×
بيان أركان الإيمان: خلاصة لمحاضرات في أركان الإيمان ألقيتها في عدة مناسبات، وقد طلب مني بعض الحضور كتابتها، والإذن بنشرها، لينتفع بها، ورجاء أن يعم الله تعالى بنفعها، لشدة الحاجة إلى الإلمام بموضوعها.

 بيان أركان الإيمان

تأليف الفقير إلى عفو ربه

عبدالله بن صالح القصيّر


 مقدمة

الحمد لله وحده ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ..

أما بعد :

فهذه خلاصة لمحاضرات فـي أركان الإيمان ألقيتها فـي عدة مناسبات، وقد طلب مني بعض الحضور كتابتها، والإذن بنشرها ، لينتفع بها ، ورجاء أن يعم الله تعالى بنفعها ، لشدة الحاجة إلى الإلمام بموضوعها.

وقد يسر الله تعالى كتابتها ومراجعتها، وسميتها : بيان أركان الإيمان .

فها هي بين يدي المسلمين .. والحمد لله رب العالمين .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

   جمادى الأولى 1423هـ  

قاله وكتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

     عبدالله بن صالح القصيّر


تمهيد فـي  

 معنى العقيدة وبيان التوحيد والعلاقة بينهما

أولاً : معنى العقيدة لغة واصطلاحاً :

العقيدة لغة : مصدر من اعتقد يعتقد اعتقاداً وعقيدة، مأخوذ من العقد، وهو : الربط والشدُّ بقوة وإحكام ، ونحو ذلك مما فيه توثق وجزم، ولذا يطلق على العقد على البيع والعهد والنكاح واليمين ونحوهما من المواثيق والعقود لارتباط كل من الطرفين بهذا العقد عرفاً وشرعاً ، إلى غير ذلك مما يجب الوفاء به قال تعالى : +      " [المائدة : 1]

والعقيدة فـي الاصطلاح : ما ينعقد عليه قلب المرء ويجزم به؛ بحيث لا يتطرق إليه الشك فيه ، فهي حكم الذهن الجازم أو ما ينعقد عليه الضمير أو الإيمان الجازم الذي يترتب عليه القصد والقول والعمل بمقتضاه .

ثانياً : صحة العقيدة أو فسادها :

عقيدة المرء هي : إيمانه الجازم الذي ينعقد عليه قلبه ويحكم به ذهنه ويتخذه مذهباً وديناً يدين به ، بغض النظر عن صحتها وفسادها ، ولهذا يفرق بين العقائد ، فيقال : هذه عقيدة صحيحة ، نظراً لقيام الحجة والبرهان على صحتها : كاعتقاد المؤمنين بتفرد الله تعالى فيما يختص به ويجب له ، واعتقادهم بطلان تسوية غيره به فـي شيء من خصائصه وحقوقه .

وما خالف الحق فهو اعتقاد باطل لقيام الدليل على بطـلانه : كاعتقاد ضلاّل النصارى أن الله تعالى هو المسيح ابن مريم ، أو أنه ثالث ثلاثة ، واعتقاد المشركين أن أصنامهم وأوثانهم آلهة مع الله ، ونحو ذلك من الملل المحرّفة والعقائد الباطلة التي لا يحصيها إلا الله عز وجل . 

ثالثاً : العقيدة الإسلامية الصحيحة :

العقيدة الإسلامية التي دلت عليها أصول الإسلام الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم هي العقيدة الصحيحة .

وهي : الإيمان الجازم بالله ،وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاء به القرآن والسنة الصحيحة من : الأخبار والغيوب والأحكام القدرية والشرعية والجزائية ، وسائر ما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم لله بذلك كله، والعمل له تعالى بمقتضاه، والطاعة للنبي × والاتباع له .

فهي : تصديقٌ بالغيب ، وتوحيدٌ وتنزيه للربِّ،وعبادةٌ لله بما شرع ، واليقين بلقائه سبحانه وجزائه .

رابعاً : ما يدخل فـي العقيدة الإسلامية :

تشمل العقيدة الإسلامية : وجوب توحيد الله تعالى فيما يجب له ، وتنزيهه عما لا يليق به ، والقيام بأركان الإسلام وحقائق الإيمان والإحسان، والتصديق بالنبوات، والكتب ، وأحوال البرزخ، والآخرة، وسائر أمور الغيب ، وتحقيق الولاء والبراء ، والقيام بالواجب نحو السلف الصالح وسائر أهل الإسلام ، والموقف الشرعي من سائر أهل الـملل والبدع ونحوهم من المخالفين .

خامساً : الفرق بين العقيدة والتوحيد :

سبق توضيح المراد بالعقيدة وبيان العقيدة الإسلامية الصحيحة .

أما التوحيد : فهو فـي اللغة : مصدر وحَّد يوحِّد توحيداً : أفرد الشيء، أي : جعله واحداً، أي : الحكم بأن الشيء واحد .

أما فـي الاصطلاح : فتوحيد الله تعالى هو : اعتقاد تفرده بأفعال الربوبية ومقتضيات الألوهية وسائر الكمالات فـي الذات والأسماء والصفات والأفعال، واعتقاد تنزهِهِ سبحانه عن صفات النقص والمثال والشركاء والأنداد، وإفراده بأفعال عباده على الوجه الذي شرع ، وترك الشرك والبدع وبغضهما وأهلهما .

فالتوحيد أخص أمور العقيدة ؛ لأنه يتعلق بإثبات ما يجب لله تعالى ، ونفي ما لا يليق به سبحانه وتعالى، والقيام بحقه وفق شرعه ابتغاء وجهه ، والبراءة مما خالف ذلك ومن مخالفه من المكلفين ، وإنما سُمي دين الإسلام توحيداً لأن مبناه على أن الله تعالى :

* واحدٌ فـي ربوبيته وخلقه وملكه وتدبيره ، فلا شريك له .

* وواحدٌ فـي إلهيته وعبادته ، فلا ند له .

* وواحد فـي أسمائه وصفاته وأفعاله ، فلا سَمي له ولا مثل له .

فإطلاق التوحيـد على العقـيدة تغليباً وتنبيهاً على شـرفه من باب تسمية الشيء بأشرف خصائصه ؛ لأنه يتعلّق بمعرفة الله تعالى وفعله وحقه على عباده، وتحقيق ذلك قولاً وفعلاً وقصداً وبراءة مما يضادّ ذلك ويخلّ به .

سادساً : حقيقة التوحيد وأهميته :

حقيقته : انجذاب القلب والروح إلى الله تعالى محبةً وتعظيماً وخوفاً وإنابةً وخضوعاً ، بأن يعمل العبد لله تعالى صالحاً ، فيفعل المأمورات ما استطاع، ويترك المنهيات ويتوب إلى الله من السيئات توبةً نصوحاً ، رغبةً ورجاءً ورهبةً وخوفاً وطمعاً ، وهو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله ومقتضاها، وأول الواجبـات وأهم المهمـات ، وشرط قبول العمل ، وأثقل شيء فـي الميزان ، قال تعالـــى: +           " الآية [محمد :19] ، وقال تعالى : +     " [البقرة :21] الآية ، وقال سبحانه : +          " [البينة :5] الآية، وقال تعالى : +       " [النساء :36] الآية، وقال × لمعاذ عندما بعثه إلى اليمن : « فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحّدوا الله » فدلَّت هذه النصوص وغيرها مما جاء فـي معناها على أن التوحيد حقّ رب العالمين ، وأعظم واجب على المكلفين ، وأول ما يدخل به الإسلام، وأعظم مكفِّر للآثام .

* * *

 أركـــان العقيــــدة والإيمــــان

تقرر مما سبق أن العقيدة الإسلامية هي : الإيمان الجازم والتصديق التام بالله تعالى ، وما جاء عنه ، وما يجب له سبحانه ، وتحقيق ذلك نيةً وقصداً وقولاً وعملاً بمقتضى ذلك ، وتركاً لما ينقص كمال الإيمان الواجب أو ينافيه ويضادّه، وقد بَيَّن الله تعالى أصول الإيمان بقوله سبحانه وتعالى: +           "[البقرة : 177] ، وقولـه سبحانه : +      " [القمر :49] .

وجمعها النبي × فـي إجابته على سؤال جبرائيل عليه السلام عندما قال له : ما الإيمان ؟ فقال : « الإيمان : أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره »([1]) .

وفيما يأتي أشير إلى جملة من مهمات كل ركن من هذه الأركان الستة على وجه يحصل به المقصود إن شاء الله ، سائلاً الله تعالى الهدى والسداد، والوقاية من الزلل ، والتوفيق لصالح العمل .

* * *


 الركن الأول :   الإيمان بالله تعالى

تعريف الإيمان لغةً :

1- ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الإيمان في اللغة هو التصديق بدليل قولـه تعالى : +     " أي : بمصدق ، فصدقت وآمنت معناهما عندهم واحد .

2- وذهب آخرون إلى أن الإيمان في اللغة هو الإقرار بالشيء عن تصديق به ، بدليل التفريق بين قول القائل : « آمنت بكذا » أي : أقررتُ به ، و « صدقّتُ فلاناً » ولا تقل « آمنت فلاناً » .

تعريف الإيمان شرعاً :

بناءً على ما سبق فالإيمان في اللغة يتضمن معنىً زائداً على مجرد التصديق وهو الإقرار والاعتراف بالشيء، المستلزم لقبول الخبر والإذعان لحكمه ، فهو أمر علمي اعتقادي يترتب عليه عمل القلب وقول  اللسان وعمل الجوارح ، فإن من كذَّب الخبرَ أنكره قلباً، وردَّه قولاً، وترك العملَ بمقتضاه فعلاً ، ومن صدَّق الخبرَ اطمأن إليه قلباً، وشهد به قولاً، وحقَّق العمل بمقتضاه فعلاً أو تركاً .

فمعنى الإيمان شرعاً : هو ما دلّ عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من الأمة أنه : قولٌ باللسان ، واعتقــادٌ وعمل بالجنان ـ أي القلب ـ، وعملٌ بالجوارح .

وكم من آية قرآنية صريحة وحديث نبوي صحيح وأثرٍ ثابتٍ عن السلف تضمَّن إطلاق اسم الإيمان على اعتقادات القلوب وأعمالها وأقوال الألسن وأعمال الجوارح ، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والنصوص في هذا أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر . 

أولاً : تعريف الإيمان بالله :

هو : ا لتصديق التام ، والاعتقاد الجازم بوجوده تعالى ، وما يجب له سبحانه .

ثانياً : تحقيق الإيمان بالله :

يتحقّق الإيمان بالله تعالى بأمور :

الأول : الإيمان بأن الله تعالى متفرد بالخلق والملك والتدبير مطلقاً ، فلا شريك له فـي ذلك ، ولا مدبِّر معه ، ولا معقِّب لحكمه ، ولا رادَّ لقضائه، قال تعالى : +        " [الأعراف :54] .

وهذا التوحيد مستقر فـي فِطَر عامة البشر ، فهم مُقِرُّون لله تعالى به ، قال تعالى : +         " الآية [لقمان :25] ، وقال  تعالى : +                                         " [يونس :31-32] .

فلم يجحد هذا التوحيد إلا مكابر معاند ، قد تظاهر بجحوده مع استقراره فـي نفسه، كما قال تعالى عن آل فرعون : +       " [النمل :14] ، فمن أنكره فهو مقر به باطناً، وإنما تظاهر بإنكاره تكبراً وعناداً .

وقد أكثر الله تعالى من ذكر هذا التوحيد فـي القرآن مقرراً لأهل الشرك به ومطالباً لهم بمقتضاه،وهو وجوب اعتقاد تفرده بالإلهية وعبادته وحده ، فإن المتفرد بالخلق والرزق والتدبير  هو الإله الحق الذي يجب أن يُفرد بالعبادة ، ويخلص لـه الدين والذي ربى جميع الخلق بالنعم ، وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقيدة الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة .

الثاني : إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه فـي كتابه ، وفيما صحَّ عن نبيه × من الأسماء الحسنى والصفات العُلى ، على الوجه اللائق بجلال الله تعالى وعظمته، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، بل على حد قولـه تعالى : +       " [الشورى :11]، فأثبت الله تعالى لنفسه الأسماء والصفات، ونزَّه نفسه عن مماثلة المخلوقات .

فالواجب إفراد الرب تبارك وتعالى بالكمال المطلق من جميع الوجوه وبكل اعتبار ، وبنعوت العظمة والجلال والجمال ، وذلك بإثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه ، أو أثبته لـه رسوله × من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها ، وتنزيهه سبحانه عن جميع صفات العيب والنقص وما هو من خصائص الخلق تنزيهاً يُراد منه إثبات كمال ضد ذلك فـي حقه تعالى ، قال تعالى : +               " [الأعراف :180] ، وقال تعالى : +              " [الحشر :22] الآيات إلى آخر سورة الحشر .

* فالواجب نحو نصوص الأسماء والصفات :

1- قبول ألفاظها ، والإيمان بها، والتسليم لها، واعتقاد ما دلت عليه من المعاني والأحكام .

2- حملها على ظاهرها وحقيقتها .

3- تنزيه الله تعالى عن مماثلة الخلق فيها وعن صفات النقص والعيب والبراءة من المعطّلة والممثلة .

4- الثناء على الله تعالى ودعاؤه بها فـي كل مقام بما يناسبه، فعند طلب الرزق يسأل الله تعالى بأسماء الغنى والجود والكرم ، وعند طلب النصر على العدو يسأل الله تعالى بأسماء القوة والقهر والعظمة والعلم، وعند سؤال العفو والمغفرة يسأل الله تعالى بأسماء اللطف والرحمة والحلم والمغفرة والعفو، وهكذا .

الثالث : اعتقاد أن الله تعالى هو الإله الحق المستحق للعبادة، وحده لا شريك له ، فلا تنبغي العبادة إلا له ، ولا يستحقها أحدٌ سواه ، وإفراده تعالى بجميع الطاعات على الوجه الذي شرع ، وأن يطاع نبيه × فيها ويُتبع ، وترك الشرك والبدع .

فمن العبادات : الصلاة ، والنحر، والنذر، والدعاء ، وسائر العبادات، فلا يستحقها إلا الله وحده ، قال تعالى : +                 " [الحج : 62] .

فيُفرد الله تعالى بأفعال الربوبية وصفات الإلهية، ويعتقد كماله سبحانه وتعالى فـي ذاته وأسمائه وصفاته من كل وجه وبكل اعتبار، ويُنزّه عن صفات النقص وما هو من خصائص الخلق، وتُخلص له النيات والأقوال والأعمال فـي سائر الحالات، لاعتقاد المسلم أن الله تعالى ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين .

فهو الإله الحق المعبود بالحق، الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحقها أحدٌ سواه ، وتحقيق ذلك بدعائه سبحانه وحده ، وسؤاله جميع الحاجات ، وكمال التعلّق به والتوكل عليه ، وغاية الافتقار إليه، والثقة به فـي تحصيل المقصود ودفع المكروه وتعاطي أسباب ذلك، وكذلك تحقيق طاعته تعالى بامتثال أوامره سبحانه واجتناب نواهيه على الوجه الذي شرع ، وعلى الكيفية المأثورة عن النبي × عن إخلاص، وبراءة من الشرك والبدع ابتغاء رضوان الله تعالى وثوابه، وحذراً من غضبه وعقابه .

* * *  

 من ثمرات الإيمان بالله تعالى

للإيمان بالله تعالى ثمرات مباركة كثيرة، منها :

1- الثناء على الله تعالى بالأسماء الحسنى وصفات العظمة والجلال والجمال، واللهج بذكره فـي سائر الأحوال تلذذاً بذكره، وطلباً لمثوبته، وهو من أعظم أسباب صلاح القلوب وسلامتها ، وزكاة النفوس وطهارتها ، ونور البصيرة واهتدائها .

2- دعاء الله تعالى بأسماء الحسنى وصفاته العلى بحسب الحاجات والأحوال، رغبة وثقة بتحصيل الخير واستجارة من الشر وأهله، واستغناء بالله عن الخلق، وسكوناً إليه واضطراراً إليه .

      والدعاء من أعظم أسباب حصول النعماء، وصرف البلاء ، والوقاية من سوء ما يجري به القضاء، والنصر على الأعداء، وزيادة الإيمان والاهتداء .

3- صدق التوكل على الله ، وتفويض الأمر إليه،والاعتماد عليه، والثقة به، والتحرر من التعلُّق بغيره .

4- نشاط الهمة والقوة فـي المسارعة إلى الخيرات ، والمنافسة فـي الأعمال الصالحات ، ومجانبة الخطيئات ، والمبادرة إلى التوبة من جميع الزلات، فكلما قوي الإيمان بالله وأسمائه وصفاته قويَ حظ العبد من هذه الأمور .

5- التصديق بأخباره والتسليم لأحكامِه والاعتراف بحكمته وعدلـه

ورحمته، واعتقاد أن ذلك كله صدق وحق، وأنه لحكم عظيمة وغايات سامية .

6- التسليم لتدبيره سبحانه لملكه وتصرفه فـي خلقه وقضائه لعبده ، وأنه كله عن علم تام وقدرة باهرة وحكمة بالغة ، وأنه دائرٌ بين الفضل والعدل، فإذا قضى أمراً فإنما يقول له : كن فيكون ، ولا يسأل عما يفعل وهم يُسألون .

7- تحقُّق الأمن والهـداية للمؤمن فـي الدنيا والآخرة ، قــال تعالى : +           " [الأنعام :82] .

8- الفوز بالحياة الطيبة فـي الدنيا والآخرة والأجر الحسن قال تعالى : +                   " [النحل :97] .

9- النصر المبين على الأعداء من الكافرين والمنافقين وسائر المناوئين ، قال تعالى : +             " [غافر :51] .

10- الاستخلاف فـي الأرض وتمكين الدين ، قال تعالى : +                       "  [النور :55] .

11- اجتماع الكلمة ووحدة الصف والتعاون على  تحقيق الغايات المطلوبة شرعاً ، وفي ذلك تحقيق عزة المسلمين وكرامتهم لوحدة عقيدتهم وصحتها ، فإنه لا يجمع الناس جمعاً تاماً إلا العقيدة الصحيحة التي يلتزم بمقتضاها الجميع ، وضعف التمسك بالعقيدة الصحيحة أو الضلال فـي الاعتقاد من أساب الاختلاف والتفرق والنزاع والتعصب لغير الحق من الأهواء والأجناس والألوان والشعارات المصطنعة ، واعتبر ذلك بحال العرب ؛ فإنهم لما كانوا ضالِّين فـي عقيدتهم كانوا مختلفين متفرقين متحاربين ، قد فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون .

ثم لما مَنَّ الله عليهم بالإيمان والعمل الصالح أجمعوا على الكتاب والسنة ، وتعاونوا على البر والتقوى ، وتناهوا عن الإثم والعدوان، واعتصموا بالله مولاهم ، فاتحدوا وتحابوا وعزوا وانتصروا وسادوا الأمم وصاروا أئمة الدنيا والعالم ، وصدق الله العظيم إذ يقـول ممتنّاً على رسولـه والمؤمنين ومذكــراً لهم بهذه النعمة العظيمة : +                   " [الأنفال :63]، ويقول: +                         " [الحجرات :7-8] .

12- امتلاء القلب من خشية الله ، وتحلِّي العبد بالتقوى لله ، فإن من عرف الله تعالى حق معرفته واستشعر عظمته وجلاله وكبرياءَهُ وذكر جماله وكماله وآلاءه امتلأ قلبه من خشية الله ، فكان أتقى لله ممن ليس كذلك ، قال تعالى : +       " [فاطر :28] ، والخشية صفة عباد الله الصالحين +              " [الأحزاب : 39] .

   ولذا لما كان النبي × أكمل الأمة معرفة بربه تبارك وتعالى كان أعظمهم لـه خشية وأكملهم لـه تقوى، قال ×:  ((  والله إني أخشاكم وأتقاكم لـه ))([2]) .

  وفي قولـه ذلك قال تعالى : +                                " [البينة :7-8] .

13- الطاعة المطلقة لله تعالى والانقياد الاختياري لحكمه الشرعي ، فلا يختار المؤمن غير ما اختار الله ورسوله × لـه ، ولا يتحاكم إلى غير كتابه وسنة بنيه × ، قال تعالى : +                               " [النور :51، 52]، وقال تعالى : +                            " [الأحزاب :36] .

14- الإحسان إلى الخلق ورحمتهم والعفو عنهم والصفح ، طمعاً فـي حصول ذلك من الله لمن كان كذلك، فالراحمون يرحمهم الله ، ومن عفا عفا الله عنه، ومن غفر غفر الله له .

* فائدة : فـي بيان شيء من آثار الإيمان بتوحيد الأسماء والصفات :

فإن أسماء الرب تبارك وتعالى وأوصافه التي تثبت بها النصوص الشرعية وتضمنتها الكتب الإلهية أنواع ، لكل نوع أثره على المؤمن :

أ- فأسماء وأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال : كالعظيم والكبير والواسع والمجيد والجليل تملأ قلوب أهل الإيمان هيبة لله تعالى وتعظيماً له وتقديساً .

ب- وأسماء وأوصاف العزة والقوة والقهر والقدرة والغلبة تخضع القلوب وتذلها وتجعلها تنكسر بين يدي خالقها ومدبرها .

ج- وأسماء وأوصاف الرحمة والبر والغنى والجود والكرم ونحوها من أسماء وأوصاف الجمال والكمال تملأ القلوب محبة لله تعالى ورغبة ورجاء وطمعاً فـي امتنانه وفضله وجوده وبره .

د- وأسماء وأوصاف العلم والإحاطة : كالعليم والخبر والحفيظ والمحيط توجب للمؤمن مراقبة الله تعالى فـي جميع حركاته وسكناته .

* * *


 الركن الثاني : الإيمان بالملائكة

أولاً : تعريف الملائكة :

الملائكة فـي اللغة : جمع مَلأَك ، نقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبله ثم حذفت تخفيفاً فصارت ملكاً ، وهو مشتق من  ((  الألوكة )) التي هي الرسالة، والجمع : ملائك ، وملائكة .

فالـمَـلَك فـي اللغة : حامل الأَلوكة وهي الرسالة، فإن الملائكة ـ عليهم السلام ـ رسل الله تعالى ، يتلقون رسالته وينفذون ما كلفوا به منها ، ويبلغون ما حُمِّلوا منها إلى غيرهم ، قال تعالى : +                         " [فاطر :1] .

والملائكة فـي الاصطلاح : مخلوقات نورانية عاقلة متكلمة مريدة ، أُعطيت قدرةً على التشكل بالصور الحسنة ، ومسكنهم السماوات .

فالملائكة هم رسل الله تعالى فـي تنفيذ أمره الكوني ـ الذي يوحيه إليهم ـ فـي ملكوته ، وسفراؤه إلى أنبيائه ورسله من البشر فـي تبليغ وحيه الشرعي ورسالاته قال تعالى : +       " [الحج :75] .

ودليل أن الملائكة مخلوقات نورانيـة ما ثبت فـي صحيح مسلم قال × : « خُلقت الملائكة من نور »([3]) ، ودليـل تشكُّلهم بالصــور الحسنة ما ثبـت فـي

القرآن أنهم جاءوا إبراهيم فـي صورة أضياف كرام([4]) ،ومجيئُهم إلى لوط عليه السلام ـ كما قال ابن كثير ـ فـي صورة شباب مُرْد حسان([5]) .

وكان جبرائيل ـ عليه السلام ـ يأتي النبي × فـي صورة دحية الكلبي([6]) t ، رجل من الصحابة حسن الخلق وقور الهيئة .

وجاء النبي ×مرة ـ كما فـي الصحيحين ـ فـي صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه من الصحابة أحد ([7]) .

ثانياً : خصائص الملائكة :

للملائكة عليهم السلام خصائص تميّزهم عن الجن والإنس وسائر المخلوقات :

1- أن مسكنهم السماء ، وإنما يهبطون إلى الأرض تنفيذاً لأمر الله، قال تعالى : +         " [الأنبياء :19] .

2- أنهم لا يُوصفون بالأنوثة ، فقد كذّب الله المشركين على وصفهم لهم بذلك، فقال تعالى : +         " [النجم :27] .

3- أنهم يطيعون الله ولا يعصونه ، فلا تصدر عنهم الذنوب ، قال تعالـى : +         " [التحريم :6] .  

4- دوام العبادة ؛ فلا فتور ولا سأم ، قال تعالى : +                    " [الأنبياء :19، 20]، وقال تعالى : +        "[فصلت :38] .

ثالثاً : من صفات الملائكة :

1- موصوفون بالعلم والقوة والشدة : قال تعالى : +      " [البقرة :30] ، وقال تعالى : +   " [النجم :5] يعني : جبرائيل عليه السلام ، وقال تعالى فـي وصف خزنة جهنم : +   " [ التحريم :6] .

2- موصوفون بعظم الخلق : فقد رأى النبيُّ  × جبرائيلَ على صورته التي خلقه الله عليها سادَّاً عِظم خلقه ما بين السماء والأرض([8]) ، ورآه  × لـه ستمائة جناح([9]) ، وفي صفة حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام([10]) .

3- الحسن والجمال : قال تعالى فـي جبرائيل +   " [النجم :6] فسّرها ابن عباس وقتادة بالحُسن والجمال فـي المنظر والخلق والطول، وقالت النسوة صواحب يوسف فـي جمال يوسف : +        " [يوسف : 31] ، وقد ساق الله تعالى الكـلام مسـاق التقرير .

4- أنهم كرام أبرار : قال تعالى : + كرام بررة " [عبس :16] .

5- الحياء الشديد : ففي صحيح مسلم قال e فـي عثمان t : « ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة »([11]) .

رابعاً : دلالة النصوص بشأن الملائكة :

تواترت النصوص من الكتاب والسنة فـي الخبر عن الملائكة ـ عليهم السلام ـ وعما يتعلق بهم ، ودلت النصوص بشأنهم على أمور :

الأول : أنهم من أعظم خلق الله شأناً ، وأشدّهم وأقواهم خلقة : +   " [النجم :5] ،  +   " [التحريم : 6] ، +       " [الحاقة :17] .

الثاني : أنه لا يعلم كيفية خلقهم إلا الله +                   " [فاطر :1]، ولأنهم من عالم الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه .

الثالث : أنهم من الكثرة بحيث لا يحصيهم إلا الله - عز وجل - ، قال تعالى : +       " [المدثر :31] ، وفي الصحيح ذكر النبي × فـي السماء السابعة البيت المعمور ، وفيه :  « يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يرجعون إليه آخر ما عليهم »([12]) .

الرابع : أن الله تعالى قد تعبّدهم بالقيام بأعمال كبيرة جليلة ـ تأتي الإشارة إليها إن شاء الله فيما بعد ـ تدل على عظم شأنهم ، وعلو مقامهم عند الله - عز وجل - .

الخامس : أنهم يقومون بما كلفوا به خير قيام ، فـي غاية من الطاعة والقوة والأمانة وحسن الأداء، ومع ذلك هم فـي عبادة عظيمة لله تعالى، فهم يصلون له ويسبحونه ويذكرونه ويستغفرونه ويثنون عليه سبحانه بما هو أهله، قال تعالى: +         "  [التحريم : 6] ، وقال تعالى : +                " [الأنبياء :19-20]، وقال تعالى : +           " [فصلت : 38] .

خامساً : وظائف الملائكة والحكمة من خلقهم :

دلّ الاستقراء والتتبع لنصوص الكتاب والسنة الواردة بشأن الملائكة عليهم السلام بأنهم عباد لله تعالى ، يكلفهم من أمره بما يشاء ، وتكاد تنحصر وظائفهم وأعمالهم من حيث متعلقها بثلاثة أنواع ، هي حِكم خلقهم:

الأول : عبادة الله تعالى بالإيمان به وحمده وتمجيده والثناء عليه بماهو أهله، وذكره ودعائه واستغفاره والصلاة له ، وهذا وصفهم العام مع ما يكلفون به من مهام ،ومنهم من هذا شأنه أبداً فهم صفوف لا يفترون ، ومنهم سجّد لا يرفعون منذ خلقهم الله ، وقد وردت أحاديث بهذا المعنى احتج بها أهل العلم ، كقولـه × : « أطّت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها شبر ـ وفي رواية : أربع أصابع ـ إلا وملك قائم أو راكع أو ساجد ـ وفي رواية ـ : لا يرفعون رؤوسهم منذ خلق الله السموات والأرض ـ وفي رواية : لا يرفعونها إلى يوم القيامة »([13]) .

فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله - عز وجل - ، فقالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .

الثاني : تدبير أمر الملكوت ـ علوية وسفلية وما بينهما ـ وما فيه من مخلوقات وعوالم غير مكلفة ، المنظورة وغير المنظورة بأمر الله تعالى ، وذلك من جليل حكم خلقهم : +         " [التحريم : 6] ، فأعمالهم كثيرة ومسؤولياتهم كبيرة ، وهم مجموعات متنوعة ، لكل مجموعة اختصاص :

فمنهم : المكلفون بحمل العرش وعددهم ثمانية .

ومنهم: المكلفون بتبليغ الوحي إلى حيث أمر الله تعالى ورئيس ملائكته جبرائيل .

ومنهم : خزنة الجنة ورئيسهم رضوان .

ومنهم : خزنة النار ورئيسهم مالك .

ومنهم : ملائكة الأرواح ورئيسهم إسرافيل .

ومنهم : ملائكة الأرزاق ورئيسهم ميكائيل .

ومنهم : المكلفون بحفظ السموات .

ومنهم : المكلفون بالرياح والسحاب .

ومنهم : المكلفون بالجبال .

ومنهم : المكلفون بالنبات .

ومنهم المكلفون بالبحار .

ومنهم : المكلفون بأمور الطيور والدواب ، ونحوها من الأمم والعوالم التي لا يحصيها إلا الله تعالى .

الثالث : تدبير أمر بني آدم والصلة الوثيقة بهم فـي أحوال كثيرة ، فـي حياتهم وبعد مماتهم، وقد جاءت النصوص بإثبات وظائف جماعات من الملائكة ـ عليهم السلام ـ على التفصيل كما يلي :

1- حفظ بني آدم ، وهو من عمل الملائكة المعقبات .

2- حفظ أعمال بني آدم ، وهو من عمل الكرام الكاتبين .

3- السياحة لالتماس مجالس الذكر وحلق العلم .

4- كُتّاب الناس يوم الجمعة على أبواب المساجد الأول فالأول .

5- الصلاة على المصلين مدة انتظارهم لصلاة الجماعة .

6- فتنة الأموات فـي القبور .

سادساً : وجوب الإيمان بالملائكة ومنزلته من الدين :

جاء الإيمان بالملائكة مقروناً بالإيمان بالله تعالى ، فهو أحد أركان الدين الثابتة بالأدلة القطعية اليقينية من الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح ، قال تعالى : +           " [البقرة : 177] ، الآية .. إلى قولـه تعالى : +       " [البقرة : 177]، وثبت فـي الصحيحين من غير وجه قولـه × ـ  إجابة على سؤال جبرائيل له عن الإيمان ـ : «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم .. إلخ »([14]) ، والأدلة على هذا الركن كثيرة.

فإنكار الملائكة ـ عليهم السلام ـ وجحود وجودهم كفر بنص التنزيل، قال تعالى : +            " [النساء :136] .

والقول بأن الملائكة عبارة عن قوى الخير الكامنة فـي المخلوقات قول باطل لا سند لـه من كتاب ولا سنة ، ومع بطلانه فإنه تنقص للملائكة المقربين وهضم لمكانتهم التي أفصح عنها الله تعالى فـي الكتاب المبين ، فهو تكذيب بكتاب الله تعالى ، وردّ لسنة نبيه × واتّباعٌ لغير سبيل المؤمنين ، قال تعالى : +                     " [النساء : 115] .

سابعاً : كيفية الإيمان بالملائكة ـ  عليهم السلام ـ :

الإيمان بالملائكة هو : الاعتقاد الجازم بوجودهم ، والتصديق التام بما جاءت به الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة بشأنهم ووظائفهم وأعمالهم التي يقومون بها طاعةً لله تعالى وعبوديةً له سبحانه .

ويتحقق الإيمان بأمور :

الأول : التصديق بوجودهم ومادة خلقهم ، وما جاءت به النصوص من صفتهم والحكمة من خلقهم وشأنهم .

الثاني : الإيمان تفصيلاً بمن علمنا اسمه من طريق الوحي على وجه الخصوص مثل : جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ورضوان ، ومالك ، ونؤمن إجمالاً بما لم نعلم اسمه منهم .

الثالث : الإيمان بما علمنا من وظائفهم وأعمالهم وما دلت عليه النصوص من اختصاصهم ـ على الوجه الذي ورد ـ واعتقاد أنهم يقومون بما كلفوا خير قيام وأحسنه . 

الرابع : الاعتقاد بأنهم عباد مخلوقون مربوبون ليس لهم من خصائص الإلهية والعبادة شيء ، والكفر بعبادة من عبدهم والبراءة منه .

الخامس : التصديق بمقاماتهم العظيمة عند الله تعالى ،وما لهم عنده من الكرامة ، واعتقاد وجوب موالاتهم ومحبتهم ، واعتقاد تفاضلهم فـي المقامات والمهمات ، والحذر من معاداتهم .

السادس : تنزيههم وتبرئتهم مما زعمه المشركون فيهم من أنهم إناث أو بنات الله ، أو أنهم يشفعون عند الله بغير إذنه ، أو يشفعون لأحد من المشركين به .

* * *


  من ثمرات الإيمان بالملائكة

لقد أكثر الله تعالى من ذكر الملائكة ـ عليهم السلام ـ فـي القرآن ، وأثنى عليهم بكريم الخصال وجليل الأعمال ، وقربهم وطاعتهم لذي الكرم والجلال ، وليس ذلك من باب العلم بالشيء فقط ، ولكن لأجل ما يثمره العلم بهم والإيمان بهم للمؤمن من الثمرات العظيمة العاجلة والآجلة ، فمن ذلك :

1- أن الإيمان بهم من الإيمان بالغيب الذي هو أصل أصول الإيمان بالله تعالى وما جاء عنه سبحانه .

2- الثقة بسند الرسالة فإن منهم ـ عليهم السلام ـ السفراء بين الله تعالى وبين رسله فـي تبليغ رسالته ، وهم موصوفون بالغاية من الأمان وكمال الديانة والعصمة من الذنوب ، ومنها الكذب والخطأ .

3- معرفة علاقتهم بالإنسان وقربهم منه فـي أحوال كثيرة والحفظ الدائم، وهذا يقتضي الأدب معهم والحياء منهم والأنس بهم وحسن صحبتهم .

4- التأسِّي بهم فـي دوام طاعتهم لله تعالى وحسن عبادتهم له ودوام ذكرهم له ، وهذا مما يحمل على كمال الاستقامة واستدامة الطاعة .

5- الحذر من أذيتهم بالأقوال البذيئة أو الأفعال السيئة أو الروائح الكريهة، فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذى منه بنو آدم .

6- طمع المؤمن فـي استجابة الله تعالى لدعائهم له واستغفارهم له والأخذ بأسباب ذلك من التحقق بالإيمان والمسارعة إلى الخير والاشتغال بالذكر .

7- اجتناب ما يسبب بعد الملائكة من الشخص أو المكان كالصور والتماثيل وآلات اللهو والكلاب والقاذورات ونحو ذلك مما جاءت النصوص ببعد الملائكة عن الشخص أو المكان بسببه حذراً من أسباب بعدهم عن الملائكة .

8- الإيمان بعظمة الله تعالى وقوته وقدرته وحكمته فـي خلق أولئك الكرام على هذه الخلقة الكريمة الحسنة القوية .

9- شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم حيث وكل بهم هؤلاء الملائكة الكرام يحفظونهم ويحفظون عليهم أعمالهم ويعينونهم على عبادة ربهم .

10- ملازمة الاستقامة والحذر من مقارفة المعاصي حذراً من أن يكتبوا علينا إثماً أو يشهدوا علينا بمعصية فإنهم شهود مرضيون، وإن العبد إذا ذكر حضورهم معه استحى منهم .

11- نشاط الهمم والجوارح فـي فعل الخيرات والمبادرة إلى البر لعلمنا بحضورهم مجالسه وحبهم له ودعائهم لفاعله وإعانتهم له .

12- الإلحاح على الله تعالى بدعائه وبالثناء عليه سبحانه رجاءَ موافقة دعائهم واستغفارهم لنا ، فإن الموافقة من أسباب الإجابة .

13- الطمأنينة فـي المواطن التي يحضرونها يصلون على المسلم رجاءَ بركة حضورهم وتحصيل المزيد من دعائهم وصلاتهم .

* * *

 الركن الثالث : الإيمـــان بالكتب

أولاً : تعريف الكتب :

الكتب لغة : جمع كتاب ، والكتاب مصدر : كتب، يكتب ، كتاباً ، ثم سُمي به المكتوب .

والكتاب فـي الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيها، كما قال تعالى : +        " [النساء :153]، يعني : صحيفة مكتوباً فيها مثل التوراة .

والمراد بالكتب هنا اصطلاحاً : هي : الكتب التي حوت كلام الله تعالى، الذي أوحاه إلى رسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، سواءً ما أنزله عن طريق الملَك مشافهة فكتب بعد ذلك كسائر الكتب ، أو ما نزل مكتوباً من عند الله تعالى كالتوراة التي نزلت مكتوبة فـي الألواح ، كتبها الله تعالى بيده .

ثانياً : وجوب الإيمان بالكتب ومنزلته من الإيمان :

الإيمان بالكتب أصل من أصول الإيمان ، وركن من أركانه ، فلا يتحقق إيمان عبد حتى يؤمن بها ، ولهذا أمر الله تعالى بالإيمان بها ، فقال : +              " [النساء : 136] الآية ، فأمر سبحانه عباده المؤمنين بالإيمان والتصديق بجميع شرائع الإيمان وشُعبه وأركانه ، فيؤمنوا بالله ورسوله وهو محمد × ، والكتاب الذي نزل عليه وهو القرآن ، والكتاب الذي أنزل من قبل وهو جميع الكتب السابقة ـ والتي منها صحف إبراهيم والألواح التي هي توراة موسى ـ التي أنزلها الله على المرسلين  من قبل ، فمن كفر بشيء من ذلك ومنه الكتب فقد ضل ، ولهذا قال سبحانه : +           " [النساء : 136] ، فالكتاب اسم جنس يشمل جميع الكتب المنزلة على الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من ربهم ، والتي خُتمت بآخرها وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتاب .

ولتقرير الإيمان بالكتب كلها أمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يخاطبوا أهل الكتاب بقولـه : +                                " [البقرة :136] ، فتضمنت الآية إيمان المؤمنين بما أنزل عليهم بواسطة محمد × ، وما أنزل على أعيان النبيين المذكورين فـي الآية ، وما أنزل على بقية الرسل فـي الجملة، وأنهم لا يفرقون بين الرسل فـي الإيمان ، فلا يؤمنون ببعضهم دون بعض ، كصنيع الضُّلاّل من أهل الكتاب؛ بل يؤمنون بجميع الرسل، وبكل ما أنزل الله تعالى من الكتب .

ومن السنة حديث جبريل المشهور ، وفيه الإيمان بالكتب ، قال ×  :  « الإيمان أن تؤمن : بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره »([15]) . الحديث ، فذكر النبي × فـي إجابته الإيمان بالكتب ، فدل على وجوب ذلك مع بقية أركان الإيمان ، فتقرر أن الإيمان بجميع الكتب ركن من أركان الإيمان بالله تعالى ، لا يصح الإيمان بدونه ، ولا يقبل العمل إلا به .

ثالثاً : كيفية الإيمان بالكتب :

هو اعتقاد أن لله تعالى كتباً أنزلها على رسله هدايةً لعباده ، متضمنةً لأصول دينه وقواعد شريعته ، وكليات الأخلاق التي يحبها الله سبحانه ويرضاها ، ومهمات مما نهى عنه جل ذكره .

* وتحقيق الإيمان بالكتب يكون بأمور :

1- الإيمان بما سمى الله منها تفصيلاً : كصحف إبراهيم ، وصحف موسى ـ وهي التوراة ـ ، والزبور ، والإنجيل ، والقرآن ، وإجمالاً بما لم يسمه منها .

2- اعتقاد أنها كلها كلام الله تعالى ، تكلم بها حقيقة كما شاء بكيفية لا يعلمها إلا هو سبحانه ، وأنها حق وصدق وهدى لمن خوطب بها من الأمم ، ومشتملة على الشرائع التي تعبّد الله المخاطبين بها .

3- اعتقاد أنها كلها دعوة إلى عبادة الله تعالى ، وتفصيل لحقه على خلقه وحقوق عباده بعضهم على بعض ، وفيها نهي لهم عن مخالفته ، وذكر ثواب المطيعين وعقوبات العاصين .

4- اعتقاد أنها يصديق بعضها بعض ، فلا تناقض بينها ولا تعارض ، فإنها سالمة من ذلك ، فإن وجد فيها ما يوهم التعارض والتناقض فهذا جاء من أفهام بعض الناس وعقولهم ، وليس من جهتها .

5- أن الحجة قامت بها على المخاطبين بها ، واتضحت لهم بها الـمَحَجَّة ـ الطريق أو السبيل الموصلة إلى الله تعالى ـ، وزالت بها المعذرة، فيجب العمل بها ، ولا يحل لهم مخالفتها ، ولا التحاكم إلى غيرها ، ولا تعطيلها ؛ بل يجب عليهم قبولها والعمل بهداها والحذر من مخالفتها .

6- أن الكتب الأولى كانت موجهة لأزمنة محدودة، ولطوائف معينة، وأن بعضها ينسخ بعضها ، وأن المتأخر منها ينسخ المتقدم من حيث الأحكام .

7- الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى نسخ جميع الكتب السابقة بالقرآن العظيم المشتمل على أحسن ما فيها ، وجعل الله فيها أحكاماً مناسبة للأمة إلى أن يأتي الله بأمره ، وصانه عما فـي الكتب السابقة من الآصار والأغلال ، وما لا يناسب الأمة من أحكام الكتب السابقة ، وحفظه من أن تمتد إليه يد التحريف ، فأغنى به سبحانه عنها ،وجعله حاكماً ومهيمناً عليها، فلا يسع أحداً من أهل الكتب السابقة ولا غيرهم أن يعبد الله تعالى بعد نزول القرآن بغير ما جاء به ، ولا أن يتحاكموا إلى غيره .

ومما نـُصَّ عليه من الكتب المنزلة وسُمِّي :

1- صحف إبراهيم : وكانت حكماً كلها ، وفيها عناية بالتوحيد وأصول الملة ، والمباينة للشرك وأهله .

2- صحف موسى : وهي التوراة ، وإنما سميت صحفاً لأنها نزلت مكتوبة كتبها الله تعالى بيده ، وفيها العناية بالأحكام أكثر ، وقد بقيت الشريعة العامة لبني إسرائيل حتى نسخت بالقرآن العظيم .

3- الزبور : وأنزل على داود ـ عليه السلام ـ ، وكانت العناية فيه بالثناء على الله تعالى ، والدعوات والأذكار .

4- الإنجيل : وأنزل على عيسى ـ عليه السلام ـ وكان من جملة ما اشتمل عليه العناية بالأخلاق : كالتواضع والصبر التسامح والصفح وحسن الظن ، كما يفهم ذلك مما ورد بشأنه من النصوص .

5- القرآن : وهو آخرها ، والمهيمن عليها ، والخاتم لها ، وأنزل على محمد ×، والتركيز فيه على جميع ما سبق، ولذا نسخها الله وأغنى به عنها.

رابعاً : تحقيق الإيمان بالقرآن العظيم :

القرآن الكريم هو أعظم كتب الله المنزلة على رسله ، وأبلغ آياته ، وأعظم أسباب هدايته ، وآخر الكتب المنزلة على الرسل ، ولا ينزل بعده كتاب ينسخه ، فهو آية الله إلى آخر الدهر .

* ويتحقق الإيمان بالقرآن بأمور ، منها :

1- أنه كلام الله تعالى حروفه ومعانيه، تكلم الله به حقيقة، ومنزل غير مخلوق .

2- تلاوته على أحسن وجه يستطاع وتدبره وفهمه والعمل به والدعوة إلى الله تعالى على هداه ، وكما بين نبيه × واعتقاد أنه بيان الله تعالى لعباده وهدى ورحمة .

3- اعتقاد عموم دعوته وشمول شريعته التي جاء بها لعموم الثقلين ،

فلا يسع أحداً من الجن والإنس إلا الإيمان به، وأن يعبدوا الله بشريعته ، قال تعالى: +          " [الفرقان:1]، وقال تعالى : +     " [ الأنعام :19] .

4- اعتقاد نسخه لجميع الكتب السابقة ، فلا يجوز لأهل الكتاب ولا لغيرهم أن يعبدوا الله بعد نزولـه بغيره ، فلا دين إلا ما جاء به ، ولا شريعة إلا ما شرع الله فيه، فالحلال ما أحلّه، والحرام ما حرّمه  قال ×:  «والذي نفسي بيده لو كان أخي موسى حيّاً ما وسعه إلا أن يتبعني»([16]) .

5- سماحة شريعته ، وبراءتها من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم الماضية .

6- أن القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تكفّل الله بحفظ لفظه ومعناه من التحريف اللفظي والمعنوي ، قال تعالى : +        " ، وقال تعالى : +               " [فصلت : 42] .

7- أنه اشتمل على التحدي به ، بل هو الآية العظمى الذي أعجز الله بها الجن والإنس عن أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ، قال تعالى : +                    " [الإسراء :88] .

8- أن الله تعالى بيَّن فـي القرآن كل ما يحتاج الناس إليه فـي أمر دينهم ودنياهم، ومعاشهم ومعادهم ، قال ابن مسعود t :  « أنزل فـي هذا القرآن كل علم ، وكل شيء قد بيَّن لنا فـي القرآن » .

9- أن الله تعالى يسره للذكر والتدبر وهذا من أعظم خصائصه ، فلولا أن الله يسره لم يستطع أحد من البشر أن يتكلم بكلام الله ، لكن الله يسّره للذكر والعمل ، فيسر جمعه، ويسر قراءته، ويسر تفسيره وبيانه، وأيضاً يسره تعالى للتلاوة وفهم المعنى للتفكير والتدبر والاتعاظ، قال تعالى : +        " [القمر :17] .

10- أنه اشتمل على خلاصة ما في الكتب السابقة من الأحكام والآداب والأخلاق ، فقد تضمن أصول الملة وقواعد الشريعة وأمهات الأخلاق وجوامع الآداب .

11- أنه اشتمل علىأخبار جملة من الرسل والأمم الماضية ، وتفصيل ذلك بشكل لا نظير له فـي كتاب سابق ، قال تعالى : +          " [هود : 100] ، وقال تعالى : +             " [طه :99] .

12- أن القرآن هو آخر الكتب نزولاً، فهو خاتمها، والشاهد عليها ، والحاكم عليها ، قال تعالى : +                  " [آل عمران : 3، 4]، وقال تعالى : +              

   " [المائدة :48] .

13- أنه أعظم آيات الأنبياء والمرسلين عليهم من ربهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ، كما ثبت فـي الصحيحين عن النبي × قال :  «مَا مِنْ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ »([17]) .

14-  أنه الكتاب الذي لا يأتي بعده كتاب ينسخه ، فلا تبطل أحكامه ، ولا تتبدل شريعته ، ولا يترك العمل به حتى يأتي الله بأمره فيرفعه إليه كما بدأ منه .

15- أن النبي × قد بيَّن القرآن بأقواله وأفعاله وتقريراته وأحواله ، وإنكاره على من خالف شيئاً من القـرآن فـي حياتــه فلم يـَمُتْ × إلا وقد بيَّن كل ما تحتاج إليه الأمة من القرآن بياناً قامت به الحجة ، وحصل به التبليغ ، حفظ ذلك من حفظه ، ونسيه من نسيه .

* * *


  من ثمرات الإيمان بالكتب

للإيمان بكتب الله المنزلة ثمراتٌ طيبةٌ ، منها :

1- العلم بعناية الله تعالى بعباده ؛ حيث أنزل لكل قوم كتاباً بلسانهم يهديهم به إلى عبادته .

2- العلم بحكمة الله تعالى فـي شرعه ؛ حيث شرع لكل قوم ما يناسب أحوالهم ، كما قال تعالى : +      " [المائدة :48] .

3- شكر نعمة الله على ما بيَّن من العبادة وعلى ما أعظم من المثوبة .

4- عبادة الله تعالى على بصيرة بالكتاب المنزل وتأسياً بالنبي المرسل الذي أوجب الله عليه بيان كتابه وهدايةأمته إليه .

* * *


 الركن الرابع : الإيمان بالأنبياء والمرسلين صلى الله عليهم أجمعين

أولاً : تمهيد :

أ- تعريف النبي والرسول :

(1) النبي فـي اللغة : مشتق من النبأ ، وهو الخبر ، قال تعالى : +        " [النبأ :1-2] .

وإنما سُمي النبي نبياً لأنه منبأ ، أي : مُخْبَر من الله ـ عز وجل ـ أ ي : يُوحي الله إليه نبأ من شرعه ، قال تعالى : + قالت من أنبأك قال نبأني العليم الخبير " [التحريم :3] ، وهو أيضاً : مُخبـِر عن الله ـ عز وجل ـ بما يوحيه الله إليه من أمره وشرعه ، قال تعالـى : +       " [الحجر : 49] .

وقيل : النبي مشتق من النَبْوَة ، وهي : المكان المرتفع من الأرض ، فإن العرب تطلق لفظ النبي على علم من أعلم الأرض التي يُهتدى بها .

والربط بين لفظ النبي والمعنى اللغوي واضح ، وذلك لأن النبي ذو رفعة عند الله تعالى فـي الدنيا والآخرة ، وذو شرف وسؤدد فـي قومه ، وهو مُنبّأٌ من الله تعالى بأمره الديني الشرعي الذي يهتدي به العباد ويسعدوا فـي دنياهم وأخراهم .

(2) والنبي اصطلاحاً : هو الذي ينبئه الله تعالى ، أي : يوحي إليه أن يعمل بشريعة من قبله ، ويبعثه الله إلى قوم مؤمنين بشريعة سابقة ، ليبطل ما ابتدعوه ، ويصحح ما أخطأوا فيه ، ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، ويكون قدوة لهم فـي اتباع الرسول السابق ، فهو يحكم بشريعة من قبله، وقد يُوحى إليه وحي خاص فـي واقعة معينة .

فالأنبياء يأتيهم وحي من الله تعالى فيما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين بهم، لكن لا ينزل عليهم كتاب ولا يرسلون إلى قوم كفار مخالفين لأمر الله ليبلغوهم رسالة من الله إليهم ، إنما يُرسلون إلى قوم موافقين مخطئين فـي بعض الأمور .

(3) الرسول فـي اللغة : مأخوذ من البعث وهو الإرسال والتوجيه، فالرسول هو المبعوث الموجه برسالة ، قال تعالى عن ملكة سبأ : +         " [النمل : 35] .

فالرسلُ ـ عليهم الصلاة والسلام ـ إنما سُموا رسلاً لأنهم بُعثوا من قبل الله تعالى برسالة حملوها وأمروا بتبليغها للناس، قال تعالى : +            " [النحل :36]، وقال تعالى : +     " [المؤمنون : 44] أي : بعثناهم يتبع بعضهم بعضاً .

(4) وأما الرسول فـي الاصطلاح : فهو الذي ينبئه الله بوحيه الشرعي ثم يوجهه إلى من خالف أمره، أو على قوم لم يأتهم نذير من قبله .

ب- الفرق بين النبي والرسول :

دلَّ التتبُّع والاستقراء لأحوال النبيين والمرسلين ـ عليهم من ربهم  

أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ  والنصوص الواردة بشأنهم على اشتراك النبيين والمرسلين فـي أمور :

1- الوحي  : قال تعالى : +               " [النساء :163] .  

2- جنس الإرسال : قال تعالى : +                           " [الحج :52] .

3- أن الأنبياء ـ وكذلك بعض الرسل ـ لا ينزل عليهم كتاب ؛ بل يحكمون بكتاب سابق ، قال تعالى : +                " [المائدة :44] .

ولكن دلت نصوص أخرى على وجود فرق بين المرسلين والنبيين :

أ- فقد دل قولـه تعالى : + وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي" [الحج :52] على المغايرة بين النبيين والمرسلين؛ لأن العطف فـي اللغة يدل على المغايرة ، أي : أن الذي بعد الواو مغاير للذي قبلها .

ب- وكذلك أن الله تعالى وصف بعض أنبيائه بالنبوة فقط فـي مواضع أخرى، كما قال تعالى عن موسى : +    " [مريم :51] ، وقال عن إسماعيل : +    " [مريم : 54] ، وقال عن إدريس: +    " [مريم : 56] ، وقال عن إسحاق : +    " [الصافات :112] .

ج- ومن الفرق بين الرسل والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ما يلي :

1- أن النبي يُوحى إليه ـ غالباً ـ بشرع سابق ، والرسول ـ غالباً ـ يُوحى إليه بشرع جديد .

2- أن النبي يُرسل على قوم مؤمنين برسالة سابقة ، والرسول يرسل على قوم لم تبلغهم رسالة من قبله ، أو بلغتهم ، ولكن كفروا فخالفوا أمر الله تعالى ، ومما يوضح ذلك أن إسحاق وإسماعيل وهما أخوان من ذرية إبراهيم ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، لكن إسحاق خَلَف أباه إبراهيم فـي مقر إقامته بالشام فصار نبياً لأتباع إبراهيم وفي رسالته ، وإسماعيل أرسل إلى  « جُرْهُم » الذين لم تبلغهم رسالة إبراهيم قبله .

3- أن الرسول أفضل من النبي بالإجماع ، لتميّزه بالرسالة المطلقة التي هي أفضل من النبوة ، فإن النبوة رسالة مقيدة .

فاشتركا جميعاً فـي أن كل منهما منبأ بشرع من الله تعالى ، ومرسل إلى قومه ، لكن النبي بُعث إلى قوم لم تبلغهم رسالة، أو بلغتهم وكفروا بها، فمهمة الرسول أعظم وأكبر من مهمة النبي ، ولذا كان الرسل أفضل من الأنبياء ، وفي كلٍّ فضل عليهم الصلاة والسلام ـ .

ثانياً : وجوب الإيمان بالرسل ومنزلته فـي الدين :

الإيمان بالرسل واجب من واجبات الدين الحتمية ، وركن عظيم من أركان الإيمان ، وأصل من أصوله المنصوص عليها من القرآن والسنة ، والتي لا يتحقق الإيمان إلا بها ، قال تعالى : +                     " [البقرة :285] ، فذكر سبحانـه أن الإيـمان بالرسل من جملة ما آمن به الرسول والمؤمنون، وجعل سبحانه الإيمان بالرسل براً وصدقاً وتقوى، فقال تعالى : +            ... إلى قولـه :       " [البقرة : 177] .

وصحّ عن النبي × قولـه : « الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره »([18]) .

فجعل الإيمان بالمرسلين من أركان الدين، ورتب سبحانه على ذلك الأجر والمغفرة والرحمة ، فقال : +                   "  [النساء :152] .

ثالثاً : خطر تكذيب أحد من الرسل :

جعل الله سبحانه تكذيب واحد من المرسلين ضلالاً وتفريقاً بينهم، وتكذيباً بهم جميعاً ، وكفراً بالله تعالى محققاً ، فقال سبحانه : +            " [النساء: 136] ، وقال تعالى : +                                  " [النساء : 150، 151] وقال تعالى : +     " [الشعراء :105] .

وأخبر سبحانه على التفصيل أن كل أمة كذّبت رسولها فقد كذبت المرسلين ، كما فـي سورة الشعراء([19]) ، مما يدل على أن تكذيب واحد من المرسلين يعتبر تكذيباً لهم جميعاً ، وكفراً برسالاتهم، وبالله الذي أرسلهم تبارك وتعالى .

رابعاً : المراد بالإيمان بالأنبياء والمرسلين وبم يتحقق :

الإيمان بالأنبياء والمرسلين ـ عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم ـ هو الاعتقاد الجازم بنبوتهم ورسالتهم وما جاءت به النصوص بشأنهم .

ويتحقق الإيمان بهم بأمور ، منها :

1- اعتقاد أن الله تعالى اصطفاهم واجتباهم على علم ليكونوا سفراء بينه وبين عباده فـي تبليغ رسالاته ، قال تعالى : +        " [الحج :75] ، وقال تعالى : +      " الآية [الأنعام :124] .

2- اعتقاد صدقهم ، وتصديق الله تعالى لهم فيما جاءوا به من عنده ، وأنهم ما قالوا عليه إلا الحق .

3- الإيمان بأنهم أشرف الأمم أنساباً ، وأطيبهم أعراقاً ، وأزكاهم نفوساً، وأكرمهم أخلاقاً ، وأعظمهم شرفاً وسؤدداً .

4- أنهم بلّغوا رسالاتهم إلى أممهم ، ولم يكتموا منها شيئاً ، ونصحوا لمن أرسلوا إليهم ، وبيّنوا ما أرسلوا به بياناً شافياً ، قامت به عليهم الحجة، واتضحت به المحجة ، وزالت به المعذرة ، ووجب على الأمم العمل به .

5- اعتقاد عصمتهم عن الخطأ فيما بلغوا عن ربهم من الدين ، وكذلك ما أرشدوا به أممهم من أمر الدنيا جازمين، وكذلك اعتقاد عصمتهم من كبائر الذنوب ، وأما الصغائر فقد تقع منهم لكنهم لا يقرون عليها ؛ بل ينبهون بشأنها ويوفقون للمبادرة إلى التوبة منها .

6- اعتقاد فضلهم ، وتفضيل الله تعالى بعضهم على بعض على نحواما جاءت به الآيات والأحاديث الصحيحة ، قال تعالى : +                      " [البقرة :253] .

7- اعتقاد أنهم أكمل الخلق علماً وعملاً ، وأبرّهم وأرحمهم ، وأن الله برأهم من كل عيب خِلْقِي وكل خُلُق رذيل .

8- وجوب الاهتداء بهديهم على أممهم ، وكمال التأسّي بهم ، وطاعتهم، واتباع من أرسل إلينا منهم وهو النبي محمد ×.


خامساً : من خصائص النبـي  ×:

للنبي × خصائص كثيرة دلت على شرفه وكرامته على ربه سبحانه ،

وعلى أنه خير خلــق الله تعالى وأحبهم إليه ، وقد أفرد تلك الخصـائص  

جماعة من مصنـفي أئمة أهل العلم فـي كتب مستقلة ، فمن تلك الخصائص :

1- ختم النبوة به، فإنه × خاتم النبيين وآخر المرسلين، لقولـه تعالى: +      " [الأحزاب :40] ، وصحّ عن النبي × قولـه : «وخُتم بي النبيون »([20]) .

وإذا خُتمت النبوة ختمت الرسالة ، فلا يُبعث بعده نبي ولا رسول ، ومن اعتقد أنه يبعث بعده نبي أو رسول فقد كفر ، لكن جاءت النصوص الثابتة أن عيسى ابن مريم ـ عليه السلام ـ ينزل فـي آخر الزمان خليفة للنبي × في أمته ، وحاكماً بشريعته ، « فيقتل الدجال، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية ، ولا يقبل إلا الإسلام »([21]) .

2- أنه سيد المرسلين ، لقولـه ×: « أنا سيد الناس »([22]) ، وفي حديث آخر « سيد ولد آدم »([23]) ، ولصلاة النبيين والمرسلين خلفه × ليلة الإسراء والمعراج فـي المسجد الأقصى ، فقد جمع الله تعالى أرواحهم فـي مثال أجسادهم وصلوا خلف رسول الله × ، مؤتمين به ـ عليهم الصلاة والسلام جميعاً ـ .

3- أنه لا يتم إيمان عبد حتى يؤمن برسالته وعمومها لجميع الناس، لقولـه تعالى : +          " [النساء :65] ، ولقد أخذ كل نبي من أنبياء الله ورسله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ على قومه ، « أن إذا بعث فيكم محمد × لتؤمنن به ولتتبعنه » تحقيقاً لما  أخذ الله عليه من الميثاق بقولـه تعالى : +                    " [ آل عمران :81] .

ومن أدلة عموم رسالته قولـه تعالى : +      " [سبأ : 28]، وقولـه تعالى : +         " [الأعراف : 158] ، وقولـه × : « وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبُعثتُ إلى الناس عامة »([24]) .

4- أنه صاحب الشفاعة العظمى ، فلا يقضى بين الناس إلا بشفاعته، وهي الشفاعة العظمى التي يتخلى عنها أولو العزم من الرسل حتى تنتهي إليه، فيشفع فيشفّعه الله ، ويأتي للفصل بين عباده .

5- أنه أول مـن يستفتـح باب الجنة فيفتح له ، وأول من يدخلها ، لا

يدخل أحدٌ قبله .

6- أنه صاحب لواء الحمد يحمله × يوم القيامة ، ويكون الحامدون تحته، لحديــث : « وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ ، آدم فمن

سواه ، إلا تحت لوائي »([25]) .

7- أنه صاحب المقام المحمود ، أي : العمل الذي يحمده عليه الخالق والمخلوق ، وهذا المقام هو ما يحصل من مناقبه يوم القيامة .

8- وأيضاً فهو صاحب الوسيلة ، وهي المنزلة العالية فـي الجنة ، لا تنبغي إلا لعبد ، قال ×: « وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل الله لي الوسيلة حَلَّتْ له الشفاعة يوم القيامة »([26]) .                                                                                                                            

سادساً : من أدلة صدق الرسل ـ  عليهم الصلاة والسلام ـ :

من عقيدة الإيمان برسل الله ــ عليهم الصلاة والسلام ـ : اعتقاد أنهم صادقون فيما جاءوا به من ربهم ، مصدوقون فيما أوحي إليهم ، مصدقون من الله على صدق دعوتهم، ولذلك دلائل كثيرة عرفها العقلاء من قومهم وممن جاء من بعدهم ، ومن ذلك :

1- شهادة الله تعالى لهم بالصدق والصديقية ، وكفى بالله شهيداً +     " [الزمر :33] ، ووصف سبحانه عدداً من رسله بالصديقية بقول : +     " [مريم :41، 56] ، أي : كامل التصديق فيما جاءه من ربه، والصدق فـي دعوته لقومه .

2- تأييد الله لهم على دعواهم الرسالة بالحجج الشرعية والآيات الكونية، كالكتب المنزلة عليهم ، والآيات التي جاءوا بها ، مثل سفينة نوح ـ عليهم السلام ـ ، ومثل تحدي هود ـ عليه السلام ـ وهو واحد لقومه وهم جماعة كثير متجبرون شديدةٌ خِلقَتهم وقوتهم ، فلم يبالي بهم ولم يصبه منهم أذى ، وكذلك عصا موسى ـ عليه السلام ـ التي كانت آية بينة ، لها شأن ومواقف عظيمة مع السحرة ، وفي ضرب البحر فانفتح اثني عشر طريقاً ، وضرب بها الحجر فانفجر اثنتي عشرة عيناً ، وكذلك ما جاء به عيسى ــ عليه السلام ــ من الآيات العظيمة ، حيث كان يبرئ الأصم والأخرس والأعمى والأبرص ويحيي الموت بإذن الله تعالى إلى غير ذلك ، وكذلك انشقاق القمر لمحمد × ، والقرآن العظيم الذي جاء به محمد × ، وهو أعظم آيات الأنبياء والمرسلين التي تحدَّوا بها أممهم ، وظهر بها صدق نبوتهم .

3- ما أخذ الله به المكذبين للرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من ألوان العقوبات التي جعلتهم للمعتبرين من أبلغ العظات .

4- أنهم أحسن الناس طريقة ، وأصدقهم لهجة ، وأكثرهم وقاراً ، وأبعدهم عن الطيش ، وأزهدهم فـي المال والجاه، وأصبرهم على البلايا والشدائد ، وأعدلهم حكماً ، فما جاروا فـي حكم على عدو ، ولا

شهدوا بغير الحق لصديق .

5- معاداتهم لقراباتهم وأرحامهم المخالفين لهم من أجل ربهم ، فآثروا الحق على الخلق، فتركوا مناهج الآباء وما عليه العشيرة فوقعوا من أجل ذلك فـي المخوف، وصبروا على الحتوف .

6- إجماع مواليهم وعقلاء أعدائهم على أن الرسل والأنبياء ـ عليهم السلام ـ كانوا أعقل الناس ، وأوقر الخلق ، حتى اعترف عقلاء الكفار بحسن تدبيرهم وسدادهم ، وأنهم جاءوا بشرائع حكيمة استمالوا بها خلائق ودانت لهم بها عوالم .

7- تحقق أغراضهم وأهدافهم بالنصر والعواقب الحسنة ، فإن الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، وهكذا لهم أحسن العواقب وأكرم الجزاء فـي الآخرة ، قال تعالى : +           " [ غافر :51] ، وقال تعالى فـي حق نبيه × : +         " [الضحى:5،4].

سابعاً : فائدة فـي آيات النبوة :

الحق أن يُقال : أَيَّدَ الله تعالى رسلَه بأنواعٍ من الآيات لا المعجزات ، وذلك لما يلي :

1- أن ذلك نص الوحي من القرآن والسنة، كقولـه تعالى : +                " [العنكبوت :50] ، وقولـه ×: « ما بعـث الله نبياً قبلي إلا آتاه من الآيات مـا

آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي »([27]) .

2- ولأن الآيات أدلّ على المعنى المقصود من المعجزة ، فإن آيات الله تعالى هي : العلامات الدالة عليه ، وعلى صدق رسله ، وتأييده لهم .

3- ولأن الآيات لا تكون إلا على يدي النبي والرسول، أما المعجزات

وخوارق العادات فقد تقع للساحر والمشعوذ والكاهن وأشباههم من الدجالين.

4- والآيات الكونية متعلقة بالخلق والتكوين ، مثل الليل والنهار، ولا يستطيع الخلق أن يفعلوها ، ولا الإلحاد فيها بأن ينسبوها إلى أحد غير الله تعالى استقلالاً أو مشاركة .

5- والآيات الشرعية التي هي القرآن مع أنها كلام من حروف وكلمات وجمل منظومات إلا أن الله تعالى تحدى البشر أن يأتوا بمثلها من حسن النظم وجزالة المعنى ، وبما اشتملت عليه من الخبر الصادق والوعد المحقق والحكم المحكم وأنباء الغيب ، إلى غير ذلك من وجوه التحدي بها لمن جاءت بلغتهم ولسانهم .

* * *


 من ثمرات الإيمان بالرسل ـ  عليهم الصلاة والسلام ـ :

1- العلم برحمة الله تعالى وعنايته بعباده بإرسال الرسل ليدعوهم إلى عبادة الله تعالى ويعرفوهم كيفيتها .

2- شكر الله تعالى على هذه النعمة وهي إرسال الرسل لهداية الناس إلى عبادة الله تعالى التي هي سبب السعادة فـي الدارين : +     " [البقرة :151] .

3- العمل لله تعالى على بصيرة عملاً بالكتاب المنزل وتأسياً بالنبي المرسل.

4- محبة رسل الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لما يعلم من حب الله تعالى إياهم واصطفائهم لرسالاته لما فيهم من اتباع الحق والرحمة والنصح للخلق .

5- التأسِّي بهم فـي الدعوة إلى  الله تعالى فـي حسن بيانهم وعظم حلمهم وكمال صبرهم على أذى قومهم ونصحهم لهم فـي سائر الأحوال .

6- اليقين بحسن العاقبة للمتقين وجزيل المثوبة للصابرين المحسنين، كما تبيّن ذلك من قصص دعوتهم وما آل إليه أمرُهم وأتباعهم وأمر خصومهم .

* * *


 الركن الخامس : الإيمان باليوم الآخر

* أولاً : تعريف اليوم الآخر :

اليوم الآخر هو : يوم القيامة ، يوم البعث والقيام لرب العالمين ، سُمي اليوم الآخر لأنه يأتي بعد هذه الدنيا ، ويسمى يوم القيامة لقيام الناس فيه لرب العالمين ، ولـه أسماء عديدة ، كل اسم يدل على حدث فيه أو حال من أحوال الناس فيه ، وكلها تدل على عظمة شأنه وخطورة إنكاره والكفر به، وفيها تذكير بأهواله وتنبيه على الاستعداد له .

* ثانياً : منزلة الإيمان باليوم الآخر :

الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان ، وغالباً يذكر هو الخامس منها، وقد دلّت النصوص على فلاح من آمن به وعمل لـه ـ مخلصاً لله تعالى بما شرع ـ ، وعلى كفر من أنكره وجحده ، قال تعالى : +          " الآية [البقرة :177]، وقال تعالى : +             " [النساء :136] .

* ثالثاً : كيفية الإيمان باليوم الآخر :

الإيمان باليوم الآخر هو التصديق بمجيئه وما يكون فيه والحكمة منه على النحو الوارد فـي الكتاب والسنة، فيتضمن الإيمان باليوم الآخر أموراً لا يتحقق الإيمان به إلا بالتصديق بها واعتقادها والعمل بمقتضاها، وهي :

1- كيفية مجيء الملائكة إلى من حضره الموت ، وكيفية قبض روحه ، وأين يذهب بها بعد ذلك .

2- السؤال فـي القبر ـ أو فتنة القبر ـ ، وما جاء فـي صفته ونتيجته التي تترتب عليه ، فيكون عليها مستقبل الميت .

3- حال الميت فـي القبر ومدة لبثه فيه ، وعلاقة روحه بجسده ، وما جاءت به النصوص من نعيم المثبَتين وعذاب المضلين .

4- أشراط الساعة وعلاماتها الكبار والصغار .

5- البعث ، وهو إحياء الموتى بالنفخ فـي الصور النفخة الثانية، فتعاد الأبدان ، وتنفخ فيها أرواحها ، وتنشق عنها القبور ، ويقوم الناس لرب العالمين .

6- الحشر ، وهو جمع الناس فـي موقف القيامة فـي موقف واحد، وصفته وحال الناس فيه .

7- الحساب ، وهو العرض على الله تعالى ، وتقرير المؤمنين ، ومناقشة الكافرين كل بعمله .

8- الكتب وصحف الأعمال وكيفية أخذ الناس لها .

9- الموازين وصفتها ونتيجتها .

10- الحوض وصفته ، وصفة الورود عليه ، ومن يطرد عنه .

11- الصراط وصفته ، وحال مرور الناس عليه .

12- الشفاعة وأنواعها .

13- الإيمان بالجنة والنار، وما جاء من صفتهما وحال أهلهما فيهما، وأنهما المآل الأبدي للجن والإنس .

* رابعاً : الحكمة من مجيء اليوم الآخر :

لمجيء اليوم الآخر حكم تضمنت الإشارة إليها بعض الآيات المحكمات كقولـه تعالى : +            " [النحل :39] ، وقال تعالى : +          ... إلى قولـه :                " الآيات [سبأ :4-6] ، ويمكن إجمال تلك الحكم بالآتي :

1- إثبات صدق ما أخبرت به الرسل ، ونطقت به الكتب من أمره وما يكون فيه . 

2- بيان تصديق أهل العلم والإيمان الذين صدقوا به وعملوا لـه ودعوا إليه على منهاج النبيين والمرسلين .

3- ظهور كذب الكفار فيما أنكروه وأعرضوا عنه ، وخسارتهم فيه .

4- الحكم بين الخلق بالحق ، وأداء الحقوق إلى أهلها .

5- جزاء المحسنين بالإحسان ، والمسيئين بما عملوا ، فاقتضت حكمة الله تعالى أن يجعل للخلق معاداً يبعثون فيه ، ثم يردون إليه ليجازيهم علىما كلّفهم به على ألسنة رسله ، وما أنزل إليهم من كتبه ، قال تعالى :

 +         " [المؤمنون :115] .

خامساً : أحوال البرزخ :

ونظراً لاتفاق أهل القبلة على الإيمان بجملة أشراط الساعة ، ووفرة المصنفات من أهل العلم فيها قديماً وحديثاً ، فسأترك الإشارة إلى هذه الأشراط ، وأشير إلى ما بعد الموت من نعيم القبر وعذابه ، وذلك :

1- لوجود من أنكر ذلك .

2- ولمسيس الحاجة إلى تذكير المسلمين به .

3- ولأن القبر أول منازل الآخرة، فإن الإيمان بما ثبت فـي النصوص من أحوال الناس فـي البرزخ بعد الموت إلى قيام الساعة من تحقيق الإيمان باليوم الآخر .

أ- حقيقة الموت :

الموت هو مفارقة روح ابن آدم لجسده إذا استكمل أجله بأي سبب قدّره الله تعالى ، ومفارقة الروح للجسد ليس فناءً للروح ، ولكنه انفصالٌ لها عن البدن بأمر الله تعالى ، وليس انفصالاً نهائياً ؛ بل لها به نوع اتصال الله أعلم بكيفيته وحقيقته، وتكون أمور البرزخ على الروح أصلاً والبدن تابع لها ، حتى ولو تلاشى واضمحل وصار رفاتاً أو تراباً ، أو تلف بحرقه أو نحوه وذري فـي الهواء ولم يبق له بقية فإن الروح تبقى وهي التي تتعرض للعذاب أو النعيم ويصل البدن حظه من ذلك بقدرة الله تعالى ، فإن الله تعالى على كل شيء قدير ، لا يعجزه شيء ، وقد قــال تعالــى : +           " [ق :4].


ب- الفتنة فـي القبر :

يجب الإيمان بما دلّت عليه الأحاديث من أمر الملكين الفتّانين الموكلين بسؤال الميت فـي القبر ، وصفتهما وسؤالهما المقبورين ، وكيفية ذلك، وما يجيب به المؤمن وما يجيب به المنافق، وما يعقب ذلك من النعيم والعذاب ، على التفصيل الذي جاءت به الأحاديث ، ومن ذلك ما روى الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله ×:  ((  إذا قُبر الميت ـ أو قال : أحدكم ــ أتاه مَلَكَان أسودان أزرقان يقال لأحدهما : منكر ، وللآخر : نكير .. )) إلخ([28]) .

وقد دلَّت النصوص الواردة فـي إثبات نعيم القبر وعذابه على الفتنة فيه قبل ذلك ، وهي السؤال للميت :  ((  من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك ))  على أصل الفتنة، فيثبت الله من يشاء ، وهو الذي ينعم فـي قبره ، ويضل من يشاء، وهو الذي يعذب فـي القبر إلى ما شاء الله .

ج- نعيم القبر وعذابه :

اتفق أهل السنة والجماعة على ما دلّت عليه النصوص من أن نعيم القبر وعذابه حق ، وأنه يكون للروح والبدن جميعاً ، وهو مترتب على فتنة القبر والسؤال فيه، فمن ثبّته الله نُعِّم، ومن ضلَّ عُذِّب . فنعيم الروح أو عذابها :

* يكون متصلاً  بالبدن ـ تارة ـ فيكون النعيم أو العذاب عليهما جميعاً .

* كما أنه قد يكون النعيم أو العذاب للروح منفصلة عن الجسد، فيكون النعيم أو العذاب للروح وحدها تارة أخرى ، ولها مع الجسد تارة أخرى .

 د- أدلة نعيم القبر وعذابه :

1- فمن أدلة القرآن على نعيم القبر وعذابه ، قولـه تعالى : +            " [الواقعة :88، 89] .

2- ومن الأدلة قولـه تعالى عن آل فرعون : +               " [غافر :46].

قال ابن كثير - رحمه الله - : « هذه الآية أصل كبير فـي استدلال أهل السنة على عذاب القبر » . وقال القرطبي - رحمه الله - : « الجمهور على أن هذا العرض يكون فـي البرزخ، وهو حجة فـي تثبيت عذاب القبر » .

3- ومن الأدلة كذلك على عذاب القبر، قولـه تعالى عن الكفار : +       " [التوبة :101] . قال مجاهد : أي : بالجوع وعذاب القبر ، قال : ثم يردون إلى عذاب عظيم يوم القيامة ، وقد استدل بهذه الآية والتي قبلها البخاري ـ رحمه الله ـ فـي ترجمة الأحاديث فـي عذاب القبر .

4- ومن الأدلة حديث البراء ، وفيه قال × فـي المؤمن : « فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، فيأتيه من ريحها وطيبها ، ويفسح له فـي قبره مد بصره ..»([29]) الحديث .

5- ومن أدلة السنة على إثبات القبر ما ثبت فـي الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن الرسول × قال : « إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة »([30]) .  

6- وكذلك ما ثبت فـي صحيح مسلم - رحمه الله – عن أنس t عن النبي × قال :  (( لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم عذاب القبر))([31]) .

7- وما فـي الصحيحين عن النبي ×  أنه قال فـي صاحبي القبرين :  ((إنهما ليُعذبان ))([32]) .

8- وكذلك ما ثبت فـي الصحيح أن عامّة عذاب القبر من البول([33]) ، يعني : من الاستهانة به ، وعدم التنزّه والتحفظ منه .

9- وكان النبي × يتعوّذ من عذاب القبر ([34]) .

10- وقد أجمع المسلمون على إثبات عذاب القبر ونعيمه ، ولم ينكره إلا من لا فقه له ولا أثر لخلافه .

فقد أنكر الملاحدة والفلاسفة ومن اتبعهم ومن أهل الكلام عذاب القبر بدعوى عدم مشاهدته فـي الدنيا ، ويُردّ عليهم بما يلي :

الأول : دلالة الكتاب والسنة وإجماع السلف عليه .

الثاني : أن أحوال الآخرة لا تُقاس بأحوال الدنيا .

الثالث : وجود أشياء فـي الدنيا لا تُشاهد مثل : العقل والروح والكهرباء، فكل هذه يقرّ العقلاء بوجودها ويؤمنون بأثرها مع أنهم لم يشاهدوها على هيئتها ، فما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب فـي البرزخ والآخرة وفوق السماوات أولى أن يُصدق به ويقرّ بوجوده ، ولو لم يشاهد ، ذلك بأن الله هو الحق المبين .

سادساً : ذكر مهمات مما يكون فـي اليوم الآخر :

الأول : البعث :

1- تعريف البعث :

البعث لغة : التحريك والإثارة والنشر والإرسال .

واصطلاحاً : هو إخراج الناس أحياءً من قبورهم ، وإرسالهم إلى موقف الحشر ، لحسابهم والقضاء بينهم وجزائهم .

2- حكمته ومنزلته :

يجب الإيمان ـ وهوالتصديق والاعتقاد الجازم ـ بأن الله تعالى يبعث الناس من قبورهم أحياء يوم القيامة ، على الصفة التي جاءت بها النصوص ؛ ليجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بعمله ، أو يعفو عنه .

والإيمان بالبعث والجزاء من أعظم أصول الإيـمان ، فإن الله تعالى يجمــع ـ بقدرته ـ ما تفرق من أجساد الأموات التي تحللت ، ثم يعيدها كما كانت، ثم يعيد الأرواح إليها، ثم يشق الأرض عنها، يسوقها إلى المحشر للقضاء بينهم

بالحق وجزائهم على أعمالهم .

3- من الأدلة على البعث :

ولقد أقام الله تعالى الحجج والبراهين على صحة البعث وتحقّق وقوعه من وجوه متعددة ، فمن أدلته :

أ- قول الله تعالى : +              " [التغابن :7] ، وقولـه سبحانـه : +         " [القصص :85]

ب- ومن السنة قوله × :  «  إذا اراد الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم ))([35]) ، وقولـه : × :  ((  يُبعث كل عبد على ما مات عليه ))([36]) .

ج- ومما استدل الله به على قدرته على بعث الأموات بعد موتهم :

* إحياء الأرض بالمطر بعد موتها .

* إحياء بعض الأموات فـي الدنيا كإحياء قتيل بني إسرائيل بعد ضربه بعظم من بقرة أُمروا بذبحها لذلك ، وإحياء الذي مرَّ على قرية بعد موتهــا ، وإحياء أهل الكهف ، وتلك الأمثلة مذكورة فـي القرآن .

 * أن الذي ابتدأ الخلق على غير مثال سبق قادر على إعادته ، فإن الإعادة أهون من الابتداء، والكل على الله هيِّن .

فدلّـت النصوص على أن الله تعالى يعيد الأجساد نفسها فيجمع رفاتها  المتحلّل ويخلقها فـي أماكنها فـي القبور أو فـي أي مكان كانت حتى تعود كما كانت فيعيد إليها أرواحها إذا تم خلقها ، فسبحان من لا يُعجزه شيء وهو على كل شيء قدير .

4- بيان كيفية البعث :

وفي بيان كيفية البعث جاء حديث أبي هريرة t الذي أخرجه الشيخان أن رسول الله × قال :  ((  ما بين النفختين أربعون )) . قالوا : يا أبا هريرة ، أربعون يوماً ؟ قال : أبيتُ . قال :  ((  ثم ينزل الله ماءً فينبتون منه كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ـ آخر عمود الظهر ـ ومنه يركّب الخلق يوم القيامة ))([37]) .

فدلّ الحديث على كيفية البعث ، وأن أهل القبور والموتى يبقون بعد النفحة التي فيها الصعقة وقبل نفخة البعث أربعين ، جاء فـي بعض الروايات أنها أربعون سنة ، والنفختان هما :

1- نفخة الفزع والصعق ، وهي التي تكون بها إماتة الأحياء وخراب هذا العالم .

2- نفخة البعث من القبور وإرسالهم إلى موقف الحشر .

فإذا أراد الله بعث الخلائق أنزل من السماء ماءً ـ جاء فـي بعض الروايات صفته أنه كمني الرجال ـ فينبت أهل القبور من ذلك الماء ، فإذا تم خلقهم نفخ فـي الصور النفخة الثانية ، فطارت أرواحهم إلى أجسادهم ، وانشقت الأرض عنهم ، فخرجوا من قبورهم سراعاً : +              " [القمر :7، 8] .

فأول يوم القيامة النفخ فـي الصور نفخة الفزع والصعق ، ثم نفخة البعث التي تعود فيها الأرواح إلى الأجساد فتحيا ، ثم تُحشر الخلائق إلى رب العباد ، والصور هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل ـ عليه السلام ـ([38]) .

* وعن أبي سعيد أن رسول الله × قال :  ((  إن صاحب الصور قد التقم الصور وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر بالنفخ ))([39]) .

* وروى أحمد فـي مسنده أن رسول الله × قال :  ((  النافخان فـي السماء الثانية فينظران متى يُؤمر فـي الصور فينفخا ))([40]) .

قال الحافظ: وقد اشتهر أن صاحب الصور إسرافيل ـ عليه السلام ـ .

وهذا يُحتمل أن إسرافيل رئيسهم وله أعوان .

وقد جاء فـي صحيح مسلم عن يوم الجمعة أن فيه تقوم الساعة([41]) .

وفي سنن النسائي عن أوس بن أوس الثقفي مرفوعاً :  ((  إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فـيه الصعقة ، وفيه النفخة الثانية )) ([42]) .

* عدد مرات النفخ فـي الصور :

والصواب أن النفخ فـي الصور مرتان :

الأولى : تبدأ بالفزع وتنتهي بالصعق لجميع الخلق إلا من شاء الله .

الثانية : نفخة البعث فتعاد الأرواح إلى الأجساد ، ويقوم الناس لرب العالمين ، ويدل على ذلك :

1/ قولـه تعالى : +                       " [الزمر :68] .

وقولـه تعالى : +          " [يس :51] .

2/ وثبت فـي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما ـ فـي حديث الطويل ، وفيه : قال رسول الله ×:  ((  ثم يُنفخ فـي الصور فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم لا يبقى أحدٌ إلا صُعق ، ثم يُنزل اللهُ مطراً كأنه الطل أو الظل ـ شك الراوي ـ فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ))([43]) .

الثاني : الحشر :

1- تعريف الحشر :

الحشر لغةً : الجمع .

وشرعاً : جمـع الخلائق بعد إحيائهم فـي موقف الجمع يوم القيامة لحسابهم والقضاء بينهم .

2- من الأدلة على الحشر :

(1) قولـه تعالى : +         " [التغابن :9] .

(2) وقولـه تعالى : +            " [الواقعة :49، 50] .

(3) وقولـه تعالى : +        " [ق :44] .


(4)  وجاء فـي الحديث الصحيح عن النبي × :  ((  إن الله تعالى يجمع الأولين والآخرين فـي موقف واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وأنهم يصيبهم فـي ذلك الموقف من الأهوال ما لا يطيقون ولا يحتملون، حتى يسعى بعضهم فـي طلب الشفاعة ليخلصوا من هول ذلك الموقف لشدّته عليهم ))([44]) .

(5) فـي الصحيح أن النبي × قال :  ((  يا أيها الناس إنكم لمحشورون حُفاة غُرلاً، ثم قرأ : +         " [الأنبياء :104] ، وأول من يُكسى إبراهيم عليه السلام ))([45]) .

(6) وقال × : ((  يُحشر الناس يوم القيامة عراة غرلاً بُهْمَاً ))([46]) ، أي ليس معهم شيء .

(7) وقال ×:  ((  يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء كقرصة النقي ، ليس فيها معلمٌ لأحد ))([47]) .


الثالث : الحساب :

ا- تعريف الحساب :

الحساب لغة : العدّ والإحصاء .

وشرعاً : هو : إطلاع الله تعالى عباده على أعمالهم قبل الانصراف من المحشر خيراً كانت أو شراً . قال تعالى : +           " [المجادلة :6] ، وقال تعالى : +                           " [آل عمران :30] ، وقال تعالى : +        " [الكهف :49] .

2- الأدلة على الحساب :

الحساب ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، والإيمان به أصل من أصول أهل السنة والجماعة :

1- فمن القرآن :

* قولـه تعالى : +          " [الغاشية :25، 26] .

* وقولـه تعالى : +            " [الانشقاق :7، 8] .

2- ومن السنة :

* ما جاء فـي مسند الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي × كان يقول فـي بعض صلاته: « اللهم حاسبني حساباً يسيراً »

فقالت عائشة : ما الحساب اليسير؟ قال :  ((  أن ينظر فـي كتابه فيتجاوز عنه ))([48]).

قال الألباني رحمه الله : إسناده جيد .

3- وأجمع المسلمون على ثبوته يوم القيامة :

* والحساب عام للجميع إلا من استثناهم النبي × ، كما فـي الصحيحين من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وفيه قال × فـي أُمَّته :  ((  ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب )) . فقام عكاشة ابن محصن t فقال : أُدع اللهَ أن يجعلني منهم . فقال :  ((  أنت منهم))([49]) الحديث .

* وروى أحمد - رحمه الله – عن أبي أمامة الباهلي :  ((  إن مع كل ألف سبعون ألفاً ))([50]) صححه ابن كثير - رحمه الله – وذكر له شواهد .

3- صفة الحساب ونشر الكتاب :

دلت النصوص الواردة فـي الحساب ـ ومنها حديث ابن عمر المتفق عليه ـ على : ((  أن الله يخلو بعبده المؤمن فيقرّره بذنوبه ـ أو بعمله ـ حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى له : أنا سترتها عليك فـي الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته ))([51]) .

قلت : وفي هذا الحديث أن الحساب قبل أخذ الكتاب ، فالكتاب توثيق للحساب لإظهار الفضل والعدل من رب الأرباب ، فيقرر بالحساب ، ثم يدفع إليه الكتاب ليقرأه فيباهي به أو يتحسر عليه .

وأما الكافرون والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد : ألا لعنة الله على الظالمين .

وأول من يحاسب من الأمم هذه الأمة ، لقوله e :  ((  نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق ))([52]) .

روى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما – مرفوعاً :  ((  نحن آخر الأمم وأول من يُحاسب .. ))([53]) إلخ .

وأول ما يُحاسب به العبد من حقوق الله الصلاة ؛ لقوله ×:  ((  أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة ... ))([54]) إلخ . رواه الطبراني وإسناده لا بأس به .

قال المنذري فـي الترغيب والترهيب : وأول ما يقضى بين الناس ـ قلت: يعني : من حقوق بعضهم على بعض ـ فـي الدماء ، لقولـه ×:  ((  أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فـي الدماء ))([55]) .

4- كيفية أخذ الكتب ، أي : صحف الأعمال :   

وبعد الحساب تنشر الدواوين ، أي : تفتح وتبسط ، قال تعالى : +    " [التكوير :10] .

فآخذٌ كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله من وراء ظهره ، لقوله تعالى: +          " [الانشقاق :7، 8]، +              " [الانشقاق :10-12] ، ويقول خاسئاً حسيراً : +           " [الحاقة :25، 26] ، وقال تعالى : +                       " [الإسراء :13، 14] ، فكل قد تحدد مصيره .

الرابع : الميزان :

الميزان أمرٌ حقيقي ، لـه كفتان توزن به أعمال العباد ، ولا يعلم كيفيته إلا الله تعالى، قال تعالى : +        " [الأنبياء :47] ، وقال تعالى : +                  

  " [الأعراف :8، 9] .

* فتوزن الأعمال لحديث :  ((  الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله ، والحمد الله تملأ ما بين السماء والأرض ))([56]) .

* وقد تُوزن صحف الأعمال لحديث البطاقة .

* وقد يُوزن العامل لحديث ابن مسعود - رضي الله عنهما – قال النبي  × :  ((  أتعجبون من دقة ساقيه ؟ لهما فـي الميزان أثقل من أُحُد ))([57]) ، وحديث :  ((  يُؤتى بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة ))([58]) .

فمن ثقلت موازين حسناته على سيئاته دخل الجنة ، ومن تساوت حسناته على سيئاته كان من أهل الأعراف بين الجنة والنار ، يُؤجل أمره حتى يدخل أهل الجنةِ الجنةَ ، وأهلُ النارِ النارَ ، ثم تدركه الشفاعة فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة ، ومن رجحت سيئاته على حسناته استحق النار ، إلا أن يشفع فيه الشفعاء ، أو يعفو الله عنه .

الخامس : الورود على الحوض :

أجمع أهل الحق على أن للنبي × حوضــاً فـي عرصات يوم القيامة، يرد عليه من أجابه واتبعه من أمته، وقد جاء وصفه عن النبي × :  ((  ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، طوله شهر ، وعرضه شهر ، من يشرب منه لا يظمأ بعدها أبداً )) .

فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله × :  ((  حوضي مسيرة شهر ، ماؤه أبيض من اللبن ، وريحه أطيب من ريح المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، من شرب منه لا يظمأ أبداً ))([59]) .

وفي صحيحي البخاري ومسلم : ((  ليردنّ عليَّ الحوض أقوام فيُختلجون دوني ، فأقول : أصحابي . فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ))([60]) .

السادس : الصراط :

دلت النصوص من الكتاب والسنة وإجمــاع سلف الأمة على أن الصراط ـ وهو الجسر ـ المنصوب على متن جهنم يمر الناس عليه على قدر أعمالهم ، وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ، فمن مر على الصراط دخل الجنة ، ومن خطفته تلك الكلاليب دخل النار ، فيمر الناس عليه على حسب أعمالهم ، فناج مخدوش ، وناج مسلم ، ومكردس فـي نار جهنم ، فإذا عبروا عليه وُقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقضى لبعضهم من بعض ، فإذا هُذّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم فـي دخول الجنة . 


سابعاً : أمر الشفاعة وأنواعها :

1- تعريف الشفاعة :

الشفاعة لغة : من الضم ؛ لأن الشافع ينضم إلى المشفوع لـه فـي تحصيل  مطلوبه .

واصطلاحاً : هي سؤال الخير للغير .

وهي فـي يوم القيامة : السؤال فـي التخليص من موقف القيامة وأهواله، والسؤال فـي التجاوز عن الذنوب ومحو السيئات ، والنجاة من النار ودخول الجنة، والتخفيف من العذاب ، ونيل الثواب وزيادته .

أ- دلت الآيات المحكمات والأحاديث الصحيحة على ثبوت الشفاعة يوم القيامة بأنواعها ، الخاصة بالنبي × أو العامة ، لـه ولغيره من الشافعين من خيار عباد الله ، ومنها الشفاعة فـي أهل الكبائر من الأمة ، والشفاعة فـي دخول الجنة ، وفي الجنة فـي رفعة الدرجة وزيادة الثواب على ما جاءت به الآيات والأحاديث .

ب- الشفاعة المثبتة لا تنال إلا بإذنه تعالى ، وأما ما نفي من الشفاعة فهو ما كان لمشرك أو كافر ، أو كان بغير إذن من الله ، فلا تنال إلا بعد الإذن والرضا من الله تعالى

2- أنواع الشفاعة :

الأولى : الشفاعة العظمى فـي أهل الموقف، وهي خاصة بالنبي × ، فيشفع لهم ليقضي الله بينهم ويتخلصوا من هول الموقف ، وهي من المقام المحمود الذي أُعطيه النبي × .

الثاني : الشفاعة فـي قوم استوجبوا النار أن لا يدخلوها : وهذه عامــة ،

وللنبي × منها أوفر حظ ونصيب ، ولإخوانه من المرسلين والنبيين والشهداء والصالحين نصيب منها، وتكون قبل الورود على الصراط كما يفهم من الأدلة.

الثالث : الشفاعة فـي قوم دخلوا النار من عصاة أهل القبلة أن يخرجوا منها : وهذه تكون بعد مجاوزة الصراط ، وهي أيضاً عامة فـي الشافعين ، للنبي × منها أكبر حظ وأوفر نصيب ، ويشركه فيها إخوانه المرسلون والنبيون والصديقون والصالحون فيمن شاء الله من عباده .

الرابع : الشفاعة فـي دخول الجنة : وهذه خاصة بالنبي × ، فإنه أول من يستفتح باب الجنة فيُفتح لـه، ثم يدخل هو وأمته والمرسلون وأممهم بعده ـ عليهم الصلاة والسلام ـ جميعاً .

الخامس : الشفاعة داخل الجنة فـي رفعة الدرجات وزيادة الثواب : بحيث يُعطى المشفوع له فوق ما يستحقه أو يرفع إلى درجة الشافع فيه ، وهي كذلك عامة للمرسلين والنبيين والشهداء وصالحي المؤمنين ، وللنبي × من هذه الشفاعة النصيب الأوفر .

السادس : الشفاعة فـي أهل الأعراف : وهو جبل مشرف بين الجنة والنار، يوقف عليه أهل الأعراف ، وهم قومٌ تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم ترجح حسناتهم فيدخلون الجنة، ولم تُرجح سيئاتهم فيستوجبوا النار ، فيشفع لهم فـي ترجيح حسناتهم على سيئاتهم فيدخلوا الجنة ، وهي عامة فـي المرسلين والنبين والشهداء والصالحين، وللنبي × منها النصيب الأوفر ، وهذه تكون بعد دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار بمدة الله أعلم بها .

السابعة : الشفاعة فـي أبي طالب خاصة من الكفار : وهي كذلك خاصة بالنبي ×، فيشفع فـي تخفيف العذاب عنه ، حيث يخرجه × من دركات النار إلى ضحضاح منها ، أي : يسير لا يجاوز كعبيه يغلي منه دماغه ، وهو أهون الكفرة عذاباً ، ولا يخرج من النار ؛ لأنه مات على الشرك ، والله تعالى قال عن المشركين : +     " [البقرة :167] ، وقال تعالى : +    " [ الحجر : 48] .

ثامناً : الجنة والنار :

ومن الإيمان باليوم الآخر : الاعقتاد الجازم والتصديق التام بالجنة والنار، فأهل السنة والجماعة يعتقدون :

أ- أن الجنة والنار موجودتان معدّتان لأهلهما ولا تفنيان ، فالجنة دار كرامة الله أعدها لأوليائه المقربين والأبرار ، والنار دار عذابه أعدّها دار هوان لأعدائه المشركين والمنافقين والكفار . 

ب- وأن أهلهما لا يموتون كما جاء النص فيه ، يقال لأهل كل منهما : خلود ولا موت ، وكما قال سبحانه عن أهل كل منهما : +   " [البقرة :39] ، وأخبر أنهم منها لا يخرجون ، لكن قال سبحانه : +         " [الحشر :20]، وقال تعالى عن الجنة : +   " [آل عمران :133] ، وقال عن النار : + " [البقرة :24] .

وفي حديث الكسوف فـي الصحيحين : أن النبي × رأى الجنة حتى كاد أن يتناول عنقوداً منها أو قطفاً ، ورأى النار فلم يرَ منظراً قط أفظع منها . وفي

رواية :  ((  فلم أرَ كاليوم فـي الخير والشر ))([61]) .

ج- وأن أهل الجنة فـي نعيم أبدي متجدد ، قال تعالى : +                        " [البقرة :25] ، وقال تعالى : +                     " [النساء :57] .

وقال تعالى فـي نعيمهم : +   " [هود :108] ، وأهل النار فـي عذاب أبدي سرمدي دائم ، قال تعالى : +                     " [النساء :56] ، وقال تعالى : +           " [الجن :23] .

* * *


تاسعاً : من ثمرات الإيمان باليوم الآخر :

الإيمان باليوم الآخر له ثمرات كثيرة وكبيرة ، منها :

1- عِظَم الأجر وجزالة المثوبة ، فإن الإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب الذي وعد الله أهله بالاهتداء وعظم الأجر والرزق الكريم والفلاح ، وهو الفوز بكل محبوب والنجاة من كل مرهوب .

2- الاجتهاد فـي كثرة العمل الصالح والاستزادة منه وفق الشرع، رجاء ثقله فـي الموازين وعظم المثوبة عليه ورفعة الدرجات وحطّ الخطيئات بسببه .

3- الحذر من المعاصي والمخالفات وملازمة التوبة النصوح من الخطيئات حذراً من عقوباتها فـي الآخرة .

4- تسلية المؤمن عما يفوته فـي الدنيا لما يرجوه من الخلف وحسن العاقبة وجزيل المثوبة فـي الأخرى .

5- الأخذ بأسباب حسن الخاتمة من ملازمة ما يفتح الله تعالى من أبواب العمل الصالح ؛ فإنه يبعث كل عبد على ما مات عليه ، والدعاء بحسن الخاتمة ، كما قال يوسف عليه السلام: +     " [يوسف :101] ، والحذر من الظلم ،و المخالفات خشية أن يموت على خصلة منها حذراً من تحقق قوله تعالى : +        .. " إلى قولـه سبحانه : +      " [النساء : 97] .

6- الاهتمام بأمر القبر وأحوال البرزخ ، بالأخذ بأسباب الثبات عند الفتنة وما يترتب عليها ، من الإخلاص لله فـي التوحيد ، والاستقامة على الشريعة ، والاتباع للنبي × فـي ذلك كله ، والحذر من موجبات الضلال عن الامتحان ، والعذاب بعد الامتحان من الشك والتقليد الأعمى والانحراف عن القرآن ، والوقوع فـي البدع والشرك ، وتجنب الخصال التي صرحت النصوص بأنها من أسباب عذاب القبر ، كترك الصلاة ، وعدم التنزّه من البول ، والوقوع فـي الغيبة والنميمة ، ونحو ذلك .

7- محبة ما يحبه الله تعالى من الأشخاص والأماكن والأحوال ، وكراهة ما يكرهه الله تعالى والبعد عنه .

8- تسلية المؤمن عما يفوته من نعيم الدنيا ومحابها ومتاعها بما يرجوه عند الله تعالى من عظيم نعيم الآخرة وكثرة ثوابها ، فهو نعيم متجدد أبدي لا ينقطع ولا ينقص ولا يتغيّر بضده .

* * *


 الركن السادس : الإيمان بالقـــــدر

أولا : تعريف القدر :

القدر لغة : مصدر قدّرت الشيء أقْدُره قدراً ، أي :أحطتُ بمقداره ، فهو الإحاطة بمقادير الأمور .

وشرعاً : هو علم الله تعالى بالأشياء وكتابته لها قبل كونها ، على ما هي عليه ، ووجودها على ما سبق به علمه وكتابته بمشيئته وخلقه .

ثانيا : درجات القدر :

يتضح من تعريف القدر شرعاً أن له أربع درجات :

الأولى : سبق علم الله المحيط بكل شيء ، فعلم سبحانه كل شيء وأجل كل حي ، وعلم الخير والشر ، وقدّر النفع والضر ، علم ما كان وما يكون وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون ، قال تعالى : +     والله بكل شيء عليم " [البقرة :282] .

الثانية : كتابته لهذا العلم فـي اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض، قال تعالى : +            " [القمر :52، 53] ، وفي الحديث :  ((  إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له: اكتب . قال : ما أكتب؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة))([62]) .

وفي صحيح مسلم :  ((  كان ذلك قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ))([63]) .

وفي هاتين الدرجتين يقول الله تعالى : +                   " [الحج :70] .

الثالثة : المشيئة : فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، قال تعالى : +       " [السجدة :13] ، وقال تعالى : +                " [التكوير :28، 29].

الرابعة : الخلق : وهي أنه تعالى خالق كل شيء ، فلا يوجد شيء إلا بمشيئته وخلقه ، وهو خالق أفعال العباد خيرها وشرها ، قال تعالى : +     " [الرعد :16] .

ثالثاً : القدر والقضاء :

يُقال : فـي الإسلام والإيمان ، والبر والتقوى : إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، أي : إذا اجتمعا فـي نص واحد كحديث سؤال جبرائيل عليه السلام للنبي × عن الإسلام والإيمان فسر الإسلام بالأقوال والأعمال الظاهرة ، وفسر الإيمان بالاعتقادات والنيات والأعمال القلبية الباطنة ، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فسر بمعناه ومعنى الآخر جميعاً .

فهكذا القدر والقضا إذا ذكرا جميعاً فسر القدر بسبق علم الله بالشيء وكتابته لـه ، وفُسر القضاء بمشيئة الله تعالى للشيء وإيجاده فـي وقته على الكيفية التي أراد وعلى وفق ما سبق به علمه وجرى به قلمه ، فيكون القدر إحاطة علم الله بالشيء سابقاً ، والقضاء تنفيذ الشيء والفراغ منه لاحقاً . 

وإذا ذكر أحدهما فـي النص وحده فسر بمعناه ومعنى الآخر جميعاً ، فيفترقان فـي المعنى عند الاجتماع ، ويتفقان عند الافتراق .

رابعاً : كيفية الإيمان بالقدر ومنزلته :

 الإيمان بالقدر هو : التصديق التام والاعتقاد الجازم :

 1- بعلم الله القديم بالأشياء قبل كونها على ما هي عليه ، وأنه تعالى علم ما كان وما يكون وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فقد أحاط  الله تعالى بكلِّ علماً، وعلمه غير مسبوق بجهل، ولا يعرض له نسيان، قال تعالى : +      " [العنكبوت :62] .

2- والإيمان بأن هذا العلم مكتوب فـي اللوح المحفوظ ، فإن الرب تبارك وتعالى خلق القلم فأمره بكتابة المقادير إلى يوم القيامة فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة وكان ذلك قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما جاءت به الأحاديث الصحيحة ، قال تعالى : +     " [القمر :53] ، أي : مكتوب مسطور فـي كتاب .

3- والاعتقاد الجازم بأنه لا يكون فـي ملكه تعالى شيء من إيجاد أو عدم أو حركة أو سكون ، ولا فعل ولا ترك ، ولا طاعة أو معصية  إلا بمشيئته ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، مالك الملك ومدبره بمشيته وحكمته ، لا مالك غيره ، ولا ربَّ سواه .

4- التصديق التام بأن الله تعالى خالق كل شيء لا خالق غيره، فهو خالق العباد وأعمالهم خيرها وشرها ، قال تعالى : +     " [الصافات :96 ، وقال تعالى : +      " [فاطر: 3] .

5- والعلم بأن ما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه.

فالإيمان بالقدر من أصول الاعتقاد ، وسبيل أهل الرشاد ، التي دلّ عليها القرآن ، قال تعالى : +     " [القمر :49] ، وقال تعالـى : +         " [القمر :52، 53] ، وقال تعالى : + وخلق كل شيء فقدره تقديراً " [ الفرقان :2] .

* ودلّت عليها السنة الصحيحة ، فمن ذلك ما ثبت فـي الصحيح عن النبي × قال :  ((  الإيمان أن تؤمن بالله ... )) الحديث ، وفي آخره :  ((  وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ))([64]) .

* وأجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، فقد ثبت عن عدد من الصحابة الذين أدركوا طائفة القدرية الضالة ـ نفاة العلم ـ وردوا بدعتهم بالدلائل من الكتاب والسنة ، وأخبروهم أن العبد لا يذوق طعم الإيمان ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا ينجو من النار حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، وتبرؤوا ممن أنكر القدر أو تكلّم فيه بخلاف الشرع .

خامساً : القدر والتوحيد :

صحّ عن علي t أنه قال : القـدر سر الله فـي الخلـق، وعن الإمام أحمد

ـ رحمه الله ـ أنه قال : القدر قدرة الله .

فالقدر سر الله فـي الخلق وتدبيره الملك ، وهو دليل على قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته وقوته ولطفه ، فمن لا يؤمن بربوبية الله وأسمائه وصفاته فإنه لا يؤمن بالقدر حقاً . 

* فإن القدر من متعلقات توحيد الربوبية ، فمن آمن بربوبية الله آمن بقضائه وقدره وسلّم له فـي حكمه ، فإنه تعالى يدبر خلقه وعباده كيف شاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون .

* والإيمان بالقدر والتسليم لله تعالى عند المصائب ، والشكر لـه عند النعم، والتوبة إليه عند المعاصي ، والإخلاص لـه فـي العبادة نيةً وقصداً وعملاً ، والصبر على ذلك ؛ من تحقيق توحيد الألوهية والعبادة .

* وكل أفعاله سبحانه وتعالى من العطاء والمنع والخفض والرفع والابتلاء والعافية والإعزاز والإذلال ، كل ذلك من معالم وآثار توحيد الله فـي أسمائه وصفاته وأفعاله .

سادساً : الإيمان بالقدر يقتضي من المؤمنين العمل لا الكسل :

من أسمائه سبحانه  ((  الحكيم )) ، ومعناه : الحَكَم ذو الحكمة الذي يحكم الأمور ويتقنها ويضعها مواضعها اللائقة بها .

وهو  ((  القدير )) الذي لا يعجزه شيء ، ولا يمتنع منه شيء ؛ بل إذا أراد شيئاً فإنما يقول لـه : كن فيكون ، وخلق كل شيء فقدّره تقديراً : +                  " [الفرقان :59] .

فإذا تقرّر ذلك فإن الله تعالى بعلمه وخبرته وقدرته ومشيئته وخلقه وقوته قد جعل للمسببات أسباباً تنال بها ، وللمقاصد طرقاً ووسائل تحصل بها ، وقرر هذا فـي الفطر السليمة ، ودلّ عليه العقول الصحيحة ، وقرّر ذلك فـي الشرائع والرسالات ، ونفّذه فـي الواقع وجعله مدركاً من خلقه فـي الواقع والمشاهدات ، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به ، ثم هداه لما خلقه لـه من أصناف السعي والحركة والتصرفات المتنوعة ، وبنى أمور الدنيا والآخرة على ذلك النظام البديع العجيب الشاهد لله سبحانه بكمال العلم والحكمة والقدرة والقوة ، وأشهد العباد أنه بهذا التنظيم الدقيق والتصرف الحكيم والتيسير البيِّن وجه العالمين إلى أعمالهم ، ونشطهم إلى أشغالهم ، ليحرصوا على ما ينفعهم ، ويباشروا من الأسباب الشرعية والمباحة ما أمكنهم ، مستعينين بربهم ، متوكلين عليه فـي تحصيل مقصودهم ، ولذلك قال الله تعالى : +       " [التوبة :105] ، وقال × :  ((  اعملوا ، فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق لـه ))([65]). وقال ×  :  (( احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلتُ كذا كان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ))([66]) . الحديث .

فعلى العباد أن يعملوا جهدهم ويباشروا ما تيسر لهم من أسباب ويتكلوا على ربهم ، فإن حصل لهم ما يحبون مما لا يخالف شرعه شكروا الله تعالى ، وإن أصابتهم مصيبة سلّموا لـه وحمدوه وصبروا ، وإن أذنبوا تابوا إلى ربهم واستغفروه ، فتكون كل أمورهم لهم خير فيما يحبون وما يكرهون ، يشكرون عند حصول المحابّ ، ويصبرون عند المصائب ، ويتوبون ويستغفرون من المعائب .

سابعاً : وجه كون الله تعالـى خالقاً لأعمال العباد :

دلَّت النصوص من الكتاب والسنة على أن الله تعالى خالق العباد ، وخالق أعمالهم ، فإنه الخالق وحده لا خالق غيره ولا رب سواه ، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة ، قال تعالى : +     " [الصافات :96] ، أي : أن الله تعالى خلقكم فأحسن خلقكم وكمله ، ومن ذلك أنه جعلكم مريدين للأعمال ، أي مختارين قادرين على ما شئتم منها ، فخلق فيكم الإرادات والقُدَر التي تقع بها أعمالكم ، وجعلكم مختارين +     " [هود :7] ، وبهذا كان سبحانه خالقاً لأعمال العباد ، أي : إنه خلق الأسباب التي تقع بواسطتها الأعمال ، وهي الإرادات والقُدَر ، فإن كل عمل من فعل أو ترك لابد لتحق‍ّقه من إرادة يتم بها اختياره وقصد مباشرته ، وقدرة يتحقق بها فعله ، وهذا محل الثواب والعقاب ، فإنما يُثاب المرء على إرادته الخير ، وفعله ما استطاع منه ، ويعاقب على قصده الشر ومباشرته له ، وذلك كسبه وعمله الذي يجزى عليه ، ولهذا شرع لهم الدين المتضمن :

1- دلالتهم على الطاعات وترغيبهم فـيها بذكر ثوابها العاجل والآجل.

2- تنبيههم على السيئات وأنواع المخالفات ، وتحذيرهم منها ، وزجرهم عنها بذكر العقاب عليها فـي الدنيا والآخرة .

3- وما سكت الله عنه فهو المباحات التي لا يترتب على مباشرتا ثواب ، إلا إذا اقترنت بالنية الصالحة ، ولا يعاقب عليها إلا بنية السوء .

ودلت النصوص من الكتاب والسنة على :

1- أن على العبد أن يمتثل أوامر الله تعالى ما استطاع .

2- أن يجتنب ما نهاه الله عنه مطلقاً .

3- أن العبد لا يُؤاخذ بالخطأ والنسيان .

4- وإذا أكره فلا إثم عليه ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان .

5- وما عجز عنه فلا يجب عليه بل يسقط ، قال تعالى : +       " .

6- وأن العبد إنما يجزى على ما أراده وباشره بمحض اختياره من طاعة أو معصية ، فمن أطاع فهو أهل للثواب ، ومن عصى فهو محل للعقاب ، ومن تاب فإن الله تعالى يتوب على من تاب .

 ولهذا أخبر تعالى أنه خلق أعمال العباد لأنه سبحانه خلقهم وخلق فيهم الأسباب ، أي : الإرادات والقُدَر التي تقع بها أعمالهم ، وأضاف سبحانه أعمالهم إليهم ورتّب عليها الجزاء ، لأنهم أرادوها وباشروها بمحض اختيارهم ، ولهذا قال تعالى : +       " [الإنسان : 3] ، وقال تعالى : +       ..." الآية [الكهف : 29] ، وقال تعالى : +           " [فصلت : 46] ، وقال تعالى : +         " [النجم :31] .


ثامناً : إثبات دوام إرادة الله تعالـى وفعله :

1- دلت النصوص القطعية من الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من الأمة على أن  الله تعالى كان وما زال ولن يزال متصفاً بالفعل حقيقة على ما يليق بجلاله وعظمته ، كما قال تعالى : +     " [البقرة :253] ، وقال تعالى : +   " [البروج : 16] ، فالقدرة على الفعل أزلاً وحالاً وأبداً من صفات كماله .

2- والفعل من لوازم الحياة ، والرب تبارك وتعالى حي حياة كاملة لم يسبقها عدم، ولا يعتريها نقص ، ولا يعقبها فناء ؛ بل هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، فالفعل من لوازم الحياة وهو قيوميته بتدبير خلقه وملكه .

3- وأفعال الله تعالى كصفاته قائمة به ، ولولا ذلك لم يكن فعالاً ولا موصوفاً بصفات الكمال، فإنه تعالى يفعل بإرادة ومشيئة ، فإذا أراد فعل شيء فعله ، فلا يمنعه مانعٌ ، ولا يمتنع منه شيء .

وأفعاله تعالى نوعان :

أ) أفعالٌ لازمةٌ تتعلق بذاته كالاستواء والنزول والمجيء والإتيان ونحوها، فتثبت له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله ، كما أخبر عن نفسه ، وأخبر عنه نبيه × الذي هو أعلم الخلق به ، ولا يعلم كيفية ذلك إلا هو سبحانه .

ب) أفعال تتعلق بخلقه تتعدى إلى مفعول ، مثل : خلق ، رزق ، هدى ، أضل ، وقد دلّت على ذلك النصوص الكثيرة التي لا تحصى ، الدالة على أن هذه أفعال له حقيقة ليست مجازاً ، ولا كأفعال خلقه؛ بل هي أفعال تليق به ، كقولـه تعالى : +             " [آل عمران :26] ، وقولـه تعالى : +     " [الرحمن : 29]، قيل فـي تفسير ذلك : يجبر كسيراً ، ويغني فقيراً ، ويفك أسيراً ، ويلطف بوليه ، ويحكم بعدله فـي عدوه ، وهكذا .

4- ولأنه تعالى كما أخبر بذلك عن نفسه فقد ساقه مساق المدح والثناء بفعله على نفسه ، وأن ذلك من كماله ، فلا يجوز أن يكون سبحانه فاقداً للكمال فـي وقت من الأوقات أو حال من الأحوال .

5- وأيضاً فإن إراداته وفعله متلازمان ، فما أراد أن يفعله فعله ، وما فعله فقد أراده ، بخلاف المخلوق الذي قد يريد ولا يفعل ، وقد يفعل ما لا يريد ، فما ثَمَّ فعّال لما يريد إلا الله وحده .

6- وإرادته تبارك وتعالى نوعان :

أ- إرادة متعلقة بفعله هو سبحانه ، فهذه بحسب الأفعال ، فكل فعل له إرادة تخصه ، فكما أن أفعاله متعددة فكذلك إرادته متعددة .

ب- إرادة متعلقة بالعبد ، وهذه أيضاً نوعان :

الأولى : إرادة أن يجعل العبد فاعلاً فيكون كذلك ولابد ، لأن ذلك متعلق بالإرادة الكونية .

الثانية : إرادة الفعل من العبد ، وذلك قد يتحقق من العبد وقد لا يتحقق، وذلك متعلق بالإرادة الشرعية .


تاسعاً : بيان المشيئة والإرادة :

لا يتم الإيمان بالقدر حتى يؤمن العبد بمشيئة الله النافذة ، وقدرته الشاملة، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والمشيئة والإرادة متقاربتان فـي المعنى ، وكلاهما من صفات الأفعال ، فالله تعالى لم يزل مريداً بإرادات متعاقبة ، فنوع الإرادة قديم ، وآحادها متجددة ، فيريد الشيء المعين فـي وقته، قال تعالى : +        [البقرة :253] ، وقال تعالى : +     " [ البقرة :253] .

إلا أن الإرادة إرادتان :

الأولى : إرادة كونية قدرية : تتعلق بما يريد أن يفعله هو سبحانه ، فهذه ترادف المشيئة تماماً فـي المعنى ، وهي أن كل ما حدث ويحدث وما سيحدث فـي الملكوت عُلويِّه وسُفليِّه ، وما بينهما ، من حركة أو سكنة أو طاعة أو معصية أو خير أو شر أو وجود أو عدم ؛ فكل ذلك واقع وحادث بإرادة الله الكونية ، ومشيئته العامة ، ولـه فـي ذلك الحكمة التامةوالحجة البالغة ، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ، لأن الملكَ مُلكه والخلق خلقه ، وهو يدبر ملكه كما يشاء ، لا رادَّ لحكمه ، ولا معقب لقضائه .

* ومن ميزات هذه الإرادة :

1- أنها متعلقة بفعله سبحانه .

2- أنها كونية ، أي : متعلقة بالخلق والتكوين .

3- أن المراد بها لابد أن يقع .

4- قد يكون المراد بها محبوباً لله تعالى ، وقد لا يكون محبوباً .

الثانية : إرادة دينية شرعية : تتعلق بأمره ونهيه الشرعي الديني الذي تعبّد به العباد ، وهو ما يريد من العباد أن يفعلوه له سبحانه ، فكل ما شرعه فهو يحبه، فما أمر به فهو يحب من عباده فعله ما استطاعوا ، وما نهى عنه فيحب من عباده تركه .

* ومن ميزات هذه الإرادة :

1- أنها دينية شرعية .

2- أنها متعلقة بأفعال العباد .

3- أن المراد بها محبوب لله تعالى قطعاً .

4- أن المراد بها قد يقع وقد لا يقع ، لأنه محل ابتلاء المكلفين .

* والمراد بهذه الإرادة نوعان :

1- مراد يحبه ويرضاه  ، ويمدح فاعله عليه ويواليه ، وهو طاعته ، فمن أطاعه كان أهلاً لثوابه .

2- مراد يبغضه ويكرهه ، ويذم فاعله ويعاديه ، وهو معصيته ، فمن عصى الله كان أهلاً لعقوبته ، فإن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه .

ولا يكون من العباد فـي الحالين إلا ما سبق به علم الله وجرى به قلمه ، ولكن الله غيّب القدر عنهم فلا يعلمون عنه حتى يقع ليباشروا أعمالهم بإرادتهم وقدراتهم، وابتلاهم ليظهر مرادهم واختيارهم الذي يستحقون الجزاء عليه فإنه هو كسبهم واكتسابهم الذي اختاروه بمحض إرادتهم من غير جبر عليه وسعوا إليه حريصين على تحقيقه من غير التفات منهم للقدر أو علم به ، فالمطيع أراد الطاعة ، والعاصي أراد المعصية ، فكلاهما أراد وهو لا يدري هل يتحقق له المراد أم لا ، وبهذا تظهر نتيجة الابتلاء ، فيكون المحسنون مستحقين للثواب، والمسيئون مستحقين للعقاب ، بموجب أعمالهم التي أرادوها وسعوا لها وباشروها ، مختارين قاصدين غير عالمين بما سبق به القدر، فمريد الطاعة موفَّقٌ ينبغي له أن يلزمها ويشكر ، ومريد المعصية موبق، واجبه أن يتوب ويستغفر ، والإرادة والأعمال والأقوال هي التي تُكتب في صحف الأعمال ، وهي محصاة معلومة لله تعالى ، فيُجزون على ما فـي صحف الأعمال لا على ما سبق به علم ذي العظمة والجلال .

* * *


 * من ثمرات الإيمان بالقدر :

للإيمان بالقدر ثمرات طيبة وعواقب حسنة على المؤمنين به في الدنيا والآخرة ، منها :

1- معرفة عظمة شأن الله تعالى ، فإن عظمة الخلق تدل على عظمة الخالق ، وتمام الملك يدل على قوة وكمال سلطانه سبحانه وتعالى ، وما فيه من إحكام وجمال وإتقان يدل على حكمته وقوته وقدرته وجماله .

2- الإيمان بسعة علم الله تعالى ، الذي وسع كل شيء علماً ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة فـي السماوات والأرض وما بينهما .

3- اليقين بأن كل حادث واقع من حركة أو سكنة أو حياة أو موت أو خير أو شر أو ضر أو نفع فرغ منه ، فقد سبق به علم الله تعالى وجرى به قلمه ووقع بمشيئته وخلقه ، وله فـي ذلك الحجة البالغة والحكمة التامة +       " [ الأنبياء :33] .

4- كمال عبودية تلك المخلوقات على عظمتها وقوتها وكمال انقيادها وخضوعها لله تعالى ، وهذا مما يحمل العاقل على الذل لله تعالى والاستسلام له بما شرع ، تعظيماً له وإجلالاً وخشية منه وخوفاً .

5- محبة الله تعالى ؛ للعلم بسعة رحمته وكمال جوده وعظمته وكثرة عفوه ولطفه ، فإن ما بالمرء من النعم التي لا تُعد ولا تحصى وكثرة الألطاف وعظم الفضل أكثر وأعم مما يصيب المرء مما يكره ، ومع ذلك فبما كسبت يداه .

6- الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب لعلمه أن الله تعالى هو مسبب الأسباب ، وأن كل شيء بقدر .

7- الطمأنينة والراحة النفسية تجاه ما يجريه الله تعالى من الأقدار ، فلا يقلق لفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، لأن ذلك كل بقدر الله الذي له ملك السموات والأرض ، كما قال تعالى : +          " [الحديد :23] .

8- أن لا يعجب المرء بنفسه عند حصول مراده لعلمه أن كل شيء بقدر من الله تعالى حيث رتب المسببات على أسبابها ، فلا يدلي على الله بعمل ، ولا يعجب بنفسه فإن إعجاب المرء بنفسه ينسيه شكر نعمة الله تعالى .

وختاماً :

رزق اللهُ الجميعَ العلمَ النافع والعمل الصالح ، وثبّتهم بالقول الثابت فـي الحياة وعند الممات وبعد الممات ، وزحزحهم عن النار وأدخلهم الفردوس الأعلى مع الأخيار .

وصلى الله وسلم على نبيه محمد ، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار ، ومن تبعهم بإحسان إلى آخر الدهر .

** تم بحمد الله  **




([1]) رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t .

 ([2]) وردت هذه الجملة فـي أكثر من حديث :

* فوردت فـي حديث النفر الثلاثة الذين جاءوا يسألون عن عبادة النبي × ... الحديث . أخرجه البخاري برقم (5063) ، ومسلم برقم (1401) عن أنس t .

* وفي حديث الرجل الذي قال للنبي × : إني أصبح جنباً . أخرجه مسلم برقـــم (1110) عن عائشة رضي الله عنها .

* وفي حديث عمر بن أبي سلمة t أنه سأل النبي × : أيُقَبِّل الصائم ؟ . أخرجه مسلم برقــم (1107) (74) .

([3]) جزء من حديث رواه مسلم برقم (2996) . عن عائشة رضي الله عنها .

([4]) فـي قولـه تعالى : +         " [الذاريات :24] .

([5]) عند تفسير قولـه تعالى : +      " [الحجر :61] . قال ابن كثير (2/554) :  ((  يخبر تعالى عن لوط لما جاءته الملائكة فـي صورة شباب حسان الوجوه )) . اهـ .

([6]) أخرجه أحمد فـي المسند (2/107) ، وصححه أحمد شاكر برقم (5857) . وله شاهد عند أحمد فـي المسند (3/334) ، ومسلم برقم (167) . وابن سعد (4/250) ، وصححه الألباني ـ رحمه الله ـ فـي السلسلة الصحيحة برقم (1111) .

([7]) رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t .

([8]) رواه البخاري برقم (4612)، ومسلم برقم (177) . عن عائشة رضي الله عنها .

([9]) رواه البخاري برقم (4856) ، ومسلم برقم (174) . عن ابن مسعود t .

([10]) رواه أبوداود برقم (4727) . عن جابر بن عبدالله t ، وصححه الألباني فـي السلسلة الصحيحة برقم (151) .

([11]) رواه مسلم برقم (2401) . عن عائشة رضي الله عنها .

 ([12])  رواه البخاري برقم (3207) ، ومسلم برقم (164) . عن أنس بن مالك t .

 ([13]) رواه الترمذي برقم (2312) ، وابن ماجه برقم (4190) ، وأحمد فـي المسند (5/173) . عن أبي ذر t . وانظر السلسلـة الصحيحـة للألبانـي برقم (852، 1059، 1060) والضعيفة برقم (1780)

 ([14])  رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t .

([15]) رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t .

 ([16]) رواه الإمام أحمد فـي المسند (3/387) ، عن جابر بن عبدالله t .

 ([17]) البخاري برقم (4598) ، ومسلم برقم (217) .

([18]) رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t

([19]) فـي قولـه تعالى : + كذبت قوم نوح المرسلين " [الشعراء :105] ، وقولـه : + كذبت عادٌ المرسلين " [الشعراء :123] . وغيرها من الآيات .

 ([20]) رواه البخاري برقم (3533) ، ومسلم برقم (2287) عن جابر t ، ولفظه :  (( جئتُ فختمت الأنبياء )) .

 ([21]) رواه البخاري برقم (2222) ، ومسلم برقم (155) ، (242) عن أبي هريرة t .

 ([22]) فـي حديث الشفاعة الطويل ، رواه البخاري برقم (3361) ، ومسلم برقم (194) عن أبي هريرة t .

 ([23])  رواه مسلم برقم (2278) عن أبي هريرة t .

 ([24]) رواه البخاري برقم (335) ، ومسلم برقم (521) عن جابر بن عبدالله t

 ([25]) رواه الترمذي برقم (3615)، وأحمد فـي المسند (1/281) عن أبي سعيد t . قال الترمذي :  هذا حديث حسن صحيح . وصححه أحمد شاكر فـي تحقيقه للمسند برقم (2546)

 ([26]) رواه مسلم برقم (384) عن عبدالله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ .

 ([27]) رواه البخاري برقم (4981) ، ومسلم برقم (152) عن أبي هريرة t .

([28]) رواه الترمذي برقم (1071)، وابن حبان برقم (780) . قال الترمذي : حديث حسن غريب . وصححه ابن حبان ، ويشهد له حديث البراء بن عازب t الآتي .

([29]) رواه أحمد فـي المسند (4/287-295، 296) ، وأبوداود برقم (4753) ، والنسائي برقم =

 =  (2058) مختصراً ، وابن ماجه برقم (4269) مختصراً ، وصححه الحاكم (1/37، 40) . وحسّنه الأرناؤوط فـي تحقيق شرح السنة (5/417) .

 ([30]) رواه البخاري برقم (1379)، ومسلم برقم (2866). عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.

 ([31]) رواه مسلم برقم (2868) . عن أنس t

 ([32]) رواه البخاري برقم (216)، ومسلم برقم (262)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما- .

 ([33])  فمن هذه الأحاديث :

(أ) عن أبي هريرة t قال :  قال × :  «  أكثر عذاب القبر فـي البول » .

رواه أحمد فـي المسند (2/326، 388) ، وابن ماجه برقم (348)، والحاكم فـي المستدرك (1/183) ، والبيهقي فـي السنن الكبرى (2/412)، والدارقطني فـي سننه (1/128) ، وأورده المنذري فـي الترغيب والترهيب (1/115، 116)، وابن حجر الهيتمي فـي كتاب الزواجر (1/207) .

  قال المنذري : رواه أحمد وابن ماجه واللفظ لـه ، والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة . قال الحافظ : وهو كما قال . وصححه ابن حجر الهيتمي فـي كتاب الزواجر (1/207) .

  وقال البوصيري فـي سنن ابن ماجه رقم (348) : إسناده صحيح، وله شواهد .

  وقال أحمد شاكر فـي تحقيق  المسند (8313) : إسناده صحيح وصححه الألباني فـي صحيح الترغيب (1/66) رقم (155) .

  (ب) عن ابن عباس - رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله × : «  عامّةُ عذاب القبر فـي البول ، فاستنزهوا من البول » .

  رواه الحاكم (1/184) ، وأورده المنذري فـي الترغيب والترهيب (1/115) ، وابن حجر الهيتمي فـي كتاب الزواجر (1/207) . قال المنذري فـي الترغيب والترهيب : رواه البزار والطبراني فـي الكبير، والحاكم ، والدارقطني ، كلهم من رواية أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه .

  وقال الدارقطني : إسناده لا بأس به ،  والقتات مختلف فـي توثيقه . وحسّنه الألباني فـي صحيح الترغيب (1/66) رقم (152) وعلق على قول الدارقطني (والقتات مختلف فـي توثيقه) قائلاً : لكن له إسناد آخر من حديث أبي هريرة عند الدارقطني وصوّب إرساله ، وله عنه طريق أخرى عند ابن ماجه وغيره . وهو الحديث السابق .

 ([34]) رواه البخاري برقم (6366)، ومسلم برقم (586) (126)، عن عائشة رضي الله عنها.

([35]) رواه مسلم برقم (2882) عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - .

([36]) رواه مسلم برقم (2878) عن جابر بن عبدالله t .

([37]) رواه البخاري برقم (4935) ، ومسلم برقم (2955) عن أبي هريرة y .

([38]) انظر : تفسر ابن كثير (3/46) .

([39]) أخرجه الإمام أحمد (3/7)، والترمذي برقم (2431) ، (3238)، وابن ماجه برقم (4273).

       وقال الترمــذي : هذا حديث حسن. وقال الألباني فـي السلسلة الصحيحة رقم    (1079) : حسن لغيره ، وصححه الأرناؤوط فـي شرح السنة (15/103) .

([40])  رواه الإمام أحمد (2/192) عن أبي مرية أو عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي ×.

      قال الهيثمي فـي المجمع (10/330) : « رواه أحمد على الشك ، فإن كان عن أبي مرية ، فهو مرسل ورجاله ثقات، و إن كان عبدالله بن عمرو فهو متصل مسند، ورجاله ثقات ».

      وقال المنذري فـي الترغيب (4/290) رقم (5200) : « رواه أحمد بإسناد جيد هكذا على الشك فـي إرساله أو اتصاله ».

 وقال أحمد شاكر فـي تحقيق المسند رقم (6804) : إسناده ضعيف للشك بين إرساله ووصله، وأورده الألباني فـي السلسلة الصحيحة عند تحقيقه للحديث رقم (1080) ولم يبيِّن حاله من حيث صحته أو ضعفه .

([41]) رواه مسلم برقم (854) (18) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

([42]) رواه أبوداود برقم (1047)، والنسائي برقم (1373) بنحوه، وابن ماجه برقم (1085) ورقم (1636) بنحوه . والحديث صححه الألباني فـي السلسلة الصحيحة رقم (1930)، والمشكاة رقم (1361) والتوسل ص63، وصحيح الجامع رقم (3895) .

([43]) جزء من حديث رواه مسلــم برقم (2940) عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - .

([44]) جزء من حديث الشفاعة الطويل الذي رواه البخاري برقم (3361) ، ومسلــم برقم (194) . عن أبي هريرة t .

([45]) رواه البخاري برقم (6526)، ومسلم برقم (2860) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .

([46]) جزء من حدث رواه أحمد فـي المسند (3/495)، والبخاري فـي الأدب المفرد برقم (970)  وعلّقه فـي صحيحه فـي كتاب العلم ، باب : الخروج فـي طلب العلم ، عند الحديث رقم (78) ، والحديث حسّنه الحافظ فـي الفتح (1/210) ، وصححه الحاكم (2/437، 438) ووافقه الذهبي ، وحسّنه الألباني فـي السلسلة الصحيحة رقم (160) ، وفي صحيح الأدب المفرد (746) .

([47]) رواه البخاري برقم (6521) ، ومسلم برقم (2790) عن سهل بن سعد t .

([48]) رواه أحمد فـي المسند (6/4) . وانظر المشكاة رقم (5562) .

([49]) رواه البخاري برقم (5704) ، ومسلم برقم (220) (374) .

([50]) رواه أحمد فـي المسند (5/268)، والترمذي برقم (2437) ، وابن هبرقم (4286) . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .

      وروى الإمام أحمد فـي مسنده (1/6) عن أبي بكر الصديق أن رسول الله × قال :  «فاستزدت ربي عز وجل  فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً» . قال أحمد شاكر فـي  تحقيق المسند رقم (22) : إسناده ضعيف . وصححه الشيخ عمر الأشقر فـي كتابـِهِ الجنة والنار، ص124 .

 ([51]) رواه البخاري برقم (2441)، ومسلم برقم (2768) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - .

([52]) رواه البخاري برقم (896)، ومسلم برقم (855) و (856) عن أبي هريرة t .

([53]) رواه ابن ماجه برقم (4290)، قال فـي الزوائد : إسناده صحيح ، رجاله ثقات . وصححه الألباني فـي صحيح ابن ماجه .

([54])  رواه الترمذي برقم (413) ، والنسائي (1/232) ، وأحمد فـي المسند (5/72، 377) ، والحاكم فـي المستدرك (1/263). وصححه الأرناؤوط فـي جامع الأصول رقم (7964).

([55]) رواه البخاري برقم (6532) ، ومسلم برقم (1678) عن عبدالله بن مسعود t .

([56]) رواه مسلم برقم (223) عن أبي مالك الأشعري t

([57]) رواه الإمام أحمد فـي المسند (1/420، 421) . وهو فـي مجمع الزوائد (9/289) .

     قال فـي المجمع : « رواه أحمد وأبويعلى والبزار والطبراني من طرق وذكر بعض ألفاظه ، وأمثل طرقها فيه عاصم بن أبي النجود ، وهو حسن على ضعفه ، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح »  .

 وقال أحمد شاكر فـي تحقيق المسند برقم (3991) : إسناده صحيح .

      وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب رواه الإمام أحمد (1/114) وهو فـي مجمع الزوائد (9/288، 289) . وقال : « رواه أحمد وأبويعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح، غير أم موسى وهي ثقة» . وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند برقم (920) .

([58]) رواه البخاري برقم (4729) ، ومسلم برقم (2785) عن أبي هريرة t .

([59])  رواه  البخاري برقم (6593) ، ومسلم برقم (2292) .

([60])  رواه البخاري برقم (6576) ، ومسلم برقم (2297) عن عبدالله بن مسعود t .

      ورواه البخاري برقم (6582) ، ومسلم برقم (2304) عن أنس بن مالك t .

([61]) رواه البخاري برقم (1052) ، ومسلم برقم (907) عن ابن عباس رضي الله عنهما .

([62]) رواه أبوداود برقم (4700) عن عبادة بن الصامت t .

([63]) رواه مسلم برقم (2653) عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - .

([64]) رواه البخاري برقم (50) عن أبي هريرة t ، ومسلم برقم (8) عن عمر t .

([65]) رواه البخاري برقم (1362) ، ومسلم برقم (2647) عن علي بن أبي طالب t .

([66]) رواه مسلم برقم (2664) عن أبي هريرة t .