من حقوق المصطفى على أمته
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
من حقوق المصطفى على أمته بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فإن رسول الله ﷺ هو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، به هدانا الله تعالى؛ فأخرجنا من الظلمات إلى النور، وفتح لنا أبواب السعادة في الدنيا والآخرة، فمن نحن قبل رسول الله ﷺ؟ وأي قيمة نشكلها بدون دينه وشريعته؟ }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 128].
}لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ{ [آل عمران: 164].
فما أعظم المنة برسول الله ﷺ، وما أجزل العطاء ببعثته ورسالته.
إن لرسول الله ﷺ على أمته حقوقا كثيرة، ينبغي على أهل الإسلام أداؤها والحفاظ عليها والحذر من تضييعها أو التهاون بها، ومن هذه الحقوق:
أولاً: الإيمان به ﷺ
إن أول حق من حقوق النبي ﷺ هو الإيمان به، والتصديق برسالته، فمن لم يؤمن برسول الله ﷺ وأنه خاتم الأنبياء فهو كافر، وإن آمن بجميع الأنبياء الذين جاءوا قبله، فالكفر برسول الله ﷺ كفر بالله عز وجل وتكذيب له، وإنكار لما أنزله من كتاب وما أرسله من رسول.
والقرآن مليء بالآيات التي تأمر بالإيمان برسول الله واتباعه والحذر من الحيدة عن سبيله ومنهاجه، قال تعالى: }فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا{ [التغابن: 8].
وقال: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا{ [الحجرات: 15].
وبين تعالى أن الإيمان برسول الله ﷺ من أسباب النجاة من العذاب فقال: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ...{ الآية [الصف: 10-11].
وبين تعالى أن الكفر بالله ورسوله ﷺ ومشاقتهما من أسباب الهلاك والعقاب الأليم، فقال: }ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{ [الأنفال: 13].
وقال: }اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ [التوبة: 80].
وأخبر النبي ﷺ أن كل من سمع به ولم يؤمن برسالته فهو من أصحاب النار – والعياذ بالله- فقال ﷺ: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» [رواه مسلم].
وذلك لأن رسالته ﷺ للناس كافة وليست لقوم دون قوم، كما قال سبحانه: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ{ [الأنبياء: 107]، وقال: }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ [سبأ: 28].
ثانياً: اتباعه ﷺ
واتباع النبي ﷺ هو البرهان الحقيقي على الإيمان به، فمن ادعى الإيمان بالنبي ﷺ ومحبته، ثم هو لا يمتثل له أمراً، ولا ينتهي عن محرم نهى النبي ﷺ عنه، ولا يتبع سنة من سننه ﷺ، فهو كاذب في دعوى الإيمان، فإن الإيمان هو ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
وقد بيَّن الله تعالى أن رحمته لا تنال إلا أهل الاتباع والانقياد لرسول الله ﷺ فقال: }وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ{ [الأعراف: 156-157].
وقد قرن الله تعالى بين الإيمان والاتباع، وجعله من أسباب الهداية والفلاح فقال: }وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [الأعراف: 157].
وكذلك فإن الله تعالى توعد المعرضين عن هدي رسول الله ﷺ المخالفين أمره بالعذاب الأليم فقال: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [النور: 63].
وقد أمر الله تعالى عند التنازع والاختلاف باتباع حكم النبي ﷺ، الذي حكم الله؛ لأنه ﷺ ما ينطق عن الهوى فقال: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ{ [النساء: 59].
ولا يكفي التحاكم إليه مع بغض القلب لحكمه، بل يجب انشراح القلب لحكمه والتسليم لأمره دون أن يكون هناك حرج من ذلك. قال تعالى: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [النساء: 65].
قال ابن القيم رحمه الله: (فأقسم سبحانه بأجل مقسم به، وهو نفسه عز وجل، على أنه لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكموا رسول الله ﷺ في جميع موارد النـزاع، في جميع أبواب الدين... ولم يقتصر على هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه، حيث لا يجدون في أنفسهم حرجا –وهو الضيق والحصر- من حكمه، بل يقبلوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالتسليم). فاتباع النبي ﷺ لابد أن يكون مقرونا بمحبته ﷺ، وهذا هو الحق الثالث من حقوقه عليه الصلاة والسلام.
ثالثاً: محبته ﷺ
إن المؤمن الحقيقي لا بد أن يحب رسول الله ﷺ من شغاف قلبه؛ لأن رسول الله ﷺ سبب في إيمانه، وسبب في نجاته من النار، وسبب سعادته في الدنيا والآخرة.
وقد بيَّن النبي ﷺ عظيم قدر محبته فقال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» [متفق عليه]، فأي إنسان لا يحب رسول الله ﷺ فليس بمؤمن، وإن تسمى بأسماء المسلمين وعاش بين ظهرانيهم، بل وإن كان ملتزما بأداء العبادات والشعائر الإسلامية.
ويجب أن يتفوق حب النبي ﷺ على سائر المحبوبات سوى الله تعالى فيكون أعظم من حب الأبناء والآباء والأمهات، بل أكبر من حب الإنسان نفسه، وهذه منـزلة عظيمة لا يصل إليها إلا أهل الكمال من المؤمنين، فقد قال عمر بن الخطاب لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي ﷺ: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك» فقال عمر: فإنه الآن – والله- لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي ﷺ: «الآن يا عمر» [رواه البخاري].
درجات محبة النبي ﷺ:
قال الإمام ابن رجب: (ومحبة الرسول ﷺ درجتين:
إحداهما فرض: وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول ﷺ من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرضا، والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى في غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به، وطاعته فيما أمر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات، ونصرة دينه، والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة، فهذا القدر لابد منه، ولا يتم الإيمان بدونه.
والدرجة الثانية فضل: وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به، وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه، ونوافله، وتطوعاته، وأكله، وشربه، ولباسه، وحسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة([1])).
فأين نحن من محبة هذا النبي العظيم؟
أين نحن من تقديم محبته على محبة الأهل والأولاد والأموال؟
قال تعالى: }قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ [التوبة: 24].
رابعاً: الانتصار له ﷺ
وهذا من آكد حقوقه ﷺ حيا وميتا، فأما في حياته ﷺ، فقد قام أصحاب رسول الله ﷺ بهذه المهمة خير قيام، فهذا قتادة بن النعمان رضي الله عنه يقول: أهدي إلى رسول الله ﷺ قوس، فدفعها إليَّ رسول الله ﷺ يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله ﷺ حتى اندقَّت سيتُها([2])، ولم أزل على مقامي نصب وجه رسول الله ﷺ، ألقى السهام بوجهي، كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله ﷺ، ميَّلتُ رأسي لأقي وجه رسول الله ﷺ!!
وهذا حسان بن ثابت -رضي الله عنه- كان يذب عن عرض رسول الله ﷺ، حتى نال الثناء الحسن من النبي عليه الصلاة والسلام فقال: «اهجهم وجبريل معك» [متفق عليه].
وقد حث النبي ﷺ أصحابه على الانتصار له من المشركين فقال: «من يردهم عنا وله الجنة» [رواه مسلم].
وأما بعد وفاة النبي ﷺ فالذبّ يكون عن سنته إذا تعرضت لطعن الطاعنين، وتحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، ويكون الذب كذلك عن شخصه الكريم إذا تناوله أحد بسوء، أو وصفه بأوصاف لا تليق بمقامه ﷺ، وقد كثرت في هذا العصر حملات التشويه التي يطعنون بها على نبي الإسلام محمد ﷺ، وعلى الأمة كلها أن تهب للدفاع عن نبيها بكل ما تملك من وسائل قوة وأدوات ضغط، حتى يكف هؤلاء عن تلك الحملات الظالمة المغرضة التي تهدف إلى تنفير الناس من الإسلام والمسلمين.
خامساً: نشر دعوته ﷺ
إن من الوفاء لرسول الله ﷺ، أن نقوم بنشر الإسلام وتبليغ الدعوة في كل مكان، فقد قال النبي ﷺ: «بلغوا عني ولو آية» [رواه البخاري].
وقال ﷺ: «لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمر النعم» [متفق عليه].
وأخبر النبي ﷺ أنه: «مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» [رواه أحمد وأصحاب السنن]، ومن أسباب كثرة الأمة: قيامها بالدعوة إلى الله، ودخول الناس في دين الله أفواجا، وقد بيَّن الله تعالى أن الدعوة إليه هي وظيفة الرسل وأتباعهم فقال: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي{ [يوسف: 108].
وبين أنها من أحسن الأقوال فقال: }وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{ [فصلت: 33].
فعلى هذه الأمة أن تتمسك بوظيفتها التي أخرجها الله تعالى لأجلها، وهي الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبخاصة في هذا العصر الذي تكالب فيه أعداء الإسلام على الأمة بغية تدميرها والقضاء عليها، ولن يتم لهم ذلك – بفضل الله- ما دامت هذه الأمة مستمسكة بعقيدتها، داعية إلى ربها، مهتدية بهدي نبيها ﷺ.
قال تعالى: }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ{ [آل عمران: 110].
سادساً: توقيره ﷺ
وهذا أيضا من حقوقه عليه الصلاة والسلام التي فرط فيها كثير من الناس، وقد قال تعالى: }إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا{ [الفتح: 8-9].
قال: ابن سعدي: (أي تعظموا الرسول ﷺ وتوقروه، أي تعظموه، وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة في رقابكم) ([3]).
وقد كان أصحاب النبي ﷺ يعظمونه ويوقرونه ويجلونه إجلالا عظيما، فقد كان إذا تكلم ﷺ أطرقوا له حتى كأنما على رؤوسهم الطير.
ولم نزل قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{ [الحجرات: 2] قال أبو بكر –رضي الله عنه: والله لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار. وكان عمر –رضي الله عنه- يفعل ذلك وغيره من الصحابة حتى أنزل الله تعالى فيهم: }إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{ [الحجرات: 3].
وأما توقيره ﷺ بعد وفاته، فيكون باتباع سنته، وتعظيم أمره، وقبول حكمه، والتأدب مع كلامه، وعدم مخالفة حديثه لرأي أو مذهب. قال الشافعي: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله ﷺ لم يحل له أن يدعها لقول أحد.
وكان صفوان بن سليم إذا ذكر النبي ﷺ عنده بكى، فلا يزال يبكي، حتى يقوم الناس عنه ويتركوه.
سابعاً: الصلاة عليه كلما ذكر ﷺ
وقد أمر الله المؤمنين بالصلاة عليه فقال: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب: 56].
وقال النبي ﷺ: «من صلى عليّ واحدة، صلى الله عليه بها عشرا» [رواه مسلم].
وقال ﷺ: «رغم أنف رجل ذكرت عنده، فلم يصل عليّ» [رواه مسلم]. وقال ﷺ: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
فمن الجفاء أن يسمع الإنسان ذكر رسول الله ﷺ، ثم يبخل بالصلاة عليه، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله كثيرا من فوائد الصلاة على النبي ﷺ في كتابه "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ﷺ" فليراجع.
ثامناً: موالاة أوليائه وبغض أعدائه ﷺ
فقد قال تعالى: }لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ{ [المجادلة: 22].
ومن موالاته: موالاة أصحابه ومحبتهم وتوقيرهم، وبرهم، ومعرفة حقهم، والثناء عليهم، والاقتداء بهم، والاستغفار لهم، والإمساك عما شجر بينهم، ومعاداة من عاداهم أو سبهم أو قدح في أحد منهم، وعدم القبول بأن يذكر أحد منهم بسوء، بل يكتفي بذكر حسناتهم وفضائلهم، وحميد سيرتهم ويسكت عما وراء ذلك([4]).
ومن ذلك: محبة آل بيته وموالاتهم، والذب عنهم، وترك الغلو فيهم، لأن الغلو مما نهى عنه النبي ﷺ.
ومن ذلك: محبة علماء أهل السنة وموالاتهم وترك انتقاصهم واتهامهم، أو اغتيابهم وأكل لحومهم، فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في منتقصيهم معلومة.
ومن موالاة النبي ﷺ: معاداة أعدائه من الكفار والمنافقين وأهل البدع وغيرهم من أهل الضلال. فعن أسماء بن عبيد قال: دخل رجلان من أصحاب الأهواء على ابن سيرين فقالا: يا أبا بكر، نحدثك بحديث؟ قال: لا. قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟ قال لا، لتقومان عني أو لأقومن، فقاما وخرجا.
وقال رجل من أهل الأهواء لأيوب: أسألك عن كلمة. فولى عنه وهو يشير بأصبعه: ولا نصف كلمة([5]). وكل ذلك تعظيما لسنة النبي ﷺ ومعاداة لأعدائه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أتباعه، وأن يحشرنا في زمرته، وألا يخالف بنا عن هديه وطريقته.