدد قد يكون محالا لأنه يتجدد في عصر ما لم يكن في عصر قبله ويمكن أن يقال عنها أن الكبير هي: ما دل الدليل على توكيد وتغليظ تحريمها سواء توعد عليها بلعن أو غضب أو نار أو عذاب أو نفي الإيمان أو التبرأ منه، أو ما عظم ضررها في الوجود أو اقتران بارتكابها ما تعظم به فهي كبائر، وما عداها فهي الصغائر.
3- ينبغي للمسلم عدم التساهل في الصغائر لأنها تجمتع على فاعلها حتى تهلكه كما بين هذا رسول الله ﷺ في حديث المحقرات وأنها تلتحق بالكبائر بأمور منها الإصرار عليها أو الفرح بها... إلخ.
4- أن الدنيا دار امتحان لبني آدم، فامتحن الله الرسل بأممهم والأمم بالرسل وامتحن العلماء بالجهال والجهال بالعلماء والملوك بالرعية والرعية بالملوك والرجال بالنساء والنساء بالرجال والأغنياء بالفقراء والفقراء بالأغنياء وأهل الإيمان بالكفر والكفار بالمؤمنين قال الله جلا وعلا: }وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا{([66]).
5- للمعاصي مسببات تجعل الإنسان ينساق إليها حتى يقع فيها ومنها ضعف الإيمان واليقين وحصول الجهل بالله تعالى وبالدين الحق والبعد عن الكتاب والسنة واتباع الشهوات والشبهات وقرناء السوء.
6- الشهوات والشبهات أصل كل فتنة ومنبع كل بلية والشهوات تكون في المال والبنين والنساء والجاه غالبا ونحوها. والشبهات تكون من اتباع الهوى وقلة الفقه في الدين وعدم التوفيق أو من غرض فاسد أو غيرها.
7- إن لهذه الأسباب السابقة دافع هو عدو بني آدم منذ أخرج آدم من الجنة بسببه، ومنذ تضع الأم ابنها إلى الوفاة، وهو يحاول إضلاله؛ قال تعالى في شأنه: }لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{([67]) كل ذلك بأي وجه أو طريق من مكائده أو مصائده الكثيرة.
8- إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء وتختلف باختلاف أصحابها صحة وسقما وللذنوب تأثير عليها منها ذهاب حيائها وغيرتها وزيغها وحرمان العلم النافع والوحشة والظلمة مع عدم توقير الله تعالى ومهابته.
9- المعاصي تؤثر على القلب والنفس كتأثير السموم في الأجساد وهي تؤثر على بدن العاصي بأنواع العقوبات القدرية والشرعية كالحدود وغيرها كما أنها تؤثر على سائر تصرفات العاصي العملية والعقلية والخلقية بتأثيرات شريرة خبيثة.
10- سبب هلاك الأمم السابقة كقوم نوح وهود وصالح وقوم فرعون وغيرهم هو عصيانهم لرسلهم وظلمهم. ومن تأثيرها على المجتمعات أنها تؤدي إلى ضعف الإيمان والأمن أو زوالهما وفقد الأرزاق والعافية في الأبدان ووقوع الهزائم الحربية، إضافة إلى ما تسببه من خسف أو زلازل ونحوها وعدم حصول البركة بل تنزع من الأموال والأولاد وغيرها.
11- للذنوب آثار خطيرة على غير الإنسان فهي تؤثر على كثير من الكائنات إن لم يكن كلها مثل الدواب والشجر والحجر والأرض والسماء قال جل وعلا عن الشرك: }تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا{([68]).
12- القبر أول منازل الآخرة وعذابه أو نعيمه حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة ويعذب العصاة في قبورهم على أمور منها الإشراك بالله ورفض القرآن والنوم عن الصلاة والكذب والربا والزنا وعدم الاستتار من البول وغيرها.
13- يوم القيامة يوم لا ريب فيه يجمع الله فيه الأولين والآخرين لفصل القضاء بينهم وهو يوم عصيب عظيم قال الله في شأنه: }يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{([69]) وقد ذكره الله تعالى في كثير من سور القرآن بأنه يعذب العصاة يوم القيامة على آثار مذكورة في الكتاب أو في السنة منها الظلم، والرياء، والتصوير، والكبر، ومنع الزكاة، والأسبال ونحوها.
14- النار أشد العذاب وأخبثه وهي حق كما أن الجنة حق والصراط منصوب عليها وبها من الأغلال والسلاسل والحميم والضريع والزقوم ما الله به أعلم، وفيها يعذب الله من عصاه من المشركين والمنافقين وآكلي مال اليتيم والربا والزناة والكاذبين والمصورين والمتكبرين والظلمة وأعوانهم وأهل السرقة ونحوهم. والله أعلم.
15- تقوى الله خير ما يعالج بها العبد نفسه الأمارة بالسوء وغيره وهي وصية الله للأولين والآخرين ووصية الرسل لأممهم والصالحين لإخوانهم وهي مراقبة الله في السر والعلن وقد ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم كثيرا وهذا يدل دلالة واضحة على أهيمتها. وأن مكانها القلب الذي هو محل نظر الرب جلا وعلا.
16- أحب الأعمال إلى الله أداء الفرائض في أوقاتها حسب ما شرع الله ورسوله وهي أهم الأعمال التي أمر الله بها وتاركها يكفر وتليها في الأهمية النوافل وفاعلها مأجور وتاركها محروم أجرها غير مأزور.
17- القيام بالنوافل علامة لحب الله لفاعلها ورفعة له عند ربه يوم القيامة إن كان قد أقام الفرائض لأن من اشتغل بالفرض عن النفل فهو معذور ومن اشتغل بالنفل عن الفرض فهو مغرور والنوافل ما عدا الفرائض من صلاة وزكاة وصيام وحج وذكر الله وقراءة للقرآن ونحوها.
18- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عمل الأنبياء والمرسلين واتباعهم من المصلحين والمربين والدعاة وهو أمر رب العالمين ولا تنال الخيرية ولا تحصل النجاة والعزة والنصر وحل المشكلات إلا به.
19- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تؤتي ثمرتها يانعة إلا بشروط وآداب محددة فهما عماد الدين وقطبه الأساسي وبه يتقى كثير من الشرور والفساد عن البلاد والعباد.
20- أهمية الاقتداء بالرسل خصوصًا رسولنا عليه الصلاة والسلام وأصحابه وأتباعه وأن طريقهم وسيرتهم هي المثل الرائع وهم الأسوة الفريدة الصالحة لكل مؤمن في كل زمان ومكان وأن من استن بسنتهم يسعد في الدارين بخلاف غيرهم وليس على هديهم فلا يصح الاقتداء بهم بل يجب نصحهم وعدم السير على خطأهم أيا كانوا.
21- التوبة مطلب رفيع وخير كثير لمن اقترف إثما ثم عدل عنه للصلاح وتطلب في أول الأمر وآخره ولأهميتها فالله أشد فرحا بتوبة عبده من رجل فقد راحلته حتى رأى الموت فوجدها. ولا تكون التوبة نصوحا مقبولة إلا بشروطها ما لم يمنعها مانع وهي واجبة على كل ذنب كبير أو صغير....إلخ.
وبالله التوفيق........
([1]) ومن الطرائف أنني كنت أقول للشيخ رحمه الله تعالى: "أنت يا شيخ سيوطي زمانك" تشبيها له بالإمام السيوطي في كثرة تصانيفه. فكان الشيخ رحمه الله يعاتبني معاتبة لطيفه على هذه المقولة.
([2]) سير أعلام النبلاء 20/ 136.
([3]) هذه الترجمة مصورة من كتاب الوالد المسمى: (رسالة إلى أئمة المساجد والمؤذنين والمأمومين).
([4]) قال ابنه محمد: واستمر في التدريس في الثانوية موسى بن نصير بالرياض حتى أحيل على التقاعد لعجزه الصحي عام 1413هـ.
([5]) قبل تقديم الكتاب للطبع طلبت من فضيلة الشيخ محمد شيئًا مختصرًا عن الشيخ عبد الله فتكرم مشكورًا بكتابه هذه الأسطر.
([6]) رواه البخاري ومسلم.
([7]) النمص: نتف الشعر، ولعنت النامصة وهي مزينة النساء بالنمص. والمتنمصة وهي المزينة به. والوشر: أن تحدد المرأة أسنانها وترققها. وفي الحديث: "لهن الله الواشرة والمتوشرة".
([8]) رواه أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عمر ورمز السيوطي لحسنه.
([9]) رواة الترمذي عن أبي بكر ورمز السيوطي لحسنه.
([10]) رواه الطبراني عن ابن عباء ورمز السيوطي لحسنه.
([11]) رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي بكر ورمز السيوطي لحسنه.
([12]) رواه أحمد وابن ماجة والحاكم والنسائي عن ابن عباس ورمز السيوطي لحسنه.
([13]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم ج4 ص 401-407.
([14]) سورة النساء: الآية 66- 68.
([15]) سورة النساء: الآية 69-70.
([16]) تفسير الشيخ عبد الرحمن بناصر السعدي 1-2/45-46.
([17]) سورة الأعراف: الآية 146-147.
([18]) تفسير ابن كثير 2/246- 247.
([19]) العمدة في فقه الشريعة - للشيخ أحمد بن عبد الرحمن القاسم ص 218.
([20])انظر الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم 59-137.
([21]) رواه البخاري ومسلم.
([22]) رواه مسلم.
([23]) رواه ابن خزيمة، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري، قال صاحب الفتح الرباني 10/ 76: وإسناده حسن.
([24]) رواه أحمد مشكاة المصابيح 3/ 1465 حديث رقم 5331.
([25]) قال في فتح المجيد ص 296 رواه النسائي وحسنه بن مفلح.
([26]) رواه الترمذي وقال الصحيح أنه موقوف، المصدر السابق ص 291.
([27]) رواه أبو داود والإمام أحمد والنسائي والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي (في فيض القدير 5/ 20).
([28]) رواه أحمد ومسلم عن عبادة بن الصامت.
([29]) كما في حديث سمرة بن جندب الطويل في قصة العصاة الذي رآهم النبي ﷺ في المنام يعذبون بأنواع العذاب بحسب جرائمهم رواه البخاري.
([30]) رواه البخاري ومسلم.
([31]) رواه البخاري.
([32]) رواه ابن ماجة.
([33]) هذا مبني على أن الحد حق للمقذوف، وقيل يجلد القاذف وإن لم يطلب المقذوف لأن الحد حق الله.
([34]) انظر كتاب الكبائر للذهبي ص 90- 91.
([35]) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح، انظر كتاب الكبائر للذهبي ص 90- 91.
([36]) رواه أحمد والترمذي.
([37]) رواه البخاري ومسلم.
([38]) أخرجه الحاكم ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بالصحة.
([39]) رواه ابن ماجة والبزار والبيهقي والحاكم وقال على شرط مسلم.
([40]) نواقض الإسلام لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز –مجلة البحوث الإسلامية- العدد السابع 1403 هـ.
([41]) نشرت في مجلة البحوث الإسلامية العدد 20 وهي لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
([42]) خطب الشيخ صالح الفوزان 1/ 148.
([43]) خطب الشيخ صالح الفوزان 1/ 148.
([44]) وهذا البحث هو كتاب سبق طبعه للشيخ عبد الله بن جار الله الجار الله رحمه الله. فما سبق إيراده هنا لعلاقته الوثيقة بموضوع الكتاب الأصلي.
([45]) انظر تفسير ابن سعدي ج5 صحفة 88 ط1.
([46]) انظر الجواب الكافي لابن القيم ص 22- 40.
([47])انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 341.
([48]) وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء: الآية 110].
([49]) رواه أحمد ومسلم والترمذي بإسناد صحيح.
([50]) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
([51]) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
([52]) متفق عليه.
([53]) متفق عليه.
([54]) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
([55]) رواه ابن ماجة عن أنس ورمز السيوطي لحسنه.
([56]) سورة النجم: الآية 39.
([57]) رواه مسلم.
([58]) رواه البخاري.
([59]) رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم.
([60]) رواه أحمد في مسنده عن أبي موسى بلفظ أتاني آت من ربي فخيرني في أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا قال الهيثمي ورجال أحمد ثقات وقال المنذري رواه الطبراني بأسانيد أحدها جيد وابن حبان في صحيحه بنحوه.
([61]) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جـ7 ص 487- 501 باختصار.
([62]) يقوي بعضها بعضا قال الحافظ ابن حجر في أجوبته عن أحاديث المصابيح والحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه وقال المنذري وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة. وصححه جماعة منهم أبو بكر الآجري وأبو محمد عبد الرحيم المصري وأبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى وصححه الحاكم.
([63]) انظر هذه الخصال في مجموعة الرسائل المنبرية ج1 ص 226- 257.
([64]) مقال للدكتور محمد الزحيلي: منشور في مجلة الجندي المسلم.
([65]) من كتاب (المعاصي وأثرها على الفرد والمجتمع)، للشيخ: حامد بن محمد المصلح.
([66])سورة الفرقان: الآية 20.
([67]) سورة الأعراف: الآية 16- 17.
([68]) سورة مريم: الآية 90- 91.
([69]) سورة عبس: الآية 34- 37.