جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم
التصنيفات
الوصف المفصل
- جلاء
الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -
- مقدمة التحقيق
- الباب الثاني (1) في بيان (2) معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة على آله وتفسير الآل
- الباب الثالث (1) في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يتأكَّدُ طلبها إمَّا وجوبًا وإمَّا استحبابًا مُؤَكَّدًا
- الموطن الأول: وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد
- فصل الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول
- فصل الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - آخر القنوت
- فصل الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
- فصل الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في (1) الخُطَب: كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها
- فصل الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
- فصل الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء
- فصل الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد وعند الخروج منه
- فصل الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - على الصفا والمروة
- فصل الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
- فصل الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره
- فصل الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الفراغ من التَّلْبِيَة
- فصل الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند استلام الحَجَر
- فصل الموطن الرابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الوقوف على (3) قَبرِه
- فصل الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها
- فصل الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا قام الرجل من نوم الليل
- فصل الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقب ختم القرآن
- فصل الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة
- فصل الموطن التاسع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند القيام من المجلس
- فصل الموطن العشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند المرور على المساجد ورؤيتها
- فصل الموطن الحادي والعشرون من مواطن الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الْهَمِّ، والشَّدائِد، وطَلَبِ المغْفِرَة
- فصل الموطن الثاني والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كتابة اسمه - صلى الله عليه وسلم –
- فصل الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند تبليغ العِلْم إلى الناس، وعند التَّذْكِير والقَصَصَ، وإلْقاء الدرس، وتعليم العِلْم، في أوَّلِ ذلك وآخرِه
- فصل الموطن الرابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - أوَّل النَّهار وآخره
- فصل الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عَقِبَ الذَّنب إذا أراد أن يُكَفِّر عنه
- فصل الموطن السادس والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند إِلْمَام الفَقْرِ والحاجةِ، أو خَوْفِ وُقُوْعِه
- فصل الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند خِطبةِ الرجل المرأة في النكاح
- فصل الموطن التاسع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بعد الفراغ من الوضوء
- فصل الموطن الثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المنزل
- فصل الموطن الحادي والثلاثون من مواطن الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله تعالى
- فصل الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا نَسِيَ الشَّيء وأراد (2) ذِكْرَه.
- فصل الموطن الثالث والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الحاجة تعرض للعبد
- فصل الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند طَنِيْن الأُذُن.
- فصل الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقيب الصلوات.
- فصل الموطن السادس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الذَّبِيْحَة.
- فصل الموطن السابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة في غير التشهد.
- فصل الموطن الثامن والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بَدَل الصَّدقة
- فصل الموطن التاسع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند النوم.
- فصل الموطن الأربعون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كلِّ كلامِ خيرٍ (3) ذي بال
- فصل الموطن الحادي والأربعون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في أثناء تكبيرات (1) صلاة العيد
- الباب الرابع (1) في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم –
- الأولى: امتثالُ أمْر الله سبحانه وتعالى.
- الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف كما تقدم.
- الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
- الرابعة: حصول عشر صلوات من الله عَلَى المُصَلِّي عليه (2) مرّة.
- الخامسة: أنه يُرْفَعُ له عشر درجات.
- السادسة: أنه يُكْتَبُ له عشر حسنات.
- السابعة: أنه يُمْحَى عنه عشر سيئات.
- الثامنة: أنه يُرْجَى إجابة دعائه إذا قدَّمها أمامه، فهي تصاعد
جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -
تأليف آثار الإمام ابن قيم الجوزية وما لحقها من أعمال (3) الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيم الجوزية (691 - 751) تحقيق زائد بن أحمد النشيري إشراف بكر بن عبد الله أبو زيد دار عطاءات العلم - دار ابن حزم
(المقدمة/1)
رَاجَعَ هذَا الجُزْءَ حَاتم بن عارف الشريف أحمد جاح عثمان
(المقدمة/3)
مقدمة التحقيق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .. أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى أرسل نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رحمه للعالمين، ونجاة لمن آمن به من الموحدين، وإمامًا للمتقين، وحُجَّة على الخلائق أجمعين، وشفيعًا في المحشر ومفخرًا للمعشر، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به لأقوم الطرق وأوضح السُّبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيره وتوقيره ورعايته والقيام بحقوقه، وامتثال ما قرره في مفهومه ومنطوقه، والصلاة عليه والتسليم (1) فقال فى كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]. قال بعض العلماء (2): (ومن خواصه - صلى الله عليه وسلم - أنه ليس في القرآن ولا غيره صلاة من الله على غيره، فهي خصيصة اختصّه الله بها دون سائر الأنبياء) ا. هـ. __________ (1) اقتبسته من خطبة السخاوي لكتابه القول البديع ص 5 بتصرف واختصار. (2) انظر مرشد المحتار إلى خصائص المختار لمحمد بن طولون ص 397.
(المقدمة/5)
وهذا ما دفع أهل العلم إلى إفراد التآليف والمصنفات في الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، كيف لا وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشرًا" (1). ولهذا تتابع أهل العلم قديمًا وحديثًا على جمع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وتصنيفها وترتيبها؛ نظرًا لوفرة الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، ولكثرة المواضع والمواطن التي يُصلَّى فيها عليه - صلى الله عليه وسلم -، وأهمها في التشهد في آخر الصلاة. ولما كانت مصنفات أهل العلم كثيرة كثرة بالغة، وإحصاؤها هُنا يضخم حجم الكتاب، ويخرج بنا عن المقصود، رأيت أن أذكر نماذج منها تشتمل على أهم الكتب المصنفة، وجعلته على قسمين: أولًا: الكتب المسندة (التي تروي بالإسناد). ثانيًا: الكتب غير المسندة. أولًا: الكتب المسندة: 1 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي المعروف (بابن أبي الدنيا) (208 - 281 هـ) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/ 402) وقد نقل المؤلف عن ابن أبي الدنيا في موضع واحد رقم (71) ص 70، فلعله من هذا الكتاب. __________ (1) أخرجه مسلم برقم (408): وسيأتي برقم (28).
(المقدمة/6)
2 - فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لإسماعيل بن إسحاق القاضي (ت: 282 هـ) وقد حقق وطبع عدة طبعات: (أ) طبعة المكتب الإسلامي، تحقيق العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى 1383 هـ في (92) صفحة. (ب) طبعة رمادى للنشر تحقيق/ عبد الحق التركماني 1417 هـ في 232 صفحة. (ج) طبعة دار المدينة المنورة تحقيق/ حسين محمد علي شكري 1421 هـ في 110 صفحة. (د) طبعة دار العلوم - عمان - الأردن. تحقيق/ أسعد سالم تيِّم. الطبعة الأولى 1423 هـ، في 138 صفحة. وقد اعتمد عليه المؤلف كثيرًا كما تراه في فهرس الكتب. 3 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني المعروف: بابن أبي عاصم، (ت: 287 هـ) وقد طبع بتحقيق/ حمدي بن عبد المجيد السلفي طبعة/ دار المأمون للتراث عام 1415 هـ. وقد نقل منه المؤلف كما تراه في فهرس الكتب. 4 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأبي الشيخ الأصبهاني عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان (ت: 369 هـ) وقد نقل منه المؤلف برقم (33، 452).
(المقدمة/7)
5 - فضل الوضوء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضل لا إله إلا الله، لأبي جعفر عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين (ت: 385 هـ). انظر الفهرست لابن خير الإشبيلي رقم (581). 6 - الإعلام بفضل الصلاة على خير الأنام - على النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، لمحمد بن عبد الرحمن النميري الغرناطي المالكي (ت: 544 هـ). منه نسخة في المكتبة الأحمدية بحلب (274). انظر تراث المغاربة للتليدي رقم (202). قال السخاوي عن هذا الكتاب: "وحجمه كبير بسبب التكرار وسياق الأسانيد" انظر القول البديع ص 248. 7 - القربة إلى رب العالمين بالصلاة على محمد سيد المرسلين، لأبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال (ت: 578 هـ). - يوجد منه نسخة في المغرب (بالخزانة العامة - بالرباط) (1). - وقد ورد باسم آخر- (قربان المتقين في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) كما في المعجم المفهرس لابن حجر رقم (347). - انظر معجم الموضوعات المطروقة للحبشي (2/ 755 و 757) وتراث المغاربة للتليدي رقم (895) قال السخاوي: "ولما انتشر هذا الكتاب (القول البديع) أرسل إليَّ محدث مكة وحافظها ... بنسخة من __________ (1) وقد طبع بدار الكتب العلمية ط - الأولى (1420 هـ - 1999 م).
(المقدمة/8)
كتاب ابن بشكوال، فوجدته في كُرَّاستين مع كونه ساقه بإسناده ... ". انظر القول البديع ص 249. 8 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، للحافظ أبي موسى المديني محمد بن عمر بن أحمد بن عمر الأصبهاني الشافعي (ت: 581 هـ). وقد نقل منه المؤلف كثيرًا. راجع فهرس الكتب. وقد ذكره السخاوي في القول البديع ص 248. 9 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت: 643). وقد نقل منه المؤلف تحت رقم (51) ص 59، وذكره السخاوي في القول البديع ص 248. ثانيًا: الكتب غير المسندة: 1 - نزهة الأصفياء وسلوة الأولياء في فضل الصلاة على خاتم الرسل وصفوة الأنبياء، لعلي بن إبراهيم النفزي الغرناطي (ت: 557) وهو "مخطوط". انظر تراث المغاربة رقم (1148). 2 - الفوائد المتناثرة من الأحاديث المروية في الصلاة والسلام على خير البرية، لعامر بن الحسن بن الزبير السوسي (ت بعد: 1023). انظر تراث المغاربة رقم (878).
(المقدمة/9)
3 - تنبيه الأنام في بيان علو مقام نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام- لابن عظوم (ت: 960 هـ) انظر معجم الموضوعات للحبشي (2/ 754). 4 - الصِّلات والبِشَر في الصلاة على سيد البَشَر للفيروزآبادي (صاحب القاموس) (ت: 817 هـ) ذكره السخاوي في القول البديع ص 248. - فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - للآتي أسماؤهم: 5 - لأحمد بن فارس اللغوي (ت: 395 هـ). انظر المعجم المفهرس لابن حجر ص 105 رقم (346). 6 - لأبي الفتح بن سيد الناس اليَعْمَرِي (ت: 732 هـ). ذكره السخاوي في القول البديع ص 248. 7 - لِلمُحِب الطبري (ت: 694 هـ). ذكره السخاوي ص 248. 8 - للحافظ النَّسَّابة أبي أحمد الدمياطي (ت: 702 هـ). ذكره السخاوي ص 248. 9 - لعبد الصمد بن الحسن أَمين الدين بن عساكر (ت: 686 هـ). ذكره السَّخاوي ص 148. 10 - لبرهان الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح (ت: 803 هـ). انظر هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي (1/ 19). 11 - شرح الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، للشهاب البلقيني.
(المقدمة/10)
"مخطوط" انظر معجم الموضوعات (2/ 756). 12 - بلوغ الوطر في الصلاة على خير البشر، لابن طولون (ت: 952 هـ). وهو "مخطوط". 13 - زهر الأكمام في مواطن الصلاة على نبينا عليه السلام، لابن طولون (ت: 952 هـ)، وهو "مخطوط". انظر معجم الموضوعات (2/ 753). 14 - الفجر المنير في الصلاة على البشير النذير، لابن صدقة اللحمي الفكهاني. وهو "مخطوط" انظر معجم الموضوعات (2/ 751). 15 - عقد الجوهر في الصلاة على الشفيع المشفع يوم المحشر للبرزنجي. انظر معجم الموضوعات (2/ 751). 16 - مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى - للقسطلاني (ت: 923 هـ) وهو مطبوع بالمجمع الثقافي بدبي. 17 - أوثق العُرى في الصلاة والسلام على خير الورى - لمعروف البرزنجي، انظر هدية العارفين (2/ 369) (1). __________ (1) هذه بعض المؤلفات المطبوعة والمخطوطة المصنفة في هذا الموضوع، وانظر المزيد من المراجع - معجم الموضوعات المطروقة في التأليف الإسلامي، وبيان ما فيها - لعبد الله بن محمد الحبشي (2/ 750 - 757)، والفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط (قسم الحديث (2/ 764 و 771) و (3/ 1400) وكشف الظنون (2/ 1279).
(المقدمة/11)
كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم - والكلام عنه في عدة نقاط: 1 - اسم الكتاب وعنوانه. 2 - صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه. 3 - تأريخ تأليفه الكتاب. 4 - ثناء العلماء على الكتاب. 5 - نُقُول العلماء منه، واطلاعهم عليه. 6 - الكتاب أهميته، ومميزاته، ومنهج مؤلفه فيه. 7 - الكتاب موضوعه ومحتواه. 8 - موارد المؤلف ومصادره في الكتاب. 9 - مطبوعات الكتاب، ومختصراته. 10 - وصف النسخ المعتمدة في التحقيق. 11 - منهج التحقيق. 12 - نماذج من النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب.
(المقدمة/12)
1) اسم الكتاب وعنوانه أولًا: ما جاء عن المؤلف: ذكر ابن القيم لهذا الكتاب عنوانين: العنوان الأول: جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -، هكذا جاء مصرحًا به في: 1 - زاد المعاد (1/ 87) (1). 2 - في بعض النسخ الخطيَّة لهذا الكتاب: أ- النسخة الظاهرية (ظ) وزاد ( .. على محمد خير .. ). ب- النسخة التركية (شهيد علي) (ش). ويلاحظ في هذه النسخة عنوانان: الأول: كتاب فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن القيم. الآخر: كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام- للعلامة ابن القيم رحمه الله ونفع بعلومه. ويظهر أن الاسم الأول إلْحاقُهُ حديث، والصواب العنوان الثاني. __________ (1) ورد في الموطن الثاني (1/ 93) مختصرًا بلفظ (الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، ويظهر أنه إنما اختصر عنوانه، اكتفاءً بما أورده قريبًا (1/ 87) من عنوانه واسمه الكامل.
(المقدمة/13)
ج- نسخة (تشستربيتي) (ت). د- نسخة المكتبة الوطنية بالجزائر (ج) وجاء اسمه هكذا (جلاء الأفهام في فضل الصلاة على خير الأنام محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه - (كذا) - وعلى آله الطيبين وسلم). أما نسخة (برنستون) (ب)، والطبعة الحجرية (ح) فليس في مصورتيهما التي عندي الصفحة الأولى والأخيرة. العنوان الثاني: تعظيم شأن الصلاة على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -. هكذا جاء مصرحًا به في بدائع الفوائد (2/ 685) (1). ثانيًا: ما جاء عن تلاميذ المؤلف: 1 - ابن رجب الحنبلي: ذكره في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 449) باسم (جلاء الأفهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام) (2). 2 - الصفدي ذكره في الوافي بالوفيات (2/ 196) باسم (حلى (كذا) الأفهام في أحكام الصلاة والسلام على خير الأنام)، وفي أعيان العصر (4/ 370) (جلي ... )!. __________ (1) ورد في الموضع الثاني (2/ 688) مختصرًا (كتاب تعظيم شأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -). (2) وتتمته في الذيل (وبيان أحاديثها وعللها)، ولعل هذه الإضافة من ابن رجب، لأنّ ابن القيم لم يذكرها في العنوان، ولم يأت ذلك في النسخ الخطية، ولا عند أكثر المترجمين.
(المقدمة/14)
ثالثًا: كتب التراجم: وهي لا تكاد تخرج عما تقدم ذكره من عناوين (1). والذي يظهر أن العنوان الصحيح هو (جِلاءُ الأفْهام في فَضْل الصلاةِ والسلامِ على خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -)، لأنه الأكثر والأشهر، وهو المنصوص عليه من مؤلفه في كتابه (جلاء الأفهام ... )، وفي (زاد المعاد 1/ 87). 2) صحة نسبة الكتاب إلى مؤلفه بلغ هذا الكتاب أعلى الدرجات والمراتب صحةً في نسبته لمؤلفه وذلك لما يلي: 1 - أنَّ المؤلف نصَّ عليه في بعض كتبه؛ وإن اختلف العنوان في بعض المواضع كزاد المعاد (1/ 87، 93)، وبدائع الفوائد (2/ 685، 688). 2 - أنَّ المؤلف نصَّ في كتابه هذا (جلاء الأفهام ... ) على أربعة __________ (1) انظر كتاب ابن قيم الجوزية حياته وآثاره موارده للشيخ بكر أبو زيد ص 236 - 238. تنبيه: ذكر البغدادي في هدية العارفين (2/ 158) هذا الكتاب (جلاء الأفهام) - ثم ذكر بعده بقليل كتابًا آخر باسم "ربيع الأبرار فى الصلاة على النبي المختار" قال الشيخ بكر أبو زيد: ولم أره عند غيره والله أعلم. قلت: ولعل هذا غلط، وسببه أن البغدادي نقل ما رآه على غلاف هذه النسخة، وهذه النسخة توجد بألمانيا في مكتبة برلين رقم (3916، 750) في 164 ورقة، كتبت سنة 1089 هـ، فينبغي النظر في الكتاب للتحقق من هذا الغلط.
(المقدمة/15)
من كتبه: وهي: 1 - الروح والنفس كما في ص 288 و 358. 2 - الروح كما في ص 536. 3 - أصول التفسير كما في ص 158. 4 - التعليق على الأحكام كما في ص 161. وانظر كتاب "ابن قيم الجوزية حياته آثاره موارده" للشيخ بكر أبو زيد ص 253 - 259 وص 231. 3 - أنَّه قد نصَّ تلميذان لابن القيم وهما ابن رجب، وصلاح الدين الصفدي على نسبته لمؤلفه كما في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 450)، والوافي بالوفيات (2/ 196) وأعيان العصر (4/ 370). 4 - أنَّه قد نصَّ جماعة ممَّن ترجم لابن القيم أو ذكره على نسبته اليه، كالدَّاودي في (طبقات المفسرين). (2/ 96)، وابن تغري بردي في المنهل الصافي (3/ 62)، وابن حجر في لسان الميزان (1/ 143) وغيره، والسخاوي في القول البديع ص 9 و 20 و 55 و 60 و 87 و 151، والسيوطي في بغية الوعاة (1/ 63)، وصديق حسن خان في (التاج المكلل) ص 419، وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 592)، والبغدادي في هدية العارفين (2/ 158)، وغيرهم. 5 - النقول عن الكتاب، وسيأتي ذكره.
(المقدمة/16)
3) تاريخ تأليفه الكتاب لم يشر المؤلف رحمه الله إلى وقت تأليفه الكتاب (1)، ولم أقف على مَنْ نصَّ على ذلك. لكن بعد التَّتبع والنَّظر، ظهر لي أنه ألفه بعد سنة 728 هـ بمدة غير معلومة، وذلك أنه أحال في كتابه جلاء الأفهام ص 536 على كتاب الروح، وقد ذكر في كتابه الروح ص 69 ط- دار الكتاب العربي/ تحقيق السيد الجميلي - مَنْ رأى شيخ الاسلام ابن تيمية بعد موته فقال: (وأما من حصل له الشفاء باستعمال دواء رأى من وصفه له في منامه فكثير جدًا، وقد حدثني غير واحد ممن كان غير مائل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه رآه بعد موته، وسأله عن شيء كان يُشْكِل عليه من مسائل في الفرائض وغيرها؛ فأجابه بالصَّواب) ا. هـ. فهذا النص يدل على أنه ألَّف الروح بَعْد سنة 728 هـ، وهي السنة التي توفي فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وعليه يتبين أنه ألَّف "جلاء الأفهام" بعد سنة 728 هـ بمدة، قد تطول أو تقصر. والله أعلم. __________ (1) يُشير المؤلف أحيانًا إلى تاريخ التأليف كما فعل في تهذيب السنن، حيث نصَّ أنه ألفه في سنة 732 هـ وهو بمكة، وكذلك حادي الأرواح إلى بلاد الافراح حيث وجد في آخر النسخة أنَّ المؤلف فرغ من تأليفه سنة 745 هـ أي قبل وفاته بستة أعوام. انظر كتاب "ابن قيِّم الجوزية" حياته - آثاره - موارده"، للشيخ بكر أبو زيد ص 235 و 240 وانظر ص 250.
(المقدمة/17)
4) الثناء على كتاب جلاء الأفهام أولًا: ثناء المؤلف على كتابه: - استهل المؤلف كتابه هذا بالثناء والاطراء على كتابه هذا فقال: "وهو كتاب فرد في معناه، لم نُسْبَق إلى مثله في كثرة فوائدة وغزارتها ... " الخ. - وقد مدح المؤلف الفصل الثالث من الباب الثاني - فقال بعد أن دلّل وقرّر على أنَّ أسماء الله الحسنى ليست أعلامًا محضة لا دلالة لها قال ص 189: "ومن تدبر هذا المعنى في القرآن هبط به على رياض من العلم ... ولو لم يكن في كتابنا هذا إلّا هذا الفصل وحده، لكفى من له ذوق ومعرفة، والله الموفق للصواب". - وقد أثنى المؤلف أيضًا على كتابه هذا في بعض كتبه: 1 - في زاد المعاد (1/ 87) ونقل ما ذكره في مقدمة جلاء الأفهام. 2 - في بدائع الفوائد (2/ 685)، فقال عن جلاء الأفهام " ... أتينا فيه من الفوائد بما يساوي أدناها رحلة مما لا يوجد في غيره". ثانيًا: ثناء بعض أهل العلم عليه: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي: حيث قال بعد أن ذكر قائمة بالكتب المُصَنَّفة في الصلاة على النَّبىّ
(المقدمة/18)
- صلى الله عليه وسلم - قال ص 249: "وفي الجملة فأحسنها، وأكثرها فوائد خامسها ... " يعني جلاء الأفهام. - وقال أيضًا ص 248 - 249: "وهو (أي جلاء الأفهام) جليل في معناه، لكنه كثير الاستطراد والإسهاب كعادة مصنفه". 5) نقول العلماء منه، واطلاعهم عليه. 1 - الأذرعي أبو العباس أحمد بن حمدان بن عبد الواحد (ت: 783): نقل عنه الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 158) كلامًا في الجمع بين الأذكار الواردة ثم قال الحافظ ابن حجر: "وكأنه أخذه من كلام ابن القيم، فإنه قال: إن هذه الكيفية لم ترد مجموعة ... " انظر جلاء الأفهام ص 377. 2 - الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852): نقل عنه في ثلاثة كتب من مؤلفاته: 1 - فتح الباري (11/ 155 - 156) (- لكن لم ينص على اسم ابن القيم- انظر جلاء الأفهام ص 140 - 142 و 146 و 156 وفي (11/ 158 - 159) - وانظره في جلاء الأفهام ص 336 وفي (11/ 162 و 165) انظره في جلاء الأفهام ص 333 - 334 و 390. 2 - تهذيب التهذيب: نقل عنه في (2/ 519) في ترجمة عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وانظره في جلاء الأفهام ص 27.
(المقدمة/19)
3 - لسان الميزان: فقد نقل عنه في (1/ 143 - 144) رقم (108) وهو في جلاء الأفهام ص 33. 3 - محمد بن عبد الله الخيضري الزبيدي الدمشقي الشافعي (ت 894 هـ): فقد نقل عنه في كتابه "زهر الرياض في ردِّ ما شنَّعه القاضي عياض على مَنْ أوجب الصلاة على البشير النذير في التشهد الأخير" تحقيق: الشيخ أحمد الحاج. إلا أنه لم يشر إلى كتاب ابن القيم، وهو في جلاء الأفهام ص 380 - 424. 4 - محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت: 902 هـ): فقد أكثر عنه النقول في كتابه القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع انظر (9 - 10، 20 - 21، 60 في موضعين، 84 وهو تعقيب عليه، 87, 151, 159, 193, 207, 239, 234, 248 - 249). 5 - محمد بن أحمد السفاريني (ت: 1188 هـ): فقد نقل عنه في كتابين من كتبه: 1 - شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد (2/ 508) في مبحث المفاضلة بين خديجة وعائشة رضي الله عنهما، وهو في الجلاء ص 263. 2 - لوامع الأنوار البهيَّة وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضيَّة في عقيدة الفرقة المرضيَّة (2/ 373 - 374)، في مبحث
(المقدمة/20)
المفاضلة بين خديجة وعائشة رضي الله عنهما، وفي خصائصهما (2/ 375 - 376)، وهو في الجلاء ص 263 - 267. 6) الكتاب أهميته ومميزاته ومنهج مؤلفه فيه يعتبر كتاب جلاء الأفهام من أهم وأنفس الكتب التي أُلِّفت في هذا المضمار، وتكْمُن أهميته في موضوعه ومضمونه ومحتواه، وذلك لانفراده وتميّزه بِعدَّه مميزات وخصائص عن الكتب التي ألفت قبله فمن ذلك: 1 - أنه من أول الكتب التي ألفت في موضوع فضل الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذا النمط والمنوال، فقد كانت عامة الكتب السابقة مقتصرة على سرد الأحاديث والآثار الواردة في الموضوع فقط. 2 - جودة ترتيب الكتاب وتقسيمه. 3 - إبرازه أوجه فضائل الخليلين محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام وأهل بيتهما، وبيانها. وهذا لا تكاد تظفر به مجموعًا في كتاب قبله. 4 - جمعه الأحاديث الواردة في هذا الموضوع، وتخريجها والكلام عليها وبيان صحيحها من سقيمها. 5 - بيانه معاني هذا الدعاء (1) وأسراره، وما اشتمل عليه من __________ (1) أي (اللهمّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد .. ).
(المقدمة/21)
الحِكَم والفوائد الغزيرة. 6 - محاولته استقصاء مواطن الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - ومحالها من بطون كتب الحديث المختلفة، كالصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والأجزاء وغيرها. 7 - احتواؤه على جُملة من العلوم والمعارف في شتى الفنون، كالتوحيد والتفسير والحديث والفقه واللغة وعلومها وما يتعلق بها، منثورة في أثناء الكتاب. 8 - بيانه بعض أسرار القرآن في ألفاظه ومفرداته وتراكيبه، وما يقترن بها، إضافة إلى ذكر شيء من القواعد التفسيرية وتطبيقاتها. 9 - تضمنه جملةً صالحة من اختياراته وترجيحاته وتصويباته في شتى الفنون منثورة في الكتاب. وأما منهجه فيه (1) فيمكن إجماله وتلخيصه في النقاط الآتية: 1 - اعتماده على نصوص الوحْيين (الكتاب والسنة)، وتقديمه نصوص السنة في أول الكتاب؛ لشدة تعلق الموضوع بها، فهي مع الكتاب الأصل عند الاستدلال، والدِّعامة التي يرتكز عليها في الحُجَّة والبيان. 2 - اعتماده أقوال الصحابة رضي الله عنهم، ويظهر ذلك جليًا عند __________ (1) انظر كتاب "ابن قيم الجوزية حياته آثاره" للشيخ بكر أبو زيد ص 85 - 128.
(المقدمة/22)
عقده فصلًا -بعد الأحاديث المرفوعة- في المراسيل والموقوفات، ويبدو واضحًا أيضًا في الباب الثالث في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كالموطن الرابع والخامس والتاسع، والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر وغيرها. 3 - السَّعة والشمول والإحاطة؛ وهو أسلوب لا يطيقه إلا من كان على شاكلته ممن حاز من العلوم قدرًا وفيرًا، ويتَّضح هذا الأسلوب في المسائل التي بحثها (1) حيث يستوعب الكلام فيها من جميع جوانبها بسياق الأقوال والآراء، وإبراز أدلتها، وبيان وجوه الاستدلال منها، ثم يتبعها بمناقشتها، ثم ينتهي به المطاف غالبًا إلى اختيار القول الذي يدعمه الدليل السالم من المعارضة، وتقريره مؤيدًا له بما يسنده من وجوه الأدلة. - فإذا مرَّ في كتابه بآية من كتاب الله، أتى بالأقوال في معناها، ثم أعقبها غالبًا ببيان الصواب في معناها (2)، وإذا اقتضى المقام ذكر قاعدة تفسيرية ذكرها مع بعض نظائرها. - وإذا تطرَّق لحديث فيه علَّة قوية (3)، استقصى الكلام في ذلك، ناقلًا أقوال أهل العلم، ثم يعقِّب ويُجيب عن ذلك بما يراه ويختاره __________ (1) كحكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهدين الأول والأخير، وحكم إفراد الصلاة على واحد من آله منفردًا عنه - صلى الله عليه وسلم -، وحكم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كُلَّما ذُكر، وغيرها. (2) انظر ص 160. (3) كحديث أوس بن أوس، وزيادة محمد بن إسحاق (النَّبيّ الأمِّي) في حديث أبي مسعود وغيرها وراجع الفهرس.
(المقدمة/23)
مدعّمًا بالدليل. فهو أحيانًا يُرجِّح الموقوف على المرفوع، وتارة يحكم على الحديث بالخطأ والخلط فيه إلى غير ذلك، وإذا مرّ براوٍ فيه اختلاف، اختار فيه ما يراه أحسن الأقوال (1)، أضف إلى ذلك كلامه على الأحاديث في أول الكتاب، وبيان صحيحها من سقيمها، وسبب ضعفها. وتطرقه أيضًا لبعض أنواع علوم الحديث، وبيانه لمعاني بعض الأحاديث الواردة في الكتاب. - وإذا ذكر مسألة نحوية أو لغوية (2) نقل كلام أهل اللغة والنحو في ذلك، باسطًا الخلاف في ذلك، ومبينًا مأخذ كلا الفريقين، وما ردّ به كل فريق على الآخر، ثم يعقبه بما يختاره ويراه بأسلوب واضح. - وإذا مرّ في أثناء بحثه بما له صلة وتعلق بالتوحيد أفاض في ذكره وتقريره، وكان غالبًا ما يشير إليه ولو إشارة (3). 4 - الاستطراد التناسبي: وهذا الأسلوب ينبئ بكثرة المعلومات لدى المؤلف رحمه الله ووفرتها وإلمامه بها، واستحضاره لها. ويتَّضح ذلك في أثناء كلامه على اسمه - صلى الله عليه وسلم -، وأنها أسماء مدح، ثم عرّج على الكلام على أسماء الله الحسنى، واستطرد بتقرير أن أسماءه تعالى ليست أعلامًا محضة لا دلالة فيها ولا معاني لها (4). __________ (1) انظر ص 34 وراجع الفهرس. (2) كالميم المشددة، (اللهمّ) ص 140 - 157. (3) انظر ص 184 - 190 و 189 - 190. (4) انظر ص 184 - 190.
(المقدمة/24)
5 - شمول اختياراته وترجيحاته كافة العلوم. لما كان المؤلف رحمه الله واسع الاطلاع، متضلعًا من أنواع العلوم الشرعية ومحققًا فيها، قلَّ أنْ يذكر علمًا من العلوم في كتاب إلا وتجد له فيه اختيارًا وترجيحًا (1). ويظهر هذا جليًّا في كتابه جلاء الأفهام حيث ضمَّنه اختيارات وترجيحات وتصويبات في التوحيد والتفسير وعلومه والحديث وعلومه والفقه، والنحو والصَّرْف والإعراب. 7) الكتاب موضوعه ومحتواه نصَّ المؤلف رحمه الله أنه قسَّم كتابه هذا إلى خمسة أبواب (2). الباب الأول: قال المؤلف: الكلام على هذا الباب في فصول: الفصل الأول: فيمن روى أحاديث الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه ثم ساق جملة من الأحاديث عن جماعة من الصحابة: كأبي مسعود البدري وكعب بن عُجْرة وأبي حميد السَّاعدي وغيرهم. مع بيان من خرّجها، والكلام عليها صحة وضعفًا، وتشمل هذه الآحاديث من رقم (2) إلى رقم (145) ص 124. الفصل الثاني: في المراسيل والموقوفات، ثم سردها معتمدًا على __________ (1) انظر الفهرس في اختياراته وترجيحاته. (2) قد جاء جميع النسخ المخطوطة: ستة أبواب إلا نسخة المكتبة الوطنية بالجزائر جاء فيها خمسة أبواب.
(المقدمة/25)
كتاب فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لإسماعيل بن إسحاق القاضي. وتشمل من رقم (146) ص 125 إلى رقم (179) ص 139. الباب الثاني: وجعله المؤلف في عشرة فصول: - الفصل الأول: في افتتاح صلاة المصلي بقوله (اللهمّ) ومعنى ذلك. - حيث ذكر اختلاف النُّحاة في الميم المشدّدة في (اللهمّ) من ص 140 إلى ص 145. - ثم تطرّق لمسألة التناسب بين اللفظ والمعنى، ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ. من ص 146 إلى ص 150. - ثم بيَّن الكلمات التي فيها الميم المشدَّدة، ومعانيها، وأن الجمع معقود بها. ثم أعقبه بأقسام الدعاء، وختم الفصل بالإجابة على إشكال أورده، وهو أنه إذا كانت نفس الميم دالة على الجمع، فهلّا جمعوا بين ياء النِّداء وبين هذه الميم. ص 150 - 157. الفصل الثاني: في بيان معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. - حيث بيّن فيه أصل معناها في اللغة، وبين أنواع الدعاء من الآدمي، وأنه نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، وأن المصلي في صلاة حقيقية غير مجازية ولا منقولة ... ص 159. - ثم تطرَّق لمسألة صلاة الله على عبده، وأنها عامة وخاصة، ثم ذكر اختلاف الناس في معنى الصلاة منه، وأن القول بأنها رحمته ومغفرته قول ضعيف، وردَّ ذلك من خمسة عشر وجهًا.
(المقدمة/26)
- وبيَّن أثناء كلامه أنَّ الصَّلاة منه سبحانه وتعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - هو الثناء عليه والعناية به، وإظهار فضله وشرفه وحرمته، وإرادة تكريمه وتقريبه، وأنها تتضمَّن الخبر والطَّلب. الفصل الثالث: في معنى اسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشتقاقه. - حيث بيَّن فيه معنى اسم محمَّد وأنَّه منقول من الحَمْد، وبيَّن أنه مُشْتق إما من اسم الفاعل، أو المفعول، ومعنى ذلك ص 183. - ثم عرَّج على ذكر أسماء الله سبحانه وتعالى، وأسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنها ليست أعلامًا محضة، بل لها معان مختلفة، وأنها مترادفة بالنَّظر إلى الذَّات، متباينة بالنَّظر إلى الصِّفات ص 184 - 190. - ثم ذكر فصلًا يتضمَّن بعض صفاته - صلى الله عليه وسلم - وشرحها ص 191 - 213. - ثم ذكر قول بعض العلماء أنَّ تسميته - صلى الله عليه وسلم - بأحمد كانت قبل تسميته بمحمَّد، وردَّ ذلك وناقشه طويلًا ص 213 - 225. الفصل الرابع: في معنى الآل واشتقاقه وأحكامه، شرع في هذا الفصل بذكر أصل (الآل)، ثم ذكر معنى الآل والاختلاف فيه، ثم ذكر اختلاف أهل العلم في المراد بآل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أربعة أقوال ص 236 - 239، ثم ذكر حُجَج وأدلة تلك الأقول ص 239 - 257. ثم تطرَّق بذكر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وفضائلهنَّ ومناقبهنَّ وخصائصهنَّ بدءًا من خديجة بنت خويلد، وانتهاءً بميمونة بنت الحارث رضي الله عنهنَّ ص 262 - 293، ثم تحدَّث عن كلمة (الذُّرِّيَّة) مِنْ جِهَةِ لفظها
(المقدمة/27)
واشتقاقها، ومن جهة معناها ص 293 - 296، ثم أعقبها بمسألة هل يدخل في الذرية أولاد البنات؟ فذكر اختلاف العلماء في ذلك وحُجَجَهم ص 296 - 302. الفصل الخامس: في ذكر إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليه وسلم -. بدأه بذكر معنى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالسريانية، ثم ذكر شيئًا من مناقبه وخصائصه وفضائله، ثم ذكر آية الذاريات في إكرامه لأضيافه من الملائكة، وبيَّن أوجه كون ذلك ثناءً على إبراهيم عليه الصلاة والسلام من خمسة عشر وجهًا ص 309 - 312. الفصل السادس: في ذكر المسألة المشهورة بين الناس، وبيان ما فيها، وهي أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إبراهيم عليه السلام، فكيف طلب له نبينا - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة ما لإبراهيم عليه السلام، مع أنَّ المشبَّه به أصله أن يكون فوق المشَبَّه؟ ثم أسهب في ذكر اختلاف الناس في ذلك، مع النَّقْد والتَّعْقيب لكل قول، ورجَّح أنه طلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم، وهو داخل معهم ص 318 - 335. الفصل السابع: في ذكر نكته حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله، وهو أن أكثر الأحاديث مصرِّحة بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وبذكر آله، وأما في حق المشبه به، وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط، دون ذكر إبراهيم.
(المقدمة/28)
وذكر أنه لم يجيء حديث صحيح (1) فيه لفظ (إبراهيم وآل إبراهيم)، ثم ساق تلك الأحاديث، وأجاب عما ذكره من ذكر إبراهيم وحده، وآل إبراهيم وحده. ثم أورد سؤالًا: عن سبب اقتران قوله (محمد وآل محمد) دون الاقتصار على أحدهما، بعكس (إبراهيم وآله)؟ ثم أسهب في الإجابة عن ذلك انظر من ص 336 - 346. الفصل الثامن: في قوله: (اللهمَّ بارك على محمَّد وعلى آل محمد) وذكر البركة. ابتدأه بالكلام على لفظ (البركة) وحقيقتها، واشتقاقها في اللغة، ثم ذكر أقوال السلف وأهل اللغة في معناها، ثم سرد أربعًا وعشرين وجهًا في خصائص هذا البيت المبارك ص 347 - 363. الفصل التاسع: في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى. وهما: الحميد المجيد. ذكر فيه الحميد والودود والمجيد واشتقاقها ومعانيها. الفصل العاشر: في ذكر قاعدة في هذه الدعوات والأذكار التي رويت بألفاظ مختلفة ... بين فيه مسلك بعض المتأخرين في استحباب الجمع بين الألفاظ المختلفة، ثم بين ضَعْف هذا المسلك من ستة أوجه انظر من ص 373 - 379. __________ (1) وقد تُعقِّب على المؤلف في هذا النفي.
(المقدمة/29)
الباب الثالث: في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يتأكد طلبها إما وجوبًا وإما استحبابًا. حيث ذكر واحدًا وأربعين موطنًا في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - من ص 380 - 520، وابتدأ بذكر أهمها وآكدها وهو الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في آخر التشهد في الصلاة، وبين اختلاف أهل العلم في وجوبه واستحبابه، وأسهب في سرد حجج الفريقين واستدلالاتهم، وما عليها من اعتراضات، وما أجيب عن ذلك. انظر من ص 380 - 424. الباب الرابع: في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، حيث ذكر فيه أربعين فائدة وثمرة حاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من ص 521 - 536. الباب الخامس: في الصلاة على غير النبي وآله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا. حيث استهلَّه بذكر الصلاة والسلام على سائر الأنبياء والمرسلين، ثم بحث مسألة الصلاة على آل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أعقبها بسؤال: هل يُصَلَّى على آله - صلى الله عليه وسلم - منفردين عنه؟ ففصَّل في الجواب، واستقصى أدلة الفريقين، وما أجاب به أصحاب القول الأول عن أدلة أصحاب القول الثاني، ثم بيَّن فَصْل الخطاب في هذه المسألة، وقال في نهاية كلامه - وهو خاتمة الكتاب) وبهذا التفصيل تتَّفق الأدلة، وينكشف وجه الصَّواب، والله أعلم". انظر من ص 537 - 574. 8) موارد المؤلف ومصادره في كتابه جلاء الأفهام: يمكن تقسيم موارد ابن القيم ومصادره في كتابه جلاء الأفهام إلى
(المقدمة/30)
قسمين رئيسين: القسم الأول: كتب نقل منها المؤلف ونصَّ على أسمائها. القسم الثاني: كتب نقل منها المؤلف (سواء مباشرة أو بواسطة) ولم ينصّ على أسمائها.
(المقدمة/31)
القسم الأول كتب نقل منها المؤلف ونصَّ على أسمائها (1) اسم الكتاب ... ومؤلفه ... الصفحة 1 - الأذكار ... للنووي ... 549 2 - الاستيعاب ... (ذكره باسم كتاب الصحابة) ... لابن عبد البر 516 - 517 ولم يصرِّح باسم الكتاب في (14 و 22 و 109) 3 - الأم ... للإمام الشَّافعي ... 278 و 424 4 - التَّاريخ الكبير ... للبخاري ... 26 و 78 5 - التَّبْصرة ... لِلَّخْمي ... 237 6 - التّرغيب والترهيب ... لأبي موسى المديني ... 533 7 - التّعليقات على المجروحين ... للدارقطني ... 183 8 - التفسير ... لمقاتل بن حيَّان ... 422 9 - التمهيد ... لابن عبد البر ... 238 و 382 و 386 10 - تهذيب الكمال ... لأبي الحجَّاج المزي ... 26 و 81 , 82 __________ (1) لم أدخل في الأسماء الصحيحين ولا السنن الأربع ولا مسند أحمد ولا معاجم الطبراني الثلاثة ولا صحيح ابن حبان.
(المقدمة/32)
11 - التوراة ... - ... 216 12 - الثقفيات ... لأبي العباس الثقفي ... 85 و 94 13 - الثقات ... لأبي حاتم بن حبان ... 49, وراجع 25 و 39 14 - جزء ابن فِيْل ... للحسين بن أحمد بن فيل ... 42 15 - الجواهر الثمينة ... لابن شاس ... 237 16 - الحفظ والنسيان ... لأبي موسي المديني ... 506 17 - الحوادث والبدع ... لابن وضاح ... 493 18 - الخصائص ... لابن جِنِّي ... 146 19 - رؤوس المسائل ... لأبي الخطاب ... 513 20 - رؤوس المسائل ... لأبي الحسين الفرَّاء ... 553 21 - السنن الكبرى ... لأحمد بن شعيب النسائي ... 59 و 93 و 96 و 104 و 476 22 - السنن ... للدارقطني ... 9 و 50 و 60 و 339 و 396 و 420 و 421 و 424 و 472 23 - السنن الكبرى ... للبيهقي ... 49, 86, 239, 248, 249, 420, 502
(المقدمة/33)
24 - شرح التوراة ... 215 و 217 25 - شرح مسلم ... للنووي ... 239 26 - كتاب الصَّحابة ... للحافظ أبي عبد الله بن منده ... 21 و 22 و 104 27 - الصِّحاح ... للجوهري ... 129 و 294 و 347 و 348 28 - الصحيح ... لابن خزيمة ... 7 و 41 و 56 و 420 29 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لأبي عبد الله المقدسي ... 56 و 61 و 96 30 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لابن أبي عاصم ... 61 و 95 و 97 و 105 و 116 و 117 و 496 و 504 و 509 31 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لأبي الشيخ الأصبهاني ... 44 و 497 32 - الطبقات الكبير ... لمحمد بن سعد ... 14 و 555 و 565 33 - العلل ... لابن أبي حاتم ... 80 34 - العلل ... للدارقطني ... 9 و 395 35 - الفصل للوصل المُدْرج في النقل ... للخطيب البغدادي ... 397 36 - فضائل القرآن ... لأبي عبيد ... 479 37 - فضائل القرآن ... لابن أبي داود ... 478
(المقدمة/34)
38 - فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... لإسماعيل القاضي ... 21 و 31 و 34 و 35 و 38 و 60 و 65 39 - الفوائد ... لأبي سعيد القاص ... 43 40 - مختصر السِّيرة ... للحافظ أبي محمد عبد الغني المقدسي ... 270 41 - المراسيل ... لأبي داود السجستاني ... 193 42 - مسائل الامام أحمد ... رواية أبي الحارث ... 477 43 - مسائل الإمام أحمد ... رواية يوسف بن موسى ... 478 44 - مسائل الإمام أحمد ... رواية حرب بن إسماعيل ... 387 و 478 45 - مسائل الإمام أحمد ... رواية حنبل بن إسحاق ... 479 46 - مسائل الإمام أحمد ... رواية الفضل بن زياد ... 480 47 - مسائل الإمام أحمد ... لأبي زرعة الدمشقي ... 389 48 - مسائل الإمام أحمد ... لابنه عبد الله ... 435 49 - مسائل الإمام أحمد ... رواية علي بن سعيد ... 404 50 - المسند ... لابن أبي شيبة ... 35 و 485 51 - المسند ... لابن منيع ... 118 52 - المسند ... للروياني ... 107
(المقدمة/35)
53 - المسند ... لعبد بن حميد ... 10 و 75 54 - المسند ... لأبي يعلى الموصلي ... 63 و 89 و 204 و 561 55 - المسند ... للإمام الشافعي ... 107 و 104 و 432 - 433 56 - المسند ... للبزار ... 53 57 - مسند علي ... للنسائى ... 25 58 - مسند عمر بن الخطاب/ ... لأبي بكر الاسماعيلي ... 66 و 68 و 69 59 - الموطأ ... لابن وهب ... 570 60 - الموطأ ... رواية يحيى بن بكير ... 433 و 570 61 - الموطأ ... رواية القعنبي ... 570 62 - الموطأ ... رواية ابن القاسم ... 570 63 - الموطأ ... رواية يحيى بن يحيى ... 81 و 474 - 475 و 529 و 559 64 - المغني ... لابن قدامة المقدسي ... 432 65 - المحيط ... لبعض الحنفيَّة ... 513 66 - نسب الأنصار ... لعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ... 10
(المقدمة/36)
القسم الثاني كتب نقل منها المؤلف (سواء مباشرة أو بواسطة) ولم ينصّ على أسمائها (1) اسم العَلَم ... الصفحة 1 - الدقيقي (الأمالي) ... 110 2 - ابن المنذر (الأوسط) ... 380 3 - ابن شاهين (الترغيب في فضائل الاعمال) ... 64 و 67 4 - العجلي (الثقات) ... 25 5 - أبو نعيم الأصبهاني (حِلْية الأولياء) ... 45 6 - أبو القاسم السهيلي (الروض الأنف) ... 213 و 259 7 - القاضي عياض (الشِّفا) ... 380 8 - الطحاوي (شرح مشكل الآثار) ... 380 9 - ابن أبي حاتم (الجرح والتعديل) ... 26 10 - ابن عدي (الكامل في ضعفاء الرجال) ... 26 و 29 و 482 __________ (1) أذكر أحيانًا إلى جانب العَلَم اسم الكتاب، وذلك إما لوجود تلك الإحالة في ذلك الكتاب، أو تنصيص أحد العلماء على وجوده في ذلك الكتاب، كما يتَّضح ذلك في التخريج.
(المقدمة/37)
11 - سيبويه (الكتاب) ... 142 و 208 - 209 12 - الزمخشري (الكشاف) ... 353 و 542 13 - عَبْد بن حُمَيد (التفسير) ... 438 14 - عبد الرزاق (التفسير) ... 438 15 - عبد الرزاق (المصنف) ... 446 , 477 16 - ابن عطيَّة (المحرر الوجيز) ... 352 و 538 17 - ابن حزم 273 و 281 18 - أبو نُعيم الأصبهاني (معرفة الصحابة) ... 22 و 498 19 - ابن قانع (معجم الصحابة) ... 124 20 - الخطَّابي (معالم السنن) ... 380 21 - أبو ذر الهروي لعله (في المناسك) ... 434 و 451 و 473 22 - الدارقطني (المؤتلف والمختلف) ... 440 23 - ابن أبي الدنيا لعله (الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) ... 73 24 - أبو بكر الشافعي (الغيلانيات = الفوائد) ... 62 25 - ابن قتيبة (غريب الحديث) ... 352 26 - الخطيب البغدادي (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع) ... 487 , 489
(المقدمة/38)
27 - الخطيب البغدادي (تاريخ بغداد) ... 79 28 - الحسن بن عرفة ... 24 29 - محمد بن إسحاق السراج لعله في مسنده (الجزء المفقود) ... 27 30 - الحسن بن شاذان ... 46 31 - محمد بن حمدان المروزي ... 51 32 - البغوي (عبد الله بن محمد) ... لعله في معجم الصحابة 53 33 - جعفر الفريابي ... 62 34 - العشاري لعله في جزئه ... 29 و 61 35 - عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند ... 439 36 - المخلص لعله في فوائده ... 74 37 - محمد بن إسماعيل الوراق ... 87 38 - أبو محمد المنذري ... 275 و 282 39 - محب الدين الطبري ... 285 40 - الحسن بن شبيب المعمري (في عمل اليوم والليلة) ... 386 41 - القاضي أبو الطيب ... 398 42 - ابن وهب لعله في الموطأ ... 429 و 515 43 - محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي ... 439
(المقدمة/39)
44 - أحمد بن شعيب النسائى ... 447 45 - أبو عبد الله الحليمي في شعب الإيمان ... 454 46 - ابن جرير الطبري لعله في تهذيب الآثار ... 454 47 - أبو سعيد بن الأعرابي ... 464 - 465 48 - سحنون ... 474 49 - ابن أبي حاتم ... 475 و 483 50 - ابن وضّاح ... 482 51 - أحمد بن موسى الحافظ ... 507 52 - الحافظ بن منده ... 510 53 - أبو محمد الخلال ... 514 54 - القاضي أبو يعلى ... 559 55 - أبو الشيخ الأصبهاني (في الثواب وفضائل الأعمال) ... 503، 516 56 - أبو الشيخ الأصبهاني (في العظمة) ... 105 - 106 57 - أبو الفرج بن الجوزي ... 280
(المقدمة/40)
9) مطبوعات كتاب جلاء الأفهام (1) 1 - الطبعة الأولى - الطبعة الحجرية طبعت باهتمام عبد الغفور وعبد الأول، أمر تسر (بالهند) مطبعة القرآن والسنة 1314 هـ - 1897 م وتقع في 408 صفحة. انظر معجم المطبوعات العربية في شبه القارَّة الهندية الباكستانية .. إعداد أحمد خان. 2 - القاهرة: إدارة الطباعة المنيريّة، 1357 هـ/ 1938 م في 343 صفحة. 3 - القاهرة: مكتبة القاهرة تحقيق: طه يوسف شاهين 1968 م في 300 صفحة. 4 - القاهرة: دار الطباعة المحمدية، تحقيق: طه عبد الرؤوف 1392 هـ / 1972 م. 5 - طبعة مصورة عنها -بيروت- دار الكتب العلمية. 6 - طبعة مصورة عنها -بيروت- دار القلم 1981 م. 7 - الرياض- مكتبة المؤيد، دمشق مكتبة دار البيان 1399 هـ/ 1979 م. تحقيق شعيب الأرناؤط وعبد القادر الأرناؤط. 8 - الكويت - دار العروبة 1407 هـ / 1977 م. __________ (1) اعتمدت في سرد هذه الطبعات على ما صنعه الشيخ محمد عُزير شمس في ثَبَت مؤلفات ابن القيم، مع تصرف يسير.
(المقدمة/41)
9 - المدينة النبوية، مكتبة دار التراث، دمشق دار ابن كثير (ط) الأولى 1408 هـ / 1988 م في 381 صفحة. (ط) الثانية- مكتبة دار التراث 1413 هـ/ 1992 م في 381 صفحة تحقيق/ محي الدين مستو. 10 - مكة المكرمة- الرياض- مكتبة نزار مصطفى الباز 1417 هـ/ 1996 م في 262 صفحة. 11 - الدمام: دار ابن الجوزي (ط) الأولى 1416 هـ / 1996 م. و (ط) الثانية 1419 هـ/ 1998 م في 792 صفحة. قرأه وضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه: مشهور بن حسن آل سلمان. - مختصرات جلاء الأفهام - 1 - الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. جمع إبراهيم بن عبد الله الحازمي (ط) الأولى: دار الشريف، 1414 هـ/ 1993 م في 29 صفحة. 2 - المنتقى من جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام - صلى الله عليه وسلم -. انتقاه وعلق عليه: محمد بن أحمد سيد أحمد، وراجعه وقدم له: عبد القادر الأرناؤط. - (ط) الأولى- جدة- دار الوسيلة 1415 هـ / 1995 م في 168
(المقدمة/42)
صفحة. - (ط) الثانية- جدة- دار الوسيلة 1417 هـ / 1997 م في 176 صفحة. 3 - فضل الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قام باختصاره: محمد عرفات محمد الخروبي، (ط) الأولى- مكة المكرمة- مطابع النور- 1415 هـ / 995 م في 48 صفحة. 10) وصف النسخ المعتمدة في التحقيق اعتمدت في تحقيق الكتاب على ستِّ نسخ، خمسٍ منها خطِّيَّة، والسادسة هي الطبعة الحجرية الأولى للكتاب. 1 - النسخة الظاهرية (ظ): وهي محفوظة في المكتبة الظاهرية تحت رقم (5480 - عام)، وتقع في 178 ورقة، في كل ورقة وجهين، وخطها نسخي واضح، يخلو من النقط في الغالب. وقد كُتبت النسخة في سنة 815 هـ كما هو مثبت في نهاية الكتاب، ولم يذكر اسم كاتب هذه النسخة. وتمتاز هذه النسخة - إضافة إلى أنها من أقدم النسخ - بعدة مميزات: 1 - أنَّها مقابلة على أصل- فقد جاء في 48/ أ- بلغ ووضع هذه العلامة (). 2 - أنَّها تدوالها غير واحد من العلماء بالقراءة والاطلاع عليها. فقد
(المقدمة/43)
ورد على صفحة الغلاف اسم غير واحد- كمحمد بن المبارك، وأحمد بن محمد الحسيني القادري الحلوي، ومحمد بن محمد بن إبراهيم بن [يوسف] بن عبد الرحمن بن الشيخ الحسن بن محمد [العادمي] الربعي [الحنفي] الحلبي، الشهير بابن الحنبلي. وعليها أيضًا تملُّك لكن اسمه غير واضح ولعل اسمه عثمان ... 3 - أن عليها تعليقات متفرقة لمحمد بن محمد الشهير بابن الحنبلي وهي عبارة عن تراجم لبعض الصحابة، وضبط لبعض أسماء الرجال وهي تكثر في أول النسخة، وتقل أو تتلاشى عند 35/ أ، ثم تأتي متفرقة 41/ أ، 138/ أ، 140/ ب، ويظهر أنَّ ابن الحنبلي هذا من أهل القرن العاشر أو بعده، فقد نقل تعليقًا في 133/ ب وقال في آخره: "قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله". 2 - نسخة تشستر بيتي (ت) وهي محفوظة في مكتبة تشستر بيتي - بدبلن في إيرلندا - تحت رقم [5030]، وخطها نسخي معتاد واضح، منقوط في الغالب، وتقع في 152 ورقة، كل ورقة تحتوي على وجهين، ولم يذكر عليها اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ، ولعلها من القرن التاسع أو العاشر. وتمتاز هذه النسخة بما يلي: 1 - أنها مقابلة على نسخة أخرى انظر (17/ أ، 33/ ب، 56/ ب، 86/ ب). 2 - عليها تصحيحات وتصويبات، وذلك بوضع علامة (صح).
(المقدمة/44)
3 - عليها علامات المقابلة 3 - نسخة برنستون (ب) وهي محفوظة في مكتبة جامعة برنستون- في أمريكا- برقم (1069 - فلم) وتقع في 114 ورقة، كل ورقة تحتوي على وجهين، وهي ناقصة من الأول والأخير، وهذا النقص يقع في بضع صفحات من هذه الطبعة فتبدأ من ص 10 انظر حاشية (3)، أما النقص من الأخير فيسير يُقدَّر بِثلاثة أسطر انظر ص 574 حاشية (4). ولم يذكر عليها اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ، وخطها نسخي واضح، ومنقوط، ويُقَّدر أن يرجع تاريخ نسخها إلى القرن العاشر أو الحادي عشر. تمتاز هذه النسخة بأمور: 1 - أنها مقابلة على نسختين، رمز الناسخ للأولى بـ (خ) وللأخرى بـ (ظ). 2 - أنّ عليها تصحيحات وتصويبات للنصِّ، ورمز لها الناسخ بـ (صح). 3 - أن عليها تعليقات قليلة. 4 - نسخة "شهيد علي" (ش) وهي محفوظة في مكتبة "شهيد علي باشا" في استانبول، ضمن المكتبة السليمانية - تحت رقم (520) وتقع هذه النسخة في (195 ورقة- كل ورقة تحتوي على وجهين، وخطَّها نسخي واضح ومنقوط
(المقدمة/45)
في الغالب، وليس عليها اسم الناسخ، ولا تاريخ النسخ، لكن يظهر أنها منسوخة في القرن العاشر على أعلى تقدير؛ لأنه جاء على غلاف الكتاب هذه العبارة (الحمد لله وحده، من نعم الله على عبده، إبراهيم بن المبلط الشافعي غفر الله له سنة 988 هـ [ ... ] على عبده علي بن غانم المقدسي في سنة 988 هـ، وجاء فيه أيضًا (ملك بفضل الله سبحانه وتعالى: أحمد بن محمد [التَّنوخي] عفا الله عنه) وتتميز هذه النسخة بعدة أمور: 1 - أنها مقابلة على نسخة أخرى- رمز الناسخ بـ (ظ) وعليها تقييد علامة المقابلة إلى 77/ ب، ثم عادت في 169/ ب. 2 - عليها كلمة (بلغ) الدَّالة على التداول والقراءة، في 33/ ب، 79/ أ. 3 - عند ورود كلمة غير مقروءة، يكتب الناسخ في الحاشية كلمة (بيان)، ثم يكتب تحتها الكلمة على الصواب كما في (12/ ب)، 37/ أ، 63/ ب، 76/ ب، 79/ ب، 82/ ب، 84/ أ). 4 - عند ورود كلمة ظاهرها غريب -وهي على الصواب- يكتب عليها الناسخ علامة (صح) إشارة إلى أنها صواب، وليست خطأ (12/ ب، 43/ ب). 5 - جاء في (29/ أ) بياض، فكتب فيه (صحيح)، إشارة إلى عدم سقط شيء من الكلام، أو إشارة إلى أن المعنى تام. 6 - يكثر فيها علامة النقاط المثلثة. 7 - عليها تصحيحات وتصويبات في الحاشية.
(المقدمة/46)
5 - النسخة الجزائرية (ج): وهي محفوظة في المكتبة الوطنية الجزائرية بالجزائر، وتقع ضمن مجموع برقم (796)، وتمثل فيه من اللوحة (48/ أ) - إلى (102 ب)، فهي تقع في (54) لوحة، كل لوحة تحتوي على وجهين، وخطها نسخي واضح وجميل ومنقوط، وقد نسخت في القرن العاشر سنة 986 هـ وناسخها هو: جمال الدين بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الأنصاري المتبولي، وتمتاز هذه النسخة بأن عليها علامات المقابلة، كما أن عليها تصحيحات واستدراكات للناسخ في الحاشية، وتمتاز أيضًا بأنها نصت على أنّ الكتاب في خمسة أبواب، بخلاف النسخ الأخرى -حيث اتفقت على أنّ الكتاب في ستة أبواب- حيث جعل الناسخ الباب السادس، فصلًا، ولم يعده بابًا. ويلاحظ على هذه النسخة وجود خرم في الأصل في بعض المواضع كما في (54/ أ- ب) و (57/ أ- ب) و (59/ أ) وغيرها. ويلاحظ أيضًا وقوع سقط في مواضع متفرقة، من صفحات وأسطر وكلمات، ونظرًا لتأخر وصول هذه النسخة، لم نتمكن من بيان مواضع السقط في الكتاب، ويمكن إجماله في التالي- سقط من صفحة (133 - 143) ومن (152 - 161) ومن (211 - 219) ومن (227 - 236) ومن (244 - 255) ومن (263 - 271) إضافة إلى بعض الأسطر، والكلمات. والذي يظهر لي: أنَّ السقط الواقع في تلك المواضع؛ جاء نتيجة لفقد عدّة أوراق من الأصل، إمّا عند جمع الكتاب، أو عند ضمِّه إلى
(المقدمة/47)
ذلك المجموع -علمًا بأن الكتاب لم يكن مرقَّمًا- بدليل أن السقط الواقع في كل موضع يمثِّل ورقة كاملة من الأصل، وهو يمثل حوالي عشر صفحات تقريبًا من المطبوع. 6 - الطبعة الحجرية المطبوعة في الهند عام 1314 هـ وهي نادرة الوجود. وتقع هذه الطبعة في (408) صفحة، ولا أدري على أي النسخ الخطية اعتمد طابعوها- لأنَّ مصورتي لهذه الطبعة ناقصة الأول بمقدار صفحتين ومن الأخير بمقدار ثلاث صفحات. وقد وقع في هذه الطبعة أخطاء وتصحيفات وتحريفات كثيرة، ولا أدري هل هذه الأخطاء من النسخة الخطية، أم من الطباعة؟ الله أعلم. وتتميَّز هذه الطبعة: 1 - استدراك متن حديث رقم (5) ص 16 وقد وضعته في الحاشية، فقد وقع في جميع النسخ في مكانه بياض. 2 - استدراك إسناد حديث رقم (96) ص 90، حيث سقط من جميع النسخ الخطِّية.
(المقدمة/48)
منهج التحقيق يمكن إجمال عملي في تحقيق هذا الكتاب في النقاط الآتية: 1 - مقابلة النص على النسخ الخطية المعتمدة والطبعة الحجرية الأولى، وإثبات الفروق بين النسخ حيث قمت برمز النسخة الظاهرية بـ (ظ)، وبرنستون (ب)، وتشستر بيتي (ت)، وشهيد علي باشا (ش)، الجزائرية (ج)، والطبعة الحجرية (ح)، وطبعة دار ابن الجوزي تحقيق حسن مشهور (مش). 2 - تخريج الآيات ووضعها داخل النَّصّ بين معقوفتين. 3 - تخريج الأحاديث والآثار تخريجًا مختصرًا في الغالب، مع بيان درجته صحةً أو ضعفًا، ونقل من صححه أو ضعَّفه من العلماء إنْ وجد. 4 - ما كان في الصحيحين أو أحدهما فإنني أكتفي به، مشيرًا إلى إسم الكتاب ورقمه ورقم الحديث. 5 - توثيق النقول التي أوردها المؤلف مِن كتب مَن تقدَّمه، قَدْر الإمكان. 6 - ترجمة لبعض الأعلام الواردين في النَّص على وجه الاختصار. 7 - بيان بعض الكلمات الغريبة.
(المقدمة/49)
8 - تخريج الأشعار الواردة وعزوها إلى قائليها قَدْر الإمكان. 9 - تنزيل أرقام صفحات نسخة الظاهرية (ظ) فقط داخل النص، ووضعها بين معقوفتين. 10 - ترقيم الأحاديث والآثار بأرقام متسلسلة. 11 - ما كان بين نجمتين (* .... *) فهو من كلام الشيخ حاتم بن عارف الشريف بلفظه أو بمعناه (1). 12 - وضع فهارس علمية متنوعة في آخر الكتاب، ليسهل الرجوع إلى أبحاثه ومسائله والإستفادة من فوائده. __________ (1) فقد قرأ الكتاب وعلق عليه في مواطن كثيرة -من ضبطٍ وتصويبات وفوائد وتعقبات- فاستفدت منها، وأثبت ما رأيته مناسبًا للمقام. فجزاه الله خيرًا، وكتب له ذلك في ميزان حسناته. وممن قراه أيضًا واستفدت من تصحيحاته الشيخ محمد أجمل الإصلاحي وغيره من طلبة العلم. انظر على سبيل المثال في الطبعة الثانية (ص/ 212، 215، 218 - 219، 294 - 295،. . . .)
(المقدمة/50)
نماذج من النسخ المعتمدة في تحقيق الكتاب
(المقدمة/51)
الورقة الأولى من نسخة الظاهرية
(المقدمة/53)
الظاهرية (ظـ)
(المقدمة/54)
الورقة الأولى من نسخة (برنستون) (ب).
(المقدمة/57)
الورقة الأخيرة من نسخة (برنستون) (ب).
(المقدمة/58)
الورقة الأولى من نسخة (شهيد علي) بتركيا - (ش).
(المقدمة/59)
الورقة الأخيرة من نسخة (شهيد علي) بتركيا - (ش).
(المقدمة/60)
الورقة الأولى من نسخة المكتبة الوطنية بالجزائر - (ج).
(المقدمة/61)
الورقة الأخيرة من نسخة المكتبة الوطنية بالجزائر - (ج).
(المقدمة/62)
الطبعة الحجرية (ح)
(المقدمة/63)
[ق 1] بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله ربِّ العالمين، وحسبي ونعم الوكيل (1) قال الشَّيخ الإمام العالم (2) العلَّامة شمس الدين أبو عبد الله (3) محمَّد بن أبي بكر بن أيُّوب الزَّرْعي الحنبلي، إمام الجوزيَّة رحمه الله تعالى (4). هذا كتاب سمَّيتُه "جِلاءَ الأفهام في فضْل الصَّلاة والسَّلام على محمَّد (5) خير الأنام"، وهو خمسة أبواب. __________ (1) من (ش)، وجاء في (ظ) بعد البسملة (رب يسر وأعن، وصلَّى الله على محمَّد وآله وسلم)، وجاء في (ت، ج) بعد البسملة (وهو حسبي ونعم الوكيل) ووقع في المطبوع بعد البسملة (الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله، فما له من هاد، والصلاة والسلام على أشرف خلقه، وأفضل رسله - محمَّد - المبعوث للناس كافة بالهدى والرحمة وسعادة الدنيا والآخرة، لمن آمن به، وأحبه، واتبع سبيله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله، وصحبه، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين). (2) سقط من (ش) (العالم). (3) سقط من (ش) (أبو عبد الله). (4) بياض في (ش) لهذه العبارة (رحمه الله هذا الكتاب)، وفي (ت) (الحنبلي ابن قيم الجوزية رحمه الله)، ولفظه (تعالى) من (ج). (5) من (ظ) فقط (محمَّد). وقع بياض في (ش) في قوله (وهو خمسة).
(1/3)
وهو كتاب فرد في معناه، لم نُسْبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها. بيَّنَّا فيه الأحاديث الواردة في (1) الصَّلاة والسَّلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، وصحيحها من حسنها ومعلولها وبَيَّنَّا (2) ما في معلولها من العلل بيانًا شافيًا، ثمَّ أسرار هذا الدعاء وشرفه، وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثمَّ في مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ومحالها، ثمَّ الكلام في مقدار الواجب منها، واختلاف أهل العلم فيه، وترجيح الراجح وتزْييف المزيَّف، ومَخْبَر الكتاب فوق وَصْفه، والحمد لله ربِّ العالمين (3). (4) باب ما جاء في الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 1 - عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: أتانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عُبَادة - رضي الله عنه - فقال له بَشِيْر بن سعد - رضي الله عنه -: أَمَرَنا (5) الله أنْ نصلِّي عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: "قولوا: اللهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، كما صلَّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، __________ (1) سقط من (ش) قوله (في الصَّلاة والسَّلام عليه - صلى الله عليه وسلم -). (2) سقط من (ش) قوله (بينَّا). (3) سقط من (ش) من قوله (ثمَّ الكلام) إلى (رب العالمين) ثمَّ استدرك في الحاشية. (4) في (ش) (قوله باب ... ). (5) في (ح) (قد أمرنا الله ... )، ولفظة (قد) غير موجود في مصادر التخريج المذكوره، ولا في (ظ، ت، ش، ج).
(1/4)
كما باركت على آلِ إبراهيم (1)، والسَّلام كَمَا قد عَلِمْتُم". رواه الإمام أحمد ومسلم والنَّسائي والتِّرمذي وصحَّحه (2). ولأحمد (3) في [ق 2] لفظ آخر نحوه: "فكيف نصلِّي عليك إذا نحن صلَّينا في صلاتنا؟ ". الكلام على هذا الباب في فصول الفصل الأوّل (4) فيمن روى أحاديث الصَّلاة على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنه رواها: أبو مسعود الأنصاري البدري (5) - رضي الله عنه -، وكعب بن عُجْرة، وأبو حُمَيد الساعدي، وأبو سعيد الخدري، وطلحة بن عبيد الله، وزيد بن حارثة، ويقال: ابن خارجة، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وبُريدة بن الحُصَيْب، وسهل بن سعد الساعدي، وابن مسعود، وفَضَالة بن عُبيد، وأبو طلحة الأنصاري، وأنس بن مالك، وعمر بن الخطّاب، وعامر بن ربيعة، وعبد الرحمن __________ (1) وقع في المطبوع زيادة (في العَالَمِين إنَّك حَمِيد مَجِيد) وهي عند أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وسيأتي، وقد سقطت من جميع النسخ. (2) أخرجه أحمد في مسنده (5/ 273 - 274)، ومسلم (405)، والنسائي (1285)، والترمذي (3220) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وغيرهم. (3) في المسند (4/ 119)، وهو لفظ معلول كما سيأتي. (4) في (ح، ت، ج) الباب الأول، والمثبت من (ظ، ش). (5) في (ح) (والبدري) وهو خطأ.
(1/5)
ابن عوف، وأُبيُّ بن كعب، وأَوْس بن أوس، والحسن، والحسين ابنا علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والبراء بن عازب، ورُوَيفع بن ثابت الأنصاري، وجابر بن عبد الله، وأبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو أُمَامة الباهلي، وعبد الرحمن بن بِشْر بن مسعود، وأبو بُرْدة بن نيار، وعَمَّار بن ياسر، وجابر بن سَمُرة، وأبو أُمامة بن سَهْل بن حُنَيف، ومالك بن الحُوَيْرِث، وعبد الله (1) بن جَزْء الزبيدي، وعبد الله بن عباس، وأبو ذر، وواثلة بن الأسقع، وأبو بكر الصديق، وعبد الله بن عمرو، وسعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه عمير - وهو من البَدْرِيِّين - وحَبَّان بن مُنْقِذ - رضي الله عنهم - أجمعين (2) -. (فأما حديث أبي مسعود) فحديث صحيح رواه مسلم في صحيحه (3): عن يَحْيى بن يَحْيى. وأبو داود (4): عن القَعْنبي، __________ (1) في (ت) (عبد الرحمن) وهو خطأ. (2) يلاحظ أن المؤلف زاد على هؤلاء ما يلي: 1 - حديث أبي أسيد وأبي حميد برقم (5). 2 - حديث عائشة برقم (138). 3 - حديث أبي الدرداء برقم (143 و 144) وراجع رقم (77). ولم يذكر المؤلف حديث حبَّان بن منقذ - رضي الله عنه - وهو عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ رقم 2122) والطبراني في الكبير (4/ 3574) وغيره بنحو حديث أبي بن كعب رقم (73) وهو حديث معلول، رفعُه منكر، والصواب أنَّه معضل كما عند الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 389). (3) رقم (405). (4) رقم (980).
(1/6)
كلاهما عن مالك. والترمذي (1): عن إسحاق بن موسى، عن معن، عن مالك. والنسائي (2): عن أبي سَلَمة، والحارث بن مِسْكين، كلاهما عن ابن القاسم، عن مالك، عن نُعَيْم المُجْمِر، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد. وأما زيادة أحمد فيه: "إذا نحن صلينا في صلاتنا". فرواه بهذه الزيادة: عن يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري، عن أبي مسعود قال: أقبل رجل (3) حتى جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن عنده، فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا صلى الله عليك؟ قال: فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله. فقال: "إذا أنتم صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمَّد النبي الأمي، وعلى آل محمَّد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ... ". وذكر الحديث (4). ورواه ابن خزيمة (5)، والحاكم في صحيحيهما (6) بذكر هذه __________ (1) رقم (3220). (2) رقم (1285). (3) هو بشير بن سعد. كما تقدم ذكره ص 4. (4) وتتمته من المسند (وبارك على محمَّد النبي الأمي، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). (5) صحيح ابن خزيمة (1/ رقم 711). (6) المستدرك للحاكم (1/ 268) رقم (988) وممن أخرجه من طريق ابن =
(1/7)
الزيادة. وقال الحاكم فيه: "على شرط مسلم". وفي هذا نوع مساهلة منه، فإن مسلمًا لم يحتج بابن إسحاق في الأصول، وإنما أخرج له في المتابعات والشواهد. وقد أُعِلَّت هذه الزيادة بتفرُّد ابن إسحاق بها، ومخالفة سائر الرواة له في تركهم ذكرها. وأُجَيْب عن ذلك بجوابين: أحدهما: أن ابن إسحاق ثقة لم يُجْرَح بما يُوْجِبُ ترك الاحتجاج به (1)، وقد وثَّقه كبار الأئمة، وأثنوا عليه بالحفظ __________ = إسحاق: إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (59)، وابن أبي عاصم أيضًا (6، 7)، وأبو داود في سننه (981)، والطبري في التهذيب (343 و 344 - الجزء المفقود) وغيرهم. (1) لكن إذا انفرد بأصلٍ، أو خالف من هو أحفظ منه فإنَّه لا يُحتجُّ به؛ وإن صَرّح بالسَّماع. قال الإمام أحمد: "ابن إسحاق ليس بحجة". وقال عبد الله بن أحمد - وسأله رجل عن محمَّد بن إسحاق - فقال: "كان أبي يتتبع حديثه ويكتبه كثيرًا بالعلو والنزول، ويخرجه في المسند، وما رأيته أنفى حديثه قط، قيل له: يحتج به؟ قال: لم يكن يحتج به في السنن". وقال ابن معين: "محمَّد بن إسحاق ثقة، ولكنه ليس بحجة. وقال أبو زرعة الدمشقي: "قلت ليحيى بن معين - وذكرت له الحجَّة - فقلت: محمَّد بن إسحاق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس. . ."، وقال الدارقطني: "محمَّد بن إسحاق - وأبوه - لا يحتج بهما، إنما يعتبر بهما"، وقال الإمام أحمد أيضًا: "هو يقول: أخبرني فيخالف". انظر: تاريخ بغداد (1/ 245 - 247)، وشرح علل الترمذي (1/ 413). قلت: وقد ظهر مصداق مقولة الإمام أحمد - "يقول: أخبرني فيخالف" - في هذا الحديث، حيث قال: أخبرني، وخالف نُعيم المجمر في لفظه في =
(1/8)
والعدالة، اللذين هما رُكْنَا الرِّواية. والجواب الثَّاني: أنَّ ابن إسحاق إنِّما يُخَافُ من تدليسه، وهنا قد صرَّح بسماعه للحديث من محمَّد بن إبراهيم التيمي، فزالت تُهْمة تدليسه. وقد قال الدارقطني في هذا الحديث - وقد أخرجه من هذا الوجه -: "وكلهم ثقات (1) ". هذا قوله في كتاب "السنن" (2). وأما في "العلل" (3) فقد سئل عنه، فقال: "يرويه محمَّد بن إبراهيم التيمي، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد، عن أبي مسعود، حدث به عنه محمَّد بن إسحاق، ورواه نعيم المجمر، عن محمَّد بن عبد الله بن زيد أيضًا، واختلف عن نعيم، فرواه مالك بن أنس عن نعيم، عن محمَّد، عن أبي مسعود. حدث به عنه كذلك القعنبي، ومَعْن وأصحاب "الموطأ"، ورواه حماد بن مَسْعدة عن مالك، عن نعيم، فقال: عن محمَّد بن زيد، عن أبيه، ووهم فيه. ورواه داود بن قيس الفرَّاء عن نعيم، عن أبي هريرة، خالف فيه __________ = موضعين، أولهما قوله: "إذا نحن صلينا في صلاتنا" وقد اختلف فيها عنه، وسيأتي، والأخرى: في صيغة هذه الصلاة حيث قال: "النبي الأميّ. ."، قال ابن أبي عاصم: "وليس يقول: النبي الأمّي" غير ابن إسحاق". وله أحاديث معروفة تفرد بها، وأخرى خالف فيها غيره، طعن فيها وأنكرها عليه بعض النُّقَّاد العارفين بعلل الأحاديث. (1) كذا في جميع النسخ، لكن المثبت في السنن المطبوعة (هذا إسناد حسن متصل)، وكذا أيضًا ذكره المصنف برقم (305) ص 339 كما سيأتي. (2) السنن للدارقطني (1/ 355). (3) العلل (6/ 1059).
(1/9)
مالكًا. وحديث مالك أولى بالصواب" (1). قلت: وقد اختلف على ابن إسحاق في هذه الزيادة، فذكرها عنه إبراهيم بن سعد كما تقدم. ورواه زهير بن معاوية عن ابن إسحاق بدون ذكر الزيادة. كذلك قال عبد بن حميد في "مسنده" (2): عن أحمد بن يونس. والطبراني في "المعجم" (3): عن عباس بن الفضل، عن أحمد بن يونس، عن زهير. والله أعلم. قال عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي في "نسب الأنصار" (4): "أبو (5) مسعود عقبة بن عمرو: بن ثعلبة البدري، نزل (6) بماء بدرٍ، أو سكنه، فسُمِّي البَدْرِي لذلك، ولم يشهد __________ (1) وقال أبو حاتم الرازي - فيمن جعل الحديث من مسند أبي هريرة - قال: "حديث مالك أصح". وقال أيضًا: "مالك أحفظ، والحديث حديث مالك". انظر العلل لابن أبي حاتم (1/ رقم 205). (2) انظر المنتخب منه رقم (234)، قلت: وكذا عند أبي داود رقم (981)، وإسماعيل القاضي رقم (59) وغيرهم. وتابع زهيرًا بدون ذكر الزيادة: زياد البكائي وأحمد بن خالد ومحمد بن سلمة، عن ابن أبي عاصم في الصلاة رقم (6)، والطبري في التهذيب رقم (343)، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (49). (3) الكبير (17/ 698). (4) سقط من (ت) (الأنصار). (5) من هنا تبدأ النسخة (ب)، وانظر ترجمته في تهذيب الكمال (20/ 215 - 218). (6) من (ظ) فقط وفي (ت) (نزل ماء ببدرى) وفي (ش، ج) (نزل ماءً ببدرٍ) وفي (ب) (نزل ماء بدرٍ وسكنه) ووقع في باقي النسخ (أو سكنه).
(1/10)
بدرًا عند جمهور أهل العلم بالسِّيَر؛ وقد قيل: إنه شهدها، واتفقوا على أنَّه شهد العقبة (1)، وولَّاه عليّ الكوفة لمَّا خرج إلى صِفِّين، وكان يستخلفه على ضعفة الناس فيصلي بهم العيد في المسجد، قيل: مات بعد الأربعين. وقيل: بعد الستين". قلت: ذكر أربعة من الأئمة أنَّه شهد بدرًا: البخاري، وابن إسحاق، والزهري (2). 2 - (وأما حديث كعب بن عُجْرة) فقد رواه أهل الصحيح (3) وأصحاب السنن (4) والمسانيد (5): من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه، وهو حديث لا مَغْمَز فيه بحمد الله. ولفظ الصحيحين فيه: عن ابن أبي ليلى، قال: لَقِيَني كَعَبُ بن عُجْرة فقال: ألا أُهْدي لك هَدِيَّة؟ خَرَجَ علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: قَدْ عَرَفْنا كيفَ نُسلِّم __________ (1) جاء في حاشية (ظ): أعني العقبة الثانية. (2) بياض في (ب، ش) ولم يذكر في (ظ، ت، ج) الرابع. وجاء في حاشية (ح) (وما وجدت الرابع). قلت: ذكر مسلم في الكنى (3169) أنَّه شهد بدرًا. وذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة (4/ 252) خامسًا، وهو أبو عُبيد بن سلَّام، وذكر في الفتح (7/ 319) سادسًا، وهو ابن الكلبي. (3) أخرجه البخاري في صحيحه في (64) الأنبياء وغيره (3191) وانظر (4519، 5991) ط - البغا)، ومسلم في (4) الصلاة رقم (406). (4) أخرجه أبو داوود (976 - 978)، والنسائي (1288 - 1289)، والترمذي (483)، وابن ماجه (904) وغيرهم. (5) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 241، 243)، والحميدي (712)، والطيالسي (1061) وغيرهم.
(1/11)
عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: "قُولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ كما صلَّيت على آلِ إبراهيم، إنَّك حميد مجيد، اللَّهمَّ بارك على محمَّد وعلى آلِ محمَّدٍ كما باركت على آلِ إبراهيم إنَّك حمِيْد مجِيْد". 3 - وله حديث آخر رواه الحاكم في "المستدرك" (1): من حديث (محمَّد بن إسحاق - هو الصَّغَاني) (2) - حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا محمَّد بن هلال، حدثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن كعب بن عجرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "احضروا المنبر" (3)، فحضرنا، فلما ارتقى الدرجة قال: "آمين". ثمَّ ارتقى الثانية فقال: "آمين"، ثمَّ ارتقى الدرجة الثالثة، فقال: "آمين"، فلما فرغ (4) نزل عن المنبر، فقلنا: يا رسول الله لقد (5) سمعنا منك اليوم __________ (1) انظر المستدرك (4/ 153)، وهذا السياق - لإسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم (19). (2) كذا في (ظ، ش، ب، ج، ت) ووقع في (ح) (الصنعاني) وهو خطأ. ولم أقف عليه في المطبوع من مستدرك الحاكم، ولا في إتحاف المهرة لابن حجر (13/ 24) رقم (16382)، وإنما الموجود فيهما (. . . ثنا السَّرِي بن خزيمة ثنا سعيد بن أبي مريم. . .)، ولعل المؤلف ذهب بصره إلى فضل الصلاة لإسماعيل القاضي (19) أثناء كتابة رواة الحاكم فنقله؛ بدليل أن هذا سياق إسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم (19) والله أعلم. (3) لفظة (المنبر) من فضل الصلاة لإسماعيل القاضي والمستدرك، وسقط من جميع النسخ. (4) سقط من (ظ). (5) من (ظ) (لقد) وسقط من باقي النسخ.
(1/12)
شيئًا ما كنا نسمعه، فقال. "إن جبريل عليه السلام عرض لي فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم (1) يغفر له، فقلت: آمين، فلما رقيت الثانية، قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك. فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة، قال: بعد من أدرك أبويه الكبر (2)، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين" (3). قال الحاكم: صحيح الإسناد. وكعب بن عُجْرة (4): أنصاري سالمي، كنيته فيما قيل: أبو إسحاق، عداده في بني سالم أخي عمرو (5) بن عوف، وهو قَوْقَل، ويعرف بنوه بالقواقلة، لأن عوفًا هذا كان له عِزّ ومَنَعَة، وكان إذا جاء خائف إليه يقول له: قَوْقِل حيث شئت، أي: انزل فإنك آمن. __________ (1) في (ب، ت، ش) (لم). (2) في (ب) (عند الكبر). (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (19)، والطبراني في الكبير (19/ 315)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 319) من طرق عن ابن أبي مريم به. وسنده ضعيف، فيه إسحاق بن كعب بن عجرة فيه جهالة، وأيضًا فيه انقطاع - بين سعد وبين أبيه - لأنَّ سعدًا توفي بعد سنة 140 هـ، وأما أبوه فقتل يوم الحرة سنة 63 هـ. وهذا يدلّ أن سعدًا كان طفلًا صغيرًا لما قتل والده. انظر: بيان الأوهام لأسعد تيم ص 30 - 31، والطبقات الكبير لابن سعد (7/ 276، 529) ط - الخانجي. (4) انظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2370) رقم (2500)، والإصابة لابن حجر (5/ 304) رقم (7413). (5) وقع في (ش، ت، ب، ج) (غنم) وهو خطأ. انظر الطبقات لابن سعد (5/ 387).
(1/13)
وقال ابن عبد البر (1): "كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث البلوي، ثمَّ السُّوَادِي، من بني سُوَاد، حليف للأنصار، قيل: حليف لبني حارثة بن الحارث بن الخزرج، وقيل: حليف لبني عوف بن الخزرج، وقيل: حليف لبني سالم من الأنصار"، وقال الواقدي (2): "ليس بحليف للأنصار، ولكنه من أنفسهم". وقال ابن سعد (3): "طلبت اسمه في نسب الأنصار فلم أجده، يكنى أبا محمَّد، وفيه نزلت (4): {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، نزل الكوفة، ومات بالمدينة سنة ثلاث، أو إحدى، أو اثنتين وخمسين، وهو ابن خمس وسبعين سَنَة (5)، روى عنه أهل المدينة وأهل الكوفة". 4 - (وأما حديث أبي حُمَيْد السَّاعِدي)، فرواه البخاري (6)، وأبو داود (7)، عن القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن __________ (1) انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (3/ 379) رقم (2223). (2) انظر الطبقات لابن سعد (5/ 386 - 388) رقم (1008). (3) انظر الطبقات لابن سعد (5/ 387)، ولفظه (وطلبنا نَسَبَه في كتاب نَسَب الأنصار فلم نجده). (4) أخرجه البخاري في صحيحه في (34) الإحصار وجزاء الصيد وغيره (1719) ومسلم في (15) الحج (1201). (5) من (ظ، ج) فقط. (6) في صحيحه (64) الأنبياء وغيره، (3189). (7) برقم (979) وسقط من (مش) (أبو داوود) وهو مثبت في (ظ، ش، ب، ت، ح).
(1/14)
محمَّد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرو بن سُليم الزُّرَقي، أخبرني أبو حُمَيد الساعدي، أنهم قالوا: يا رسول الله! كيف نُصلّي عليك؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد وأزواجه وذرِّيته، كما صلّيت على آلِ إبراهيم، وبارك على محمَّد وأزواجه وذرِّيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد". ورواه مسلم (1): عن ابن نُمَير، عن رَوْح بن عُبَادة، وعبد الله بن نافع الصائغ. ورواه أبو داود (2) أيضًا: عن ابن السَّرْح (3)، عن ابن وهب، والنسائي (4): عن الحارث بن مسكين، ومحمد بن مسلمة، كلاهما عن ابن القاسم. وابن ماجه (5): عن عمَّار بن طالوت، عن عبد الملك بن الماجشون، خمستهم عن مالك، كما تقدم. وأبو حُمَيْد السَّاعدي (6): قال ابن عبد البر (7): "اختلف في اسمه، فقيل: المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل: عبد الرحمن بن __________ (1) في صحيحه في (4) الصلاة (407). (2) رقم (979). (3) وقع في (ظ) (ابن السراح) وفي (ت، ج) (ابن السراج) وهو خطأ. (4) رقم (1294). (5) رقم (905). (6) انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد (4/ 367)، والإصابة (7/ 46) (301). (7) انظر: الاستيعاب (4/ 199) رقم (2951).
(1/15)
سعد بن المنذر، (وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن المنذر، وقيل: عبد الرحمن بن سعد بن مالك) (1)، وقيل: عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة، يُعَدُّ في أهل المدينة. توفي في آخر خلافة معاوية، روى عنه من الصحابة: جابر، ومن التابعين: عروة بن الزبير، والعباس بن سهل بن سعد، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وخارجة بن زيد بن ثابت، وجماعة من تابعي أهل المدينة". 5 - (وأما حديث أبى أُسَيْد وأبي حُمَيْد)، فرواه مسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عن عبد الملك بن (3) سعيد بن سويد الأنصاري، قال: سمعت (4) أبا حميد وأبا أسيد، يقولان: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلْيَقُلْ (5):. __________ (1) سقط ما بين القوسين من (ظ، ت، ب، ج). (2) في صحيحه في (6) صلاة المسافرين وقصرها (713). (3) وقع في (ش، ب) (بن أبي) وهو خطأ، والتصويب من مسلم. (4) في صحيح مسلم (عن أبي حميد أو عن أبي أسيد). (5) في (ح) (اللهم افتح لِيْ أبْوَابَ رحمتِك. وإذا خَرَجَ فلْيَقل: اللهُمَّ إنِّي أسألك مِنْ فضلك)، وفي باقي النسخ "بياض" ولعل المؤلف لما رأى المتن ليس فيه ذِكْر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل عن إتمامه بعد أن ابتدأ فيه. وقد ورد في بعض طرق الحديث زيادة التسليم عليه - صلى الله عليه وسلم -، وفي ثبوتها نظر، والأصح بدونها، كما عند مسلم.
(1/16)
6 - (وأما حديث أبي سعيد الخدري) فقال: قلنا: يا رسول الله هذا السَّلام عَلْيك عَرْفناه، فكيف الصَّلاة عليك؟ قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ عبدِكَ ورسولِكَ، كما صَلَّيْتَ على إبراهيم، وبارك على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ، كما باركت على آلِ إبراهيم". فرواه البخاري في "صحيحه" (1): عن عبد الله بن يوسف، عن الليث بن سعد، وعن إبراهيم (2) بن حمزة، عن عبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز الدراوردي، ثلاثتهم عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خَبَّاب، عن أبي سعيد (3)، ورواه النسائي (4): عن قتيبة، عن بكر بن مُضَر، عن ابن الهاد. ورواه ابن ماجه (5): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن خالد بن مَخْلَد، عن عبد الله بن جعفر، عن ابن الهاد. وأبو سعيد الخدري (6): اسمه سعد بن مالك بن سِنَان، وهو مشهور بكنيته. قال ابن عبد البر (7): "أول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنتي عشرة غزوة، وكان ممن حفظ عن رسول __________ (1) في (68) كتاب التفسير/ الأحزاب رقم (4520). (2) في (83) الدعوات (5997). (3) سقط من (ب) من قوله (وعبد العزيز) إلى (أبي سعيد). (4) برقم (1293). (5) برقم (903). (6) انظر ترجمته في الطبقات لابن سعد (5/ 350)، وسير أعلام النبلاء (3/ 168 - 172)، وتهذيب الكمال (10/ 294 - 300). (7) انظر: الاستيعاب (2/ 167) رقم (959).
(1/17)
الله - صلى الله عليه وسلم - سُنَنًا كثيرة، رَوَى عنه علمًا جَمًّا، وكان من نُجَباء الأنصار وعُلَمائهم وفُضَلائهم، توفي سنة أربع وسبعين (1)، روى عنه جماعةً من الصحابة وجماعة من التابعين". 7 - (وأما حديث طلحة بن عبيد الله)، فقال الإمام أحمد في "المسند" (2): حدثنا محمَّد بن بِشْر، حدثنا مُجَمِّع بن يحيى الأنصاري، حدثني عثمان بن مَوْهَب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه (3)، قال: قلت: يا رسول الله! كيف الصلاة عليك؟ قال: قل: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمَّد، كما باركت على آل (4) إبراهيم إنك حميد مجيد". 8 - ورواه النسائي (5): عن عبيد الله بن سعد، عن عَمِّه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن شَرِيْك، عن عثمان بن موهب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: كيف نصلي عليك يا نبي الله؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمَّد وعلى آل محمَّد (6)، كما صليت على إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على __________ (1) سقط من (ب، ح) من قوله (روى) إلى (وسبعين). (2) (1/ 162). (3) سقط (عن أبيه) من جميع النسخ وهو من (نسخة (ظ) على حاشية (ب)، وسقط أيضًا من الإسناد من (ج) (مجمِّع بن). (4) سقط من (ب). (5) برقم (1291). (6) ليس في النسخ (وعلى آل محمَّد)، واستدركته من سنن النسائي.
(1/18)
محمَّد وعلى آل محمَّد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". 9 - أخبرني (1) إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمَّد بن بِشْر، حدثنا مُجَمِّع بن يحيى، عن عثمان بن مَوْهَب، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول الله! كيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمَّد (2)، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد". __________ (1) هذا قول النسائي في سننه رقم (1290) وقد وقع فيه اختلاف. فرواه جماعة عن عثمان بن موهب عن موسى بن طلحة عن أبيه فذكره. أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (68)، والطبراني في التهذيب (328 و 329)، والبزار في مسنده (941) وغيرهم. وهذا الحديث صححه الطبري، وحسَّن إسناده ابن حجر. انظر: التلخيص (1/ 268). وخولف عثمان بن موهب، خالفه: خالد بن سلمة. فرواه جماعة عن عثمان بن حكيم عن خالد بن سلمة عن موسى بن طلحة عن زيد بن خارجة فذكره، وفيه قصة. أخرجه إسماعيل القاضي (69)، والبخاري في تاريخه (3/ 384)، وابن أبي عاصم في الصلاة (19) وغيرهم. ورواية خالد بن سلمة هذه أرجح من رواية عثمان بن موهب - هكذا مال إليه الإمام أحمد وعلي بن المديني والدارقطني. انظر: تحفة الأشراف (3/ رقم 3746)، وعلل الدارقطني (4/ 202) رقم (508)، وبيان الأوهام ص 52 - 53 لأسعد تيم، طـ: دار الرازي سنة 1420 هـ. (2) سقط من جميع النسخ قوله (وعلى آل محمَّد) وأثبته من سنن النسائي.
(1/19)
واحتج الشيخان بعثمان بن عبد الله بن مَوْهَب، عن موسى بن طلحة. 10 - (وأما حديث زيد بن خَارِجَة)، فرواه الإمام أحمد (1)، عن عليّ بن بَحْر، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا عثمان بن حَكِيْم، حدثنا خالد بن سَلَمة: أن عبد الحميد (2) بن عبد الرحمن دعا موسى بن طلحة حين عَرَّس على ابنه، فقال: يا أبا عيسى، كيف بَلَغَكَ في الصَّلاة على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال موسى: سألتُ زيدَ بن خارجة، فقال: أنَا سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نفسي (3): كيف الصَّلاة عليك؟ فقال: "صلُّوا واجْتَهِدُوا، ثمَّ قُولوا: اللَّهمَّ بارِك على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كما بارَكتَ على آلِ (4) إبراهيم إنَّك حَمِيد مَجِيد". ورواه النسائي (5): عن سعيد بن يحيى (6) الأموي، عن أبيه، عن عثمان به. __________ (1) في المسند (1/ 199) والحديث وقع فيه اختلاف، تقدم في حديث طلحة السابق رقم (9) وهذه الرواية هي الصواب، وسندها صحيح. (2) سقط من (ظ) قوله (عبد الحميد بن). (3) زيادة من المسند قوله (نفسي) وسقط من جميع النسخ. (4) سقط من (ب). (5) برقم (1292). (6) ووقع في مطبوعة (مش) قوله (كذا في الأصل، والصواب (يحيى بن سعيد) كما في مصادر التخريج وكتب الرجال). قلت: وما في الأُصول (ظ، ش، ت، ج، ب، ح) هو الصواب، وقوله خطأ ظاهر. انظر: تحفة الأشراف (3/ 3746)، وتهذيب الكمال (11/ 104 - 106).
(1/20)
11 - ورواه إسماعيل بن إسحاق في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (1): عن علي بن عبيد الله (2)، حدثنا مروان بن معاوية، حدثنا عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة، عن موسى بن طلحة، قال: أخبرني زيد بن حارثة - أخو بني الحارث بن الخزرج - قال: قلت: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلِّم عليك؟. . فذكر نحوه، فقال: زيد بن حارثة. وقال الحافظ أبو عبد الله بن مندة في كتاب "الصحابة": "روى عبد الواحد (3) بن زياد، عن عثمان بن حكيم، عن خالد بن سلمة، قال: سمعت موسى بن طلحة، وسأله عبد الحميد: كيف الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: سألت زيد بن خارجة الأنصاري" فذكره. وأما زيد بن حارثة (4) هذا: فهو زيد بن ثابت بن الضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة من بني سلمة - ويقال: ابن خارجة - __________ (1) فضل الصلاة لإسماعيل القاضي (69). (2) هكذا في جميع النسخ وهو خطأ، صوابه (عبد الله) وهو ابن المديني، كما في فضل الصلاة لاسماعيل القاضي رقم (69)، وقد حكم الدارقطني على هذا الحديث بالوهم، لقوله (زيد بن حارثة) وأن الصواب (زيد بن خارجة) كما تقدم. (3) في (ظ) (عبد الله) وهو خطأ، وأخرجه من طريق عبد الواحد بن زياد هذا البخاري في تاريخه (3/ 383)، والطبري في التهذيب (330 - القسم المفقود)، وأبو نعيم في المعرفة (3/ 2988). (4) انظر ترجمته في أسد الغابة لابن الأثير (2/ 1831)، والإصابة لابن حجر (3/ 2888).
(1/21)
الخزرجي الأنصاري، ذكره ابن منده في "الصحابة"، والصواب: زيد بن خارجة، وهو ابن أبي زهير الأنصاري الخزرجي، شهد بدرًا، توفي في خلافة عثمان، وهو الذي تكلم بعد الموت، قاله أبو نعيم وابن منده (1)، وابن عبد البر، وقيل: بل هو خارجة بن زيد، والأول أصح. والله أعلم. 12 - (وأما حديث عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -)، فرواه الترمذي (2): عن يحيى بن موسى، وزياد بن أيوب، حدثنا أبو عامر العقدي، عن سليمان بن بلال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن حسين بن علي عن علي (3) قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي". قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب". وفي بعض النسخ: "حديث حسن (4) غريب". ورواه النسائي (5) وابن حبَّان في __________ (1) سَقَط (وابن منده) من (ح) ومطبوعة (مش). انظر: المعرفة لأبي نعيم (3/ 1016)، والاستيعاب (2/ 849). (2) برقم (3546). (3) وجاء في بعض نسخ الترمذي و (ج) من مسند (الحسين بن علي) وهذا الاختلاف وقع قديمًا في نسخ الترمذي، فقد ذكر الحافظ المزي في التحفة (3/ 3412) أنَّه من مسند علي بن أبي طالب، بينما قال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (7/ 10072) (ولم أره في ت كذلك). (4) في ظـ (حديث غريب). (5) في عمل اليوم والليلة (56).
(1/22)
"صحيحه" (1)، والحاكم في "المستدرك" (2). __________ (1) انظر: الإحسان (3/ 909). والحديث وقع فيه اختلاف طويل. يرويه عمارة بن غزيَّة عن عبد الله بن علي بن حسين، واختلف عليه. 1 - فرواه عمرو بن الحارث عن عمارة عن عبد الله بن علي بن الحسين عن أبيه مرسلًا. أخرجه إسماعيل القاضي (33)، والبخاري في تاريخه (5/ 148). 2 - ورواه الدراوردي عن عمارة عن عبد الله بن علي قال: قال علي بن أبي طالب فذكره. أخرجه إسماعيل القاضي (34)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (95). وهذا منقطع بين عبد الله بن علي بن الحسين وبين علي بن أبي طالب. 3 - ورواه سليمان بن بلال وإسماعيل بن جعفر وعبد الله بن جعفر بن نجيح كلهم عن عمارة عن عبد الله بن علي عن أبيه عن جده مرفوعًا. أخرجه إسماعيل القاضي (32 و 35 و 36)، والبخاري في تاريخه (5/ 148)، والدولابي في الذرية الطاهرة (153)، والبيهقي في الدعوات (151) وغيرهم. قال الدارقطني في العلل (3/ 103) رقم (304) (وقول سليمان بن بلال أشبه بالصواب). قلت: والحديث مداره على/ عبد الله بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. روى عنه جماعه، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وكذا ابن خلفون. وقال ابن حجر: مقبول. أي: إن توبع، وهو هنا تفرد بالحديث، * لكن صحَّح له ابن حبَّان والحاكم حديثه هذا مع كون مداره عليه * وله شاهد مرسل عن الحسن البصري عند إسماعيل القاضي برقم (38)، وآخر موصول عن أبي ذر، عند إسماعيل برقم (37)، وابن أبي عاصم برقم (29). انظر: تهذيب الكمال (15/ 321). (2) (1/ 549) (2015).
(1/23)
13 - وروى الحسن بن عرفة، عن الوليد بن بُكَيْر، عن سلَّام (1) الخَزَّاز، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث بن (2) عبد الله الأعور، عن علي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من دعاء إلا بينه وبين السماء والأرض حجاب حتى يُصلَّى على محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا صُلِّي على النبي محمدٍ (3) - صلى الله عليه وسلم - انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يُصلَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستجب الدعاء" (4). ولكن للحديث ثلاث علل: إحداها: أنَّه (5) من رواية الحارث الأعور (6)، عن علي بن أبي طالب. العلة الثانية: أنَّ شعبة (7) قال: "لم يسمع أبو إسحاق السبيعي __________ (1) في (ظ) (سالم). (2) في جميع النسخ (الحسن بن علي) بدلًا من (الحارث بن عبد الله الأعور) وهو خطأ. (3) سقط من (ظ، ج). (4) أخرجه أبو القاسم بن الفضل الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1677)، وبيبي بنت عبد الصمد الهروية في جزئها (35)، والهروي في ذم الكلام (1/ رقم 4) وغيرهم، والحديث رفعه ووقفه ضعيف جدًا. (5) سقط من (ش) (أنَّه). (6) هو الحارث بن عبد الله (وقيل: ابن عبيد) الأعور الهمْداني الخارفي أبو زهير الكوفي اتهمه بالكذب الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وأبو خيثمة وعلي بن المديني وغيرهم ووثقه بعضهم. انظر: تهذيب الكمال (5/ 244 - 253). (7) انظر: التاريخ الأوسط للبخاري (1/ 184)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم =
(1/24)
من الحارث إلا أربعة أحاديث" فَعَدَّها ولم يذكر هذا (1) منها، وقاله العجلي (2) أيضًا. العلة الثالثة: أنَّ الثابت عن أبي إسحاق وقفه على علي - رضي الله عنه - (3). 14 - وروى النسائي في "مسند علي" (4)، عن أبي الأزهر: حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا حِبَّان بن يَسَار الكِلابيّ، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، عن محمَّد بن علي، عن محمَّد بن الحنفية، عن علي - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على محمَّد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته أهل بيته، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد" (5). وحِبَّان بن يَسَار وثقه ابن حبَّان (6). وقال البخاري (7): إنه __________ = (1/ 132). (1) وقع في (ب) بعد (هذا) (وروى النسائي في مسنده منها). (2) انظر: تاريخ الثقات له رقم (1272)، وتهذيب الكمال (5/ 245). (3) سيأتي برقم 166. (4) في (ظ، ت، ج، ب) (في مسنده). (5) أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 424). (6) انظر: الثقات لابن حبَّان (6/ 239 - 240). (7) انظر: التاريخ الكبير للبخاري (3/ 85 - 86)، مع تعليق المعلِّمي.
(1/25)
اختلط في آخر عمره. وقال أبو حاتم (1) الرازي: ليس بالقوي ولا بالمتروك. وقال ابن عدي (2): حديثه فيه ما فيه، لأجل الاختلاط الذي ذُكِر (3) عنه. قلت: ولهذا الحديث عِلَّة، وهي أن موسى بن إسماعيل التَّبوذكي خالف عمرو بن عاصم فيه، فرواه عن حبَّان بن يسار: حدثني أبو المطرف الخزاعي، حدثني محمَّد بن عطاء الهاشمي، عن نُعَيْم المُجْمِر، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: 15 - "من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى" فذكره، ورواه أبو داود (4): عن موسى بن إسماعيل به. 16 - وله عِلَّة أُخْرى: وهي أنَّ عمرو بن عاصم قال: أخبرنا حِبَّان بن يَسَار، عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وقال موسى بن إسماعيل: عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز. وهكذا هو في "تاريخ البخاري" (5)، وكتاب ابن أبي حاتم (6)، "والثقات" (7) لابن حبَّان، "وتهذيب الكمال" (8) لشيخنا أبي الحجاج __________ (1) انظر: الجرح والتعديل (3/ 270) رقم (1206). (2) انظر: الكامل لابن عدي (2/ 424). (3) من (ظ، ب، ح، ج) والكامل، ووقع في (ش) (ذَكرتُ). (4) برقم (982). (5) انظر: التاريخ الكبير (3/ 87). (6) انظر: الجرح والتعديل (5/ 319). (7) انظر: الثقات لابن حبَّان (7/ 146). (8) انظر: تهذيب الكمال (19/ 58).
(1/26)
المزي. فإمَّا (1) أن يكون عمرو بن عاصم وهم في اسمه، وإما أن يكونا اثنين، ولكن عبد الرحمن هذا (2) مجهول (3) لا يعرف في غير هذا الحديث، ولم يذكره أحد من المتقدِّمين. وعمرو بن عاصم وإن كان روى عنه البخاري ومسلم واحتجا به، فموسى بن إسماعيل أحفظ منه. والحديث له أصل من رواية أبي هريرة بغير هذا السند والمتن (4)، ونحن نذكره. 17 - قال محمَّد بن إسحاق السَّرَّاج: أخبرني أبو يحيى، وأحمد بن محمَّد البِرْتي، قالا: أنبأنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أنبأنا (5) داود بن قيس، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنهم سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد عُلِّمتم". وهذا الإسنادُ إسنادٌ (6) صحيح على شرط الشيخين رواه __________ (1) وقع في (ش) (وإما)، والصواب ما أَثبتُّ. (2) ليس في (ب) (هذا). (3) نقله الحافظ ابن حجر عن ابن القيم في تهذيب التهذيب (2/ 519) من قوله (مجهول لا يعرف) إلى (من المتقدمين). (4) سقط من (ش). (5) في (ظ، ب) (أبو داوود بن قيس) وهو خطأ. (6) سقط من (ح).
(1/27)
عبد الوهاب بن مَنْده، عن الخَفَّاف، عنه (1). 18 - وقال الشَّافعي (2): أنبأنا إبراهيم بن محمَّد، أخبرنا صفوان بن سُلَيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أنَّه قال: يا رسول الله! كيف نصلي عليك - يعني في الصلاة؟ - قال: "تقولون: اللهم صل على محمدٍ وعلى (3) آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم (4)، وبارك على محمَّدٍ وآل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم، ثمَّ تسلمون علي". إبراهيم هذا هو ابن محمَّد بن أبي يحيى الأسلمي، كان __________ (1) أخرجه النسائي في الكبرى (6/ 17) رقم (9875)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 14) رقم (2240)، والطبري في التهذيب (347 - القسم المفقود) وغيرهم. وظاهر سنده كما قال المؤلف، صحيح، لكن على شرط مسلم فقط، لأنَّ داوود بن قيس لم يخرج له البخاري محتجًا به في صحيحه، وإنما أخرج له تعليقًا، وأخرج له أيضًا مسلم وأصحاب السنن الأربع. انظر: التقريب رقم (1808) لكنه معلول، خُولف داوود بن قيس. فقد خالفه الإمام مالك فرواه عن نعيم بن عبد الله عن محمَّد بن عبد الله بن زيد عن أبي مسعود. كما تقدم في الحديث الأول. ورجح هذه الرواية البخاري وأبو حاتم والدارقطني، ومال علي بن المديني إلى أن نعيمًا رواه على الوجهين. انظر: الفتوحات الربَّانية (2/ 356)، والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 87)، والعلل لابن أبي حاتم (1/ 76)، والعلل للدارقطني (6/ 190). (2) انظر: المسند (رقم 278)، والأم (2/ رقم 245) وإسناده واهي. (3) سقط من (ش، ب، ظ). (4) وقع في (ب) (آل إبراهيم).
(1/28)
الشافعي يرى الاحتجاج له على عجره وبجره، وكان يقول (1): "لأن يخِرَّ إبراهيم من السَّماء أحبُّ إليه من أنْ يَكْذب"، وقد تكلَّم فيه مالك والنَّاس (2)، ورموه بالضَّعف والتَّرك، وصرَّح بتكذيبه مالك، وأحمد، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، والنسائي. وقال ابن عُقْدة الحافظ: "نظرت في حديث إبراهيم بن أبي يحيى كثيرًا، وليس بمنكر الحديث". وقال أبو أحمد بن عدي: "هو كما قال ابن عُقْدة، وقد نظرت أنا في حديثه الكثير فلم أجد فيه منكرًا إلا عن شيوخ يَحْتَمِلون (3) "، يعني أن يكون الضعف منهم ومن جِهَتهم. ثمَّ قال ابن عدي: "وقد نظرت في أحاديثه وتبحَّرتها وفَتَّشْتُ الكل فليس فيها حديث منكر، وقد وثَّقه محمَّد بن سعيد الأصبهاني (4) مع الشافعي". ولأبي هريرة أيضًا أحاديث في الصَّلاة على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 19 - منها: ما رواه العشاري (5): من حديث محمَّد بن __________ (1) انظر: الكامل لابن عدي (1/ 219). (2) انظر تلك الأقوال في تهذيب الكمال (2/ 186 - 188)، قلت: قوله (يعني في الصلاة)، و (ثمَّ تسلمون عليَّ) منكرة. (3) وقع في (ش، ب، ح) (يجهلون)، والصواب ما أثبته كما في (ظ، ت، ج) والكامل (1/ 220)، وتهذيب الكمال (2/ 189). (4) وقع في (ش) (الأصفهاني). انظر الكامل لابن عدي (1/ 216 - 220). (5) أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 136 - 137)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1698)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 224). والحديث موضوع على الأعمش، وضعه السُّدي. انظر: الصارم المنكي ص 209.
(1/29)
موسى، عن الأصْمَعي، حدثني محمَّد بن مروان السُّدِّي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكًا يبلغني، وكُفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له يوم القيامة شهيدًا أو شفيعًا". لكن محمَّد بن موسى هذا هو محمَّد بن يونس بن موسى الكُدَيْمِيّ متروك الحديث (1). 20 - ومنها: حديث صالح مولى التَّؤْأمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما جَلَس قومٌ مجلسًا فلم يذكروا الله، ولم يصلُّوا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم تِرَة (2) يومَ القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء أخذهم". ورواه الترمذي (3): من حديث عبد الرحمن بن مهدي (4)، عن سفيان الثوري، عن صالح بن أبي صالح، وقال فيه: حديث حسن. ورواه (5): عن (6) يوسف بن يعقوب، حدثنا حفص بن __________ (1) انظر: تهذيب الكمال (27/ 74 - 80). (2) التِّرَةُ: النَّقْصُ، وقيل: التَّبِعة. انظر: النهاية (1/ 189). (3) الترمذي (3380)، وأيضًا أحمد في المسند (2/ 484) واللفظ له. (4) في (ح) (عدي) وهو خطأ. (5) الترمذي (3378) لكن متنه غير الذي ساقه المؤلف هنا رقم (20)، فإن متنه عند الترمذي (ما من قوم يذكرون الله إلا حفَّت بهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده). فقول الترمذي (مثله) أي: هذا الذي ذكرته (ما من قوم. . .). (6) سقط من (ب).
(1/30)
عمر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت الأغر أبا مسلم، قال: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - أنهما شهدا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . فذكر مثله. ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتاب "فضل الصلاة على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -" (1): في حديث محمَّد بن كَثِير، عن سفيان، عن صالح به (2). ورواه أبو داود، والنسائي، وابن حِبَّان في "صحيحه": من رواية سُهَيْل (3)، عن أبيه، عن أبي هريرة (4)، وهو على شرط مسلم. __________ (1) فضل الصلاة لإسماعيل القاضي (54). وأخرجه أيضًا - أحمد في مسنده (2/ 446 و 484)، وابن المبارك في الزهد (962)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 130 - 131) وغيرهم. وسفيان سمع من صالح بعد الاختلاط. لكنه توبع. فرواه ابن أبي ذئب وزياد بن سعد وعمارة بن غزية كلهم عن صالح عن أبي هريرة. فذكره. لكن لفظ ابن أبي ذئب وزياد إلى قوله (عليهم ترة) ولم يذكرا ما بعده. أخرجه أحمد في المسند (2/ 453 و 495)، وابن أبي عاصم في الصلاة (85، 86) وغيرهما. وهذا يدل على اضطراب صالح مولى التوأمة في متنه، فإن اختلاف الثقات عنه يدل على اضطرابه، وهؤلاء الثلاثة مِمَّن سمعوا منه قبل الاختلاط كما سيأتي. (2) من (ش) فقط (به). (3) وقع في (ب) (سهل)، وهو خطأ. (4) أخرجه أبو داوود (4855)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (408)، وابن حبَّان في صحيحه (2/ 590)، وأخرجه أيضًا أحمد في المسند (2/ 527)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 207)، والحاكم في المستدرك (1/ 491) رقم =
(1/31)
ورواه ابن حِبَّان (1) أيضًا: من حديث شُعبة، عن الأعْمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: "ما قعد قومٌ مَقْعدًا لا يَذْكُرون اللهَ فيه، ويُصلُّون على النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهِم حَسْرة يومَ القيامةِ، وإن دَخَلُوا الجنَّة للثَّواب". وهذا الإسناد على شرط الشيخين. 21 - وأخرجه الحاكم في "صحيحه" (2) من رواية ابن أبي __________ = (1808 و 1809) وغيرهم، لكن في لفظة (الصلاة عليه) و (جيفة حمار) اضطراب، وقد وقع فيه اختلاف آخر في السند. فقد خالف سهيلًا سليمانُ الأعمش. فرواه جماعة عن شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري موقوفًا. أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (55) وسيأتي برقم (179). وخالفهم عبد الرحمن بن مهدي ويزيد بن هارون فروياه عن شعبة به مرفوعًا. أخرجه أحمد في المسند (2/ 463)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 934) وغيرهما. ورواه أبو إسحاق الفَزَاري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفًا. أخرجه الحاكم (1/ 492) (1810)، والموقوف أصح والله أعلم. (1) أخرجه ابن حبَّان (2/ 591) من طريق عبد الرحمن بن مَهْدي. (2) (1/ 550) رقم (2017)، وأخرجه أيضًا أحمد في المسند (2/ 432)، وابن المبارك في الزهد (961)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (405، 406) وغيرهم. وقد وقع فيه اختلاف رواه ابن عجلان وعبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المَقْبُري عن أبي هريرة فذكره. أخرجه أبو داوود (4856)، والحاكم (1/ 492) رقم (1811). والصواب الأول. هكذا ذكره الإمام علي بن المديني، ورجحه الدارقطني. =
(1/32)
ذئب، عن سعيد المَقْبُرِي، عن أبي إسحاق مولى (1) عبد الله بن الحارث، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وفيما قاله نَظَر، فإن إبراهيم بن الحسين (2) بن دَيْزِيْل (3) راويْه عن آدم بن أبي إيَاس: ضعيف متكلم (4) فيه، وعِلَّته أن أبا إسحاق الفَزَاري رواه عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة موقوفًا. وصالح مولى التَّوأمة (5): كان شعبة لا يروي عنه وينهى عنه، وقال مالك: ليس بثقة فلا تأخذن عنه شيئًا. وقال يحيى: ليس __________ = انظر: علل علي بن المديني (ص 96)، وعلل الدارقطني (8/ رقم 1473). وعليه فالسند ضعيف، فيه أبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث، مجهول. انظر: تهذيب الكمال (2/ 501 - 502). (1) في جميع النسخ (بن) بدلًا من (مولى) وهو خطأ. انظر: أطراف المسند لابن حجر (7/ 134) والتحفة (10/ 425 - 426) في تصويب (أبي إسحاق). (2) من (ش) ووقع في (ظ، ب، ت، ج، ح) (الحسن) وهو خطأ. (3) في (ح) (بن يزيد) وهو خطأ ظاهر، وصوابه ما أثبته كما في النسخ (ظ، ب، ت، ج، ش). (4) قال الحافظ ابن حجر: (ما علمت أحدًا طَعَنَ فيه حتى وقفْتُ في جلاء الأفهام لابن القيم تلميذ ابن تيمية، وذكر إبراهيم هذا فقال: إنه ضعيف متكلم فيه، وما أظنه إلا التبس عليه بغيره، وإلا فإن إبراهيم المذكور من كبار الحفاظ،. . .). لسان الميزان (1/ 143 - 144) رقم (108). وقال الذهبي: الإمام الحافظ الثقة العابد فذكره. . .). وقال أيضًا: إليه المنتهى في الإتقان. . .). سير أعلام النبلاء (13/ 184 - 191). (5) انظر ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (13/ 100 - 104).
(1/33)
بالقوي في الحديث. وقال مرة: لم يكن ثقة. وقال السَّعْدي: تَغيَّر، وقال النسائي: ضعيف. قلت: للحفاظ في صالح هذا ثلاثة أقوال: ثالثها: أحسنها، وهو أنَّه ثقة في نفسه، ولكن تغير بأخرة، فمن سمع منه قديمًا فسماعه صحيح، ومن سمع منه أخيرًا ففي سماعه شيء، فَمِمَّن سمع منه قديمًا ابن أبي ذئب، وابن جريج، وزياد بن سعد. وأدركه مالك والثوري بعد اختلاطه. وهذا منصوص الإمام أحمد رحمه الله، فإنَّه قال: ما أعلم بأسًا بمن سمع منه قديمًا (1). ثمَّ إن هذا الحديث قد رواه سليمان بن بلال (2)، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، ولكن لم يَذْكر فيه الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتابعه ابن أبي أويس، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن سُهيْل. وقال إسماعيل في كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (3). 22 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا سعيد بن زيد، عن ليث، عن كَعْب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا علي فإن صلاتكم علي (4) زكاة لكم قال: وسَلُوا (5) الله لي __________ (1) راجع الكواكب النيرات لابن الكيال ص 261 - 263. (2) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 491 - 492) رقم (1808 و 1809)، وأخرجه أحمد في المسند (2/ 527)، وأبو نعيم في الحلية (7/ 207). (3) فضل الصلاة لإسماعيل القاضي (46). (4) سقط من (ش). (5) وقع في (ظ، ت، ح) (واسألوا).
(1/34)
الوسيلة"، قال: فإما حدثناه (1) وإما سألناه، قال (2): "الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل، وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل" (3). 23 - حدثنا محمَّد بن أبي بكر، حدثنا معتمر، عن ليث. . فذكره بإسناده ولفظه (4). ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده" (5). 24 - وقال إسماعيل أيضًا (6): حدثنا محمَّد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر (7) بن هارون، عن موسى بن عُبَيْدة، عن محمَّد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا على __________ (1) في (ح) (حدثنا وإما سألنا). (2) وقع في (ش) (فسألوا). (3) وتابع سعيد بن زيد جماعة، منهم: سفيان الثوري، وإبراهيم بن طَهْمان - لكنه قال: نافع بن كعب - ومحمد بن فُضَيْل وشَرِيك القاضي. أخرجه عبد الرزاق (2/ 3120)، وأحمد (2/ 365)، وابن أبي عاصم في الصلاة (41) و (72)، وأبو الشيخ الأصبهاني في الصلاة - كما سوف يذكره المؤلف رقم (452) لكنه قال (نافع بن كعب). وسنده ضعيف، مداره على ليث بن أبي سليم، وقد اضطرب فيه، وكعب هو أبو عامر المديني؛ مجهول. انظر: تهذيب الكمال (24/ 197 - 199). (4) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (47). (5) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 8704) و (6/ 31775). (6) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (45) وسنده ضعيف جدًا، فيه عمر بن هارون متروك، لكنه توبع وسيأتي. (7) في (ح) (عمرو) وهو خطأ.
(1/35)
أنبياء الله، ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني، صلوات الله وسلامه عليهم" (1). قلت: سعيد بن زيد (2) هذا هو أخو حماد بن زيد، ضعفه يحيى بن سعيد جدًا، وقال السَّعْدي: يُضَعِّفون حديثه وليس بحجة. وقال النسائي: ليس بالقوي، وروى له مسلم. وأما الإمام أحمد - رضي الله عنه - فكان حَسَنَ القول فيه، قال: ليس به (3) بأس، وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال البخاري (4): ثقة. وعمر (5) بن هارون (6) وموسى بن عُبَيْدة، ومحمد بن __________ (1) أخرجه عبد الرزاق (2/ 3118)، وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1702)، والبيهقي في الدعوات الكبير (1/ 160) وغيرهم من طريق وكيع والثوري عن موسى بن عبيدة به نحوه. والحديث لا يثبت لتفرد موسى بن عبيدة الرَّبَذِي به، وهو ضعيف، على أقل أحواله. انظر: تهذيب الكمال (29/ 104 - 115). والحديث ضعف سنده المؤلف وابن كثير والسخاوي والألباني. انظر: تفسير ابن كثير (3/ 523)، والقول البديع ص 51، وفضل الصلاة لاسماعيل القاضي ص 46 تحقيق الألباني. (2) انظر ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (10/ 441 - 444). (3) وقع في (ب) (فيه). (4) لم أقف على توثيق البخاري له، والذي ذكره في تاريخه (3/ 472) رقم (1576)، صدوق حافظ. فلينظر. (5) في (ح) (عمرو) وهو خطأ. (6) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (21/ 520 - 531). وقال ابن حجر في =
(1/36)
ثابت (1) وإن لم يكونوا بِحُجَّة، فالحديث له شَوَاهد، ومثله يَصْلُح للاستشهاد. 25 - ومن حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضًا في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رواه الترمذي (2): عن الدَّورَقي، حدثنا رِبْعِيُّ بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَغِمَ أنفُ رجلٍ ذُكرْتُ عنده فلمْ يُصلِّ عليَّ، ورَغِم أنفُ رجلٍ دخل عليه رمضان ثمَّ انْسلَخ قبل أن يُغْفرَ له، ورغِم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكِبَر فلم يُدْخِلاه الجَنَّة". قال الترمذي: "وفي الباب عن جابر (3)، وأنس (4). وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ورِبْعِيُّ بن إبراهيم (5): هو أخو __________ = التقريب (4979): "متروك، وكان حافظًا". (1) وهو مجهول. انظر ترجمته في تهذيب الكمال (24/ 557 - 558). (2) أخرجه الترمذي (3545) وعنه القاضي عياض في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم - ص 52، وأخرجه أيضًا، أحمد في المسند (2/ 254)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (16، 17)، والحربي في غريب الحديث (3/ 1076) وغيرهم، وظاهر سنده حسن، والحديث تفرَّدَ به عبد الرحمن عن أصحاب المقبري، ولا أدري أحفظه أم لا؟. والحديث صححه ابن حبَّان في صحيحه (3/ 908) وقال ابن حجر (حسن صحيح). انظر: الفتوحات الربانية (3/ 319). (3) عند البخاري في الأدب المفرد (644) وغيره. وفي ثبوته نظر. (4) عند إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (15) وغيره. وفي ثبوته نظر. (5) انظر: تهذيب الكمال (9/ 52).
(1/37)
إسماعيل بن إبراهيم، وهو ثقة، وهو ابن عُلَيَّة. ويروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلَّى الرجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مَرَّة في مجلسٍ أجزأ عنه ما كان في ذلك المَجلس". ورواه الحاكم في "المستدرك" (1). وعبد الرحمن بن (2) إسحاق احتج به مسلم، وقال فيه أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وتكلم فيه بعضهم، وقال فيه أبو داود: ثقة إلا أنه قَدَرِيّ. 26 - ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي (3): حدثنا أبو ثابت، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح (4)، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقى المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين"، فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا!! فقال: "قال لي جبريل: رَغِمَ أنفُ رجلٍ دَخل عليه رَمضَان ولم يُغفر له، فقلت: آمين. ثم قال: رَغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك أبَويه، أو أحدهما الكِبَر (5) لم يدخل الجَنَّة، فقلت: آمين. ثم قال: رَغِم أنفُ __________ (1) انظر: المستدرك (1/ 549) رقم (2016) وسكت عليه. (2) انظر ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (16/ 519 - 525). (3) في فضل الصلاة له رقم (18). (4) وقع في (ب) (رياح) وهو خطأ. (5) من (ح).
(1/38)
عبدٍ ذُكِرْتُ عنده فلم يُصلِّ عليك، فقلت: آمين" (1). كثير بن زيد (2) وثقه ابن حبان، وقال أبو زرعة: صدوق، وقد تكلم فيه. 27 - ورواه ابن حبان في "صحيحه" (3)، من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فذكره وقال فيه: "من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين". ومحمد بن عمرو هذا (4) أخرج له البخاري ومسلم في المتابعات، ووثقه ابن معين، ويصحح له الترمذي. و"رَغِم": بكسر الغين المعجمة، أي: لصق بالتراب، وهو __________ (1) والحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد (646)، وابن خزيمة في صحيحه (3/ 1888)، وابن أبي عاصم في الصلاة رقم (66)، والبزار في مسنده (4/ 3169 - كشف الأستار). والحديث فيه كثير بن زيد، وهو مختلف فيه، وله طرق عن أبي هريرة. والحديث صححه ابن خزيمة، وقال ابن حجر: وفي سنده راو مختلف فيه، إلا أنه اعتضد. انظر: الفتوحات الربانية (3/ 319). (2) انظر كلام العلماء فيه في تهذيب الكمال (24/ 113 - 116). (3) أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 907)، وأبو يعلى في مسنده (10/ 5922) وظاهر سنده حسن. وجملة (فدخل النار) فيها غرابة. والله أعلم. (4) انظر ترجمته وأقوال العلماء فيه تهذيب الكمال (26/ 212 - 218).
(1/39)
الرّغَام (1). وقال ابن الأعرابي (2): هو بفتح الغين، ومعناه (3): ذلَّ. 28 - ومن حديثه أيضًا ما رواه مسلم في "صحيحه" (4): من حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: "مَنْ صَلَّى عليَّ واحدةً صَلّى اللهُ عليه عَشْرًا". ورواه أبو داود (5) والترمذي (6) والنسائي (7) وابن حبان "في صحيحه" (8)، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وفي بعض ألفاظه: "من صلى علي مرة واحدة كتب له بها عشر حسنات" ذكرها ابن حبان (9). __________ (1) انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (4/ 326)، ولأبي إسحاق الحربي (3/ 1077). (2) هو محمد بن زياد أبو عبد الله- كان نحويًا عالمًا باللغة والشعر، له النوادر ونسب الخيل توفي سنة 233 هـ. انظر: بغية الوعاة للسيوطي (1/ 105). (3) انظره فى لسان العرب (12/ 246). (4) في (4) الصلاة رقم (408). (5) أبو داود في السنن (1530). (6) الترمذي (485). (7) النسائي (1296). (8) (3/ 906). (9) (3/ رقم 905) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق المدني -وهو صدوق يخطئ- عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة فذكره. وخالفه جماعة فرووه باللفظ الذي أخرجه مسلم (منهم إسماعيل بن جعفر المدني=
(1/40)
29 - ومن حديث أبي هريرة ما روى ابن خزيمة في "صحيحه" (1): حدثنا محمد بن بشَّار، حدثنا أبو بكر الحَنَفي، حدثنا الضَّحَّاك بن عثمان، حدثنا سعيد المَقْبُرِي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، فإذا خرج فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليقل: اللهم أجرني من الشيطان". ورواه ابن حِبَّان في "صحيحه" (2) عن عبد الله بن محمد، عن __________ = وزهير ومحمد بن جعفر المدني وعبد العزيز بن أبي حازم وسليمان بن بلال كلهم عن العلاء به. ولفظ الجماعة أصح. تنبيه: روى ابن أبي عدي عن شعبة عن العلاء به بمثل لفظ عبد الرحمن بن إسحاق عند ابن عدي (5/ 218) فإن كانت هذه الرواية محفوظة عن شعبة، فالاضطراب من العلاء بن عبد الرحمن، ورواية المدنيين عنه أصح. والله أعلم. (1) (1/ 452). (2) (5/ 2047 و 2050)، وأخرجه أيضًا - البخاري في تاريخه (1/ 159)، وابن ماجه (773)، والحاكم (1/ 207) (747) وغيرهم. والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. قلت: وفي الحديث علة خفية - قال الحافظ ابن حجر (وخفيت هذه العلة على من صحح الحديث من طريق الضحاك). نتائج الافكار (1/ 280). خالف الضحاكَ ابنُ أبي ذئب ومحمدُ بن عجلان وأبو معشر. فرووه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن كعب الأحبار فذكره من قوله وزاد (ابن أبي ذئب) في السند فقال: عن سعيد المقبري (عن أبيه ... ). أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (92) (91) وعبد الرزاق (1/ 427 - =
(1/41)
إسحاق بن إبراهيم، عن أبي بكر الحنفي به. 30 - ومنها ما رواه الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن فِيْل (1)، صاحب الجُزْء المعْروف: عن مسلم بن عمرو، حدثنا عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا تجعلوا بُيوتكم قُبُورًا، ولا تجعلُوا قَبْري عِيْدًا، وصَلُّوا عليَّ، فإنَّ صلاتكم تَبلُغُني حيثما كُنْتُم". 31 - ومن حديثه أيضًا ما رواه مسلم بن إبراهيم: حدثنا عبد السلام بن عجلان، حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم، فإذا صلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلوا معهم حتى __________ = 428) رقم (1670 و 1671) وغيرهم. ورجح هذه الرواية النسائي، وهو الصواب. وقال الحافظ ابن حجر: "وفي الجملة هو حسن لشواهده". انظر نتائج الأفكار (1/ 280). (1) أخرجه ابن فيل في جزئه كما في القول البديع ص 149، وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده (2/ 367)، وأبو داوود (2042). والحديث سنده حسن، وله شواهد. والحديث صححه النووي، وحسنه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن حجر وغيرهم. انظر: الأذكار للنووي رقم (346)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 170)، والفتوحات الربانية (3/ 313)، والصارم المنكي ص 260.
(1/42)
يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى لهؤلاء يرجِعون مغفورًا لهم" رواه أبو سعيد القاص (1) في "فوائده" (2). 32 - ومن حديثه أيضًا ما رواه الإمام أحمد، وأبو داود، قال أحمد (3): حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، حدثنا أبو صخر، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط أخبره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِنْ أحَدٍ يُسلم عليَّ إلا ردَّ اللهُ إليَّ (4) __________ (1) في (ش) والقول البديع ص 234 (القاضي)، وفي (ج) (العاصي). (2) أخرجه أبو سعيد القاص في فوائده كما في القول البديع ص 234، والأصبهاني في الترغيب (2/ 319) (1672)، وابن النجَّار في الذيل كما في كنز العمَّال (1/ 434) (1876).* والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى (1/ 168). وفيه عبد الله بن محمد بن سنان الروحي الواسطي: كذاب * واتهمه ابن عدي بسرقة الحديث، وقال ابن حبان: "يضع الحديث، ويقلبه ويسرقه". انظر: تاريخ بغداد (10/ 87 - 88)، والمجروحين لابن حبان (2/ 45)، وميزان الاعتدال (4/ 181 - 182). والكامل لابن عدي (4/ 261). وأيضًا فإن المتن المحفوظ عن أبي هريرة بغير هذا اللفظ - في الصحيحين وغيرهما هكذا رواه عن أبي هريرة أبو صالح وأبو رافع وهمّام والأعرج وموسى بن يسار وغيرهم والله أعلم. (3) أخرجه أحمد في مسنده (2/ 527)، وأبو داوود (2041)، والبيهقي في الكبرى (5/ 245) وغيرهم. والحديث صححه النووي وابن تيمية وقواه ابن علان وغيرهم، وقال الحافظ ابن حجر: حديث غريب ... وانفراده بهذا عن أبي هريرة يمنع الجزم بصحته. ا. هـ. انظر: الأذكار للنووي رقم (347)، واقتضاء الصراط المستقيم (2/ 663)، والفتوحات الربانية (3/ 316). (4) في (ظ، ج) (عليَّ)، والمثبت من باقي النسخ والمسند.
(1/43)
رُوْحِي حتى أردَّ إليه (1) السلام". أبو صخر: اسمه حُمَيد (2) بن زياد، ورواه أبو داود، عن محمد بن عوف، عن عبد الله بن يزيد المقرئ. وقد صُحِّحَ (3) إسناد هذا الحديث. وسألت شيخنا (4) عن سماع يزيد بن عبد الله من أبي هريرة فقال: ما كأنَّه (5) أدركه وهو ضعيف. ففي سماعه منه نظر (6). 33 - وقال أبو الشيخ في كتاب "الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- " (7): __________ (1) كذا في جميع النسخ، وفي المسند (عَليْه). (2) المدني، صاحب العباد، سكن مصر، ضعفه النسائي، وابن معين في رواية عنه، وقال أحمد وابن معين في رواية: ليس به بأس، وقال ابن حجر: صدوق يهم. انظر: تهذيب الكمال (7/ 368)، والتقريب (1546). (3) في (ح) (صَحَّ). (4) هو المزِّي، وذكر السخاوي في القول البديع ص 151 أنه ابن تيمية. (5) في (ش) (ما كان). (6) قلت: إنْ صَحَّ ما قاله أبو حسَّان الزّيادي: إنه بلغ تسعين سنة. فهذا يعني أنه أدرك أبا هريرة إدراكًا بيِّنًا، فسماعه ممكن فإنه كان فقيهًا مدنيًا، وقد توفى سنة 122 هـ. وقد أثبت البخاري سماعه من أبي هريرة وابن عمر وغيرهما. انظر: تهذيب الكمال (32/ 180)، والتاريخ الكبير (8/ 344). (7) أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في الثواب كما في اللآليء المصنوعة (1/ 283). وهذا الحديث موضوع، لأنه معروف من رواية محمد بن مروان. فلعل الخطأ من عبد الرحمن بن أحمد الأعرج فإنه غير معروف. قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 283 وقد روى بعضهم هذا الحديث من رواية أبي=
(1/44)
حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأعرج، حدثنا الحسن (1) بن الصباح، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي من بعيد أعلمته". وهذا الحديث غريب جدًا. 34 - ومن حديثه أيضًا ما رواه أبو نعيم (2)، عن الطبراني: حدثنا عبيد الله (3) بن محمد العمري، حدثنا أبو مصعب، حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "ما من مسلم سلم (4) علي في شرق ولا (5) غرب إلا وأنا وملائكة ربي نرد عليه السلام، فقال (6) له قائل: يا رسول الله! ما بال أهل المدينة؟ قال: وما يقال لكريم في جيرته وجيرانه، إنه مما أمر به من حفظ الجوار وحفظ الجيران". __________ = معاوية عن الأعمش، وهو خطأ فاحش، وإنما هو: محمد بن مروان، تفرد به، وهو متروك الحديث، متهم بالكذب" ا. هـ. الضعفاء الكبير للعقيلي (4/ 137). (1) في جميع النسخ (الحسين)، وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (6/ 192). (2) أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 349). فيه عبد الله العمري: اتهمه النسائى بالكذب. انظر: الصارم المنكي ص 264، والميزان (5/ 20). (3) في (ظ، ج، ت) (عبد الله). (4) في (ح) (يُسلم). (5) في (ح) (ولا في غرب). (6) وقع في (ب، ح) (قال قائل).
(1/45)
قال محمد بن عثمان الحافظ (1): "هذا وضعه العمري". وهو كما قال، فإن هذا الإسناد لا يحتمل هذا الحديث. 35 - (أما حديث بريدة بن الحصيب)، فرواه الحسن بن شاذان، عن عبد الله بن عبد الله (2) بن إسحاق الخراساني: حدثنا الحسن بن مكرم، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي داود، عن بريدة قال: قلنا: يا رسول الله قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم اجعل صلواتك، ورحمتك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد" (3). وأبو داود: هو نفيع بن الحارث الأعمى، وإن كان متروكًا مطرح الحديث، فالعمدة على ما تقدم ولا يضر إخراج حديثه في الشواهد دون الأصول. 36 - (وأما حديث سهل بن سعد الساعدي)، فرواه __________ (1) هو الحافظ الذهبي/ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، المحدث الحافظ المؤرخ، صاحب تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء والميزان وغيرِها توفى سنة 748 هـ. انظر شذرات الذهب (6/ 157 - 158). (2) من (ش، ب، ح) وسقط من (ظ، ج، ت). (3) أخرجه أحمد في مسنده (5/ 353)، وابن أبي عاصم في الصلاة (20)، والطبري في التهذيب (350 و 351 - القسم المفقود) وغيرهم. والحديث مداره على نفيع بن الحارث الأعمى وهو متروك، وكذبه ابن معين. انظر: التقريب (7181).
(1/46)
الطبراني في "المعجم" (1): عن عبد الرحمن بن معاوية العتبي، حدثنا عبيد الله (2) بن محمد بن المنكدر، حدثنا ابن أبي فديك، عن أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جدِّه سهل بن سعد؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار". ورواه ابن ماجة أيضًا (3): من حديث عبد المُهيْمِن بن عبَّاس أخي أُبَيّ بن عباس. فأمَّا أُبَيّ بن عبّاس (4) فقد احتج به البخاري في "صحيحه"، وضعفه أحمد ويحيى بن معين وغيرهما (5). وأما أخوه عبد المهيمن (6): فمتفق على تركه واطراح حديثه، __________ (1) أخرجه الطبراني في الكبير (6/ 5699)، وفي الدعاء (1/ 382). ومن طريقه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 234) وقال: "هذا حديث غريب". * وفيه عبد الرحمن العتبي: لا يرف فيه جرح ولا تعديل: انظر الإكمال لابن ماكولا (6/ 368) والأنساب للسمعاني (4/ 149) وغيرهما* (2) من (ظ، ت، ج، ب)، ووقع في (ش) (عبد الله). (3) أخرجه ابن ماجه (400)، وابن أبي عاصم في الصلاة (80) والدارقطني (1/ 355) وغيرهم. (4) سقط من (ب). (فأما أبيّ بن عباس). (5) انظر: تهذيب الكمال (2/ 259 - 562). (6) انظر: تهذيب الكمال (18/ 440 - 442).
(1/47)
فإن كان عبد المهيمن قد سرقه من أخيه فلا يضر الحديث شيء (1) ولا ينزل عن درجة الحديث الحسن، وإن كان ابن أبي فديك أو من دونه غلط من عبد المهيمن إلى أخيه أُبي -وهو الأشبه والله أعلم، لأن الحديثَ معروفٌ بعبد المهيمن- فتلك عِلّة قَويّة فيه (2). 37 - وله حديث آخر رواه عبد الله بن محمد البغوي (3): حدثنا محمد بن حبيب، حدثنا ابن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا أنا بأبي طلحة، فقام إليه فتلقاه، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! إني لأرى السرور في وجهك، قال: "أجل، إنه أتاني جبريل آنفًا فقال: يا محمد من __________ (1) في (ظ) (حديثه شيئًا). (2) وإليه جنح ابن عبد الهادي كما في تنقيح التحقيق (1/ 415). (3) أخرجه العشاري في جزئه -عن البغوي- (2)، والدارقطني في الأفراد- كما في أطراف الغرائب والأفراد (3/ رقم 2138) والقول البديع ص 107 - وقال: تفرد به محمد بن حبيب الجارودي عن ابن أبي حازم عن أبيه. قال السخاوي- قلت: كلهم ثقات، لكن غلط محمد بن حبيب فيه فقلبه وإنما هو من رواية عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أخرجه إسماعيل القاضي (8)، وابن أبي عاصم في الصلاة، (53) بالمتن رقم (28) دون القصة، ورواه ابن أبي عاصم أيضًا (54) من طريق زهير عن العلاء به مختصرًا ... فعلى هذا لم يصب من حكم بصحته، لكن جزم شيخنا (أي ابن حجر) بأن الحديث حسن ا. هـ. قلت: وعليه فالحديث خطأ من مسند سهل بن سعد، صوابه من مسند أبي هريرة، لكن بغير هذا المتن، وإنما بالمتن المتقدم رقم 28 وهذا يدل على خطأ محمد بن حبيب سندًا ومتنًا. والله أعلم.
(1/48)
صلى عليك مرة -أو قال واحدةً- كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه بها (1) عشر سيئات، ورفع له بها عشر درجات". قال ابن حبيب: ولا أعلمه إلا قال: "وصلت عليه الملائكة عشر مراتٍ". وهذا الحديث بمسند سهل أولى منه بمسند أبي طلحة. 38 - (وأما حديث ابن مسعود)، فرواه الحاكم في "المستدرك" (2): من حديث الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن يحيى بن السَّبَّاق، عن رجلٍ من آل الحارث، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمدٍ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد" رواه البيهقي في "السنن" (3) هكذا. وفي تصحيح الحاكم لهذا نظر ظاهر، فإن يحيى بن السباق وشيخه غير معروفين بعدالة ولا جرح، وقد ذكر أبو حاتم بن حبان يحيى بن السباق في كتاب "الثقات" (4). __________ (1) سقط من (ح). (2) (1/ 269) رقم (991) وقال: وقد أسند هذا الحديث عن عبد الله بن مسعود بإسناد صحيح. (3) (1) (2/ 379) والحديث منكر، ضعفه شيخ الإسلام انظر الفتاوى (22/ 456). (4) (7/ 603).
(1/49)
39 - وقد رواه الدارقطني (1) من حديث عبد الوهاب بن مجاهد: حدثني مجاهد، حدثني ابن أبي ليلى، أو أبو معمر، قال: علمني ابن مسعود التشهد، وقال: علمنيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما كان (2) يعلمنا السورة من القرآن: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل (3) بيت محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل علينا معهم، اللهم بارك على محمدٍ وعلى أهل بيته كما باركت على آل (4) إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علينا معهم، صلوات الله وصلوات المؤمنين على محمد النبي الأمي، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته". قال: وكان مجاهد يقول: إذا سَلَّم فَبَلَغَ: وعلى عباد الله الصالحين، فقد سَلَّم على أهل السماء وأهل (5) الأرض. وعلة هذا الحديث: أنه من رواية عبد الوهاب بن مجاهد (6)، __________ (1) انظر: السنن للدارقطني (1/ 354) وقال: ابن مجاهد ضعيف الحديث. (2) في (ب) (كما يعلمنا). (3) في (ح) (وعلى أهل بيت). (4) سقط من (ش). (5) من (ب، ش) والسنن كلمة (أهل). (6) انظر: تهذيب الكمال (18/ 516).
(1/50)
وقد ضعفه يحيى بن معين، والدارقطني، وغيرهما، وقال فيه الحاكم: يروي عن أبيه أحاديث موضوعة. وله علة أخرى: وهي أن ابن مسعود المحفوظ عنه في التشهد إلى: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". ثم روي عنه موقوفًا ومرفوعًا "فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" والموقوف أشبه وأصح (1). 40 - ومن حديث ابن مسعود أيضًا ما رواه محمد بن حمدان المروزي (2): حدثنا عبد الله بن خبيق، حدثنا يوسف بن أسباط، عن __________ (1) رجح ذلك الدارقطني في العلل (5/ 766)، والخطيب في الفصل للوصل المدرج (1/ 102 - 115) وغيرهما. وسيأتي كلام الدارقطني والخطيب عند المؤلف ص 395 - 397. (2) أخرجه محمد بن حمدان المروزي (كما في القول البديع ص 145)، وقال السخاوي: وفي سنده من لم يُسَمْ. قلت: ورَفْعُ الحديث خطأ، والصواب موقوف على ابن مسعود، بخلاف هذا المتن. أخطأ فيه يوسف بن أسباط سندًا ومتنًا. خالفه عبد الرحمن بن مهدي ووكيعِ وأبو نعيم كلهم عن سفيان عن عاصم عن ابن مسعود قال: (مَنْ لمْ يُصَلِّ فلا دِيْنَ لَه). وهو في الصلاة المفروضة لا الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- . أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (1/ 772)، والطبراني (9/ 8941). وهكذا رواه شيبان وشريك عن عاصم به مثله. أخرجه ابن أبي شيبة في=
(1/51)
سفيان الثوري، عن رجل، عن زِرّ، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من لم يصل عليَّ فلا دين له". 41 - وروى الترمذي في "جامعه" (1): من حديث موسى بن يعقوب الزَّمْعي (2)، عن عبد الله بن كيسان، عن عبد الله بن شداد، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاةً -صلى الله عليه وسلم-". قال الترمذي: حديث حسن غريب. __________ = الإيمان رقم (47)، والطبراني (9/ 8942). (1) رقم (484)، والبخاري في تاريخه (5/ 177)، وابن أبي عاصم في الصلاة (25) وغيرهم. وقد وقع اختلاف عن موسى بن يعقوب الزمعي- وسوف يذكره المصنف. وذكره الدارقطني في علله (5/ 111 - 113) وقال: (والاضطراب فيه من موسى بن يعقوب، ولا يحتجُّ به). قلت: وموسى بن يعقوب هو القرشي الأسدي، أبو محمد المدني، أكثر النُّقاد على تضعيفه، ووثقه بعضهم، واستنكر ابن عدي حديثه هذا، وقال ابن حجر: صدوق سيء الحفظ. انظر: الكامل لابن عدي (6/ 342)، وتهذيب الكمال (29/ 172 - 173)، والتقريب رقم (7026). وفيه أيضًا: عبد الله بن كيسان، فيه جهالة، قال ابن القطان: "لا تعرف حاله ... ". انظر: تهذيب الكمال (15/ 482) وبيان الوهم والإيهام (3/ 613) فالحديث ضعيف الإسناد. (2) من (ح). وفي باقي النسخ (الربعي) وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (29/ 171).
(1/52)
ورواه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" (1): من حديث خالد بن مخلد، عن موسى بن يعقوب، وقال فيه: عن عبد الله بن شداد، عن أبيه، عن ابن مسعود. وهو في "مسند البزار" (2): والترمذي (3) عنده عن ابن شداد، عن ابن مسعود. وعند أبي حاتم (4): عن ابن شداد، عن (5) أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (6). وكذلك رواه البغوي (7): عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا موسى .. فذكره. وقال: عن ابن شداد، عن أبيه، عن ابن مسعود. 42 - وقد روى ابن ماجه في "سننه" (8): من حديث المسعودي، __________ (1) (3/ 191) رقم (911). (2) انظر: البحر الزخار (5/ 190) رقم (1789). (3) رقم (484). (4) (3/ 192) (911). (5) وقع في (ح، ب) (أو عن)، والصواب حذف (أو) كما عند أبي حاتم بن حبان وغيره. (6) سقط من (ش)، من قوله (وعند أبي حاتم ... ) إلى (رضي الله عنه). (7) هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز. وقد أخرج روايته المزي في تهذيب الكمال (15/ 482). (8) رقم (906)، وإسماعيل بن إسحاق في فضل الصلاة (6)، والطبري في=
(1/53)
عن عون بن عبد الله، عن أبي (1) فاختة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا صليتم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه. قال: فقالوا له: فعلمنا، قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتمن النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام الخير وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد. __________ = التهذيب (353 - القسم المفقود)، والطبراني (9/ 8594) وغيرهم. وقد وقع في هذا الحديث اختلاف، ذكره الدارقطني (5/ 15 - 16) رقم (682) وقال: وقول المسعودي أصح ا. هـ. والحديث ظاهر إسناده حسن، لكن فيه نكارة ظاهرة جدًا في أوله وهي: (اللهم اجعل صلواتك ... والآخرون). فقد خالف سعيدَ بن علاقة أبا فاختة أبو إسحاق السبيعي فذكره عن الأسود عن عبد الله بدون الزيادة في أوله .. أخرجه الترمذي (289)، والنسائي (162). وكذا رواه جماعة عن ابن مسعود فلم يذكروا هذه الزيادة في أوله. انظر: المسند الجامع (11/ 9033 - 9036) وبيان الأوهام (ص 48 - 50). (1) من (ب) وفي باقي النسخ (ظ، ت، ش، ح) (ابن) وهو خطأ، انظر: تهذيب الكمال (11/ 28).
(1/54)
43 - ومن حديثه أيضًا ما رواه النسائي (1): من حديث سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ لله مَلائِكةً سيَّاحِين يُبلِّغوني عن أمَّتِي السَّلام". وهذا إسناد صحيح. ورواه أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" (2) عن أبي يعلى، عن أبي خيثمة، عن وكيع، عن سفيان، به (3). 44 - (وأما حديت فَضَالة بن عُبَيْد)، فقال الإمام أحمد (4): حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، قال: حدثنا حيوة بن شريح، قال: أخبرني أبو هانيء (5) حميد بن هانئ، أن أبا علي عمرو بن مالك __________ (1) برقم (1282)، وأحمد (1/ 387)، وإسماعيل القاضي (21)، والبزار في مسنده (5/ 307) رقم (1924)، والحاكم (2/ 421) رقم (3576) وغيرهم. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وهذا الحديث تفرد به زاذان عن ابن مسعود كما أشار إليه البزار، وهو ثقة؛ له أخطاء. والحديث صححه ابن حبان والحاكم والمصنف وغيرهم. وسيأتي الحديث رقم (119). (2) (3/ 195) رقم (914). (3) سقط من (ش) من قوله (وهذا إسناد صحيح) إلى (عن سفيان به). (4) أخرجه أحمد في المسند (6/ 18)، وإسماعيل القاضي (106)، والحاكم (1/ 230) رقم (840) وغيرهم. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". وسنده صحيح. والحديث صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم. (5) في (ظ، ت، ج، ش، ب) (هانيء بن حميد بن هانيء) وهو خطأ، انظر: =
(1/55)
الجنبي حدثه، أنه سمع فضالة بن عبيد صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يدعُو في صلاته (1) لم يمجِّد (2) الله ولم يصلِّ على النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : "عَجِلَ هذا" ثم دعاه، فقال (3) له أو لغيره: "إذا صلَّى أحَدُكم فَلْيبْدأ بتحميد (4) ربه والثَّناء عليه، نُمَّ يُصلَّي على النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- ، ثم يدعو بعْدُ بِما شَاء". رواه الإمام أحمد، وأبو داود (5) -وهذا لفظه- والنسائي (6)، والترمذي (7)، وقال الترمذي: "حديث صحيح". فرواه الترمذي (8): عن محمود بن غيلان عن المقرئ. والنسائي (9): عن محمد بن سلمة، عن ابن وهب، عن حيوة. وابن خزيمة في "صحيحه" (10): عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، عن عَمِّه، عن أبي هانئ. قال أبو عبد الله المقدسي: وأظن سقط من روايته حيوة. وعن بكر بن إدريس بن الحجاج بن هارون المصري، __________ = تهذيب الكمال (7/ 401). (1) سقط من (ظ، ت) (في صلاته)، والمثبت من باقي النسخ. (2) وقع في (ب، ح) (يَحْمد). (3) وقع في (ش، ب) (ثم قال). (4) في سنن أبي داوود و (ج) (بتمجيد). (5) برقم (1481). (6) برقم (1284). (7) برقم (3477). (8) برقم (3477). (9) برقم (1284). (10) برقم (709).
(1/56)
عن أبي عبد الرحمن. ورواه (1) ابن حبان في "صحيحه" (2): عن محمد بن إسحاق السراج. 45 - (وأما حديث أبي طلحة الأنصاري)، فقال الإمام أحمد في "المسند" (3): حدثنا سريج، حدثنا أبو معشر، عن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبي طلحة الأنصاري، قال: أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا طيب النفس، يرى في وجهه البشر. قالوا: يا رسول الله! أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر، قال: "أجل أتاني آتٍ من ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له (4) بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجات ورد عليه مثلها". 46 - حدثنا (5) أبو كامل، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن سليمان مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء ذات يومٍ والسرور يرى في وجهه، فقالوا: يا رسول الله! إنا لنرى السرور في وجهك؟ __________ (1) في (ظ، ت، ب) (وروى). (2) (5/ 290) رقم (1960). (3) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 29) وسنده ضعيف، لضعف أبي معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وهو لم يدرك إسحاق بن كعب لأن إسحاقًا قتل سنة 63 هـ يوم الحرة، وتوفي أبو معشر سنة 170 هـ، وإسحاق أيضًا فيه جهالة كما تقدم. وانظر: التقريب (7100). (4) سقط من (ظ). (5) أخرجه أحمد في المسند (4/ 30).
(1/57)
فقال: "إنه أتاني الملك فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرًا، ولا يسلم عليك أحدٌ من أمتك إلا سلمت عليه عشرًا، قال: بلى". ورواه النسائي (1): من حديث ابن المبارك وعفان، عن حماد. ورواه ابن حبان في "صحيحه" (2) أيضًا: من حديث حماد، أيضًا (3). 47 - (وأما حديث أنس بن مالك)، فقال النسائي (4): أخبرنا محمد بن المثنى، عن أبي داود، حدثنا أبو سلمة -وهو المغيرة بن __________ (1) أخرجه النسائي في المجتبى (1283)، وفي الكبرى (1/ 1218)، والحاكم (2/ 420) رقم (3575) وغيرهم. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". (2) أخرجه ابن حبان في صحيحه (3/ 196) رقم (915)، وإسماعيل القاضي وغيرهما. وفي سنده جهالة سليمان مولى الحسن بن على. انظر: تهذيب الكمال (12/ 112 - 113)، والقول البديع (ص 105). والحديث صححه ابن حبان والحاكم. (3) إضافة من (ش، ت، ظ، ج). (4) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (61)، وأبو يعلى الموصلى فى معجمه رقم (240). والحديث رجاله ثقات، صححه المصنف برقم (409)، والزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (3/ 123). قلت: وفيه انقطاع، قال أبو حاتم: الرازي: "لا يصح لأبي إسحاق عن أنس رؤية ولا سماع". انظر: المراسيل لابنه رقم (528).
(1/58)
مسلم الخراساني- عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ذكرت عنده فليصل علي، ومن صلى علي مرةً صلى الله عليه عشرًا". 48 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم (1)، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، حدثني بُرَيْد (2) بن أبي مريم، عن أنس؛ أنه سمعه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ صلَّى عليَّ صلاة واحدةً صلَّى اللهُ عليه عشْر صلوات، وحطَّ عنه بها عشْر سَيِّئات، ورَفعَه بها عَشْر دَرَجَات". ورواه الإمام أحمد في "المسند" (3): عن أبي نعيم، عن يونس، ورواه ابن حبان في "صحيحه" (4): عن محمد (5) بن الحسن بن الخليل، عن أبي كريب، عن محمد بن بشر العبدي، عن يونس (6). وعلته ما أشار إليه النسائي في كتابه الكبير (7)؛ 49 - أن مخلد بن يزيد رواه عن يونس بن أبي إسحاق، عن __________ (1) أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (62). (2) في (ظ، ح) (يزيد) في جميع المواضع، وهو خطأ. (3) (3/ 261). (4) (3/ 185 - 186) رقم (904). (5) من (ب، ت، ظ). (6) سقط من (ش). من قوله (ورواه الإمام أحمد في المسند) إلى ( .. العبدي، عن يونس). (7) انظر: السنن الكبرى له (6/ 21 - 22) من رقم (9889 - 9893).
(1/59)
بريد بن أبي مريم، عن الحسن، عن أنس. وهذه العلة لا تقدح فيه (1) شيئًا؛ لأن الحسن لا شك في سماعه من أنس، وقد صح سماع (2) بريد بن أبي مريم من أنس أيضًا هذا الحديث، فرواه ابن حبان في "صحيحه" (3)، والحاكم في "المستدرك" (4) من حديث يونس بن أبي إسحاق، عن بُرَيد بن أبي مريم، قال: سمعت أنس بن مالك .. فذكره. ولعل بُرَيدًا سمعه من الحسن، ثم سمعه من أنس، فحدث به على الوجهين، فإنه قال: كنت أزامل الحسن في محمل (5) فقال: حدثنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. فذكره، ثم إنه حدثه به أنس، فرواه عنه كما تقدم. لكن يبقى أن يقال: يحتمل أن يكون هذا هو حديث أبي طلحة بعينه أرسله أنس عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ويدل عليه: 50 - ما رواه إسماعيل بن إسحاق القاضي (6): حدثنا __________ (1) سقط من (ش) (فيه)، انظر المرسل الخفي (2/ 772 - 776). (2) في (ظ) (يزيد) بدلًا من (سماع) وهو وهم. (3) لم أقف عليه في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لابن بلبان. (4) أخرجه الحاكم (1/ 550) رقم (2018) وقال: "هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه". والضياء في المختاره (4/ 1566) قال الحافظ ضياء الدين المقدسي: "ورواية من رواه عن بريد عن أنس أولى، لأنه ذكر السماع منه والله أعلم". والحديث صححه ابن حبان والحاكم والضياء المقدسي. (5) في (ح) (محمد) وهو خطأ. (6) انظر: فضل الصلاة له رقم (1)، وابن أبي عاصم في الصلاة (49)، =
(1/60)
إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن عبيد الله (1) بن عمرو، عن ثابت البناني، قال: قال أنس بن مالك: قال أبو طلحة رضي الله عنه: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج عليهم يومًا يعرفون البشر في وجهه، فقالوا: إنا نعرف الآن البشر في وجهك .. فذكر حديث أبي طلحة المتقدم. والله أعلم. 51 - وروى العشاري (2): من حديث الحكم بن عطية، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "من صلى علي في يوم ألف مرةٍ لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة" (3). قال الحافظ أبو عبد الله المقدسي في كتاب "الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ": لا أعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية. قال الدارقطني: "حدَّث عن ثابت أحاديث لا يتابع عليها". وقال الإمام أحمد: "لا بأس به إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة"، وقال: __________ = والطبراني في الكبير (5/ 4717) وغيرهم. وقد أخطأ ابن أبي أويس ومن تابعه، والصواب ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن سليمان مولى الحسن عن ابن أبي طلحة عن أبيه كما تقدم رقم (46) ص 57 - 58، نَصَّ على ذلك الدارقطني في علله (6/ 9 - 10) رقم (943). (1) من (ش، ت، ب) ووقع في (ظ) (عبد الله) وهو خطأ. (2) من (ظ، ت، ج) ووقع في (ش، ب) (ابن الغازي). (3) أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال رقم (19) وغيره. وهو حديث منكر، قال السخاوي: وبالجملة فهو حديث منكر، كما قاله شيخنا ا. هـ. القول البديع ص 121.
(1/61)
وروي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة (1). 52 - وقال جعفر الفريابي (2): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنسًا يقول: ارتقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر فرقى درجة فقال: "آمين"، ثم ارتقى درجة فقال: "آمين"، ثم ارتقى الثالثة فقال: "آمين"، ثم استوى فجلس، فقال أصحابه: أي نبي الله علام أمنت؟ فقال: "أتاني جبريل فقال: رغم أنف امرئٍ أدرك أبويه الكبر (3) أو أحدهما لم يدخل الجنة، فقلت: آمين، ورغم أنف امرئٍ أدرك رمضان فلم يغفر له قلت (4): آمين، قال: ورغم أنف امرئٍ ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين". 53 - ورواه أبو بكر الشافعي (5) عن معاذ بن معاذ، حدثنا القعنبي، حدثنا سلمة بن وردان .. فذكره. وسلمة هذا ليِّن الحديث، قد تكلم فيه، وليس ممن يطرح حديثه، ولاسيما حديث له شواهد، وهو معروف من حديث غيره. __________ (1) انظر هذه الأقوال في تهذيب الكمال (7/ 121 - 123). (2) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب العالية (13/ 789) رقم (3328) وسنده ضعيف، فيه سلمة بن وردان فيه لين. وقد تفرد بالحديث عن أنس، كما أشار إليه البزار (كشف الأستار رقم (3168). (3) سقط من (ب، ت، ش). (4) في (ظ) (فقلت). (5) انظر: الغيلانيات (فوائد أبي بكر الشافعي) (1/ 211) رقم (187)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (15) وغيرهما.
(1/62)
54 - ومن حديث أنس أيضًا، ما رواه أبو يعلى الموصلي (1): حدثنا شباب (2) خليفة بن خياط، حدثنا درست بن حمزة، عن مطر الوراق، عن قتادة، عن أنس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال: "ما من عبدين متحابين يستقبل أحدهما صاحبه (3)، ويصليان على النبي -صلى الله عليه وسلم- ، إلا لم يتفرقا حتى تغفر لهما ذنوبهما، ما تقدم منها وما تأخر". 55 - (ومن (4) حديث أنس أيضًا ما رواه ابن أبي عاصم (5): حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا (6) شبابة، حدثنا المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "صلوا علي، فإن الصلاة علي كفارة لكم، فمن صلى علي صلى الله عليه". __________ (1) أخرجه أبو يعلى في مسنده (5/ 334) رقم (2960)، والبخاري في تاريخه (3/ 252)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 45) وغيرهم. والحديث تفرد به درست. وقال البخاري: "لا يتابع عليه". قال ابن حبان في المجروحين (1/ 293) " ... كان منكر الحديث جدًا ... ". وقال السخاوي في القول البديع ص 231 "ضعيف جدًا". (2) من (ش) ووقع في (ب) (شيبان ثنا) وهو خطأ، وجاء في (ظ، ت، ح، ج) (ثنا شباب ثنا خليفة بن خياط) وهو خطأ. (3) في (ح) الآخر. (4) سقط من (ش) من هنا- إلى قوله (من طريق آخر) نهاية رقم (56). (5) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (40)، وأبو القاسم التيمي في الترغيب والترهيب (2/ 1669). وسنده ضعيف لانقطاعه، أبو إسحاق لم يصح له سماع من أنس. قاله أبو حاتم وتقدم. (6) من (ظ، ت، ح)، وسقط من (ب) (حدثنا شبابة).
(1/63)
56 - ومن حديثه أيضًا ما رواه ابن (1) شاهين (2): حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، حدثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري، حدثنا قرة بن حبيب القشيري، حدثنا الحكم بن عطية، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (3) "من صلى __________ (1) أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (19) وسنده ضعيف جدًا، وهو من منكرات الحكم بن عطية عن ثابت. وحكم عليه الحافظ ابن حجر والسخاوي بأنه منكر. القول البديع ص 121. (2) بياض في (ح) من قوله (شاهين) إلى قوله (في يوم). (3) كذا في (ظ، ب) ووقع بياض في (ح) كما تقدم ذكره. وجاء في طبعة مشهور إضافة متن حديث رقم (55) عنده لهذا الإسناد وهو بلفظ (صلوا علي، فإن الصلاة عليَّ كفارة لكم، فمن صلى عليَّ صلى الله عليه) بدلًا من هذا اللفظ (من صلى عليَّ في يوم ألف مرةٍ ... ) وهو غير موجود عنده في الأصل (برنستون) (10 ق/ ب)، ولا في النسخة الظاهرية (16 ق ب- 17 ق/ أ) ولا في نسخة تشستر بيتي (15/ أ) ولا في (ج) وإنما هو موجود في الطبعة الحجرية 35 - 36، ولم أذكره في المتن لأمور: 1 - لكثرة الأخطاء والتصحيفات في الطبعة الحجرية، فأخشى أن يكون وهمًا إمَّا من ناسخ المخطوط أو الطابع. 2 - أنه لا يوجد عند ابن شاهين في الترغيب إلا متن واحد فقط وهو هنا رقم (56) وعند ابن شاهين رقم (19). 3 - اتفاق النسخ الظاهرية وبرنستون وتشستر بيتي و (ج) على عدم ذكره، وهذه النُّسَخ -فيما يظهر- أقدم وأصح من النسخة المعتمدة للطبعة الحجرية. ثم ادّعى (مش) في حديث (من صلّى عليَّ في يوم ألف مرة ... ) أنه بياض في الأصل على كلمة (يوم). قلت: الحديث (من صلى عليَّ ... الخ) موجود عنده في الأصل برنستون (10 ق/ ب) تامًّا لكن سقط منه كلمة (يرى).
(1/64)
علي في يوم ألف مرةٍ لم يمت حتى يرى (1) مقعده من الجنة" وتقدم (2) هذا الحديث من طريق آخر (3). 57 - (وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فقال إسماعيل بن إسحاق (4). حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا سلمة بن وردان، قال: سمعت أنس بن مالك قال. خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبرز فلم يجد أحدًا يتبعه، ففزع عمر فاتبعه بمطهرة -يعنى إداوة- فوجده ساجدًا في شربة (5)، فتنحى عمر فجلس وراءه حتى رفع رأسه، قال: فقال: "أحسنت يا عمر، حين وجدتني ساجدًا فتنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرًا ورفعه عشر درجات". وهذا الحديث يحتمل أن يكون في مسند أنس، وأن يكون في مسند عمر، وجعله في مسند عمر أظهر. لوجهين: أحدهما: أن سياقه يدل على أن أنسًا لم يحضر القصة (6)، وأن الذي حضرها __________ (1) سقط من (ب) كما تقدم بيانه. (2) برقم (51). (3) من (ظ، ج) ووقع في (ب، ح) (وسيأتي هذا الحديث بطريق آخر)، وقد سقط من (ت). (4) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (4)، والسبكي في طبقات الشافعية (1/ 127). وسنده ضعيف، لتفرد سلمة بن وردان به. (5) شَرَبة. قال ابن الأثير: بفتح الراء: حوض يكون في أصل النخلة وحولها يُملأ ماء لتشربه. النهاية (3/ 455). (6) وقع في (ب) (القضيَّة).
(1/65)
عمر. والثاني: أن القاضي إسماعيل قال (1): 58 - حدثنا يعقوب بن حميد، حدثني أنس بن عياض، عن سلمة بن وردان، حدثني مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبرز فاتبعته بإداوة من ماء، فوجدته ساجدًا في شربة، فتنحيت عنه، فلما فرغ رفع رأسه فقال: "أحسنت يا عمر حين تنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشرًا، ورفعه عشر درجات". فإن قيل: فهذا الحديث الثاني علة الحديث الأول؛ لأن سلمة بن وردان أخبر أنه سمعه من مالك بن أوس بن الحدثان. قيل: ليس بعلة له، فقد سمعه سلمة بن وردان منهما. 59 - قال أبو بكر الإسماعيلي في كتاب "مسند عمر" (2): حدثني عبد الرحمن بن عبد المؤمن، أنبأنا أبو موسى الفروي، حدثني أبو ضمرة، عن سلمة بن وردان، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه عمر بن الخطاب بإداوة وحجارة (3)، فوجده قد فرغ، ووجده ساجدًا في شربة، فتنحى عمر .. وذكر الحديث. __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (5) وسنده ضعيف لما تقدم. (2) وأخرجه من طريقه ابن عدي في الكامل (3/ 335) وسنده ضعيف. (3) من (ظ، ت، ج، ب) ووقع في (ش) (فجاءه).
(1/66)
60 - حدثنا عمران بن موسى، حدثنا ابن كاسب، حدثنا أنس بن عياض، عن سلمة بن وردان، حدثني مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر - وحدثني إنس بن مالك -. ثم ساقه من حديث الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان، سمعت أنس بن مالك، ومالك بن أوس بن الحدثان .. فذكره (1). 61 - وقال ابن شاهين (2): حدثني العباس بن العباس بن المغيرة، حدثنا عبيد الله بن ربيعة، قال: سمعت عبد الله بن شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عمر بن الخطاب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ بعْدُ عليَّ من الصلاة أو لِيُكْثر". 62 - ومن حديث عمر رضي الله عنه في الباب ما رواه الترمذي في "جامعه" (3): من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة __________ (1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (642)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة رقم (971) فدمجهما (أنس، ومالك بن أوس). وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده كما في المطالب العالية (13/ 783) رقم (3327) عن أبي نعيم عن سلمه عن أنس وحده. ورواه جعفر بن عون عن سلمة عن أنس وحده. أخرجه البزار (4/ 3159) كشف الأستار) وهذا الاضطراب من سلمة بن وردان وهو ضعيف. (2) أخرجه ابن شاهين في الترغيب (13)، وابن أبي عاصم في الصلاة (38). وسنده ضعيف جدًا تفرد به عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف، وانظر رقم (67 و 139). انظر: تهذيب الكمال (13/ 500 - 506). (3) أخرجه الترمذي (486) وإسحاق بن راهويه في مسنده، كما في المطالب=
(1/67)
الأسدي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله تعالى عنه، قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك -صلى الله عليه وسلم-. هكذا (1) رواه موقوفًا. وكذلك رواه الإسماعيلي في "مسند عمر": من حديث النضر أتم من هذا، قال: 63 - أخبرني الحسن، حدثنا محمد بن قدامة، وإسحاق بن إبراهيم، قالا: أخبرنا النضر، عن أبي قرة، سمعت سعيد بن المسيب، يقول: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما من امرئٍ مسلم يأتي فضاءً من الأرض فيصلي به الضحى ركعتين، ثم يقول: اللهم أصبحت عبدك على عهدك ووعدك، خلقتني ولم أك شيئًا، أستغفرك لذنبي، فإني قد أرهقتني ذنوبي، وأحاطت بي إلا أن تغفرها، فاغفر لي (2) يا رحمن؛ إلا غفر الله له في ذلك المقعد ذنبه، وإن كان مثل زبد البحر. __________ = العالية (4/ 545) رقم (644) وغيرهما. وسنده ضعيف، لأن مداره على أبي قرة وهو مجهول. انظر: تهذيب الكمال (34/ 201). والحديث ضعفه ابن خزيمة والسخاوي وغيرهما. انظر: صحيح ابن خزيمة (4/ 95) (2433)، والقول البديع ص 213. وذكر ابن كثير: متابعًا لأبي قرة -وهو أيوب بن موسى- لكن لم أقف عليه، ولم يذكر السند إليه. انظر: مسند الفاروق (1/ 176). (1) في (ب) (كذا). (2) تكررت (لي) في (ش).
(1/68)
64 - وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذكر لي (1) أن الدعاء يكون بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك -صلى الله عليه وسلم-. 65 - قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ذكر لي أن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة: أنا أفضلكن. وقال: عمر (2) ما من امرئٍ مسلمٍ يتصدق بزوجين من ماله إلا ابتدرته حجبة الجنة (3). قال الإسماعيلي: "الحديث (4) الأول" في صلاة الضحى موقوف، وكذلك الصدقة بزوجين من ماله موقوف، والباقي سواء". قلت: يريد به أن حديث الصلاة، وحديث تباهي الأعمال يحتمل الرفع، ويحتمل الوقف على السواء. وقد روي حديث الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث معاذ بن __________ (1) ليس في (ش) (لي). (2) سقط من (ح). (3) أخرج ابن خزيمة هذا الشطر الأخير في تباهي الأعمال (4/ 95) (2433) والحاكم في المستدرك (1/ 416) (1518) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". والحديث ضعيف كما تقدم. قال ابن خزيمة: "إن صح الخبر، فإني لا أعرف أبا قرة، بعدالة ولا جرح". (4) سقط من (ظ)، (ت).
(1/69)
الحارث، عن أبي قرة مرفوعًا (1)، لكنه لا يثبت. والموقوف أشبه، والله أعلم. وحديث أنس بن مالك عنه المتقدم قد روي من طريق آخر. قال الطبراني: 66 - حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير (2) بمصر، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا يحيى بن أيوب، حدثني عبيد الله بن عمر، عن الحكم بن عتيبة (3)، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجته، فلم يجد أحدًا يتبعه، ففزع عمر، فأتاه بمطهرةٍ من خلفه فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا في شربة، فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه، وقال: "أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدًا فتنحيت عني، إن جبريل أتاني فقال: من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشرًا، ورفعه بها عشر درجات" (4). قال الطبراني: "لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا __________ (1) أخرجه رزين بن معاوية كما في مسند الفاروق (1/ 176). ورفعه خطأ، والصواب موقوف، كما رجحه المصنف وابن كثير. انظر مسند الفاروق (1/ 176). (2) من (ب، ت، ش، ظ) ووقع في (ح) (يحيى) وهو تصحيف، انظر: المعجم الصغير للطبراني (1016). (3) من (ظ، ش) ووقع في (ب) (عقبة) وفي (ت، ج) (عيينة) وهو خطأ. (4) أخرجه الطبراني في معجمه الصغير (2/ 194) رقم (1016)، والأوسط: (5/ 68) رقم (6602). والحديث باطل، وواهٍ جدًا.=
(1/70)
يحيى بن أيوب، تفرد به عمرو بن طارق". (وأما حديث عامر بن ربيعة) فقال أحمد في "مسنده" (1): 67 - حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عاصم بن (2) عبيد الله، قال: سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب على (3) المنبر ويقول: "من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر". ورواه ابن ماجه (4) عن بكر بن خلف، عن خالد بن الحارث، عن شعبة. 68 - ورواه عبد الرزاق (5): عن عبد الله بن عمر العمري، عن __________ = فيه شيخ الطبراني: محمد بن عبد الرحمن بن بحير. قال الخطيب ومسلمة بن قاسم: كذاب. انظر: لسان الميزان (5/ 248) (7701). (1) أخرجه أحمد في المسند (3/ 445)، وعبد بن حميد (1/ 317) المنتخب)، وإسماعيل القاضي (6)، وابن أبي عاصم في الصلاة (36) وغيرهم من طرق عن شعبة به. والحديث مداره على عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف، وقد اضطرب فيه كما سيأتي برقم (139). انظر: تهذيب الكمال (13/ 500 - 506). (2) وقع في (ب) (عن) وهو خطأ. (3) سقط من (ب، ت، ش، ج) (على المنبر). (4) برقم (907). (5) في مصنفه (2/ 3115). وسنده ضعيف، فيه عبد الله بن عمر العمري. انظر: تهذيب الكمال (15/ 329 - 332).
(1/71)
عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عامر، عن أبيه، ولفظه: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه، فأكثروا أو أقلوا". وعاصم بن عبيد الله (1) بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن عمر العمري، وإن كان حديثهما فيه بعض الضعف، فرواية هذا الحديث من هذين الوجهين المختلفين يدل على أن له أصلًا. وهذا لا ينزل عن وَسَط (2) درجات الحسن. والله أعلم. 69 - (وأما حديث عبد الرحمن بن عوف)، فقال الإمام أحمد في "مسنده" (3): حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي، ويونس قالا: حدثنا ليث، عن يزيد بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاتبعته حتى دخل نخلًا، فسجد فأطال السجود، حتى خفت، أو خشيت أن يكون الله قد توفاه أو قبضه. قال: فجئت أنظر، فرفع رأسه، فقال: "ما لك يا عبد الرحمن؟ قال: فذكرت ذلك له. قال: فقال: إن جبريل قال __________ (1) من (ش، ت، ظ، ب) ووقع في (ح، ج) (عبد الله) وهو خطأ. (2) وقع في (ت) (عن وسط الحسن). (3) أخرجه أحمد في المسند (1/ 191)، وابن أبي عاصم في الصلاة (45)، والحاكم (1/ 222 - 223) رقم (810) وغيرهم. وقد اضطرب عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب في هذا الحديث على عدة أوجه. وهذا الإسناد ضعيف فيه أبو الحويرث - عبد الرحمن بن معاوية فيه كلام. انظر: تهذيب الكمال (17/ 414 - 416).
(1/72)
لي: ألا أبشرك؟ إن الله عز وجل يقول: من صلى عليك صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه". 70 - حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، حدثنا سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن بن عوف .. فذكره، وقال "فسجدت لله شكرًا" (1). ورواه الحاكم في "المستدرك" (2): من رواية سليمان بن بلال، عن عمرو، وقال: صحيح الإسناد. 71 - ورواه ابن أبي الدنيا (3): عن يحيى بن جعفر. حدثنا __________ (1) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 191) فيه، عبد الواحد هذا مجهول، ولا يعلم له سماع من جدِّه. انظر: الثقات لابن حبان (5/ 127). (2) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 550) رقم (2019)، وعبد بن حميد (1/ 157) المنتخب)، والبيهقي في الكبرى (2/ 371) وغيرهم من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الواحد عن عبد الرحمن بن عوف. وسنده ضعيف، فيه عبد الواحد كما تقدم. ورجح الدارقطني رواية الدراوردي وغيره عن عمرو عن عبد الواحد عن عبد الرحمن بن عوف فذكره. وانظر: علل الدارقطني (4/ 296 - 298). (3) أخرجه ابن أبي الدنيا كما في القول البديع (ص 101)، وأيضًا إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (10)، وابن أبي عاصم في الصلاة (46) وغيرهم. وسنده ضعيف، تفرد به موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (29/ 104). وأيضًا فيه قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة -لا يعرف أصلًا إلا في هذه الرواية- لذلك قال البخاري "لم يصح حديثه"، قال الذهبي: "لأن مداره=
(1/73)
زيد بن الحباب، أخبرني موسى بن عبيدة، أخبرني قيس بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن بن عوف، قال: سجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سجدةً فأطال (1) فيها فقلت له في ذلك. فقال: "إني سجدت هذه السجدة شكرًا لله عز وجل فيما أبلاني في أمتي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرًا". وموسى بن عبيدة وإن كان في حديثه بعض الضعف، فهو شاهد لما تقدم. 72 - وقال المُخلِّص (2): حدثنا البغوي، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثنا عمرو بن أبي عمرو، عن عاصم بن عمر (3) بن قتادة، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن؛ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقيني جبريل فبشرني أن الله عز وجل يقول لك: من صلى عليك صلاة صليت عليه، ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لذلك (4) ". __________ = على موسى، وهو واه". انظر: الميزان (5/ 481)، وبيان الأوهام (ص 24). (1) في (ح) (فأطالها). (2) أخرجه ابن شاهين في الترغيب رقم (14)، والحاكم (1/ 735) رقم (2019). وفيه عبد الواحد وقد تقدم. (3) في (ظ) (عمرو)، انظر تاريخ البخاري (6/ 55). (4) في (ظ) (لك).
(1/74)
73 - (وأما حديث أبي بن كعب رضي الله عنه)، فقال عبد بن حميد في "مسنده" (1): حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أُبيّ، عن أُبيّ (2) بن كعب، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ربع الليل قام، فقال. "يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا (3) الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه" -قال أبي بن كعب-: قلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: "ما شئت". قلت (4): الربع؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير"، قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، وإن زدت (5) فهو خير"، قلت: الثلثين؟ قال: "ما شئت، وإن زدت فهو خير"، قال: أجعل لك صلاتي كلها، قال: "إذن تكفى همك، ويغفر لك ذنبك". وأخرجه الترمذي (6): عن هناد، عن قبيصة، به. __________ (1) (1/ 170 - المنتخب)، وإسماعيل القاضي (14)، وابن أبي عاصم في الصلاة (58) وغيرهم. والحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل وهو صدوق فيه لين، وقد تفرد بالحديث وله شواهد، لكنها معلولة. والحديث صححه الترمذي والحاكم وغيرهما. (2) سقط من (ش) (عن أبي بن كعب). (3) سقط من (ب) (اذكروا الله) الثانية. (4) وقع في (ش، ت، ظ) (قال)، والصواب ما أثبت. (5) وقع في (ب) (شئت). (6) برقم (2457) وقال: "هذا حديث حسن"، انظر التحفة (1/ 20).
(1/75)
وأخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1): عن وكيع، عن سفيان، به (2). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (3). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وعبد الله بن محمد بن عقيل (4) احتج به الأئمة الكبار؛ كالحميدي، وأحمد، وإسحاق، وعليّ، والترمذي (5)، وغيرهم؛ والترمذي يصحح هذه الترجمة تارة، ويحسنها تارة. وسئل شيخنا أبو العباس (6) عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأُبيّ بن كعب دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- : هل يجعل له مئه ربعه صلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك". فقال له: النصف؟ فقال: "إن زدت فهو خير لك"، إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها، أي: أجعل دعائي كله صلاةً عليك، قال: "إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك"؛ لأن من صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشرًا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه. هذا معنى كلامه رضي الله عنه. __________ (1) (5/ 316) وعنده (إذًا يكفيك الله ما أهمَّك من دنياك وآخرتك). (2) ليس في (ب) (به). (3) (2/ 513) رقم (3894). (4) انظر ترجمته وأقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (16/ 78 - 85). (5) من (ح) فقط (وعلي والترمذي). (6) هو شيخ الإسلام ابن تيمية.
(1/76)
74 - (وأما حديث أوس بن أوس)، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضةٌ علي"، قالوا: يا رسول الله! كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرِمْتَ؟ - يعني: وقد بليت- فقال: "إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". قال الإمام أحمد في "المسند" (1). حدثنا حسين بن علي الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن (2) جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، فذكره. ورواه أبو داود (3): عن هارون بن عبد الله، والنسائي (4): عن إسحاق بن منصور، وابن ماجه (5): عن أبي بكر بن أبي شيبة، ثلاثتهم عن حسين الجعفي. ورواه ابن حبان في "صحيحه" (6)، والحاكم في "المستدرك" (7) أيضًا، من حديث حسين الجعفي. __________ (1) (4/ 8). (2) وقع في (ب) (عن) وهو خطأ. (3) (1047 و 1531). (4) (1374). (5) (1085 و 1636). (6) (3/ 190 - 191) رقم (910). (7) (1/ 278) وقم (1029) وقال صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. والحديث اختلف في تصحيحه وتضعيفه. فصححه جماعة كابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنووي والمقدسي=
(1/77)
وقد أعلَّه بعض الحفَّاظ بأنّ حسينًا الجعفي حدث به عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس، قال: ومن تأمّل هذا الإسناد لم يشكّ في صحّته، لثقة رواته وشهرتهم وقبول الأئمة أحاديثهم، وعلّته: أن حسينًا (1) الجعفي لم يسمع من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما سمع من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الرحمن بن يزيد بن تميم لا يُحْتجُّ به، فلمّا حدث به حسين الجعفي غلط في اسم الجَدِّ، فقال: ابن جابر، وقد بَيَّن ذلك الحُفَّاظ ونَبَّهوا عليه. فقال البخاري في "التاريخ الكبير" (2). عبد الرحمن بن يزيد ابن تميم السلمي الشامي عن مكحول، سمع منه الوليد بن مسلم، عنده مناكير، ويقال: هو الذي روى عنه [أهل الكوفة: أبو أسامة وحسين فقالوا: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وابن تميم أصح، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ( 3): سألت أبي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم؟ فقال: عنده مناكير يقال: هو الذي روى عنه] (4) أبو أسامة، وحسين الجعفي؛ وقالا: هو ابن يزيد بن جابر، وغلطا في نسبه، ويزيد بن تميم أصح، وهو ضعيف الحديث. __________ = والمنذري وابن دحية وغيرهم. وضعفه مَنْ هو أعلم مِنْ هؤلاء وأكبر وقالوا: هو حديث منكر كأبي حاتم الرازي والبخاري وغيرهما وهو الصواب. انظر: القول البديع ص 152، وتخريج حديث أوس الثقفي، لأسعد تيم. (1) من (ظ، ت)، ووقع في (ش، ب) (حسين بن علي). (2) (5/ 365) رقم (1156). (3) في الجرح والتعديل (5/ 300). (4) ما بين المعكوفين ساقط من النسخ والاستدراك من المصادر ومن تهذيب السنن (1/ 256) للمؤلف.
(1/78)
وقال الخطيب (1): "روى الكوفيون أحاديث عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وَوَهِمُوا في ذلك، والحمل عليهم في تلك الأحاديث". وقال موسى بن هارون الحافظ (2): "روى أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذلك وهمًا منه، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر (وابن جابر ثقة) (3)، وابن تميم ضعيف". وقد أشار غير واحد من الحفَّاظ إلى ما ذكره هؤلاء الأئمة. وجواب هذا التَّعْلِيْل من وجوه: أحدها: أن حسين بن علي الجعفي قد صرح بسماعه له من عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. قال ابن حبان في "صحيحه" (4): حدثنا ابن خزيمة، حدثنا أبو كريب، حدثنا حسين بن علي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فصَرَّح بالسَّماع منه (5). __________ (1) انظر تاريخ بغداد (10/ 210). (2) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (إبراهيم) وهو خطأ، وانظر: تاريخ بغداد (10/ 210). (3) من تاريخ بغداد (10/ 210) ووقع في جميع النسخ (نفسه). (4) (5/ 910). وقد سقط من (ت) من قوله (قال ابن حبان) إلى (يزيد بن جابر). (5) قلت: الذي يظهر ليست العلة في التصريح بالسماع، وإنما في غلطه بقوله (ابن جابر) وهو (ابن تميم).
(1/79)
وقولهم: إنّه ظنَّ أنه ابن جابر وإنّما هو ابن تميم، فغلط في اسم جَدِّه = بعيدٌ (1)، فإنه لم يكن يشتبه على حسين هذا بهذا، مع نقده وعلمه بهما وسماعه منهما. فإن قيل: فقد قال عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب "العلل" (2): "سمعت أبي يقول: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر لا أعلم أحدًا من أهل العراق يحدث عنه، والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة وحسين الجعفي واحد، وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم؛ لأن أبا أسامة روى عن عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة خمسة أحاديث أو ستة أحاديث منكرة، لا يحتمل أن يحدث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بمثله، ولا أعلم أحدًا من أهل الشام روى عن ابن جابر من هذه الأحاديث شيئًا. وأما حسين الجعفي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث، عن أوس بن أوس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم الجمعة أنه قال: "أفضل الأيام يوم الجمعة، فيه الصعقة، وفيه النفخة، وفيه كذا"، وهو حديث منكر، لا أعلم أحدًا رواه غير __________ (1) قلت: الذي يظهر أنه ليس ببعيد، بل دلت القرائن على هذا الغلط، وقد غلط منْ هو أعلم وأحفظ وأنقد من حسين الجعفي -في أسماء شيوخه- كشعبة بن الحجاج والثوري وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم. انظر تخريج حديث أوس الثقفي ص 60 - 65. (2) انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 197) رقم (565).
(1/80)
حسين الجعفي، وأما عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فهو ضعيف الحديث، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثقة". تمَّ كلامه. قيل: قد تكلم في سماع حسين الجعفي، وأبي أسامة من ابن جابر، فأكثر أهل الحديث أنكروا سماع أبي أسامة منه. قال شيخنا (1) في التهذيب (2): "قال ابن نمير -وذكر أبا أسامة- فقال: الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل يسمى باسم ابن جابر. قال يعقوب (3): صدق، هو عبد الرحمن بن فلان بن تميم، فدخل عليه أبو أسامة فكتب عنه هذه الأحاديث فروى عنه، وإنما هو إنسان يسمى باسم ابن جابر. قال يعقوب: وكأني رأيت ابن نمير يتَّهم أبا أسامة أنه عَلِمَ ذلك وعَرَف، ولكن تغافل عن ذلك. قال: وقال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه سائر حديثه الصحاح (4) الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه؟. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت محمد بن عبد الرحمن ابن أخي حسين الجعفي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن (5) جابر، فقال: قدم الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وعبد الرحمن (6) بن __________ (1) يعني أبا الحجاج المزي، صاحب تهذيب الكمال. (2) انظر: تهذيب الكمال (17/ 484) وقارنه بالجرح (5/ 300). (3) هو يعقوب بن سفيان الفسوي، صاحب المعرفة والتاريخ. (4) جاء في حاشية (ب) الصحيح. والمثبت من ظ، ت، ش، وتهذيب الكمال. (5) جاء في (ظـ) بعد (بن) إضافة: (تميم وعبد الرحمن بن يزيد بن). (6) وقع في التهذيب والجرح والتعديل (يزيد) وهو أصوب.
(1/81)
يزيد بن جابر (1)، ثم قدم عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (2) بعد ذلك بدهر، والذي يحدث عنه أبو أسامة ليس هو ابن جابر، بل (3) هو ابن تميم. وقال ابن أبي داود: سمع أبو أسامة من ابن المبارك عن ابن جابر، وجميعًا يحدثان عن مكحول، وابن جابر أيضًا دمشقي، فلما قدم هذا قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد الدمشقي، وحدث عن مكحول، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر الذي روى عنه ابن المبارك، وابن جابر ثقة مأمون يجمع حديثه، وابن تميم ضعيف. وقال أبو داود (4): "متروك الحديث، حدث عنه أبو أسامة وغلط في اسمه، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي، وكل ما (5) جاء عن أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد فإنما هو ابن تميم". وأما رواية حسين الجعفي، عن ابن جابر؛ فقد ذكره شيخنا في التهذيب (6) وقال: روى عنه حسين بن علي الجعفي، وأبو أسامة حماد بن أسامة إن كان محفوظًا. فجزم برواية حسين عن ابن جابر، وشك في رواية حماد. __________ (1) سقط من (ظ)، (ت) من (فقال) إلى (جابر). (2) سقط من (ب) من (ثم) إلى (جابر). (3) من (ظ) وسقط من (ش، ت، ب، ج). (4) انظر: سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داوود (1/ 242) رقم (327). (5) وقع في (ب، ش) (من) وهو خطأ. (6) انظر: تهذيب الكمال (18/ 7).
(1/82)
فهذا ما ظهر في جواب هذا التعليل. ثم بعد أن كتبت ذلك رأيت الدارقطني قد ذكر ذلك أيضًا، فقال في كلامه على كتاب أبي حاتم في الضعفاء (1) قوله: "حسين الجعفي، روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، خطأ؛ الذي يروي عنه حسين هو عبد الرحمن بن يزيد بن (2) جابر، وأبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد، وهذا (3) ابن تميم، فيقول: ابن جابر (4)، فيغلط في اسم جده". تمَّ كلامه. وللحديث (5) علة أخرى: وهي أن عبد الرحمن بن يزيد لم يذكر سماعه من أبي الأشعث. قال علي بن المديني: حدثنا الحسين بن علي بن الجعفي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، سمعته (6) يذكر عن أبي الأشعث الصنعاني، عن أوس بن أوس .. فذكره. 75 - قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (7): حدثنا علي بن عبد الله .. فذكره. __________ (1) انظر: تعليقات الدارقطني على كتاب المجروحين لابن حبان (157 - 158). (2) سقط من (ب) من (تميم) إلى (يزيد). (3) سقطت من جميع النسخ واستدركته من التعليقات للدارقطني. (4) من التعليقات قوله (فيقول: ابن جابر). (5) وقع في (ش) (وللجواب) وهو خطأ، ولعله سبق فلم. (6) في ب (سمعه)، الذي يظهر ليست صريحة بعدم السماع. (7) فضل الصلاة (22).
(1/83)
وليست هذه بعلَّة قادحة فإن (1) للحديث شواهد من حديث أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي أمامة، وأبي مسعود (2) الأنصاري، وأنس (3) بن مالك، والحسن، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، مرسلًا (4). 76 - (فأما حديث أبي (5) هريرة): فرواه مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "خَيْرُ يومٍ طَلَعتْ فيه الشمسُ يومُ الجُمُعة، فيه خُلِقَ آدمُ، وفيه أُهبط، وفيه تِيْبَ عليه، وفيه مات، وفيه تقومُ السَّاعةُ، وما مِنْ دابَّةٍ إلا وهي مُصِيْخَةٌ يومَ الجُمُعةِ، مِن حِيْن تُصْبِحُ حتَّى (6) تطلُعَ الشمسُ، شَفقًا مِن السَاعةِ، إلا الجنَّ والإنسَ، وفيها ساعةٌ لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسلمٌ وهو يصلِّي، يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطاهُ إيَّاهُ". فهذا الحديث صحيح مُؤَيِّد لحديث أوس بن أوس، دال على مثل معناه. __________ (1) وقع في (ش) بياض (وللحديث). (2) لم يذكره المؤلف، وسيأتي ذكره برقم (432). (3) سقط من (ش) من قوله (وأنس بن مالك) إلى (مرسلًا). (4) من (ب، ت، ظ، ج) قوله (مرسلًا)، وسقط من (ح وش). (5) أخرجه الإمام مالك في الموطأ (ص 108 - 110) مطولًا، وأبو داوود (1046)، والترمذي (471)، وأحمد (2/ 486)، وأخرجه مسلم في (7)، الجمعة (852 و 854) قطعة منه. ولفظه في الموطأ كما ذكره إلا قوله (طلعت عليه)، (أهبط من الجنة) (وفيه ساعة). (6) من الموطأ وغيره قوله (تصبح حتى).
(1/84)
77 - (وأما حديث أبي الدرداء) ففي "الثقفيات" (1): أخبرنا أبو بكر بن محمد بن إبراهيم بن علي بن المقرئ، أخبرنا أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن (2) سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، وإن أحدًا لا يصلي علي إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها" (3). قال: قلت: وبعد الموت؟ قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"، فنبي الله حي يرزق. وسيأتي في حديث أبي الدرداء بإسناد آخر من الطبراني (4)، ورواه ابن ماجه أيضًا. __________ (1) أخرجه المزي في تهذيب الكمال (10/ 23 - 24) من طريقه، وأخرجه ابن ماجه (1637)، والطبري في التهذيب (354 - القسم المفقود) وغيرهم. وسنده ضعيف جدًا، زيد بن أيمن مجهول، وروايته عن عبادة مرسلة، ورواية عبادة بن نسي عن أبي الدرداء مرسلة أيضًا. انظر: تهذيب الكمال (10/ 23)، وجامع التحصيل رقم (334). والحديث ضعف إسناده: ابن عبد الهادي والبوصيري والعراقي وغيرهم. انظر: مصباح الزجاجة (1/ 603)، والقول البديع ص 153، والصارم المنكي ص 280. (2) ليس في النسخ قوله (الحارث، عن). (3) سقط من (ظ، ت، ح، ج) (منها). (4) سيأتي برقم (144).
(1/85)
78 - وأما حديث أبي أمامة، فقال البيهقي (1): حدثنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد، حدثنا الحسن (2) بن سعيد، حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا حماد بن سلمة، عن بُرْد بن سنان، عن مكحول الشامي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم صلاة كان أقربهم مني منزلة". لكن لهذا الحديث علتان: إحداهما: أن برد بن سنان (3) قد تكلم فيه، وقد وثقه يحيى ابن معين وغيره. العلة الثانية: أن مكحولًا قد قيل: إنه لم يسمع من أبي أمامة (4). والله أعلم. 79 - وأما حديث أنس، فقال الطبراني (5). حدثنا محمد بن __________ (1) أخرجه البيهقي في الكبرى (3/ 249)، وفي الجامع لشعب الإيمان (6/ 285) رقم (2770). وسنده ضعيف، للانقطاع، وللغرابة في سنده، وفي متنه، ومع ضعف الحديث ليس فيه شاهد لجملة (إن الله حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء). (2) وقع في (ب، ت، ج، ح) (الحسين). والتصويب من (ش) ومن مصدري التخريج. (3) انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (4/ 43 - 47). (4) انظر: المراسيل لابن أبي حاتم (791) والعلل (1/ 323). (5) أخرجه التيمي في ترغيبه (2/ 1678). والحديث تفرد به أبو ظلال- وهو=
(1/86)
علي الأحمر، حدثنا نصر بن علي، حدثنا النعمان بن عبد السلام، حدثنا أبو ظلال، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه أتاني جبرائيل آنفًا من (1) ربه عز وجل، فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي. عليك مرةً واحدةً إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرًا". 80 - وقال محمد بن إسماعيل الوراق (2): حدثنا جبارة بن مغلس، حدثنا أبو إسحاق خازم (3)، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإن صلاتكم تعرض علي". وهذان وإن كانان ضعيفين فيصلحان للاستشهاد. __________ = مختلف في اسمه- ضعفه غير واحد، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وفيه النعمان لعله هو الذي قال فيه أبو حاتم: مجهول. انظر: تهذيب الكمال (30/ 350). (1) وقع في (ش، ت، ظ) (عن) وهو خطأ. (2) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 74)، وأبو القاسم التيمي في الترغيب (2/ 1681) والحديث سنده ضعيف جدًا، كما قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي ص 278. والحديث مداره على أبي إسحاق خازم بن الحسين. وهو واهي الحديث. وقال ابن عدي -عن أحاديثه عن يزيد عن أنس- قال " .. ليست بمحفوظة ... ". انظر: الكامل (3/ 74). (3) وقع في (ب، ت، ش) (حازم) بالحاء المهملة، وهو خطأ، وفي (ظ) (حارم) بالحاء والراء المهملتين.
(1/87)
81 - ورواه ابن أبي السري: حدثنا رواد بن الجراح، حدثنا سعيد بن بشير (1)، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة" (2). وكان الصحابة رضي الله عنهم يستحبون إكثار الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة. 82 - قال محمد بن يوسف العابد (3): عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: قال لي ابن مسعود رضي الله عنه: يا زيد ابن وهب، لا تدع- إذا كان يوم الجمعة- أن تصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف مرة، تقول: اللهم صل علي محمد النبي الأمي. وأما حديث الحسن (4). __________ (1) وقع في (ح) (بشر رضي الله عنه)، وهو خطأ، وفي (ج) غير واضحة. (2) أخرجه ابن عدي في الكامل (3/ 178) والحديث واهي الإسناد. قال أبو حاتم الرازي: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد". العلل (1/ 205). (3) أخرجه * أبو نعيم في الحلية (8/ 237)، وفي أخبار أصبهان (2/ 171) معلقًا * والتيمي في ترغيبه (2/ رقم 1681) والأثر منكر، فقد تفرد به محمد بن يوسف أبو عبدالله عن أصحاب الأعمش، وهو مع فضله وزهده وعبادته لا يحتمل منه ذلك التفرد، خاصة وقد قيل: إنه دفن كتبه. انظر: * طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ (2/ 21 - 24)، والحلية لأبي نعيم (8/ 225 - 336) *. (4) هذا الحديث من (ح) و (ش) لكن ضرب عليه في (ش)، ولم يذكر في (ب، ت، ظ، ج).
(1/88)
83 - فقال إسماعيل (1): حدثنا سليمان بن حرب ثنا جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس". 84 - (وأما حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما) فقال أبو يعلي في "مسنده" (2): حدثنا موسي بن محمد بن حيان (3)، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا عبد الله بن نافع، أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن، قال: سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا، ولا تتخذوا بيتي عيدًا، صلوا علي وسلموا، فإن صلاتكم وسلامكم يبلغني أينما كنتم". 85 - وعِلَّةُ هذا الحديث أن مسلم (4) بن عمرو، رواه عن عبد الله بن نافع، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني __________ (1) في فضل الصلاة رقم (23) وهو مرسل. (2) أخرجه أبو يعلي في مسنده (12/ 131) رقم (6761). فيه موسي بن محمد ضعيف، وقال الهيثمي: "فيه عبد الله بن نافع وهو ضعيف". قلت: وقد اضطرب في هذا الحديث، فقد تقدم أن جعله من مسند أبي هريرة رقم (30). انظر: مجمع الزوائد (2/ 247). (3) وقع في (ظ، ب، ج) (حبان)، وفي (ش) غير منقوطة، والتصويب من الجرح والتعديل (8/ 161) وقال: "ترك أبو زرعة حديثه ولم يقرأ علينا .. ". (4) تقدم هذا الحديث برقم (30).
(1/89)
حيثما كنتم"، وهذا أشبه. 86 - وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (1): حدثنا أحمد بن رشدين (2) المصري، حدثنا سعيد بن أبي (3) مريم، حدثنا محمد بن جعفر، أخبرنا حميد بن أبي زينب، عن حسن (4) بن حسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه: أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "حيثما كنتم فصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني". 87 - (وأما حديث الحسين أخيه) رضي الله عنه، فقال الطبراني في "المعجم" (5): حدثنا يوسف بن الحكم الضبي، حدثنا محمد بن بشير (6) الكندي، حدثنا عبيدة (7) بن حميد، __________ (1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 83 - 84) رقم (2729)، وابن أبي عاصم في الصلاة (27)، والدولابي في الذرية الطاهرة (119) وغيرهم. وسنده ضعيف، مداره علي حميد بن أبي زينب، وهو لا يُعرف. وقال الهيثمي: ( .. ولم أعرفه). (2) وقع في (ب، ج) (رشيد بن) وهو خطأ. (3) وقع في (ظ، ت، ج، ش، ب) (إبراهيم) بدلًا من (أبي مريم)، وهو خطأ، والتصويب من مصادر التخريج. (4) من (ش، ب) ووقع في (ظ) (حسين) وهو خطأ، وفي (ت) (حسن بن حسين) وهو خطأ أيضًا. (5) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 138) رقم (2887) وهو حديث معلول بالإرسال كما سيأتي بيانه. وسنده ضعيف. قال الهيثمي: (فيه محمد بن بشير الكندي وهو ضعيف). انظر: مجمع الزوائد (10/ 164). (6) من (ظ، ت، ش)، ووقع في (ب) (بشر) وهو خطأ. (7) في (ح) (عبيد) وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (19/ 257).
(1/90)
حدثني فطر بن خليفة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، عن أبيه، عن جده حسين بن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذكرت عنده فخطيء الصلاة علي، خطيء طريق الجنة". 88 - وعلته أن ابن أبي عاصم (1) رواه عن أبي بكر -هو ابن أبي شيبة- حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. 89 - ورواه عمر (2) بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. 90 - ورواه إسماعيل بن إسحاق (3)، عن إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .. مرسلًا. __________ (1) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (83)، وابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 330) رقم (31784) وهو مرسل صحيح الاسناد. (2) أخرجه أبو القاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1685)، والبيهقي في الكبري (9/ 286)، وابن شاهين في الأفراد (81) وقال غريب ... )، وهو حديث منكر، فإن المحفوظ عن حفص بن غياث ما تقدم برقم (88) ولعله مما حدث به حفص بن غياث من حفظه، بعد أن تولي القضاء. انظر: تهذيب الكمال (7/ 61)، ووقع في (ظ) (عمرو) وهو خطأ. (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (44)، وهو مرسل، وروي مرفوعًا وهو خطأ لا يصح.
(1/91)
91 - ورواه علي بن المديني (1): حدثنا سفيان، قال: قال عمرو: عن محمد بن علي بن حسين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا. 92 - ثم قال سفيان: قال رجل بعد عمرو: سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم سمي سفيان الرجل، فقال: هو بَسَّام، وهو الصَّيْرفي. 93 - ذكره إسماعيل، عن علي، وقال (2). حدثنا سليمان بن حرب وعارم، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. مرسل. وله (3) شاهد من حديث عبد الله بن عباس، سيأتي إن شاء الله تعالى. 94 - وقال النسائي (4): أخبرنا سليمان بن عبيد الله (5)، حدثنا أبو عامر، حدثنا سليمان، عن عمارة بن (6) غزية، عن عبد الله بن علي بن حسين، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البخيل من ذكرت عنده ولم يصل علي". __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (42). (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (43). (3) من (ظ، ش، ج) ووقع في (ب) (وهو) وهو خطأ، وسيأتي برقم (130). (4) أخرجه النسائي في الكبري (5/ 8100) و (6/ 9884). وقد تقدم الإشارة إليه تحت رقم (12). (5) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (عبد الله) وهو خطأ. (6) في (ظ) (عن) وهو خطأ.
(1/92)
95 - أخبرنا أحمد بن الخليل، حدثنا خالد -وهو ابن مخلد القطواني- حدثنا سليمان بن بلال، حدثني عمارة بن غزية، به (1). ورواه ابن حبان (2) والحاكم (3) في "صحيحهما": من حديث خالد بن مخلد، والترمذي في "جامعه" (4)، وقال: "حديث حسن صحيح غريب"، وزاد في سنده: عن علي بن أبي طالب. قلت: وله علة ذكرها النسائي في "سننه (5) الكبير" (6). فقال: رواه عبد العزيز بن محمد، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن الحسين، عن علي بن أبي طالب مرسلًا. 96 - أخبرنا زكريا بن يحيي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز، عن عمارة بن غزية، عن عبد الله بن علي بن الحسين (7)، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن (8) البخيل الذي إن ذُكِرتُ عنده لم يصلِّ عليّ" (9). __________ (1) أخرجه النسائي في الكبري (5/ 8100) و (6/ 9883). (2) في صحيحه (3/ 909). (3) في المستدرك (1/ 549) رقم (2015). (4) (3546). (5) في (ظ) (مسنده الكبير). (6) انظر: السنن الكبري (6/ 20). (7) من (ح) فقط قوله (مرسلًا) إلى (الحسين). (8) سقط من (ح). (9) أخرجه النسائي في الكبري (6/ 9885).
(1/93)
97 - قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (1): اختلف يحيي وأبو بكر بن أبي أويس في إسناد هذا الحديث، فرواه أبو بكر، عن سليمان، عن عمرو بن أبي عمرو، ورواه الحماني عن سليمان بن بلال، عن عمارة بن غزية، وهذا حديث مشتهر (2) عن عمارة بن غزية، وقد رواه عنه خمسة: سليمان بن بلال، وعمرو بن الحارث، وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن جعفر والد علي. ثم (3) ساقها كلها. ورواه عن (4) إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، عن علي بن حسين، عن أبيه، فذكره. 98 - (وأما حديث فاطمة رضي الله عنها)، فقال أبو العباس الثقفي (5): حدثنا أبو رجاء (6) قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز -هو __________ (1) انظر: فضل الصلاة له ص 40. (2) من (ش، ب، ج)، ووقع في (ظ، ت) (مشهور). (3) ساقها من رقم (33 - 36). (4) أخرجه إسماعيل القاضي أيضًا رقم (31). (5) أخرجه إسماعيل القاضي (82) والدولابي في الذرية الطاهرة (196) وغيرهما. وسنده ضعيف، لانقطاعه؛ لأن فاطمة الصغري، لم تدرك فاطمة الكبري. وأعله بالانقطاع الترمذي وابن حجر. انظر: نتائج الأفكار (1/ 288). (6) وقع في (ظ، ت، ش، ج، ب) زيادة (أبو رجاء حدثنا قتيبة) وهو خطأ، صوابه حذف (حدثنا).
(1/94)
ابن محمد- عن عبد الله بن الحسن، عن أُمِّه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة ابنته رضي الله عنها: "إذا دخلت المسجد فقولي: بسم الله والحمد لله، اللهم صل علي محمد وسلم، اللهم اغفر لي وسهل لي أبواب رحمتك، فإذا خرجت من المسجد فقولي كذلك" إلا أنه قال: "وسهل لي أبواب رزقك". 99 - ورواه الترمذي (1): عن علي بن حُجْر، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن ليث، عن عبد الله بن الحسن، عن أُمِّه فاطمة بنت الحسين رضي الله عنه، عن جدتها فاطمة الكبري (رضوان الله عليهما). قال إسماعيل: فلقيت عبد الله بن الحسن بمكة، فسألته عن هذا الحديث، فحدثني به. قال: "وليس إسناده بمتصل، فاطمة بنت الحسين رضي الله عنهما لم تدرك فاطمة الكبري رضي الله عنهما". ورواه ابن ماجه (2) عن أبي بكر، عن ابن عُليَّة. وأبي معاوية، عن ليث نحوه. 100 - (وأما حديث البراء بن عازب)، فقال أحمد بن عمرو بن أبي عاصم (3): حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا حاتم بن __________ (1) أخرجه الترمذي (314). (2) أخرجه ابن ماجه (771)، وأحمد (6/ 283). (3) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (52). وفيه محمد بن عبد الله العرزمي: =
(1/95)
إسماعيل، عن محمد بن عبيد الله، عن (1) مولي البراء بن عازب، عن البراء؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلي علي كتبت له عشر حسنات، ومحي عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات، وكُنَّ له عِدْل عشر رقاب". 101 - (وأما حديث جابر بن عبد الله)، فقال النسائي في "سننه الكبير" (2): حدثنا أحمد بن عبد الله بن سويد بن منجوف، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما اجْتمعَ قومٌ ثم تفرَّقُوا عن غَيرِ ذِكرِ الله عزّ وجلّ، وصَلاةٍ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا قامُوا عن أنْتَنَ مِن جيْفة". (وقال أبو داود الطيَالَسي (3): ثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما اجتمع قوم ثم تفرقوا عن غير ذكر الله عز وجل، وصلاةٍ علي النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قاموا عن أنتن من (4) جيفة). قال أبو عبد الله المقدسي: هذا عندي علي شرط مسلم. __________ = متروك الحديث. انظر التهذيب (26/ 41 - 45). (1) ليس في (ب) (الله، عن). (2) (6/ 109) رقم (10244) والطبراني في الدعاء رقم (1928). (3) في "مسنده" (3/ 314) رقم (1863) ورجاله ثقات. (4) من (ظ، ت) (من) وسقط من (ب، ش) وهو يرجع إلى الاختلاف في نسخ مسند أبي داود الطيالسي، وسقط ما بين القوسين من (ج).
(1/96)
102 - وقال أحمد بن عمرو بن أبي عاصم (1): حدثثا أحمد ابن عصام، حدثنا أبو عاصم، عن موسي بن عبيدة، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "لا تجعلوني كَقَدَحِ الراكب، إن الراكب يملأ قدحه، فإذا فرغ وعلق معاليقه، فإن كان فيه ماءٌ شرب حاجته، أو الوضوء توضأ, وإلا أهراق القدح، فاجعلوني في أول الدعاء، وفي (2) أوسطه، ولا تجعلوني في آخره (3) " لفظ ابن أبي عاصم. 103 - وقال الطبراني (4): حدثنا إسحاق الدبري: أنبأنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن موسي بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جابر، فذكر نحوه، إلا أنه قال: "فاجعلوني في وسط الدعاء، وفي أوله، وفي آخره" (5). __________ (1) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (71)، والبزار (4/ 3157 - كشف الاستار)، وابن حبان في المجروحين (2/ 226 - 227)، وعبد بن حميد في المسند (1130 - المنتخب) وغيرهم. والحديث لا يثبت، مداره علي موسي الربذي وهو ضعيف، ومع ضعفه اضطرب فيه. والحديث ضعفه الهيثمي وابن حجر والسخاوي. انظر: مجمع الزوائد (10/ 155)، ومختصر زوائد البزار (2/ 2169)، والقول البديع ص 212. (2) سقط من (ب) (وفي)، ووقع في (ظ) (وسطه). (3) قال ابن الأثير، والمراد به (الحث علي الصلاة عليه أولًا ووسطًا وآخرًا، والاهتمام بشأنها). انظر: جامع الأصول (4/ 156). (4) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 3117). وسنده ضعيف كما تقدم. (5) من (ش، ب) ووقع في (ظ، ت، ج) (فاجعلوني في أول الدعاء وفي =
(1/97)
104 - (وأما حديث أبي رافع مولي النبي - صلي الله عليه وسلم -)، فقال الطبراني (1): حدثنا نصر بن عبد الملك السنجاري -بمدينة سنجار سنة ثمان وسبعين ومائتين- حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: حدثني أبي. محمد، عن أبيه عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا طَنَّت أُذُن أحدكم فليذكرني وليصل علي". قال الطبراني: لا يروي عن أبي رافع إلا بهذا الاسناد تفرد به معمر بن محمد. 105 - وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة (2): حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيي الحساني، حدثنا معمر بن محمد بن عبيد الله بن (3) أبي رافع مولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: أخبرني أبي محمد، عن أبيه عبيد الله، عن أبي رافع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: __________ = أوسطه، وفي آخره). (1) في معجمه الصغير (2/ 245 - 246) رقم (1104)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 261)، والبزار (4/ 3124 - كشف الاستار) وغيرهم. وهو حديث باطل، واهي. تفرد به معمر بن محمد، وهو متروك. انظر: الجرح والتعديل (8/ 373)، والميزان (6/ 485 - 486). (2) عزاه السخاوي إلي ابن خزيمه في صحيحه!، كما في القول البديع (ص 215). وقد تقدم ذكر علته وأنه باطل من هذا الوجه. قال السخاوي: "وذلك عجيب، لأن إسناده غريب، وفي ثبوته نظر". (3) وقع في (ش، ت، ظ) (محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع).
(1/98)
"إذا طنت أذن أحدكم فليذكرني، وليصل علي، وليقل: ذكر الله من ذكرني بخير". 106 - (وأما حديث عبد الله بن أبي أوفي)، فقال الترمذي في "جامعه" (1): حدثنا علي بن عيسي بن يزيد البغدادي، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، وحدثنا عبد الله بن منير، عن عبد الله بن بكر، عن فائد بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له إلي الله حاجة، أو إلي أحد من بني آدم فليتوضأ، فليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن علي الله، وليصل علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضًا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين". قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال، وفائد بن عبد الرحمن يُضَعَّف في الحديث، وفائد هو أبو الوَرْقَاء". وقال الإمام أحمد بن حنبل (2): فائد متروك الحديث، وقال يحيي بن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم بن حبان: "كان ممن __________ (1) برقم (479)، وابن ماجه (1384)، والمروزي في زياداته علي الزهد لابن المبارك (1084) وغيرهم. وهو حديث ضعيف جدًا كما قال السخاوي في القول البديع ص 220 وعلته ما سيذكره المؤلف. (2) انظر: أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (23/ 137 - 140).
(1/99)
يروي المناكير عن المشاهير، ويأتي عن ابن أبي أوفي بالمعضلات، لا يجوز الاحتجاج به". ورواه الحاكم في "المستدرك" (1) وقال: "إنما أخرجته (2) شاهدًا، وفائد مستقيم الحديث"، كذا قال (3). 107 - (وأما حديث رويفع بن ثابت)، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (4): حدثنا عبد الملك بن يحيي بن بكير المصري، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن وفاء بن شريح الحضرمي، عن رويفع بن ثابت الأنصاري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: اللهم صل علي محمد، وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي". 108 - ورواه إسماعيل بن إسحاق في كتابه (5): عن يحيي، حدثنا زيد بن الحباب، أخبرني ابن لهيعة، حدثني بكر بن سوادة __________ (1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 320) رقم (1199). (2) وقع في (ش) (أخرجه). (3) وقع في (ب) (قاله). (4) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 25 - 26) (4480) و (4481)، وأحمد في مسنده (4/ 108)، وابن أبي عاصم في الصلاة (78) وغيرهم. وسنده ضعيف، لأن مداره علي ابن لهيعة وهو ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (15/ 487 - 503). (5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (53). وتقدم الكلام عليه.
(1/100)
المعافري، عن زياد بن نعيم الحضرمي، عن ابن شريح، حدثني رويفع الأنصاري، فذكره (1). 109 - (وأما حديث أبي أمامة)، فقال الطبراني (2): حدثنا إبراهيم بن محمد بن (3) عرْق، حدثنا سعيد بن عمرو (4) الحضرمي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيي بن الحارث، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من قوم جلسوا مجلسًا، ثم قاموا منه لم يذكروا الله، ولم يصلوا علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة". 110 - وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (5): حدثنا __________ (1) سقط من (ش) قوله (حدثني رويفع الأنصاري فذكره). (2) أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 213) (7751)، وفي مسند الشاميين (2/ 41 و 46) رقم (882 و 895)، وابن أبي عاصم في الصلاة (91). وسنده * لا بأس به * إن كان محفوظًا. انظر الكامل لابن عدي (6/ 315)، والجرح والتعديل (4/ 51)، وتهذيب الكمال (5/ 11) و (23/ 387). (3) وقع في (ظ، ب) (محمد بن إبراهيم بن عوق) وهو خطأ، وتصويبه من الطبراني واللسان، ووقع في (ش، ت) (محمد بن إبراهيم عن عوف) وهو خطأ أيضًا. (4) في (ظ، ت، ج) (عمر) وهو خطأ. (5) (8/ 158) (7611)، وفي مسند الشاميين (4/ 324) (3445). وهو حديث واهي، فيه موسي بن عمير أبو هارون الأعمي القرشي، ضعفه ابن معين وأبو زرعة: قال أبو حاتم: ذاهب الحديث، كذاب. انظر: الجرح والتعديل (8/ 155) (696)، والمجمع (10/ 162).
(1/101)
الحسين بن محمد بن مصعب الأشناني، حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، حدثنا موسي بن عمير، عن مكحول، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم -: "من صلي علي صلي الله عليه عشرًا بها (1)، ملك موكل بها حتي يبلغنيها". 111 - (وأما حديث عبد الرحمن بن بشر (2) بن مسعود)، فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (3): حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن عبد الرحمن بن بشر [2] بن مسعود، قال: قيل: يا رسول الله! أمرتنا أن نسلم عليك، وأن نصلي عليك، فقد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "تقولون: اللهم صل علي آل محمدٍ كما صليت علي آل إبراهيم، اللهم بارك علي محمدٍ كما باركت علي آل إبراهيم". 112 - حدثنا مسدد (4)، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن بشر [2] بن مسعود، فذكره. __________ (1) سقط من (ش، ت، ب، ظ)، واستدركته من الطبراني. (2) وقع في (ظ) (بشير)، والمثبت من (ب، ت، ش) وهذا يرجع إلي الاختلاف فيه كما سوف يذكره المؤلف. وانظر: الجرح والتعديل (5/ 214 - 215). (3) فضل الصلاة (71). وهو مرسل صحيح الاسناد، وعبد الرحمن بن بشر هو الأنصاري مختلف في صحبته. (4) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (72). ومن طريقه النسائي في الكبري (6/ 18) رقم (9879) وذكر الاختلاف فيه.
(1/102)
113 - حدثنا (1) نصر بن علي، حدثنا عبد الأعلي، حدثنا هشام، عن محمد بن عبد الرحمن بن بشر (2) بن مسعود رضي الله عنه، قال: قلنا (3) - أو قيل للنبي - صلي الله عليه وسلم -: أمرنا أن نصلي عليك ونسلم عليك، فأما السلام فقد عرفناه، ولكن كيف نصلي عليك؟ قال: "تقولون: اللهم صل علي محمدٍ كما صليت علي آل إبراهيم ... " فذكره بمثله سواء. وعبد الرحمن هذا معدود في الصحابة (4)، ذكره ابن منده وقال: "ابن بشير. وقال ابن عبد البر (5): ابن بشير، ويقال: ابن بشر رضي الله عنه، روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - في فضل علي، روي عنه الشعبي، وروي عنه محمد بن سيرين، عن النبي - صلي الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله! قد عرفنا السلام عليك ... الحديث". 114 - (وأما حديث أبي بُردة بن نيار) رضي الله عنه، فقال __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (73). وهو مرسل كما تقدم. وروي هذا الحديث مسندًا مرفوعًا من حديث أبي مسعود الأنصاري، وهو خطأ. أخرجه النسائي في الكبري (6/ 18)، وابن عبد البر في التمهيد (16/ 194)، وبيَّن النسائي الاختلاف فيه، وأشار إلي الإرسال. (2) من (ب، ت، ش) ووقع في (ظ) (بشير). (3) وقع في (ب) (كنَّا) وهو خطأ. (4) الصحيح أنه تابعي كما ذكره البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في التابعين وغيرهم. انظر: الثقات لابن حبان (5/ 82)، والجرح والتعديل (5/ 214)، وأسد الغابة (3/ 429)، والاصابة (5/ 149)، والإنابة لمغلطاي (1/ 399). (5) انظر: الاستيعاب (2/ 367 - 368).
(1/103)
النسائي (1): أخبرنا زكريا بن يحيي، حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو أسامة، عن سعيد بن سعيد، عن سعيد بن عُمير بن عقبة بن نِيَار، عن عمِّه أبي بردة بن نيار، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي من أمتي صلاة مخلصًا من قلبه صلي الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئات". لكن علة هذا الحديث أن وكيعًا رواه عن سعيد (2) بن سعيد، عن سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه -وكان بدريًا- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي .. " فذكره. 115 - قال النسائي (3): أخبرنا الحسين بن حريث، حدثثا وكيع، فذكره. فقد اختلف فيه أبو أسامة ووكيع. قال الحافظ أبو قريش محمد بن جمعة (4): سألت أبا زرعة __________ (1) في الكبري (6/ 22) رقم (9893) ومن طريقه، البيهقي في الدعوات الكبير (1/ 156)، والطبراني (22/ 195 - 196) (513) وغيرهم. وفيه سعيد بن سعيد التغلبي فيه جهالة، وكذا سعيد بن عمير في الرواية الأخري = فيه جهالة. انظر: تهذيب الكمال (10/ 464) و (11/ 25 - 26). (2) وقع في (ب) (سعد) وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (10/ 464). (3) أخرجه النسائي في الكبري (6/ 21 - 22) رقم (9892)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 2087) رقم (5250 و 5251). (4) انظره في: تهذيب الكمال (11/ 27).
(1/104)
-يعني الرازي- عن اختلاف هذين الحديثين؟ فقال: حديث أبي أسامة أشبه. 116 - وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (1): حدثنا عبيد بن غنام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن سعيد ابن (2) سعيد أبي الصباح، حدثنا سعيد بن عمير بن عقبة بن نيار الأنصاري، عن عمه أبي بردة بن نيار .. فذكره. ورواه ابن أبي عاصم في كتاب "الصلاة علي النبي - صلي الله عليه وسلم -" (3): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن سعيد بن سعيد، به (4). 117 - (وأما حديث عمار بن ياسر) رضي الله عنه، فقال أبو الشيخ الأصبهاني (5): (أخبرنا إسحاق بن أحمد __________ (1) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (22/ 195 - 196) وسنده ضعيف كما تقدم. تنبيه: سقط من سند الطبراني (سعيد بن سعيد أبي الصّبّاح). (2) وقع في (ب، ظ، ت، ش، ج) (سعيد بن أبي سعيد) وهو خطأ، صوابه بحذف (أبي). انظر: تهذيب الكمال (10/ 464). (3) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (42) وسنده ضعيف كما تقدم. (4) ليس في (ب) لفظة (به). (5) أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة (2/ 762 - 763) رقم (339)، والبزار في مسنده (4/ 3162 - كشف الأستار)، وأيضًا البخاري في تاريخه (6/ 416)، وابن أبي عاصم في الصلاة (51) وغيرهم. والحديث ضعيف جدًا، تفرد به نعيم عن عمران -وهما مجهولان- لذا قال البخاري في عمران: "لا يتابع عليه". انظر: الترغيب والترهيب للمنذري (2/ 499)، والميزان للذهبي (7/ 45) =
(1/105)
الفارسي) (1)، حدثنا أبو كريب، حدثنا قبيصة، عن نعيم بن ضمضم، قال: قال لي عمران بن حميري: ألا أحدثك عن خليلي عمار بن ياسر رضي الله عنه؟ قلت: بلي. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله تبارك وتعالي ملكًا أعطاه أسماع الخلائق، فهو قائم علي قبري إذا مت، فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال: يا محمد صلي عليك فلان بن فلان. قال: فيصلي الرب تبارك وتعالي علي ذلك الرجل بكل واحدة عشرًا". 118 - وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (2): حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو كريب، حدثنا قبيصة بن عقبة، عن نعيم بن ضمضم، عن ابن الحميري، قال: قال لي عمار: يا ابن الحِمْيري! ألا أحدثك عن حبيبي نبي الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قلت: بلي. قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عمار إن لله ملكًا أعطاه أسماع __________ = و (5/ 286)، والقول البديع ص 108. (1) كذا وقع في (ظ، ب، ت، ش، ج) وعلق محقق العظمة بأن الصواب (جعفر بن أحمد بن فارس)، وأن الأصول كان فيها (أحمد بن جعفر بن فارس). قلت: ولعل صوابه والله أعلم (حدثنا إسحاق بن أحمد عن الفارسي)، فالأول: إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الهمداني النابتي، له ترجمة في طبقات أصبهان (4/ 57)، وأخبار أصبهان لأبي نعيم (1/ 217)، والآخر: الفارسي، هو أبو بكر إسحاق بن إبراهيم شاذان الفارسي. قال ابن أبي حاتم: "صدوق". انظر: الجرح والتعديل (2/ 211). (2) هو في القسم المفقود، انظر: مجمع الزوائد (10/ 162) وقد تقدم الكلام عليه.
(1/106)
الخلائق كلها، وهو قائم علي قبري إذا مت إلي يوم القيامة، فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه واسم أبيه، قال: يا محمد، صلي عليك فلان كذا وكذا، فيصلي الرب عز وجل علي ذلك الرجل بكل واحدةٍ عشرًا". 119 - حدثنا أحمد بن داود المكي، حدثنا عبد الرحمن بن صالح الكوفي، حدثنا نعيم بن ضمضم، عن خالٍ له يقال له عمران الحميري، قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول: "إن لله ملكًا أعطاه سمع العباد. فليس من أحدٍ يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها، وإني سألت ربي أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلي الله عليه عشر أمثالها" رواه الروياني في "مسنده" (1): عن أبي كريب، عن قبيصة، عن نعيم بن ضمضم. 120 - (وأما حدبث أبي أمامة بن سهل بن حنيف)، فقال الشافعي في "مسنده" (2): أخبرني مطرف بن مازن، عن معمر، __________ (1) لعله في القسم المفقود منه. انظر: مسند الروياني (2/ 367 - 368) وتقدم الكلام عليه. (2) (1/ رقم 581) وفي الأم (2/ 608)، ومن طريقه البيهقي في الكبري (4/ 39). وسنده ضعيف جدًا، مطرف بن مازن كذبه ابن معين. انظر: الجرح (8/ 314). والمحفوظ عن معمر ما رواه عبد الرزاق في مصنفه (3/ 6428)، وعبد الأعلي -كما سيأتي- كلاهما عن معمر عن الزهري سمع أبا أمامة يحدث سعيد بن المسيب فذكره. وسنده صحيح. وهكذا رواه شعيب ويونس والليث وغيرهم عن الزهري به نحوه، ووقع =
(1/107)
عن الزهري، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن السنة في الصلاة علي الجنازة: أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولي سرًا في نفسه، ثم يصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات، ولا يقرأ في شيءٍ منهن، ثم يسلم سرًا في نفسه". 121 - وقال إسماعيل بن إسحاق (1): حدثنا محمد بن المثنَّي، حدثنا عبد الأعلي، حدثنا معمر، عن الزهري، قال: سمعت أبا أُمامة بن سَهْل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: "إنَّ السُّنّة في صَلاَةِ الجَنَازةِ أنْ يَقْرأَ فاتِحَةَ الكِتاب ويصَلِّي علي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخْلصُ الدُّعاء للميت حتي يفْرغ، ولَا يَقْرأ إلا مَرَّة واحدة، ثم يُسلِّم في نفسه". ورواه النسائي في سننه (2). وهذا إسناد (3) صحيح. وأبو أمامة بن سهل بن حنيف بن واهب (4) الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بن مالك، اسمه "أسعد" سماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باسم __________ = فيه اختلاف يطول ذكره. (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (94)، وابن الجارود في المنتقي (1/ 134) رقم (540) وغيرهما. (2) أخرجه النسائي (1989). (3) وقع في (ش) (الإسناد). (4) وقع في (ب) (وهب) وهو خطأ. انظر: الطبقات لابن سعد (7/ 84).
(1/108)
جدِّهِ أبي أُمِّهِ (1) أسعد بن زرارة، وكنَّاه بكنيته، ودعا له وبرَّك عليه. وَعَدَّهُ أبو عمر وغيره في الصحابة. قال ابن عبد البر (2): "توفي سنة مائة وهو ابن نيف وتسعين سنة" قال: وروي الليث بن سعد: عن يونس، عن ابن شهاب، قال: "أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، وكان ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -". لكن قد اختلف في هذا الحديث، فقال: مطرف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: من السنة. وقال عبد الأعلي: عن معمر، عن الزهري، عن أبي أمامة: من السنة .. ورواه الشافعي بالوجهين. وليس هذا (3) بعلة قادحة فيه؛ فإن جهالة الصحابي لا تضر. وقول الصحابي: "من السنة" اختلف فيه (4)، فقيل: هو في حكم المرفوع، وقيل: لا يقضي به بالرفع، والصواب التفصيل كما هو مذكور في غير هذا الموضع. __________ (1) وقع في (ح) (أمامة) وهو خطأ. (2) انظر: الاستيعاب (4/ 164 - 165) والإصابة لابن حجر (1/ 100)، قال ابن عبد البر: "يُعدُّ في كبار التابعين". (3) وقع في (ب، ت، ش، ج) (وهذا ليس). (4) انظر: علوم الحديث لابن الصلاح ص (198)، والتقييد والإيضاح ص 52.
(1/109)
122 - (وأما حديث جابر بن سمرة) رضي الله عنه، فقال الدقيقي (1): حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق الكوفي، حدثني قيس بن الربيع، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - المنبر، فقال: "آمين، آمين"، فقيل: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟ فقال: "قال لي جبريل ... " فذكر الحديث. وقال فيه: "يا محمد! من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين. قلت: آمين". وقيس بن الربيع: صدوق سيء الحفظ. كان شعبة يثني عليه، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، وليس بالقوي". وقال ابن عدي: "عامة رواياته مستقيمة" (2). وهذا الأصل قد روي من حديث أبي هريرة (3)، ومن حديث كعب بن عجرة (4)، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما (5)، __________ (1) أخرجه الدقيقي في أماليه كما في القول البديع ص 139، والطبراني في الكبير (2/ 243 - 244) رقم (2022)، والبزار في مسنده (4/ 3166) وغيرهم. وإسناده ضعيف جدًا، واهي، فيه إسماعيل بن أبان الغنوي، قال أبو حاتم الرازي: متروك الحديث كان كذابًا. انظر: الجرح والتعديل (2/ 160). (2) انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب الكمال (24/ 25). قلت: وعلة الحديث هي إسماعيل بن أبان الغنوي وهو متروك كما تقدم. (3) تقدم برقم (26). (4) تقدم برقم (3). (5) سيأتي برقم (125).
(1/110)
ومن حديث أنس (1)، ومن حديث مالك بن الحويرث (2)، ومن حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي (3)، ومن حديث جابر بن سمرة (4). فأما حديث أبي هريرة، وجابر بن سمرة، وكعب بن عجرة، وأنس بن مالك، فقد تقدمت. 123 - (وأما حديث مالك بن الحويرث) رضي الله عنه، فقال أبو حاتم البستي في "صحيحه" (5): حدثنا عبد الله بن صالح البخاري (6) ببغداد، حدثنا الحسن بن علي الحلواني (7) حدثنا عمران بن أبان، حدثنا مالك بن الحسن بن مالك الحويرث، عن أبيه، عن جده، قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر، فلما رقي عتبته __________ (1) (ومن حديث أنس) ليس في (ب، ح، ش). وتقدم برقم (51). (2) سيأتي قريبًا برقم (123). (3) سيأتي قريبًا برقم (124). (4) تقدم قريبًا برقم (122). (5) (2/ 140) رقم (409)، والطبراني في الكبير (19/ 291)، وابن عدي في الكامل (6/ 381). وفي سنده عمران بن أبان الواسطي: مختلف فيه، ومالك بن الحسن بن مالك قال الذهبي: منكر الحديث. والحديث عدَّه ابن عدي من منكراته وقال: " ... وأظن أن البلاء فيه من مالك بن الحسن هذا، فإن هذا الإسناد بهذا الحديث لا يتابعه عليه أحد". انظر: الميزان (6/ 4)، ولسان الميزان (5/ 4) (6848). (6) وقع في (ح) (المحازني) وفي باقي النسخ (المحاربي) وهو خطأ. (7) وقع في (ش) (الملواني) وهو خطأ.
(1/111)
قال: "آمين"، ثم رقي عتبة أخري قال: "آمين"، ثم رقي عتبة ثالثة، وقال: "آمين"، ثم قال: "أتاني جبريل، وقال: يا محمد، من أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله. قلت: آمين. ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله، فقلت: آمين. فقال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل: آمين. قلت: آمين". 124 - (وأما حديث عبد الله بن جزء الزبيدي) رضي الله عنه، فقال جعفر الفريابي (1). حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن يزيد (2) الحضرمي، عن مسلم (3) بن يزيد الصَّدَفي، عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد، فصعد المنبر، فلما صعد أول درجة قال: "آمين"، ثم صعد الثانية، فقال: "آمين"، ثم صعد الثالثة، فقال: "آمين". فلما نزل، قيل له: رأيناك صنعت شيئًا ما كنت تصنعه؟ فقال: "إن جبريل تبدي لي في أول درجة، فقال: يا محمد! من أدرك أحد __________ (1) أخرجه الفريابي كما في القول البديع ص 140، وابن أبي عاصم في الصلاة (68)، والبزار (9/ رقم 3790). وفيه ابن لهيعة، وقد تفرد به، وهو ضعيف. وعبد الله بن يزيد الحضرمي ومسلم بن يزيد الصدفي لم أقف عليهما. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم". المجمع (10/ 165). (2) من (ظ، ج) ووقع في (ش) (زيد) ولم أقف له علي ترجمة. وسقط من (ظ، ت) قوله (الحضرمي عن مسلم بن يزيد). (3) من (ش) ووقع في (ب) سالم ولعله خطأ، وسقط من (ج، ت، ظ) وذكر المزي أن اسمه مسلم بن يزيد. تهذيب الكمال (14/ 393).
(1/112)
والديه فلم يدخلاه الجنة فأبعده الله، ثم أبعده، قال: فقلت: آمين، ثم قال في الثانية. من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له أبعده الله، ثم أبعده الله، فقلت. آمين. فقال في الثالثة (1). ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، ثم أبعده الله، فقلت: آمين". 125 - (وأما حديث ابن عباس) رضي الله عنهما، فقال الطبراني (2): حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا ليث بن هارون العكلي، حدثنا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - علي المنبر إذ قال: "آمين" ثلاث مرات، فسئل عن ذلك، فقال: "أتاني جبريل، فقال: من ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه، أو أحدهما فمات ولم يغفر له فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين، ومن أدرك رمضان فلم يغفر له فأبعده الله، قل: آمين. فقلت: آمين". 126 - ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا في ذلك ما رواه محمد بن الحسن الهاشمي (3): حدثني سليمان بن الربيع، __________ (1) وقع في (ش) (الثانية) وهو خطأ. (2) في المعجم الكبير (11/ 82). وفيه يزيد بن أبي زياد ضعيف. وليث العكلي: لم أقف عليه. انظر: تهذيب الكمال (32/ 137 - 141). (3) أخرجه أبو القاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1699). وهو حديث ضعيف جدًا، قال السخاوي: وفي سنده من اتهم بالكذب، وقال ابن كثير: لا يصح، وقال الذهبي: أحسبه موضوعًا ونهشل متروك، وكادح كذاب. انظر: التقريب (7198)، والميزان (5/ 483)، وانظر: القول البديع =
(1/113)
حدثنا كادِح (1) بن رحمة، حدثنا نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي في كتاب لم تزل الصلاة جاريةً له ما دام اسمي في ذلك الكتاب". وكادح هذا، ونهشل غير ثقتين، وقد اتهما بالكذب، لكن لم يُرْو في هذا الأصل إلا هذا الحديث. 127 - وحديث آخر من رواية ابن الجارود (2): حدثنا محمد بن عاصم، حدثنا بشر (3) بن عبيد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن (4) بن عبد الله، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فذكره. 128 - وقد روي موقوفًا من كلام جعفر بن محمد، وهو أشبه، يرويه محمد بن حمير عنه، قال: "من صلي علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتاب صلت عليه الملائكة غدوةً ورواحًا ما دام اسم رسول __________ = ص 238 - 239. (1) وقع في (ب) (كادج) والصواب بالحاء المهملة. (2) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 497) رقم (1835)، وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 164 - 165). وهو حديث باطل، بشر بن عبيد كذبه الأزدي، ويزيد بن عياض كذبه مالك. انظر: التقريب (7761). وقال الذهبي -عن هذا الحديث-: موضوع. الميزان (2/ 32) (1207). (3) من (ب، ج، ش) ووقع في (ظ) (بشير). (4) سقط من (ش) (عن عبد الرحمن)، وفي (ت) (عن عبد الرحمن عن عبد الله)، وفي مصادر التخريج بدله (يزيد بن عياض).
(1/114)
الله - صلي الله عليه وسلم - في ذلك الكتاب (1) ". 129 - وقال أحمد بن عطاء الروذباري (2): سمعت أبا صالح عبد الله بن صالح يقول: "رؤي بعض أصحاب الحديث في المنام. فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي. فقيل: بأي شيء؟ فقال: بصلاتي في كتبي علي النبي - صلى الله عليه وسلم -". 130 - ومن حديثه أيضًا ما رواه الطبراني في "معجمه" (3): عن عبدان بن أحمد، حدثنا جبارة بن مغلس، حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". ورواه ابن ماجه في "سننه" (4) عن جبارة بن مغلس، وجبارة __________ (1) * أخرجه ابن عساكر في تاريخه (35/ 385) *، وعنده (ابن جبير)، ولعل صوابه (بن حمير)، وهو الشامي: مجهول. انظر: المؤتلف للدارقطني (2/ 667)، وتوضيح المشتبه (3/ 330). (2) أخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث ص 111، رقم (249). (3) الكبير (12/ 180) رقم (12819)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 91). قال أبو نعيم: "غريب من حديث جابر وعمرو لم نكتبْه إلا من حديث جبارة، تفرد به". "قلت: وسنده ضعيف جدًا، فيه جبارة بن المغلِّس ضعيف لغفلةٍ شديدةٍ فيه. انظر: تهذيب الكمال (4/ 491 - 492). (4) رقم (908).
(1/115)
هذا كان ممن إذا وضع له الحديث حدث به وهو لا يشعر. وهذا المعني قد روي من حديث أبي هريرة، وحسين بن علي، ومحمد بن الحنفية، وابن عباس. فأما حديث حسين بن علي (1) وابن عباس (2) , فقد تقدما. 131 - (وأما حديث محمد بن الحنفية رضي الله عنه) فقال ابن أبي عاصم في كتاب "الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم -" (3): حدثنا أبو بكر، حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذكرت عنده فنسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". 132 - (وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه) (4)، فقال عبد الخالق بن الحسن السقطي: حدثنا محمد بن سليمان بن الحارث، حدثنا عمر بن حفص بن غياث، حدثني أبي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". 133 - (وأما حديث أبي ذر) رضي الله عنه، فقال __________ (1) تقدم برقم (87). (2) تقدم برقم (125). (3) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة برقم (83) وقد تقدم برقم (88) وهو مرسل. (4) تقدم برقم (89).
(1/116)
إسماعيل بن إسحاق في كتاب "الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم -" (1): حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن معبد (2) بن هلال العنزي، قال: حدثني رجل من أهل دمشق، عن عوف بن مالك، عن أبي ذر رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي" - صلى الله عليه وسلم -. 134 - وقال ابن أبي عاصم في كتاب "الصلاة" (3): حدثنا عمر بن عثمان، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، عن عثمان بن أبي العَاتِكَة (4) عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: خرجت ذات يوم فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا أخبركم بأبخل الناس؟ قالوا: بلي يا رسول الله قال: من ذكرت عنده فلم يصل علي فذلك أبخل الناس". __________ (1) برقم (37). وسنده ضعيف، لجهالة الرجل الشامي. (2) وقع في جميع الأصول (سعيد) والتصويب من فضل الصلاة، وتهذيب الكمال (28/ 241). (3) على النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (29). وسنده ضعيف جدًا، فيه علي بن يزيد الألهاني، نص يحيي بن معين وأبو حاتم على أنَّ أحاديثه عن القاسم عن أبي أمامة كلها ضعيفة بل قال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر، وابن أبي العاتكة ... ). وهذا الحديث من رواية عثمان بن أبي العاتكة وهو ضعيف عنه. انظر: تهذيب الكمال (21/ 178 - 182). (4) وقع في جميع الأصول (العالية) وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (21/ 179) وفي حاشية (ح) لعله (العاتكة).
(1/117)
وهذا من رواية الصحابي عن مثله. وهذا الأصل قد روي عن النبي - صلي الله عليه وسلم - من حديث علي بن أبي طالب (1)، وابنه الحسين (2) رضي الله عنهما، وقد ذكرا. 135 - (وأما حديث واثلة بن الأسقع) رضي الله عنه، فقال ابن منيع في "مسنده" (3): حدثنا يوسف بن عطية الصفار، عن العلاء بن كثير، عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما قوم جلسوا في مجلس ثم تفرقوا قبل أن يذكروا الله ويصلوا علي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ذلك المجلس عليهم ترة يوم القيامة" يعني: حسرة. وهذا الأصل قد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو سعيد الخدري (4)، وأبو هريرة (5) رضي الله عنهما. 136 - (وأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه)، فقال __________ (1) تقدم برقم (12). (2) تقدم برقم (94). (3) أخرجه ابن منيع في مسنده كما في المطالب العالية (14/ 138) رقم (3415) وسنده ضعيف جدًا، بل واهي. يوسف بن عطية وشيخه العلاء بن كثير، متروكان، بل رميا بالوضع. انظر: التقريب (5254 و 7874). ووقع في (ظ) (يوسف عن عطية) وهو خطأ. (4) سيأتي برقم (179). (5) تقدم برقم (20).
(1/118)
ابن شاهين (1): حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث، حدثنا علي بن الحسن (2) المكتب، حدثنا إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله التيمي، حدثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول: "من صلي علي كنت شفيعه يوم القيامة". 137 - وقال ابن أبي داود أيضًا (3): حدثنا علي بن الحسن [1] حدثنا إسماعيل بن يحيي، حدثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في حجة الوداع يقول: "إن الله عز وجل قد وهب لكم ذنوبكم عند الاستغفار، فمن استغفر بنية صادقة غفر له، ومن قال: لا إله إلا الله رجح ميزانه، ومن صلي علي كنت شفيعه يوم القيامة". 138 - (وأما حديث عائشة رضي الله عنها)، فقال إبراهيم بن رشيد بن مسلم (4): حدثنا عمر بن حبيب القاضي، حدثنا هشام بن __________ (1) أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (12). وإسناده واهي، فيه إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله التيمي قال صالح جزرة: كان يضع الحديث. لسان الميزان (1/ 557)، وعلي بن الحسن وهو علي بن عبده، قال يحيي القطان: كذاب. لسان الميزان (4/ 255). (2) أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (177). وهو حديث باطل، اسناده واهي، وقد تقدمت علته في الحديث الماضي. (3) وقع في (ظ، ت، ش، ب، ج) (الحسين) وهو خطأ والصواب ما أثبته. انظر: لسان الميزان (4/ 255). (4) أخرجه ابن البنَّاء كما في القول البديع ص 113 والديلمي في مسند الفردوس =
(1/119)
عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من عبد صلي علي صلاة إلا عرج بها ملك حتي يجيء بها وجه الرحمن عز وجل، فيقول ربنا تبارك وتعالي: اذهبوا بها إلي قبر عبدي تستغفر لصاحبها وتقر بها عينه". 139 - وقال أبو نعيم (1): أخبرنا عبد الله بن جعفر، أخبرنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا عبد الرحمن بن هانيء، حدثنا أبو مالك -هو عبد الملك بن حسين- عن عاصم بن عبيد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله تعالي عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلي علي، فليكثر عبد أو يقل". 140 - (وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)، فقال __________ = (4/ 10) (6026). وسنده ضعيف جدًا، عمر بن حبيب هو العدوي البصري ضعيف جدًا. انظر: تهذيب الكمال (21/ 292 - 296). ووقع في زهر الفردوس لابن حجر ( ... علي بن أحمد بن علي بحلب عن هشام ... ) ولم أقف علي أحد بهذا الاسم في هذه الطبقة فلعل تصحيفًا أو تحريفًا وقع في الاسناد، والله أعلم. (1) أخرجه أبو بكر الشافعي في فوائده (الغيلانيات) (2/ 1008)، والشجري في أماليه (1/ 130). وإسناده ضعيف جدًا، واهي، فيه عبد الملك بن حسين، قال ابن معين: ليس بشيء. وضعفه أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما. انظر: الجرح والتعديل (5/ 347)، والميزان (4/ 396). وفيه عاصم بن عبيد الله، وقد اضطرب فيه، كما تقدم برقم (67) و (61).
(1/120)
أبو داود في "سننه" (1): حدثنا محمد -يعني ابن سلمة- حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، وحيوة، وسعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أنه سمع النبي - صلي الله عليه وسلم - يقول: "إذا سَمِعْتُم المؤذنَ فقولُوا مثلَ ما يَقُول، ثم صَلُّوا عليَّ، فإنَّه مَنْ صَلَّي علَيَّ صَلاَةً صلَّي اللهُ علَيه عَشْرًا، ثُم سَلُوا اللهَ ليَ الوَسيْلة فإنَّها مَنْزِلة في الجنَّة لا تَنْبَغِي إلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وأرْجُو أنْ أَكونَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سألَ اللهَ لِيَ الوسِيْلة، حَلَّتْ عَليْهِ الشَّفَاعَة". ورواه مسلم (2) عن محمد بن سلمة. 141 - وله حديث آخر موقوف، ذكره عبد الله بن أحمد (3): حدثنا أبي، حدثنا يحيي بن إسحاق، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة، عن عبد الله -وفي نسخة عبد الرحمن- بن مُرِيْح (4) الخولاني- قال: سمعت أبا قيس مولي عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: من صلي علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة صلي الله عليه __________ (1) أخرجه أبو داوود (523)، والترمذي (3614)، والنسائي (678)، وأحمد (2/ 168) وغيرهم. (2) في صحيحه في (4) الصلاة رقم (384). (3) أخرجه أحمد في مسنده (2/ 172 و 187). وسنده ضعيف، فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وفيه عبد الرحمن بن مريح قال أبو حاتم وغيره: مجهول. انظر: الجرح والتعديل (5/ 287)، وأيضًا فيه غرابة. انظر مسلم (384). (4) وقع في جميع الأصول (شريح) وهو خطأ. انظر: تعجيل المنفعة (1/ 812) رقم (647).
(1/121)
وملائكته بها سبعين صلاة، فليقل من ذلك أو ليكثر. كذا رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالي موقوفًا، ذكره (1) أبو نعيم عن أحمد بن جعفر، عن عبد الله (2) عن أبيه. 142 - وله حديث آخر موقوف، رواه الحافظ أبو موسي المديني (3): من حديث محمد بن أبي العوام، عن أبيه، حدثنا إبراهيم بن سليمان أبو إسماعيل المؤدب، عن سعيد بن معروف، عن عمرو بن قيس -أو ابن أبي قيس- عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو، قال: "من كانت له إلي الله حاجة فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا كان يوم الجمعة تطهر وراح إلي المسجد، فتصدق بصدقة - قلت أو كثرت- فإذا صلي الجمعة قال: اللهم إني أسألك باسمك، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الذي لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، الذي ملأت عظمته السموات والأرض، الذي عنت له الوجوه، وخشعت له الأصوات، ووجلت القلوب من خشيته: أن تصلي علي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن تعطيني حاجتي، وهي كذا وكذا، فإنه يستجاب له إن شاء الله __________ (1) في (ت) (فذكره). (2) من (ش، ت، ظ، ب)، ووقع في (ح) (عبد الحميد) وهو خطأ. (3) أخرجه الأصبهاني في الترغيب (2/ 1267) * وعبد الغني المقدسي في الترغيب في الدعاء رقم (59) وغيرهما *. وفيه عمر بن قيس: مجهول، وسعيد بن معروف، قال الأزدي: لا تقوم به حجة. وإبراهيم بن سليمان المؤدب: صدوق، صحيح الكتاب، ضعيف الحفظ. انظر: تهذيب الكمال (2/ 100 - 101). انظر: اللسان (3/ 49 - 50) و (4/ 369)، والميزان (1/ 156).
(1/122)
تعالي. قال: وكان يُقال (1): لا تعلموه سفهاءكم لا (2) يدعون على مأثم ولا (3) قطيعة رحم". 143 - (وأما حديث أبي الدرداء رضي الله عنه)، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (4): حدثنا محمد بن علي بن حبيب الطرائفي الرقي (5)، حدثنا محمد بن علي بن ميمون، حدثنا سليمان بن عبد الله الرقي، حدثنا بقية بن الوليد، عن إبراهيم بن محمد بن زياد، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي حين يصبح عشرًا وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي". 144 - قال الطبراني (6): حدثنا يحيي بن أيوب العلاف، __________ (1) وقع في (ح) (يقول). (2) كذا في جميع الأصول (لا). (3) في (ب، ش، ح) (أو قطيعة رحم). (4) أخرجه الطبراني في الكبير (كما في القول البديع ص 116)، وابن أبي عاصم في الصلاة (61). وسنده ضعيف، بقية مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه انقطاع بين خالد وأبي الدرداء، حيث إنه لم يسمع منه. قاله الإمام أحمد. انظر: جامع التحصيل رقم (167) والحديث أعله السخاوي بالانقطاع، انظر القول البديع ص 116. (5) سقط من (ظ، ت) (الرَّقِّي). (6) أخرجه الطبراني في الكبير (كما في القول البديع ص 153). وإسناده ضعيف، وهذه الرواية خطأ، لعل يحيي بن أيوب أخطأ فيها أو شيخه، حيث خالف خالدَ بن يزيد، عمرو بن الحارث فرواه عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي عن أبي الدرداء، وهذا الصواب والله أعلم. =
(1/123)
حدثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيي بن أيوب عن خالد بن يزيد (1) عن سعيد بن أبي هلال، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة، ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان" قلنا: وبعد وفاتك؟ قال: "وبعد وفاتي، إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". 145 - (وأما حديث سعيد بن عمير الأنصاري، عن أبيه عمير البدري)، فقال عبد الباقي بن قانع (2): حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن صالح بن شيخ بن عميرة، قال: حدثني محمد بن هشام، حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن أبي الصباح النميري (3) حدثنا سعيد بن عمير، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي صادقًا من نفسه صلي الله عليه عشر صلوات، ورفعه عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات". __________ = وقد تقدم هذا الحديث برقم (77). (1) وقع في (ح) (زيد) وهو خطأ. (2) في معجم الصحابة (11/ 3859) رقم (1300)، وأبو القاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/ 1673). وسنده ضعيف لجهالة أبي الصباح وسعيد بن عمير، وهذه الرواية أيضًا معلولة أعلها أبو زرعة الرازي حيث رجَّح أن الحديث من مسند أبي بردة بن نيار وقد تقدم ذلك برقم (114) و (115). (3) وقع في جميع الأصول (البهري) وما أثبته من مصدري التخريج، ووقع عند أبي نعيم في المعرفة (التغلبي).
(1/124)
الفصل (1) الثاني في المراسيل والموقوفات (2) فمنها ما رواه إسماعيل في كتابه (3). 146 - حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار، حدثنا هشيم، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن يزيد الرقاشي، قال: "إن ملكًا موكل (4) يوم الجمعة، من صلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن فلانًا من أمتك يصلي عليك". هذا موقوف. 147 - وقال إسماعيل (5): حدثنا مسلم، حدثنا مبارك، عن الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة". 148 - وقال (6): حدثنا إبراهيم بن الحجاج، حدثنا وهيب، __________ (1) في جميع الأصول (الباب) وكلام المؤلف وسياقه يقتضي أنه (الفصل). (2) تكرر في (ش) (في المراسيل والموقوفات). (3) فضل الصلاة (27)، وابن أبي شيبة (6/ 330) (31783). وهو أثرٌ مقطوع. (4) في جميع الأصول (موكلًا). (5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (28)، وابن أبي شيبة (2/ 254) (8700). وهو مرسل. (6) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (24). وسنده صحيح إلي أيوب السختياني.
(1/125)
عن أيوب، قال: "بلغني -والله أعلم- أن ملكًا موكل بكل من صلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - يبلغه النبي - صلى الله عليه وسلم -". 149 - حدثنا إبراهيم بن حمزة (1)، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن سهيل قال: جئت أسلم علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وحسن بن حسن (2) رضي الله عنه يتعشي في بيت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعاني، فجئته، فقال: ادن فتعش قال: قلت: لا أريده، قال لي: ما لي رأيتك وقفت؟ قال: وقفت أسلم علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا دخلت المسجد فسلم عليه، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا في بيوتكم ولا تجعلوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم". 150 - حدثنا سليمان بن حرب (3)، حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بحسب امريء من البخل أن أذكر عنده فلا (4) يصلي علي" - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (30) وابن عساكر في تاريخه (13/ 62) وغيرهما. وسند المرفوع ضعيف لإرساله. انظر: التاريخ الكبير (4/ 105)، والجرح والتعديل (4/ 249). (2) في (ب، ش، ح) (حسن بن حسين) ووقع في (ظ، ت) (حسن وحسين) والصواب ما أثبته. انظر مصنف عبد الرزاق (3/ 577) رقم (6726). (3) أخرجه إسماعيل القاضي (38). وهو مرسل. (4) في (ب) (فلم يصلِّ).
(1/126)
151 - حدثنا سلم (1) بن سليمان الضبي (2)، حدثنا أبو حرة، عن الحسن، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كفي به شحًّا أن يذكرني قوم فلا يصلون علي" - صلى الله عليه وسلم -. 152 - حدثنا عارم (3)، حدثنا جرير، عن الحسن، رفعه: "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة". 153 - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس (4)، حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه، رفعه إلي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". 154 - حدثنا علي بن عبد الله (5)، حدثنا سفيان، قال: قال عمرو: عن محمد بن علي بن حسين، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". 155 - قال سفيان: قال رجل بعد عمرو: سمعت محمد بن علي يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذكرت عنده فلم يصل علي خطيء طريق الجنة"، ثم سمي سفيان الرجل فقال: هو بسام (6)، __________ (1) وقع في (ح) (سليم) وهو خطأ. (2) أخرجه إسماعيل القاضي (39). وهو مرسل ضعيف الاسناد، سلم بن سليمان قال العقيلي: لا يقيم الحديث. انظر: الميزان (3/ 264). (3) أخرجه إسماعيل القاضي (40). وهو مرسل. (4) أخرجه إسماعيل القاضي (41). وهو مرسل. (5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (42). وهو مرسل. (6) هو بسام بن عبد الله الصيرفي أبو الحسن الكوفي وثقه ابن معين وابن نمير =
(1/127)
وهو الصيرفي. 156 - حدثنا سليمان بن حرب، وعارم (1)، قالا: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن محمد بن علي، يرفعه: "من نسي الصلاة علي خطيء طريق الجنة". 157 - حدثنا إبراهيم بن الحجاج (2)، حدثنا وهيب، عن جعفر، عن أبيه؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ذكرت عنده فلم يصل علي فقد خطيء طريق الجنة". 158 - حدثنا محمد بن أبي بكر (3)، حدثنا عمر بن علي، عن (4) أبي بكر الجشمي، عن صفوان بن سليم (5)، عن عبيد الله (6) بن __________ = والحاكم وابن شاهين. وقال أبو حاتم وأحمد: لا بأس به، وقال ابن حبان: يخطيء. انظر: تهذيب الكمال (4/ 59). (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (43). وهو مرسل. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (44). وهو مرسل. (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (50). وسنده ضعيف، لانقطاعه. ويغني عنه، ما أخرجه مسلم في (4) الصلاة (384). (4) وقع في (ظ، ت، ب، ش، ح) (بن) بدلًا من (عن) وهو خطأ، والتصويب من فضل الصلاة، و (ج). (5) وقع في (ت) (صفوان بن سليمان) وهو خطأ، وسقط من (ج) (عن). (6) كذا في جميع الأصول (ظ، ت، ب، ش، ج، ح)، ووقع في (فضل الصلاة) (عبد الله بن عمرو) فإن كان الصواب ما هو مثبت (عبيد الله بن عمر) فالإرسال فيه ظاهر جدًا، وأما إن كان الصواب (عبد الله بن عمرو) فهو أيضًا إرسال في إطلاق بعض الأئمة، وهو بمعني: الانقطاع، فإن صفوان لم يسمع من عبد الله بن عمرو فقد ولد صفوان سنة 60 هـ بالمدينة، وتوفي عبد الله بن =
(1/128)
عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلي علي أو سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة". 159 - حدثنا سليمان بن حرب (1)، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا سعيد الجريري، عن يزيد بن عبد الله (2) أنهم كانوا يستحبون أن يقولوا: "اللهم صل علي محمد النبي الأمي" (عليه السلام). 160 - حدثنا عاصم بن علي (3)، حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي (4) فاختة، عن الأسود، عن عبد الله، أنه قال: إذا صليتم علي النبي - صلى الله عليه وسلم - فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قالوا: فعلمنا، قال: قولوا: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك علي سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، قائد الخير وإمام الخير، ورسول الرحمة، اللهم أبعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وعلي آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك علي محمد وعلي آل محمد كما باركت علي إبراهيم وعلي آل __________ = عمرو سنة 65 هـ بمصر. انظر تهذيب التهذيب (2/ 212). (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (60). وسنده صحيح إلي يزيد. (2) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (عبيد الله) وهو خطأ. (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (61). وقد تقدم الكلام عليه برقم (42). (4) في جميع الأصول (ابن) وهو خطأ.
(1/129)
إبراهيم إنك حميد مجيد". 161 - حدثنا يحيي الحماني (1)، حدثنا هشيم، حدثنا أبو بَلْج (2)، حدثنا ثُوَيْر (3) مولي بني هاشم قال: قلت لعبد الله بن عمرو -: أو ابن عمر- كيف الصلاة علي النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "اللهم اجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك علي سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، اللهم ابعثه يوم القيامة مقامًا محمودًا يغبطه الأولون والآخرون، وصل علي محمدٍ وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم". 162 - حدثنا محمود بن خداش (4)، أخبرنا جرير، عن __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (62)، وأحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية) (13/ 806) رقم (3332) و (6/ 499) (6283) كما في اتحاف الخيرة المهرة للبوصيري). وسنده ضعيف جدًا، فإن ثويرًا هذا هو ابن أبي فاختة، واسمه سعيد بن علاقة القرشي الهاشمي مولي أم هانيء بنت أبي طالب. وهو ضعيف جدًا. انظر: تهذيب الكمال (4/ 429 - 431). وأبو بلج هو الفزاري الكبير، واسمه يحيي بن أبي سليم. (2) من (ظ، ب، ج) ووقع في (ش) (أبو بلخ) وهو خطأ. انظر: تهذيب الكمال (33/ 162). (3) وقع في (ظ، ش، ت، ب، ح، ج) (يونس) وهو خطأ، وصوابه ما هو مثبت كما جاء مصرحًا به عند أحمد بن منيع وغيره، وهو مولي بني هاشم سمع ابن عمر. انظر: تهذيب الكمال (4/ 429). (4) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (64). وهو معضل، فإبراهيم النخعي من كبار أتباع التابعين. انظر: تهذيب الكمال (2/ 237). وأيضًا هذه الصيغة فيها غرابة في لفظها، لا تشبه الأحاديث المرفوعة =
(1/130)
مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: قالوا: يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل علي محمدٍ عبدك ورسولك وأهل بيته، كما صليت علي آل إبراهيم إنك حميد مجيد". 163 - حدثنا سليمان بن حرب (1)، حدثنا السري بن يحيى، قال: سمعت الحسن قال: لما نزلت {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، قالوا: يا رسول الله! هذا السلام قد علمنا كيف هو، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك؟ قال: "تقولون: اللهم اجعل صلواتك وبركاتك علي محمدٍ كما جعلتها علي إبراهيم إنك حميد مجيد". 164 - حدثنا سليمان بن حرب (2)، حدثنا عمر بن مسافر، حدثني شيخ من أهلي قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ما من دعوةٍ لا يصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلها إلا كانت معلقة بين السماء والأرض". __________ = (المسندة) الثابتة كحديث أبي مسعود وكعب بن عُجْرة وأبي حميد. (1) أخرجه إسماعيل القاضي مي فضل الصلاة (65). وهو مرسل. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (74). وسنده ضعيف جدًا فيه عمر بن مسافر، ضعيف جدًا، والشيخ الذي لم يسمَّ. انظر: لسان الميزان (3/ 377 - 378). ملحوظة: تصحَّف (عمر) إلي (عمرو).
(1/131)
165 - وفي الترمذي (1). من حديث النضر بن شميل، عن أبي قرة الأسدي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر رضي الله عنه قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتي تصلي علي نبيك - صلى الله عليه وسلم -". وقد روي مرفوعًا (2) والموقوف أصح. 166 - وروي عبد الكريم بن عبد الرحمن الخزاز" (3)، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، أنه قال: "ما من دعاءٍ إلا بينه وبين السماء حجاب حتي يصلي علي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا صلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستجب الدعاء". هذا هو الصواب موقوف، ورفعه سلام الخزاز، وعبد الكريم بن مالك الخزاز، عن أبي إسحاق، عن الحارث (4). __________ (1) أخرجه الترمذي (486) وغيره. وهو ضعيف، لأن مداره علي أبي قرة، وهو مجهول، وقد تقدم الكلام عليه برقم (62 و 64). (2) تقدم برقم (13)، ووقع في (ظ، ت، ج) (موقوفًا) وهو خطأ. (3) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 211) رقم (721)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 206) رقم (1474) وغيرهما (وقد قرنا مع الحارث عاصم بن ضمرة). وهو حديث ضعيف جدًا مداره علي الحارث الأعور وهو متهم. ومتابعة عاصم بن ضمرة منكرة، تفرد بها عبد الكريم الخزاز وهو مجهول، وهذا الأثر من مناكيره. انظر: لسان الميزان (4/ 63) (5301). (4) وقد تقدم ذكر ذلك برقم (13).
(1/132)
167 - وقال القاضي إسماعيل (1): حدثنا محمد بن المثني، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث؛ أن أبا حليمة -معاذًا- كان يُصلِّي علي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في القُنُوتِ. 168 - حدثنا معاذ بن أسد (2)، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا ابن لهيعة، حدثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نبيه بن وهب؛ أن كعبًا دخل علي عائشة رضي الله عنها، فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال كعب: "ما من فجرٍ يطلع إلا نزل سبعون ألفًا من الملائكة حتي يحفوا بالقبر، يضربون بأجنحتهم القبر، ويصلون علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتي إذا أمسوا عرجوا، وهبط سبعون ألفًا حتي يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم، فيصلون علي النبي صلي الله تعالي عليه وسلم، سبعون ألفًا بالليل وسبعون ألفًا بالنهار، حتي إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفًا من الملائكة يزفونه". 169 - حدثنا مسلم بن إبراهيم (3)، حدثنا هشام الدستوائي، __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (107). وسنده حسن. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (102)، وابن المبارك في الزهد رقم (1600)، والدارمي في سننه رقم (95) وغيرهم. وسنده ضعيف للإنقطاع، فإن نبيه بن وهب لم يسمع من كعب الأحبار، قال أبو زرعة: نبيه بن وهب عن عثمان: مرسل. قلت: وكعب توفي قبل عثمان رضي الله عنه، * وأيضًا الأثر من الإسرائيليات *. انظر: المراسيل (851)، والتهذيب (29/ 320). (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (88 و 89)، والطحاوي في شرح =
(1/133)
حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، أن ابن مسعود، وأبا موسي، وحذيفة، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يومًا، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتح بها الصلاة، وتحمد ربك وتصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتركع، وتحمد ربك، وتصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع. فقال حذيفة، وأبو موسي: صدق أبو عبد الرحمن. 170 - حدثنا سليمان بن حرب (1)، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن أبي بكر قال: كُنَّا بالخيْفِ ومَعَنا عبد الله بن أبي عتبة، فحمِدَ الله وأثني عليه وصلَّي علي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ودعا بدعواتٍ؛ ثم قام __________ = معاني الآثار (4/ 348)، والبيهقي في الكبري (3/ 291)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 2171). وهو أثر معلول، اضطرب فيه حماد بن أبي سليمان، والصحيح ما رواه الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال إن أميرًا ... فذكر القصة مرسلًا بدون ذكر (علقمة). أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 494) (5698)، والطبراني (9/ 351) وغيرهما. وأصل القصة ثابتة من وجه آخر أخرجها ابن أبي شيبة (1/ 494) (5698) وغيره. انظر: أحكام العيدين للفريابي ص 158 - 162 مع الحاشية. (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (90). وسنده صحيح.
(1/134)
فصلَّى بِنَا (1). 171 - حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب (2)، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، عن صالح بن محمد بن زائدة، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: "كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي علي النبي - صلى الله عليه وسلم -". 172 - حدثنا يحيي بن عبد الحميد (3)، حدثنا سيف بن عمر التميمي (4)، عن سليمان العبسي، عن علي بن حسين، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالي عنه: "إذا مررتم بالمساجد فصلوا علي النبي - صلى الله عليه وسلم -". 173 - حدثنا سليمان بن حرب (5)، حدثنا شعبة، عن أبي __________ (1) سقط من (ظ، ش، ت، ب، ح، ج) قوله (بنا) واستدركته من كتاب فضل الصلاة. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (79). وسنده ضعيف، ضعفه السخاوي. فيه عبد الله بن عبد الله الأموي حجازي، قال الذهبي: مجهول، وقال ابن حجر: لين الحديث. انظر: تهذيب الكمال (15/ 185 - 186). وفيه أيضًا: صالح بن محمد بن زائده، قال ابن حجر: ضعيف. التقريب (2885). (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (80). وسنده واهي، فيه سيف بن عمر، متروك. انظر: تهذيب الكمال (12/ 326 - 327). (4) وقع في (ب) (التيمي) والصواب ما أثبتناه. انظر: تهذيب الكمال (12/ 324). (5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (85)، وعبد الرزاق (1/ 1669)، =
(1/135)
إسحاق، قال: سمعت سعيد بن ذي حُدَّان (1) قال: قلت لعلقمة: ما أقول إذا دخلت المسجد؟ قال: "تقول: صلَّي اللهُ ومَلائِكتُه عَلَي محمَّد، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ ورحْمةُ اللهِ وبركاتُه". 174 - حدثنا عارم بن الفضل (2)، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا زكريا عن الشعبي، عن وهب بن الأجدع، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه، يقول: "إذا قَدِمْتُم فَطُوفُوا بالبَيْتِ سَبْعًا، وصَلُّوا عندَ المقامِ رَكْعتين، ثم ائتُوا الصَّفا فقُومُوا عليهِ مِن حيثُ ترونَ البيتَ فكبِّروا سبعَ تكبيرات، بَيْن كلِّ تكْبِرتَينِ حمدٌ لله وثناءٌ عليه، وصَلاةٌ علي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومسألةٌ لنفْسِك، وعلى المَرْوة مِثل ذلك". 175 - حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار (3)، حدثنا هشيم، __________ = وابن سعد في الطبقات (8/ 211) وغيرهم. وسنده لا بأس به، فيه سعيد بن ذي حدَّان، قال ابن المديني: هو رجل مجهول، وقال أبو زرعة: صالح. انظر: سؤالات البرذعي (2/ 620) رقم (118). وقال: "ابن حبان ربما أخطأ". انظر: تهذيب الكمال (10/ 425). (1) من (ش) ووقع في (ظ، ب، ج) (حرَّان). (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (81)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 222) رقم (1397)، والبيهقي (5/ 94) وغيرهم. وسنده صحيح. وصححه ابن كثير وابن حجر والسخاوي وغيرهم. انظر: القول البديع ص 119، وتفسير ابن كثير (3/ 523). (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (12). وسنده ضعيف، فيه شيخ المصنف، عبد الرحمن بن واقد قال أبو حاتم: شيخ. الجرح والتعديل =
(1/136)
أخبرنا العوام بن حوشب، حدثني رجل من بني أسد، عن عبد الرحمن (1) بن عمرو قال: "من صلي علي النبي - صلي الله عليه وسلم - كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجات". 176 - حدثنا علي بن عبد الله (2)، حدثنا سفيان، عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاني آتٍ من ربي فقال: ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلي الله عليه بها عشرًا". فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك؟ قال: "إن شئت"!. قال: أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال: "إن شئت". قال: أجعل دعائي كله لك؟ قال: "إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة"، فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع: سفيان (3)! عمن أسنده؟ فقال: لا أدري. __________ = (5/ 296) وفيه الرجل الذي لم يُسمَّ. (1) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع من فضل الصلاة، فلعله من الصحابة المقلِّين. انظر: الإصابة (4/ 174). أو تحرَّف من (عبد الله) إلي (عبد الرحمن)، فيكون هو الصحابي المشهور فالله أعلم بالصواب. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (13)، وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 215) رقم (3115). وهو مرسل. (3) من جميع الأصول ووقع في فضل الصلاة (لسفيان).
(1/137)
177 - حدثنا عبد الرحمن بن واقد العطار (1)، حدثنا هشيم، حدثنا حصين بن عبد الرحمن، عن يزيد الرقاشي، قال: "إنَّ ملكًا موكل يوم الجمعة بمن صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- يبلغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: إن فلانًا من أمتك يصلي عليك". 178 - وقال علي بن المديني (2): حدثنا سفيان، حدثني معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، يقول: "اللهُمَّ تَقَبَّل شَفاعةَ مُحمَّدٍ الكُبْرَى، وارفعْ دَرَجَتَهُ العُلْيا، وأعْطِه سُؤلَه في الآخِرَةِ والأوْلى، كَما آتيتَ إبراهيمَ وموسى عليهما الصَّلاة والسَّلام". 179 - وقال إسماعيل (3): حدثنا عاصم بن علي، وحفص بن عمر، وسليمان بن حرب، قالوا: حدثنا شعبة، عن سليمان، عن ذكوان، عن أبي سعيد قال: "ما مِنْ قَومٍ يَقْعُدُون ثمَّ يَقُومُون لا يُصلُّون على النَّبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم إلَّا كانَ عَليهِمْ يومَ __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (27). وهو مقطوع، وقد تقدم برقم (146). (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (52)، وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 211) رقم (3104). وسنده صحيح. (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (55)، والبغوي في الجعديات (1/ 448) رقم (761)، والنسائي في عمل اليوم والليلة رقم (410). وسنده صحيح، لكن وقع فيه اختلاف طويل تقدم ذكره ص 30 - 31 تحت رقم (20).
(1/138)
القيامةِ حَسْرةٌ، وإنْ دَخَلوا الجَنَّة؛ يَروْنَ الثَّواب" (1) وهذا لفظ الحَوْضِي (2). __________ (1) كذا في جميع النسخ، وجاء في بعض ألفاظه "لما يرون من الثواب". انظر القول البديع للسخاوي ص 145، وجاء في حاشية (ش) ما نصه (معنى ذلك والله أعلم: أنهم يتحسرون على تركهم الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في موقف القيامة، ولو كان مصيرهم إلى الجنة؛ لا أنّ الحَسْرة تلازمهم بعد دخول الجنة). (2) يعني: حفص بن عمر.
(1/139)
الباب الثاني (1) في بيان (2) معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والصلاة على آله وتفسير الآل
ووجه تشبيه الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة على إبراهيم وآله من بين سائر الأنبياء، عليهم السلام (3)، وختم الصلاة بالاسمين الخاصين، وهما (4) "الحميد المجيد"، وفي بيان معنى السلام عليه، والرحمة والبركة، ومعنى اللهم، ومعنى اسمه "محمد" - صلى الله عليه وسلم -، فهذه عشرة (5) فصول. الفصل الأول في افتتاح صلاة المصلي بقول "اللَّهُمَّ" ومعنى ذلك لا خلاف أن لفظة (6) "اللهم" معناها "يا الله"، ولهذا لا __________ (1) في جميع الأصول (الثالث)، وكلام ابن القيم ومقتضاه يدل على ما أثبت. (2) سقط من (ظ، ت) (بيان). (3) إضافة من (ب). (4) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (وهو) وهو خطأ. (5) من (ظ، ت، ب)، وضرب عليها في (ش) ووضع بدلًا منها (ويشتمل هذا الباب على عشرة فصول). (6) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (لفظ).
(1/140)
تستعمل إلا في الطلب، فلا يقال: اللهم غفور رحيم، بل يقال: اغفر لي وارحمني. واختلف النُّحاة في الميم المشدَّدة من آخر الاسم: فقال سيبويه (1): زيدت عوضًا من حرف النداء (2)، ولذلك لا يجوز عنده الجمع بينهما في اختيار الكلام، فلا يقال: "يا اللهم" إلا فيما ندر، كقول الشاعر (3). إنِّي إذَا ما حَدَثٌ ألَمَّا ... أقولُ يا اللَّهُمَّ يا اللَّهُمَّا ويُسمَّى ما كان من هذا الضَّرْبِ عوضًا؛ إذ هو في غير محل المحذوف، فإن كان في محله سُمِّيَ بدلًا، كالألف في "قام" و "باع" فإنها بدل عن الواو والياء، ولا يجوز عنده أن يوصف هذا الاسم أيضًا، فلا يقال: "يا اللهم الرحيم ارحمني" ولا يُبْدَلُ منه. والضَّمَّة التي على الهاء ضَمَّة الاسم المنادى المفرد، وفتحت الميم لسكونها وسكون الميم التي قبلها، وهذا من خصائص هذا الاسم، كما اختصَّ بالتاء في القَسَم، وبدخول حرف النداء عليه مع __________ (1) هو عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر إمام البصريين له: الكتاب، توفي سنة 180 هـ وعمره 32 سنة وقيل غير ذلك. انظر: بغية الوعاة (2/ 229 - 230). (2) انظر: الكتاب له (1/ 25). (3) انظر: لسان العرب (13/ 469) (مادة: أله) ولم ينسبه لأحد، ونَسَبهُ الأزهري في تهذيب اللغة (1/ 191) لقُطْرب لكن بلفظ (إني إذا (ما طعم) المّا ... ).
(1/141)
لام التعريف، وبقطع همزة وصله في النداء، وتفخيم لامه وجوبًا غير مسبوقة بحرف إطباق. هذا ملخص (1) مذهب الخليل (2) وسيبويه. وقيل: الميم عوض عن جملة محذوفة (3)، والتقدير: "يا الله أُمَّنا بخير"، أي: اقصدنا، ثم حُذِفَ الجار والمجرور وحُذِفَ المفعول، فبقي في التقدير: "يا الله أمّ" ثم حذفوا الهمزة لكثرة دوران هذا الاسم في الدعاء على ألسنتهم فبقي: "يا اللهم" وهذا قول الفراء (4). وصاحب هذا القول يجوز دخول "يا" عليه، ويحتج بقول الشاعر (5): يا اللَّهُمَّا - اردُدْ عَلَيْنا شَيْخَنَا (6) مُسَلّما وبالبيت المتقدم وغيرهما. __________ (1) في (ت) (تلخيص). (2) حكاه عنه سيبويه في الكتاب (2/ 196). (3) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 203 - 204)، وتفسير الطبري (3/ 221). (4) هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، من أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي، له معاني القرآن وغيره توفي سنة 207 هـ. انظر: بغية الوعاة (2/ 333). (5) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 203). قال وأنشدني بعضهم. فذكره وأوله وما عليكِ أن تقولي كلما، ... صليت أو سبحت يا اللهمَّا. (6) من (ظ) ووقع في (ش) (شخنا) ووقع في (ب) (شيخا).
(1/142)
وردَّ البصريون هذا بوجوه (1): أحدها: أن هذه تقادير (2) لا دليل عليها، ولا يقتضيها القياس فلا يصار إليها بغير دليل. الثاني: أن الأصل عدم الحذف، فتقدير هذه المحذوفات الكثيرة خلاف الأصل. الثالث: أن الداعي بهذا قد يدعو (3) بالشَّرِّ على نفسه وعلى غيره، فلا يصحح هذا التقدير فيه. الرابع: أن الاستعمال الشائع الفصيح يدل على أن العرب لم تجمع بين "يا" و"اللهم". ولو كان أصله ما ذكره الفراء لم يمتنع الجمع، بل كان استعماله فصيحًا شائعًا، والأمر بخلافه. الخامس: أنه لا يمتنع أن يقول الداعي: "اللهُمَّ أُمَّنا بخير". ولو كان التقدير كما ذكره لم يجز الجمع بينهما، لما فيه من الجمع بين العِوَضِ والمُعَوَّض. السادس: أن الداعي بهذا الاسم لا يخطر ذلك بباله، وإنما تكون غايته (4) مجردة إلى المطلوب بعد ذكر الاسم. __________ (1) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 393 - 394)، وتفسير القرطبي (4/ 54). (2) وقع في (ب) (تقدير) وهو خطأ. (3) وقع في (ب) (يدعونا لشر) وهو خطأ. (4) وقع في (ب، ش، ج، ح) (عنايته).
(1/143)
السابع: أنه لو كان التقدير ذلك لكان "اللهم" جملة تامة يَحسُنُ السكوت عليها لاشتمالها على الاسم المنادى وفعل الطلب، وذلك باطل. الثامن: أنه لو كان التقدير ما ذكره لَكُتِبَ فعل الأمْرِ وحْده، ولم يوصل بالاسم المنادى، كما يقال: "يا الله قِهْ"، و "يا زيد عِهْ"، و "يا عمرو (1) فُهْ"؛ لأن الفعل لا يوصل بالاسم الذي قبله حتى يجعلا في الخط كلمة واحدة، هذا لا نظير له في الخط، وفي الاتفاق على وصل الميم باسم الله دليل على أنها ليست بفعل مستقل. التاسع: أنه لا يسوغ ولا يحسن في الدعاء أن يقول العبد: "اللَّهُمَّ أُمَّنِي بكَذا"، بل هذا مستكره (2) اللفظ والمعنى، فإنه لا يقال: اقصدني بكذا، إلا لمن كان يَعْرِضُ له الغلط والنسيان، فيقول له: اقصدني. وأما من كان (3) لا يفعل ولا (4) يترك إلا بإرادته، ولا يَضِلُّ ولا يَنْسَى، فلا يقال له: اقصد كذا. العاشر: أنه يسوغ استعمال هذا اللفظ في موضع لا يكون بعده دعاء. __________ (1) من (ش، ت، ظ، ح) ووقع في (ب) (يا عمرو قه) وهو خطأ. (2) في (ت) (مستنكر). (3) من (ح) وسقط من (ش، ب، ظ). (4) من (ب) فقط، (ولا يترك).
(1/144)
180 - كقوله - صلى الله عليه وسلم - في الدعاء (1): "اللهم لك الحمد وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك". 181 - وقوله (2): "اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدًا عبدك ورسولك". وقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران: 26] الآية. وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} [الزمر: 46]. __________ (1) أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 313) رقم (3394). وهو منكر الإسناد، تفرد به زكريا بن فروخ التمار عن وكيع عن الأعمش عن شقيق عن ابن مسعود فذكره مرفوعًا. وزكريا هذا لم أقف عليه وقال الهيثمي (وفيه من لم أعرفهم)، المجمع (10/ 183)، وله طريق آخر منكر أيضًا. انظر: الدعوات الكبير للبيهقي رقم (233). (2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1201 أبو داوود (5078)، والترمذي (3501)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (9) وغيرهم. وسنده ضعيف، مسلم بن زياد مجهول، قاله ابن القطان. انظر: تهذيب الكمال (27/ 515). والحديث ضعفه الترمذي بقوله (غريب). وله طريق آخر: مكحول عن أنس، عند أبي داوود (5069) وغيره. وهو أيضًا ضعيف، ويُخشى أنه يرجع إلى الأول (مسلم بن زياد)، وله شواهد واهية.
(1/145)
182 - وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في رُكوعِه وسجودِه (1): "سُبْحانَكَ اللهُمَّ ربَّنا وَبِحمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". فهذا كله لا يسوغ فيه التقدير الذي ذكروه، والله أعلم. وقيل: زيدت الميم للتعظيم والتفخيم، كزيادتها في "زُرْقُم" لشديد الزرقة، "وابْنُم" في الابن، وهذا القول صحيح، ولكن (2) يحتاج إلى تتمة، وقائله لحظ معنى صحيحًا لا بد من بيانه. وهو أن الميم تدل على الجمع وتقتضيه، ومخرجها يقتضي ذلك، وهذا مُطَّرد على أصل من أثبت المناسبة بين اللفظ والمعنى، كما هو مذهب أساطين العربية، وعقد له أبو الفتح بن جِنِّي (3) بابًا في "الخصائص" (4)، وذكره عن سيبويه (5)، واستدل عليه بأنواع من تناسب اللفظ والمعنى، ثم قال: ولقد مكثت برهة يَرِدُ عَلَيَّ اللفظ لا أعلم موضوعه، فآخذ (6) معناه من قوة لفظه، ومناسبة تلك الحروف لذلك المعنى، ثم أكشفه فأجده كما فهمته __________ (1) أخرجه البخاري في صحيحه (16) صفة الصلاة (761)، ومسلم في (4) الصلاة (484) من حديث عائشة رضي الله عنها. (2) من (ظ، ح) ووقع في (ب، ت، ش) (لكن). (3) هو عثمان بن جنّي النحوي من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وهو بالتصريف أعلم، له الخصائص في النحو واللمع وغيرهما، توفي سنة 392 هـ. انظر: بغية الوعاة (2/ 132). (4) انظر: الخصائص (1/ 505). (5) انظر: الكتاب (2/ 218). (6) من (ش، ظ) ووقع في (ح، ب) (وآخذ).
(1/146)
أو قريبًا منه، فحكيت لشيخ الإسلام هذا عن ابن جني، فقال: "وأنا كثيرًا ما يجري لي ذلك"، ثم ذكر لي فصلًا عظيم النفع في التناسب بين اللفظ والمعنى، ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ، وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى، والفتحة الخفيفة (1) للمعنى الخفيف، والمتوسطة (2) للمتوسط، فيقولون: "عَزَّ يعَز" بفتح العين (3) إذا صلب "وأرض عَزاز" صلبة، ويقولون: "عَزَّ (4) يعِز" بكسرها إذا امتنع، والممتنع فوق الصلب، فقد يكون الشيء صلبًا ولا يمتنع على كاسره، ثم يقولون: "عَزَّه يعُزُّه" إذا غَلبَه، قال الله تعالى في قصة داود: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} [ص: 23]، والغَلَبة أقوى من الامتناع، إذ قد يكون الشيء ممتنعًا في نفسه، متحصنًا عن (5) عدوه، ولا يغلب غيره، فالغالب أقوى من الممتنع، فأعطوه أقوى الحركات، والصلب أضعف من الممتنع فأعطوه أضعف الحركات، والممتنع متوسط (6) بين المرتبتين فأعطوه الحركة (7) الوسط. ونظير هذا قولهم: "ذِبْح" بكسر أوله للمحل المذبوح، __________ (1) انظر نحو هذا الكلام في "بدائع الفوائد" (1/ 166). (2) من (ظ) وفي (ب، ت، ش) (والمتوسط). (3) سقط من (ظ) (بفتح العين). (4) سقط من (ب) من قوله (يعَز) إلى (عزَّ). (5) في (ظ) (من). (6) من (ب، ت، ش، ظ) ووقع في (ح) (المتوسط). (7) من (ب، ت، ش، ظ) ووقع في (ح) (حركه).
(1/147)
و"ذَبْح" بفتحه لنفس الفعل، ولا ريب أن الجسم أقوى من العَرَض (1)، فأعطوا الحركة القوية للقوي، والضعيفة للضعيف، وهو مثل قولهم: (نَهِبَ) و (نَهَبَ) بالكسر للمنهوب، وبالفتح للفعل، وكقولهم: (مِلء) و (مَلء) بالكسر لما يملأ الشيء، وبالفتح للمصدر الذي هو الفعل. وكقولهم: (حِمْل) و (حَمْل) فبالكسر لما كان قويًّا (2) مثقلًا لحامله على ظهره أو رأسه، أو غيرهما من أعضائه، والحَمْل بالفتح لما كان خفيفًا غير مثقل لحامله كحمل الحيوان، وحمل الشجرة به أشبه ففتحوه. وتأمَّل كونهم عكسوا هذا في الحِبّ والحُبّ، فجعلوا المكسور الأول لنفس المحبوب، ومضمومه للمصدر، إيذانًا بخفة المحبوب على قلوبهم، ولطف موقعه من أنفسهم (3)، وحلاوته عندهم، وثقل حمل الحب ولزومه للمحب كما يلزم الغريم غريمه، ولهذا يسمى غرامًا، ولهذا كثر (4) وصفهم لتحمله بالشدة والصعوبة، وإخبارهم بأن أعظم المخلوقات وأشدها من الصخر (5) والحديد ونحوهما لو حمله لذاب (6) من حمله (7) ولم يَسْتقِل به، كما هو كثير في أشعار المتقدمين __________ (1) من (ظ، ت، ب) ووقع في (ش) (الحركة). (2) في (ظ) (مرئيًا)، وفي (ت) (مربيًا). (3) في (ظ) (نفوسهم). (4) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (أكثر). (5) وقع في (ب) (الصخرة). (6) وقع في (ب) (لذات). (7) سقط من (ب، ت، ج) (مِنْ حَمْله).
(1/148)
والمتأخرين وكلامهم، فكان الأحسن أن يعطوا (1) المصدر هنا الحركة القوية، والمحبوب الحركة التي هي أخف منها. ومن هذا قولهم: (قَبْض) بسكون وسطه للفعل، و (قَبَض) بتحريكه للمقبوض، والحركة أقوى من السكون، والمقبوض أقوى من المصدر. ونظيره: (سَبْق) بالسكون للفعل، و (سَبَق) بالفتح للمال المأخوذ في هذا العقد. وتأمَّل قولهم: (دار دَوَرانًا، وفارت القدر فَوَرانًا، وغلت غَلَيانًا)، كيف تابعوا بين الحركات في هذه المصادر لتتابع حركة المُسمَّى، فطابق اللفظ المعنى. وتأمَّل قولهم: (حَجَر وهَواء) كيف وضعوا للمعنى الثقيل الشديد هذه الحروف الشديدة، ووضعوا للمعنى الخفيف هذه الحروف الهوائية التي هي من أخفِّ الحروف. وهذا أكثر من أن يحاط به، وإنْ مَدَّ الله عَزَّ وَجَلَّ في العمر وضعت فيه كتابًا مستقلًا إن شاء الله تعالى. ومثل هذه المعاني يَسْتدعِي لطافة ذهن، ورقة طبع، ولا تتأتى مع غلظ القلوب، والرضى بأوائل (2) مسائل النَّحو والتَّصريف دون تأمُّلها وتدبُّرها، والنظر إلى حكمة الواضع ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق على أكثر العقول، وهذا باب ينبّه الفاضل على ما وراءه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)} [النور: 40]، وانظر إلى تسميتهم الغليظ الجافي (بالعُتُلِّ) __________ (1) وقع في (ب) (يعطوه) وهو خطأ. (2) وقع في (ب) (بأول).
(1/149)
و (الجَعْظَرِي) و (الجَوّاظ) (1) كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني، وانظر إلى تسميتهم الطويل (بالعَشَنَّق)، وتأمل اقتضاء هذه الحروف ومناسبتها لمعنى الطويل (2)، وتسميتهم القصير (بالبُحْتُر)، وموالاتهم من بين ثلاث فتحات في اسم الطويل، وهو (العَشَنَّق)، وإتيانهم بضمتين بينهما سكون في (البُحْتُر)، كيف يقتضي اللفظ الأول انفتاح الفم وانفراج آلات النطق وامتدادها وعدم ركوب بعضها بعضًا، وفي اسم (البُحْتُر) الأمر بالضد. وتأمَّل قولهم: طال الشيء فهو طويل، وكبر فهو كبير، فإن زاد طوله قالوا: طُوالًا وكُبارًا، فأتوا بالألف التي هي أكثر مدًّا وأطول من الياء في المعنى الأطول، فإن زاد كبر الشيء وثقل موقعه من النفوس ثقلوا اسمه فقالوا: "كُبّارًا" بتشديد (3) الباء. ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال (4) مداه، واستعصى على الضبط، فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول: "الميم" حرف شفهي يجمع الناطق به شَفَتَيْه، فوضعته العرب عَلَمًا على الجمع، فقالوا للواحد: "أنت" فإذا جاوزه إلى الجمع قالوا: ("أنتم"، وقالوا للواحد الغائب: "هو"، فإذا جاوزوه إلى __________ (1) في (ظ) (الجراظ). (2) من (ح، ش) ووقع في (ظ، ت، ب، ج) (الطول). (3) من (ح)، ووقع في (ظ، ت، ب، ج) (مشدد). (4) وقع في (ب) (فطال) وهو خطأ.
(1/150)
الجمع قالوا:) (1) "هم"، وكذلك في المتصل يقولون: ضربت، وضربتم، وإياك، وإياكم، وإياه، وإياهم، ونظائره نحو: به وبهم، ويقولون للشيء الأزرق: "أزرق" فإذا اشتدت زُرْقته واجتمعت (2) واستحكمت قالوا: "زُرْقُم"، ويقولون للكبير الأست: "سُتْهُم". وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف تجد (3) الجمع معقودًا بها مثل: "لَمَّ الشَّيء يَلُمُّه" إذا جمعه، ومنه: "لمَّ اللهُ شَعَثَه" أي جمع ما تفرق من أموره، ومنه قولهم: "دار لَمُوْمَة" (4) أي: تَلُمُّ الناس وتجمعهم، ومنه: (الأكل اللَّمّ) (5)، جاء في تفسيرها: يأكل نصيبَه ونصيب صاحبه، وأصله من "اللَّم" وهو الجمع، كما يقال: "لَفَّه يلفُّه"، ومنه: "ألمَّ بالشيء" إذا قارب الاجتماع به (6) والوصول إليه، ومنه: "اللَّمّ" وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر، ومنه: "المُلِمَّة" وهي النازلة التي تصيب العبد، ومنه: "اللُّمَّه" وهي الشَّعَرُ الذي قد اجتمع وتقلَّص حتى جاوز شحمة الأذن، ومنه: "تمَّ الشيء" وما تصرف منها، ومنه: "بَدْر التَّمِّ" إذا كمل واجتمع نوره، ومنه: __________ (1) سقط من (ظ) ما بين القوسين، وبسبب هذا السقط علق قارئ النسخة في الحاشية بكلام، هو بمعنى السطر الساقط. (2) سقط من (ظ، ت، ج). (3) من (ب، ج، ت، ح) ووقع في (ش) (نجد)، وفي (ظ) غير منقوطه. (4) في (ظ) (ملومة) وهو خطأ. (5) يُشير إلى قوله تعالى: {أَكْلًا لَمًّا} [الفجر: 19]. (6) من (ظ، ب، ش) ووقع في (ت) (الاجتماع والوصول إليه) وفي (ح) (والوصول به) وهو خطأ.
(1/151)
"التَّوْأم" للولدين المجتمعين في بطن، ومنه: "الأُم" وأُمُّ الشَّيء: أصله الذي تفرع منه فهو الجامع له، وبه سُمِّيت مكة أُمّ القرى، والفاتحة أُمّ القرآن، واللوح المحفوظ أُمّ الكتاب. قال الجوهري (1): أُمُّ (2) الشيء أصله، ومكة أُم القرى، وأُمّ مثواك: صاحبة منزلك، يعني التي تأوي إليها، وتجتمع (3) معها، وأُمّ الدِّماغ: الجلدة التي تجمع الدماغ، ويقال لها: أمّ الرأس، وقوله تعالى في الآيات المحكمات: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران: 7]، والأُمَّة: الجماعة المتساوية في الخِلْقة أو الزمان، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]. 183 - وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (4): "لَوْلا أنَّ الكِلاَب أُمّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمرْتُ بِقتْلِها". ومنه: "الإمام" الذي يجتمع المقتدون به على اتباعه، ومنه: "أمَّ الشَّيء يؤمُّه": إذا جمع قصده وهمه إليه، ومنه: "رَمَّ الشَّيء يرُمُّه": إذا أصلحه وجمع متفرقه، وقيل: منه سُمِّي "الرُّمّان" __________ (1) هو أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي كان إمامًا في اللغة والأدب، وخطه يضرب به المثل، له الصحاح في اللغة وغيره، مات في حدود 400 هـ. انظر: بغية الوعاة (1/ 446 - 447). (2) انظر: الصحاح (2/ 1383) مادة (أمم). (3) وقع في (ب، ج) (ويجتمع إليها) وفي (ظ) غير منقوطة. (4) أخرجه الترمذي (1486)، وأبو داوود (2845)، والنسائي (4280)، وابن ماجه (3205)، وأحمد (5/ 54) وغيرهم. وسنده صحيح. والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم.
(1/152)
لاجتماع حَبِّه وتَضامِّه. ومنه: "ضَمّ الشَّيء يَضمُّه": إذا جمعه، ومنه: "هَمُّ الإنْسَان، وهُمُومُه" وهي إرادته وعزائمه التي تجتمع في قلبه. ومنه قولهم للأسود: "أحمّ"، وللفحمة السوداء: "حمَمَة"، و "حَمَّمَ رأْسَه" (1): إذا اسودَّ بعدَ حلقِه، كل هذا لأن السَّوادَ لون جامع للبصر لا يدعه يتفرق، ولهذا يجعل على عيني الضعيف البصر لوجع أو غيره شيء أسود من شعر أو خِرقَة، ليجمع عليه بصره، فتقوى القوة الباصرة، وهذا باب طويل فلنقتصر منه على هذا القدر. وإذا علم هذا من (2) شأن الميم، فهم ألحقوها (3) في آخر هذا الاسم الذي يُسأل الله سبحانه به في كل حاجة وكل حال، إيذانًا بجميع أسمائه وصفاته. فالسائل إذا قال: "اللَّهُمّ إنِّي أسْألُكَ" كأنه قال: "أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى، والصفات العلى بأسمائه وصفاته"، فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم إيذانًا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح (4): __________ (1) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (الرأس). (2) في (ظ) (فرسان) بدلًا من (من شأن) وهو خطأ. (3) في (ظ) (أحقوها) بدلًا من (الحقوها) وهو خطأ. (4) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 391 و 452)، وابن حبان (3/ 253) رقم (979)، والحاكم في المستدرك (1/ 509) رقم (1877) وغيرهم. من طريق =
(1/153)
184 - "ما أصاب عبدًا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرحًا". قالوا: يا رسول الله! أفلا نتعلمهن؟ قال: "بل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن". فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته كما جاء (1) في الاسم الأعظم: 185 - "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت (2) المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم" (3). __________ = أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن عن أبيه عبد الله بن مسعود فذكره. وسنده صحيح إن كان أبو سلمة الجهني هو موسى بن عبد الله الثقة، وإن لم يكن هو فهو مجهول، وفي سماع عبد الرحمن من أبيه عبد الله بن مسعود اختلاف. والحديث صححه ابن حبان والحاكم. انظر: جامع التحصيل رقم (437)، وتحقيق المسند للأرناؤط ورفاقه (6/ 246 - 250) رقم (3712). (1) في (ح) (جاء). (2) في (ح) زيادة (الحنان). وليس في مصادر التخريج (الحنَّان) فلينظر. (3) أخرجه أحمد في المسند (3/ 265 و 245 و 120)، وأبو داوود (1495)، =
(1/154)
وهذه الكلمات تتضمن الأسماء الحسنى كما ذكر في غير هذا الموضع. والدعاء ثلاثة أقسام: أحدها: أن تسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. والثاني: أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلِّك، فتقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير ونحو ذلك. والثالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكر واحدًا من الأمرين، فالأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل. وهذه عامة أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي الدعاء الذي عَلَّمه صديق الأمة رضي الله عنه ذكر الأقسام الثلاثة، فإنه قال في أوله (1): "ظلمتُ نَفْسِي كثيرًا" وهذا حال السائل، ثم قال: "وإنَّه لا يَغْفِرُ __________ = وابن ماجه (3858) وغيرهم. من طرق عن أنس بن مالك. والحديث صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما. (1) أخرجه البخاري في صحيحه في (16) صفة الصلاة (799)، ومسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2705). ولفظه "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم".
(1/155)
الذُّنوبَ إلا أنْتَ" وهذا حال المسؤول، ثم قال: "فاغْفِر لي" فذكر حاجته، وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه. وهذا القول الذي اخترنا، قد جاء عن غير واحد من السلف. قال الحسن البصري: "اللهم مجمع الدعاء" (1). وقال أبو رجاء العطاردي (2): إن الميم في قوله: "اللهم" فيها تسعة وتسعون اسمًا من أسماء الله تعالى (3). وقال النضر بن شميل (4): "مَنْ قال: "اللهم" فقد دعا بجميع أسمائه" (5). وقد وجه طائفةٌ هذا القول بأنَّ الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع، فإنها من مخرجها، فكأن الداعي بها يقول: "يا الله __________ (1) ذكره القرطبي في تفسيره (4/ 54) وفيه ( .. تجمع الدعاء). (2) هو عمران بن ملحان، من كبار التابعين، مخضرم معمر ثقة مات سنة 105 هـ. انظر: التقريب (5171). (3) في البحر (2/ 436) (هذه الميم تجمع سبعين اسمًا من أسمائه). (4) هو المازني أبو الحسن النحوي اللغوي، وهو ثقة ثبت في الحديث له غريب الحديث، توفي سنة 204 هـ. انظر: التقريب (7135)، وبغية الوعاة (2/ 316). (5) ذكره القرطبي في تفسيره (4/ 54)، وأبو حيان في البحر المحيط (2/ 436).
(1/156)
الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى والصفات العليا (1) "، ولذلك شُدِّدَت لتكون عِوَضًا عن علامتي (2) الجمع، وهي الواو والنون في "مسلمون" ونحوه. وعلى الطريقة التي ذكرناها أنَّ نفس الميم دالة على الجمع، لا يحتاج إلى هذا. يبقى أن يقال: فهلا جمعوا بين "يا" وبين هذه الميم على المذهب الصحيح؟. فالجواب أنَّ القياس يقتضي عدم دخول حرف النداء على هذا الاسم، لمكان الألف واللام منه، وإنما احتملوا ذلك فيه لكثرة استعمالهم دعاءه واضطرارهم إليه، واستغاثتهم به، فإما أن يحذفوا الألف واللام منه، وذلك لا يسوغ للزومهما له، وإما أن يتوصلوا إليه بـ "أي"، وذلك لا يسوغ (3)؛ لأنها لا يتوصل بها إلا إلى نداء اسم الجنس المُحَلَّى بالألف واللام كالرجل والرسول والنَّبِيّ، وأما في الأعلام فلا، فخالفوا قياسهم في هذا الاسم لمكان الحاجة. فلما أدخلوا الميم المشددة في آخره عِوَضًا عن جميع (4) الأسماء، جعلوها عوضًا عن حرف النداء، فلم يجمعوا بينهما، والله أعلم. __________ (1) من (ح، ش) ووقع في (ب، ت) (العُلى) وفي (ظ) غير واضحه. (2) من (ب، ت، ج) ووقع في (ح، ش) (علامة) وهو خطأ، وفي (ظ) غير واضحة. (3) سقط من (ت) من قوله (للزومهما) ... إلى (لا يسوغ). (4) من (ح، ش) ووقع في (ظ، ت، ب) (جمع) وهو خطأ.
(1/157)
الفصل الثاني (1) في بيان معنى الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصل هذه اللفظة في اللغة (2) يرجع إلى معنيين: أحدهما: الدعاء والتبريك. والثاني: العبادة، فمن الأول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وقوله تعالى في حق المنافقين: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. 186 - وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذا دُعِيَ أحدُكُم إلى الطَّعام فليُجبْ، فإنْ كانَ صائِمًا فليُصَلِّ" (3)، فُسِّر بهما (4) قيل: "فليدع لهم بالبرَكة"، وقيل: "يصلي عندهم" بدل أكله. وقيل: إن "الصلاة" في اللغة معناها الدعاء. __________ (1) وقع في (ظ) (فصل) فقط. (2) سقط من (ح) (في اللغة). (3) أخرجه مسلم في صحيحه في (16) النكاح رقم (1431) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) من (ب، ت، ظ) ووقع في (ح، ش) (فسرهما) وهو خطأ.
(1/159)
والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والعابد داع كما أن السائل داع، وبهما (1) فُسِّر قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، قيل: أطيعوني أثبْكم، وقيل: سلوني أعْطِكم، وفُسِّر بهما قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]. والصواب: أن الدعاء يعم النوعين، وهو لفظ متواطئ لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 22]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)} [النحل: 20]، وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]. والصحيح من القولين (2): لولا أنكم (3) تدعونه وتعبدونه، أي: أي شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، فيكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 55، 56]، وقال تعالى إخبارًا عن أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90]. وهذه الطريقة أحسن من __________ (1) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (وبهذا) وهو خطأ. (2) انظر بدائع الفوائد (3/ 3). (3) وقع في (ب) (أنتم).
(1/160)
الطريقة الأولى؛ ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء، وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضوعه (1) في اللغة: فيكون حقيقة شرعية (2) أو مجازًا شرعيًا؟. فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مُسمَّاها في اللغة، وهو الدعاء، والدعاء: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقةً لا مجازًا (3)، ولا من منقولة، لكن خُصَّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة، كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مُسمّاها، كالدابة، والرأس، ونحوهما، فهذا غايته (4) تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه، وهذا (5) لا يوجب نقلًا ولا خروجًا عن موضوعه الأصلي، والله أعلم. فصل هذه صلاة الآدمي، وأما صلاة الله سبحانه وتعالى (6) على عبده فنوعان: عامَّة، وخاصَّة. أما العامَّة: فهي صلاته على عباده المؤمنين، قال تعالى: __________ (1) من (ظ، ت)، وفي باقي النسخ (موضعه). (2) سقط من (ظ، ت). (3) وقع في (ب، ش) (حقيقية لا شرعية). (4) من (ب، ت، ظ) ووقع في (ح، ش) (غاية). (5) من (ب، ت، ظ) ووقع في (ح، ش) (ولهذا). (6) من (ب، ظ) فقط.
(1/161)
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43]، ومنه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة على آحاد المؤمنين، كقوله: 187 - "اللهُمَّ صَلِّ على آلِ أبي أوْفَى" (1). 188 - وفي حديث آخر: أنَّ امرأة قالت له: صل عليَّ وعَلَى زَوْجي، قال: "صلَّى اللهُ عَلَيكِ وعَلَى زَوْجِكِ" (2). وسيأتي ذكر (3) هذا الحديث وما (4) شابهه إن شاء الله تعالى. النوع الثاني: صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله، خصوصًا (5) على خاتمهم (6) وخيرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -. فاختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال: __________ (1) أخرجه البخاري في صحيحه في (30) الزكاة (2/ 544)، رقم (1426)، ومسلم في صحيحه في (12) الزكاة، رقم (1078) من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما. (2) أخرجه أحمد (3/ 303)، وأبو داوود (1533)، والترمذي في الشمائل (180)، وابن حبان (3/ رقم (916 و 918)، والحاكم (4/ 111) رقم (7096) وغيرهم. وسنده صحيح، وفيه نبيح العنزي غير مشهور لكنه ثقة. انظر: تهذيب الكمال (29/ 314). والحديث صححه ابن حبان والحاكم. (3) ليس في (ب)، وانظر ص 554 فما بعدها. (4) من (ش، ت، ظ) ووقع في (ب) (ومما). (5) من (ش، ت، ظ) ووقع في (ب) (خصوصهم) وهو خطأ. (6) من (ش، ت، ظ) ووقع في (ب) (خاتمتهم).
(1/162)
أحدها: أنها (1) رحمته. 189 - قال إسماعيل (2): حدثنا نصر بن علي، حدثنا محمد ابن سواء، عن جويبر، عن الضحاك قال: "صلاة الله رحمته، وصلاة الملائكة الدعاء". وقال المبرد (3): "أصل الصلاة الرحمة (4)، فهي من الله رحمة، ومن الملائكة رقة (5) واستدعاء للرحمة من الله" (6)، وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين. والقول الثاني: أن صلاة الله مغفرته. 190 - قال إسماعيل (7): حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا محمَّد بن سواء، عن جويبر، عن الضحاك، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي __________ (1) من (ظ، ش) ووقع في (ب) (أنَّه) وهو خطأ، ووقع في (ت): أنها رحمة. (2) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (96). وسنده ضعيف جدًا، فيه جويبر ضعيف جدًا. انظر: التقريب (987). (3) هو محمَّد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي أبو العباس المبرَّد، إمام العربية ببغداد في زمانه له معاني القرآن، وإعراب القرآن وغيرهما، توفي سنة 285 هـ. انظر: بغية الوعاة (1/ 269 - 271). (4) في (ظ، ت) (الرحم). (5) من (ظ، ت) ووقع في (ش، ب) (رحمة). (6) نقله عنه بمعناه الأزهري في تهذيب اللغة (2/ 2049) مادة (صلى). وكذا نَقَل عن ابن الأعرابي نحوه. (7) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (97). وسنده ضعيف جدًا، فيه جويبر ضعيف جدًا كما تقدم.
(1/163)
عَلَيْكُمْ}، قال: "صلاة الله مغفرته، وصلاة الملائكة الدعاء". وهذا القول هو من جنس الذي (1) قبله، وهما ضعيفان؛ لوجوه: أحدها: أن الله سبحانه فَرَّقَ بين صلاته على عباده، ورحمته، فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] فعطف الرحمة على الصلاة، فاقتضى ذلك تغايرهما، هذا أصل العطف، وأما قولهم (2): وألْفَى قَوْلَها كَذِبًا ومَيْنًا (3) فهو شاذ نادر، لا يحمل عليه أفصح الكلام (4)، مع أن المَيْنَ أخَصُّ من الكذب. الوجه الثاني: أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء، فليست الصلاة مرادفةً للرحمة، لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها. فمن فَسَّرها بالرحمة فقد فسَّرها ببعض ثمرتها ومقصودها، وهذا كثيرًا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن، والرسول - صلى الله عليه وسلم -، تُفَسَّرُ اللفظة __________ (1) في (ظ، ت) (ما قبله). (2) سقط من (ظ، ت). (3) انظر مغني اللبيب ص 467، والبيت منسوب لعدي بن زيد العبادي. (4) من (ظ، ت، ح، ش) وجاء في (ب) (أفضل).
(1/164)
بلازمها وجزء معناها، كتفسير الرَّيْب بالشَّكِّ؛ والشَّكُّ جزء مسمى الريب، وتفسير المغفرة بالستر؛ وهو جزء مسمى المغفرة، وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان؛ وهو لازم الرحمة، ونظائر ذلك كثيرة، قد ذكرناها في أصول التفسير. الوجه الثالث: أنه لا خلاف في جواز التَّرحُّم (1) على المؤمنين، واختلف السلف والخلف في جواز الصلاة على غير (2) الأنبياء على ثلاثة أقوال، سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى، فعلم أنهما ليسا بمترادفين. الوجه الرابع: أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت الوجوب عند من أوجبها إذا قال: "اللهم ارحم محمدًا وآل محمَّد" وليس الأمر كذلك. الوجه الخامس: أنه لا يقال لمن رحم غيرَه ورقَّ عليه فأطعمه أو (3) سقاه أو [3] كساه: إنه صلى عليه، ويقال: إنه قد رحمه. الوجه السادس: أن الإنسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه، فيجد في قلبه له رحمة ولا يصلي عليه. __________ (1) من (ظ، ت) وفي باقي النسخ (الرحمة) وهو خطأ. (2) في (ظ) (سائر) بدلًا من (غير)، وانظر ص 547 وما بعدها. (3) من (ظ، ح، ش) ووقع في (ب) (وسقاه وكساه)، وفي (ت) (فأطعمه وسقاه أو كساه).
(1/165)
الوجه السابع: أن الصلاة لا بُدَّ فيها من كلام، فهي ثناء من المصلِّي على مَنْ يُصلي عليه، وتنويه به وإشارة لمحاسنه ومناقبه (1) وذِكْره. 191 - ذَكَرَهُ البخاري في "صحيحه" (2) عن أبي العالية قال: "صلاةُ اللهِ عَلَى رسولهِ ثناؤُه عَلَيْه عِنْدَ المَلاَئِكَة". 192 - وقال إسماعيل في كتابه (3): حدثنا نصر بن علي، حدثنا خالد بن يزيد، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، قال: صلاةُ اللهِ عَزَّ وجَلّ ثناؤُهُ عَلَيْه، وصلاةُ الملائكةِ عَلَيه الدُّعاء. الوجه الثامن: أن الله سبحانه فرق بين صلاته وصلاة ملائكته وجمعهما في فعل واحد، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، وهذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة، وإنما هي ثناؤه سبحانه وثناء ملائكته عليه، ولا يقال: الصلاة لفظ مشترك، ويجوز أن يستعمل في معنييه معًا، لأن في ذلك محاذير متعددة: __________ (1) من (ظ، ح) ووقع في (ش، ب) (وما فيه). (2) في (68) التفسير، الأحزاب (4/ 1802) ط. البغا. ووصله ابن أبي حاتم وإسماعيل والقاضي كما سيأتي. وقد سقط من (ب) ذكره، ووقع في (ح، ت، ش) (ذكر)، والتصويب من (ظ). (3) فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، رقم (95)، وابن أبي حاتم في تفسيره كما في الفتح (8/ 532). وسنده حسن. تنبيه: لا يوجد هذا الأثر في المطبوع من تغليق التعليق لابن حجر (4/ 286).
(1/166)
أحدها: أن الاشتراك خلاف الأصل، بل لا (1) يعلم أنه وقع في اللغة من واضع واحد، كما نص على ذلك أئمة اللغة، منهم المبرد وغيره، وإنما يقع وقوعًا عارضًا اتفاقيًا بسبب تعدد الواضعين، ثم تختلط اللغة فيقع (2) الاشتراك. الثاني: أن الأكثرين لا يجوزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز. وما حكي عن الشافعي رضي الله عنه من تجويزه ذلك فليس بصحيح عنه، وإنما أخذ من قوله: "إذا أوصى لمواليه (3) وله موالٍ من فوق ومن أسفل تناول جميعهم". فظن من ظن أن لفظ "المولى" مشترك بينهما، وأنه عند التَّجَرُّد يحملُ (4) عليهما، وهذا ليس بصحيح، فإن لفظ "المولى" من الألفاظ المتواطئة، (فالشافعي -في ظاهر مذهبه- وأحمد) (5) يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطئ لا مشترك. وأما ما حكي عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال في مفاوضة جرت له في قوله (6): {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43]، __________ (1) سقط من (ب). (2) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (فيعرض). (3) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (وصَّى بمواليه). (4) وقع في (ب) (ويُحمل). (5) من (ظ) وجاء في (ب) (قال الشافعي وأحمد في ظاهر)، وجاء في (ش) (فالشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه). (6) سقط من (ظ) (في قوله).
(1/167)
وقد قيل له: قد يراد بالملامسة الجماع (1) قال: "هي محمولة على الجَسِّ باليد حقيقة، وعلى الوقاع مجازًا". فهذا لا يصح عن الشافعي، ولا هو من جنس المألوف من كلامه، وإنما هذا كلام بعض الفقهاء المتأخرين، وقد ذكرنا على إبطال استعمال اللفظ المشترك في معنييه معًا بضعة عشر دليلًا في مسألة "القرء" في كتاب "التعليق على الأحكام". فإذا كان معنى الصلاة: هو الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو معروف من هذه اللفظة، لم يكن لفظ "الصلاة" في الآية مشتركًا محمولًا على معنييه، بل قد (2) يكون مستعملًا في معنى واحد، وهذا هو الأصل في الألفاظ (3). وسنعود إلى هذه المسألة إن شاء الله تعالى في الكلام على تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]. الوجه التاسع: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يصلون عليه، والمعنى: أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فصلوا أنتم أيضًا عليه، فأنتم أحق __________ (1) من (ظ، ت، ش، ب) ووقع في (ح) (المجامعة). (2) من (ظ) فقط. (3) سقط من (ظ، ت) (في الألفاظ).
(1/168)
بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليمًا، لِمَا نالكم ببركة رسالته ويُمْنِ سفارته من خير (1) شرف الدنيا والآخرة. ومن المعلوم أنه لو عبر عن هذا المعنى بالرحمة، لم يحسن موقعه، ولم يحسن النظم، فينقص (2) اللفظ والمعنى، فإن التقدير يصير إلى: أن الله وملائكته يرحم (3) ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم له (4) وسلموا. وهذا ليس مراد الآية قطعًا، بل الصلاة المأمور بها فيها هي الطلب من الله تعالى ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته، وهي: ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه، فهي تتضمن الخبر والطلب، وسُمِّيَ هذا السؤال والدعاء مِنَّا نحن صلاة عليه، لوجهين: أحدهما: - أنه يتضمن ثناء المصلي عليه، والإشارة بذكر شرفه وفضله، والإرادة والمحبة لذلك (5) من الله تعالى، فقد (6) تضمنت الخبر، والطلب. والوجه الثاني: أن ذلك سُمِّيَ مِنَّا صلاة لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه ثناؤه وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، __________ (1) من (ح، ش) ووقع في (ب) (من شرف خير) وسقط (خير) من (ظ، ج، ت). (2) في (ح) (فينقض) وفي (ظ، ت) غير منقوطة. (3) من (ب، ج) وتكررت في (ج) (يرحم). وفي الباقي غير منقوطة. (4) سقط من (ب، ت، ظ، ج) (له). (5) في (ح) (كذلك). (6) في (ح) (فهي تتضمن الخير) وهو خطأ.
(1/169)
وصلاتنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به. وضِدُّ هذا في لعنة أعدائه الشانئين لما جاء - صلى الله عليه وسلم - به، فإنها تضاف إلى الله، وتضاف إلى العبد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)} [البقرة: 159]، فلعنة الله تعالى لهم تتضمن ذمَّه وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد تتضمن (1) سؤال الله تعالى أن يفعل ذلك بمن هو أهل للعنته (2). وإذا ثبت هذا فمن المعلوم أنه (3) لو كانت الصَّلاة هي الرَّحمة لم يصح أن يقال لطالبها من الله تعالى مصلِّيًا، وإنما يقال له مسترحمًا له (4)، كما يقال لطالب (المغفرة مستغفرًا له، ولطالب العطف مستعطفًا ونظائره، ولهذا لا يقال لمن سأل الله) (5) المغفرة لغيره: قد (6) غفر له، فهو غافر، ولا لمن سأله العفو عنه: قد عفا عنه. وهنا قد سُمِّي العبد مصليًا، فلو كانت الصلاة هي الرحمة لكان العبد راحمًا لمن صلى عليه، وكان يقال (7) قد رحمه __________ (1) سقط من (ت). (2) من (ظ، ت، ج) وجاء في (ش) (للعنه)، ووقع في (ب) (اللعنة). (3) في (ظ، ج) (أنها). (4) سقط من (ب) فقط، ووقع في (ت) ( .. يُقال مسترحمًا له .. ). (5) من (ب، ش) وسقط من (ظ، ت، ج)، ووقع في (ت) (لطالب المغفرة مستغفرًا لغيره). (6) من (ظ، ت، ش)، ووقع في (ب) (وقد). (7) سقط من (ظ، ت، ج) فقط.
(1/170)
يرحمه (1)، ومن رَحِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة رحمه الله بها عشرًا، وهذا معلوم البطلان. فإن قيل: ليس معنى صلاة العبد عليه - صلى الله عليه وسلم - رحمته، وإنما معناها طلب الرحمة له (2) من الله تعالى. قيل: هذا باطل من وجوه: أحدها: أن طلب الرحمة مشروع (3) لكل مسلم، وطلب الصلاة من الله تعالى يختص (4) رسله صلوات الله وسلامه عليهم، عند كثير من الناس، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. الثاني: أنه لو سُمّي طالب الرحمة مصليًا، لسُمِّي طالب المغفرة غافرًا، وطالب العفو عافيًا، وطالب الصفح صافحًا، ونحوه. فإن قيل: فأنتم قد سَمَّيتم طالب الصلاة من الله مصليًا. قيل: إنما سُمي مصليًا لوجود حقيقة الصلاة منه، فإن حقيقتها (5) الثناء، وإرادة الإكرام والتقريب وإعلاء المنزلة، وهذا __________ (1) من (ب)، وفي (ظ) (برحمة)، وسقط من (ج). (2) ليس في (ح) (له). (3) في (ظ، ت، ج) (مطلوب). (4) من (ظ، ت، ب، ج) ووقع في (ش) (تختص) ولعل صوابه (يَخُصُّ) أو (يَخْتصُّ برسله)، وانظر ص 549 وما بعدها. (5) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (حقيقته).
(1/171)
حاصل من صلاة العبد، لكن العبد يريد ذلك من الله عز وجل، والله سبحانه يريد ذلك من نفسه أن يفعله برسوله - صلى الله عليه وسلم -. وأما على الوجه الثاني، وأنه (1) سمي مصليًا لطلبه ذلك من الله، فلأنَّ الصلاة نوع من الكلام (2) الطلبي والخبري والإرادة، وقد وجد ذلك (3) من المصلي، بخلاف الرحمة والمغفرة؛ فإنها أفعال لا تحصل من الطالب، وإنما تحصل من المطلوب منه، والله أعلم. الوجه العاشر: أنه قد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (4): 193 - "من صلَّى عَلَيه مَرَّة صَلّى اللهُ عليه بها عَشْرًا". وأن الله سبحانه وتعالى قال له: 194 - "إنه من صلى عليك من أمتك مرة صليت عليه بها عشرًا" (5)، وهذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل، فصلاة الله تعالى على المصلي على رسوله - صلى الله عليه وسلم - جزاءً لصلاته هو عليه، ومعلوم أن صلاة العبد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليست هي __________ (1) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (وإنما). (2) في (ظ، ت، ج) (الكتاب) خطأ. (3) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (لذلك) وهو خطأ. (4) أخرجه مسلم في صحيحه في (4) الصلاة رقم (384) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. (5) أخرجه أحمد في مسنده (4/ 29) وسنده ضعيف كما تقدم برقم (45).
(1/172)
رحمة من العبد لتكون صلاة الله تعالى عليه (1) من جنسها، وإنما هي ثناءٌ على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإرادةٌ من الله تعالى أن يُعْلي ذكره ويزيده تعظيمًا وتشريفًا، والجزاء من جنس العمل، فمن أثنى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد تشريفه وتكريمه. فَصَحَّ ارتباط الجزاء بالعمل ومشاكلته له ومناسبته له، كقوله: 195 - "مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْه (في الدُّنْيا والآخِرَة) (2)، ومَنْ سَتَر مُسْلِمًا سَتَره اللهُ في الدُّنيا والآخرة، ومن نَفَّسَ عنْ مؤمنٍ كُرْبَة من كُرَب الدَنْيا نَفَّس اللهُ عنه كُرْبة من كُرَبِ يومِ القِيامَة، واللهُ في عَوْنِ العَبدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيْه، ومن سَلكَ طَرِيْقًا يَلْتمسُ فِيْه عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لهُ طَريقًا إلى الجَنَّة" (3). 196 - " (4) ومن سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم __________ (1) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (عليها). (2) من صحيح مسلم ما بين القوسين ووقع في جميع النسخ (حسابه). (3) أخرجه مسلم في صحيحه في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) أخرجه أبو داوود (2649)، والترمذي (2649)، وابن ماجه (261)، وأحمد (2/ 263) وغيرهم. من طريق جماعة عن علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة فذكره. وظاهر سنده الصحة. لكن رواه عبد الوارث بن سعيد عن علي بن الحكم عن رجل عن عطاء عن أبي هريرة، فذكره. أخرجه الحاكم (1/ 101) (345). وبه أعله ابن القطان، وقال الحافظ ابن حجر: وهذه علة خفية. والحديث صححه ابن حبان وأبو نعيم والعقيلي وغيرهم، وضعفه الإمام أحمد وابن =
(1/173)
القيامة بلجام من نار". 197 - "ومن صَلّى عَلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مَرةً صلى اللهُ عليه بها عَشْرًا" (1)، ونظائره كثيرة، يوضحه (2). الوجه الحادي عشر: أن أحدًا لو قال عن رسول الله: "رحمه الله" أو قال: "رسول الله رحمه الله": بدل صلى الله عليه وسلم لبادرت الأمة إلى (3) الإنكار عليه، وعدوه مبتدعًا غير مُوَقِّر للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولا مصلٍّ عليه، ولا مُثْن عليه بما يستحقه، ولا يستحق أن يصلي الله عليه بذلك عشر صلوات، ولو كانت الصلاة من الله الرحمة لم يمتنع شيء من ذلك. الوجه الثاني عشر: أن الله سبحانه وتعالى قال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، فأمر سبحانه أن لا يُدْعَى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بما يدعو الناس به بعضهم بعضًا، بل يقال يا رسول الله، ولا يقال: يا محمد. وإنما كان يُسمَّيه باسمه __________ = الجوزي وابن القطان وابن حجر في أحد قوليهما. انظر: العلل المتناهية لابن الجوزي (1/ 107) والضعفاء الكبير للعقيلي (1/ 74) والنكت الظراف على تحفة الأشراف لابن حجر (10/ 265 - 266) وبيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي (2/ 425) وغيره. وقد ورد هذا المتن عن جماعة من الصحابة ولا يثبت عنهم. انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر مع الحاشية (1/ 2 - 17). (1) تقدم وهو عند مسلم رقم (384). (2) من (ش، ت، ب) وسقط من (ظ، ح، ج). (3) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (على).
(1/174)
وقت الخطاب الكفار، وأما المسلمون فكانوا يخاطبونه برسول (1) الله. وإذا كان هذا في خطابه فهكذا في مغيبه، لا ينبغي أن يجعل ما يدعى به له من جنس ما يدعو به بعضنا لبعض، بل يُدْعى (2) له بأشرف الدعاء وهو الصلاة عليه. ومعلوم أن الرحمة يدعى بها لكل مسلم، بل ولغير الآدمي من الحيوانات. كما في دعاء الاستسقاء: 198 - "اللهم ارحم عبادك وبلادك وبهائمك" (3). الوجه الثالث عشر: أن هذه اللفظة لا تعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة أصلًا، والمعروف عند العرب من معناها إنما هو الدعاء والتبريك والثناء، قال (4): وإنْ ذُكِرتْ صَلَّى عَلَيها وزَمْزَمَا أي: برَّك عليها ومدحها. ولا تعرف العرب قط "صلى عليه" __________ (1) من (ح، ت، ش) ووقع في (ظ، ب) (يا رسول الله). (2) من جميع النسخ، ووقع في (ح) (يدعو). (3) أخرجه أبو داوود (1176) وفي المراسيل (69)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 79)، والبيهقي في الكبرى (3/ 356). مرفوعًا، لكنه معلول بالإرسال. هكذا رواه مالك والدراوردي وغيرهما عن يحيى بن سعيد عن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا. أخرجه مالك في الموطأ (ص 190 - 191)، وعبد الرزاق (3/ 92) (4912) وغيرهما. ورجح أبو حاتم الرازي الإرسال. (4) انظر ديوان "الأعشى" ص 333 وهو بلفظ: لها حارس لا يبرح الدهر بيتها ... إذا ذُبِحتْ صلى عليها وزمزمًا
(1/175)
بمعنى "رَحِمَه" (1)، فالواجب حمل اللفظة (2) على معناها المتعارف في اللغة. الوجه الرابع عشر: أنه يسوغ، بل يستحب لكل واحد أن يسأل الله (3) سبحانه وتعالى أن يرحمه، فيقول: اللهم ارحمني، كما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - الداعي أن يقول: 199 - "اللهُمَّ اغْفِرْ لِيْ وارْحَمْنِي وعافِنِي وارْزقنِي"، فلما حفظها قال: "أما هذا فقد ملأ يديه من الخير" (4). ومعلوم أنه لا يسوغ لأحد أن يقول: "اللهم صل علي"، بل الداعي بهذا معتدٍ في دعائه، والله لا يحب المعتدين. بخلاف __________ (1) في (ظ) (الرحمة). (2) في (ح) (اللفظ). (3) ليس في (ب). (4) أخرجه مسلم في صحيحه في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2697) من حديث الأشجعي. وليس فيه (فلما حفظها قال: أما هذا ... ) وإنما فيه (ويجمع أصابعه إلا الإبهام "فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك". وقد وردت هذه الجملة (أما هذا فقد ملأ ... ) من حديث عبد الله بن أبي أوفى. أخرجه أحمد في مسنده (4/ 453)، والطيالسي في مسنده (2/ 851)، وابن خزيمة (1/ 544) وغيرهم. وسنده ضعيف فيه إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي أبو إسماعيل، فيه ضعف. انظر: تهذيب الكمال (2/ 132). والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم وضعفه النووي في المجموع (3/ 376).
(1/176)
سؤاله (1) الرحمة، فإن الله يحب أن يسأله عبده مغفرته ورحمته، فعلم أنه ليس معناهما واحدًا. الوجه الخامس عشر: أن أكثر المواضع التي تستعمل فيها الرحمة لا يحسن أن تقع (2) فيها الصلاة، كقوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]. 200 - وقوله (3): "إنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي". وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)} [الأعراف: 56]، وقوله: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، وقوله: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117]. 201 - وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "للهُ أرْحَمُ بعِبادِه مِن الوالِدَةِ بَوَلَدِها" (4). 202 - وقوله: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (5)، __________ (1) في (ظ، ت، ج) (سؤال). (2) وقع في (ب، ج) فقط (يقع). (3) أخرجه البخاري في (63) بدء الخلق رقم (3022)، ومسلم في (49) التوبة (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (4) أخرجه البخاري في (81) الأدب (5653)، ومسلم في (49) التوبة رقم (2754) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. (5) أخرجه أبو داوود (4941)، والترمذي (1924)، وأحمد (2/ 160) وغيرهم. وفي سنده أبو قابوس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص. صحح =
(1/177)
203 - وقوله: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ" (1)، 204 - وقوله: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي" (2)، 205 - وقوله: "والشَّاةُ إنْ رحِمْتَها رَحِمَكَ اللهُ" (3). فمواضع استعمال الرحمة في حق الله وفي حق العباد لا يحسن أن تقع (4) الصلاة في كثير منها، بل في أكثرها، فلا يصح تفسير الصلاة بالرحمة، والله أعلم. 206 - وقد قال ابن عباس (5) رضي الله عنهما: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، قال: "يُبارِكُون عَليْه". وهذا لا ينافي تفسيرها بالثناء وإرادة التكريم والتعظيم، فإن التبريك من الله __________ = حديثه الترمذي وغيره، وقال الذهبي: لا يعرف، وقال ابن حجر: مقبول. انظر: تهذيب الكمال (34/ 191). (1) أخرجه البخاري في (81) الأدب (5651)، ومسلم في (43) الفضائل (2318) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) أخرجه أبو داوود (4942)، والترمذي (1923)، وأحمد (2/ 301) وغيرهم. وفي سنده أبو عثمان مولى المغيرة بن شعبة، لا يعرف، قال ابن حجر: مقبول. انظر: تهذيب الكمال (34/ 71). والحديث صححه ابن حبان والحاكم * وحسنه الترمذي*. (3) أخرجه أحمد في مسنده (3/ 436)، والبخاري في الأدب المفرد (373)، والحاكم في المستدرك (4/ 231) رقم (7562). وسنده صحيح. والحديث صححه الحاكم والذهبي. (4) وقع في (ب، ج) فقط (يقع). (5) أخرجه الطبري في تفسيره (22/ 31). وسنده حسن.
(1/178)
يتضمن ذلك، ولهذا قرن بين الصلاة عليه والتبريك عليه، وقالت الملائكة لإبراهيم: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: 73]، وقال المسيح: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]، قال غير واحد من السلف: معلمًا (1) للخير أينما كنت. وهذا جزء المسمى، فالمبارك كثير الخير في نفسه، الذي يُحصِّله لغيره تعليمًا (2) وإقدرًا ونصحًا وإرادةً واجتهادًا، ولهذا يكون العبد مباركًا، لأن الله تعالى بارك فيه وجعله كذلك، والله تعالى مُتَبارِك؛ لأن البركة كلها منه، فعبده المبارك وهو المتبارك {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان: 1]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [الملك: 1]، وسنعود إلى هذا المعنى عن قريب إن شاء الله تعالى. وقد ردَّ طائفة من الناس تفسير الصلاة من الله بالرحمة، بأن قال: الرحمة (3) معناها: رقة القلب (4)، وهي مستحيلة في حق الله سبحانه، كما أن الدعاء منه سبحانه مستحيل. وهذا الذي قاله هذا (5) عِرْق جَهْمِي يَنِضُّ (6) من قلبه على لسانه. وحقيقته (7) إنكار __________ (1) في (ح) (مُلِمًّا)، وسقط من (ج) من قوله (أينما) إلى (لغيره). (2) في (ب) (تعظيمًا) وجاء الحاشية (تعليمًا). (3) سقط من (ح، ج) فقط. (4) من (ب)، وفي باقي النسخ (الطبع). (5) سقط من (ش، ب، ج). (6) في (ب، ج) (نبض) وفي (ظ، ت) غير منقوطة. (7) من (ح، ت، ش، ج)، ووقع في (ظ، ب) (وحقيقة).
(1/179)
رحمة الله سبحانه وتعالى جُمْلة، وكان جَهْمٌ يخرج إلى الجَذْمَى ويقول: أرحم الراحمين يفعل هذا! إنكارًا لرحمته سبحانه وتعالى. وهذا الذي ظنه هذا القائل هو شبهة منكري صفات الرب سبحانه وتعالى، فإنهم قالوا: الإرادة: حركة النفس لجلب ما ينفعها ودفع ما يضرها، والرب تعالى يتعالى عن ذلك فلا إرادة له، والغضب: غليان دم القلب طلبًا للانتقام، والرب منزه عن ذلك، فلا غضب له، وسلكوا هذا المسلك الباطل في حياته وكلامه وسائر صفاته. وهو من أبطل الباطل، فإنه أخذ في مسمى الصفة خصائصَ المخلوق، ثم نفاها جملةً عن الخالق سبحانه، وهذا في غاية التلبيس والإضلال؛ فإن الخاصية (1) التي أخذها في الصفة لم تثبت (2) لها لذاتها، وإنما يثبت لها بإضافتها إلى المخلوق الممكن، ومعلوم أن نفي خصائص صفات المخلوقين عن الخالق سبحانه وتعالى لا يقتضي نفي أصل الصفة عنه سبحانه، ولا إثبات أصل الصفة له يقتضي إثبات خصائص المخلوق له، كما أن ما نُفِيَ عن صفات الرب سبحانه وتعالى من النقائص والتشبيه لا يقتضي نفيه عن صفة المخلوق، ولا ما ثبت لها من الوجوب والقدم والكمال يقتضي ثبوته للمخلوق، لإطلاق (3) الصفة على الخالق والمخلوق. وهذا مثل الحياة والعلم، فإن حياة العبد تعرض لها الآفات المضادة __________ (1) وقع في (ظ) الخاصة. (2) في (ظ) (يثبت)، وفي (ت) غير منقوطة. (3) وقع في (ج) (ولإطلاق)، ووقع في (ظ) (ولا إطلاق).
(1/180)
لها، من النوم والمرض والموت، وكذلك علمه يعرض له النسيان والجهل المضاد له، وهذا محال في حياة الرَّبِّ سبحانه وتعالى وعلمه. فمن نفى علم الرب وحياته لما يعرض فيهما للمخلوق فقد أبطل، وهو نظير نفي (1) مَنْ نَفَى رحمة الرب سبحانه وتعالى (2) عنه لما يعرض في رحمة المخلوق من رقة الطبع، وتوهم المتوهم أنه لا تُعْقَل رحمة إلا هكذا، نظير تَوهُّم المتوهم أنه لا يُعْقَل علم ولا حياة ولا إرادة إلا مع خصائص المخلوق. وهذا الغلطُ منشؤه إنما هو توهّم صفة المخلوق المقيدة به أوَّلًا، وَتَوهُّم أنَّ إثباتها لله تعالى هو مع هذا القيد، وهذان وهمان باطلان؛ فإنّ الصِّفَةَ الثابتة للهِ تعالى مضافة إليه لا يتوهم فيها شيء من خصائص المخلوقين، لا في لفظها، ولا في ثبوت معناها، وكل من نفى عن الرب تعالى صفة من صفاته لهذا الخيال الباطل لزمه نفي جميع صفات كماله سبحانه وتعالى، لأنه لا يعقل منها إلا صفة المخلوق، بل ويلزمه نفي ذاته، لأنه لا يعقل من الذوات إلا الذوات المخلوقة، ومعلوم أن الرب سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء منها. وهذا الباطل قد التزمه غلاة المعطلة. __________ (1) ليس في (ش، ب، ح)، (نفي). (2) وقع في (ظ، ت) زيادة بعد قوله (وتعالى) وهي (وعلمه، فمن نفى رحمة الرب)، ووقع في (ج) ( .. رحمة الرب وعلمه لما يعرض .. ) والسياق يقتضي حذفهما من النص.
(1/181)
وكلما أوغل النافي في نفيه كان قوله أشد تناقضًا وأظهر بطلانًا، ولا يسلم على محك العقل الصحيح الذي لا يكذب إلا ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، كما قال تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)} [الصافات: 159، 160]، فنزه سبحانه وتعالى نفسه (1) عما يصفه به كل أحدٍ إلا المخلصين (2) من عباده، وهم الرسل ومن اتبعهم (3)، كما قال في الآية الأخرى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182]، فنزه نفسه عما يصفه به الواصفون، وسلم على المرسلين لسلامة ما وصفوه به من كل نقص وعيب، وحمد نفسه إذ هو الموصوف بصفات الكمال التي يستحقُّ لأجلها الحمد، ومُنزَّهٌ عن كل نقص يُنافِي كمال حمدِه. __________ (1) سقط من (ح). (2) في (ظ، ت، ج) (المخلصون). (3) من (ح، ش) ووقع في (ب، ت، ظ، ج) (تبعهم).
(1/182)
الفصل الثالث في معنى اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتقاقه هذا الاسم هو أشهر أسمائه - صلى الله عليه وسلم -، وهو اسم منقول من الحمد، وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه، هذا هو حقيقة الحمد. وبُنيَ على زِنَة "مُفَعَّل" مثل مُعَظَّم، ومُحَبَّب، ومُسَوَّد، ومُبَجَّل، ونظائرها، لأن هذا البناء موضوع للتكثير، فإن اشتق منه اسم فاعل، فمعناه: مَنْ كَثرُ صدورُ الفعلِ منه مرةً بعد مرةٍ، كَمُعلَّم، ومُفَهِّم، ومُبيِّن، ومُخَلِّص، ومُفَرِّج، ونحوها. وإن اشتق منه اسم مفعول، فمعناه: من (1) تكرر وقوع الفعل عليه مرةً بعد أخرى إما استحقاقًا أو وقوعًا. فمحمد: هو الذي كثر حمد الحامدين له مرة بعد أخرى (2)، أو الذي يستحق (3) أن يُحْمَد مرة بعد أخرى (4). ويقال: حُمِد فهو مُحَمَّد، كما يقال: عُلِم فهو مُعَلَّم. وهذا عَلَم وصِفَة اجتمع فيه الأمران في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان عَلَمًا __________ (1) وقع في (ش): (من وقع)، وفي (ح): (من كثر) والمثبت أصوب. (2) سقط من (ظ) من قوله (إما استحقاقًا) إلى (أخرى). (3) في (ظ) (استحق). (4) سقط من (ت) قوله (أو الذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى).
(1/183)
محضًا (1) في حق كثير ممن تَسمَّى به غيره. وهذا شأن أسماء الرب سبحانه وتعالى وأسماء كتابه وأسماء نبيه، هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف، فلا تُضادُّ فيها العَلَمِيَّةُ الوَصْفَ، بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين، فهو اللهُ، الخالقُ، البارئُ، المصوِّرُ، القهَّار. فهذه أسماء له عَزَّ وَجَلَّ دالة على معان هي صفاته، وكذلك القرآن، والفرقان، والكتاب المبين، وغير ذلك من أسمائه. وكذلك أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- "محمد، وأحمد، والماحي". 207 - وفي حديث جبير بن مطعم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ لِي أسْماءً: أنا مُحمَّد، وأنا أحْمَد، وأنا الماحِي الذِي يَمْحُو اللهُ به الكُفْر" (2). فذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الأسماء مبينًا ما خصه الله تعالى به من الفضل، وأشار إلى معانيها، وإلا فلو كانت أعلامًا محضة لا معنى لها، لم تدل على مدح؛ ولهذا قال حسان (3) رضي الله عنه: __________ (1) في (ح) (مختصًّا). (2) أخرجه البخاري في (65) المناقب (3339)، ومسلم في (43) الفضائل رقم (2354). (3) هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، توفي سنة 54 هـ وعمره 120 سنه. انظر: الإصابة (2/ 8 - 9).
(1/184)
وشَقَّ لَه مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّه (1) ... فَذُو العَرْشِ مَحْمُود وَهَذا مُحمَّد (2) وكذلك أسماء الرب تعالى كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظًا مجردة لا معاني لها؛ لم تدل على المدح، وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلها، فقال: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف: 180]، فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال، ولهذا لما سمع بعض العرب قارئًا يقرأ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} [المائدة: 38]، "والله غفور رحيم"، قال: ليس هذا كلام الله تعالى، فقال القارئ: أتكذِّبُ بكلام الله تعالى؟ فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى، فعاد إلى حفظه وقرأ: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}، فقال الأعرابي: صدقت، عَزَّ فَحَكَم فَقَطع؛ ولو غَفَر وَرَحَم لَما قَطَع. ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب، أو بالعكس، ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه. 208 - وفي السنن (3) من حديث أُبيِّ بن كعب حديث: "قراءة __________ (1) سقط من (ب). (2) انظر: ديوان حسان ص 54، والبيت نُسِبَ لأبي طالب عمّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقيل غير ذلك. انظر: الجليس الصالح، لأبي الفرج النهرواني (2/ 204). (3) أخرجه أبو داوود (1477)، وأحمد (5/ 124). من طريق همام بن يحيى =
(1/185)
القرآن على سبعة أحرف"، ثم قال: "ليس منهن إلا شافٍ كافٍ إن قلت: سميعًا عليمًا عزيزًا حكيمًا، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمةٍ بعذاب". ولو كانت هذه الأسماء أعلامًا محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أو بهذا. وأيضًا فإنَّه سبحانه يُعَلِّل أحكامه وأفعاله بأسمائه (1)، ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحًا، كقوله: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)} [نوح: 10]، وقوله: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البقرة: 226، 227]، فختم حكم الفيء الذي هو الرجوع والعود إلى __________ = عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد عن أبي بن كعب فذكره. وظاهر سنده الصحة * لكن خالفه معمر فأرسله كما عند عبد الرزاق (20371) *، وزيادة (إن قلت سميعًا عليمًا .. ) الخ، غريبة. فقد روى الحديث أبو إسحاق الهمداني عن سليمان بن صرد به، فلم يذكر هذه الزيادة. أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (670) وغيره. وروى الحديث عن أبي بن كعب (أنس بن مالك، وعباده بن الصامت وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي ليلى) فلم يذكروا الزيادة. أخرجه مسلم رقم (820)، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 201، وأحمد في المسند (5/ 114)، والنسائي (940) وغيرهم. (1) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (أحكامه بأفعاله) بدلًا من (أحكامه وأفعاله بأسمائه).
(1/186)
رضي الزوجة والإحسان إليها، بأنه غفور رحيم يعود على (1) عبده بمغفرته ورحمته إذا رجع إليه، والجزاء من جنس العمل، فكما رجع إلى التي هي أحسن، رجع الله تعالى إليه بالمغفرة والرحمة: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} فإن الطلاق لما كان لفظًا يُسْمَع ومعنى يُقْصَد، عقبه باسم "السميع" للنطق به "العليم" بمضمونه. وكقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} [البقرة: 235]، فلما ذكر سبحانه التعريض بخِطْبة المرأة الدال على أن المعرِّض في قلبه رغبة فيها، ومحبة لها، وأن (2) ذلك يحمله على الكلام الذي يتوصل به إلى نكاحها، رفع (3) الجناح عن التعريض وانطواء القلب على ما فيه من الميل والمحبة. ونفْيُ مواعدتهن سرًّا، فقيل: هو النكاح، والمعنى: لا تصرحوا لهنَّ بالتزويج إلا أن تعرضوا تعريضًا، وهو القول المعروف. وقيل: هو أن يتزوجها في عدَّتِها سرًّا، فإذا انقضت العدَّة أظهر العقد، ويدل على هذا قوله: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235]، وهو انقضاء العدة. __________ (1) وقع في (ب) (إلى). (2) من (ظ، ت، ج) وجاء في (ش، ب) (فإن). (3) وقع في (ح) (ورفع).
(1/187)
ومن رجح القول الأول قال: دلت الآية على إباحة التعريض بنفي الجناح، وتحريم التصريح بنفي (1) المواعدة سرًّا، وتحريم عقد (2) النكاح قبل انقضاء العدة، فلو كان معنى مواعدة السِّر هو إسرار العقد كان تكرارًا. ثم عقب ذلك بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235]، أن تتعدوا ما حَدَّ لكم، فإنه مُطَّلع على ما تُسِرُّون وما تعلون. ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)} لولا مغفرته وحلمه لَعَنِتُّم غايَة العَنَتِ، فإنه سبحانه مطلع عليكم، يعلم ما في قلوبكم، ويعلم ما تعملون، فإن وقعتم في شيء مما نهاكم عنه، فبادروا إليه (3) بالتوبة والاستغفار، فإنه الغفور الحليم. وهذه طريقة القرآن، يقرن بين أسماء الرجاء وأسماء المخافة، كقوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)} [المائدة: 98]، وقال أهل الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)} [فاطر: 34]، لما صاروا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم، قالوا: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)}، وفي هذا: معنى التعليل، أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته، فإنه غفر لنا السيئات، وشكر لنا الحسنات. وقال تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ __________ (1) من (ظ، ب)، ووقع في (ش، ت، ج) (بنهي). (2) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (عقدة). (3) وقع في (ب) (عليه).
(1/188)
شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} [النساء: 147] فهذا جزاءٌ لشكرهم، أي إن شكرتم ربكم شكركم، وهو عليم بشكركم، لا يخفى عليه مَنْ شَكَرَهُ ممن كفَرَه. والقرآن مملوء من هذا، والمقصود التنبيه عليه. وأيضًا فإنه سبحانه يستدل بأسمائه على توحيده ونفي الشريك عنه، ولو كانت أسماء (1) لا معنى لها لم تدل على ذلك، كقول هارون عليه السلام لِعبَدَةِ العِجْل: {إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} [طه: 90]، وقوله سبحانه في القصة: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)} [طه: 98]، وقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)} [البقرة: 163]، وقوله سبحانه في آخر سورة الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر: 22 - 23]، فنزه (2) نفسه عن شرك المشركين به عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المقتضية لتوحيده، واستحالة إثبات شريك له. ومن تدبر هذا المعنى في القرآن، هبط له على رياض من العلم، حماها الله تعالى عن كل أفَّاكٍ مُعْرِضٍ عن كتاب الله تعالى واقتباس الهدى منه. ولو لم يكن في كتابنا هذا إلا هذا الفصل __________ (1) وقع في (ب) (الأسماء). (2) في (ب، ش، ح) (فسبَّح نفسه)، وفي (ظ، ج) (فسبَّح نزَّه نفسه).
(1/189)
وحده لكفى من له ذوق ومعرفة، والله الموفق للصواب. وأيضًا فإن الله سبحانه يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف والجار والمجرور وغيرهما، ولو كانت أعلامًا محضة لم يصح فيها ذلك، كقوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)} [الحجرات: 16]، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)} [الجمعة: 7]، {فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)} [آل عمران: 63]، {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)} [الأحزاب: 43]، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)} [التوبة: 117]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)} [آل عمران: 189]، {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)} [البقرة: 19]، {وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (39)} [النساء: 39]، {كَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)} [الكهف: 45]، {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)} [هود: 111]، {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} [الحجرات: 18]، {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} [الشورى: 27]، ونظائره كثيرة. وأيضًا فإنه سبحانه يجعل أسماءه دليلًا على ما ينكره الجاحدون من صفات كماله، كقوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} [الملك: 14]. وقد اختلف النُّظَّارُ في هذه الأسماء؛ هل هي متباينة نظرًا إلى تباين معانيها، وأن كل اسم يدل على معنى غير ما يدل عليه الآخر، أم هي مترادفة، لأنها تدل على ذات واحدة، فمدلولها لا تعدد فيه، وهذا شأن المترادفات؟ والنزاع لفظي في ذلك. والتحقيق أن يقال: هي مترادفة بالنظر إلى الذات، متباينة بالنظر إلى الصفات، وكل اسم منها يدل على الذات
(1/190)
الموصوفة بتلك الصفة بالمطابقة، وعلى أحدهما وحده بالتضمن، وعلى الصفة الأخرى بالالتزام. فصل إذا ثبت هذا: فتسميته - صلى الله عليه وسلم - بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مُسَمَّاهُ وهو الحَمْدُ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - محمود عند الله، ومحمود عند ملائكته، ومحمود عند إخوانه من المرسلين، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلهم، وإن كفر به بعضهم؛ فإنَّ ما (1) فيه من صفات الكمال محمودة (2) عند كل عاقل، وإن كابر عقله جحودًا، أو عنادًا، أو جهلًا باتصافه بها، ولو علم اتصافه بها لحمده بها (3)؛ فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال، ويجهل وجودها (4) فيه، فهو في الحقيقة حامد له. وهو - صلى الله عليه وسلم - اختُصَّ من مسمى الحمد بما لم يجتمع لغيره، فإن اسمه محمد وأحمد، وأمته الحَمَّادون، يحمدون الله تعالى في (5) السَّراء والضَّراء، وصلاته (6) وصلاة أمته مفتتحة بالحمد، وخُطَبُهُ (7) مفتتحة بالحمد، وكتابه مفتتح بالحمد. هكذا كان عند الله تعالى في __________ (1) سقط (ما) من (ظ). (2) في (ح) (محمود). (3) إضافة من (ب) فقط. (4) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (وجوها) وهو خطأ. (5) في (ظ، ت، ش، ج) (على). (6) سقط من (ظ، ت، ج). (7) في (ح) (وخطبته).
(1/191)
اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحًا بالحمد، وبيده - صلى الله عليه وسلم - لواء الحمد يوم القيامة، ولما يسجد بين يدي ربه عز وجل للشفاعة، ويؤذن له فيها، يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)} [الإسراء: 79]. ومن أحب الوقوف على معنى المقام المحمود فليقف على ما ذكره سلف الأمة من الصحابة والتابعين فيه في تفسير هذه السورة؛ كتفسير ابن أبي حاتم، وابن جرير، وعبد بن حميد، وغيرها من تفاسير السلف. وإذا قام في ذلك المقام حمده حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أولهم وآخرهم. وهو محمود - صلى الله عليه وسلم - بما ملأ به (1) الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، وفتح به القلوب، وكشف به الظلمة عن أهل الأرض، واستنقذهم مِن أسْرِ الشياطين (2)، ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به، حتى نال به أتباعُهُ شَرفَ الدنيا والآخرة، فإن رسالته وَاْفَت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها، فإنهم كانوا بين: عُبَّاد أوثان، وعُبَّاد صُلْبان، وعُبَّاد نيران، وعُبَّاد الكواكب، __________ (1) سقط من (ح) وفي (ب، ج) (بما يملأ به الأرض). (2) في (ظ) (الشيطان).
(1/192)
ومغضوب عليهم قد باؤوا بغضب من الله، وحَيْرانٍ لا يعرف ربًّا يعبده، ولا بماذا يعبده، والناس يأكل بعضهم بعضًا، من استحسن شيئًا دعا إليه وقاتل من خالفه، وليس في الأرض موضعُ قدمٍ مُشْرقٍ بنور الرسالة، وقد نظر الله سبحانه وتعالى حينئذ إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا على (1) آثارٍ من دين صحيح، فأغاث الله به البلاد والعباد، وكشف به تلك الظُّلَم، وأحيا به الخليقة بعد الموت، فهدى به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وكثر به (2) بعد القلة، وأعز به بعد الذلة، وأغنى به بعد العَيْلَة، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، فعرف - صلى الله عليه وسلم - الناس ربهم ومعبودهم غايةَ ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ وأعاد، واختصر وأطنب، في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، حتى تجلَّت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم (3) في هذا الباب: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت: 51]. __________ (1) وقع في (ب) (بقايا آثار دين صحيح). (2) سقط من (ح). (3) في (ظ) (كلّم).
(1/193)
209 - روى أبو داود في مراسيله (1)، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى بيد بعض أصحابه قطعةً من التوراة فقال: "كفى بقوم ضلالة أن يبتغوا (2) كتابًا غير كتابهم (3) أُنزل (4) على (5) غير نبيهم" فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)} [العنكبوت: 51]، فهذا حال من أخذ دينه عن كتاب منزل على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بمن أخذه عن عقل فلان وفلان، وقدَّمه على كلام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؟. وعَرَّفهم الطريق المُوْصِلَ (6) إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، فلم يدع حسنًا إلا أمرهم (7) به، ولا قبيحًا إلا نهى عنه. 210 - كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به، ولا من شيء يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه" (8). __________ (1) أخرجه أبو داوود في المراسيل رقم (454)، والطبري في تفسيره (21/ 6) وهو مرسل صحيح الإسناد. وروي مسندًا مرفوعًا، ولا يثبت. (2) من (ت) والمراسيل، ووقع في (ش، ب) (يتبعوا) وفي (ظ) غير منقوطة. (3) في (ب) (كتاب). (4) وقع في (ظ) (الذي أُنزل) وهو خطأ. (5) في (ش) (على نبي غير نبيهم). (6) من (ظ، ت)، وفي باقي النسخ (الموصل لهم إلى). (7) في (ظ، ت) (أمر به). (8) أخرجه الطبراني في معجمه الكبير * (2/ 155 - 156) رقم (1647)، وابن =
(1/194)
211 - قال أبو ذر: "لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكَرَ لنا منه علمًا" (1). وعرفهم حالهم (2) بعد القدوم على ربهم أتَمَّ تعريف، فكشف الأمر وأوضحه، ولم يَدَع بابًا من العلم النافع للعباد المقرب لهم إلى ربهم إلا فتحه، ولا مُشْكِلًا إلا بَيَّنَهُ وشرحه، حتى هدى الله تعالى به القلوب من ضلالها، وشفاها به من أسقامها، وأغاثها به من جهلها، فأي بشر أحق بأن يحمد منه - صلى الله عليه وسلم -، وجزاه عن أمته أفضل الجزاء. __________ = حبان (1/ 267) وغيرهما *. من طريق ابن عيينة، عن فطر عن أبي الطفيل عن أبي ذر، فذكره. وهو خطأ، أخطأ فيه فطر بن خليفة فاضطرب فيه على أوجه. وصوابه: فطر عن منذر الثوري عن أبي ذر عند أحمد (5/ 162)، وسيأتي. انظر: علل الدارقطني (6/ 290) (1148)، وأطراف الغرائب (5/ 55) * وللحديث شاهد منقطع عن ابن مسعود، وآخر مرسل عن المطلب. انظر علل الدارقطني (5/ 273)، والرسالة للشافعي رقم (289، 306) وغيرهما *. (1) أخرجه أحمد في المسند (5/ 154 و 162)، والطيالسي في مسنده (1/ 385) رقم (481). من طريق الأعمش عن منذر الثوري ثنا أشياخ من التيم قالوا: قال أبو ذر: لقد تركنا ... فذكره. ورجاله ثقات، غير الأشياخ من التيم، فهم مبهمون. وهل ينجبر ذلك لكثرة عددهم؟، فيه بحث. وروي متصلًا، فطر عن منذر عن أبي الطفيل عن أبي ذر فذكره. أخرجه أحمد (5/ 162) وهو خطأ، صوابه ما تقدم. (2) في (ظ، ت) (حاله)، وفي (ج) (ب).
(1/195)
وأصح القولين في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء: 107]، أنه على عمومه، وفيه على هذا التقدير وجهان: أحدهما: أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته - صلى الله عليه وسلم -، أما أتباعه فنالوا بها (1) كرامة الدنيا والآخرة، وأما أعداؤه المحاربون له، فالذين (2) عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم، لأن حياتهم زيادةٌ لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة، وهم قد كتب عليهم الشقاء، فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر، وأما المعاهدون له فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته، وهم أقل شرًا بذلك العهد من المحاربين له. وأما المنافقون فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيره (3)؛ وأما الأُمَم النَّائية عنه فإن الله سبحانه وتعالى رفع برسالته - صلى الله عليه وسلم - العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النَّفع برسالته - صلى الله عليه وسلم -. الوجه الثاني: أنه رحمة لكل أحد، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى، والكفار ردوها، فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمةً لهم، لكن لم يقبلوها، كما يقال: هذا دواء __________ (1) في (ظ، ت)، ونسخة (ظ) على حاشية (ب) (به). (2) سقط من (ظ، ب)، ووقع في (ت، ج) (فالمحاربون له عجل قتلهم). (3) وقع في (ح) (وغيرها).
(1/196)
لهذا المرض، فإذا لم يستعمله المريض (1) لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض. وممّا يُحْمدُ عليه - صلى الله عليه وسلم -: ما جَبَلَه الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشِّيَم، فإن مَنْ نظر في أخلاقه وشِيَمِه - صلى الله عليه وسلم - علم أنها خير أخلاق بني آدم (2)، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أعلم الخلق، وأعظمهم أمانة، وأصدقهم حديثًا وأحلمهم (3)، وأجودهم وأسخاهم، وأشدهم احتمالًا، وأعظمهم عفوًا ومغفرةً، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حِلْمًا؛ كما روى البخاري في "صحيحه" (4): عن عبد الله بن عمرو؛ أنه قال في صفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التوراة: 212 - "محمدٌ عَبْدي ورَسُولي سَمَّيتُه المُتَوكِّل، ليس بفَظٍّ ولا غَليظٍ، ولا سَخَّابٍ بالأسواق، ولا يجزي بالسَّيئة السَّيئة (5)، ولكن يعفو ويغفر (6)، "ولن أقبضه حتى أُقِيْم به المِلَّة العَوْجَاء، وأفتحُ به أعْيُنًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا، حتى يقُولوا: لا __________ (1) من (ب، ظ، ش) وسقط من (ح). (2) من (ش) فقط وجاء بعده بياض. ووقع في (ب) بياض وفي (ظ، ج) ( .. خير أخلاق الخلق، وأكرم شمائل الخلق، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أعلم الخلق)، وسقط من (ت) (علم أنها خير أخلاق بني آدم، فإنه - صلى الله عليه وسلم -). (3) من (ظ، ت)، وفي (ش) (بياض)، وسقط من (ب، ح). (4) أخرجه البخاري في صحيحه في (68) التفسير الفتح (4/ 1831) رقم (4558). (5) في البخاري (ولا يدفع السيئة بالسيئة) بدلًا من (ولا يجزي ... ). (6) في البخاري (ويصفح).
(1/197)
إلَه إلَّا الله (1) ". وأرحم الخلق وأرأفهم بهم، وأعظم الخلق نفعًا لهم (2) في دينهم ودنياهم، وأفصح خلق الله، وأحسنهم تعبيرًا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة علي المراد، وأصبرهم في مواطن الصَّبر، وأصدقهم في مواطن اللِّقاء، وأوفاهم بالعهد والذِّمة، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه، وأشَدُّهم تواضعًا، وأعظمهم إيثارًا على نفسه، وأشد الخلق ذبًّا عن أصحابه وحمايةً لهم ودفاعًا عنهم، وأقوم الخلق بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عنه، وأوصل (3) الخلق لرحمه، فهو أحق بقول القائل: بَرْدٌ على الأدْنَى ومرْحَمةٌ ... وعَلَى الأعادِي مازنٌ (4) جلد 213 - قال علي رضي الله عنه (5): "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود __________ (1) في البخاري ".. ولن يقبضه الله حتى يُقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا". (2) سقط من (ب) فقط. (3) وقع في (ب) (وأفضل)، ووقع في (ت) (وأوصل الخلق برحمه). (4) في جميع النسخ (مازن)، ولعل الصواب (مارن) بالراء المهملة، وهو الصلب. انظر: لسان العرب (13/ 403)، والبيت لأبي الشيص الخزاعي في ديوانه باختلافٍ يسير في لفظه. (5) أخرجه الترمذي (3638) وفي الشمائل رقم (7). قال الترمذي (حسن غريب، ليس إسناده بمتصل) فيه عمر بن عبد الله مولى غفرة، ضعيف، وإبراهيم بن محمد -من ولد علي- روايته عن علي مرسلة. انظر: التقريب (4934)، وجامع التحصيل للعلائي رقم (9).
(1/198)
الناس صدرًا، وأصدق الناس (1) لهجة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفةً أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم -". فقوله: "كان أجود الناس صدرًا": أراد به بر الصدر وكثرة خيره، وأن الخير يتفجر منه تفجيرًا، وأنه منطو على كل خلق جميل وعلى كل خير، كما قال بعض أهل العلم: "ليس في الدنيا كلها محل كان أكثر خيرًا من صدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد جَمَعَ الخير بحذافيره، وأُوْدِعَ في صدره - صلى الله عليه وسلم -". وقوله: "أصدق الناس لهجة": هذا مما أقر له به أعداؤه المحاربون له، ولم يجرب عليه أحد من أعدائه كذبة واحدة قط (2)، دع شهادة أوليائه كلهم له به؛ فقد حاربه أهل الأرض بأنواع المحاربات، مشركوهم وأهل الكتاب منهم، وليس أحد منهم يومًا من الدهر طعن فيه بكذبة واحدة صغيرة ولا كبيرة. 214 - قال المسور بن مخرمة (3): قلت لأبي جهل -وكان __________ (1) في (ح) (وأصدقهم لهجة). (2) من (ح) وسقطت من باقي النسخ. (3) لم أقف عليه بهذا اللفظ. لكن أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 206 - 207) من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال حدثني الزهري قال حُدِّثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي بالليل في بيته .. فذكره بطوله -وفيه- قول أبي جهل للأخنس (تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف فأطعموا ..... الخ نحوه. =
(1/199)
خالي-: يا خال! هل كنتم تتهمون محمدًا بالكذب قبل أن يقول مقالته؟ فقال: والله يا ابن أختي لقد كان محمد وهو شاب يُدْعَى فِيْنا الأمين، فلمَّا وَخَطَهُ الشيب لم يكن ليكذب. قلت: يا خال! فلم لا تتبعونه؟ فقال: يا ابن أختي، تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف؛ فأطعموا وأطعمنا، وسقوا وسقينا، وأجاروا وأجرنا، فلما تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي، فمتى نأتيهم بهذه؟!. أو كما قال. وقال تعالى: يسليه ويهون عليه قول أعدائه: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)} [الأنعام: 33 - 34]. وقوله: "ألينهم عريكة": يعني أنه سهل لَيِّن، قريب من الناس، مجيب لدعوة من دعاه، قاض لحاجة من استقضاه، جابر لقلب من سأله، لا يحرمه ولا يرده خائبًا، إذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه وتابعهم فيه، وإن عزم على أمر لم يستبد دونهم، بل __________ = وسنده ضعيف، لإرساله، وقد ورد أيضًا عند البيهقي في الدلائل (2/ 207) قول أبي جهل هذه المقوله للمغيرة بن شعبة قبل إسلامه بمعناه، وسنده منقطع. قلت: وسؤال المسور بن مخرمة لأبي جهل غريب، فإن يحيى بن بكير قال: "كان مولده بعد الهجرة بسنتين .. "، وورد عند مسلم أنه قال (وأنا محتلم) قال ابن حجر في الإصابة (6/ 99): "وهذا يدل على أنه ولد قبل الهجرة، ولكنهم أطبقوا على أنه ولد بعدها"، وقتل أبو جهل ببدر، وهذا يدل أن في الرواية التي ذكرها المؤلف وهم. والله أعلم.
(1/200)
يشاورهم ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم. وقوله: "أكرمهم عشرة": يعني أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعاشر جليسًا له إلا أتم عشرة وأحسنها وأكرمها، فكان لا يعبسن في وجهه، ولا يغلظ له في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة ونحوها، بل يحسن إلى عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال، فكانت عشرته لهم (1) احتمال أذاهم وجفوتهم جملة، لا يُعاتب (2) أحدًا منهم ولا يلومه (3) ولا يباديه (4) بما يكره (5). من خالطه يقول: أنا (6) أحب الناس إليه، لما يرى من لطفه به، وقربه منه، وإقباله عليه، واهتمامه بأمره، ونصيحته (7) له، وبذل إحسانه إليه، واحتمال جفوته، فأي عشرة كانت أو تكون أكرم من هذه العشرة. 215 - قال الحسين رضي (8) الله عنه: سألت أبي عن سيرة __________ (1) في (ش، ب) بياض بعد (لهم). (2) من (ج، ش، ب)، وفي (ظ)، (يعاند)، وفي (ت) غير منقوطة. (3) في (ب) (ولا يلزمه) وهو خطأ. (4) ووقع في (ش) (يناديه)، ووقع في (ب) (يبادره). (5) في (ش، ب) بياض بعد قوله (يكره). (6) من من (ظ، ت)، ووقع في (ب، ش، ج) (إنه). (7) وقع في (ظ) (وتضحيته)، وفي (ت) غير منقوطة وسقط من (ج) (له). (8) أخرجه الترمذي في الشمائل (352)، والطبراني في الكبير (22/ 158) رقم (414) وغيرهما. وسنده ضعيف جدًا، فيه جُمَيْع بن عُمَيْر، قال أبو داوود: "أخشى أن يكون كذابًا". وأبو عبد الله التميمي: مجهول، والراوي عن =
(1/201)
النبي - صلى الله عليه وسلم - في جلسائه فقال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مداح (1)، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يؤيس منه راجيه (2)، ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، والإكثار، وترك ما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث (3): كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، لا يتنازعون عنده الحديث، ومن تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ (4)، حديثهم عنده حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه، ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ، ولا يقطع على أحدٍ حديثه حتى يجوز، فيقطعه بنهي أو قيام". وقوله: "من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه": وصفه بصفتين خص الله بهما أهل الصدق والإخلاص: وهما الإجلال والمحبة، فكان قد ألقى عليه هيبة منه ومحبة، فكان كل __________ = الحسن بن علي لا يُعرف. انظر: تهذيب الكمال (5/ 124 - 126). (1) في الشمائل (ولا مشاع). (2) من (ح) فقط. (3) من (ح) فقط من قوله (المراء) إلى (من ثلاث). (4) في (ب) (حتى يفرغوا) وهو خطأ.
(1/202)
من يراه يهابه ويجله، ويملأ قلبه تعظيمًا وإجلالًا وإن كان عدوًا له، فإذا خالطه وعاشره كان أحب إليه من كل مخلوق، فهو المُجَلُّ المُعَظَّم المحبوب المكرم، وهذا كمال المحبة، أنْ تُقْرَنَ بالتعظيم والهيبة، فالمحبة بلا تعظيم ولا هيبة ناقصة، والهيبة والتعظيم من غير محبة (1) - كما تكون للقادر الظالم - نقص أيضًا، والكمال: أن تجتمع المحبة والوِدّ والتعظيم والإجلال، وهذا لا يوجد إلا إذا كان في المحبوب صفات الكمال التي يستحق أن يُعَظَّم لأجلها ويُحَبُّ لأجلها. ولما كان الله سبحانه وتعالى أحق بهذا من كل أحد كان المستحق لأن (2) يعظم ويكبر ويهاب، ويحب ويُوَدَّ بكل جزء من أجزاء القلب، ولا يجعل له شريك في ذلك، وهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله سبحانه: أن يسوي بينه وبين غيره في هذا الحب والتعظيم (3)، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] فأخبر أن من أحبَّ شيئًا غير الله مثل حُبِّه لله كان قد اتَّخذه ندًّا. وقال أهل النار في النار لمعبودهم: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 97 - 98]، ولم تكن تَسْويتهم لهم بالله في كونهم خَلَقُوا السماوات والأرض، أو خَلَقوْهم، أو (4) خلقوا آباءهم، __________ (1) وقع في (ح) (محبة ناقصة): ولعلها مُقحمة من الناشر. (2) في (ظ) (بأن). (3) سقط من (ظ) فقط. (4) من (ت، ح) وفي باقي النسخ (وخلقوا آباءهم).
(1/203)
وإنما سوُّوهم بربِّ العالمين سبحانه وتعالى في الحُبِّ لهم كما يحب الله تعالى، فإن حقيقة العبادة هي الحبُّ والذلُّ، وهذا هو الإجلال والإكرام الذي وَصَفَ به نفسه سبحانه في قوله سبحانه وتعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]. وأصحُّ القولين في ذلك: أن الجلال هو التَّعظيم، والإكرام هو الحب، وهو سِرُّ قول العبد: "لا إله إلا الله، والله أكبر"، ولهذا جاء في مسند الإمام أحمد (1): من حديث أنس رضي الله عنه. 216 - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" أي: الزموها والهجوا بها. 217 - وفي "مسند أبي يعلى الموصلي" (2): عن بعض الصحابة؛ أنه طلب أن يعرف اسم الله الأعظم، فرأى في منامه في السماء مكتوبًا في النجوم: يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام". __________ (1) عزاه له الضياء في المختارة (6/ 81)، ولم أقف عليه في المسند، ولا في أطرافه، ولا إتحاف المهرة لابن حجر، فلعله في بعض النسخ. وأما حديث أنس فهو عند الترمذي (3524 و 3525) وأبي يعلى (6/ 445) وغيرهما، وقد أعلَّه أبو حاتم والترمذي بالإرسال. وهو ثابت من حديث ربيعة بن عامر عند أحمد في المسند (4/ 177) وغيره. والحديث صححه الحاكم وغيره. (2) * (13/ 165) رقم (7206) *. وهو أثر مقطوع؛ لأن الرجل الذي من طيء ليس من الصحابة، بل غاية أمره أن يكون تابعيًّا؛ لأن أعلى طبقة يروي عنها السَّري هي من التابعين. انظر: تهذيب الكمال (10/ 232 - 233).
(1/204)
وكل محبة وتعظيم للبشر، فإنما تجوز تبعًا لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسوله (1) وتعظيمه (2)، فإنها من تمام محبة مُرْسِلِه وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لحب الله تعالى له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله. وكذلك محبة أهل العلم والإيمان، ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم = تابعٌ لمحبة الله ورسوله لهم. والمقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقى الله عليه من المهابة والمحبة، ولكل مؤمن مخلص حظٌّ من ذلك. 218 - قال الحسن البصري رحمه الله: "إنَّ المُؤمنَ رُزِقَ حَلاَوَة ومَهَابة" (3). يعني يُحَبُّ ويُهَابُ ويُجَلَّ بما (4) ألبسة الله سبحانه من ثوب الإيمان المقتضي لذلك، ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صدره من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدر الصحابة رضي الله عنهم. 219 - قال عمرو بن العاص بعد (5) إسلامه: إنه لم يكن __________ (1) في (ب) (رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)، وفي (ج) (المحبة رسوله) وهو خطأ. (2) سقط من (ظ). (3) لم أقف عليه. (4) في (ح) (بها) وهو خطأ. (5) وقع في (ظ، ت، ج) (قبل).
(1/205)
شخص أبغض إليَّ منه، فلما أسلم لم يكن شخص أحب إليه منه ولا أجل في عينه منه، قال: "ولو سُئلتُ أن أصفه لكم لما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه إجلالًا له" (1). 220 - وقال عروة بن مسعود لقريش: "يا قوم! والله لقد وفدت على كِسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكًا يعظِّمه أصحابه ما يُعظِّم أصحاب محمدٍ محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، والله ما يُحِدُّون النظر إليه تعظيمًا له، وما تنخَّم نُخَامةً إلا وقعت في كف رجل منهم، فيدْلِك بها وجهه وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه" (2). فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشتملًا على ما يقتضي أن يحمد عليه مرة بعد مرة سمي محمدًا، وهو اسم موافق لِمُسمَّاه، ولفظ مطابق لمعناه؛ والفرق بين لفظ (3) "محمد" و"أحمد" من وجهين: أحدهما: أن "محمدًا" هو المحمود حمدًا بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه. "وأحمد" أفعل (4) تفضيل من الحمد يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد زيادة حمد __________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه في (1) الإيمان (121) في قصة احتضاره. (2) أخرجه البخاري في صحيحه في (58) الشروط رقم (2581) في قصة صلح الحديبية. (3) سقط من (ح). (4) سقط من (ح) قوله (أفعل)، ووقع في (ش) (أفضل) بدلًا عن (أفعل).
(1/206)
في الكمية، و"أحمد" زيادته (1) فى الكيفية، فيحمد أكثر حمد وأفضل حَمْدٍ حَمِدَه البَشَر. الوجه الثانى: أن "محمدًا" هو المحمود حمدًا متكررًا كما تقدم، "وأحمد" هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل أحد الاسمين وهو "محمد" على كونه محمودًا، ودل الاسم الثاني وهو "أحمد" على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يُبْنَيَان إلَّا (2) مِنْ فعل الفاعل، لا يبنيان من فعل المفعول، بناءً منهم على أنَّ أفْعَلَ التَّعجُّب والتفضيل إنما يُصاغان من الفعل اللازمِ، لا من المتعدي، ولهذا يقدرون نقله من فَعَل وفَعِل إلى بناء فعُل -بضم العين-، قالوا: والدليل على هذا أنه تعدَّى بالهمزة إلى المفعول، فالهمزة التي فيه للتَّعْدِية، نحو: ما أظرف زيدًا، وأكرم عمرًا، وأصلهما ظرُف وكرُم. قالوا: لأن المتعجب منه فاعل في الأصل، فوجب أن يكون فعله غير مُتَعَدٍّ. قالوا: وأما قولهم: ما أضرب زيدًا لعمرو، وفعله مُتَعَدٍّ في الأصل. قالوا: فهو منقول من ضَرُبَ إلى وزن فَعُلَ اللازم، ثم عُدِّيَ من فعل بهمزة التعدية. __________ (1) في (ح) (زيادة). (2) من (ظ، ت، ب) (إلّا مِنْ) ووقع في (ش) (الأمر) وهو خطأ.
(1/207)
قالوا: والدليل على ذلك مجيئهم باللام فيقولون: ما أضرب زيدًا لعمرو، ولو كان باقيًا على تعديه، لقيل: ما أضرب زيدًا عمرًا، لأنه متعد إلى واحد بنفسه، وإلى الآخر بهمزة التَّعْدِية، فلما عُدِّيَ إلى المفعول بهمزة التعدية عدي إلى الآخر باللام، فَعُلِمَ أنه لازم، فهذا هو الذي أوجب لهم أن يقولوا (1): لا يصاغ ذلك إلا من فعل الفاعل، لا من الفعل (2) الواقع على المفعول. ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: يجوز بناء فِعْلَي (3) التعجب والتفضيل من فعل الفاعل، ومن الواقع على المفعول، تقول العرب: ما أشغله بالشيء، وهذا من شغل به على وزن سئل، فالتعجب من المشغول بالشيء لا من الشاغل، وكذا قولهم. ما أولعه بكذا، من أولع به مبني للمفعول، لأن العرب التزمت بناء هذا الفعل للمفعول، ولم تبنه للفاعل، وكذلك قولهم: ما أعجبه بكذا، هو من أعجب بالشيء، وكذا قولهم: ما أحبه إلي، هو تعجب من فعل المفعول، وكذا قولهم (4): ما أبغضه إلي وأمقته إلي. وهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه (5)، وهي أنك تقول: ما __________ (1) من (ح)، وفي باقي النسخ (قالوا). (2) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (فعل) وفي (ج) (الفاعل) وهو خطأ. (3) في (ح) (فعل) وهو خطأ. (4) سقط من (ب) فقط. (5) انظر الكتاب لسيبويه (4/ 99 - 100).
(1/208)
أبغضني له، وما أحبني له، وما أمقتني (1) له، إذا كنت أنت المبغض الكاره، والمحب والماقت، فيكون تعجبًا من فعل الفاعل، وتقول (2): ما أبغضني إليه وما أمقتني إليه، وما أحبني إليه؛ إذا كنت أنت المبْغَض الممقوت (3) أو المحبوب، فيكون تعجبًا من الفعل (4) الواقع على المفعول، فما كان باللام فهو للفاعل، وما كان بإلى فهو للمفعول، وكذا تقول: ما أحبه إلي، إذا كان هو المحبوب، وما أبغضه إلي، إذا كان هو المبغض (5)، وأكثر النحاة لا يعللون هذا. والذي يقال في علته -والله أعلم-: إن اللام تكون للفاعل في المعنى نحو قولك: لمن هذا الفعل؟ فتقول: لزيد، فتأتي (6) باللام، وأما "إلى" فتكون للمفعول في المعنى، لأنه يقول: إلى من يصل هذا الفعل؟ فتقول: إلى زيد. وسرُّ ذلك أن اللام في الأصل للملك، أو (7) الاختصاص والاستحقاق، والملك والاستحقاق إنما يستحقه الفاعل الذي يملك __________ (1) سقط من (ب) فقط (وما أمقتني له). (2) من (ظ، ش) ووقع في (ب) (ويقول)، وفي (ت) غير منقوطة. (3) سقط من (ب) فقط. (4) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (فعل). (5) في (ظ) (للبعض) وهو خطأ. (6) وقع في (ب) (فيأتي) وهو خطأ، وفي (ت) غير منقوطة. (7) وقع في (ب) فقط (و) بدلًا من (أو).
(1/209)
ويستحق، و"إلى" لانتهاء الغاية، والغاية منتهى (1) ما يقتضيه الفعل، فهي بالمفعول أليق، لأنه تمام مقتضى الفعل. ومن التعجب من فعل المفعول قول كعب بن زهير (2) في النبي - صلى الله عليه وسلم -: فَلَهُوَ أخوفُ عِنْدي إذْ أُكَلِّمُه ... وَقِيْلَ إنَّكَ مَحْبُوسٌ وَمَقْتُولُ مِنْ ضَيْغَم بضراء الأرْضِ مَخْدَرُهُ ... بِبَطْنِ عثراء غِيْل دُوْنَه غِيْل (3) فأخوف هنا من خيف لا من خاف، وهو نظيرُ أحْمَد من حُمِد، كَسُئِلَ، لا من حَمِدَ كعَلِمَ، وتقول: ما أجَنَّه، من جَنَّ فهو مجنون. قال البصريون: هذا كله شاذ لا يُعَوَّل عليه. قال الآخرون: هذا قد كثر في كلامهم جدًّا، وحَمْلُه على الشذوذ غير جائز، لأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كلامهم، وهذا غير مخالف لذلك. قالوا: وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله إلى بناء فَعُل المضموم، فمما لا يساعد عليه دليل. __________ (1) سقط من (ب) فقط. (2) هو كعب بن زهير بن أبي سُلْمى، المزني، الشاعر ابن الشاعر، صحابي معروف. انظر: الإصابة لابن حجر (5/ 302 - 303) رقم (7405). (3) انظر ديوان كعب بن زهير ص 21.
(1/210)
وأما ما تمسَّكتم به من التَّعْدية بالهمزة، فليس كما ذكرتم، والهمزة هنا ليست للتعدية، وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل، كألف فاعل، وميم مفعول، وَوَائه (1)، وتاء الافتعال والمطاوعة، ونحوها من الحروف التي تلحق الفعل الثلاثي، لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرد مدلوله، فهذا هو السبب الجالب لهذه الألف، لا مجرد تعدية الفعل. قالوا: والذي يدل على هذا أن الفعل الذي يُعَدَّى (2) بالهمزة يجوز أن يُعدَّى (3) بحرف الجر وبالتَّضْعِيْف، تقول: أجلست زيدًا وجلَّستُه، وجلست به، وأقمته وقَوَّمته (4) وقمت به، وأنمته ونَوَّمْتُه، ونمت به (5)، وأثَّمْتُه وآثَمْته (6)، ونظائر ذلك، وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها، فبطل أن تكون للتعدية. الثاني: أنها تجامع باء التعدية، فتقول: أحْسِنْ به وأَكْرِمْ به، والمعنى ما أكرمه وما أحسنه، والفعل لا يُجْمعُ (7) عليه بين مُعَدَّيَيْنِ معًا. __________ (1) من (ش، ب) فقط. (2) وقع في (ش) (تعدَّى)، ووقع في (ت) (أن الفعل المعدَّى بالهمزة). (3) وقع في (ش، ب) (يتعدى). (4) سقط من (ب، ت، ج) وفي (ظ) (وقمته). (5) سقط من (ظ، ت، ب، ج) (ونمت به). (6) سقط من (ح) قوله (وأثمته وأثمته). (7) من (ب، ج)، وفي (ش، ت، ظ) غير منقوطة.
(1/211)
الثالث: أنهم يقولون: ما أعطى زيدًا للدراهم، وما أكساه للثياب، وهذا من أعطى وكسا المتعدي، ولا يصح تقدير نقله إلى عَطَوَ: إذا تناول، ثم أُدْخِلَت عليه همزة التعدية، كما تأوله بعضهم لفساد المعنى، فإن التعجب إنما وقع من إعطائه، لا من عَطْوه وهو تناوله، والهمزة فيه همزة التعجب والتفضيل، وحذفت همزته التي في فعله، فلا يصح أن يقال: هي للتعدية. قالوا: وأما قولكم: إنه عُدِّيَ باللام في قولهم: ما أضربه لزيد، ولولا أنه لازم لما (1) عدي باللام، فهذا ليس لِمَا (2) ذكرتم من لزوم الفعل، وإنما هو تقْوِية له لما ضعف بمنعه من التصرُّف (3)، وألزم طريقة واحدة خرج عن سنن الأفعال، وضعف عن مقتضاه، فقُوِّيَ باللام، وهذا كما يُقَوَّى باللَّام إذا تقدم معموله عليه، وحصل له بتأخره نوعُ وَهْنٍ جبروه باللَّام، كما قال تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)} [يوسف: 43]، وكما يُقوّى باللام إذا كان اسم فاعل، كما تقول: أنا محب لك، ومُكْرم لزيد ونحوه، فلما ضعف هذا الفعل بمنعه من التصرُّف (4) قُوِّيَ باللام، وهذا المذهب هو الراجح (5) كما تراه، والله أعلم. __________ (1) سقط من (ب) (لَمَا)، وسقط من (ت) (في قولهم: ما اضربه لزيد، ولولا أنه لازم لما عُدي باللام). (2) من (ب، ش)، وفي باقي النسخ (كما). (3) من (ب، ش)، وفي باقي النسخ (الصرف) وهو خطأ. (4) من (ب، ش) كما سبق، وسقط من (ج) (بمنعه). (5) وقع في (ب) (راجح).
(1/212)
فلنرجع إلى المقصود، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - سُمِّيَ "محمدًا" و"أحمد" لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره، وأفضل مما يحمد غيره، فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا هو المختار، وذلك أبلغ في مدحه وأتم معنى، ولو أريد به معنى الفاعل لسُمّي الحَمَّاد، وهو كثير الحمد، كما سُمي "محمدًا" وهو المحمود كثيرًا، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر الخلق حَمْدًا لربه عز وجل، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى "حمادًا" كما أن اسم أمته الحَمَّادون. وأيضًا فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله (1) المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى "محمدًا" و"أحمد"، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماء والأرض، فلكثرة خصائله المحمودة التي تَفُوتُ عدّ العادّين سمي باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القَدْر والصِّفَة. والله أعلم. فصل وقد ظن طائفة، منهم أبو القاسم السهيلي (2) وغيره؛ أن تسميته - صلى الله عليه وسلم - بـ "أحمد" كانت قبل تسميته بمحمد، فقالوا: ولهذا بشر به - صلى الله عليه وسلم - المسيحُ باسمه (3) أحمد. __________ (1) وقع في (ب) (وخصاله). (2) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أصبغ السهيلي أبو زيد ولد سنة 508 هـ، وكان محدثًا أديبًا نحويًا علامة، له الروض الأنف والأمالي وغيرهما توفى سنة 581. انظر: بغية الملتمس للضبي رقم (1025)، وانظر كلام السهيلي في الروض الأُنُف (1/ 281). (3) من (ظ، ت، ج) وفي (ش) (باسم)، وسقط من (ب).
(1/213)
221 - وفي حديث طويل (1) في حديث موسى لما قال لربه: "يا رب إني أجد أمة من شأنها كذا وكذا، فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة أحمد يا موسى، فقال: اللهم اجعلني من أمة أحمد"، قالوا: وإنما جاء تسميته - صلى الله عليه وسلم - بمحمد في القرآن خاصة، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [محمد: 2]، وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29]، وبنوا على ذلك أن اسمه "أحمد" تفضيل من فعل الفاعل، أي أحمد الحامدين (2) لربه، و"محمد" هو المحمود الذي تحمده الخلائق، وإنما تُرِتِّبَ (3) على (4) هذا الاسم بعد وجوده وظهوره (5)، فإنه حينئذ حمده أهل السماء والأرض، ويوم القيامة يحمده أهل الموقف، فلما ظهر إلى الوجود وترتَّب على ظهوره من الخيرات ما ترتَّب، حمده (6) حينئذ الخلائق حمدًا مكررًا، فتأخرت تسميته بمحمد، على (7) تسميته بأحمد. __________ (1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/ 375) من حديث أنس بن مالك مرفوعًا. وسنده ضعيف جدًا. قال أبو نعيم: غريب من حديث الزهري ... والجبابري في حديثه لين ونكارة. وورد موقوفًا من قول ابن عباس، أخرجه ابن المنادي في متشابه القرآن ص 22 كما في جلاء الأفهام (ط) مشهور ص 305. (2) وقع في (ب) (الحمادون). (3) من (ش)، وفي بقية النسخ (يترتَّب). (4) من (ظ، ت، ج). (5) سقط من (ب) فقط. (6) وقع في (ب، ش) (فحمد). (7) وقع في (ب) (عن).
(1/214)
وفي هذا الكلام مناقشة من وجوه: أحدها: أنه قد سُمي بمحمَّد قبل الإنْجيل، كذلك اسمه في التوراة. وهذا يُقِرُّ به كل عالم من مؤمني أهل الكتاب. ونحن نذكر النص الذي عندهم في التوراة وما هو الصحيح في تفسيره، قال في التوراة في إسماعيل قولًا هذه حكايته: "وعن إسماعيل سمعتك ها (1) أنا باركته وأيمنته بماذ ماذ" (2) وذكر هذا بعد أن ذكر إسماعيل، وأنه سيلد اثني عشر عظيمًا، منهم عظيم يكون اسمه "ماد ماد" وهذا عند العلماء (3) المؤمنين من أهل الكتاب صريح في اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - "محمد" (4). ورأيت (5) في بعض شروح التوراة ما حكايته بعد هذا المتن، قال الشارح: "هذان الحرفان في موضعين (6) يتضمنان اسم السيد الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنك إذا اعتبرت حروف اسم "محمد" وجدتها في الحرفين المذكورين لأن مِيْمَي "محمد" ودَالَهُ بإزاء المِيْمَيْن من __________ (1) في (ظ، ت) (هانا). (2) وقع في (ب) (مماد ماد) وفي (ح، ظ) (مماد باد)، وفي (ت، ج) (ماذ ماذ). (3) وقع في (ب) (علماء). (4) سقط من (ظ، ت). (5) وقع في (ب) (ورايته). (6) في (ظ، ت، ج) (الموضعين). * قلت: الموضع الثاني لم يذكره المؤلف في هداية الحيارى (ص/ 61)، ولا السمؤال المغربي (ت: 570 هـ) في بذل المجهود في إفحام اليهود (ص/ 86 - 87) مع أنه صريح جدًّا، فلعل المؤلف اطلع على نسخةٍ أُخرى للتوراة فيها كلا الموضعين، أو وقع وهم. والله أعلم.
(1/215)
الحرفين، وإحدى الدالين، وبقية اسم محمد وهي الحاء، فبإزاء بقية الحرفين وهي الباء، والألفان والدال الثانية". قلت: يريد بالحرفين الكلمتين، قال: لأن لِلْحَاءِ (1) من الحساب ثمانية من العدد، والباء لها اثنان، وكل ألف لها واحد، والدال بأربعة، فيصير المجموع ثمانية، وهي قسط الحاء من العدد الجُمَّلي، فيكون الحرفان معنى الكلمتين وهما "بماذ ماذ (2) "، وقد تضمنا بالتصريح ثلاثة أرباع اسم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وربعه الآخر قدْ دلَّ عليه بقية الحرفين بالكتابة بالطريق التي أشرت إليها. قال الشارح: فإن قيل: فما مستندكم في هذا التأويل؟. قلنا: مستندنا فيه مستند علماء اليهود في تأويل أمثاله من الحروف المُشْكِلة التي جاءت في التوراة، كقوله تعالى: "يا موسى قل لبني إسرائيل أن يجعل كل واحد منهم في طرف ثوبه خيطًا أزرق له ثمانية أرؤس، ويعقد فيه خمس عقد ويسميه صيصيت" قال علماء اليهود: تأويل هذا وحكمته أن كل من رأى ذلك الخيط الأزرق (3) وعدد أطرافه الثمانية، وعقده الخمس، وذكر اسمه، ذكر ما يجب عليه من فرائض الله سبحانه وتعالى، لأن الله تعالى افترض على بني إسرائيل ستمائة وثلاث عشرة شريعة، لأن الصادين والياءين بمائتين، والياء بأربعمائة، فيصير مجموع الاسم ستمائة، __________ (1) وقع في (ب، ج) (الحاء)، وفي (ظ) (لحاء)، وفي (ت) (الحاء). (2) وقع في (ب) (مما ماد)، وفي (ظ، ت، ح) (مماد ماد). (3) سقط من (ظ، ت).
(1/216)
والأطراف والعقد ثلاثة عشر، كأنه يقول بصورته واسمه: اذكر فرائض الله عز وجل. قال هذا الشارح: وأما قول كثير من المفسرين: إن المراد بهذين الحرفين (جدًا جدًا) لكون لفظ (ماد) قد جاءت مفردة في التوراة بمعنى (جدًا) قال: فهذا لا يصحُّ لأجل الباء المُتَّصِلة بهذا الحرف، فإنه ليس من الكلام المستقيم قول القائل: أنا أكرمك بجدًا (1)، فلما نقل هذا الحرف من التوراة الأزلية التي نزلت في ألواح الجوهر على الكليم بالخط الكينوني، وهذا الحرف فيها موصولًا بالباء (2)، علم أن المراد غير ما ذهب إليه من قال: هي (3) بمعنى جدًا، إذ لا تأويل يَليقُ بها غير هذا التفسير، بدليل قوله تعالى في غير هذا الموضع لإبراهيم عن ولده إسماعيل: "إنه يلد اثني عشر شريفًا ومن شريف واحد (4) منهم يكون شخص اسمه مماد (5) باد" فقد صرحت التوراة أن هذين الحرفين اسم علم لشخص شريف معين من ولد إسماعيل، فبطل قول من قال: إنه بمعنى المصدر للتوكيد، فإن التصريح بكونه اسم عين يناقض من يدعي أنه اسم معنى، والله أعلم. تم كلامه. __________ (1) وقع في (ب) إضافة (جدًا) بعد (بجدًا). (2) في (ظ، ت، ج) (بالياء). (3) وقع في (ش) (هو). (4) إضافة من (ب) فقط. (5) في (ظ، ت) (مماذ باذ).
(1/217)
وقال غيره: لا حاجة إلى هذا التَّعسُّف في بيان اسمه - صلى الله عليه وسلم - في التوراة، بل اسمه فيها أظهر من هذا كُلّه، وذلك أن التوراة هي باللغة العِبْرية، وهي قريبة من العربية، بل (1) هي أقرب لغات الأمم (2) إلى اللغة العربية، وكثيرًا ما يكون الاختلاف بينهما في كيفيات أداء الحروف والنُّطق بها من التَّفْخِيم والتَّرقِيْق والضَّم والفتح، وغير ذلك، واعتبر هذا بتقارب ما بين مفردات اللغتين، فإن العرب يقولون: "لا"، والعبرانيين يقولون: "لُوا" فيضمون اللام، ويأتون بالألف بين الواو والألف، وتقول العرب: "قدس"، ويقول العبرانيون: "قدِّيش" (3)، وتقول العرب: "أنت"، ويقول العبرانيون: "أتا" (4)، وتقول العرب: "يأتي كذا"، ويقول العبرانيون: "يؤتى" فيضمون الياء، ويأتون بالألف بين هاتين الواو والألف، وتقول العرب: "قدسك"، ويقول العبرانيون: "قِدِّ شْخا" (5)، وتقول العرب: "منه"، ويقول العبرانيون: "ممنو" (6)، وتقول العرب: "من يهوذا"، ويقول العبرانيون: "ميْهُوذا" (7)، وتقول العرب: "سمعتك"، ويقول العبرانيون: "شمعتيخا" (8)، __________ (1) سقط من (ظ، ت، ب). (2) في (ظ، ت) (الاسم) وهو خطأ. (3) في (ب، ظ، ح) (قدشي). (4) من (ب، ش) وفي باقي النسخ (أنا). (5) وقع في (ج، ح) (قد شحا) وفي (ظ) غير منقوطة. (6) وقع في (ش) (ممتو). (7) وقع في (ظ، ج، ح) (مهوذا). (8) وقع في (ج، ح) (شمعيخا) في (ظ) غير منقوطة، وفي (ت) (شمغيخا).
(1/218)
وتقول العرب: "من"، ويقول العبرانيون: "مي"، وتقول العرب: "يمينه"، ويقول العبرانيون: "مينو" (1)، وتقول العرب: "له"، ويقول العبرانيون: "لو" بين الواو والألف، وكذلك تقول العرب: "أمَّة"، ويقول العبرانيون: "إموا" (2)، وتقول العرب: "أرض"، ويقول العبرانيون: "إيرض"، وتقول العرب: "واحد"، ويقول العبرانيون: "إيحاذ" (3)، وتقول العرب: "عالم"، ويقول العبرانيون: "عولام"، وتقول العرب: "كيس"، ويقول العبرانيون: "كِيَيِش" (4)، وتقول العرب: "يأكل"، ويقول العبرانيون: "يوخل"، وتقول العرب: "تين"، ويقول العبرانيون: "تِيْبِن" (5)، وتقول العرب "إله"، ويقول العبرانيون: "أولوه"، وتقول الرب: "الهنا"، ويقول العبرانيون: "ألوهينو"، وتقول العرب: "أبانا"، ويقول العبرانيون: "أبوتينا"، ويقولون: "يا صباع (6) إلوهيم" يعنون با أصبع (7) الإله، ويقولون: "ما بنم (8) " يعنون الابن، ويقولون: "حاليب" (9) بمعنى حليب. فإذا __________ (1) وقع في (ب، ت، ش) (مينوا)، ولعل الصواب "يمينو". (2) وقع في (ت، ظ، ج، ح) (أموا). (3) من (ب)، وفي باقي النسخ (إيحاد). (4) وقع في (ش) (كبش) وقع في (ب) (كبيس) في (ظ) غير منقوطة. (5) وقع في (ب) (تبن تين) في (ظ) غير منقوطة، وفي (ت) (تبن ... تبين). (6) وقع في (ب) (يا صباع ألوهم) وفي (ت) (يا صباغ الوهيم)، والمثبت أصوب. (7) وقع في (ب) (بأ أصبع الاله)، وفي (ت) (يا اصبع الاله)، والمثبت أصوب. (8) وقع في (ب، ت، ش) (يا بنم)، وفي الباقي (مابنم)، ولعل الصواب ما أثبته وتعني الأبناء، أما الابن فبالعبرية: بِيْن. (9) وقع في (ب، ت) (حالوب) وفي (ش) غير واضحة.
(1/219)
أرادوا يقولون: "لا تأكل الجدي في حليب أمه"، قالوا: لو (10) توخل لذي ما حالوب أمو. ويقولون: لو توخلو (2)، أي لا تأكلوا. ويقولون للكتب: "المشنا" (3) ومعناها بلغة العرب "المثناة" التي تثنى، أي: تقرأ مرة بعد مرة، ولا نطيل بأكثر من هذا في تقارب اللغتين، وتحت هذا سِرُّ يفهمه من فهم تقارب ما بين الاُمَّتين والشَّرِيعتين. واقتران التوراة بالقرآن في غير موضع من الكتاب، كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49)} [القصص: 48 - 49]، وقوله في سورة (4) الأنعام ردًا على من قال: {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ} الآية، ثم قال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [الأنعام: 91 - 92]، وقال في آخر السورة: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)} [الأنعام: 154 - 155]، وقال في أول سورة آل عمران: __________ (1) من (ت)، وقع في (ش) (لو توخل لذا حالوب أمو) ووقع في (ب) (لو توكل حالوب امو)، وفي باقي النسخ مثله لكن فيها (لذي) مكان (كذي). (2) وقع في (ش، ت) (توخيلو)، وفي (ظ، ج، ح) (توكلوا). (3) وقع في (ب) (المشتا). (4) إضافة من (ظ) فقط.
(1/220)
{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} [آل عمران: 1 - 4]، وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 48 - 50]. ولهذا يُكرِّر (1) سبحانه وتعالى قصة موسى ويعيدها ويبديها، ويسلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما يناله من أذى الناس: 222 - "لَقد أوْذِيَ مُوسَى بأكثرَ مِنْ هَذَا فَصبَر" (2). 223 - ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنه كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى لو كان فيهم مَنْ أتى أُمَّهُ علانية لكان في هذه الأمة من يفعله" (3). فتأمل هذا التناسب بين الرسولين والكتابين والشريعتين؛ أعني الشريعة الصحيحة التي لم تُبدَّل، والأمتين واللغتين، فإذا __________ (1) في (ح) (يذكر). (2) أخرجه البخاري في صحيحه (61) الخُمْس (2/ 1148) (2981)، ومسلم في صحيحه في (12) الزكاة رقم (1062) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (3) أخرجه الترمذي (2641) وقال: "هذا حديث غريب مفسَّر لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه". قلت: والحديث منكر، لتفرد الإفريقي -عبد الرحمن بن زياد بن أنعم- به وهو ضعيف، قال ابن عدي: عامة حديثه، وما يرويه لا يتابع عليه. انظر: تهذيب الكمال (17/ 102 - 110).
(1/221)
نظرت في حروف "محمد" وحروف "ماذ ماذ (1) " وجدت الكلمتين كلمة واحدة، فإن الميمين فيهما والهمزة والحاء من مخرج واحد، والدال كثيرًا ما تجد موضعها ذالًا في لغتهم: يقولون: "إيحاذ" (2) للواحد، ويقولون: "قوذش" في القدس. والدال والذال متقاربتان، فمن تأمل اللغتين وتأمل هذين الاسمين لم يشك أنهما واحد. ولهذا نظائر في اللغتين مثل "موسى" فإنه في اللغة العبرانية "موشى" بالشين، وأصله الماء والشجر، فإنهم يقولون للماء: "مو" و"شا" هو الشجر، وموسى التقطه آل فرعون من بين الماء والشجر، فالتفاوت الذي بين موسى وموشى كالتفاوت بين "محمد" و"ماذ ماذ (3) ". وكذلك إسماعيل هو في لغتهم "يشماعيل" (4) بالألف بين الياء والألف، وبشين بدل السين، فالتفاوت بينهما كالتفاوت بين "محمد" و"ماذ ماذ (5) " وكذلك العيص وهو أخو يعقوب يقولون له: عيسى، وهو عيص. ونظير هذا في غير الأعلام مما تقدم قوله: (يشماعون) يعنون: يسمعون، ويقولون: (آقيم) بمد الهمزة مع ضمها، أي: أقيم، ويقولون (6): لاهيم، أي: لهم، __________ (1) وقع في (ظ، ج، ح) (مماد باد). (2) من (ش، ح)، وفي باقي النسخ (إيحاد) بالدال المهملة. (3) من (ش، ت) ووقع في (ب) (ماد ماد) في ظ (ماذ ماد). (4) وقع في (ب، ت، ش) (تشماعيل). (5) في (ب، ش) (ماد ماد). (6) ليس في (ظ) قوله (ويقولون: لاهيم، أي: لهم).
(1/222)
ويقولون: مي قارب، أي (1): مَنْ قارب، ووسط أحيهيم (2)، أي: إخوتهم. وهذا مما يعترف به كل مؤمن عالم من علماء أهل الكتاب. والمقصود أنَّ اسم النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التَّوراة (مُحمَّد) كما هو في القرآن، وأما المسيح عليه الصلاة والسلام فإنما سماه (أحمد) كما حكاه الله عنه في القرآن، فإذن تسميته بأحمد وقعت متأخرة عن تسميته محمدًا في التوراة، ومتقدمة على تسميته محمدًا في القرآن، فوقعت بين التسميتين محفوفة بهما، وقد تقدم أن هذين الاسمين صفتان في الحقيقة، والوصْفيَّة فيهما لا تنافي العَلَمِيَّة، وأن معناهما مقصود، فعُرفَ عند كل أمة بأعرف الوصفين عندها، فمحمد مُفَعَّل من الحَمْد، وهو الكثير الخصال التي يُحْمَدُ عليها حَمْدًا متكررًا، حَمْدًا بعد حَمْدٍ، وهذا إنما يعرف بعد العلم بخصال الخير وأنواع العلوم والمعارف والأخلاق والأوصاف والأفعال التي يستحق تكرار الحمد عليها (3)، ولا ريب أن بني إسرائيل هم أولو العلم الأول، والكتاب (4) الذي قال الله فيه: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145]، ولهذا كانت أمة موسى __________ (1) ليس في (ب، ش) قوله (أيّ)، وفي العبارة شيء، ويستقيم هكذا "مي قارب، أي: مِن وسط". (2) في (ت) (احيهم)، وفي (ب) (أحييم)، وفي (ح) (آخيهم). وفي (ظ، ش) (أخيهيم)، والصواب ما أثبته. (3) سقط من (ب) قوله (عليها). (4) وقع في (ب) (في الكتاب).
(1/223)
أوسع علومًا ومعرفة من أمة المسيح، ولهذا لا تتمُّ شريعة المسيح إلا بالتوراة وأحكامها، فإن المسيح عليه السلام وأمّته مُحَالُونَ (1) في الأحكام (2) عليها، والإنجيل كأنَّه مُكمِّل لها متمم لمحاسنها، والقرآن جامع لمحاسن الكتابين. فعُرف النبي - صلى الله عليه وسلم - عند هذه الأمة باسم "محمد" الذي قد جمع خصال الخير، التي يستحق أن يحمد عليها حمدًا بعد حمد، وعُرف عند أمة المسيح بـ "أحمد" - صلى الله عليه وسلم - الذي يستحق أن يحمد أفضل مما يحمد غيره، وحمده أفضل من حمد غيره، فإن أمة المسيح عليه الصلاة والسلام أمة لهم من الرياضات والأخلاق والعبادات ما ليس لأمة موسى، ولهذا كان غالب كتابهم مواعظ وزُهْد وأخلاق وحضّ (3) على الإحسان والاحتمال والصفح، حتى قيل: إنَّ الشرائع الثلاثة: شريعة عدل، وهي شريعة التوراة، فيها الحُكْم والقِصَاص، وشريعة فَضْل، وهي شريعة الإنجيل، مشتملة على العفو ومكارم الأخلاق والصفح والإحسان؛ كقوله: "من أخذ رداءك فأعطه ثوبك، ومن لطمك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر، ومن سخرك ميلًا فامش معه ميلين" (4) ونحو ذلك. وشريعة نبينا (5) جمعت هذا وهذا، وهي شريعة القرآن، فإنه يذكر العدل __________ (1) في (ت، ظ) (محالفون). (2) وقع في (ش) (العلم). (3) من (ب) وفي باقي النسخ (حظ) وهو خطأ. (4) إنجيل متَّى 5: 39 - 41. (5) من (ظ) وسقط من باقي النسخ.
(1/224)
ويوجبه، والفضل ويندب إليه، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)} [الشورى: 40]، فجاء اسمه عند هذه الأمة بأفعل التفضيل الدال على الفضل والكمال، كما جاءت شريعتهم بالفضل المكمل لشريعة التوراة، وجاء في الكتاب الجامع لمحاسن الكتب قبله بالاسمين معًا، فتدبَّر هذا الفَصل (1) وتبين ارتباط المعاني بأسمائها ومناسبتها لها، والحمد لله المان (2) بفضله وتوفيقه. وقول أبي القاسم (3): إن اسم "محمد" - صلى الله عليه وسلم - إنما تَرتَّب بعد ظهوره إلى الوجود، لأنه حينئذ حمد حمدًا مكررًا، فكذلك (يقال في اسمه "أحمد" أيضًا سواء) (4)، وقوله في اسمه "أحمد": إنه تقدّم لكونه أحمد الحامدين لربه، وهذا يقدم على حمد الخلائق له؛ فبناء منه على أنه تفضيل من فعل الفاعل، وأما على القول الآخر الصحيح فلا يجيء هذا، وقد تقدم تقرير ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم. __________ (1) وقع في (ح) (الفضل). (2) وقع في (ب) (المنان). (3) هو السهيلي، صاحب الروض الأنف، المتقدم ص 206. (4) في (ظ، ت) (أن يقال: محمد أيضًا سواء).
(1/225)
الفصل الرابع في معنى الآل واشتقاقه وأحكامه وفيه قولان: أحدهما: أن أصله أهْل، ثم قلبت الهاء همزة فقيل: (أأل) (1) ثم سُهِّلتْ على قياس أمثالها فقيل: آل. قالوا: ولهذا إذا صُغِّر رَجَعَ إلى أصله فقيل: أهيل، قالوا: ولما كان فرعًا عن فرع خَصُّوه ببعض الأسماء المضاف إليها، فلم يضيفوه إلى أسْماءِ الزمان ولا المكان ولا غير الأعلام، فلا يقولون: آل رجل وآل امرأة، ولا يضيفونه إلى مُضْمَر فلا يقال آله وآلي، بل لا يضاف إلا إلى معظم (كما أن التاء لما كانت في القسم بدلًا عن الواو، وفرعًا عليها، والواو فرعًا عن (2) فعل القسم، خصوا التاء بأشرف الأسماء وأعظمها، وهو اسم الله تعالى) (3). وهذا القول ضعيف من وجوه: أحدها: أنه لا دليل عليه (4). __________ (1) في (ظ، ت، ج) (آل). (2) في (ح) (من). (3) من (ظ، ت، ب، ج) ووقع في (ش) (وهذا كما أن التاء لما كانت في القسم خصّوا التاء بأشرف الأسماء، بدلًا عن الواو، وفرعًا عليها، والواو فرعًا عن فعل القسم، خصوا التاء بأشرف الأسماء وأعظمها وهو اسم الله تعالى). (4) سقط من (ب)، قوله (عليه).
(1/227)
الثاني: أنه يَلزمُ منه القَلْب الشَّاذ من غير مُوْجب، مع مخالفة الأصل. الثالث: أن الأهل يُضافُ (1) إلى العاقل وغيره، والآل لا تضاف إلا إلى عاقل. والرابع: أن الأهل يضاف (2) إلى العلم والنكرة، والآل لا يضاف إلا إلى معظم من شأنه أن غيره يؤول إليه. الخامس: أن أهل يُضاف إلى الظاهر والمضمر. والآل من النحاة من منع إضافته إلى المضمر، ومن جوزها فهي شاذة قليلة. السادس: أن الرجل حيث أضيف إلى (3) آله (4) دخل فيه هو، كقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46]، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران: 33]، وقوله: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)} [القمر: 34]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: 224 - "اللهم صل على آل أبي أوفى" (5)، هذا إذا لم يُذكر معه مَنْ أُضيف إليه الآل، وأما إذا ذُكِرَ معه فقد يقال: ذكر مفردًا __________ (1) من (ب، ج). (2) سقط من (ب) فقط (تضاف). (3) في (ب، ش) (إليه). (4) في (ظ، ج) (أهله). (5) تقدم، وهو متفق عليه برقم (187).
(1/228)
وداخلًا في الآل، وقد يقال: ذكره (1) مفردًا أغنى عن ذكره مضافًا، والأهل بخلاف ذلك، فإذا قلت: جاء أهل زيد، لم يدخل فيهم. وقيل: بل أصله أَوَلَ، وذكره صاحب "الصحاح" (2) في باب الهمزة والواو واللام، وقال: وآلُ الرجلِ أهلُهُ وعِيَاله، وآله أيضًا: أتْبَاعُه. وهو عند هؤلاء مُشْتقّ من آل يؤول: إذا رجع، فآل الرجل (3) هم الذين يرجعون إليه ويضافون إليه، ويؤولهم، أي: يَسُوسهم، فيكون مآلهم إليه، ومنه الإيالة وهي السِّياسَة، فآل الرجل هم الذين يسوسهم ويؤولهم، ونفسه أحق بذلك من غيره، فهو أحق بالدخول في آله، ولكن لا يقال: إنه مختص بآله، بل هو داخل فيهم، وهذه المادة موضوعة لأصل الشيء وحقيقته، ولهذا سُمي (4) حقيقة الشيء تأويله؛ لأنها حقيقته التي يرجع إليها، ومنه قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 53]، فتأويل ما أخبرت به الرسل هو مَجيءُ حقيقته ورُؤيتُها عيانًا، ومنه تأويل الرؤيا، وهو حقيقتها (5) __________ (1) وقع في (ب) (ذكر) وهو خطأ. (2) هو الجوهري كما تقدم. وانظر. الصحاح (2/ 1226). (3) سقط من (ب) قوله (الرجل). (4) وقع في (ب، ش) (تُسمَّى). (5) وقع في (ظ، ت، ج) بعد (حقيقتها) إضافة (عيانًا، ومنه تأويل الرؤيا).
(1/229)
الخارجية التي ضربت للرائي في عالم المثال، ومنه التأويل بمعنى العاقبة، كما قيل في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} [النساء: 59]، قيل: أحسن عاقبة، فإن عواقب الأمور هي حقائقها التي تؤول إليها، ومنه التأويل بمعنى التفسير؛ لأن تفسير الكلام هو بيانُ معناه وحقيقته التي يُراد منه. قالوا: ومنه الأوَّل؛ لأنه أصل العدد ومبناه الذي يتفرع منه، ومنه الآل بمعنى الشخص نفسه، قال أصحاب هذا القول: والتزمت العرب إضافته، فلا يستعمل مفردًا إلا في نادر الكلام، كقول الشاعر (1): نَحْنُ آلُ اللهِ فِيْ بَلْدَتِنَا ... لم نَزَلْ آلًا على عَهْد إِرَم والتزموا أيضًا إضافته إلى الظاهر، فلا يضاف إلى مضمر إلا قليلًا، وعَدَّ بعضُ النُّحاة إضافته إلى المُضْمَرِ لَحْنًا، قال أبو عبد الله بن مالك (2)، والصحيح أنه ليس بلحن، بل هو من كلام العرب، لكنه قليل، ومنه قول الشاعر (3): __________ (1) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (1/ 345). (2) هو محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجيَّاني كان إمامًا في القراءات واللغة والنحو والتصريف، له الكافية الشافية، والخلاصة (الألفية) وغيرها، توفى سنة 672 هـ. انظر: شذرات الذهب (5/ 339). (3) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (1/ 345) ونسب البيت لهدبة.
(1/230)
أنَا الفَارِسُ الحَامِي حَقِيقَة والدِي ... آلِي، فَمَا يَحْمِي حَقِيْقَة آلِكَا؟ وقال عبد المطلب في الفيل وأصحابه (1): وانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيْـ ... ـبِ وَعَابِدِيْهِ اليَوْمَ آلَكَ فأضافه إلى الياء والكاف، وزعم بعض النُّحَاة أنه لا يُضاف إلَّا إلى عَلَم مَنْ يَعْقِل. وهذا الذي قاله هو الأكثر، وقد جاءت إضافته إلى غيرِ مَنْ يَعْقِل، قال الشاعر (2): نَجوتُ ولَمْ يَمْنُنْ عليَّ طَلاَقَةً ... سِوَى رَبَذِ (3) التَّقْرِيْبِ من آلِ أعْوَجَا وأعوج: عَلَم فرس. قالوا: ومن أحكامه أيضًا أنه لا يُضافُ إلَّا إلى متبوع معظَّم، فلا يُقال: آل الحائك، وآل الحجَّام، ولا آل رجل (4). فصل وأما معناه فقالت طائفة: يقال: آل (5) الرجل له نفسه، وآل الرجل (6) لمن يتبعه (7)، وآله لأهله وأقاربه. __________ (1) انظر: الروض الأنف للسهيلي (1/ 122)، والبحر المحيط لأبي حيان (1/ 345). (2) انظر: ديوان الفرزدق ص 110. (3) من (ب) وفي بقية النسخ (زبد) وهو خطأ. (4) انظر: الكشاف للزمخشري (1/ 137). (5) سقط من (ظ). (6) من (ظ، ت) ووقع في (ب، ش) (وآله من). (7) في (ح) زيادة (نفسه).
(1/231)
فمن الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه أبو أوفى بصدقته: 225 - "اللَّهُمّ صَلِّ عَلَى آلِ أبِي أوْفَى" (1)، وقوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} [الصافات: 130] وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: 226 - "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيم" (2)، فآلُ إبراهيم هو إبراهيم؛ لأنَّ الصَّلاة المطلوبة للنَّبي - صلى الله عليه وسلم - هي الصَّلاة على إبراهيم نفسه عليه الصلاة والسلام، وآله تبع له فيها. ونازعهم (3) في ذلك آخرون وقالوا: لا يكون الآل إلا الأتباع والأقارب، وما ذكرتموه من الأدلة فالمراد بها الأقارب، وقوله: "كما صليت على آل إبراهيم" آلُ إبراهيم هنا هم الأنبياءُ، والمطلوب من الله سبحانه أن يصلِّي على رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما صَلّى على جميع الأنبياء من ذُرّيّة إبراهيم، لا إبراهيم وحده، كما هو مُصرّح به في بعض الألفاظ من قوله (على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)، وأما قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} [الصافات: 130] فهذه فيها قراءتان (4): __________ (1) تقدم تخريجه برقم (187). (2) تقدم تخريجه برقم (2). (3) في (ت) (ونازعه) وهو خطأ. (4) انظر: تفسير الطبري (23/ 94 - 96)، ومعاني القرآن للفرَّاء (2/ 391 - 392)، والقراءات العشر المتواترة ص 451، ومن (ظ، ت) قوله (فيها).
(1/232)
إحداهما: إلْيَاسيْن بوزن إسماعيل، وفيه وجهان: أحدهما: أنه اسم ثانٍ للنَّبيّ إِلْيَاس (1)، وإلْيَاسيْن كَمِيْكَال ومِيْكَائِيْل. والوجه الثاني: أنه جَمْع، وفيه وجهان. أحدهما: (2) أنه جَمْعُ إلْياس، وأصْلُه إِلْيَاسِيْينِ، بيائين كعبرانيين، ثم خففت (3) إحدى اليائين فقيل: إلياسين، والمراد أتباعه، كما حكى سيبويه: الأشعرون ومثله الأعجمون. والثاني: أنه جمع إلياس محذوف الياء. والقراءة الثانية: {سلام على آل ياسين} وفيه أوجه: أحدها: أنّ ياسين اسم لأبيه، فأُضِيْف إليه الآل كما يُقالُ آل إبراهيم. والثانى: أنّ آلَ ياسين هو إلياس نفسه، فيكون آل (4) مضافة إلى يس، والمراد بالآل يس نفسه، كما ذكر الأوَّلُون (5). __________ (1) سقط من (ب) فقط قوله (إلياس و) وسقط من (ج) (إلياسين). (2) سقط من (ب) (أنه جمع، وفيه وجهان، أحدهما). (3) وقع في (ب) فقط (حذفت). (4) من (ظ، ش، ج) ووقع في (ب) (إلى) وهو خطأ. (5) وقع في (ت) (الاول) وهو * محتمل إن كانت (الأُوَل) *.
(1/233)
والثالث: أنه على حذف ياء النَّسَب، فيقال (1): يس، وأصله ياسيين كما تقدم، وآلُهم أتباعُهم على ديِنهم. والرابع: أن يس هو القرآن، وآله هم أهل القرآن. والخامس: أنه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآله أقاربه وأتباعه كما سيأتي. وهذه الأقوال كلها ضعيفة، والذي حمل قائلها عليها استشكالهم إضافة "آل" إلى "يس"، واسمه إلياس وإلياسين ورأوها في المصْحَفِ مفصولة، وقد قرأها بعض القُرَّاء: "آل ياسين" فقال طائفة منهم: له أسماء: يس، وإلياسين، وإلياس، وقالت طائفة: "يس" اسم لغيره، ثم اختلفوا، فقال الكَلْبي: يس محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقالت طائفة: هو القرآن. وهذا كله تعسف ظاهر لا حاجة إليه، والصَّواب -والله أعلم- في ذلك: أن أصل الكلمة آلُ إلْياسين (2)، كآل إبراهيم، فحذفت الألف واللام من أوَّلِه لاجتماع الأمْثَال، ودِلاَلة الاسم على موضِع المحذوف، وهذا كثير في كلامهم، إذا اجتمعت الأمثال كَرِهُوا النُّطق بها كلها، فحذفوا منها ما لا إلْبَاسَ في حَذْفه، وإن كانوا لا يحذفونه في موضع لا تجتمع فيه الأمثال. ولهذا يحذفون (3) النُّون __________ (1) من (ظ) ووقع في (ب، ت، ش، ج) (فقال). (2) من (ش، ح) وفي باقي النسخ (ياسين) وهو خطأ. (3) وقع في (ح) (ولهذا لا يحذفون النون) والصواب بحذف (لا). وسقط من (ب، ش) كلمة (النون).
(1/234)
من "إنِّي، وأنِّي، وكأنِّي (1)، ولكنِّي" ولا يحذفونها من "لَيْتَنِي". ولما كانت اللام في "لعل" شبيهة بالنون حذفوا النون معها. ولاسيما عادة العرب في استعمالها للاسم الأعْجَمي وتغييرها له، فيقولون مرة: "إلياسين"، ومرة "إلياس" ومرة "ياسين" وربما قالوا: "ياس" ويكون على إحدى القراءتين قد (2) وقع على المسلَّم عليه (3) وعلى القراءة الأخرى: على آله. وعلى هذا ففصل النزاع بين أصحاب القولين في الآل: أن الآل إنْ أُفْرد دخل فيه المضاف إليه، كقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46]، ولا ريب في دخوله في آله هنا. وقوله: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} [الأعراف: 130] ونظائره، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: 227 - "اللهم صل على آل أبي أوفى" (4). ولا ريب في دخول أبي أوفى نفسه في ذلك، وقوله: 228 - "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم" (5)، هذه أكثرُ رِوَاياتِ البُخَاريّ، وإبراهيم هنا داخل في آله، ولعل هذا مراد من قال: آل الرجل نفسه. __________ (1) ليست في (ب). (2) وقع في (ب) (وقد). (3) وقع في (ب، ح) (وقع السلام عليه). (4) تقدم برقم (187). (5) تقدم برقم (2).
(1/235)
وأمّا إنْ ذُكِرَ الرجل، ثم ذُكِرَ آله، لم (1) يدخلْ فيهم. فَفَرْقٌ بين اللَّفظ المجرَّد والمقرون، فإذا قلت: أعط هذا لزيد وآل زيد، لم يكن زيد (2) هنا داخلًا في آله، وإذا قلت: أعطه لآل زيد تناول زيدًا وآله، وهذا له نظائر كثيرة، قد (3) ذكرناها في غير هذا الموضع، وهي أن اللّفْظَ تخْتلفُ دِلالَتُه بالتَّجْرِيْد والاقْتِران، كالفَقِير والمِسْكين، هما (4) صنفان إذا قرن بينهما، وصنف واحد إذا أفرد كل منهما، ولهذا كانا في الزكاة صنفين، وفي الكفارات صنف واحد، وكالإيمان والإسلام، والبِرّ والتَّقوى، والفَحْشَاء والمُنْكر، والفُسُوق والعِصْيان، ونظائر ذلك كثيرة ولاسيما في القرآن. فصل واخْتُلِفَ في آلِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على أربعةِ (5) أقوال: فقيل: هم الذين حُرُمَتْ عليهم الصدقة، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء: أحدها: أنهم بنو هاشم، وبنو المطلب، وهذا مذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه (6). __________ (1) سقط من (ب)، (لم). (2) سقط من (ب)، (زيد). (3) وقع في (ش، ب) (وقد). (4) وقع في (ب) (هنا). (5) انظر المجموع للنووي (3/ 466) وفتح الباري (11/ 160). (6) انظر الأم (3/ 201) ط: دار الوفاء، والمغني (4/ 111) قلت: وهو قول =
(1/236)
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة، والرواية الثانية (1) عن أحمد، واختيار ابن القاسم صاحب مالك. والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى بني (2) غالب، فيدخل فيهم بنو المطلب، وبنو أمية، وبنو نوفل، ومن فوقهم إلى بني غالب (3) وهذا اختيار أشهب (4) من أصحاب مالك، حكاه صاحب "الجواهر" عنه (5)، وحكاه اللخمي (6) في "التبصرة" عن أصبغ (7)، ولم يحكه عن أشهب. وهذا القول في الآل (8) أعني أنهم الذين تَحْرُم عليهم الصدقة __________ = الإمام مالك وأكثر أصحابه. انظر مواهب الجليل للحطاب (3/ 224). (1) سقط من (ح) (الثانية). انظر المغني (4/ 111)، والبناية في شرح الهداية للعيني الحنفي (3/ 554)، ومواهب الجليل للحطَّاب (3/ 224 - ط: دار الكتب العلمية). (2) إضافة من (ب) قوله (بني). (3) سقط من (ب) من قوله (فيدخل) إلى (غالب). (4) هو أشهب بن عبد العزيز بن داوود القيسي ولد سنة 140 وتفقه على مالك توفى سنة 204 هـ. انظر: شجرة النور الزكية رقم (26). (5) هو عبد الله بن محمد بن شاس الجذامي، (ت: 610 هـ). انظر: شجرة النور (517)، والجواهر هو: عقد الجواهر الثمينة (1/ 246). (6) هو علي بن محمد القيرواني، رئيس الفقهاء في وقته، له تعليق على المدونة سماه "التبصرة" (ت: 478 هـ). شجرة النور (326). (7) هو ابن الفرج المصري، (ت: 225 هـ). انظر شجرة النور (58). (8) وقع في (ب) (الأول) وهو خطأ.
(1/237)
هو منصوص الشافعي وأحمد والأكثرين، وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي. والقول الثاني أن آل النبي - صلى الله عليه وسلم - هم ذريته وأزواجه خاصة، حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" (1) قال في باب عبد الله بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حُمَيْد السّاعِدي (2): "استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذُريته خَاصَّة، لقوله في حديث مالك عن نُعيْم المُجْمِر، وفي غير ما حديث: 229 - "اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد" (3). وفي هذا الحديث يعني حديث أبي حميد: 230 - "اللهم صل على محمدٍ وأزواجه وذريته". قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث، ويُبيِّن أن آل محمد هم أزواجه وذُريته، قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن ذريته صلى الله عليك إذا واجهه، وصلى الله عليه إذا غاب عنه، ولا يجوز ذلك في غيرهم، قالوا: والآل والأهل سواء، وآل الرجل وأهله سواء، وهم الأزواج والذُّرية بدليل هذا الحديث". __________ (1) انظر: التمهيد (17/ 302 - 303). (2) تقدم برقم (4). (3) تقدم برقم (1 و 2).
(1/238)
والقول الثالث: أن آله - صلى الله عليه وسلم - أتباعه إلى يوم القيامة، حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم (1)، وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله رضي الله عنه، ذكره البيهقي عنه (2)، ورواه عن سفيان الثوري وغيره، واختاره (3) بعض أصحاب الشافعي، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه، ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في "شرح مسلم" (4)، واختاره الأزهري (5). والقول الرابع: أن آله - صلى الله عليه وسلم - هم الأتقياء من أمته، حكاه القاضي حسين، والراغب (6) وجماعة. فصل في ذِكْر حُجَجِ هذهِ الأقْوال وتَبْيِيْن مَا فِيْها من الصَّحِيْح والضَّعِيْف فأما القول الأول: وهو أن الآل من تَحْرُم عليهم الصدقة على __________ (1) انظر: التمهيد (17/ 304 - 406). (2) انظر: السنن الكبرى له (2/ 152). وفي سنده عبد الله ببن محمد بن عقيل فيه كلام. انظر: تهذيب الكمال (16/ 78 - 85). (3) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (واختيار). وانظر هذا الاختيار في المجموع (3/ 466). (4) انظر: شرح مسلم (4/ 163). (5) انظر: معاني القراءات للأزهري ص 412. (6) انظر: * أحكام القرآن للطحاوي (1/ 180) *، والمفردات للراغب الأصفهاني ص 30 - 31 حيث قال: "وقيل: المختصون به من حيث العلم .. ).
(1/239)
ما فيهم من الاختلاف، فحجته من وجوه: 231 - أحدها: ما رواه البخاري في "صحيحه" (1): من حديت أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بالنخل عند صرامه، فيجيءُ هذا بتَمْرِهِ وهذا بتَمْرِه حتى يصير عنده كَوْمًا مِنْ تَمْر، فَجَعَل الحَسَن والحُسَيْن يَلْعَباَنِ بذَلِك التَّمْر، فَأَخَذَ أَحدُهما تَمْرةً فجعلها في فِيْهِ، فَنَظَر إليْه رسولُ اللهْ - صلى الله عليه وسلم - فأخْرَجَهَا مِنْ فِيْهِ، فقال: "أمَا عَلِمْتَ أنَّ آلَ مُحمدٍ لا يأْكلُون الصَّدَقَة"، ورواه مسلم (2) وقال: "إنَّا لا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَة". 232 - الثاني: ما رواه مسلم في "صحيحه" (3): عن زيد بن أرقم، قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا خطيبًا فينا بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: "أمَّا بعْدُ ألا أيُّها النَّاس إنَّما أنا بَشَر يُوشك أنْ يأتِيني رسولُ ربِّي عزَّ وجَلّ، وإنِّي تارك فيكم ثَقَلَيْن: أوَّلُهُما كتابُ اللهِ عزّ وجلّ فيه الهُدى والنُّور فخُذُوا بكتاب اللهِ واسْتمْسِكُوا به"، فحث على كتاب اللهِ ورغَّب فيه، وقال: "وأهْل بَيْتِي، أُذكِّركُم اللهَ في أهْلِ بيْتِي، أُذكِّركُم اللهَ في أهْل بَيْتِي". __________ (1) أخرجه البخاري في صحيحه في (30) الزكاة (2/ 541)، برقم (1414) بلفظ: (يؤتى بالتَّمر عند صِرَامِ النَّخْل). (2) أخرجه مسلم في صحيحه في (12) الزكاة رقم (1069). (3) أخرجه مسلم في صحيحه في (44) فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم رقم (2408).
(1/240)
فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من (1) أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليّ، وآل عَقِيْل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: أكُلَّ هؤلاء حرِمَ الصدقة؟ قال: نعم. 233 - وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنَّ الصَّدَقةَ لا تَحِلُّ لآلِ مُحمَّد" (2). 234 - الدليل الثالث: ما في الصحيحين (3): من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم (4)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نُوْرَث، مَا تَركْنَا صَدَقَة"، إنما يأكل آل محمدٍ من هذا المال -يعني مال الله- ليس لهم أن يزيدوا على المأكل. __________ (1) سقط من (ب). (2) أخرجه مسلم في صحيحه فى (12) الزكاة رقم (1072) في قصة وفيه (إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس). وفي لفظ عنده "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد". (3) أخرجه البخارى في صحيحه في (61) الخمس (2926 و 2927)، ومسلم في (32) الجهاد والسير رقم (1759). (4) ليس في (ب، ت) مما أفاء الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -).
(1/241)
فآله - صلى الله عليه وسلم - لهم خواص: منها حِرْمان الصدقة، ومنها أنهم لا يَرِثُونه، ومنها استحقاقُهم خُمُس الخُمُس، ومنها اختِصَاصهم بالصّلاة عليهم. وقد ثَبَت أن تحريم الصدقة، واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه - صلى الله عليه وسلم -، فكذلك الصلاة على آله. 235 - الدليل الرابع: ما رواه مسلم (1): من حديث ابن شهاب، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره، أن أباه ربيعة بن الحارث، قال لعبد المطلب بن ربيعة، وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ائتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات -فذكر الحديث- وفيه: فقال لنا: "إنَّ هذِهِ الصَّدقة إنَّمَا هِيَ أوْسَاخُ النَّاسِ، وإنَّها لا تَحِلُّ لِمُحمّدٍ ولا لآلِ مُحمّد". 236 - الدليل الخامس: ما رواه مسلم في "صحيحه" (2): من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بكبشٍ أقرن، يطأ في سوادٍ، ويبرك في سواد (3) -فذكر الحديث- وقال فيه: فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: __________ (1) تقدم قريبًا. (2) أخرجه مسلم في (35) الأضاحي (1967). (3) ليس في (ت، ح) قوله (ويبرك في سواد).
(1/242)
"بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحمّد، ومن آلِ مُحمّد، ومن أُمَّة محمد". ثم ضحى به (1). هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمَّته - صلى الله عليه وسلم - أعمُّ من آله. قال أصحاب هذا القول: وتفسير الآل بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى من تفسيره بكلام غيره. فصل وأما القول الثاني: أنهم ذُريته وأزواجه خاصَّة، فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له (2)، بأنّ في حديث أبي حميد: 237 - "اللَّهُمّ صَلِّ على مُحمَّد وأزْواجِهِ وذُرِّيَّتِه" (3)، 238 - وفي غيره من الأحاديث: "اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آلِ مُحمَّد" (4)، وهذا غايته أن يكون الأول مُبْهمًا (5) قدْ فسَّرهُ اللفظ الآخر. 239 - واحتجوا أيضًا بما في "الصحيحين" (6): من حديث __________ (1) ليس في (ب) (ثم ضحى به). (2) ليس في (ب) (له). (3) تقدم برقم (4). (4) تقدم برقم (1 و 2). (5) من (ب) ووقع في (ظ، ش) (منهما). (6) أخرجه البخاري في (84) الرقاق (6095)، ومسلم في (12) الزكاة (1055) =
(1/243)
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهُمَّ اجْعَل رزقَ آلِ محمَّدٍ قُوْتًا" ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنَلْ كُلّ بني هاشم، ولا بني المُطَّلب، لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجِدَة وإلى الآن. وأما أزواجه (1) وذُرِّيته - صلى الله عليه وسلم - فكان رزقهم قوتًا، ومَا كان يحصل لأزواجه بعده (2) من الأموال كُنَّ يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتًا. 240 - وقد جاءَ عائشةَ رضي الله عنها مالٌ عظيمٌ فقسمته كُله في قَعْدَةٍ واحدةٍ، فقالت لها الجارية: "لو خَبَّيْتِ لنا منه دِرْهمًا نشْتري به لَحْمًا؟ فقالت لها: لو ذَكَّرتِني فَعَلْتُ (3) ". 241 - واحتجوا أيضًا بما في "الصحيحين" (4): عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "ما شَبِعَ آلُ محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - من خُبْز بُرٍّ مأْدُوم ثلاثة أيام حتّى لَحِقَ باللهِ عز وجل". قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها. قال هؤلاء: وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصًا أزواج __________ = واللفظ له. (1) من (ظ، ح) ووقع في (ش، ت، ب) تقديم الذرية على أزواجه. (2) وقع في (ت) ( ... لازواجه من بعده كُنَّ .. ). (3) أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 67)، والحاكم في المستدرك (4/ 13) رقم (6745)، وغيرهما. وسنده صحيح. (4) أخرجه البخاري في (73) الأطعمة وغيره (5100)، ومسلم في (53) في الزهد والرقائق (2970).
(1/244)
النبي - صلى الله عليه وسلم - تشبيهًا لذلك بالنَّسَب، لأنَّ اتِّصالهُنَّ بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرتفع، وهُنَّ مُحَرَّمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهُنَّ زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسّبب الذي لهُنَّ (1) بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ مَقَام النَّسَبِ. وقد نَصَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على الصلاة عَليْهِنَّ، ولهذا كان القول الصحيح، وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله: أن الصَّدَقة تَحْرُم عليهِنَّ؛ لأنها أوْساخ الناس، وقد صَانَ اللهُ سبحانه ذلك الجَنَاب الرَّفيع وآله من كل أوساخ بني آدم، ويالله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: 242 - "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رزقَ آلِ مُحمَّد قُوْتًا" (2)، 243 - وقوله في "الأضحية": "اللَّهُمَّ هذا عن مُحمَّد وآل محمد" (3)، وفي قول عائشة رضي الله عنها: 244 - "مَا شَبِعَ آلُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مِن خُبْز بُرٍّ" (4). وفي قول المصلي: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" (5)، ولا يدخُلْنَ فى قوله: 245 - "إنَّ الصدَقة لا تَحِلُّ لمُحمَّد ولاَ لآلِ مُحمَّد" (6)، مع __________ (1) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (هنَّ). (2) تقدم برقم (239). (3) تقدم برقم (236). (4) تقدم برقم (241). (5) تقدم برقم (1 و 2). (6) تقدم برقم (235).
(1/245)
كونها من أوساخ الناس، فأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوْلى بالصِّيانة عنها، والبُعْد منها. فإنْ قيل: لو كانتِ الصَّدقة حَرَامًا عليهِنَّ لحَرُمتْ على مواليْهِنَّ، كما أنَّها لمَّا حَرُمتْ على بني هاشم حَرُمت على مواليْهِم. 246 - وقد ثبت في الصحيح (1) أنَّ بَرِيْرَة تُصُدِّقَ عليها بلَحْم فأكلته، ولم يُحرِّمه النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها. قيل: هذا هو شُبْهَة مَنْ أباحها لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. وجواب هذه الشبهة: أن تحريم الصدقة على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس بطريق الأصالة، وإنما هو تبع (2) لتحريمها عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإلَّا فالصَّدقة حلال لهُن قبل اتِّصَالِهِن به، فَهُنَّ فرع في هذا التَّحريم، والتَّحْريم على المَوْلى فرع التَّحريم على سيده، فلمَّا كان التَّحريم على بني هاشم أصْلًا اسْتَتْبع ذلك مواليهم، ولمَّا كان التحريم على أزواجِ النبي - صلى الله عليه وسلم - تَبَعًا، لم يَقْوَ ذلك على اسْتِتْباع مواليهِنَّ، لأنه فَرْعٌ عن فرْع (3). قالوا: وقد قال الله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ __________ (1) أخرجه البخاري في (55) الهبة (2438)، ومسلم في (12) الزكاة رقم (1074) في حديث أنس بن مالك. (2) سقط من (ب) (تبع)، وسقط من (ج) (هو). (3) سقط من (ب، ش) (عن فرع).
(1/246)
يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31) يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 31 - 34]. فدخلْنَ في أهل البيت، لأن هذا الخِطاب كُلّه في سياق ذِكرهِنَّ، فلا يجوز إخراجهن من شيء منه (1). والله أعلم. فصل وأما القول الثالث: وهو أنَّ آلَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أُمَّته وأتْباعه إلى يومِ القيامة. فقد احْتُجَّ له بأن آلَ المعظّم المتبوع هم (2) أتباعه على دينه وأمره، قريبهم وبعيدهم. قالوا: واشتقاق هذه اللفظة يدل عليه، فإنه من آل يؤول إذا رجع، ومرجع الأتباع إلى متبوعهم لأنه إمامهم وموْئِلهم. قالوا: ولهذا كان قوله تعالى: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)} [القمر: 34]، المراد به أتباعه (3) وشيعته (4) (المؤمنون به من __________ (1) سقط من (ح) (منه). (2) من (ظ، ت، ب، ج) ووقع في (ش) (ثم). (3) وقع في (ب) (اتباعهم المؤمنون به من أقاربهم وغيرهم). (4) سقط من (ش، ب).
(1/247)
أقاربه (1) وغيرهم. وقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} [غافر: 46]، المراد به أتباعه وشيعته (2)) (3). 247 - واحتجوا أيضًا بأن واثلة بن الأسقع (4) روى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا حسنًا وحسينًا، فأجلس كل واحد منهما على فَخِذِه، وأدْنى فاطمة رضي الله عنها من حِجْره وزوجها، ثم لفَّ عليهم ثوبه، ثم قال (5): "اللهُمَّ هَؤُلاءِ أهْلِي"، قال واثلة: فقلت: يا رسول الله، وأنا مِنْ أهلك؟ فقال: "وأنْتَ من أهْلي". ورواه البيهقي بإسناد جيد. قالوا (6): ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة، وإنَّما هو مِن أتْبَاعِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم -. فصل وأما أصحاب القول الرابع: أنَّ آله الأتْقِياء مِنْ أُمَّته. __________ (1) وقع في (ب) (أقاربهم). (2) زيادة من (ب، ش). (3) سقط من (ظ، ت، ج) ما بين القوسين. (4) أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 152)، وابن حبان (15/ 6976)، والحاكم (3/ 147) رقم (4706) وغيرهم. وسنده صحيح. والحديث صححه ابن حبان والحاكم والبيهقي. (5) سقط من (ب). (6) سقط من (ب).
(1/248)
248 - فاحتجوا بما رواه الطبراني في "معجمه" (1): عن جعفر بن إلياس بن صدقة، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أنس بن مالك، قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من آل محمد؟ فقال: "كل تقي"، وتلا النبي - صلى الله عليه وسلم -: {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34] ". قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. 249 - وقد رواه البيهقي (2): من حديث أحمد (3) بن عبد الله ابن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس، فذكره. ونوح هذا، ونافع أبو هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، وقد رُمِيَا بالكذب. واحْتُجَّ لهذا القول أيضًا بأن الله عز وجل قال لنوح عن ابنه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]، فأخرجه بِشِرْكه أنْ يكون من أهله، فعُلِمَ أن آل الرسول - صلى الله عليه وسلم - هم أتباعه. __________ (1) أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 199 - 200) رقم (318). وهو حديث باطل. فيه نوح بن أبي مريم: اتهم بالكذب، وقال ابن المبارك: كان يضع الحديث. انظر: التقريب (7210)، ومجموع الفتاوى (22/ 462. (2) أخرجه البيهقي في الكبرى (2/ 152) والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 180). وهو حديث باطل. قال البيهقي: وهذا لا يحل الاحتجاج بمثله، نافع السلمي أبو هرمز بصري كذبه يحيى بن معين، وضعفه أحمد بن حنبل وغيرهما من الحفاظ. ا. هـ. (3) وقع في (ح) (عبد الله بن أحمد بن يونس) وهو خطأ.
(1/249)
وأجاب عنه الشافعي (1) رحمه الله بجواب جيد، وهو أن المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم، وعدناك نجاتهم، لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} [هود: 40]، فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم. قلت: ويدل على صحة هذا أن سياق الآية يدل على أن المؤمنين به (2) قِسْم غير أهله الذين هم أهله، لأنه قال سبحانه: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ} [هود: 40]، فمن آمن معطوف على المفعول بالحمل، وهم الأهل والاثنان من كل زوجين. واحتجوا أيضًا بحديث واثلة بن الأسقع المتقدم، قالوا: وتخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه (3) جعل واثلة في حكم الأهل تشبيهًا بمن يستحق هذا الاسم. فهذا ما احتج به أصحاب كل قول من هذه الأقوال. والصحيح هو القول الأول، ويليه القول الثاني. وأما الثالث والرابع فضعيفان، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رفع الشبهة بقوله (4): __________ (1) انظره في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 152)، وسقط من (ج) (عنه). (2) سقط من (ح). (3) في (ب) (كأنه). (4) تقدم برقم (233).
(1/250)
250 - "إن الصدقة لا تحل لآل محمد"، وقوله (1): 251 - "إنما يأكل آل محمد من هذا المال"، وقوله (2): 252 - "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا". وهذا لا يجوز أن يراد به عموم الأمة قطعًا. فأولى ما حمل عليه الآل في الصلاة: الآل المذكورون في سائر ألفاظه، ولا يجوز العدول عن ذلك. وأما تَنْصِيْصُه على الأزواج والذُّرية (3)، فلا يدل على اخْتِصاص الآل بهم، بل هو حُجَّة على عدم الاختصاص بهم، لما روى أبو داود (4) من حديث نعيم المجمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: 253 - "اللهم صل على محمدٍ النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته، وأهل بيته، كما صليت على آل (5) إبراهيم"، فجمع بين الأزواج والذرية والأهل، وإنما نصَّ عليهم بتعيينهم ليُبيِّن أنهم حَقِيْقُون بالدخول في الآل، وأنهم ليسوا بخارجين منه، __________ (1) تقدم برقم (234). (2) تقدم برقم (239). (3) ليس في (ب) (والذرية). (4) برقم (982)، وهو حديث معلول تقدم برقم (15) وانظر رقم (17) وصوابه رقم (1) بغير هذا اللفظ. (5) إضافة من (ت، ج)، وسنن أبي داوود، وفي آخره عند أبي داوود (إنك حميد مجيد).
(1/251)
بل هم أحق من دخل فيه، وهذا كنظائره من عطف الخاصِّ على العامّ، وعكسه، تنبيهًا على شرفه، وتخصيصًا له بالذِّكْر من بَيْن النّوع، لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه. وهُنَا للناس طريقان: أحدهما: أنَّ ذكر الخاص قبل العام، أو بعده قرينة تدلُّ على أنَّ المراد بالعام ما عداه. والطريق الثاني: أن الخاص ذكر مرتين، مرة بخصوصه، ومرة بشمول الاسم العام له، تنبيهًا على مزيد شرفه، وهو كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98]. وأيضًا فإن الصّلاةَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - حقٌ له ولآله دون سائر الأُمَّة، ولهذا تَجِبُ عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره كما سيأتي، وإن كان عندهم في الآل اختلاف. ومَنْ لم يُوجبْها فلا رَيْبَ أنه يستحبُّها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله. فمن قال: إن آله في الصَّلاة هم كلُّ الأُمَّة، فقد أبْعَد غايةَ الإِبْعاد. وأيضًا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَرَعَ في التَّشَهُّد السَّلام والصَّلاة، فشرع
(1/252)
في (1) السَّلام تَسْليم المصلِّي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أوَّلًا، وعلى نفسه ثانيًا، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثلاثًا، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 254 - "فإذا قلتم ذلك فقد سَلَّمْتُم علَى كُلِّ عَبْدٍ للهِ صَالِح في السَّماءِ والأرْض" (2). وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه، وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه. وأيضًا فإن الله سبحانه أمرنا (3) بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خَصَّه به دون أُمَّته مِن حلِّ نكاحه لمن تَهبُ نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأَمة بَعْده، ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتَعْظيمه وتَوْقيره وتبْجيله. ثم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)} [الأحزاب: 53]، ثم ذكر رفع الجُنَاح عن أزواجه في تَكْلِيمهِنَّ (4) آباءهنَّ وأبناءهنَّ ودخولهم عليهنَّ، وخلوتهم بِهِنَّ، ثم عَقَّبَ ذلك __________ (1) سقط من (ش). (2) أخرجه البخاري في (27) العمل في الصلاة (1144)، ومسلم في (4) الصلاة (402) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. (3) في (ظ، ت، ب) (أمر). (4) وقع في (ب، ش) (تكليهم).
(1/253)
بما هو (1) حق من حقوقه الأكيدة (2) على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامهم (3) مُسْتَفْتِحًا (4) ذلك الأمر بإخباره بأنه سبحانه هو وملائكته يُصَلُّون عليه، فسأل الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على أي صفة يؤدون هذا الحق؟ فقال (5): 255 - "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد"، فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقرُّ به عَيْنُه، ويزيده الله له شرفًا وعُلوًّا. صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا. وأما من قال: إنهم الأتقياء من أمته، فهؤلاء هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقربائه (6) فهو من أوليائه وآله (7)، ومن لم يكن منهم من أقربائه (8)، فهم من أوليائه، لا من آله. فقد يكون الرجل من آله وأوليائه، كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه، وقد (9) لا يكون من آله ولا من أوليائه، وقد يكون من أوليائه (وإن لم يكن __________ (1) من ح). (2) وقع في (ب) (والأكيدة). (3) في (ح) (وسلامه). (4) وقع في (ب) (مستحقا). (5) تقدم برقم (1). (6) وقع في (ب، ش) (من أقاربه). (7) إضافة من (ب، ش) وسقط من (ظ، ت، ح). (8) وقع في (ب، ت، ش) (أقاربه). (9) من (ب).
(1/254)
من آله) (1) كخلفائه في أُمَّته الدَّاعين إلى سُنَّته، الذَّابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. 256 - وثبت في الصحيح (2) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألا إنّ آلَ أبي فلان لَيْسُوا لِيْ بأوْلياء، إنَّ أوْليائي المُتَّقُون أيْنَ كانوا، ومَنْ كانوا"، وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال: "إن آل بني (3) ... بياض". والذي غَرَّ هذا أن في الصحيح: "إن آل بني ... ليسوا لي بأولياء"، وأخلى بياضًا بين "بني" وبين "ليسوا" فجاء بعض النساخ فكتب على ذلك الموضع "بياض" يعني أنه كذا وقع، فجاء آخر فَظَنَّ (4) أن "بياض" هو المضاف إليه، فقال: بني (5) بياض، (ولا يعرف في العرب بنو بياض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر ذلك، وإنَّما سَمّى قبيلة كبيرة من قبائل قريش، والصواب لمن قرأها في تلك النسخ أن يقرأها إن آل بني "بياضٌ") (6) بضَمِّ الضَّاد من بَيَاض لا بِجَرِّها. والمعنى: وثَمَّ بياضٌ، أو هُنَا بَيَاضٌ. __________ (1) وقع في (ب) (ولا من آله) بدلًا مما بين القوسين. (2) أخرجه البخاري في (81) الأدب (5644)، ومسلم في (1) الإيمان رقم (215) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. (3) في (ح) (أبي). (4) سقط من (ب). (5) في (ح) (أبي). (6) سقط من (ب) ما بين القوسين.
(1/255)
257 - ونظير هذا ما وقع في كتاب مسلم (1) في حديث البجلي (2) الطويل: "ونحن يوم القيامة -أي: فوق كذا انظر -"، وهذه الألفاظ لا معنى لها هنا أصْلًا، وإنَّما هي من تَخْبيط النُّسَّاخ، والحديث بهذا السند والسياق في "مسند الإمام أحمد" (3): "ونحن يوم القيامة على كَوْم، أو (4) تَلٍّ فوق الناس"، فاشتبه على الناسخ التل، أو الكوم، ولم يفهم ما المراد فكتب في أول (5) الهامش "انظر"، وكتب هو أو غيره "كذا"، فجاء آخر فجمع بين ذلك كله وأدخله في متن الحديث.، سمعته من شيخنا أبي العباس أحمد (6) بن تيمية رحمه (7) الله (8). والمقصود أن المتقين (9) هم أولياء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأولياؤه هم أحب إليه من آله. قال الله تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)} __________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه في (1) الإيمان (191). (2) كذا في جميع النسخ، والصواب (جابر وهو ابن عبد الله الأنصاري). (3) (3/ 345). (4) سقط من المسند (ط) المكتب الإسلامي. (5) إضافة من (ظ). (6) سقط من (ش، ظ) (أحمد). (7) سقط من (ب) ووقع في (ش، ظ) (رضي الله عنه). (8) وقع في (ش، ب) (المتقون) وهو خطأ. (9) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة (3462)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2384) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(1/256)
[التحريم: 4]. 258 - وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَيُّ النَّاسِ أحبُّ إلَيْك؟ قال: "عَائِشَة" رضي الله عنها، قيل: مِن الرِّجال؟ قال: "أبُوْهَا". متفق عليه". وذلك أن المتقين هم أولياء الله، كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [يونس: 62 - 63]، وأولياء الله سبحانه وتعالى أولياء لرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وأما من زعم أن الآل هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ "الآل" في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ "الآل" يُراد به الأتباع، لما ذكرنا من (1) النُّصُوص. والله أعلم. فصل وأما الأزواج فَجَمْعُ زَوْج، وقد يُقال: زوجة، والأول أفْصَحُ، وبها جاء القرآن، قال تعالى لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 19]، وقال تعالى في حق زكريا: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] ومن الثاني: قول ابن عباس (2) رضي الله عنه في عائشة رضي الله عنها: __________ (1) من (ظ، ت، ب) ووقع في (ش) (في). (2) كذا في جميع النسخ (ابن عباس) والصواب (عمار بن ياسر).
(1/257)
259 - "إنَّها زَوْجَةُ نَبيِّكم في الدُّنْيا والآخرة" (1). وقال الفرزدق: (2) وإنَّ الَّذي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي ... كَسَاع إلى أُسْدِ الشَّرَى يَسْتَبِيْلُهَا (3) وقد يُجْمع على "زوجات"، وهذا إنما هو جمع زوجة، وإلا فجمع زوج "أزواج" قال تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)} [يس: 56]، وقال تعالى: {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)} [الزخرف: 70]، وقد وقع في القرآن الإخبار عن أهل الإيمان بلفظ الزوج مفردًا وجمعًا كما تقدم. وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب: 28]، والإخبار عن أهل الشرك بلفظ "المرأة" قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إلى قوله: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المسد: 1 - 4]، وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ} [التحريم: 10]، فلمَّا كانتا مشركتين أوقع عليهما اسم "المرأة" وقال في فرعون: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} [التحريم: 11]، لما كان هو المشرك وهي المؤمنة (4) لم يسمها زوجًا __________ (1) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة رقم (3561). (2) لم أجده في ديوانه، وانظره في الصِّحاح (1/ 295)، واللسان (2/ 292). (3) من (ت) والصحاح واللسان، ووقع في باقي النسخ (يستبينها) وهو خطأ، وقد تحرّف هذا البيت في (ح). (4) في (ظ)، وفي باقي النسخ (مؤمنة).
(1/258)
له، وقال في حق آدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، وقال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50]، وقال في حق المؤمنين: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]. فقالت طائفة -منهم السهيلي وغيره-: إنما لم يقل في حق هؤلاء الأزواج؛ لأنهن لسْنَ بأزواج لرجالهم في الآخرة، ولأن التزويج حِلْية (1) شَرْعيِّة، وهو من أمر الدِّيْن، فَجَرَّد الكافرة منه كما جَرَّد منها امرأة نوح وامرأة لوط. ثم أورد السهيلي على نفسه قول زكريا: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 5]، وقوله تعالى عن إبراهيم: {فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ} [الذاريات: 29]. وأجاب بأن ذكر المرأة أليق في هذه المواضع، لأنه في سياق ذكر الحمل والولادة، فذكر المرأة أولى به؛ لأن الصّفة التي هي الأنُوثة هي المقْتَضِية للحَمْل والوَضْع، لا من حيث كانت زوجًا. قلت: ولو قيل: إن السِّرَّ في ذكر المؤمنين ونسائهم بلفظ الأزواج أنَّ هذا اللفظ مُشْعِرٌ بالمُشَاكلة والمجانسة والاقتران، كما هو المفهوم من لفظه، فإن الزوجين هما الشيئان المتشابهان (2) المتشاكلان أو المتساويان، ومنه قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]. __________ (1) سقط من (ب). (2) سقط من (ب) من قوله (المجانسة) إلى (المتشابهان).
(1/259)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (1): 260 - "أزواجهم: أشْباهُهُم ونُظَراؤُهُم". وقاله الإمام أحمد أيضًا، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)} [التكوير: 7]. أي: قُرِن بَيْن كُلِّ شَكْلٍ وشَكْلِه في النَّعيم والعذاب. 261 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه الآية: "الصَّالح مع الصَّالح في الجَنَّة، والفاجر مع الفاجر في النَّار" (2). وقاله الحسن (3)، وقتادة (4)، والأكثرون. وقيل: زُوِّجتْ أنفس المؤمنين بالحُوْر العِيْن، وأنفس الكافرين بالشَّياطين، وهو راجع إلى القول الأول. وقال تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الأنعام: 143]، ثم فسرها: {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: 143، 144]، فجعلَ الزَّوْجَين هما الفَرْدان من نوعٍ واحدٍ، ومنه قولهم: "زوجا خُفٍّ (5)، وزوجا __________ (1) أخرجه الطبري في تفسيره (23/ 46) وغيره. وسنده صحيح. انظر: الدر المنثور (5/ 513). (2) أخرجه الطبري في تفسيره (30/ 69) وغيره. وسنده صحيح. انظر: الدر (6/ 527). (3) أخرجه الطبري (23/ 47) و (30/ 70)، وسنده صحيح عنه. (4) أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 120) رقم (2512)، والطبري (30/ 70)، وسنده صحيح. (5) سقط من (ظ).
(1/260)
حمام" ونحوه. ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى قطع المشابهة والمشاكلة بين الكافر والمؤمن، قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20]، وقال تعالى في حق مؤمني (1) أهل الكتاب وكافرهم: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [آل عمران: 113] الآية. وقطع المقارنة (2) سبحانه بينهما في أحكام الدنيا، فلا يتوارثان، ولا يتناكحان، ولا يتولّى أحدهما صاحبه. فكما انقطعت الوصْلَة بينهما في المعنى انقطعت في الاسم، فأضاف فيها "المرأة" بلفظ الأنوثة المجرد، دون لفظ المشاكلة والمشابهة. فتأمَّل (3) هذا المعنى تجِدْه أشَدَّ مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه، ولهذا وقع على المسلمة امرأَةِ الكافر، وعلى الكافرة امرأةِ المؤمن = لفظُ "المرأة" دون "الزوجة"، تحقيقًا لهذا المعنى. والله أعلم. وهذا أولى من قول من قال: إنما سَمَّى صاحبة أبي لهب "امرأته"، ولم يقل لها: زوجته، لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة، بخلاف أنكحة أهل الإسلام، فإن هذا باطل، بإطلاقه اسم "المرأة" على امرأة نوح وامرأة لوط، مع صحة ذلك النكاح. وتأمل هذا (4) المعنى في آية المواريث، وتعليقه سبحانه __________ (1) من (ظ)، وفي باقي النسخ (مؤمن). (2) وقع في (ب) المقاربة. (3) في (ظ) (وتأمل). (4) في (ح) (وتأمل في هذا .. ).
(1/261)
التوارث فيها (1) بلفظ الزَّوجة دون المرأة، كما في قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، إيذانًا بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتَّشاكل والتَّناسب؛ والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب (2)، فلا يقع بينهما التوارث. وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين. فصل وهذا أليق المواضع بذكر أزواجه - صلى الله عليه وسلم -. * وأولهن خديجة بنت خويلد (3): بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب. وتزوجها - صلى الله عليه وسلم - بمكة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله تعالى برسالته، فآمنت به ونصرته، فكانت (4) له وزير صدق، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح، وقيل: بأربع، وقيل: بخمس، ولها خصائص رضي الله عنها. منها: أنه لم يتزوج عليها غيرها. ومنها: أن أولاده كلهم منها إلا إبراهيم رضي الله عنه، فإنه __________ (1) وقع في (ش، ب) (فيهما)، وقد سقط (فيها) من (ظ، ت). (2) سقط من (ب) (بينهما ولا تناسب). (3) انظر الطبقات الكبير لابن سعد (10/ 15 - 19) والإصابة لابن حجر (8/ 60 - 62) وسير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 109 - 117). (4) وقع في (ب، ت، ظ) (وكانت).
(1/262)
من سُرِّيَّتِه مارية رضي الله عنها. ومنها: أنها خير نساء الأمة. واختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال، ثالثها الوقف. وسألت شيخنا ابن تيمية -رحمه الله- فقال: اخْتَصَّ كل واحدة منهما بخاصة، فخديجة كان تأثيرها في أوَّل الإسلام، وكانت تُسَلِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت غُرَّة الإسلام، واحْتمَلَت الأذى في الله، وفي رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت نصرتها للرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعظم أوقات الحاجَّة، فلها من النُّصرة والبَذْل ما ليس لغيرها. وعائشة رضي الله عنها تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التَّفقُّه في الدين، وتبليغه إلى الأُمَّة، وانتفاع بنيها (1) بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها. هذا معنى كلامه رضي الله عنه. قلت: ومن خصائصها أيضًا أن الله سبحانه بعث إليها السلام مع جبريل فبلغها النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. 262 - قال البخاري في "صحيحه" (2): حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا محمد بن فضيل، عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أتى جبريلُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسولَ الله، __________ (1) من (ظ، ش)، ووقع في (ب) غير منقوطة. (2) أخرجه البخاري فى (66) فضائل الصحابة (3609)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2432).
(1/263)
هذه خديجةُ قد أتتْ معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربِّها ومنِّي، وَبشِّرْها بِبَيْتٍ في الجَنَّة مِن قَصَبٍ لا صَخَب فيه ولا نَصَب". وهذه لعَمْر الله خاصَّة لم تكن لسواها. وأما عائشة رضي الله عنها، فإن جبرائيل سلم عليها على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -. 263 - قال البخاري (1): حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا: "يا عائشُ (2) هَذا جِبْرائيل يُقْرئُكِ السَّلام"، فقالت: "وعَليْه السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، تَرَى ما لا أرَى". تُريدُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -. ومن خواص خديجة رضي الله عنها: أنها لم تسُؤْه قط، ولم تغاضبه، ولم ينلها (3) منه إيلاء (4) ولا عَتَب قط، ولا هجر (5)، وكفى به (6) منقبة وفضيلة. ومن خواصها أنَّها أوَّل امرأة آمنت بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأُمّة. __________ (1) أخرجه البخارى في (66) فضائل الصحابة (3557)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2477). (2) وقع في (ح) (عائشة) والتصويب من البخاري وباقي النسخ. (3) وقع في (ب) (تبلها)، وهو خطأ. (4) وقع فى (ب) (بلاء)، في (ج) (ايلامًا). (5) من (ظ، ت، ج) ووقع في (ب) (هجرة) وفي (ش) (وَلا هَمٍّ). (6) وقع في (ب، ش) (بهذه).
(1/264)
فصل * فلما توفاها اللهُ تزوج بعدها سَوْدَة بنت زَمْعَة (1) رضي الله عنها، وهي سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبدِ وُدّ بن نصر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي. وكبرت عنده، وأراد طلاقها، فوهبت يومها لعائشة رضي الله عنها، فأمسكها. وهذا من خواصها: أنها آثرت بيومها (2) حِبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، تقربًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحُبًّا له، وإيثارًا لمقامها معه، فكان يَقْسِم لنسائه، ولا يَقْسِم لها، وهي راضية بذلك مؤثرة لرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رضي الله عنها. * وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر (3)، رضي الله عنها، وعن أبيها، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى، وهي بنت تسع سنين، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة، وتوفيت بالمدينة، ودفنت بالبقيع، وأوصت أن يصلي عليها أبو هريرة رضي الله عنه سنة ثمان وخمسين. 264 - ومن خصائصها: أنها كانت أحب أزواج رسول الله __________ (1) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 52 - 57) والاستيعاب لابن عبد البر (4/ 421 - 422) والسير للذهبي (2/ 265 - 269). (2) أخرجه مسلم في (17) الرضاع (1463) وغيره من حديث عائشة. (3) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 57 - 79) والإصابة (8/ 139 - 141) والسير للذهبي (2/ 135 - 201).
(1/265)
- صلى الله عليه وسلم - إليه، كما ثبت عنه ذلك في البخاري (1) وغيره، وقد سئل: "أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها". ومن خصائصها أيضًا: أنه لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها. ومن خصائصها: أنه كان ينزل عليه الوحي وهو في لِحَافِها (2) دون غيرها. ومن خصائصها: أن الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال: 265 - "ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك"، فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة" (3). فاسْتنَّ بها بقيةُ أزواجِه - صلى الله عليه وسلم -، وقُلْنَ كما قالت. ومن خصائصها: أن الله سبحانه وتعالى بَرَّأَها مِمَّا رَمَاهَا به أهْلُ الإفْك، وأنزل في عُذْرِها وبراءتها وحْيًا يُتْلى (4) في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة، وشهد لها بأنها من الطيبات، __________ (1) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة (3462)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2384)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. (2) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة (3564) واللفظ له، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2442) من حديث عائشة رضي الله عنها. (3) أخرجه البخاري في (68) التفسير/ الأحزاب (4507)، ومسلم في (18) الطلاق (1475) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) هي آيات سورة النور من آية (10) فما بعدها.
(1/266)
ووعدها المغفرة والرزق الكريم، وأخبر سبحانه أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرًا لها، ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شرًّا لها، ولا عائبًا لها (1)، ولا خافضًا من شأنها، بل رفعها الله تعالى بذلك، وأعْلى قَدْرها، وعظَّم (2) شأنها، وصار (3) لها ذكرًا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء، فيا لها من منقبة ما أجلها. وتأمل هذا التَّشْريف والإكرام النَّاشئ عن فَرْط تواضعها واستصغارها لنفسها حيث قالت (4): 266 - "ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم اللهُ فيَّ بوحْي يُتْلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رؤيا يُبرِّئني الله بها". فهذه صِدِّيقة الأُمّة، وأم المؤمنين، وحبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (5)، تعلم أنها بريئة مظلومة، وأن قاذفيها (6) ظالمون لها، مفترون عليها، قد بلغ أذاهم بها إلى أبويها، وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها. فما ظنك بمن قد (7) __________ (1) سقط من (ح). (2) في (ح) (وأعظم). (3) وقع في (ب) (واختار) وفي (ظ، ت، ش) (وأصار)، وسقط من (ج) (لها). (4) هو جزء من حديث الإفك الطويل أخرجه البخاري في (68) التفسير/ النور (4473)، ومسلم في (49) التوبة (2770) من حديث عائشة رضي الله عنها. (5) وقع في (ب) هنا إضافة (وهي بصون الله عليها). (6) وقع في (ظ، ت، ب) (قاذفها) وهو خطأ. (7) ليس في (ح) (قد).
(1/267)
صام يومًا أو يومين أو شهرًا وشهرين، وقام ليلة أو ليلتين، وظهر عليه شيء من الأحوال، فلاحظوا (1) أنفسهم بعَيْن استحقاق الكرامات والمكاشفات والمخاطبات والمنازلات وإجَابة الدعوات، وأنهم ممن يُتَبرَّكُ بلقائهم، ويُغتَنم صالح دعائهم، وأنهم يَحبُ على الناس احترامهم، وتعظيمهم، وتعزيرهم، وتوقيرهم؛ فيتمسح بأثوابهم، ويقبل ثرى أعتابهم، وأنهم من الله عز وجل بالمكانة التي ينتقم لهم لأجلها ممن تنقَّصهم في الحال، وأن يؤخذ مِمَّن (2) أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وأن إساءة (3) الأدب عليهم ذَنْب لا يكفِّره شيء إلَّا رضاهم (4)!، ولو كان هذا من وراء كفاية (5) لهان، ولكن من وراء تخلُّف (6)؛ وهذه الحَمَاقات والرُّعونات نتائج الجهل الصميم، والعقل غير المستقيم، فإن ذلك إنما يصْدرُ من جاهل مُعْجَبٍ بنفسه، غافلٍ عن جُرْمه وذنوبه، مُغْترٍّ بإمهال الله تعالى له عن أخذه بما هو فيه من الكِبْر والإزْرَاء على مَنْ لَعَلَّه عند الله تعالى خيرٌ منه. نسأل الله تعالى العافية في الدنيا والآخرة. وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيمًا، وهو عند الله حقيرًا. __________ (1) في (ح) (ولاحظوا). (2) في (ب، ش) (مَنْ). (3) في (ح) (وأن الإساءه عليهم ذنب). (4) بياض في (ب، ش). (5) في (ب) (بكفاية لها). (6) في (ش) (تكلّف).
(1/268)
ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الأكابر من الصحابة رضي الله عنهم كان إذا أشْكَل عليهم الأمر من الدِّيْن اسْتفْتوها، فيجدون علمه عندها (1). ومن خصائصها رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتها، وفي يومِها، وبين سَحْرِها ونَحْرِها، ودفن في بيتها (2). 267 - ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الملَك أرَى صورتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يتزوجها في سَرقةِ حَريْر، فقال: "إنْ يكن هذا مِن عند الله يُمْضِه" (3). ومن خصائصها رضي الله عنها: أن الناس كانوا يتحرون (4) بهداياهم يومها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تقربًا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيُتْحِفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه رضي الله عنهم أجمعين، وتكنى أم عبد الله، وروي أنها أسقطت من النبي - صلى الله عليه وسلم - سقطًا، ولا يثبت ذلك. * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفصة بنت عمر بن الخطاب (5) __________ (1) أخرجه الترمذي (3883) وقال: "حسن صحيح غريب". (2) أخرجه البخاري (29) الجنائز (1323)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2443) من حديث عائشة رضي الله عنها. (3) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة (3682)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2438) من حديث عائشة رضي الله عنها. (4) أخرجه البخاري في (66) فضائل الصحابة (3564)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2441) من حديث عائشة رضي الله عنها. (5) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 80 - 85) وأسد الغابة (7/ 65 - 67) والسير =
(1/269)
رضي الله عنها وعن أبيها، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة رضي الله عنه، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وممن شهد بدرًا، توفيت سنة سبع، وقيل: ثمان وعشرين. 268 - ومن خواصها: ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلقها، فأتاه جبريل فقال: "إن الله يأمرك أن تراجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة" (1). __________ = للذهبي (2/ 227). (1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 57)، * والضياء فى المختارة (7/ 2507) *. من طريق أحمد بن يحيى بن خالد عن موسى بن أبي سهل عن يحيى بن أبي بكير عن شعبة عن قتادة عن أنس فذكره. قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا يحيى بن أبى بكير، تفرد به موسى بن أبي سهل". قلت: وموسى هذا فيه جهالة. انظر: * تاريخ دمشق (60/ 415) *، قال الهيثمي (فيه جماعة لم أعرفهم). والحديث منكر بهذا الاسناد، والصواب أنه مرسل * كما رجحه الدارقطني في علله (4/ 31 / أ) *. هكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلًا. أخرجه ابن سعد (8/ 84) وغيره. وجاء هذا المتن أيضًا من حديث قيس بن زيد لكنه مرسل. أخرجه ابن سعد (8/ 84) وغيره. قال أبو حاتم: "قيس بن زيد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا، لا أعلم له صحبة". انظر: الجرح والتعديل (7/ 98) رقم (554). وجاء عن عمار لكنه منكر، تفرد به الحسن بن أبى جعفر وهو ضعيف.=
(1/270)
269 - وقال الطبراني في "المعجم الكبير" (1): حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى، حدثنا جَدِّي حرملة، حدثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن صالح الحضرمي، عن موسى بن عُلَي بن رباح، عن أبيه، عن عقبة بن عامر؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة، مبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فوضع التراب على رأسه، وقال: ما يعبأ الله بابن الخطاب بعد هذا، فنزل جبرائيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمةً لعمر رضي الله تعالى عنه". * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم حَبِيْبة بنت أبي سفيان (2)، واسمها رَمْلَة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصَّر __________ = انظر الكامل لابن عدي (2/ 307) وغيره. (1) * (17/ 291 - 292) و (23/ 188) *. قال الهيثمي في المجمع: "فيه عمرو بن صالح الحضرمي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات" (4/ 334). قلت: والحديث منكر بهذا اللفظ، وأصل حديث طلاقها ثم مراجعتها ثابت مشهور. فقد جاء من حديث عمر (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق حفصة ثم راجعها). أخرجه أبو داوود (2283)، والنسائي (3560)، وابن ماجه (2016) وغيرهم. قال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد قوي ثابت". مسند الفاروق 1/ 421، وورد من حديث ابن عمر، وصحح إسناده ابن كثير أيضًا 1/ 421. (2) انظر الطبقات (10/ 94 - 98) والاستيعاب (4/ 401 - 403) والسير (2/ 218).
(1/271)
بالحبشة (1)، وأتَمَّ اللهُ لها الإسلام، وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بأرض الحَبَشة، وأصْدقها عنه النَّجَاشِي أربعمائة دينار، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضَّمْري فيها إلى أرض الحبشة، وَوَلِيَ نكاحها عثمان بن عفان، وقيل: خالد بن سعيد بن العاص. 270 - وقد روى مسلم في "صحيحه" (2) من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، قال: وكان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث خلال أَعْطِنِيْهنَّ. قال: "نعم". قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: "نعم"، قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك. قال: "نعم"، قال: وتؤمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: "نعم". قال أبو زميل: "ولولا أنه طلب ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئًا إلا قال: نعم". وقد أشْكل هذا الحديث على الناس (3): فإن أم حبيبة تزوجها __________ (1) * في ثبوت خبر تنصّره بالحبشة نظر *. (2) أخرجه مسلم في (44) فضائل الصحابة (2501). (3) ذكر هذا الإشكال جماعة: منهم الحميدي نقله عن بعض الحفاظ وقال: وفي هذا نظر. انظر: جامع الأصول لابن الأثير (9/ 106) رقم (6655). والنووي في شرح مسلم (16/ 91 - 92)، وابن كثير والذهبي. انظر السير (7/ 137) والبداية والنهاية (4/ 146)، والصالحي في سبل الهدى والرشاد (11/ 193) وغيرهم.
(1/272)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلام أبي سفيان كما تقدم، زوجها إياه النجاشي، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يسلم أبوها، فكيف يقول بعد الفَتْح: أزوِّجك أم حبيبة؟ فقالت طائفة: هذا الحديث كَذب لا أصل له. قال ابن حزم: كَذَبَه عكرمة بن عمار، وحمل عليه (1). واستعظم ذلك آخرون (2)، وقالوا: أنَّى يكون في صحيح مسلم حديث موضوع، وإنما وجه الحديث أنه طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُجدِّد له العقد على ابنته ليبقى له بذلك (3) وَجْهٌ بين المسلمين. وهذا ضعيف، فإن في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعَدَه، وهو الصادق الوعد - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل أحد قط أنه جَدَّد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، ولو نَقْلُ واحدٍ عن واحدٍ، فحيث لم ينقله أحد قطّ عُلِمَ أنه لم يقع. ولم يزد القاضي عياض على استشكاله، فقال: "والذي وقع في "مسلم" من هذا غريب جدًا عند أهل الخَبَر، وخَبرُها مع أبي سفيان عند ورُودِه المدينة بسبب تَجْدِيد الصلح ودخوله عليها مشهور" (4). وقالت طائفة (5): ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان __________ (1) انظر: نوادر ابن حزم ص 7. (2) منهم ابن الصلاح، نقله عنه النووي في شرح مسلم (16/ 92). (3) من (ب، ش) فقط (بذلك). (4) انظر إكمال المعلم للأبي (6/ 341). (5) منهم ابن كثير في البداية والنهاية (4/ 147).
(1/273)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه ابنته الأخرى عَزَّة أخت أم حبيبة. قالوا: ولا يبعد (1) أن يخفى هذا على أبي سفيان لحداثة عهده بالإسلام، وقد خفي هذا على ابنته أم حبيبة، حتى سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوجها، فقال: "إنها لا تَحِلُّ لي" (2)، فأراد أن يتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنته الأخرى، فاشتبه على الراوي، وذهب وهْمُه إلى أنها أم حبيبة، وهذه التَّسْمِية من غَلَط بعض الرُّواة، لا من قول أبي سفيان. لكن يَرُدُّ هذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نعم"، وأجابه إلى ما سأل، فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها لقال: إنها لا تحل لي، كما قال ذلك لأمِّ حبيبة، ولولا هذا لكان التأويل في الحديث من أحسن التأويلات. وقالت طائفة: لم يتفق أهل النقل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوج أم حبيبة رضي الله تعالى عنها، وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمد المنذري (3)، وهذا من أضعف الأجوبة؛ لوجوه: أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا __________ (1) سقط من (ش). (2) أخرجه البخاري في (70) النكاح (4813)، ومسلم في (17) الرضاع (1449) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها. (3) هو عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ولد سنة 581 هـ، صاحب الترغيب والترهيب، والتكملة وغيرها، توفى سنة 656 هـ. انظر: شذرات الذهب (5/ 277).
(1/274)
حكاه أحد ممن يعتمد على نقله. الثاني: أن قصة تزوج (1) أم حبيبة وهي بأرض الحبشة قد جَرَت مَجْرى التَّواتر، كتزويجه - صلى الله عليه وسلم - خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة رضي الله عنها بالمدينة، وتزويجه حفصة رضي الله عنها بالمدينة، وصَفِيَّة رضي الله عنها عام خيبر، وميمونة رضي الله عنها في عمرة القضية، ومثل هذه (2) الوقائع شهرتها عند أهل العلم مُوْجبة لقطْعِهم بها، فلو جاء سند ظاهرُ الصِّحَّة يخالفها عَدُّوه غَلَطًا، ولم يَلْتفِتُوا إليه، ولا يمكنهم مُكابرة نُفُوسِهم في ذلك. الثالث: أنه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحواله أنه لم يتأخر نكاح أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، ولا يقع ذلك في وَهْم أحد منهم أصلًا. الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل (3) على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طوته عنه، فقال: 271 - يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به (4) عني؟ قالت: والله (5) بل هو فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) وقع في (ظ) (تزويج)، وسقط من (ح). (2) وقع في (ب) (هذا). (3) ليس في (ش). (4) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (بي) وهو خطأ. (5) من (ب، ش) وسقط من (ظ، ت، ح) قوله (والله بل).
(1/275)
قال: والله (1) لقد أصابك يا بنية بعدي شر (2). وهذا مشهور عند أهل المغازي والسِّيَر، وذكره ابن إسحاق (3) وغيره في قصة قدوم أبي سفيان المدينة لتجديد الصلح (4). الخامس: أن أم حبيبة رضي الله عنها كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله (5) بن جحش، ثم تنَصَّر زوجها، وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت هي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحبشة، وكانت عنده ولم تكن عند أبيها، وهذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل. ومن المعلوم أن أباها لم يُسْلِم إلَّا عام الفتح، فكيف يقول: عندي أجملُ العرب أزوجك إياها؟ وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟ فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه، فهو مُحَال، فإنها لم تكن عنده، ولم يكن له ولاية (6) عليها أصلًا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمُحَال __________ (1) سقط من (ب). (2) انظر: السيرة لابن هشام (2/ 396 - 397). وقد ذكر هذه القصة بطولها الواقدي في مغازيه (2/ 792)، وقد روى قصة قدوم أبي سفيان المدينة ليجدد العهد: 1 - عبد الرزاق في مصنفه (5/ 374) رقم (9739) من طريق مقسم مولى ابن عباس، بطوله، وليس فيه قصة دخول أبي سفيان على أم حبيبة، والحديث مرسل. 2 - وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 401) رقم (36891) من طريق عكرمة فذكره بطوله، وليس فيه قصة دخول أبي سفيان على أم حبيبة، والحديث مرسل. (3) انظر: السيرة لابن هشام (2/ 396). (4) سقط من (ظ) من قوله (وذكره) إلى (الصلح). (5) وقع في (ب) (عبد الله) وهو خطأ. (6) وقع في (ب، ش) (ولم يكن عليها ولاية)، وفي (ت) (ولم يكن له عليها =
(1/276)
أيضًا، لأن نكاحها لم يتأخَّر إلى بعد الفتح. فإن قبل: (بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح) (1)، لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح، وإسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمد بن إسحاق مرسلًا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله!؟ فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة!؟ وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا. فالجواب من وجوه: أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوي النَّقْلَين؛ فيُرجَّح بما ذكره، وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقّنه فلا يلتفت إليه، فإنه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسِّيَر والمغازي وأحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى بعد الفتح، ولم يقله أحد منهم قط، ولو قاله قائل لعلموا بطلان قوله، ولم يشكُّوا فيه. الثاني: أن قوله: إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه. فجوابه: أن الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسِّير (أن أم حبيبة هاجرت مع زوجها، وأنه هلك __________ = ولاية). (1) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (يتعيّن أن يكون نكاحها قبل الفتح).
(1/277)
نصرانيًّا بأرض الحبشة، وأن النجاشي زوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير) (1)، وذكرها أئمة (2) العلم، واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح. قال الشافعي في رواية الربيع (3)، في حديت عقبة بن عامر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: 272 - "إذا أنكح الوليان فالأول أحق" (4). قال: "فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة ... ، 273 - مع توكيل النبي - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري، فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان" (5). وقال الشافعي في كتابه الكبير أيضًا، رواية الربيع (6): "ولا يكون الكافر وليًّا لمُسْلمة وإن كانت ابنته (7)، قد زوج ابن سعيد بن __________ (1) سقط من (ظ، ت) ما بين القوسين. (2) في (ظ) (أهل). (3) انظر: الأم (6/ 41 - 42) ط- دار الوفاء. (4) وأخرجه أحمد في المسند (5/ 11)، والبيهقي في الكبرى (7/ 139) وغيرهما. وقد وقع فيه اختلاف هل هو من مسند عقبة أم من مسند سمرة؟. والصحيح أنه من مسند سمرة كما رجحه أبو حاتم وأبو زرعة والبيهقي فالسند صحيح. انظر: المرسل الخفي (3/ 1310 - 1311). (5) أخرجه البيهقي في الكبرى (7/ 139) وهو مرسل. (6) وقع في (ح) (رواه الربيع)، انظر الأم (6/ 38 - 39). (7) في (ش، ت، ظ) (بنته).
(1/278)
العاص النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان حَيٌّ، لأنها كانت مُسْلمة وابن سَعِيد مُسْلم، ولا أعلم مسلمًا أقرب بها منه، ولم يكن (1) لأبي سفيان فيها ولاية؛ لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين، والمواريث والعقل وغير ذلك". وابن سعيد هذا الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص. ذكره ابن إسحاق، وغيره. وذكر (2) عروة والزهري أن عثمان بن عفان هو الذي ولي نكاحها، وكلاهما ابن عم أبيها؛ لأن عثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية، وخالد هو ابن سعيد بن العاص بن أمية، وأبو سفيان هو ابن حرب بن أمية. والمقصود أن أئمة الفقه والسير (3) ذكروا أن نكاحها كان بأرض الحبشة، وهذا يبطل وهم من توهم أنه تأخر إلى بعد الفتح، اغترارًا منه بحديث عكرمة بن عمار. الثالث: أن عكرمة بن عمار (4) راوي حديث ابن عباس هذا قد ضعفه كثير من أئمة الحديث، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: ليست أحاديثه بصحاح (5). وقال الإمام أحمد. __________ (1) في (ب) (تكن) وفي (ظ، ت) غير منقوطة. (2) وقع في (ب، ش) (وذكره) وهو خطأ. (3) وقع في (ب) (والتفسير). (4) انظر: تهذيب الكمال (20/ 256 - 264). (5) هذا مقيد بروايته عن يحيى بن أبي كثير، راجع تهذيب الكمال.
(1/279)
أحاديثه ضعاف. وقال أبو حاتم: "عكرمة هذا صدوق، وربما وهم، وربما دلس". وإذا كان هذا حال عكرمة فلعله دلَّس هذا الحديث عن غير حافظ. أو غير ثقة، فإن مسلمًا في "صحيحه" (1): رواه عن عباس بن عبد العظيم، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، هكذا معنعنًا (2). ولكن قد رواه الطبراني في "معجمه" (3)، فقال: حدثنا محمد بن محمد الجذوعي، حدثنا العباس بن عبد العظيم، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس، فذكره. وقال أبو الفرج بن الجوزي في هذا الحديث (4): "هو وهم من بعض الرواة، لاشك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث، قال: وإنما قلنا: إن هذا وهم؛ لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت تحت عبيد الله بن جحش، وولدت له وهاجر بها، وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر، وثبتت أم حبيبة على دينها، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي يخطبها عليه، فزوجه إياها وأصدقها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف درهم، وذلك في سنة سبع من الهجرة؛ وجاء أبو __________ (1) تقدم ص (272). (2) في المطبوع مصرح بالتحديث. فلتراجع النسخ الخطِّية لمسلم. (3) (12/ 199) رقم (12885). (4) في كشف المشكل (2/ 463 - 464).
(1/280)
سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها فثنت بساط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يجلس عليه، ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا يعرف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّرَ أبا سفيان. آخر كلامه". وقال أبو محمد بن حزم: "هذا حديث موضوع، لا شك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار، ولم يختلف في أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوجها قبل الفتح بدهر، وأبوها كافر". فإن قيل: لم ينفرد عكرمة بن عمار بهذا الحديث، بل قد توبع عليه، فقال الطبراني في "معجمه" (1): حدثنا علي بن سعيد الرازي، حدثنا عمر (2) بن حُلَيف بن إسحاق بن مرسال الخثعمي، قال: حدثني عمي إسماعيل بن مرسال، عن أبي زميل الحنفي، قال: حدثني ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يفاتحونه فقال: يا رسول الله، ثلاث أعطنيهن. الحديث. فهذا إسماعيل بن مرسال قد رواه عن أبي زميل، كما رواه عنه عكرمة بن عمار، فبرئ عكرمة من عُهْدة التَّفرد به. قيل: هذه المتابعة لا تفيده قوة، فإن هؤلاء مجاهيل (3) لا __________ (1) الكبير (12/ 199) رقم (12886). (2) في (ظ، ب، ت) (محمد) وهو خطأ، وفي الطبراني (خلف) مكان (حُلَيْف). (3) قلت: شيخ الطبراني: متكلم فيه. * وعمر بن حليف: يحتمل مجهول، ويحتمل أنه وضَّاع ويحتمل أنهما واحد *. وإسماعيل: مجهول. انظر * لسان الميزان (4/ 271 و 416) *.
(1/281)
يُعْرَفون بنقل العلم، ولا هم ممن يُحْتَجُّ بهم، فضلًا عن أن تقدم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصة أهل العلم وعامتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده وهنًا لم تزده قوة، وبالله التوفيق. وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري رحمهما الله تعالى: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة، وهو كافر، حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعهما الراوي. وهذا أيضًا ضعيف جدًا، فإن أبا سفيان إنما قدم المدينة آمنًا بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهُدْنَة والصُّلح الذي كان بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقدم المدينة، فمتى قدِم وَزوَّجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أم حبيبة؟ فهذا غلط ظاهر. وأيضًا فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره، إذ لا ولاية له عليها، ولا تأخر ذلك إلى بعد إسلامه، لما تقدم، فعلى التقديرين لا يصح قوله: أزوجك أم حبيبة. وأيضًا فإن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد، وأنه قال: ثلاث أعطنيهن .. الحديث، ومعلوم أن سؤاله تأميره، واتخاذ معاوية كاتبًا إنما يُتَصوَّر بعد إسلامه،
(1/282)
فكيف يُقال: بل سأل بعض ذلك في حال كفره، وبعضه هو مسلم؟! وسياق الحديث يَرُدُّه. وقالت طائفة: "بل يمكن حمل الحديث على مَحْمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعًا، إذ القول بأن في "صحيح مسلم" حديثًا موضوعًا مِمَّا ليس يَسْهُل. قال: ووجْهُهُ أن يكون معنى "أزوجكها" أرضى بزواجك بها، فإنه كان على رغم مني، وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحًا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه تأليف القلوب، قال: وتكون إجابة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنعم كانت تأنيسًا له، ثم أخبره بعد بصحة العقد، فإنه لا يشترط رضاك ولا ولاية لك عليها، لاختلاف دينكما حالة العقد. قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله". ولا يَخْفى شِدَّة بُعْد هذا التأويل من اللفظ، وعدم فهمه منه؛ فإن قوله: "عندي أجمل العرب أزوجكها"، لا يفهم منه أحد أن زَوْجَتَكَ التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها. ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فإنه إنما (1) سأل من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرًا تكون الإجابة إليه من جهته - صلى الله عليه وسلم -، فأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلبه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولو قيل: طلب منه أن يقِرّه على نكاحه إياها، وسمى إقراره نكاحًا، لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ. وكل هذه تأويلات __________ (1) في (ظ، ت، ج) (لما).
(1/283)
مستكرهة (1) في غاية المنافرة لِلَّفْظِ، ولمقصود الكلام. وقالت طائفة: "كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرًا فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر، أو بعد إسلامه حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهرًا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإيلاء طلاق كما توهمه عمر رضي الله عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنبي - صلى الله عليه وسلم -، متعطفًا له ومتعرضًا، لعله يراجعها، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بنعم، على تقدير: إن امتد الإيلاء، أو وقع طلاق، فلم يقع شيء من ذلك". وهذا أيضًا في الضعف من جنس ما قبله، ولا يخفى أن قوله: "عندي أجمل العرب وأحسنه أزوجك إياها". أنه لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء ووقوع الفُرْقة به، ولا يَصِحُّ أن يُجابَ بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضرًا وقت الإيلاء أصلًا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتزل في مَشْربة له، حَلَفَ أن لا يدخل على نسائه شهرًا (2)، وجاء عمر بن الخطاب فاستأذن في الدخول عليه (3) مرارًا فأذن له في الثالث، فقال: أطلقت نساءك؟ فقال: "لا". فقال عمر: الله أكبر". واشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذ؟. __________ (1) في (ح) (مستنكرات). (2) أخرجه البخاري في (68) التفسير/ التحريم (4629)، ومسلم في (18) الطلاق (1479) من حديث عمر بن الخطاب مطولًا. (3) في (ح) (فاستأذن عليه في الدخول).
(1/284)
ورأيت للشيخ محب الدين الطبري كلامًا على هذا الحديث، قال في جملته: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كله قبل إسلامه بمدَّة تَتَقدَّم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطنيهن: أم حبيبة أزوجكها، ومعاوية يسلم فيكون كاتبًا بين يديك، وتؤمرني بعد إسلامي فأقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين. وهذا باطل أيضًا من وجوه: أحدها: قوله: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه. فقال: يا نبي الله ثلاث أعطنيهن. فيا سبحان الله! هذا يكون قد صدر منه وهو بمكة قبل الهجرة، أو بعد الهجرة، وهو يجمع الأحزاب لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أو وقت قدومه المدينة وأم حبيبة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لا عنده؟ فما هذا التكلف البارد؟ وكيف يقول وهو كافر: حتى أقاتل المشركين كما كنت أقاتل المسلمين؟ وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور الله سبحانه وتعالى؟ وهذه قصة إسلام أبي سفيان معروفة، لا اشتراط فيها ولا تعرض لشيء من هذا. وبالجملة فهذه الوجوه وأمثالها مما يُعْلم بطلانها واستكراهها (1) وغثاثتها، ولا تفيد الناظر فيها علمًا، بل النظر فيها والتَّعرُّض لإبطالها من مثارات (2) العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم. __________ (1) وقع في (ب) (واستكرارها) وهو خطأ. (2) في (ح) (منارات).
(1/285)
فالصَّواب أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم. وهي التي أكرمت فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلس عليه أبوها لما قدم المدينة، وقالت: "إنك مشرك" (1). ومنعته من الجلوس عليه. * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة (2)، واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر (3) بن مخزوم بن يقظة بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد. توفيت سنة اثنين وستين، ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - موتًا، وقيل: بل (4) ميمونة. 274 - ومن خصائصها: أن جبرائيل دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي عنده، فرأته في صورة دحية الكلبي، ففي "صحيح مسلم" (5): عن أبي عثمان، قال: "أنبئت أن جبرائيل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعنده أم __________ (1) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبير (10/ 97) ط. الخانجي. وفيه الواقدي، وهو متروك الحديث. (2) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 85 - 94) والإصابة (8/ 203 - 204) والسير (2/ 201). (3) في جميع النسخ (عمرو) وهو خطأ. انظر: أسد الغابة (7/ 340). (4) ليس في (ب). (5) أخرجه مسلم في (44) فضائل الصحابة (2451) من حديث سلمان رضي الله عنه.
(1/286)
سلمة، قال: فجعل يتحدث، ثم قام، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة: "من هذا؟ "-أو كما قال- قالت: هذا دحية الكلبي. قالت: أيم الله ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطبة نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يُخْبرُ خبرنا -أو كما قال-". قال سليمان التيمي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا الحديث؟ قال: من أسامة بن زيد. وزوجها ابنها عمر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وردَّت طائفة ذلك: بأن ابنها لم يكن له من السِّنِّ حينئذ (ما يعقل به التزويج) (1). وردَّ الإمامُ أحمد ذلك وأنكر على مَنْ قاله. 275 - ويدل على صحة قوله ما روى مسلم في "صحيحه" (2): أن عمر بن أبي سلمة ابنها سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القُبْلة للصَّائم، فقال: "سَلْ هذه؟ "، يعني أُمَّ سَلَمة، فأخبرته أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله. (فقال: لسْنَا كرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحلُّ اللهُ لِرَسُولهِ مَا شَاء، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي أتْقَاكُم للهِ وأعْلمكم به") (3) أو كما قال. ومثل هذا لا يقال لصغير جِدًّا، وعُمَر وُلِدَ بأرض الحبشة قَبْل __________ (1) وقع في (ش) (ما يقبل التزويج)، وسقط من (ظ، ت، ب) (به). (2) أخرجه مسلم في (13) الصيام (1108). (3) كذا وقع في جميع النسخ. والذي عند مسلم: ( .. فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أما والله إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له).
(1/287)
الهجرة. وقال البيهقي: وقول من زعم أنه كان صغيرًا دَعْوى، ولم يثْبُت صِغَره بإسنادٍ صحيح. وقول من زعم أنه زوَّجها (بالبُنُوَّةِ، مقابَلٌ بقول من قال: إنه زوجها) (1) بأنه كان من بني أعمامها، ولم يكن لها ولي هو أقرب منه إليها، لأنه عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وأم سلمة: هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقد قيل: إن الذي زوجها هو عمر بن الخطاب، لا ابنها، لأن في غالب الروايات: "قم يا عمر فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". وعمر بن الخطاب هو كان الخاطب. وَرُدَّ هذا بأن في "النسائي" (2): فقالت لابنها عمر: "قُم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وأجاب شيخنا أبو الحجاج المِزِّي الحافظ بأن الصحيح في هذا". قم يا عمر، فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وأما لفظ: "ابنها" فوقعت من بعض الرواة؛ لأنه لما كان اسم ابنها "عمر" وفي __________ (1) سقط من (ب، ج) ما بين القوسين، في (ج) (لأنه كان من بني .. ). (2) أخرجه النسائي (3254). وسنده ضعيف فيه محمد بن عمر بن أبي سلمة، قال أبو حاتم: لا أعرفه. جرح (8/ 18).
(1/288)
الحديث: "قم يا عمر فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، ظنَّ- الرواي أنه ابنها، وأكثر الروايات في المسند (1) وغيره: "قم يا عمر" من غير ذكر (2) "ابنها" قال: ويدل على ذلك أن ابنها عمر كان صغير السن، لأنه قد صَحَّ عنه أنه قال: كنت غلامًا في حِجْرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكَانتْ يَدِيْ تَطِيْشُ في الصَّحْفَة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 276 - "يَا غلام! سَمِّ الله، وكُلْ بيَمِيْنِكَ، وكُل مِمَّا يَلِيْك" (3). وهذا يدل على صِغر سِنِّه حين كَان رَبِيْبَ النبي - صلى الله عليه وسلم -. والله أعلم. (وذكر ابن إسحاق: أن الذي زوجها ابنها سلمة بن أبي (سلمة) والله أعلم) (4). * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت جحش (5) من بني خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، وكانت قبل عند مولاه زيد بن حارثة، فطلَّقها، فزوجها __________ (1) انظر: مسند الإمام أحمد (6/ 295، 313 - 314). (2) سقط من (ح). (3) أخرجه البخاري في (73) الأطعمة (5061)، ومسلم في (36) الأشربة (2022). (4) سقط من (ح) ما بين القوسين، ووقع في (ب) (أوفى) بدلًا من (ابن أبي سلمة) وهو خطأ. (5) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 98 - 111) وأسد الغابة لابن الأثير (7/ 125 - 127) والسير (2/ 211).
(1/289)
اللهُ إياه من فوق سبع سماوات، وأنزل عليه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]، فقام فدخل عليها بلا استئذان. وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقول: 277 - "زوجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماواته" (1). وهذا من خصائصها. توفيت بالمدينة سنة عشرين ودفنت بالبقيع. * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة الهلالية (2)، وكانت تحت عبد الله بن جحش، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة، وكانت تُسمَّى أُمّ المَسَاكين، لكثرة إطعامها المساكين، ولم تلبث عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا يسيرًا شهرين أو ثلاثة وتوفيت رضي الله عنها. * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جُوَيْرِية بنت الحارث (3)، من بني المصطلق، وكانت سبيت في غزوة بني المصطلق، فوقعت في سهم ثابت بن قيس، فكاتبها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابتها، وتزوجها سنة ست من الهجرة، وتوفيت سنة ست وخمسين. 278 - وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من __________ (1) أخرجه البخاري في صحيحه في (100) التوحيد، (22) باب (وكان عرشه على الماء) رقم (6984) وراجع رقم (4509). (2) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 111 - 112) والاستيعاب (4/ 409) والسير (2/ 218). (3) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 113 - 116) والإصابة (8/ 43 - 44) والسير (2/ 261).
(1/290)
الرقيق، وقالوا: أصْهَار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وكان ذلك من بَرَكَتِها على قومها (1). * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَفيّة بنت حُيَيّ (2) من ولد هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام، سنة سبع، فإنها سبيت من خيبر، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحُقَيْق، فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، توفيت سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة خمسين. 279 - ومن خصائصها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعتقها وجعل عتقها صداقها، قال أنس: "أمهرها نفسها" (3). وصار ذلك سُنَّة للأُمَّة إلى يوم القيامة، يجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها، وتصير زوجته، على منصوص الإمام أحمد رحمه الله تعالى. 280 - قال الترمذي (4): حدثنا إسْحاق بن منصور، وعَبْد بن __________ (1) أخرجه أحمد (6/ 277)، وأبو داود (3931)، وابن الجارود (705) وابن حبان (9/ 4054) وغيرهم والحديث صححه ابن حبان وابن الجارود والحاكم وغيرهم. (2) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 116 - 125) وأسد الغابة (7/ 169 - 171) والسير (2/ 231). (3) أخرجه البخاري في (67) المغازي (3965)، ومسلم في (15) الحج (1365) من حديث أنس بن مالك. (4) أخرجه الترمذي (3894)، وأحمد (3/ 135 - 136)، وابن حبان (16/ 194) رقم (7211) وغيرهم. وسنده صحيح، والحديث صححه=
(1/291)
حُمَيْد، قالا: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا مَعْمَر، عن ثابت، عن أنس، قال: "بَلغَ صفيَّة أنَّ حَفْصَة قالت: صَفيَّة بنت يَهُوديّ، فَبكتْ، فدخل عليها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وهي تَبْكي، فقال: "مَا يُبْكيكِ؟ "، قالتْ: قالتْ لِيْ حَفْصَة: إنِّي ابنةَ يهُودي. فقال النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّكِ لابْنة نَبِيّ، وإنَّ عمَّكِ لَنَبِيّ، وإنَّكِ لتَحْت نَبِي، فَبمَ تفْخَر عَليْكِ؟ " ثم قال: "اتَّقِ اللهَ يَا حَفصة"، قال الترمذي: "هَذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه". وهذا من خصائصها رضي الله عنها. * وتزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة بنت الحارث الهلالية (1)، تزوجها بِسَرِف وبَنَى بها بسَرِف، وماتت بِسَرِف، وهو على تسعة (2) أميال من مكة، وهي آخرَ من تزوج من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، وتوفيت سنة ثلاث وستين، وهي خالة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ فإن أُمَّهُ أم الفَضْل بنت الحارث، وهي خالة خالد بن الوليد أيضًا، وهي التي اختلف في نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - هل نكحها حَلاَلًا أو مُحْرِمًا؟ فالصحيح أنه تزوَّجها حلالًا، كما قال أبو رافع السَّفِير في نِكَاحها (3)، وقد بَيَّنت وَجْه غلط مَن قال: نَكَحَها __________ = الترمذي وابن حبان. (1) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 128 - 135) والاستيعاب (4/ 467 - 470) والسير (2/ 238). (2) في (ح) (وهي على سبعة). (3) أخرجه الترمذي (841)، وأحمد (6/ 393). وهو معلول بالارسال. قال الترمذي: "هذا حديث حسن، ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد عن=
(1/292)
مُحْرِمًا، وتقديم حديث من قال: "تزوجها حلالًا" من عشرة أوجه مذكورة في غير هذا الموضع (1). فهؤلاء جُمْلة مَنْ دخل بِهِنَّ من النساء، وهنَّ إحدى عشرة رضي الله عنهنّ. قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره: وعقد - صلى الله عليه وسلم - على سبع ولم يدخل بِهِنَّ (2). فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهنَّ وتحريمهنَّ على الأُمَّة، وأنَّهن نساؤه - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، فمن فارقها في حياتها، ولم يدخل بها، لا يثبت لها أحكام (3) زوجاته اللاتي دخل بهنَّ، ومات عنهنَّ، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وسلم تسليمًا. فصل (4) وأما الذُّرِّيَّة فالكلام فيها في مسألتين: __________ = مطر عن ربيعة، وروى مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... مرسلًا، ورواه أيضًا سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلًا". فهو من أوهام مطر الورَّاق. (1) انظر: زاد المعاد (5/ 112 - 113). (2) انظر الطبقات لابن سعد (10/ 136 - 144). (3) سقط من (ب) (أحكام). (4) سقط من (ظ، ت) (فصل).
(1/293)
المسألة الأولى في لفظها، وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها من ذرأ الله الخلق، أي: نشرهم وأظهرهم، إلا أنهم تركوا همزها استثقالًا، فأصلها: ذُرِّيئة بالهمز، فُعِّيلة (1) من الذرء، وهذا اختيار صاحب الصحاح (2) وغيره. والثاني: أن أصلها من الذَّرِّ (3) وهو النمل الصغار، وكان قياس هذه النسبة "ذَرية" بفتح الذال وبالياء، لكنهم ضموا أوله وهمزوا آخره (4). وهذا من باب تغيير النسب. وهذا القول ضعيف من وجوه: منها: مخالفة باب (5) النسب، ومنها إبدال الراء ياء، وهو غير مَقِيْس. ومنها: أن لا اشتراك بين الذرية والذر إلا في الذال والراء، __________ (1) وقع في (ب، ت، ش) (فُعْلِيَّة) وهو خطأ، وفي (ح) تحريف. (2) انظر: الصحاح للجوهري (1/ 93) مادة (ذرأ)، ولسان العرب (1/ 80)، وتاج العروس (1/ 156). (3) في وزنها أربعة أوجه: فُعْليَّة = ذُرية، فُعِّيْلة = ذُرِّيْرة، فُعُّولة = ذُرُّورة، فُعْلولة ذرُّوة. (4) قوله (وهمزوا آخره) لا معنى له في هذا السياق، ولهذا لم يذكره في الرد على هذا الوجه. وكذلك قوله (مخالفة باب النسب) لا يوجد مخالفة، وإنما يوجد قلب الراء ياءً كما في الوجهين الأخيرين. وقوله (ومنها إبدال الراء ياء وهو غير مقيس) يصدق على الأوجه الأخرى التي لم يذكرها المؤلف. وقوله (إن الذر من المضاعف .. ) لا يستقيم إلا إذا قطع بأن الذرية لست من الذر وعلى كلٍّ كلام المؤلف يحتاج إلى تحرير أدق. (5) من (ظ، ت، ش) ووقع في (ب) (ياء).
(1/294)
وأما في المعنى فليس مفهوم أحدهما مفهوم الآخر. ومنها: أن الذر من المضاعف، والذرية من المعتل أو المهموز، فأحدهما غير الآخر. والقول الثالث: أنها من ذرا يذرو (1): إذا فرَّق، من قوله تعالى: {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: 45]، وأصلها على هذا "ذُرِّيوَة" فعلية من الذرو، ثم قلبت الواو ياءً لسبق إحداهما بالسكون. والقول الأول (2) أصح، لأن الاشتقاق والمعنى يشهد له. فإن أصل هذه المادة من الذرء، قال الله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: 11]، وفي الحديث: 281 - "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ" (3)، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأعراف: 179]، وقال تعالى: {وَمَا __________ (1) من (ح). وفي بقية النسخ وقع تحريف. (2) سقط من (ب). (3) أخرجه أحمد في المسند (3/ 419) رقم (15461)، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (637)، والبيهقي في الدلائل (7/ 95) وفي الأسماء والصفات (1/ رقم 35)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 114) وغيرهم. من طرق عن جماعة عن جعفر الضبعي عن أبي التَّيّاح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش فذكر الحديث مطولًا. وخالفهم سيار بن حاتم فرواه عن جعفر عن أبى التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش، فذكره. أخرجه أحمد (3/ 419) رقم (15460). وهذا خطأ، أعله البخاري وابن منده، والصواب الأول. وعليه فالإسناد ضعيف، للانقطاع. انظر: الإصابة لابن حجر (4/ 157).
(1/295)
ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [النحل: 13]، فالذُّرِّية فُعِّيْلَة (1) منه، بمعنى مَفْعُولة، أي: مَذْرُوْأَة (2)، ثم أبدلوا همزها فقالوا: ذُرِّيّة. المسألة الثانية: في معنى هذه اللفظة. ولا خلاف بين أهل اللغة (3) أن الذرية تقال على الأولاد الصغار، وعلى الكبار أيضًا، قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 33 - 34]، وقال: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)} [الأنعام: 87]، وقال تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} [الإسراء: 2 - 3]. وهل تقال الذرية على الآباء (4)؟ فيه قولان: أحدهما أنهم يسمون ذرية أيضًا. واحتجوا على ذلك بقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي __________ (1) سقط من (ح) وفي (ب، ت، ظ، ش) (فعلية) وهو خطأ. (2) في (ح، ش، ت) (مذروه). (3) انظر الصحاح (1/ 93) واللسان (1/ 80). (4) انظر تاج العروس (1/ 156) ط: دار الفكر.
(1/296)
الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)} [يس: 41]. وأنكر ذلك جماعةٌ من أهل اللغة، وقالوا لا يجوز هذا في اللغة، والذُّرِّيّة كالنَّسل والعقب لا يكون إلا للعمود الأسفل، ولهذا قال تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ} [الأنعام: 87]، فذكر جهات النسب الثلاث من فوق، ومن أسفل، ومن الأطراف. قالوا: وأما الآية التي استشهدتم بها فلا دليل لكم فيها، لأن الذُّرِّيَّة فيها لم تُضَفْ (1) إليهم إضافة نَسْلٍ وإيْلاَد، وإنما أضيفت إليهم بوجهٍ ما، والإضافة تكون بأدْنَى ملابسة واخْتِصَاص، وإذا كان الشَّاعر قد أضَافَ الكوكبَ في قوله (2): إِذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لاْحَ بِسَحْرةٍ ... سُهَيْل أَذاعَتْ غَزْلَها في القَرائِب فأضاف إليها الكوكب؛ لأنها كانت تغزل إذا لاح وظهر. والاسم قد يُضاف بوجهين مختلفين إلى شيئين، وَجهَةُ إضافته إلى أحدهما غيرُ جهَةِ إضافته إلى الآخر، قال أبو طالب (3) في النبي - صلى الله عليه وسلم -: لَقَدْ عَلِمُوا أنَّ ابْنَنَا لا مُكَذَّبٌ ... لَدَيْنَا ولا يُعْزَى لِقَوْلِ الأَبَاطِل فأضاف بُنُوّته (4) إليه بجهةٍ غير جِهَة إضافته إلى أبيه عبد الله، __________ (1) وقع في (ب) (يضف) بالياء، وفي (ظ، ت) غير منقوطة. (2) انظر: خزانة الأدب (1/ 497). (3) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (1/ 280). (4) في (ح) (نبوته) وهو خطأ.
(1/297)
وهكذا (1) لفظة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن الله سبحانه يُضيفه إليه تارة، كقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا} [المائدة: 15]، وتارة إلى المُرْسَل إليهم كقوله: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} [المؤمنون: 69]، فأضافه (2) سبحانه إليه إضَافَة رسولٍ إلى مُرْسِلهِ، وأضافه (3) إليهم إضافة رسولٍ إلى مرسَل إليهم. وكذا لفظ "كتابه"، فإنه يضاف إليه تارة، فيقال (4): كتاب الله. ويضاف إلى العباد تارة، فيقال: كتابنا القرآن، وكتابنا خير الكتب، وهذا كثير. فهكذا لفظ الذُّرِّيَّة، أُضِيْف إليهم بجهة غير الجهة التي أُضِيْف بها إلى آبائهم. وقالت طائفة: بل المراد جنس بني آدم، ولم يقصد الإضافة إلى الموجودين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما أُرِيْد ذُرِّيَّة الجِنْس. وقالت طائفة: بل المراد بالذرية نفسها، وهذا أبلغ في قدرته وتَعْديد نعمه عليهم، أنْ حَمَلَ دريتهم في الفُلْك في أصْلاب آبائهم، والمعنى: أنَّا حَمَلْنا الذين هم ذُرِّيّة هؤلاء وهم نُطَفٌ في أصلاب الآباء، وقد أشْبَعْنا الكلام على ذلك في كتاب "الروح والنفس" (5). __________ (1) وقع في (ب) (وهذا). (2) في (ح) (فإضافته). (3) في (ح) (وإضافته). (4) سقط من (ش، ت). (5) هو كتاب غير كتاب (الروح) المطبوع، انظر كتاب ابن قيم الجوزية، حياته وآثاره ص 161 - 162.
(1/298)
إذا ثَبَتَ هذا، فالذُّرِّيَّةُ: الأولادُ وأوْلادُهم، وهل يدخل فيها أوْلاد البَنَات؟ فيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد (1): أحدهما (2): يدخلون، وهو (3) مذهب الشافعي. والثانية: لا يدخلون، وهو مذهب أبي حنيفة. واحتجَّ مَن قال بدخولهم: بأن المسلمين مُجمعون (4) على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذُرِّية النبي - صلى الله عليه وسلم - المطلوب لهم من الله الصَّلاة، لأنَّ أحدًا مِنْ بناته لم يُعقب غيرها، فمَنِ انْتَسَب إليه - صلى الله عليه وسلم - مِن أولاد ابنته، فإنما هو من جهة فاطمة رضي الله عنها خاصَّة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحسن ابن ابنته: 282 - "إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّد" (5) فَسمَّاه ابنه. ولمَّا (6) أنزل الله سبحانه آية المُبَاهَلَة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] الآية. 283 - دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وحَسَنًا وحُسَيْنًا، وخَرَجَ للمُبَاهَلَة (7). __________ (1) سقط من (ش). (2) في (ح) (إحداهما). (3) في (ب) (وهم) وهو خطأ. (4) في (ب) (مجتمعون). (5) أخرجه البخاري في (57) الصلح (2557) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه. (6) من (ش، ت، ظ) وفي (ب) غير واضحة. (7) أخرجه مسلم في (44) فضائل الصحابة (2404) من حديث سعد بن أبي =
(1/299)
قالوا: وأيضًا فقد قال الله تعالى في حقِّ إبراهيم: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ} [الأنعام: 84 - 85]. ومعلوم أنَّ عيسى عليه الصلاة والسلام لم ينْتَسِب إلى إبراهيم إلا من جهة أُمِّه مَرْيَم عليها السلام. وأما من قال بعدم دخولهم: فَحُجَّتُه أنَّ ولَدَ البَنَاتِ إنَّما ينتسبون إلى آبائهم حقيقة، ولهذا إذا أولد (1) الهُذَليّ أو التَّيْمِيّ أو العَدَوِي هَاشِميّة لم يكن ولدها هاشميًا، فإن الولد في النسب يتبع أباه، وفي الحُرِّيَّة والرِّقّ أُمّه، وفي الدِّيْن خيرهما دِيْنًا، ولهذا قال الشاعر (2): بَنُوْنَا بَنُو أبْنَائِنَا، وبَنَاتُنا ... بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأبَاعِدِ ولو وصَّى أو وقَف على قبيلة لم يدخل فيها أولاد (3) بناتها من غيرها. قالوا: وأما دخول أولاد (4) فاطمة رضي الله عنها في ذُرية النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فَلِشَرَفِ هذا الأصل العظيم والوالد الكريم، الذي لا __________ = وقاص رضي الله عنه. (1) وقع في (ظ) (ولد) وهو خطأ. (2) البيت للفرزدق؛ انظر: خزانة الأدب (1/ 423). (3) في (ب) (أبناء). (4) سقط من (ح).
(1/300)
يُدانيه أحد من العالمين، سَرَى ونَفَذَ إلى أولاد البنات لقُوَّته وجلالته وعِظَمِ قَدْره، ونحن نرى من لا نسبة له إلى هذا الجَنَاب العظيم من العظماء والملوك وغيرهم تسْري حُرْمة إيلادهم وأبوتهم إلى أولاد بناتهم، فتلْحظهم العيون بلحْظ أبنائهم، ويكادون يضربون (1) عن ذكر آبائهم صفحًا، فما الظنُّ بهذا الإيلاد، العظيم قدره الجليل خطره؟. قالوا: وأما تَمسُّككم بدخول المسيح في ذُرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام فلا حُجَّة لكم فيه، فإن المسيح عليه السلام لم يكن له أب، فنسبه من جهة الأب مستحيل، فقامت أُمُّه مقام أبيه (ولهذا ينسبه الله سبحانه إلى أُمِّه، كما ينسب غيره من ذوي الآباء إلى أبيه) (2)، وهكذا كل من انقطع نسبه من جهة الأب، إما (3) بلعان أو غيره، قامت أُمُّه في النَّسب مقام أبيه وأمه، ولهذا تكون في هذه الحال عَصبته في أصح الأقوال، وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد رضي الله عنه، وهو مقتضى النصوص, وقول ابن مسعود (4) رضي الله عنه وغيره، والقياس يشهد له بالصحَّة؛ لأنَّ __________ (1) في (ب) (ويضربون) وهو خطأ. (2) سقط من (ح) ما بين القوسين. (3) انظر: تهذيب الفرائض لأبي الخطاب الكلوذاني ص 286. (4) أخرجه الدارمي في مسنده (4/ 1996) رقم (3145)، والبيهقي في الكبرى (6/ 258) وغيرهما. من طريق محمد بن سالم عن الشعبي عن علي وعبد الله قالا: (ولد الزنا بمنزلة ابن الملاعنة)، وسنده ضعيف. محمد بن سالم هو أبو سهل الكوفي =
(1/301)
النَّسبَ في الأصل للأب، فإذا انقطع مِن جهَته عاد إلى الأُمّ، فلو قُدِّرَ عَوْدُه مِن جهة الأب رجع من الأمّ إليه، وهكذا كما اتفق الناس عليه في الولاء أنه لموالي الأب، فإن تعذَّر رجوعه (1) إليهم صار لِمَوالي الأمّ، فإن أمكن عَوْدُه إليهم رجع من موالي الأمّ إلى مَعْدَنِهِ وَقَرارِه (2). ومعلوم أنَّ الولاء فرع على النَّسب يُحْتدْى فيه حَذوه، فإذا كان عَصَبَات الأُمّ من جهة (3) الولاء عصبات لهذا المولى الذي انقطع تَعْصِيْبه من جهة موالي أبيه؛ فلأن تكون عصبات الأُمّ من النَّسب عصبات لهذا الولد الذي انقطع تعصيبه من جهة أبيه بطريق الأولى، وإلَّا فكيف يثبت هذا الحكم في الولاء ولا يثبت في النسب الذي غايته أن يكْون مُشَبَّهًا به ومُفَرَّعًا عليه؟! وهذا مِما يَدلُّ على أنَّ القياس الصحيح لا يفارق النَّص أصلًا، ويَدُلُّك على عُمْق عِلْم الصحابة رضي الله عنهم، وبلوغهم في العلم إلى غايةٍ يَقْصُر عن نيْلها السُّبَّاق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم (4). __________ = ضعيف، وبعضُهم يضعِّفه جدًا. انظر: تهذيب الكمال (25/ 238 - 242). (1) في (ظ) (رجوعهم). (2) انظر المغني لابن قدامة (9/ 228 - 229). (3) سقط من (ظ، ت، ج، ح) قوله (جهة). (4) كأنَّ المؤلف يميل إلى القول بعدم دخول أولاد البنات عدا أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(1/302)
الفصل الخامس (1) في ذكر إبراهيم خليل الرحمن - صلى الله عليه وسلم - وهذا الاسم من النَّمَط المتقدم، فإن إبراهيم بالسِّرْيانية معناه "أبٌ رحيم". والله سبحانه وتعالى جعل إبراهيم الأب الثالث للعالم (2)، فإن أبانا الأول آدم عليه السلام، والأب الثاني نوح عليه السلام، وأهل الأرض كلهم من ذُرِّيته، كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} [الصافات: 77]، وبهذا يتبين كَذِب المفترين من العَجَمِ الذين يزعمون أنهم لا يعرفون نوحًا عليه السلام ولا ولده، ولا ينتسبون (3) إليه، وينسبون (4) ملوكهم من آدم إليهم، ولا يذكرون نوحًا عليه السلام في أنسابهم، وقد أكذبهم الله عز وجل في ذلك. فالأب (5) الثالث أبو (6) الآباء وعمود العالم، وإمام الحُنَفاء __________ (1) وقع في (ت) (فصل) بدلًا من (الفصل الخامس). (2) في (ب) (في العالم). (3) في (ح) (ينسبون). (4) في (ب) (وينتفون) وفي (ش، ت، ظ) غير منقوطة. (5) من (ح) وفي باقي النسخ (والأب). (6) من (ظ، ت) ووقع في (ب، ش، ح) (أب).
(1/303)
الذي اتخذه الله خليلًا، وجعل النُّبُوة والكتاب في ذُرِّيته، ذاك خليل الرحمن، وشيخ الأنبياء كما سمَّاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فإنه لما دخل الكعبة وجد المشركين قد صوروا فيها صورته، وصورة إسماعيل ابنه وهما يستقسمان بالأزلام، فقال: 284 - "قاتلهم الله، لقد علموا أن شيخنا لم يكن يستقسم بالأزلام" (1) ولم يأمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يتبعِ مِلَّة أحد من الأنبياء غيره، فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]، وأمر أُمَّته بذلك فقال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]، "ومِلّةَ" منصوب على إضمار فعل، أي: اتبعوا والزموا ملة إبراهيم، ودل على المحذوف ما تقدم من قوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78]، وهذا هو الذي يقال له: الإغراء. وقيل: منصوب انتصاب المصادر، والعامل فيه مضمون ما تقدم قبله؛ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي أصحابه إذا أصبحوا وإذا أمسوا أن يقولوا (2): __________ (1) أخرجه البخاري في (64) الأنبياء (3173 و 3174) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ولم أقف على لفظة (شيخنا) فلتنظر. (2) أخرجه أحمد في مسنده (3/ 406، 407)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (1، 2, 345) وغيرهما، وسنده صحيح. وقد وقع فيه اختلاف. والحديث صححه النووي والعراقي وحسنه ابن حجر والسيوطي وغيرهم. انظر: الأذكار رقم (234)، والفتوحات الربانية (3/ 126)، ونتائج =
(1/304)
285 - "أصْبَحْنَا على فِطْرةِ الإسْلام وكَلِمَة الإخْلاص، ودِيْنِ نَبِيِّنا مُحمَّدٍ، ومِلّة أبِيْنا إبْراهِيْم حَنِيْفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكين". وتأمَّل هذه الألفاظ كيف جعل الفطرة للإسلام، فإنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وكلمة الإخلاص هي: شهادة أن لا إله إلا الله، والمِلَّة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فإنه صاحب الملة، وهي التوحيد وعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ومحبته فوق كل محبة. والدين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو دينه الكامل وشرعه التَّام الجامع لذلك كله. وسَمَّاه الله سبحانه: إمَامًا، وأُمَّة، وقانتًا، وحنيفًا. وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)} [البقرة: 124]، فأخبر سبحانه أنه جعله إمامًا للناس، وأنَّ الظَّالم من ذُرِّيته لا ينال رُتْبة الإِمَامَة، والظَّالم هو المشرك، وأخبر سبحانه أنَّ عَهْدَه بالإمَامة لا ينالُ من أشرك به، قالى تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)} [النحل: 120 - 122]. فالأُمَّة هو: القدوةُ المعلِّم للخير، والقانتُ: المطيعُ لله تعالى الملازمُ لطاعته، والحنيفُ: المقبلُ على الله تعالى، المعْرض عَمَّا __________ = الأفكار (2/ 379).
(1/305)
سواه، ومَنْ فَسَّره بالمائل فلم يُفسِّره بنفس موضوع اللفظ، وإنما فسَّره بلازم المعنى، فإنّ الحنف هو الإقبال، ومن أقبل على شيء مال عن غيره، والحنف في الرِّجْلَين هو إقبال إحداهما (1) على الأخرى، ويلزمه ميلها عن جهتها. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، فحنيفًا هو حال مفردة (2) لمضمون قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ}، ولهذا فُسِّرت "مخلصًا"، فتكون الآية قد تضمنت الصدق والإخلاص، فإن إقامة الوجه للدين هو: إفراد طلبه بحيث لا يبقى في القلب إرادة لغيره، والحنيف: المُفْرِدُ لمعبوده لا يريد غيره. فالصدق أن لا ينقسم طلبك، والإخلاص (3) أن لا ينقسم مطلوبك، الأول: توحيد الطلب، والثاني: توحيد المطلوب. والمقصود: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أبونا الثالث، وهو إمام الحنفاء، وتسميه أهل الكتاب عمود العالم، وجميع أهل الملل مُتَّفِقَة على تعظيمه وتولِّيْه ومَحَبَّته. وكان خير بنيه سيد ولد آدم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - يُجلّة ويُعظّمه ويُبجّله ويحترمه. __________ (1) في (ب) (أحدهما). (2) من (ح) وفي (ب) (مقرّة) وهو خطأ، ووقع في (ش، ت، ظ، ج) (مُقَدَّرة). (3) في (ظ، ت، ج) (والإفراد).
(1/306)
286 - ففي "الصحيحين" (1): من حديث المختار بن فُلْفُل، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، قال: جَاءَ رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خَيْرَ البَرِيَّة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَاْكَ إبْراهِيْم". وسماه شيخه، كما تقدم. 287 - وثبت في "صحيح البخاري" (2) من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "إنَّكم مَحْشُورُون حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)} [الأنبياء: 104]، وأوَّل مَنْ يُكْسَى يومَ القيامةِ إبْرَاهِيْم". 288 - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشبه الخلق به، كما في "الصحيحين" (3)، عنه قال: "رأيتُ إبراهيْمَ فإذا أقْرب النَّاس شَبَهًا به صَاحِبكم" يعني نَفْسَهُ - صلى الله عليه وسلم -، وفي لفظ آخر: "فَانْظُروا إلى صاحِبِكم" (4). __________ (1) أخرجه مسلم في (43) في الفضائل (2369) ولم يخرجه البخاري. انظر: تحفة الأشراف (1/ 402) رقم (1574). (2) أخرجه البخاري في (64) الأنبياء (3171)، ومسلم في (51) الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2860) من حديث. (3) أخرجه مسلم في (1) الإيمان (167) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (4) أخرجه البخارى في (64) الأنبياء (3177)، ومسلم في (1) الإيمان (166) (270).
(1/307)
وكان - صلى الله عليه وسلم - يعوذ أولاد ابنته حسنًا وحسينًا رضي الله عنهما بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق صلى الله عليهم وسلم. 289 - ففي "صحيح البخاري" (1): عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوذ الحسن والحسين ويقول: "إنَّ أبَاكُمَا كانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيْل وإسْحَاق: أعُوْذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّة، مِنْ كُلِّ شَيْطَان وَهَامَّة، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّة". وكان - صلى الله عليه وسلم - أول من قرى الضيف، وأول من اختتن، وأول من رأى الشيب. فقال: ما هذا يا رب؟ قال: وقار. قال: رب زدني وقارًا (2). __________ (1) أخرجه البخاري في (64) الأنبياء (3191). (2) أخرجه مالك في الموطأ رقم (2668 - رواية يحيى الليثي، 980 - ورواية الشيباني- وغيرهما) وابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 247) رقم (35727 و 35728) وغيرهما تامًا - وزاد في الموطأ - (وأول الناس قصَّ شاربه). وسنده صحيح إلى سعيد بن المسيب. وقد رويت الجملة الأولى والثانية- من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وفي ثبوتها نظر. تفرد بها محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا فذكره. أخرجه ابن أبي عاصم في الأوائل رقم (18) والطبراني في الأوائل (11210) والبيهقي في شعب الإيمان- من طريق ابن أبي الدنيا- قِرى الضيف- (17/ 106) رقم (9170) وغيرهم. وقد اضطرب محمد بن عمرو في لفظة (- أول من اختتن إبراهيم .. ). انظر مسند أبي يعلى (10/ 384) رقم (5981) وتاريخ دمشق لابن عساكر=
(1/308)
وتأمَّل ثناء الله سبحانه عليه في إكرام ضيفه من (1) الملائكة حيث يقول سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} [الذاريات: 24 - 27]، ففي هذا ثناء على إبراهيم من وجوه متعددة: أحدها: أنه وصف ضيفه بأنهم مكرمون. وهذا على أحد القولين أنه إكرام إبراهيم لهم (2)، والثاني: أنهم المكرمون عند الله سبحانه، ولا تنافي بين القولين، فالآية تدل على المعنيين. الثاني: قوله تعالى: {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} فلم يذكر استئذانهم، ففي هذا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد عُرِف بإكرام الضّيْفان، واعتياد قِراهُم، فبقي منزل فضيفه مطروقًا لمن ووده، لا يحتاج إلى الاستئذان، بل استئذان الداخل دخوله، وهذا غاية ما يكون من الكرم. الثالث: قوله لهم (3): {سَلَامٌ} الرفع، وهم سَلَّمُوا عليه بالنَّصب. والسلام بالرفع أكمل فإنه يَدُلُّ على الجُمْلة الإسْمِية الدَّالة __________ = (6/ 197). والمحفوظ عن غير واحد عن أبي هريرة (اختتن إبراهيم ... ) بدون ذكر الأوَّليَّة. (1) سقط من (ح) (من). (2) سقط من (ب، ح، ش). (3) سقط من (ح).
(1/309)
على الثُّبوت والتَّجَدُّد (1)، والمنصوب يدُلّ على الفِعْليّة الدَّالة على الحُدُوث والتَّجدُّد (2)، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام حَيَّاهم بتحيَّة أحْسَن من تحيَّتهم، فإنَّ قولهم: {سَلَامًا} يدل على سَلَّمْنَا سَلاَمًا، وقوله: {سَلَامٌ} أي: سَلامٌ عليكم. الرابع: أنه حذف المبتدأ من قوله: {قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)} فإنه لمَّا أنكرهم ولم يعرفهم احْتَشَم من مواجهتهم بلفظ ينفِّر الضيف لو قال: أنتم قوم منكرون، فَحَذْفُ المبتدأ هنا مِن ألْطف الكلام. الخامس: أنه بنى الفعل للمفعول، وحذف فاعله، فقال: {مُنْكَرُونَ (25)} ولم يقل إني أنكركم، وهو أحسن في هذا المقام وأبعد من التَّنفِيْر والمواجهة بالخشونة. السادس: أنه راغ إلى أهله ليجيئهم بِنُزُلهِم، والرَّوَغَان هو الذهاب في اختفاء بحيث لا يكاد يشعر به الضيف، وهذا من كرم ربِّ المنزل المضيف؛ أن يذهب في اختفاء بحيث لا يشعر به الضيف (3)، فيشقّ عليه ويستحي، فلا يشعر به إلا وقد جاءه بالطعام، بخلاف من يُسْمِعُ ضيفه ويقول له، أو لمن حضر: مكانكم حتى آتيكم بالطعام ونحو ذلك مما يوجب حياء الضيف واحتشامه. __________ (1) سقط من (ب). (2) سقط من (ظ، ت، ج) من (والمنصوب) إلى (والتجدد). (3) سقط من (ب، ش) (الضيف)، وسقط من (ت، ظ، ج) من قوله (وهذا من كرم) إلى (لا يشعر به الضيف).
(1/310)
السابع: أنه ذهب إلى أهله فجاء بالضِّيافة، فدلَّ على أنَّ ذلك كان مُعدًّا عندهم مهيَّأ للضيفان، ولم يحتج أن يذهب إلى غيرهم من جيرانه، أو غيرهم فيشتريه أو يستقرضه. الثامن: قوله: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)} دلَّ على خدمته للضيف بنفسه، ولم يقل فأمر لهم، بل هو الذي ذهب وجاء به بنفسه، ولم (1) يبعثه مع خادمه، وهذا أبلغ في إكرام الضيف. التاسع: أنه جاء بعجل كامل، ولم يأت ببضعة (2) منه، وهذا من تمام كرمه - صلى الله عليه وسلم -. العاشر: أنه سَمِيْن لا هزيل، ومعلوم أن ذلك من أفخر أموالهم، ومثله يُتَّخَذ للاقتناء والتَّربية، فآثر به ضيفانه. الحادي عشر: أنه قربه إليهم (3) بنفسه، ولم (4) يأمر خادمه بذلك. الثاني عشر: أنه قربه إليهم ولم يقربهم إليه، وهذا أبلغ في الكرامة، أن يجلس (5) الضيف، ثم يقرب الطعام إليه، ويحمله (6) إلى __________ (1) في (ش) (ولم يقل: بعثه). (2) في (ب) (بنصفه). (3) سقط من (ب)، (إليهم)، وسقط من (ج) (بنفسه). (4) في (ب، ش) (لم) بدون واو قبلها. (5) في (ب) (تجلس) في (ظ، ت) غير منقوطة. (6) في (ب) (وتحمله) في (ظ، ت) غير منقوطة.
(1/311)
حضرته، ولا تضع الطعام في ناحية، ثم تأمر ضيفك بأن يتقرب إليه. الثالث عشر: أنه قال: {أَلَا تَأْكُلُونَ (27)} وهذا عرض وتلطُّف في القول، وهو أحسن من قوله: كلوا، أو مُدُّوا أيديكم، ونحوها، وهذا مِمَّا يعلم الناس بعقولهم حُسْنه ولطفه، ولهذا يقولون: بسم الله، أو ألا تتصدَّق، أو ألا تجبر، ونحو ذلك. الرابع عشر: أنه إنما عرض عليهم الأكل؛ لأنه رآهم لا يأكلون، ولم يكن ضيوفه يحتاجون معه إلى الإذن في الأكل، بل كان إذا قدم إليهم الطعام أكلوا، وهؤلاء الضيوف لما امتنعوا من الأكل قال لهم: ألا تأكلون، ولهذا أوْجَسَ منهم خِيْفَة، أي: أحسَّها وأضْمَرها في نفسه، ولم يُبْدِها لهم، وهو الوجه. الخامس عشر: فإنهم لما امتنعوا من الأكل لطعامه خاف من أن يظهر لهم ذلك، فلمَّا علمت الملائكة منه ذلك، قالوا: لا تخف، وبَشَّرُوه بالغلام. فقد جمعت هذه الآية آداب الضِّيافة التي هي أشرف الآداب، وما عداها من التكلُّفات التي هي تخلُّف (1) وتكلف إنما هي من أوضاع الناس وعوائدهم، وكفى بهذه الآداب شرفًا وفخرًا، فصلى الله على نبينا، وعلى إبراهيم وعلى آلهما وعلى سائر النبيين. وقد شهد الله سبحانه بأنه وفَّى ما أُمِرَ به فقال تعالى: {أَمْ لَمْ __________ (1) وقع في نسخة (ظ) من حاشية (ب) (تصلف).
(1/312)
يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)} [النجم: 36 - 37]. 290 - قال ابن عباس رضي الله عنه: "وفَّى جميع شرائع الإسلام، ووفَّى ما أمر به من تبليغ الرسالة" (1). وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]، فلمَّا أتمَّ ما أُمِر به من الكلمات جعله الله إمامًا للخلائق يأتمُّون به. وكان - صلى الله عليه وسلم - كما قيل: قَلْبُهُ للرحمن، وولده للقُرْبان، وبَدَنه للنِّيْران، وماله للضِّيفان. ولمَّا اتخذه ربه خليلًا -والخُلَّة هي كمال المحبة، وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة، وكان قد سأل ربه أن يهب له ولدًا صالحًا، فوهب له إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فغار الخليل (2) على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره، فامتحنه بذبحه؛ ليظهر سرُّ الخُلَّة في تقديمه محبَّة خليله على محبَّة ولده، فلمَّا اسْتَسْلم لأَمر ربه وعزم على فعله وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارًا لمحبة خليله على محبته، نسخ (3) الله تعالى ذلك عنه وفداه بالذِّبْحِ العظيم، لأنَّ المَصْلحة في الذَّبْح كانت __________ (1) أخرجه الطبري فى تفسيره (27/ 73) عن ابن عباس بمعناه وسنده ضعيف جدًا. وثبت نحوه عن مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة. (2) في (ب) (الجليل)، وفي (ظ، ت) غير منقوطة. (3) في (ح) (فسخ).
(1/313)
ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أُمِرَ به، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح في نفسه (1) مفسدة، فنسخ في حقه، وصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضَّحايا سُنَّة في أتْبَاعه إلى يوم القيامة. وهو الذي فتح للأُمَّة باب مناظرة المشركين وأهل الباطل، وكَسْر حُجَجِهم، وقد ذكر الله سبحانه مناظرته في القرآن مع إمام المعطلِيْن، ومناظرته مع قومه المشركين، وكَسْرَ حُجَج الطائفتين بأحسن مناظرة، وأقربها إلى الفهم وحصول العلم. قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [الأنعام: 83]، قال زيد بن أسلم وغيره: 291 - "بالحجة والعلم" (2). ولما غُلِبَ أعداءُ الله معه بالحُجَّة، وظهرت حُجَّته عليهم، وكَسَرَ أصنامهم، فكَسَرَ حُجَجَهم ومعبودهم، همُّوا بعقوبته وإلقائه في النار، وهذا شأن المبطلين إذا غُلِبُوا وقامت عليهم الحجة هموا بالعقوبة، كما قال فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام وقد أقام عليه الحجة: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29]، فأضرموا له النار وألقوه __________ (1) من (ب) قوله (في نفسه) وفي (ش، ت، ظ) (نفسه). (2) أخرجه ابن وهب في التفسير من "جامعه" (2/ رقم 274) عن زيد بن أسلم قال: "بالعلم"، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ رقم 7550) وسنده صحيح، ولفظه (إنه العلم، يرفع الله به من يشاء في الدنيا). وانظر: تفسير الطبري (7/ 259).
(1/314)
في المنجنيق، فكانت تلك السَّفْرة من أعظم سفرة سافرها وأبركها عليه، فإنه ما سافر سفرةً أبرك ولا أعظم ولا أرفع لشأنه وأقرّ لعينه منها، وفي تلك السفرة عرض له جبريل بين السماء والأرض فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا (1). 292 - قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: 173]، "قالها نبيكم، وقالها إبراهيم حين ألقي في النار" (2)، فجعل الله سبحانه عليه النار بردًا وسلامًا. 293 - وقد ثبت في "صحيح البخاري" (3): من حديث أم شَرِيْك أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ بِقَتْل الوَزغَ وقال: "كانت تنفُخُ عَلَى (4) إبْراهِيْم". وهو الذي بنى بيت الله وأذَّنَ في الناس بحجِّه؛ فكل مَنْ حَجَّه واعْتَمره حصل لإبراهيم من مزيد ثواب الله تعالى وإكرامه بعدد الحُجَّاج والمعتمرين، قال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]. __________ (1) أخرجه الطبري في تفسيره (17/ 45) مقطوعًا. (2) أخرجه البخاري في (68) التفسير/ آل عمران (4287). (3) في (64) الأنبياء (3180)، ومسلم في (39) السلام (2237). (4) وقع في نسخة (ظ) على حاشية (ب) (نار) بدلًا عن (على)، وفي (ت، ج) (تنفخ النار على ... ) وهي غير موجودة في البخاري.
(1/315)
294 - قال ابن عباس (1) رضي الله عنه: يثوبون إليه، ولا يقضون منه وطرا" (2)، {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، فأمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأُمَّته أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى تحقيقًا للاقتداء به وإحْياءِ آثارِه صلى الله على نبينا وعليه وسلم. ومناقب هذا الإمام الأعظم (3) والنَّبيّ الأكرم - صلى الله عليه وسلم - أجلُّ من أن يُحيط بها كتاب، وإنْ مَدَّ الله في العمر أَفردنا كتابًا في ذلك يكون قطرة في بحر فضائله أو أقلّ، جعلنا الله تعالى مِمَّن ائتمَّ به، ولا جعلنا مِمَّن عَدَلَ عن مِلَّته بمنِّه وكرمه. وقد روى لنا عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا وقع لنا متصل الرواية إليه. 295 - رُوِّيْنَاهُ في كتاب الترمذي وغيره (4) وغيره: من حديث __________ (1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (البقرة/ رقم (1200). وظاهر سنده حسن، وهو من قول مجاهد أصح. انظر: تفسير الطبري (1/ 533)، وأخرجه الطبري (1/ 534) وسنده حسن. وليس فيه (ولا يقضون منه وطرًا). (2) سقط من (ح) من قوله (قال ابن عباس) إلى (وطره). (3) في (ب) (أعظم). (4) أخرجه الترمذي (3462)، والطبراني في الصغير (1/ 326) رقم (539) من طريق سيَّار عن عبد الواحد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم به، وقال حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. قلت: وهذا منكر رفعه، تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق، وهو متفق على ضعفه. قال أبو حاتم: "هكذا رواه سيار. وغيره يقول عن القاسم عن أبيه: هذا الصحيح مرسل". راجع تتمة الكلام في علل ابن أبي حاتم (2/ 170 - 171). وورد من حديث أبي أيوب الأنصاري، ولكن فيه "غراسها لا حول ولا =
(1/316)
القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر"، قال الترمذي: هذا حديث حسن. __________ = قوة إلا بالله". أخرجه ابن حبان (3/ 103) رقم (1، 8) وغيره، وحسنه ابن حجر في النتائج (1/ 101) وغيره، وفيه عبد الله بن عبد الرحمن، لم يوثقه إلا ابن حبان (7/ 1) ففيه جهالة. * وورد من حديث ابن عمر: عند الطبراني في الكبير (12/ 364) وغيره* ويخشى أنه من منكرات: عقبه بن علي. انظر الضعفاء الكبير للعقيلي (3/ 352) وأيضًا: ليس في متنه: (سبحان الله والله أكبر).
(1/317)
الفصل السادس في ذكر المسألة المشهورة بين الناس وبيان ما فيها (1) وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إبراهيم، فكيف طلب له - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة ما لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، مع أن المشبَّه به أصله أن يكون فوق المشبَّه؟ فكيف الجمع بين هذين الأمرين المتنافيين (2)؟. ونحن نذكر ما قاله الناس في هذا، وما فيه من صحيح وفاسد. * فقالت طائفة: هذه الصلاة علَّمها النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أُمَّته قبل أن يعرف أنَّه سَيِّد ولد آدم. ولو سكت قائل هذا لكان أولى به وخيرًا له، فإنَّ هذه هي الصلاة التي علَّمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها لما سألوه عن تفسير {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، فعلمهم هذه الصلاة وجعلها مشروعة في صلوات الأُمَّة إلى يوم القيامة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يَزَلْ أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده. وبعد أن عَلِمَ بذلك (3)، لم يُغيِّر نظم __________ (1) سقط من (ب) (وبيان ما فيها). (2) في (ب) (المنافين) وهو خطأ. (3) سقط من (ب) (وبعدَه، وبعد أن علم بذلك).
(1/318)
الصلاة التي عَلَّمَها أمته، ولا أبدلها بغيرها، ولا روى عنه أحد خلافها، فهذا من أفسد جواب يكون. * وقالت طائفة أخرى: هذا السؤال والطلب شُرِع لِيتَّخذه الله خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، وقد أجابه الله تعالى (1) إلى ذلك. 296 - كما ثبت عنه (2) في "الصحيح" (3): "أَلاَ وَإنَّ صَاحِبَكم خَلِيلُ الرَّحْمَنِ" يعني نفسه. وهذا الجواب من جنس ما قبله؛ فإن مضمونه: أنه بعد أن اتخذه الله خليلًا، لا تُشرَع الصلاة عليه على هذا الوجه، وهذا من أبطل الباطل. * وقالت طائفة أخرى: إنما هذا التَّشبيه راجع إلى المُصَلِّي فيما يحصل له من ثواب الصَّلاة عليه، فطلب من ربه تعالى ثوابًا، وهو أن يصلي عليه كما صلى على آل إبراهيم، لا بالنسبة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن المطلوب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن الصَّلاة أجل وأعْظَمُ ممّا هو حاصل لغيره من العالمين. وهذا من جنس ما قبله، أو أفسد، فإن التشبيه ليس فيما يحصل للمصلِّي، بل فيما يحصل للمصلَّى عليه، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - __________ (1) من (ب) فقط قوله (تعالى). (2) سقط من (ظ، ت) (كما ثبت عنه)، وفي (ج) طمس من الأصل. (3) أخرجه مسلم في صحيحه في (44) فضائل الصحابة (2383) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(1/319)
وآله، فمن قال: إن المعنى اللهم أعطني من ثواب صلاتي عليه كما صليت على آل إبراهيم، فقد حَرَّف الكلم، وأبطل في كلامه. ولولا أن هذه الوجوه وأمثالها قد ذكرها بعض الشُّرَّاح وسَوَّدُوا بها الطُّروس (1)، وأوهموا الناس أن فيها تحقيقًا، لكان الإضراب عنها صفحًا أولى من ذكرها، فإنَّ العالم يستحيي من التَّكلم على هذا والاشتغال بردِّه. * وقالت طائفة أخرى: التشبيه عائد إلى الآل فقط، وتَمَّ الكلام عند قوله: "اللهم صل على محمد"، ثم قال: ""وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم"، فالصلاة المطلوبة لآل محمد هي المشبَّهة بالصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، وهذا نقله العِمْراني (2) عن الشافعي. وهو باطل عليه قطعًا، فإن الشافعي أجلُّ من أن يقول مثل هذا، ولا يليق هذا بعلمه وفصاحته، فإن هذا في غاية الرَّكاكة والضَّعف (3). __________ (1) جمع طِرْس، وهي الصحيفة. انظر: اللسان (6/ 121) مادة: طرس. (2) هو أبو الحسن يحيى بن أبي الحسن العِمْراني، شيخ الشافعية في اليمن، (ت: 578 هـ). طبقات فقهاء اليمن للجعدي ص 174. وانظر البيان للعمراني (2/ 245). (3) قال ابن حجر: "وليس التركيب المذكور بركيك ... " لكن تعقبه الزركشي. انظر فتح الباري (11/ 165)، والقول البديع للسخاوي ص 84.
(1/320)
وقد تقدم في كثير من أحاديث الباب: "اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم"، وقد تقدمت الأحاديث بذلك (1). وأيضًا فإنه لا يَصحُّ من جهة العربيّة، فإن العامل إذا ذُكِر معموله وعطف عليه غيره، ثم قُيِّد بظرف، أو جار ومجرور، أو مصدر أو صفة مصدر، كان ذلك راجعًا إلى المعمول وما عطف، عليه، هذا الذي لا تحتمل (2) العربية غيره، فإذا قلت: جاءني زيد وعمرو يوم الجمعة، كان الظرف مقيدًا لمجيئهما، لا لمجيء عمرو وحده، وكذلك إذا قلت: ضربت زيدًا وعَمْرًا ضربًا مؤلمًا، أو أمام الأمير، أو سَلَّم عليَّ زيد وعمرو يوم الجمعة ونحوه. فإن قلت: هذا متوجِّه إذا لم يَعد العامل، فأما إذا أُعِيد العامل حَسُن ذلك، تقول: سَلِّم على زيد وعلى عمرو إذا لقيته، لم يمتنع أن يختصَّ ذلك بعمرو، وهنا قد أُعِيْد العامل في قوله: "وعلى آل محمد". قيل" هذا المثال ليس بمطابق (3) لمسألة الصلاة، وإنما المطابق أن نقول: سلِّم على زيد وعلى عمرو، كما تُسلِّم على المؤمنين، ونحو ذلك، وحينئذ فادِّعَاء أن التَّشبيه لِسَلامِه على عمرو وحْده دون زيد دعوى باطلة. __________ (1) سقط من (ب). (2) وقع في (ب) (لا تحتمل عليه العربية غيره). (3) في (ب، ش) (قيل: ليس هذا المثال بمطابق).
(1/321)
* وقالت طائفة أخرى: لا يلزم أن يكون المشبَّه به أعلى من المشبَّه، بل يجوز أن يكونا متماثلين، وأن يكون المشبَّه (1) أعلى من المشبه به. قال هؤلاء: والنبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - من وجوه غير الصلاة، وإن كانا متساويين في الصلاة. قالوا: والدليل على أن المشبَّه قد يكون أفضل من المشبَّه به قول الشاعر (2): بَنُونَا بَنُو أبْنَائِنا، وبَنَاتُنَا ... بَنُوهُنَّ أبْنَاءُ الرِّجَالِ الأبَاعِدِ وهذا القول أيضًا ضعيف من وجوه: أحدها: أن هذا خلاف المعلوم من قاعدة تشبيه الشيء بالشيء، فإن العرب لا تشبه الشيء إلا بما (3) هو فوقه. الثاني: أن الصلاة من الله تعالى من أجلِّ المراتب وأعلاها، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق (4)، فلا بدَّ أن تكون الصلاة الحاصلة له أفضل من كل صلاة تحصل لكلِّ (5) مخلوق، فلا يكون غيره مساويًا له فيها. الثالث: أن الله سبحانه أمر بها بعد أنْ أخبر أنه وملائكته __________ (1) سقط من (ب) من قوله (به أعلى) إلى (يكون المشبه). (2) تقدم ص (290). (3) في (ب) (بمن). (4) في (ب) (الخلائق). (5) في (ب) (من كل).
(1/322)
يُصلُّون عليه (1)، فأمر (2) بالصَّلاة والسلام عليه، وأكَّدَه بالتسليم، وهذا الخبر والأمر لم يثبتهما في القرآن لغيره من المخلوقين. 297 - الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وملائكته يصلون على معلِّم الناس الخير" (3)، وهذا لأن بتعليمهم الخير قد أنقذوهم من شرِّ الدنيا والآخرة، وتسبَّبُوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم، وذلك سبب دخولهم في جملة المؤمنين الذين يصلي عليهم الله وملائكته. فلما تسبَّب مُعلِّموا الخير إلى صلاة الله وملائكته على مَنْ يُعلِّم منهم، صلى الله عليهم وملائكته، ومن المعلوم أنه لا أحد من معلمي الخير أفضل ولا أكثر تعليمًا من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أنصح لأُمَّته، ولا أصبر على تعليمه منه، ولهذا نال أُمَّته من تعليمه لهم مالم تنله أُمَّة من الأُمَمِ سِواهم، وحصل للأُمَّة من تعليمه - صلى الله عليه وسلم - (4) من العلوم النافعة والأعمال الصالحة ما صارت به خير أمة أخرجت للعالمين (5)، فكيف تكون (6) الصلاة على هذا الرسول المُعَلِّم للخير - صلى الله عليه وسلم - مساوية للصلاة على مَنْ لم يماثله في هذا التعليم؟. __________ (1) سقط من (ظ، ت، ج) (عليه). (2) في (ح) (وأمر). (3) أخرجه الترمذي (2685)، والطبراني في الكبير (8/ 278) رقم (7912) وغيرهما ورفعه خطأ، والصواب عن مكحول مرسلًا. أخرجه الدارمي في مسنده (1/ 334) رقم (297) وغيره. (4) وقع في (ت، ظ، ش، ح) (تعليمهم). (5) في (ح) (للناس). (6) سقط من (ظ).
(1/323)
وأما استشهادهم بقول الشاعر على جواز كون المشبّه أفضل من المشبه به (1) فلا يَدلُّ على ذلك، لأن قوله: "بنونا بنو أبنائنا" إما أن يكون المبتدأ فيه مؤخَّرًا والخبر مُقدَّمًا، ويكون قد شَبَّه بني أبنائه ببنيه، وجاز (2) تقديم الخبر هنا (3) لظهور المعنى، وعدم وقوع اللَّبْس؛ وعلى هذا فهو جار على أصل التشبيه. وإما أن يكون من باب عكس التشبيه، كما يُشَبَّه القمر بالوجه الكامل في حسنه، ويُشَبَّه الأسد بالكامل في شجاعته، والبحر بالكامل في جُوْده، تنزيلًا لهذا الرجل منزلة الأصل المشبه به، وتنزيلًا للقمر، والأسد، والبحر، منزلة (4) الفرع المشبه. وهذا يجوز إذا تضمَّن عكس التشبيه مثل هذا المعنى. وعلى هذا فيكون هذا الشاعر قد نَزَّلَ بنى أبنائه منزلة بنيه، وأنهم فوقهم عنده ثُمَّ شَبَّه بنيه بهم، وهذا قول طائفة من أهل المعاني. والذي عندي فيه: أنَّ الشَّاعر لم يرد ذلك، وإنما أراد التَّفْريق بين بني (5) بنيه وبني (6) بناته، فأخبر أن بني بناته تبع لآبائهم، ليسوا بأبناء لنا، وإنما أبناؤنا بنو أبنائنا، لا بنو بناتنا، فلم يرد تشبيه بني بنيه ببنيه، ولا عكسه، وإنما أراد ما ذكرنا من المعنى، وهذا __________ (1) في جميع النسخ (المشبه به أفضل من المشبه)، لكن ليس في (ب) (به). (2) في (ب، ش) (وكان). (3) في (ب، ش) (لها). (4) سقط من (ظ) من قوله (الأصل) إلى (منزلة). (5) سقط من (ح) (بني). (6) في (ظ) (وبين).
(1/324)
ظاهر. * وقالت طائفة أخرى: إنَّ (1) النبي - صلى الله عليه وسلم - له من الصَّلاة الخاصة به التي لا يساويها صلاة ما لم يشركه فيها أحد، والمسؤول له إنما هو صلاة زائدة على ما أُعْطِيْه مضافًا إليه، ويكون ذلك الزائد مُشَبّهًا بالصلاة على إبراهيم، وليس بمستنكر أن يسأل للفاضل فضيلة أعطيها المفضول مُنْضَمًّا إلى ما اختصَّ به هو من الفضل الذي لم يحصل لغيره. قالوا: ومثال ذلك: أن يعطي السلطان رجلًا مالًا عظيمًا، ويعطي غيره دون ذلك المال، فيسأل السلطان أن يُعْطِيَ صاحب المال الكثير مثل ما أعطى من هو دونه؛ لينضم ذلك إلى ما أُعطيه، فيحصل له من مجموع العطاءين أكثر مما يحصل من الكثير وحده. وهذا أيضًا ضعيف؛ لأن الله تعالى أخبر أنه وملائكته يُصلُّون عليه، ثم أمر بالصَّلاة عليه، ولا ريب أن المطلوب من الله هو نظير (2) الصلاة المخبر بها، لا ما هو دونها، وهو أكمل الصلاة عليه وأرجحها، لا الصلاة المرجوحة (المفضولة. وعلى قول هؤلاء: إنما يكون الطَّلب لصلاة مرجوحة) (3) لا راجحة، وإنما تصير راجحة بانضمامها إلى صلاة لم تطلب، ولا __________ (1) سقط (إنّ) من (ب، ح، ش). (2) تكررت في (ظ) (نظير). (3) سقط من (ب، ش) ما بين القوسين.
(1/325)
ريب في فساد ذلك، فإن الصلاة التي تطلبها الأمة له - صلى الله عليه وسلم - من ربه هي أجلُّ صلاةٍ وأفضلها. * وقالت طائفة أخرى: التشبيه المذكور إنما هو في أصْل الصَّلاة، لا في قَدْرِها، ولا في كَيْفِيَّتها، فالمسؤول إنما هو (1) راجع إلى الهيئة، لا إلى قدر (2) الموهوب. وهذا كما تقول للرجل: أحسن إلى ابنك كما أحسنت إلى فلان، وأنت لا تريد بذلك قدر الإحسان، وإنما تريد به (3) أصل الإحسان. وقد يُحْتَجُّ لذلك بقوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77]، ولا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بقدر ما أحسن الله تعالى إليه، وإنما أريد به أصل الإحسان، لا قدره، ومنها قولة تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163]، وهذا التشبيه في أصل الوحي، لا فى قدره وفضل (4) الموحى به، وقوله تعالى: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5)} [الأنبياء: 5]، إنما مرادهم جنس الآية لا نظيرها. وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: 55]، ومعلوم أنَّ كَيْفِيَّة الاستخلاف مختلفة، وأن ما لهذه الأُمَّة أكمل مِمَّا لغيرهم. __________ (1) سقط من (ب). (2) في (ب) (القدر). (3) سقط من (ب). (4) في (ب، ش) (والفضيلة).
(1/326)
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، والتشبيه إنما هو في أصل الصوم، لا في عَيْنِهِ وقَدْرِه وكيْفِيَّتِهِ. وقال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]، ومعلوم تفاوت ما بين (1) النشأة الأولى وهي المبدأ، والثانية وهي المعاد. وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)} [المزمل: 15]، ومعلوم أن التشبيه في أصل الإرسال لا يقتضي تماثل الرسولين. 298 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم تَتَوكَّلُون عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرزَقكُم كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصًا وتَرُوحُ بطَانًا" (2) فالتشبيه هنا في أصل الرزق، لا في قدره ولا كيفيته، ونظائر ذلك. وهذا الجواب ضعيف أيضًا لوجوه: منها أن ما (3) ذكروه يجوز أن يستعمل في الأعلى والأدنى والمساوي. فلو قلت: أحسن إلى ابنك (4) وأهلك كما أحسنت إلى __________ (1) في (ب) (تفاوة بين). (2) أخرجه الترمذي (2344)، وأحمد (1/ 30)، وابن حبان (2/ 509) (730)، والحاكم (4/ 318) رقم (7894) وغيرهم. والحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم. قال علي بن المديني: "لم نجده إلا من هذا الوجه، وإسناده مصري، ورجاله معروفون عند أهل مصر". مسند الفاروق (2/ 637). (3) في (ب) فقط (ما ذكره). (4) في (ظ) غير منقوطة، وفي (ح) (فلان) بدلًا من (ابنك).
(1/327)
مركوبك وخادمك ونحوه، جاز ذلك. ومن المعلوم أنه لو كان التشبيه في أصل الصلاة، لحسن أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل أبي أوفى، أو كما صليت على آحاد المؤمنين ونحوه، أو كما صليت على آدم، ونوح، وهود، ولوط، فإن التشبيه عند هؤلاء إنما هو واقع في أصل الصلاة، لا في قَدْرها ولا صِفَتِها، ولا فَرْق في ذلك بين كلِّ من صلى عليه، وأيُّ مِزيَّة (1) وفضيلة في ذلك لإبراهيم وآله، وما الفائدة حينئذ في ذكره وذكر آله؟ وكان الكافي في ذلك أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقط. الثاني: أن (2) ما ذكروه من الأمثلة ليس بنظير الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن هذه الأمثلة نوعان: خبر، وطلب؛ فما كان منها خبرًا فالمقصود بالتشبيه به: الاستدلال والتقريب إلى الفَهْم وتقرير ذلك الخبر، وأنه مما لا ينبغي لعاقل إنكاره كنظير المشبَّه به، فكيف تنكرون الإعادة وقد وقع الاعتراف بالبداءة وهي نظيرها، وحكم النظير حكم نظيره، ولهذا يَحْتَجُّ سبحانه بالمبدأ على المعاد كثيرًا، قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)} [الأعراف: 29]، وقال تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104]، وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 78 - 79]، __________ (1) في (ح) ونسخة على حاشية (ب) (مزيَّة)، وفي (ب) (ميزية)، والباقي (ميزة). (2) في (ب) (ما ذكره).
(1/328)
وهذا كثير في القرآن، وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)} [المزمل: 15]، أي: كيف يقع الإنكار منكم وقد تقدم قبلكم رسل مِنِّي مبشِّرين ومنْذِرين، وقد علمتم حال من عَصَى رُسُلي كيف أخذتهم أخذا وبِيْلًا. وكذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ} [النساء: 163] الآية. أي: لستَ أوَّل رسول طرق العالم، بل قد تقدمت قبلك رسل أوحيت إليهم كما أوحيت إليك، كما قال تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9]، فهذا ردٌّ وإنكار على من أنكر رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع مجيئه بمثل ما جاءت به الرسل قبله (1) من الآيات، بل أعظم منها، فكيف تنكر رسالته؟ وليست من (2) الأمور التي لم تطرق العالم، بل لم تَخْلُ الأرض من الرسل وآثارهم، فرسولكم جاء على منهاج مَنْ تقدمه مِنَ الرسل في الرسالة لم يكن بدعًا. وكذلك قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55]، إخبار (3) من عادته سبحانه في خلقه وحكمته التي لا تبديل لها، أن من آمن (4) وعمل صالحا مُكِّنَ له في الأرض، واستخلفه فيها، ولم __________ (1) سقط من (ح) (قبله). (2) سقط من (ب) (من). (3) في (ب، ش) (إخبارًا). (4) في (ش) (أعمل وعمل صالحًا).
(1/329)
يهلكه ويقطع دابره، كما أهلك من كذَّب رسله وخالفهم، وقطع دابره. فأخبرهم سبحانه عن حكمته ومعاملته لمن آمن برسله وصدقهم، وأنه يفعل بهم كما فعل بمن قبلهم من أتباع الرسل. وهكذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (1): "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير" إخبارٌ (2) بأنه سبحانه يرزق المتوكلين عليه من حيث لا يحتسبون، وأنه لا يخليهم من رزق قط، كما ترون ذلك في الطير، فإنَّها تغدو من أوكارها خِمَاصًا، فيرزقها الله سبحانه، حتى ترجع بطَانًا من رزقه، وأنتم أكرم على الله من الطير ومن سائر الحيوانات، فلوَ توكَّلْتم عليه لرزقكم من حيث لا تَحْتَسِبُون، ولم يمنع أحدًا منكم رزقه، هذا فيما (3) كان من قبيل الإخبار. وأما في قسم الطلب والأمر: فالمقصود منه التنبيه على العِلَّة، وأن الجزاء (4) من جنس العمل. فإذا قلت: عَلِّم كما عَلَّمَكَ الله، وأحسن كما أحسن (5) اللهُ إليك، واعف كما عفا الله عنك، ونحوه، كان (6) في ذلك تنبيه للمأمور على شكر النِّعْمة التي أنعم الله تعالى بها عليه، وأنه حَقِيْق أن يقابلها بمثلها، ويقيِّدها بشكرها، فإن جزاء تلك النعمة من جنسها، ومعلوم أنه يمتنع خطاب الرَّبِّ __________ (1) تقدم قريبًا برقم (298). (2) في (ب، ش) (إخبارًا). (3) سقط من (ظ) (فيما كان). (4) في (ب) (الجزاء به من جنس .. ). (5) في (ب) (أحسنك) وهو خطأ. (6) سقط من (ب).
(1/330)
سبحانه بشيء من ذلك، ولا يَحْسُنُ في حقه، فيصير ذكر التشبيه لغوًا لا فائدة فيه، وهذا غير جائز. الثالث: أن قوله: "كما صليت على آل إبراهيم" صِفَة لِمَصْدر محذوف، وتقديره: صلاة مثل صلاتك على آل إبراهيم، وهذا الكلام حقيقته أن تكون الصلاة مماثلة للصلاة المشبهة بها، فلا يُعْدَلُ عن حقيقة الكلام ووجهه. * وقالت طائفة أخرى: إن هذا التشبيه حاصل بالنسبة إلى كُلِّ صلاةٍ صلاةٍ (1) - من صلوات المصلِّين، فكلُّ مصلِّ صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصلاة فقد طلب من الله تعالى أن يصلي على رسوله - صلى الله عليه وسلم - صلاة مثل الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم، ولا ريب أنه إذا حصل من كل مصلٍ طلب من الله تعالى له صلاة (2) مثل صلاته على آل إبراهيم حصل له - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أضعاف مضاعفة من الصلاة، لا تعد ولا تحصى، ولم يقاربه فيها أحد، فضلًا عن أن يساويه أو يفضله - صلى الله عليه وسلم -. ونظير هذا أن يعطي ملك لرجل ألف درهم، فيسأله كل واحد من رعيته أن يعطي لرجل آخر أفضل منه نظير تلك الألف، فكل واحد قد سأله أن يعطيه ألفًا، فيحصل له من الألوف بعدد كل __________ (1) من جميع النسخ، ووضع عليها ناسخ (ب) كلمة (صح) إشارة إلى صحة تكرارها. (2) سقط من (ب)، ووقع في (ش) (من الله لصلاة مثل، وفي (ت) (طلب له من الله صلاة مثل صلاته) وسقط من (ج) من (طلب) إلى (أضعاف).
(1/331)
سائل. وأورد أصحاب هذا القول على أنفسهم سؤالًا: وهو أن التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة المطلوبة، وكل فرد من أفرادها، فالإشكال وارد كما هو. وتَقْريرُه أنَّ العطِيَّة التي يُعْطاها الفاضل لا بدَّ أن تكون أفضل من العطية التي يعطاها المفضول، فإذا سئل له عطية دون ما يستحقه لم يكن ذلك لائقًا بمنصبه. وأجابوا عنه بأن هذا الإشكال إنما يَرِدُ (1) إذا لم يكن الأمر للتكرار، فأما إذا كان الأمر للتكرار، فالمطلوب من الأمَّة أن يسألوا الله سبحانه له صلاة بعد صلاة، كل منها نظير ما حصل لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، فيحصل له من الصلوات ما لا يحصى مقداره بالنسبة إلى الصلاة الحاصلة لإبراهيم عليه السلام. وهذا أيضًا ضعيف، فإن التشبيه هنا إنما هو واقع في صلاة الله تعالى عليه، لا في معنى (2) صلاة- المصلي، ومعنى هذا الدعاء: اللهم أعطه نظير ما أعطيت إبراهيم، فالمسؤول له صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم، وكلما تكرر هذا السؤال كان هذا معناه، فيكون كل مصل قد سأل الله تعالى أن يصلي عليه صلاة دون التي يستحقها، وهذا السؤال والأمر به متكرر، فهل هذا إلا تقوية لجانب الإشكال؟. __________ (1) في النسخ (يُراد). ولعل المثبت هو الصواب. (2) سقط من (ب، ش، ج).
(1/332)
ثم إن التشبيه واقع في أصل الصلاة وأفرادها، ولا يغني جوابكم عنه بقضيَّة (1) التكرار شيئًا، فإن التكرار لا يجعل جانب المشبه به أقوى من جانب المشبه، كما هو مقتضى التشبيه، فلو كان التكرار يجعله كذلك، لكان الاعتذار به نافعًا، بل التكرار يقتضي زيادة تفضيل المشبه وقوته، فكيف يشبه حينئذ بما هو دونه؟ فظهر ضعف هذا الجواب. * وقالت طائفة أخرى: آل إبراهيم فيهم الأنبياء الذين ليس في آل محمد مثلهم، فإذا طلب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولآله من الصلاة مثل ما لإبراهيم وآله- وفيهم الأنبياء- حصل لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ما يليق بهم، فإنهم لا يبلغون مراتب الأنبياء، وتبقى الزيادة التي للأنبياء وفيهم إبراهيم لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فيحصل له بذلك من المزِيَّة ما لم يحصل لغيره. وتقرير ذلك: أن يجعل الصلاة الحاصلة لإبراهيم ولآله وفيهم الأنبياء جملة مقسومة على محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله، ولا ريب أنه لا يحصل لآل النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ما حصل لآل إبراهيم، وفيهم الأنبياء، بل يحصل لهم ما يليق بهم، فيبقى قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - والزيادة المتوفرة التي لم يستحقها آله مختصَّة به - صلى الله عليه وسلم -، فيصير الحاصل له من مجموع ذلك أعظم وأفضل من الحاصل لإبراهيم، وهذا أحسن من كل ما تقدمه. __________ (1) في (ب) (يقتضيه)، وفي (ظ) غير منقوطة.
(1/333)
وأحسن منه أن يقال: محمد - صلى الله عليه وسلم - هو من آل إبراهيم، بل هو خير آل إبراهيم، كما روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} [آل عمران: 33]، قال ابن عباس: 299 - "محمد من آل إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -" (1). وهذا نصٌّ، فإنه إذا دخل غيره من الأنبياء الذين هم من ذرية إبراهيم في آله، فدخول رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أولى، فيكون قولنا: "كما صليت على آل إبراهيم" متناولًا للصلاة عليه، وعلى سائر النبيين من ذرية إبراهيم. ثم قد أمرنا الله أن نصلي عليه وعلى آله خصوصًا بقدر ما صلينا عليه مع سائر آل إبراهيم عمومًا، وهو فيهم، ويحصل لآله من ذلك ما يليق بهم، ويبقى الباقي كله له - صلى الله عليه وسلم - . وتقرير هذا أنه يكون قد صلى عليه خُصُوصًا، وطلب له من الصلاة ما لآل إبراهيم، وهو داخل معهم، ولا ريب أن الصلاة الحاصلة لآل إبراهيم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - معهم أكمل من الصلاة الحاصلة له دونهم، فيطلب له من الصلاة هذا الأمر العظيم الذي __________ (1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 635) رقم (3414)، والطبري في تفسيره (3/ 234) وسنده حسن. ولفظه (هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين، وآل محمد - صلى الله عليه وسلم -).
(1/334)
هو أفضل مما لإبراهيم قطعًا، ويظهر حينئذ فائدة التشبيه وجَرْيه على أصله، وأن المطلوب له من الصلاة بهذا اللفظ أعظم من المطلوب له بغيره، فإنه إذا كان المطلوب بالدعاء إنما هو مثل المشبه به، وله أوفر نصيب منه، صار له من المشبه المطلوب أكثر مما لإبراهيم وغيره، وانضاف إلى ذلك ما (1) له من المشبه به من الحصَّة التي لم تحصل لغيره. فظهر بهذا من فضله وشرفه على إبراهيم وعلى كُلٍّ مِنْ آله، وفيهم النبيون، ما هو اللائق به (2). وصارت هذه الصلاة دالة على هذا التفضيل وتابعة له، وهي من موجباته ومقتضياته، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا كثيرًا، وجزاه عَنَّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أُمَّته، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. __________ (1) في (ح) (مما). (2) سقط من (ب).
(1/335)
الفصل السابع في ذكر نكتة حسنة في هذا الحديث المطلوب فيه الصلاة عليه وعلى آله كما صلى على إبراهيم وعلى آله وهي أنّ أكثر الأحاديث الصِّحاح والحِسَان -بلْ كلُّها- مُصرِّحة بذِكْر النَبيّ - صلى الله عليه وسلم - وبذكر آله، وأما في حق المشبَّه به، وهو إبراهيم وآله، فإنما جاءت بذكر آل إبراهيم فقط دون ذكر إبراهيم، أو بذكره فقط حديث صحيح (دون ذكر آله (1)، ولم يجيء2) فيه لفظ إبراهيم وآل إبراهيم، كما تظاهرت على لفظ: "محمد وآل محمد". __________ (1) سقط من (ب) قوله (أو بذكره فقط دون ذكر آله). (2) بل ورد من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه البخاري في صحيحه في (68) التفسير/ الأحزاب (4520) وأيضًا في (83) الدعوات (5997). ومن حديث كعب بن عجرة عند البخاري في (64) الأنبياء (3190). ولعل ابن القيم تبع في هذا النفي شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد تعقب الحافظ ابن رجب الحنبلي في القواعد الفقهية ص 15 شيخه شيخ الإسلام في ذلك. وتعقب الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 158 - 159) ابن القيم في ذلك. تنبيه: وقع في (ج) (ولم يأت حديث صحيح).
(1/336)
ونحن نسوق الأحاديث الواردة في ذلك، ثم نذكر ما يسَّره الله تعالى في سِرِّ ذلك. فنقول: هذا الحديث في الصحيح من أربعة أوجه: 300 - أشهرها: حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عُجْرة فقال: ألا أُهْدي لك هدية؟ خَرَجَ عَلَيْنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلنا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّم عَلَيْكَ، فكيف نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فقال: "قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّد وعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم، إنَّكَ حَمِيْد مَجيْد، اللَّهُمَّ بَاركْ -وفي لفظ: وَبَارِكْ- عَلىَ مُحمَّد كَمَا بَاركْتَ عَلَىَ آلِ إبْراهِيْم إنَّكَ حَمِيْد مَجِيْد". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ابن حنبل في المسند (1)، وهذا لفظهم إلا الترمذي فإنه قال: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّد وعَلَى آلِ مُحمَّد كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْراهِيْم" فقط، وكذا في ذكر البركة، ولم يذكر الآل، وهو (2) رواية لأبي داود. وفي رواية: "كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم" بذكر الآل فقط، و"كما باركت على إبراهيم" بذكره فقط. 301 - وفي "الصحيحين" (3) من حديث أبي حميد الساعدي، __________ (1) تقدم تخريجه برقم (2). (2) في (ح) (وهي). (3) تقدم تخريجه برقم (4).
(1/337)
قالوا: يَا رَسُوْل اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك؟ قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّد وَعَلَى أزْوَاجِه وذُرِّيته، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم، وبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وأزْوَاجه وذُريته كَمَا بَاركْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم إنَّكَ حَمِيْد مَجِيْد" هذا هوَ اللفظ المشهور. وقد روي فيه: "كما صليت على إبراهيم"، و"كما باركت على إبراهيم" بدون لفظ الآل في الموضعين. 302 - وفي "البخاري" (1): عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: قُلْنَا: يا رَسُولَ اللهِ، هَذَا السَّلامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْك؟ قال: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّد عَبْدِكَ وَرَسَولكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْراهِيْم، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَاركْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم". 303 - وفي "صحيح مسلم" (2): عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، قال: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قُولُوا: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَاركْتَ عَلَى آلِ إبْراهِيْم في العالمِيْن إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْد، __________ (1) تقدم تخريجه برقم (6). (2) تقدم تخريجه برقم (1).
(1/338)
والسَّلامُ كَمَا قَدْ عُلِّمْتُم". وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر: "كما صليت على إبراهيم" و"كما باركت على إبراهيم" لم يذكر الآل فيهما. وفي رواية أخرى: "كما صليت على إبراهيم" و"كما باركت على آل إبراهيم" بذكر إبراهيم وحده في الأول، والآل فقط في الثانية. هذه هي الألفاظ المشهورة في هذه الأحاديث المشهورة، في أكثرها لفظ: "آل إبراهيم" في الموضعين، وفي بعضها لفظ: "إبراهيم" فيهما، وفي بعضها لفظ: "إبراهيم" في الأول و"الآل" في الثاني، وفي بعضها عكسه. 304 - وأما الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، فرواه البيهقي في "سننه" (1): من حديث يحيى بن السباق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، وارحم محمدًا وآل محمد، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد". وهذا إسناد ضعيف. 305 - ورواه الدارقطني (2): من حديث ابن إسحاق، حدثني __________ (1) تقدم تخريجه برقم (38). (2) في السنن (1/ 355 - 356)، وقد تقدم تحت رقم (1) في الكلام على زيادة
(1/339)
محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد (1) بن عبد ربه، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، فذكر الحديث وفيه: "اللهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم (2)، وبارك على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد" ثم قال: "هذا إسناد حسن متصل". 306 - وفي النسائي (3): من حديث موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد"، ولكن رواه هكذا، ورواه مقتصرًا فيه على ذكر إبراهيم في الموضعين. 307 - وقد روى ابن ماجه حديثًا آخر موقوفًا على ابن مسعود فيه، "إبراهيم وآل إبراهيم" قال في "السنن" (4): حدثنا الحسين بن بيان، حدثنا زياد بن عبد الله، حدثنا المسعودي، عن __________ (1) وقع في جميع النسخ (يزيد) وهو خطأ. (2) في (ب) إضافة هنا (إنك حميد مجيد)، وهو غير موجود في السنن، ولا في باقي النسخ. (3) تقدم تخريجه برقم (7). (4) تقدم تخريجه برقم (42).
(1/340)
عون بن عبد الله، عن (1) أبي فاختة، عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إذا صليتم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأحسنوا الصلاة عليه، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قال: فقالوا له: فعلمنا؟ قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المسلمين (2)، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، محمدٍ عبدك ورسولك إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقامًا محمودًا يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبرإهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وهذا موقوف. وعامة الأحاديث في "الصحاح" و"السنن" كما ذكرنا أوَّلًا بالاقتصار على الآل، أو إبراهيم في الموضعين، أو الآل في أحدهما، وإبراهيم في الآخر، وكذلك في حديث أبي هريرة المتقدم (3) في أول الكتاب وغيره من الأحاديث، فحيث جاء ذكر إبراهيم وحده في الموضعْين فلأنه الأصل في الصَّلاة المُخْبر بها، وآله تبع له فيها، فدلَّ ذِكْر المتبوع على التابع، وانْدَرجَ فيه، وأغنى عن ذِكْرِه. وحيث جاء ذكر آله فقط فلأنه داخل في آله كما تقدم __________ (1) في (ظ) (بن) بدلًا مِنْ (عن) وهو خطأ. (2) في (ب، ت، ح، ج) (المرسلين). (3) رقم (17) ص 27.
(1/341)
تقريره، فيكون ذكر آل إبراهيم مُغْنِيًا عن ذِكْرِه، وذكر آله بلفظين، وحيث جاء في أحدهما ذكره فقط، وفي الآخر ذكر آله فقط كان ذلك جمعًا بين الأمرين، فيكون قد ذكر المتبوع الذي هو الأصل، وذكر أتباعه بلفظ يدخل هو فيهم. يبقى أنْ يُقَال، فَلِمَ جاء ذكر "محمد وآل محمد" بالاقْتِران دون الاقْتِصار على أحدهما في عامَّة الأحاديث، وجاء الاقتصار على إبراهيم وآله في عامتها؟. وجواب ذلك: أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله ذُكِرَتْ في مقام الطَّلب والدُّعَاء، وأما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت في مقام الخَبَر وذِكْرِ الواقع، لأن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" جملة طلبية، وقوله: "كما صليت على آل إبراهيم" جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال، كان بسطُها وتطويلُها أنْسَب من اختصارها وحذفها، ولهذا يُشْرع تكرارها، وإبداؤها، وإعادتها، فإنها دعاء، والله يحب الملحِّين في الدعاء، ولهذا تجد كثيرًا من أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها من بسط الألفاظ، وذكر كل معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه، ما يشهد لذلك، كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عَلِيِّ الذي رواه مسلم في "صحيحه" (1): 308 - "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا __________ (1) في (6) كتاب صلاة المسافرين وقصرها (771).
(1/342)
أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ لاَ إِلَه إلَّا أنْتَ". ومعلوم أنه لو قيل: اغفر لي كل ما صنعت كان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرع، وإظهار العبوديَّة والافتقار، واستحضار الأنواع التي يَتُوب العبد منها تفصيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار. 309 - وكذلك قوله في الحديث الآخر (1): "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ ذَنْبِي كُلَّه، دِقَّه وجِلَّه سِرّهُ وعَلاَنِيَّته، وأوَّله وآخره". 310 - وفي الحديث (2): "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِيْ خَطِيْئَتِي وجَهْلِي وإسْرَافِي في أمْرِي، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وهَزْلي وخَطَئِي وعَمْدِي، وكلُّ ذلك عِنْدِي". وهذا كثير في الأدعية المأثورة، فإن الدعاء عبودية لله، وافتقار إليه، وتذلُل بين يديه، فكلَّما كَثَرِّهُ العبدُ وطوَّلَهُ وأعاده وأبداه ونَوّعَ جُمَلَه؛ كان ذلك أبلغ في عبوديته، وإظهار فقره، وتذلُّله، وحاجته، وكان ذلك أقرب له من ربه، وأعظم لثوابه. __________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه في (4) الصلاة (483) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) أخرجه البخاري في (83) الدعوات (6035 و 6036)، ومسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2719) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(1/343)
وهذا بخلاف المخلوق، فإنك كلما كثَّرت سؤاله، وكرَّرت حوائجك إليه، أبْرمْته، وثَقَّلْت عليه، وهُنْتَ عليه، وكلما تركت سؤاله كنت أعظم عنده وأحب إليه. والله سبحانه كُلَّما سألته كنت أقربَ إليه وأحبَّ إليه، وكلما ألْحَحْتَ عليه في الدعاء أحبَّك، ومن لم يسأله يغضب عليه: فاللهُ يَغْضَبُ إنْ تَرَكْتَ سُؤَالَه ... وبُنَيُّ آدمَ حِيْنَ يُسْألُ يَغْضَبُ (1) فالمطلوب يزيد بزيادة الطلب وينقص بنقصانه. وأما الخبر فهو خبر عن (2) أمْرٍ قد وقع وانقضى، لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلم يكن في زيادة اللفظ فيه كبير (3) فائدة، ولاسِيَّما ليس المقام مقام إيضاح وتفهيم للمخاطب ليحسن معه البَسْط والإطناب، فكان الإيجاز فيه والاختصار أكمل وأحسن، فلهذا جاء فيه بلفظ: "إبراهيم" تارة وبلفظ: "آله" أخرى، لأنَّ كِلا اللفظين يدل على ما يدل عليه الآخر من الوجه الذي قدمناه، فكان المراد باللفظين واحدًا مع الإيجاز والاختصار. وأما في الطلب فلو قيل: "صل على محمد" لم يكن في هذا ما يدل على الصلاة على __________ (1) انظر البيت في المستطرف لِلأبشيهي (2/ 301 - ط: إبراهيم صالح) ولم ينسبه لأحد. (2) في (ظ) (وأما الخبر، فهو خبر قد مرَّ وقد وقع وانقضى)، وفي (ت) (فهو خبر قد أمر قد وقع)، وفي (ج) بياض. (3) في (ب) (كثير) وفي (ظ، ت) غير منقوطة.
(1/344)
آله؛ إذ هو طلب ودعاء (1) ينشأ بهذا اللفظ، ليس خبرًا عن أمْرٍ قد وقع واستقر. ولو قيل: "صل على آل محمد" لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما يُصَلَّى عليه في العموم، فقيل: "على محمد وعلى آل محمد" فإنه يحصل له بذلك: الصلاةُ عليه بخصوصه، والصلاةُ عليه بدخوله في آله. وهنا للناس طريقان في مثل هذا: أن يقال هو داخل في آله مع اقترانه بذكره، فيكون قد ذكر مرتين: مَرَّة بخصوصه، ومَرَّة في اللفظ العام، وعلى هذا فيكون قد صُلِّي عليه مرتين خصوصًا وعمومًا، وهذا على أصل من يقول: إن العام إذا ذكر بعد الخاص كان متناولًا له أيضًا، ويكون الخاص قد ذكر مرتين، مرة بخصوصه، ومرة بدخوله في اللفظ العام، وكذلك في ذكر الخاص بعد العام، كقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 98]، وكقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ} [الأحزاب: 7] الآية. والطريق الثانية (2): أنَّ ذكره بلفظ الخاصِّ يدلُّ على أنه غير داخل في اللفظ العام، فيكون ذكره لخصوصه مُغْنِيًا عن دخوله في اللفظ (3) العام، وعلى هذه الطريقة، فيكون في ذلك فوائد: __________ (1) في (ب) (والدعاء). (2) وفي (ح) (الطريقة الثانية). (3) من (ح) قوله (اللفظ) وسقط من باقي النسخ. وراجح ما تقدم ص 252.
(1/345)
منها أنَّه لمَّا كان من أشرف النوع العام؛ أُفْرِد بلفظ دالٍ عليه بخصوصه، كأنَّه بَايَنَ النَّوع، وتمَيَّزَ عنهم بما أوجب أن يتميَّز بلفظ يخصُّه، فيكون في ذلك تنبيهًا على اختصاصه ومزيَّته عن النوع الداخل في اللفظ العام. الثانية: أن (1) يكون فيه تنبيه على أن الصلاة عليه أصل، والصلاة على آله تبع له؛ إنما نالوها بتبعيتهم له. الثالثة: أن إفراده بالذكر يرفع عنه توهم التخصيص، وأنه لا يجوز أن يكون مخصوصًا من اللفظ العام، بل هو مراد قطعًا. __________ (1) في (ح) (أنه).
(1/346)
الفصل الثامن في قوله: "اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد" وذكر البركة وحقيقتها: الثُّبُوت واللُّزُوم والاستقرار، فمنه برك البعير: إذا استقر على الأرض، ومنه المَبْرَك لموضع البروت. وقال صاحب الصِّحَاح (1): "وكل شيء ثبت وأقام فقد برك، والبَرْكُ: الإبل الكثيرة ... والبِرْكة: بكسر الباء كالحوض، والجمع: البِرَك". ذكره الجوهري. قال: "ويقال: سُمَّيت بذلك لإقامة الماء فيها". والبراكاءُ: الثّبَاتَ في الحرب والجِدُّ فيها، قال الشاعر (2): ولا يُنْجِي مِن الغَمَرَاتِ إلا ... بَرَاكَاءُ القِتَالِ أو الفِرَارُ والبَرَكة: النَّماءُ والزِّيادة. والتَّبْرِيك: الدُّعاء بذلك. ويقال: باركه الله وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له، وفي القرآن: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8]، وفيه: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113]، وفيه: {بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 71]. __________ (1) (2/ 1190) مادة: برك. (2) * هو بشر بن أبي خازم الأسدي كما في ديوانه ضمن قصيدة من المُفَصَّلِيَّات، ط- دار المعارف- ص 345 *.
(1/347)
وفي الحديث: "وبَاركْ لِي فِيْمَا أعْطَيْتَ" (1)، وفي حديث سعد: بارك الله لك (2) في أَهلك ومالك" (3). والمُبَارَك: الذي قد باركه الله سبحانه، كما قال المسيح عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 31]، وكتابه مبارك، قال تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} [الأنبياء: 50]، وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص: 29]، وهو أحق أن يسمى مباركًا من كل شيء، لكثرة خيره ومنافعه، ووجوه البركة فيه، والرب تعالى يقال في حقه: "تبارك" ولا يقال: مبارك. ثم قالت طائفة منهم الجوهري (4): إن "تبارك" بمعنى بارك، مثل قاتل وتقاتل، قال: "إلا أن فَاعَلَ يتَعَدَّى (5)، وتفاعل لا يتعدى". وهذا غلط عند المحققين، وإنما "تبارك" تفاعل من (6) __________ (1) سيأتي تخريجه برقم (369) من حديث الحسن بن علي. (2) في (ب) (له) وهو خطأ. انظر البخاري كما تقدم. (3) أخرجه البخاري في (39) البيوع (1944) من حديث أنس. وهذا الكلام قاله عبد الرحمن بن عوف، لسعد بن الربيع الأنصاري في قصة التآخي بين المهاجرين والأنصار. (4) انظر: الصحاح (1/ 119). (5) في (ب) (متعدي). (6) هذا قول ابن عباس: تفاعل من البركة. أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (5/ 1498) رقم (8588)، والطبري (18/ 179) عن ابن عباس، وفي سنده انقطاع. وانظر: معاني القرآن للزجاج (4/ 57)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 262)، والبحر المحيط لأبي حيان (6/ 440).
(1/348)
البركة، وهذا الثناء في حقه تعالى إنما هو لوصف رجع إليه كتعالى، فإنه تفاعل من العلو؛ ولهذا يقرن بين هذين اللفظين، فيقال: "تبارك وتعالى"، وفي دعاء القنوت: 311 - "تباركت وتعاليت" (1)، وهو سبحانه أحق بذلك وأولى من كل أحد، فإن الخير كله بيديه (2)، وكل الخير منه. وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة، وخيرات لا شرور فيها، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 312 - "والشَّرُّ لَيْسَ إليْكَ" (3)، وإنما يقع الشر في مفعولاته ومخلوقاته، لا في فعله سبحانه. فإذا كان العبد وغيره مباركًا، لكثرة خيره ونفعه واتصال أسباب الخير فيه، وحصول ما ينتفع به الناس منه، فالله تبارك وتعالى أحق أن يكون متباركًا، وهذا ثناء يشعر بالعظمة، والرفعة والسعة، كما يقال: تعاظم وتعالى، ونحوه، فهو دليل على عظمته وكثرة خيره ودوامه، واجتماع صفات الكمال فيه، وأن كل نفع في العالم كان ويكون فمن نفعه سبحانه وإحسانه. ويدلُّ هذا الفعل أيضًا في حقه على العظمة والجلال وعُلُوِّ الشأن، ولهذا إنما يذكره غالبًا مفتتحًا به جَلاَلَه وعَظَمَتَه وكبْرياءَه، __________ (1) سيأتي برقم (368 و 369). (2) في (ح) (بيده). (3) أخرجه مسلم في (6) صلاة المسافرين وقصرها (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(1/349)
قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54]، وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} [الفرقان: 1]، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)} [الفرقان: 61]، {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)} [الزخرف: 85]، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [الملك: 1]، وقال تعالى عقب خلق الإنسان في أطواره السبعة: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [المؤمنون: 14]، فقد ذكر تباركه سبحانه في المواضع التي أثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة، والأفعال الدالة على ربوبيته وإلهيته (1) وحكمتة وسائر صفات كماله: من إنزال الفرقان، وخلق العالمين، وجعله البروج في السماء والشمس والقمر، وانفراده بالملك، وكمال القدرة. 313 - ولهذا قال أبو صالح: عن ابن عباس (2) رضي الله عنه: "تبارك" بمعنى: تعالى. وقال أبو العباس (3): "تبارك": ارتفع، "والمبارك": __________ (1) في (ب) (هيبته). (2) انظر: تهذيب اللغة للأزهري (1/ 319)، وزاد المسير لابن الجوزي (3/ 214)، ولسان العرب (10/ 396) (مادة: برك). (3) انظر: زاد المسير (3/ 214).
(1/350)
المرتفع. وقال ابن الأنباري (1): "تبارك"، بمعنى: تقدَّس. وقال الحسن (2): "تبارك: تجيء البركة من قِبَلِهِ". وقال الضَّحَّاك (3): "تبارك تعظَّم (4) ". وقال الخليل بن أحمد (5): "تمجَّد". وقال الحسين بن الفضل (6): "تبارك في ذاته، وبارك فيمن شاء من خلقه". وهذا أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه وصفُ (7) ذات له، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل. والذي يدل على ذلك أيضًا: أنه سبحانه يضيف (8) التبارك إلى اسمه، كما قال: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]، وفي حديث الاستفتاح: "تَبَارَكَ اسْمُك وتَعَالَى جَدُّكَ" (9)، فدل هذا على أن تبارك ليس بمعنى بارك، كما قاله الجوهري، وأن تبريكه سبحانه جزء مُسَمَّى اللَّفظ، لا كمال __________ (1) * في الزاهر (1/ 53)، وأضاف (أنه تفاعل من البركة ... ) *. (2) انظر: تفسير الماوردي (4/ 130)، وزاد المسير (3/ 214). (3) انظر: البحر المحيط لأبي حيان (6/ 410)، وسقط من (ج) (الضحاك). (4) في (ح) (تعاظم). (5) انظر: البحر المحيط (6/ 440). (6) هو ابن عمير أبو علي الكوفي المفسِّر، (ت: 282 هـ). السير (13/ 414). (7) في (ح) (صفة). (8) في (ح، ونسخة (ظ) على حاشية (ب)) (يُسند)، وفي (ج) غير واضحة. (9) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 75)، وابن أبي شيبة (1/ 209) وغيرهما عن عمر موقوفًا. وسنده صحيح. وروي مرفوعًا، وفي ثبوته نظر.
(1/351)
معناه. وقال ابن عطية (1): "معناه عَظُم، وكثرت بركاته. ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب، لا يستعمل منها مضارع ولا أمْر. -قال- وعِلَّة ذلك أن "تبارك" لما لم يوصف به غير الله، لم يقتض مستقبلًا، إذ الله تعالى قد تبارك في الأزل -قال- وقد غلط أبو علي الفالي، فقيل له: كيف المستقبل من تبارك؟ فقال: يتبارك. فوقف على أن العرب لم تقله". وقال ابن قتيبة (2): "تبارك اسمك (3): تفاعل من البركة، كما يقال: "تعالى اسمك" من العلو، يراد به أن البركة في اسمك، وفيما سُمِّي عليه. -وقال- وأنشدني بعض أصحاب اللغة بيتًا حفظت عَجُزَهُ: إلى الجذْعِ جِذْع النَّخْلَةِ المُتَبَارَكِ". فقوله: يراد به أن البركة في اسمك وفيما سُمِّي عليه، يدل على أن ذلك صفة لمن تبارك، فإن بركة الاسم تابعة لبركة اليسمى، ولهذا كان قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)} [الحاقة: 52]، دليلًا على الأمر بتسبيح الرب بطريق الأولى، فإن __________ (1) انظر: المحرر الوجيز (7/ 77). (2) انظر: غريب الحديث له (1/ 16). (3) في (ب) (اسم)، وفي (ت) (اسم لك) وكلاهما خطأ.
(1/352)
تنزيه الاسم من توابع تنزيه المسمى. وقال الزَّمَخْشَرِي (1): "فيه معنيان، أحدهما تزايد خيره وتكاثر، أو تزايد عن كل شيء، وتعالى عنه في صفاته وأفعاله". قلت: ولا تنافي بين المعنيين، كما قال الحسين بن الفضل وغيره. وقال النَّضْرُ بن شُمَيْل: "سألت الخليل بن أحمد عن "تبارك" فقال: تمجَّد". وهذا (2) يجمع المعنيين: مجده في ذاته، وإفاضته (3) البركة على خلقه، فإن هذا هو حقيقة المجد، فإنَّه السَّعة، ومنه مَجُدَ الشيء: إذا اتسع، واستمجد، والعرش المجيد لسعته. وقال بعض المفسرين: يمكن أن يقال: هو من البروك، فيكون تبارك ثبت ودام أزلًا وأبدًا، فيلزم أن يكون واجب الوجود، لأن ما كان وجوده من غيره لم يكن أزليًا. وهذا قد يقال: إنه جزء المعنى، فتبارُكُه سبحانه يجمع هذا كله: دوامَ وُجودِهِ، وكثرةَ خيرِه، ومجدَهُ وعُلُوَّه، وعَظَمَتَه وتَقَدُّسَهُ، ومجيءَ الخيراتِ كلِّها من عنده، وتبريكَه على من شاء من خلقه، __________ (1) انظر: الكشاف (3/ 262). (2) سقط من (ظ) (وهذا يجمع المعنيين مجده). (3) في (ب) (إضافة)، وفي (ظ، ت، ج) (واضافته).
(1/353)
وهذا هو المعهود من ألفاظ القرآن كلها (1)، أنها تكون دالة على جملة معان، فيُعَبِّر هذا عن بعضها، وهذا عن بعضها، واللفظ يجمع ذلك كله، وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع (2). والمقصود الكلام على قوله: "وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على آل إبراهيم"، فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته وثبوته له، ومضاعفته له (3) وزيادته، هذا حقيقة البركة. وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 112 - 113]، وقال تعالى فيه وفي أهل بيته: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} [هود: 73]. وتأمل كيف جاء في القرآن: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113] ولم يذكر إسماعيل. وجاء في التوراة ذكر البركة على إسماعيل، ولم يذكر إسحاق، كما (4) تقدم حكايته. وعن إسماعيل: "سمعتك ها أنا باركته" فجاء في التوراة ذكر البركة في إسماعيل إيْذانًا بما حصل __________ (1) من (ظ) قوله (كلها) وسقطت من باقي النسخ. (2) انظر: بدائع الفوائد (2/ 185 - 187). (3) من (ح) (له)، وسقط من باقي النسخ. (4) في (ب، ش) (وقد تقدم .. )، وانظر ص 215.
(1/354)
لبنيه من الخير والبركة، لاسيما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلها رسول (1) الله - صلى الله عليه وسلم -، فنبههم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك - صلى الله عليه وسلم -، وذكر لنا في القرآن بركته على إسحاق منبهًا لنا على ما حصل في أولاده من نُبُوَّة موسى عليه السلام وغيره، وما أُوتُوهُ من الكتاب والعلم، مستدعيًا من عباده الإيمان بذلك، والتصديق به، وأن لا يُهْمِلُوا (2) معرفة حقوق هذا البيت المبارك وأهل النبوة منهم (3)، ولا يقول القائل: هؤلاء أنبياء بني إسرائيل لا تعلُّقَ لنا بهم، بل يجب علينا احترامهم وتوقيرهم، والإيمان بهم، ومحبتهم وموالاتهم، والثناء عليهم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. ولما كان هذا البيت المبارك المطهر أشرف بيوت العالم على الإطلاق خصهم الله سبحانه وتعالى بخصائص: * منها: أنه جعل فيه النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من أهل بيته. * ومنها أنه سبحانه جعلهم أئمَّة يَهْدُون بأمره إلى يوم القيامة، فكل من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم، فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم. __________ (1) من (ت)، وفي باقي النسخ (برسول). (2) في (ت، ج) (يملوا)، وفي (ح) (يمهلوا). (3) سقط من (ظ) (ت)، (ج).
(1/355)
* ومنها: أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلين: إبراهيم ومحمدًا صلى الله وسلم عليهما، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125]. 314 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا" (1)، وهذا من خواص هذا البيت. * ومنها: أنه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إمامًا للعالمين، كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]. * ومنها: أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قيامًا للناس وقِبْلة لهم وحجًّا، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الأكرمين. * ومنها: أنه أمر (2) عباده بأن يصلوا على أهل هذا (3) البيت، كما صلى على أهل بيتهم وسلفهم، وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصية (4) لهم. __________ (1) أخرجه مسلم في صحيحه (5) المساجد ومواضع الصلاة رقم (534) من حديث جندب رضي الله عنه. (2) سقط من (ش) (أمر). (3) سقط من (ظ، ش). (4) في (ظ) (خاصة)، وفي (ت) (خاصته) وهو خطأ.
(1/356)
* ومنها: أنه أخرج منهم الأمَّتين العظيمتين (1) اللَّتين لم تخرج (2) من أهل بيت غيرهم، وهم أمة موسى، وأمة محمد. وأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تمام سبعين (3) أُمَّة هم خيرُها، وأكرمُها على الله. * ومنها: أن الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدق، وثناء حسنًا في العالم، فلا يُذْكرون إلا بالثناء عليهم، والصلاة والسلام عليهم، قال الله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)} [الصافات: 108 - 110]. * ومنها: جعل أهل هذا البيت فرقانًا بين الناس، فالسُّعداء أتباعهم ومُحِبُّوهم ومَنْ تولَّاهم، والأشقياء من أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم. * ومنها: أنه سبحانه جعل ذكرهم مقرونًا بذكره، فيقال: إبراهيم خليل الله ورسوله ونبيه، ومحمد رسول الله وخليله ونبيه، وموسى كليم الله ورسوله، قال تعالى لنبيه يُذَكِّرُه بنعمته عليه: __________ (1) في (ح، ت) (المعظَّمتين). (2) كذا في جميع النسخ. (3) يشير إلى ما أخرجه الترمذي (3001)، وابن ماجه (4287)، والحاكم (4/ 84) رقم (6987، 6988) - وقال: "صحيح الاسناد ولم يخرجاه"، وغيرهم من حديث معاوية بن حيدة أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنكم وفيتم سبعين أمة أنتم خيرها، وأكرمها على الله" لفظ ابن عُليَّة عن بهز عن أبيه عن جده. وسنده حسن.
(1/357)
{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]. 315 - قال ابن عباس (1) رضي الله عنهما: "إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي". فيقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي كلمة الإسلام، وفي الأذان، وفي الخُطَب، وفي التَّشَهُّدَات، وغير ذلك. * ومنها: أنه سبحانه جعل خلاص خلقه من شقاء الدنيا والآخرة على أيدي أهل هذا البيت، فلهم على الناس من النِّعم مَا لا يمكن إحصاؤها ولا جزاؤها، ولهم المنن الجسَام في رقاب الأولين والآخرين من أهل السعادة، والأيادي العظام عندهم (2)، التي يجازيهم عليها الله عز وجل. * ومنها: أن كل ضرر ونفع وعمل صالح وطاعة لله تعالى حصلت في العالم، فلهم من الأجر مثل أجور عامليها، فسبحان من يختص بفضله من يشاء من عباده. * ومنها: أنه سبحانه وتعالى سَدّ جميع الطرق بينه وبين __________ (1) أخرجه ابن عساكر، كما في الدر (6/ 616)، وفيه الكلبي ضعيف جدًا. * لكن ورد عن ابن عباس مرفوعًا في قصة وفيه قول الله سبحانه لمحمد: "ألم أرفع لك ذكرك؟ " أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3445) وغيره، وصححه الضياء في المختارة (10/ 289). وورد عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: بمثله عند ابن حبان (8/ 175) وغيره، وفيه ضعف لأجل رواية درَّاج عن أبي الهيثم. وانظر تفسير الطبري (30/ 235) *. (2) سقط من (ب، ش).
(1/358)
العالمين، وأغلق دونهم الأبواب، فلم يفتح لأحد قط إلا من طريقهم وبابهم. قال الجُنَيْد رضي الله عنه: "يقول الله عز وجل لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق، أو استفتحوا من كل باب، لما فتحت لهم، حتى يدخلوا خلفك" (1). * ومنها: أنه سبحانه خصَّهم من العلم بما لم يخصَّ به أهل بَيْتٍ (2) سواهم من العالمين، فلم يَطرُقِ العالمَ أهْلُ بيت أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته = منهم، فسبحان (3) من جمع لهم علم الأولين والآخرين. * ومنها: أنه سبحانه خصهم من توحيده ومحبته وقربه والاختصاص به بما لم يخص به أهل بيت سواهم. * ومنها: أنه سبحانه مَكَّن لهم في الأرض واستخلفهم فيها، وأطاع لهم أهل الأرض، ما لم يحصل لغيرهم. * ومنها: أنه سبحانه أيَّدهم ونصرهم وأظفرهم بأعدائه وأعدائهم بما لم يُؤيِّد غيرهم. __________ (1) هو الجنيد بن محمد أبو القاسم الخزاز، كان زاهذا عابدًا فقيهًا توفى سنة 297 هـ. انظر: طبقات الصوفية ص 155، والرسالة للقشيري ص 49 - 51. (2) في (ب) (البيت) وهو خطأ، ومثله ما بعده. (3) في (ب) (فسبحان الله).
(1/359)
* ومنها: أنه سبحانه محا بهم من آثار أهل الضَّلال والشرك، ومن الآثار التي يبغضها ويمقتها ما لم يمحه بسواهم. * ومنها: أنه سبحانه غرس لهم من المحبة والإجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم. * ومنها: أنه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببًا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيًا ما بقيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم، قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [المائدة: 97]. 316 - قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: "لو ترك الناس كلهم الحج لوقعت السماء على الأرض" (1). 317 - وقال: "لو ترك الناس كلهم الحج لما نُظِروا" (2). 318 - وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض (3)، وكلامه من المصاحف وصدور الرجال (4)، فلا يبقى __________ (1) لم أقف عليه. (2) أخرجه سعيد بن منصور كما في الدر (2/ 101). وانظر المصنف لعبد الرزاق (5/ 13)، وأخبار مكة للفاكهي رقم (811). (3) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (4/ 2506)، وابن حبان (15/ 6753)، والحاكم (1/ 441) رقم (1610). من حديث ابن عمر مرفوعًا "استمتعوا من هذا البيت، فإنه قد هدم مرتين، ويرفع في الثالثة". قال ابن خزيمة: "حدثنا الحسن بن قزعة بخبر غريب غريب ... " فذكره. (4) أخرجه ابن ماجه (4049)، والحاكم (4/ 473 - 474) رقم (8460) مختصرًا =
(1/360)
له في الأرض بيت يُحَجَّ، ولا كلام يُتْلَى، فحينئذ يقرب خراب العالم. وهكذا الناس اليوم إنما قيامهم بقيام آثار نبيهم وشرائعه بينهم، وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشر عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وعنتهم وحلول البلاء والشر بهم عند تعطلها والإعراض عنها، والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها. ومن تأمل تسليط الله سبحانه مَنْ سَلَّطه على البلاد والعباد من الأعداء علم أن ذلك بسبب تعطيلهم لدين نبيهم وسننه وشرائعه، فَسَلَّط الله عليهم من أهلكهم وانتقم منهم، حتى إن البلاد التي لآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وسننه وشرائعه فيها ظهور دُفِعَ عنها بحسب ظهور ذلك بينهم. وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت، فلهذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نطلب له من الله تعالى أن يبارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. * ومن بركات أهل هذا البيت أنه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يظهره على يدي أهل بيت غيرهم. __________ = وغيرهما. * ورجَّح البزار وقفه. انظر سنده رقم (2838) و 2939) *. وقوى سنده الحافظ في الفتح (13/ 16).
(1/361)
* ومن بركاتهم وخصائصهم أن الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يعط غيرهم، فمنهم من اتخذه خليلًا، ومنهم الذَّبيْح، ومنهم مَنْ كَلَّمه تكليمًا وقَرَّبه نجيًّا، ومنهم من آتاه شَطْر الحُسْن، وجعله من أكرم الناس عليه، ومنهم من آتاه مُلْكًا لم يؤته أحدًا غيره، ومنهم من رَفعَه مكانًا عليًّا. ولمَّا ذكر سبحانه هذا البيت وذُرِّيتهم أخبر أنَّ كلَّهم فضَّله على العالمين. * ومن خصائصهم وبركاتهم على أهل الأرض أن الله سبحانه رفع العذاب العام عن أهل الأرض بهم وببَعْثَتِهم (1)، وكانت عادته سبحانه في أمم الأنبياء قبلهم أنهم إذا كذبوا أنبياءهم ورسلهم أهلكهم بعذاب يعمّهم، كما فعل بقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، فلما أنزل الله التوراة والإنجيل والقرآن رفع بها العذاب العام عن أهل الأرض، وأمر بجهاد من كذبهم وخالفهم، فكان ذلك (2) نصرَهُ لهم بأيديهم، وشفاءً لصدورهم، واتخاذَ الشهداءِ منهم، وإهلاكَ عدوِّهم بأيديهم، لتحصيل محابه سبحانه على أيديهم. وحق لأهل بيت هذا بعض فضائلهم وخصائصهم أن لا تزال الألسن رطبة بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم، والقلوب __________ (1) في (ب) (وببعثهم). (2) في (ح) (بذلك).
(1/362)
ممتلئة من تعظيمهم ومحبتهم وإجلالهم، وأن يعرف المصلي عليهم أنه لو أنفق أنفاسه كلها في الصلاة عليهم ما وَفَّى القليل من حقهم، فجزاهم الله عن بريته أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا، وصلى الله عليهم صلاةً دائمة لا انقطاع لها، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين (1). __________ (1) من (ح) فقط (كثيرًا إلى يوم الدين).
(1/363)
الفصل التاسع في اختتام هذه الصلاة بهذين الاسمين من أسماء الرب سبحانه وتعالى، وهما: الحميد المجيد فالحميد: فعِيْل من الحَمْد، وهو بمعنى: مَحْمُود، وأكثر ما يأتي فعيلًا في أسمائه تعالى بمعنى فاعل؛ كسميع، وبصير، وعليم، وقدير، وعليٍّ، وحكيم، وحليم، وهو كثير. وكذلك فعول؛ كغفور، وشكور، وصبور. وأما الوَدُوْدُ (1): ففيه قولان: أحدهما: أنه بمعنى فاعل، وهو الذي (2) يُحِبُّ أنبياءَه ورسلَه وأولياءه وعباده المؤمنين. والثاني: أنه بمعنى مَوْدُوْد، وهو المحبوب الذي يستحقُّ أنْ يُحَبَّ الحُبَّ كلَّه، وأنْ يكون أحبَّ إلى العبدِ من سمعه وبصره وجميع محبوباته. __________ (1) انظر: شرح أسماء الله الحسنى للزَّجاج ص 52، وشأْن الدعاء للخطابي ص 74. (2) سقط من (ب).
(1/365)
وأما الحميد (1): فلم يأت إلا بمعنى المحمود، وهو أبلغ من المحمود، فإنَّ فعيلًا إذا عُدِل به عن مفعول دلَّ على أنَّ تلك الصفة قد صارت مثل السَّجِيَّة والغريزة والخُلُق اللَّازم، كما إذا قلت: فلان ظريف أو شريف أو كريم، ولهذا يكون هذا البناء غالبًا مِن فَعُلَ بوزن شَرُفَ، وهذا البناء من أبنية الغرائز والسَّجايا اللازمة؛ ككَبُرَ وصَغُرَ وحَسُنَ ولَطُفَ، ونحو ذلك. ولهذا كان "حَبِيْب" أبلغ من محبوب، لأنَّ الحبيب هو الذي حصلت فيه الصفات والأفعال التي يُحَب لأجلها، فهو حبيب في نفسه، وإن قدر أن غيره لا يُحِبُّه لعدم شعوره به، أو لمانع (2) منعه من حُبِّه. وأما المحبوب فهو الذي تعلَّق به حُبُّ المحِبّ، فصار محبوبًا بحبِّ الغير له. وأما الحبيبُ فهو حبيب بذاته وصفاته، تعلَّق به حُبُّ الغير أو لم يتعلق، وهكذا الحميد والمحمود. فالحميد هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودًا وإن لم يحمده غيره، فهو حميد في نفسه. والمحمود من تعلَّق به حمد الحامدين، وهكذا المجيد والمُمَجَّد، والكبير والمُكَبَّر، والعظيم والمُعَظَّم. والحمد والمجد إليهما يرجع الكمال كله، فإن الحمد يستلزم الثناء والمحبة للمحمود، فمن أحببته ولم تثن عليه، لم تكن حامدًا له، وكذا من أثنيْتَ عليه __________ (1) انظر: شرح أسماء الله الحسنى للزجاج ص 55، وشأن الدعاء للخطابي ص 78. (2) في (ب) (أو المانع من حبّه).
(1/366)
لغرضٍ مَا، ولم تُحِبَّه لم تكن حامدًا له (1) حتى تكون مثنيًا عليه محبًا له، وهذا الثناء والحبُّ تبع للأسباب المقتضية له، وهو ما عليه المحمود من صفات الكمال ونعوت الجلال والإحسان إلى الغير، فإن هذه هي أسباب المحبة، وكُلَّما كانت هذه الصفات أجمع وأكمل كان الحمد والحبُّ أتمّ وأعظم، والله سبحانه له الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجهٍ مَا، والإحسان كله له ومنه، فهو سبحانه وتعالى أحق بكل حمد، وبكل حب من كُلِّ جهة، فهو أهل أن يُحَبَّ لذاته ولصفاته ولأفعاله ولأسمائه ولإحسانه، ولكل ما صَدَرَ منه (2) سبحانه وتعالى. وأما المَجْد فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال كما يدلُّ عليه موضوعه في اللُّغة، فهو دالٌّ على صفات العظمة والجلال (3)، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: "لا إله إلا الله والله أكبر"، فلا إله إلا الله دالٌّ على ألوهيته وتفرده فيها، فألُوهيته تستلزم مَحَبَّته التَّامَّة، و"الله أكبر" دال على مجده وعظمته، وذلك يستلزم تمجيده وتعظيمه وتكبيره، ولهذا يقرن سبحانه بين هذين النوعين في القرآن كثيرًا، كقوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} [هود: 73]، وقوله سبحانه: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ __________ (1) سقط من (ب، ش) من قوله (وكذا من) .. إلى قوله (حامدًا له). (2) في (ب) (عنه). (3) سقط من (ظ) من قوله (كما يدل) إلى (والجلال).
(1/367)
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)} [الإسراء: 111]، فأمر بحمده وتكبيره. وقال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)} [الرحمن: 78]، وقال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)} [الرحمن: 27]. 319 - وفي "المسند" و"صحيح أبي حاتم" وغيره: من حديث أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ألظوا بياذا الجلال والإكرام" (1)، يعني الزَمُوها وتعلَّقوا بها. فالجلال والإكرام هو الحمد والمجد. ونظير هذا قوله: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)} [النمل: 40]، وقوله: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)} [النساء: 149]، وقوله: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)} [الممتحنة: 7] وقوله: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)} [البروج: 14 - 15]، وهو كثير في القرآن. __________ (1) أخرجه الترمذي (3525)، وأبو يعلى في مسنده (6/ 445) رقم (3833)، والطبراني في الدعاء (1/ 824) رقم (94). من طريق حميد عن أنس مرفوعًا. وهو معلول بالإرسال أعله أبو حاتم والترمذي. انظر: علل ابن أبي حاتم (2/ 170 و 192). وله طريق آخر عن أنس، ولا يثبت. وقد ثبت هذا الحديث عن ربيعة بن عامر كما تقدم برقم (216). تنبيه: لم أقف على الحديث في المسند ولا في صحيح أبي حاتم ابن حبان من حديث أنس، وإنما عزاهُ إليه فقط الضياء في المختارة، وهو في المسند من حديث ربيعه بن عامر رضي الله عنه.
(1/368)
320 - وفي "الحديث الصحيح" (1): حديث دعاء الكرب: "لاَ إِلَهَ إلَّا اللهُ العَظِيمُ الحَلِيْمُ، لاَ إلهَ إلَّا اللهُ رب العَرْشِ العَظِيْم، لاَ إلهَ إلا اللهُ ربُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيْم". فذكر هذين الاسمين: "الحميد المجيد" عقيب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله مطابق لقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)} [هود: 73]. ولما كانت الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي ثناءُ اللهِ تعالى عليه وتكريمُه والتنويْهُ به، ورفْعُ ذكره، وزيادةُ حُبِّه وتقريبه- كما تقدَّم؛ كانت مشتملةً على الحمد والمجد، فكأنَّ المُصَلِّي طلب من الله تعالى أن يزيدَ في حمده ومجده، فإن الصلاة عليه هي نَوع حَمْدٍ له وتمجيد، هذه حقيقتها، فذكر في هذا المطلوب الاسمين (2) المناسبين له، وهما اسما (3) الحميد والمجيد، وهذا كما تقدَّم أنَّ الداعيَ يُشرَع له أنْ يَخْتِم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه، أو يفْتَتِحَ دعاءه به، وتقدم أن هذا من قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، قال سليمان عليه السلام في دعائه ربه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ __________ (1) أخرجه البخاري في (83) الدعوات (5986)، ومسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة (273) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (2) من (ح) وفي (ب، ش، ظ، ج) (الاسمان المناسبان) وهو خطأ، وفي (ت) (الاسماء المناسبة). (3) سقط من (ش).
(1/369)
الْوَهَّابُ (35)} [ص: 35]، وقال الخليل وابنه إسماعيل في دعائهما: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة: 128]، 321 - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور" (1)، مائة مرة في مجلسه. وقال لعائشة رضي الله عنها وقد سألته: إن وافقت ليلة القدر ما أدعو به؟ قال: 322 - "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (2). وقال للصِّدِّيق رضي الله عنه، وقد سأله أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته: "قل: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثيْرًا ولا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فاغْفِرْ لِيْ مَغْفِرَة مِن عِنْدِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ __________ (1) أخرجه الترمذي (3434)، وابن ماجه (3814)، وأبو داوود (1516)، وأحمد (2/ 21) وغيرهم. وسنده صحيح؛ لكن تفرد به محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر فذكره. وإليه أشار الترمذي بقوله: حسن صحيح غريب. (2) أخرجه الترمذي (3513)، وابن ماجه (3940)، وأحمد (6/ 171 و 258) وغيرهم من طريق ابن بريدة عن عائشة. وهو أصح الطرق عن عائشة. والحديث صححه الترمذي فقال: "هذا حديث حسن صحيح". لكن قال الدارقطني في السنن (كتاب الطلاق) (3/ 233): (ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئًا). وقد وقع في طرق الحديث اختلاف، أكثر مما ذكرته في تحقيق كتاب الصيام من شرح العمدة لشيخ الاسلام ابن تيمية (2/ 701 - 703) رقم (773).
(1/370)
الرَّحِيْمُ" (1). وهذا كثير قد ذكرناه في كتاب "الرُّوْح والنَّفْس"، وما قاله الناس في قول المسيح عليه الصلاة والسلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118]، ولم يقل الغفور الرحيم، وقول الخليل: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)} [إبراهيم: 36]. فلما كان المطلوب للرسول - صلى الله عليه وسلم - حمدًا ومجدًا (2) بصلاة الله عليه، ختم هذا السؤال باسمي "الحميد المجيد". وأيضًا فإنه لما كان المطلوب للرسول حمدًا ومجدًا، وكان ذلك حاصلًا له (3)، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت ذَيْنك الوصْفين للرب عز وجل بطريق الأوْلى، وكلُّ كَمَال في العبد غير مسْتلزم للنَّقصْ، فالرَّبُّ أحَقُّ به، وأيضًا فإنه لما طُلِبَ للرسول حمدٌ ومجدٌ بالصلاة عليه، وذلك يستلزم الثناء عليه، ختم هذا المطلوب بالثناء على مُرْسِله بالحمد والمجد، فيكون هذا الدعاء مُتَضَمِّنًا لطلب الحمد والمجد للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، والإخبار عن ثبوته للرب (4) سبحانه وتعالى. __________ (1) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة (799)، ومسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2705). (2) في جميع النسخ (حمدٌ ومجد) وهو خطأ، وكذا ما بعده. (3) سقط من (ب) (له). (4) في (ب) (الرب)، وسقط من (ج).
(1/371)
الفصل العاشر في ذكر قاعدة في هذه الدعوات والأذكار التي رويت بألفاظ مختلفة؛ كأنواع الاستفتاحات، وأنواع التشهدات في الصلاة، وأنواع الأدعية التي اختلفت ألفاظها، وأنواع الأذكار بعد الاعتدال من الركوع والسجود، ومنه هذه الألفاظ التي رويت في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سَلَكَ بَعْضُ المتأخِّرين (1) في ذلك طريقة في بعضها، وهو أنَّ الدَّاعيَ يُسْتَحَبُّ له أنْ يجمعَ بين تلك الألفاظ المختلفة، ورأى ذلك (2) أفضل ما يُقَالُ فيها، فرأى أنه يستحب للداعي بدعاء الصدِّيق رضي الله عنه أن يقول: "اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيْرًا كَبيْرًا"، ويقول المصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أزواجه وذريته وارحم محمدًا وآل محمدٍ وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم" وكذلك في البركة والرحمة. __________ (1) كالنووي في الأذكار ص 80. (2) سقط من (ب)، وقارن بمجموع الفتاوى (22/ 458 - 462).
(1/373)
ويقول في دعاء الاستخارة: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خَيرٌ ليْ في دِيْني وَمَعَاشِي وعَاقِبَة أمْرِي وعَاجل أمْرِي وآجِله" (1) ونحو ذلك. قال: لِيُصيبَ ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقينًا فيما شَكَّ فيه الرَّاوي، ولتجتمعَ له ألفاظ (2) الأدعية الأُخَر فيما اختلفت ألفاظها. ونازعه في ذلك آخرون، وقالوا (3): هذا ضعيف من وجوه: أحدها: أنَّ هذه طريقة مُحْدَثة لم يسبق إليها أحد من الأئمة المعروفين. الثاني: أنَّ صاحبها إنْ طَرَدَها لَزِمَه أن يَسْتحِب للمصلي أنْ يَسْتفتح بجميع أنواع الاستفتاحات، وأن يتشهد لجميع أنواع التشهدات، وأن يقول في ركوعه وسجوده جميع الأذكار الواردة فيه، وهذا باطل قطعًا، فإنه خلاف عمل الناس، ولم يستحبَّه أحد من أهل العلم، وهو بِدْعَة، وإن لم يطْردها تناقض وفَرَّقَ بين متماثلين. الثالث: أنَّ صاحبها ينبغي له أن يستحب للمصلي والتَّالي أن يجمع بين القراءات المتنوِّعة في التِّلاوة في الصلاة وخارجها، قالوا: ومعلوم أن المسلمين مُتَّفقُون على أنه لا يستحب ذلك للقارئ في الصلاة ولا خارجها إذا قرأ قراءة عِبَادة وتَدَبُّر، وإنما __________ (1) أخرجه البخاري في (83) الدعوات (6019). (2) سقط من (ظ). (3) في (ح) (وقال) وهو خطأ.
(1/374)
يفعل ذلك القراء أحيانًا ليمتحن بذلك حفظ القارئ لأنواع (1) القراءات، وإحاطته بها، واستحضاره إياها، والتَّمكُّن من استحضارها عند طلبها، فذلك تمرين وتدريب لا تعبُّد يُستحَبُّ لكل تَالٍ وقارئ، ومع هذا ففي ذلك للناس كلام ليس هذا موضعه، بل المشروع في حق التالي أن يقرأ بأيِّ حرف شاء، وإن (2) شاء أن يقرأ بهذا مرة وبهذا مرة جاز ذلك، وكذا (3) الداعي إذا قال: "ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا" مرة، ومرة قال: "كبيرًا" جاز ذلك، وكذلك الداعي إذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة بلفظ هذا الحديث، ومرة باللفظ (4) الآخر، وكذلك إذا تشهد، فإن شاء تشهَّد بتشهُّد ابن مسعود (5)، وإن شاء بتشهد ابن عباس (6)، وإن شاء بتشهد ابن عمر (7)، وإن شاء بتشهد عائشة (8)؛ رضي الله عنهم أجمعين. __________ (1) في (ش) (أنواع). (2) سقط من (ب) (وإن شاء). (3) في (ح) (وكذلك). (4) في (ب، ش، ج) (بلفظ). (5) عند البخاري في (16) صفة الصلاة، (64) باب: التشهد في الآخرة (797) ومسلم في (4) الصلاة رقم (402). (6) عند مسلم في (4) الصلاة رقم (403). (7) عند أبي داوود برقم (971) وهو مختلف في رفعه ووقفه، وهو ثابت وقفه على ابن عمر. (8) عند مالك في الموطأ رقم (242 و 243) وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 261) رقم (2993) والبيهقي في الكبرى (2/ 144) موقوفًا عليها. وهو صحيح، وروي مرفوعًا ولا يثبت.
(1/375)
وكذلك في الاستفتاح إن شاء استفتح بحديث عَلِيّ (1)، وإن شاء بحديث أبي هريرة (2) وإن شاء باستفتاح عمر (3)، وإن شاء فعل هذا مرة، وهذا مرة وهذا مرة. وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء قال: "اللهم ربنا لك الحمد" (4)، وإن شاء قال: "ربنا لك الحمد" (5)، وإن شاء قال: "ربنا ولك الحمد" (6)، ولا يستحب له أحد (7) أن يجمع بين ذلك كله. وقد احتج غير واحد من الأئمة، منهم الشافعي رحمه الله تعالى على جواز الأنواع المأثورة في التشهدات ونحوها، بالحديث الذي رواه أصحاب الصحيح والسنن وغيرهم: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 323 - "أنزل القرآن على سبعة أحرف" (8). __________ (1) أخرجه مسلم في (6) صلاة المسافرين وقصرها (771). (2) أخرجه البخاري في (6) صفة الصلاة (711)، ومسلم في (5) كتاب المساجد ومواضع الصلاة (598). (3) عند مالك في الموطأ برقم (240) وغيره وهو صحيح ثابت عنه. (4) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة (763)، ومسلم في (409) الصلاة (409) من حديث أبي هريرة. (5) أخرجه البخاري في (15) الجماعة والإمامة (689) من حديث أبي هريرة. (6) أخرجه البخارى في (16) صفة الصلاة (766) من حديث رفاعة بن رافع الزرقي. (7) وقع في (ج) (ولا يستحب لأحد أن يجمع). (8) أخرجه البخاري في (69) فضائل القرآن (4706) من حديث عمر بن =
(1/376)
فجوَّز النبي - صلى الله عليه وسلم - القراءة بكل حرف من تلك الأحرف، وأخبر أنه "شافٍ كافٍ" (1)، ومعلوم أن المشروع في ذلك أن يقرأ بتلك الأحرف على سبيل البدل، لا على سبيل الجمع، كما كان الصحابة يفعلون. الرابع: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجمع بين تلك الألفاظ المختلفة في آن واحد، بل إما أن يكون قال هذا مرة، وهذا مرة كألفاظ الاستفتاح والتشهد، وأذكار الركوع والسجود وغيرها، فاتباعه - صلى الله عليه وسلم - يقتضي أن لا يجمع بينها، بل يقال هذا مرة، وهذا مرة وإما أن يكون الراوي قد شك في أي الألفاظ قال، فإن ترجح عند الداعي بعضها صار إليه، وإن لم يترجح عنده بعضها كان مخيرًا بينها، ولم يشرع له الجمع، فإن هذا نوع ثالث لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيعود الجمع بين تلك الألفاظ في آن واحد على مقصود الداعي بالإبطال؛ لأنه قصد متابعة الرسول، ففعل ما لم يفعله قطعًا. ومثال ما يترجح فيه أحد الألفاظ حديث الاستخارة (2)، فإن الراوي شك هل قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 324 - "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني __________ = الخطاب. (1) تقدم برقم (208). (2) تقدم قريبًا.
(1/377)
ومعاشي وعاقبة أمري"، أو قال: "وعاجل أمري وآجله"، بدل: "وعاقبة أمري"، والصحيح اللفظ الأول، وهو قوله: "وعاقبة أمري" لأن عاجل الأمر وآجله هو مضمون قوله: "ديني ومعاشي، وعاقبة أمري" فيكون الجمع بين المعاش وعاجل الأمر وآجله تكرارًا، بخلاف ذكر المعاش والعاقبة، فإنه لا تكرار فيه؛ فإن المعاش هو عاجل الأمر، والعاقبة آجله. 325 - ومن ذلك ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "مَن قَرَأَ عَشْر آياتٍ مِنْ أوَّلِ سُوْرَة الكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتنة الدَّجَّال"، رواه مسلم (1). واختلف فيه، فقال بعض الرواة (2): "من أول سورة الكهف" (3)، وقال بعضهم (4): "من آخرها"؛ وكلاهما في __________ (1) في (6) صلاة المسافرين وقصرها (809) من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء فذكره. (2) في (ظ، ج) (بعضهم) بدلًا من (بعض الرواة). وَهُم: 1 - سعيد بن أبي عروبة، عند أحمد في مسنده (6/ 449). 2 - همام بن يحيى العوذي، عند مسلم (809)، وأحمد (6/ 449)، وأبي داوود (4323). 3 - شيبان بن عبد الرحمن، عند أحمد في مسنده (6/ 449). (3) سقط من (ب، ت، ش) من قوله (عُصِم ... ) إلى، قوله (من أول سورة الكهف). (4) هو شعبة بن الحجاج، عند مسلم (809). وقد وقع عليه اختلاف آخر، فبعضهم رواه عنه، (من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف) وبعضهم جعل الحديث من مسند ثوبان، ورواية الجماعة أصح وأرجح.
(1/378)
"الصحيح" (1)، لكن الترجيح لمن قال: "من أول سورة الكهف" لأن في "صحيح مسلم" (2) من حديث النَّوَّاس بن سَمْعان في قصة الدجال: 326 - "فَإذَا رأيْتُمُوه فَاقْرَأوا عَلَيْه فَوَاتِحَ سُوْرَة الكَهْفِ" ولم يُخْتلف في ذلك، وهذا يدل على أنَ مَنْ روى العشر من أوِّل السورة حفظ الحديث، ومن روى من آخرها لم يحفظه. الخامس: أنَّ المقصود إنما هو المَعْنَى، والتَّعبير عنه بعبارة مؤدية له، فإذا عبَّر عنه بإحدى العبارتين حصل المقصود، فلا يجمع بين العبارات المتعددة. السادس: أن أحد اللفظين بَدَلٌ عن الآخر، فلا يُستحَب الجمع بين البَدَلِ والمُبْدَلِ معًا، كما لا يستحب ذلك في المبدلات التي لها أبدال، والله أعلم. __________ (1) في (ب، ج) (وكلاهما صحيح). (2) في (52) الفتن وأشراط الساعة (2937).
(1/379)
الباب الثالث (1) في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يتأكَّدُ طلبها إمَّا وجوبًا وإمَّا استحبابًا مُؤَكَّدًا
الموطن الأول: وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد
وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، واختلفوا في وجوبه فيها. فقالت طائفة: ليس بواجب فيها، ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومخالفة الإجماع، منهم الطحاوي (2)، والقاضي عياض (3)، والخطابي (4)، فإنه قال: "ليست بواجبة في الصلاة، وهو قول جماعة الفقهاء إلا الشافعي، ولا أعلم له قُدْوة"، وكذلك ابن المنذر (5) ذكر أن الشافعي تَفَرَّدَ بذلك، واختار (6) عدم الوجوب. واحتج أرباب هذا القول بأنْ قالوا -واللفظ لعياض-: "والدليل على أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست من فروض الصلاة __________ (1) في جميع النسخ (الرابع) وظاهر كلام المؤلف ومقتضاه (الثالث). (2) انظر: شرح مشكل الآثار (6/ 22 - 24)، وأحكام القرآن (1/ 181). (3) انظر: الشفا (2/ 62 - 63)، والاستذكار لابن عبد البر (1/ 486). (4) انظر: معالم السنن (1/ 227). (5) انظر: الأوسط (3/ 213 - 214). (6) في (ب) (وأجاز).
(1/380)
عمل السلف الصالح قبل الشافعي، وإجماعهم عليه، وقد شَنَّع الناس عليه المسألة جدًا، وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، ليس فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كل من روى التشهد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كأبي هريرة، وابن عباس، وجابر، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم؛ لم يذكروا فيه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد قال ابن عباس (1)؛ وجابر (2): 327 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. ونحوه عن أبي سعيد (3). 328 - وقال ابن عمر: "كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر، كما تعلِّمُون الصبيان في الكُتَّاب" (4). __________ (1) أخرجه مسلم في (4) الصلاة (403). (2) أخرجه ابن ماجه (902)، والنسائي (1175 و 1281)، والبيهقي (2/ 142) وغيرهم. والحديث غير محفوظ، أخطأ فيه أيمن بن نابل، فجعله من مسند جابر والصواب، من مسند ابن عباس، كما تقدم عند مسلم. نص عليه البخاري والنسائي والترمذي وغيرهم. انظر: الترمذي تحت رقم (902)، ونصب الراية (1/ 421). (3) أخرجه ابن أبي شيبة (2991) بمعناه، وسنده صحيح. (4) أخرجه ابن أبي شيبة (2990)، والطحاوي في شرح المشكل (3803) =
(1/381)
329 - وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلمه أيضًا على المنبر (1) ". يعني وليس في شيء من ذلك أمرهم فيه بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (2). "ومن حجة من قال بأن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ليست فرضًا (3) في الصلاة: 330 - حديث الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، أخذ علقمة بيدي فقال: إن عبد الله أخذ بيدي (وقال إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدي) (4) كما أخذت بيدك، فعلمني التشهد، فذكر الحديث إلى قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، قال: "فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد (5) ". __________ = وسنده ضعيف، فيه زيد بن الحواري العَمِّي، ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (10/ 56 - 60). (1) أخرجه مالك في الموطأ رقم (240)، وعبد الرزاق (2/ 202) رقم (3067 و 3068) وغيرهما. وسنده صحيح. وروي مرفوعًا وهو خطأ، لا يصح. انظر: نصب الراية (1/ 422)، وعلل الدارقطني (2/ 82) رقم (125). (2) (16/ 191 - 192) ووقع في (ظ، ت، ج) (التشهّد) بدلًا من (التمهيد) وهو خطأ. (3) كذا في النسخ، وفي التمهيد (بواجبة). (4) سقط من (ظ) ما بين القوسين، وسقط من (ج) (أخذ بيدي) فقط. (5) أخرجه أبو داوود (970)، وأحمد (1/ 422 و 450)، والدارقطني (1/ 253) =
(1/382)
قالوا: ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم يَرَ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد واجبة، ولا سُنَّة مسنونة، وأن من تشهد فقد تمت صلاته، إن شاء قام وإن شاء قعد. قالوا: لأن ذلك لو كان واجبًا، أو سنة في التشهد، لَبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وذكره". 331 - قالوا: وأيضًا فقد روى أبو داود، والترمذي، والطحاوي من حديث عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رفع رأسه من آخر السجود، فقد مضت صلاته إذا هو أحدث" (1)، واللفظ لحديث الطحاوي، وعندكم لا تمضي صلاته حتى يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: وقد روى عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه: "إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته" (2). __________ = وغيرهم. وظاهر إسناده الصحة، وقوله (فإذا قلت ذلك ... ) مدرج من قول ابن مسعود وسيأتي الكلام عليه. (1) أخرجه أبو داوود (617)، والترمذي (408)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 274 - 275) وغيرهم. وهو حديث منكر، تفرد به عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وهو ضعيف، بل عامة حديثه لا يتابع عليه. انظر: تهذيب الكمال (17/ 102 - 110). (2) أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 273)، والبيهقي في الكبرى (2/ 173) من طريق أبي عوانة عن الحكم عن عاصم به فذكره. وهو حديث منكر. قاله أبو حاتم الرازي، وقال الإمام أحمد لا يصح =
(1/383)
(ومن حجتهم أيضًا: حديث الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود في التشهد قال: "ثُمَّ لِيتخَيَّر مَا أحَبَّ مِنَ الكَلاَم" (1) يعني ولم يذكر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -) (2). 332 - ومن حجتهم أيضًا: حديث فَضَالَة بن عُبَيْد (3): أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلًا يدعو في صلاته، ولم يحمد الله، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عجل هذا"، ثم دعاه، فقال له أو (4) لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، ثم يصلي على محمد وآل (5) محمد، ثم يدعو بما شاء". قالوا: ففي حديث (6) فضالة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر هذا المصلي - الذي ترك الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، لأنها لو كانت فرضًا لأمره بإعادة الصلاة، كما أمر الذي لم يتم ركوعه ولا سجوده بالإعادة. __________ = وسيأتي ص 404. قلت: والصحيح عن علي خلافه. انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 356) رقم (3686). انظر: العلل لابن أبي حاتم (1/ 113). (1) أخرجه البخاري في (82) الاستئذان (5876)، ومسلم في (4) الصلاة (402). (2) سقط من (ش) من قوله (ومن حجتهم) إلى (صلى الله عليه وسلم). (3) تقدم تخريجه رقم (44). (4) في (ب، ش) (ولغيره). (5) سقط من (ب، ظ، ت، ج) قوله (وآل محمد). (6) في (ظ) (ففي هذا حديث فضالة).
(1/384)
واحتج هؤلاء أيضًا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلمها المسيء في صلاته (1)، ولو كانت من فروض الصلاة التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها لعلَّمه إيَّاها كما علَّمه القراءة والركوع والسجود والطمأنينة في الصلاة. واحتجوا أيضًا بأن الفرائض إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله، أو بإجماع (2) مِمَّن تقوم الحُجَّة بإجماعهم. فهذا أجَلُّ (3) ما احتجَّ به النفاة وعمدتهم. ونازعهم آخرون في ذلك نقلًا واستدلالًا، وقالوا: أما نسبتكم الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة إلى الشُّذوذ ومخالفة الإجماع، فليس بصحيح، فقد قال بقوله جماعة من الصحابة ومن بعدهم. 333 - فمنهم عبد الله بن مسعود (4)، فإنه كان يراها واجبة في الصلاة، ويقول: "لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي - صلى الله عليه وسلم -". __________ (1) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة (724)، ومسلم في (4) الصلاة (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (2) في (ب، ش) (وبإجماع). (3) في (ش، ظ) (جُلُّ)، وهو محتمل. (4) الذي في التمهيد المطبوع لأبي مسعود، فلعل المؤلف ظنه ابن مسعود، أو رآه في نسخة (ابن مسعود)، والصواب (أبو مسعود)، بدليل ما ذكره ابن عبد البر من الآثار عن أبي مسعود، ولم يذكر لابن مسعود شيئًا. والله أعلم.
(1/385)
ذكره ابن عبد البر (1) عنه في "التمهيد" وحكاه غيره أيضًا (2). 334 - ومنهم أبو مسعود البدري (3)، روى عثمان بن أبي شيبة وغيره: عن شريك، عن جابر الجعفي، عن أبى جعفر محمد بن علي، عن أبي مسعود قال: ما أرى أن (4) صلاة لي تمت حتى أصلي على محمدٍ وعلى آل محمد". 335 - ومنهم عبد الله بن عمر، ذكره الحسن بن شبيب المعمري: حدثنا علي بن ميمون، حدثنا خالد بن حيان (5)، عن جعفر بن برقان (6)، عن عقبة بن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: "لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن __________ (1) (16/ 194)، والأثر لم أقف عليه. انظر الفتح (11/ 164). (2) كالماوردي في الحاوي الكبير (2/ 137). (3) أخرجه الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 539)، والطبري في التهذيب (359 - القسم المفقود)، والدارقطني في السنن (1/ 355 - 356). وسنده ضعيف، فإن مداره على جابر الجعفي، وهو ضعيف، وقد اتُّهم، وهو أيضًا قد اختلف عليه فيه، وفيه انقطاع بين أبي جعفر وأبي مسعود، وصوب الدارقطني أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي. انظر: الشفا للقاضي عياض (2/ 64). (4) في (ش) (أصلاة). (5) في (ب، ش) (حبان) وفي (ظ، ت) (حسان) والتصويب من تهذيب الكمال (5/ 13). (6) كذا في النسخ، ولعلَّه سقط بينهما (راشد وهو الأزرق) وهو مجهول. انظر: التاريخ الكبير (3/ 297)، والجرح والتعديل (3/ 486).
(1/386)
نسيت شيئًا من ذلك، فاسجد سجدتين بعد السلام" (1). 336 - وقال (2): حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك، عن أبي جعفر، قال: قال أبو مسعود البدري: ما أرى أن صلاة لي تمت لا أصلي فيها على محمد - صلى الله عليه وسلم -. ومن التابعين: أبو جعفر محمد بن علي (3)، والشعبي (4)، ومقاتل بن حيان (5). ومن أرباب المذاهب المتبوعين إسحاق بن راهويه، قال: "إن تركها عمدًا لم تصح صلاته، وإن تركها سهوًّا رجوت أن تجزئه". قلت: عن إسحاق في ذلك روايتان، ذكرهما عنه حرب في "مسائله" قال: "باب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد". قال: "سألت إسحاق قلت: الرجل إذا تشهد فلم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ __________ (1) أخرجه ابن أبي شيبة رقم (8714) وسنده ضعيف، فيه راشد الأزرق، الذي يُحتمل أنه سقط من السند، وهو مجهول، وفيه عقبة بن نافع، وهو مجهول أيضًا. قال البخاري في تاريخه (6/ 434): "عقبة بن نافع سمع ابن عمر رضي الله عنهما، روى جعفر بن برقان عن راشد. منقطع". وانظر: الجرح والتعديل (6/ 317)، والفتح لابن حجر (11/ 164)، فقد جوّده. (2) تقدم قريبًا وهو لا يثبت. (3) تقدم قريبًا، وهو لا يثبت عنه، فيه جابر الجعفي. (4) ذكره البيهقي في معرفة السنن والآثار (3/ 70). (5) عند البيهقي في الخلافيات بسند قوي كما في الفتح (11/ 164).
(1/387)
قال: أما أنا فأقول: إن صلاته جائزة. وقال الشافعي: لا تجوز صلاته، ثم قال: أنا أذهب إلى حديث الحسن بن الحرّ، عن القاسم بن مخيمرة، فذكر حديث ابن مسعود (1) رضي الله عنه، قال حرب: سمعت (2) أبا يعقوب -يعني إسحاق- يقول: "إذا فرغ من التشهد- إمامًا كان أو مأمومًا - صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجزئه غير ذلك، لقول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: 337 - قد عرفنا السلام عليك -يعني في التشهد والسلام فيها- فكيف الصلاة، فأنزل الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56]، وفَسَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف هي؟ فأدنى ما ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه يكفيه، فليقله بعد التشهد، والتشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجلسة الأخيرة عملان هما عدلان، لا يجوز لأحد أن يترك واحدًا منهما عَمْدًا، وإن كان ناسيًا رجونا أن تجزئه، مع أن بعض علماء الحجاز قال: لا يجزئه ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن تركه أعاد الصلاة". تَمَّ كلامه. وأما الإمام أحمد (3)، فاختلفت الرواية عنه، ففي "مسائل المَرُّوْذِي (4) ". قيل لأبي عبد الله: إن ابن راهويه يقول: "لو أن رجلًا ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد بطلت صلاته؟. قال: "ما __________ (1) سيأتي الكلام ص 395 - 397. (2) سقط من (ش). (3) انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (3/ 544). (4) في (ب) (المروروذى).
(1/388)
اجترئ أن أقول هذا". وقال مرة: "هذا شذوذ". وفي مسائل أبي زرعة الدمشقي (1)، قال أحمد: "كُنْتُ أتهيَّب ذلك، ثم تَبيَّنْتُ، فإذا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة". وظاهر هذا أنه رجع عن قوله بعدم الوجوب. وأما قولكم: الدليل (2) على عدم وجوبها عمل السلف الصالح قبل الشافعي وإجماعهم عليه. فجوابه: أن استدلالكم إما أن يكون بعمل الناس في صلاتهم، وإما بقول أهل الإجماع: إنها ليست بواجبة. فإن كان الاستدلال بالعمل فهو من أقوى حججنا عليكم، فإنه لم يزل عمل الناس مستمرًا قَرْنًا بعد قَرْنٍ، وعصرًا بعد عصر على الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر التشهد، وإمامهم ومأمومهم ومنفردهم، ومفترضهم ومتنفلهم، حتى لو سئل كل مصل هل صليت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة؟ لقال: نعم. وحتى لو سَلَّم من غير صلاةٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلم المأمومون (3) منه ذلك، لأنكروا ذلك (4) عليه، وهذا أمر لا يمكن إنكاره. فالعمل أقوى حجة عليكم، فكيف يسوغ لكم أن تقولوا: عمل السلف الصالح قبل الشافعي ينفي الوجوب؟ أفترى السلف الصالح كلهم ما كان أحد منهم قط __________ (1) انظر: الشرح الكبير مع الإنصاف (3/ 548). (2) في (ب) (إن الدليل). (3) في (ب) (المأمون منه) وهو خطأ. (4) من (ح) فقط.
(1/389)
يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته؟! وهذا من أبطل الباطل. وأما إن كان احتجاجكم بقول أهل الإجماع (1): إنها ليست بفرض. فهذا مع أنه لا يسمى عملًا لم يعلمه (2) أهل الإجماع، وإنما هو مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما، وغايته أنه قول كثير من أهل العلم، وقد نازعهم في ذلك آخرون من الصحابة والتابعين وأرباب المذاهب كما تقدم، فهذا ابن مسعود، وابن عمر، وأبو مسعود، والشعبي، ومقاتل بن حيان، وجعفر بن محمد، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد في آخر قوليه، يوجبون الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، فأين إجماع المسلمين مع خلاف هؤلاء؟ وأين عمل السلف الصالح، وهؤلاء من أفاضلهم رضي الله عنهم؟ ولكن هذا شأن من لم يتتبع مذاهب العلماء، ويعلم مواقع الإجماع والنزاع. وأما قوله: "قد شَنَّع الناس المسألة على الشافعي جدًا"، فَيَا سُبْحان الله! أيُّ شناعة عليه في هذه المسألة؟ وهل هي إلا من محاسن مذهبه؟ ثم (3) لا يستحي المشنِّع عليه مثلَ هذه المسألة من المسائل التي شُنْعَتُها ظاهرة جدًا، يعرفها من عرفها من المسائل التي تخالف النصوص، أو تخالف الإجماع السابق؛ أو القياس، أو المصلحة الراجحة؟ ولو تُتُبِّعَتْ لبلغت مِئِين، وليس تَتَبُّع المسائل __________ (1) في (ح) فقط ( .. الإجماع أيضًا:). (2) في (ب) (يعمله). (3) في (ظ (لم).
(1/390)
المستبشعة (1) من عادة أهل العلم فَيُقتدى بهم في ذِكرِها وعَدِّها، والمُنْصِفُ خَصْمُ نفسه. فأي كتاب خالف الشافعي في هذه المسألة؟ أم أي سنة؟ أم أي إجماع؟ ولأجل أن قال قولًا اقتضته الأدلة وقامت على صِحَّتِه، وهو من تمام الصلاة بلا خلاف؛ إِمَّا تَمَام واجباتها، أو تمام مستحباتها، فهو رضي الله عنه رأى أنه من تمام واجباتها بالأدلة التي سنذكرها بعد ذلك، فلا إجماعًا خَرَقَه، ولا نصًّا خالفه، فمن أيّ (2) وجه يشنع عليه؟ وهل الشناعة إلا بمن شنَّع عليه أليَق، وبه ألْحَق؟. وأما قوله: "وهذا تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الذي اختاره الشافعي، وهو الذي علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه (3) .. " إلى آخره. فهكذا رأيته في النسخة "الذي اختاره الشافعي"، والشافعي إنما اختار تشهد ابن عباس، أما تشهد ابن مسعود رضي الله عنه، فأبو حنيفة وأحمد اختاراه، ومالك اختار تشهد عمر. وبالجملة فجواب ذلك من وجوه: أحدها: أنا نقول بموجب هذا الدليل، فإن مقتضاه وجوب التشهد، ولا ينفي وجوب غيره، فإنه لم يقل أحد (4): إن __________ (1) في (ب) (المستشبعة)، وفي (المستشبعة)، وفي (ح) (المستشبعة). (2) وقع في (ب) فقط (فلأيِّ وجه ... ). (3) سقط من (ظ، ت، ج) (إيّاه). (4) في (ب، ش) (فإن لم يقل إن هذا .. ).
(1/391)
هذا التشهد هو جميع الواجب من الذِّكْر في هذه القَعْدة، فإيجاب الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل آخر لا يكون معارضًا بترك تعليمه في أحاديث التشهد. الثاني: أنكم تُوجبون السَّلام من الصَّلاة، ولم يعلِّمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه في أحاديث التشهد. 338 - فإن قلتم: إنما وجب السلام بقوله - صلى الله عليه وسلم - (1): "تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم". قيل لكم: ونحن أوجبنا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأدلة المقتضية لها، فإن كان تعليم التشهد وحده مانعًا من إيجاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مانعًا من إيجاب السلام؛ وإن لم يمنعه لم يمنع وجوب الصلاة. الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما علمهم التشهد علمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليم التشهد دالًا على وجوبه، وتعليمه الصلاة لا يدل على وجوبها؟ فإن قلتم: التشهد الذي علمهم إياه هو تشهد الصلاة، ولهذا قال فيه: 339 - "فإذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله" (2)، وأما __________ (1) أخرجه الترمذي (3)، وأبو داوود (61)، وابن ماجه (275) وغيرهم. تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه لين. انظر: تهذيب الكمال (16/ 78)، والحديث * صححه الترمذي كما يدل عليه كلامه. والضياء في المختارة (718) * وعدّه ابن عدي من منكرات ابن عقيل (4/ 129). (2) تقدم قبل رقم 332 وسيأتي برقم (352)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(1/392)
تعليم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - فمطلق. قلنا: والصلاة التي علمهم إياها عليه - صلى الله عليه وسلم - هي في الصلاة أيضًا لوجهين: أحدهما: حديث محمد بن إبراهيم التيمي (1)، وقوله: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟. وقد تقدم في الباب الأول. الثاني: أن الصَّلاة التي سألوا النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُعلمهم إياها نظير السَّلام الذي علموه، لأنهم (2) قالوا: 340 - "هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ " (3)، ومن المعلوم أن السلام الذي علموه هو قولهم في الصلاة: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، فوجب أن تكون الصلاة المقرونة به (4) هي في الصلاة. وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام تقرير ذلك. الرابع: أنَّه لو قُدِّرَ أنَّ أحاديث التَّشهد تنفي وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكانت أدلة وجوبها مُقَدَّمة على تلك، لأنَّ نفيها __________ (1) تقدم تحت رقم (1) - وهو معلول أخطأ فيه ابن إسحاق. (2) سقط من (ب، ش) من قوله (لأنهم) إلى (الذي علموه). (3) تقدم برقم (1) وراجع تفصيل الكلام على زيادة ابن إسحاق. (4) سقط من (ح).
(1/393)
مُبْق (1) على استصحاب (2) البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل مقدم على المُبْقِي، فكيف (3) ولا تعارض، فإنَّ غاية ما ذكرتم من تعليم التشهد أدلة ساكتة عن وجوب غيره، وما سكت عن وجوب شيء لا يكون معارضًا لما نطق بوجوبه، فضلًا عن أن يُقَدَّم عليه. الخامس: أنَّ تعليمهم التشهد كان مُتَقَدِّمًا، بل لعَلَّه من (4) حين فرضت الصلاة. وأما تعليمهم الصلاة عليه فإنه كان بعد نزول قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، ومعلوم أن هذه الآية نزلت في الأحزاب بعد نكاحه زينب بنت جحش، وبعد تخييره أزواجه، فهي بعد فرض التشهد، فلو قدر أن فرض التشهد كان نافيًا لوجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - لكان منسوخًا بأدلة الوجوب، فإنها متأخرة. والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن (5) هذا يقتضي تقديم أدلة الوجوب لتأخرها، والذي قبله يقتضي تقديمها لرفعها البراءة الأصلية، من غير نظر إلى تقدم (6) ولا تأخر، والذي يدل على تأخر __________ (1) في (ب) (منتفي)، وفي (ش) (متبقى)، وفي (ج) (ينفي). (2) في (ب) (الاستحباب) وهو خطأ. (3) في (ب) (وكيف). (4) سقط من (ب). (5) ليس في (ب، ش) من قوله (أن هذا ... ) إلى (والذي قبله). (6) في (ب) (ما تقدم).
(1/394)
الأمر بالصلاة عن التشهد قولهم: 341 - "هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ " ومعلوم أن السلام عليه مقرون بذكر التشهد. لم يشرع في الصلاة وحده بدون ذكر التشهد، والله أعلم. وأما قوله: "ومن حُجَّة من لم يرها فرضًا في الصلاة حديث (1) الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، فذكر حديث ابن مسعود، وفيه: 342 - "فإذا قلت ذلك فقد قضيت الصلاة، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، ولم يذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فجوابه من وجوه: أحدها: - أن هذه الزِّيادة مُدْرَجة في الحديث، ليست من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، بَيَّن ذلك الأئمة الحفاظ. قال الدارقطني في كتاب "العلل" (2): "رواه الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، عن علقمة، عن عبد الله؟ حدث به عنه محمد بن عجلان، وحسين الجعفي، وزهير بن معاوية، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان. فأما ابن عجلان، وحسين الجعفي فاتفقا على لفظه، وأما زهير فزاد عليهما في آخره كلامًا أدرجه بعض الرواة عن زهير في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قوله: (إذا قضيت هذا أو فعلت هذا فقد قضيت __________ (1) في (ب) (الحديث). (2) (5/ 127 - 128) رقم (766).
(1/395)
صلاتك إن شئت أن تقوم فقم). ورواه شبابة بن سوار، عن زهير، ففصل بين لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال فيه عن زهير: قال ابن مسعود هذا الكلام. وكذلك رواه ابن (1) ثوبان، عن الحسن بن الحر وبَيَّنه، وفَصَل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من كلام ابن مسعود، وهو الصواب". وقال في كتاب "السنن" (2) وقد ذكر حديث زهير، عن الحسن بن الحر هذا، وذكر الزيادة، ثم قال: "أدرجه بعضهم عن زهير في الحديث، ووصله بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفَصَلَه شَبَابَة عن زهير، وجعله من كلام عبد الله رضي الله عنه، وقوله أشْبه (3) بالصواب من قول من أدرجه في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود، ولاتفاق حسين الجعفي، وابن عجلان، ومحمد بن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره (4) في آخر الحديث، مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن عبد الله بن مسعود على ذلك" - ثم ذكر رواية شبابة وفصله كلام عبد الله من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "شبابة ثقة، وقد فصل آخر الحديث، جعله من قول عبد الله بن مسعود، وهو أصح من رواية من أدرج __________ (1) في (ب) (ثوبان) وهو خطأ، وفي (ت) (أبو ثوبان) وهو خطأ. (2) (1/ 353). (3) في (ب، ش) (وهو الصواب) والمثبت من (ظ، ج، ت) والسنن. (4) في (ب، ش) (على ترك .. ) -بياض- في آخر الحديث).
(1/396)
آخره (1) في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد تابعه غسَّان بن الربيع وغيره، فرواه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخر الحديث من كلام ابن مسعود لم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -". وذكر أبو بكر الخطيب هذا الحديث في كتاب "الفصل للوصل" (2) له. وقال: "قول من فصل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من كلام ابن مسعود، وبَيَّن أن الصواب أن هذه الزيادة مدرجة". فإن قيل: فأنتم قد رويتم عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - واجبة في الصلاة، وهذا الذي ساعدناكم على أنه من قول ابن مسعود رضي الله عنه يبطل ما رويتم عنه. فإن كان الحديث من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو نص في عدم وجوبها، وإن كان من كلام ابن مسعود رضى الله عنه فهو مبطل لما رويتموه عنه. فهذا سؤال قوي، وقد أجيب عنه بأجوبة: أحدها: قال القاضي أبو الطيب: قوله: "فإذا قلت هذا فقد __________ (1) سقط من جميع النسخ (آخره)، واستدركته من سنن الدارقطني (1/ 353). (2) (1/ 103 - 115). قلت: ومع تصويب وقفه على ابن مسعود، إلا أنه شاذ عنه، غير معروف عن ابن مسعود، ولا عن أصحابه عنه. والمحفوظ عن ابن مسعود: قوله (مفتاح، وفي رواية: حدُّ الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم) أخرجه الطبري في التهذيب (الجزء المفقود) (428 - 432)، وابن أبي شيبة (1/ 208)، والبيهقي (2/ 15، 173 - 174)، وسنده صحيح، وصححه البيهقي.
(1/397)
قضيت صلاتك"، معناه أنها قاربت التمام، والدليل على ذلك أنا أجمعنا على أن الصلاة لم تتم (1). وهذا جواب ضعيف، لأنه قال: "فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد"، وعند من يُوجبُ الصلاة (2) على النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُخَيِّرُ بين القيام والقعود حتى يأتي بِهَا. الجواب الثاني: أن هذا حديث خرج على معنى في التشهد، وذلك أنهم كانوا يقولون في الصلاة: السلام على الله، فقيل لهم: إن الله هو السلام، ولكن قولوا كذا، فعلمهم التشهد، ومعنى قوله: "إذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك"، يعني إذا ضُمَّ إليها ما يجبُ فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم وسائر أحكامها، ألا ترى أنه لم يذكر التسليم من الصلاة، وهو من فرائضها، لأنه قد وقفهم على ذلك، فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم. 343 - قالوا: ومثل حديث ابن مسعود هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة (3): "إنَّها تُؤْخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُردُّ (4) عَلَى فُقَرَائِهِم" (5). أي __________ (1) انظر نحوه في الحاوي الكبير للماوردي (2/ 136). (2) أخرجه البخاري في (30) الزكاة (1331)، ومسلم في (1) الإيمان (19) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. (3) في (ب، ش) (فتفرق). (4) سقط من (ب). (5) أخرجه البخاري في (16) صفة الصلاة رقم (724)، ومسلم في (4) الصلاة، رقم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1/398)
ومن ضُمَّ إليهم، وسُمِّي معهم في القرآن، وهم الثمانية الأصناف. 344 - قالوا: ومثل ذلك قوله في حديث المسيء في صلاته (1): "ارْجع فَصَلِّ فإنِّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثم أمره بفعل ما رآه لم يأت به، أو لمَ يُقمْه من صلاته فقال: "إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاة" فذكر الحديث، وسكت له (2) عن التشهد والتسليم. وقد قام الدليل من غير هذا الحديث على وجوب التشهد، ووجوب التسليم عليه - صلى الله عليه وسلم - بما علمهم من ذلك، كما يعلمهم السورة من القرآن، وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم، وقام الدليل أيضًا في التسليم بأنه إنما يُتَحَلَّلُ من الصلاة به، لا بغيره من غير هذا الحديث (3)، فكذلك (4) الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مأخوذة (5) من غير ذلك الحديث. قالوا: وكما جاز لمن جعل التشهد فرضًا، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا، وردَّ على من خالفه، وقال: إذا قعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته وإن لم يتشهد، وعلى من قال: إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة (6) فقد تمت صلاته، بأن ابن __________ (1) ليس في (ح، ج). (2) في (ح) (المسألة). (3) ليس في (ب، ش) من قوله (على وجوب) إلى (الحديث). (4) في (ظ) (فكذا)، وليس في (ج) من قوله (فكذلك ... ذلك الحديث). (5) في (ب، ش) (مأخوذ). (6) في (ظ، ج) (الأخيرة).
(1/399)
مسعود رضي الله عنه إنَّما علَّق التَّمام في حديثه بالتشهد = جاز لمن أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتج بالأحاديث الموجبة لها، وتكون حجته منها على من نفى وجوبها كالحجة من حديث ابن مسعود رضي الله عنه على من نفى وجوب التشهد، أو وجوب (1) القعدة معه. قالوا: واستدلالنا أقوى من استدلالكم، فإنه استدلال بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وعمل الأُمَّة قَرْنًا بعد قرن، فإن لم يكن ذلك أقوى من الاستدلال على وجوب التشهد، لم يكن دونه، وإن كان من الفقهاء من ينازعنا في هذه المسألة، فهو كمن ينازعكم من الفقهاء في وجوب التشهد، والحجة في الدليل أين كان، ومع من كان. الجواب الثالث: أنه لا يمكن أحدًا ممن ينازعنا (2) أن يحتج علينا بهذا الأثر، لا مرفوعًا ولا موقوفًا، فإنه (3) يقال لمن احتج به: لا يخلو إما أن يكون قوله: "إذا قلت هذا فقد تمت صلاتك" مقتصرًا عليه، أو مضافًا إلى سائر واجباتها، والأول محال وباطل، والثاني حق، ولكنه لا ينفي وجوب شيء مما (4) تنازع فيه الفقهاء من واجبات الصلاة، فضلًا عن نفيه (5) وجوب الصلاة على النبي __________ (1) في (ح، ت، ج) (ووجوب). (2) في (ظ، ب، ش، ج) (من منازعينا) وفي (ح) (من ينازعها) وهو خطأ. (3) سقط من (ح). (4) ليس في (ش). (5) في (ب) (نفسه).
(1/400)
- صلى الله عليه وسلم -، ولهذا كان التسليم من تمام الصلاة وواجباتها عند مالك، وكذا الجلوس للتشهد، ولم (1) يذكره، وكذا إن كان عليه سهو واجب فإنه لا تتم الصلاة إلا به، ولم يذكره. يُوَضِّحُه (2) الجواب الرابع: أن عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن التشهد ليس بفرض، بل إذا جلس مقدار التشهد فقد تمت صلاته، تشهد أو لم يتشهد، والحديث دليل على أن الصلاة لا تتم إلا بالتشهد. فإن كان استدلالكم بأنه علق التمام بالتشهد فلا تجب الصلاة بعده صحيحًا، فهو حجة عليكم في قولكم بعدم وجوب التشهد؛ لأنه علق به التمام، وبطل قولكم بنفي فرضية (3) التشهد، وإن لم (4) يكن الاستدلال به صحيحًا بطل معارضة (5) أدلة الوجوب به، وبطل قولكم بنفي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبطل قولكم على التقديرين. فإن قلتم (6): نحن نجيب عن هذا بأن قوله: "فإذا قلت هذا فقد تمت صلاتك"، المراد به تمام الاستحباب، وتمام الواجب قد انقضى بالجلوس. __________ (1) في (ظ، ت، ش، ب، ج) (لم). (2) سقط من (ظ، ت، ج) كلمة (يوضحه). (3) في (ح) (فريضة). (4) سقط من (ظ) (لم يكن). (5) سقط من (ب، ش). (6) في (ظ) (قلت).
(1/401)
قيل لكم: هذا فاسد على قول من نفى وجوب (1) الصلاة، وعلى قول من أوجبها، لأن من نفى وجوبها لا ينازع في أن تمام الاستحباب موقوف عليها، وأن الصلاة لا تَتِمُّ التمام المستحب إلا بها، ومن أوجبها يقول: لا تَتِمُّ التمام الواجب إلا بها، فعلى التقديرين لا يمكنكم الاستدلال بالحديث أصلًا. قوله: روى أبو داود، والترمذي حديث عبد الله بن عمرو (2)، وفيه. 345 - "إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته" جوابه من وجوه: أحدها: أن الحديث معلول. وبيان تعليله من وجوه:. أحدها: أن الترمذي قال: "ليس (3) إسناده بالقوي، وقد اضطربوا في إسناده". الثاني: أنه من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه غير واحد من الأئمة. الثالث: أنه من رواية بكر بن سوادة، عن عبد الله بن عمرو، __________ (1) سقط من (ح). (2) تقدم تخريجه برقم (331). (3) في (ظ) (إن إسناده ليس بالقوي).
(1/402)
ولم يلقه (1)، فهو منقطع. الرابع: أنه مضطرب الإسناد، كما ذكره الترمذي. 346 - الخامس (2): أنه مضطرب المتن، فمرة يقول: "إذا رفع رأسه من السجدة فقد مضت صلاته"، ولفظ أبي داود، والترمذي غير هذا، وهو: 347 - "إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته"، وهذا غير لفظ الطحاوي. 348 - ورواه الطحاوي أيضًا بلفظ آخر فقال: "إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو، أو أحد ممن ائتمَّ (3) بالصلاة معه قبل أن يسلم الإمام فقد تَمَّت صلاته، فلا يعود فيها"، فهذا معناه غير معنى الأول. قال الطحاوي: وقد روي بلفظ آخر: 349 - "إذا رفع المصلي رأسه من آخر صلاته وقضى تشهده ثم أحدث فقد تمت صلاته". وكلها مدارها على الإفريقي، ويوشك أن يكون هذا من سوء حفظه، والله أعلم. __________ (1) لأن بكرًا توفي سنة 128 هـ، بينما عبد الله بن عمرو توفي سنة 63 هـ، فبين وفاتيهما 65 سنة، وهذا يدل على عدم اللقي. انظر: تهذيب الكمال (4/ 216)، والتقريب رقم (3499). (2) سقط من (ب) من قوله (أنه مضطرب الإسناد ... -إلى- الخامس). (3) في (ب، ت، ش، ج) (أتم) وفي (ظ) (أتم للصلاة).
(1/403)
350 - قوله: وقال علي رضي الله عنه: "إذا جلس مقدار التشهد فقد (1) تمت صلاته". جوابه: أن علي بن سعيد قال في "مسائله": "سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد فقال: يعيد. قلت: فحديث عليِّ رضي الله عنه: "من قعد مقدار التشهد" (2). فقال: لا يصح. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف حديث علي، وعبد الله بن عمرو". 351 - قوله (3): "وروى الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قصة التشهد، وقال: "ثم ليختر من الكلام ما أحب" (4). ولم يذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -". فجوابه: أن غاية هذا أن يكون ساكتًا عن وجوب الصلاة، فلا يكون معارضًا لأحاديث الوجوب، كما تقدم تقريره. 352 - قوله (5): "وحديث فضالة بن عبيد (6) يدل على نفي الوجوب"، جوابه: أن حديث فضالة حجة لنا في المسألة، لأن __________ (1) من (ظ) فقط، وانظر ص 383. (2) تقدم بعد رقم (331). (3) في (ظ) (وقد روى)، والحديث تقدم ص 373، وفي (ج) (ويروي الأعمش). (4) في (ح) (ما شاء) وجاء في حاشيته (لعله: ما أحب)، وكذا صححت في حاشية (ت) (ما أحب). (5) سقط من (ش). (6) تقدم تخريجه برقم (44 و 332).
(1/404)
النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالصلاة عليه في التشهد، وأمره للوجوب، فهو نظير أمره بالتشهد، وإذا كان الأمر متناولًا لهما، فالتفريق بين المأمورين تَحَكُّم. فإن قلتم: فالتشهد عندنا ليس بواجب؟ قلنا: الحديث حجة لنا عليكم (1) في المسألتين، والواجب اتباع الدليل. قوله: "النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر هذا المصلي بإعادة الصلاة، ولو كانت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضًا لأمره بإعادتها، كما أمر المسيء في صلاته". جوابه من وجوه: أحدها: أنَّ هذا كان غير عالم بوجوبها، فتركها (2) معتقدًا أنها غير واجبة، فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، وأمره في المستقبل أن يقولها، فأَمْرُهُ بقولها في المستقبل دليل على وجوبها، وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يُعْذَرُ الجاهل بعدم الوجوب. وهذا كما لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسيء في صلاته (3) بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة (عذرًا له بالجهل. __________ (1) ليس في (ب). (2) من (ظ)، (ت)، (ج). (3) في (ظ) (المسيء صلاته) وفي (ح) (المسيء في الصلاة).
(1/405)
فإن قيل: فلِمَ أمره أن يُعيْدَ تلك الصلاة) (1) ولم يعذره فيها (2) بالجهل؟ قلنا: لأن الوقتَ باقٍ، وقد عَلِمَ أركان الصلاة، فوجب عليه أن يأتي بها. فإن قيل: فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك (3) الصلاة كما أمر المسيء؟. قلنا: أمره - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه فيها مُحْكَم (4) ظاهر في الوجوب، ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي - صلى الله عليه وسلم - بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بها (5)، ويحتمل أن تكون الصلاة كانت (6) نفلًا لا تجب عليه إعادتها، ويحتمل غير ذلك، فلا يترك الظاهر من الأمر وهو دليل مُحْكَم لهذا المشتبه (7) المحتمل. والله سبحانه وتعالى أعلم. فحديث فضالة إِمَّا مشترك الدلالة على السَّواء، فلا حُجَّة لكم فيه، وإمَّا راجح الدلالة من جانبنا كما ذكرناه، فلا حجة لكم فيه __________ (1) سقط من (ش) من قوله (عذرًا له ... ) -إلى- (تلك الصلاة). (2) ليس في (ح). (3) في (ب) (ترك) وهو خطأ. (4) في (ظ، ج) (تحكم). (5) ليس في (ح). (6) من (ظ) قوله (كانت). (7) ليس في (ب).
(1/406)
أيضًا، فعلى (1) التقديرين سقط احتجاجكم به. قوله: لم يعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - المسيء في صلاته، ولو كانت فرضًا لعلمها إياه، جوابه من وجوه: أحدها: أن حديث المسيء هذا قد جعله المتأخرون مستندًا لهم في نفي (2) كل ما ينفون وجوبه، وحمَّلُوه فوق طاقته، وبالغوا في نفي ما اختلف في وجوبه به (3). فمن نفى وجوب الفاتحة احتجَّ به، ومن نفى وجوب التشهد احتجَّ به، ومن نفى وجوب التسليم (4) احتج به، ومن نفى وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - احتج به، ومن نفى وجوب (5) أذكار الركوع، والسجود، وركني الاعتدال احتج به، ومن نفى وجوب تكبيرات الانتقال (6) احتج به. وكل هذا تساهل واسْتِرْسَال في الاستدلال، وإلا فعند التحقيق لا ينفي وجوب شيء من ذلك، بل غايته أن يكون قد سكت عن وجوبه ونفيه، فإيجابه بالأدلة الموجبة له لا (7) يكون معارضًا به. فإن قيل: سكوته عن الأمر بغير ما أمره به يدلُّ على أنه ليس __________ (1) في (ظ، ت، ش، ج) (بَعْد). (2) سقط من (ش). (3) ليس في (ب، ت، ش) (به). (4) في (ب، ش) (ومن نفى وجوب التسليم احتج به). تتقدم أو تتأخر. (5) سقط من (ب). (6) في (ح) (الانتقالات). (7) في (ب، ج) (الموجبة لا يكون).
(1/407)
بواجب؛ لأنه في مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز اتفاقًا (1). قيل (2): هذا لا يمكن أحدًا أن يستدل به على (3) هذا الوجه، فإنه يلزمه أن يقول: لا يَجبُ التشهد، ولا الجلوس له، ولا السَّلام، ولا النِّيَّة، ولا قراءة الفاتحة، ولا كل شيء لم يذكره في الحديث. وطَرْدُ هذا: أنه لا يجبُ عليه استقبال القبلة، ولا الصَّلاة في الوقت، لأنه لم يأمره بهما، وهذا لا يقولُهُ أحد. فإن قلتم: إنَّما علمه ما أساء فيه، وهو لم يسيء في ذلك. قيل لكم: فاقنعوا بهذا الجواب من منازعكم (4) في كل ما نفيتم وجوبه بحديث المسيء هذا. الثاني: أن (5) ما أُمِر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجزاء الصلاة دليل ظاهر في الوجوب، وترك أمره للمسيء به يحتمل أمورًا: منها: أنه لم يسئ فيه. ومنها: أنه وجب بعد ذلك. ومنها: أنه علَّمه مُعْظَم الأركان وأهمها، وأحال بقية تعليمه على مشاهدته - صلى الله عليه وسلم - في صلاته (6)، أو على تعليم بعض الصحابة له، __________ (1) في (ب، ش) (غير جائز أيضًا) وسقط من (ح) (اتفاقًا). (2) وقع في (ش، ت) (فإن قيل). (3) (ح، ج) وسقط (هذا) من باقي النسخ، ووقع في (ب) (عن الوجه). (4) في (ح، ظ، ت، ج) (منازعيكم). (5) ليس في (ح). (6) في (ش) تكررت هذه الجملة من قوله (ومنها أنه وجب ... -إلى- في =
(1/408)
فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرهم بتعليم بعضهم بعضًا، فكان من المستقر عندهم إذنه (1) لهم في تعليم الجاهل وإرشاد الضال، وأي محذور في أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه البعض، وعلمه أصحابه البعض الآخر، وإذا احتمل (2) هذا لم يكن هذا المشتبه المُجْمَل معارضًا لأدلة وجوب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا غيرها من واجبات الصلاة، فضلًا عن أن يُقَدَّم عليها، فالواجب تقديم الصَّرِيْح المُحْكَم على المشتبه المُجْمَل. والله أعلم. قوله: "الفرائض (3) إنما تثبت بدليل صحيح لا معارض له من مثله أو بإجماع". قلنا: اسمعوا أدلتنا الآن على (4) الوجوب، فلنا (5) عليه أدلة: الدليل الأول: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، ووجه الدلالة أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمره المطلق على الوجوب ما لم يَقُمْ دليل على خلافه. __________ = صلاته). (1) في (ب، ح، ش) (أنه لهم) وهو خطأ، وسقط (لهم) من (ج). (2) في (ب) (جْهِل) وفي (ش) (أُجمِل). (3) في (ش) (الفائض) وهو خطأ. (4) في (ظ) (عليه). (5) في (ب) (قلنا) وهو خطأ.
(1/409)
وقد ثبت أن أصحابه رضي الله عنهم سألوه عن كيفية هذه الصلاة المأمور بها، فقال: 353 - "قولوا: اللهم صل على محمد .. " (1) الحديث. وقد ثبت أن السلام الذي عُلِّمُوْهُ هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد (2)، فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلين واحد. يُوضِّحه: أنه علمهم التشهد آمرًا لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه - صلى الله عليه وسلم -، فسألوه عن الصلاة عليه (3) فعلمهم إياها، ثم شَبَّهَهَا بما عُلِّمُوْهُ من التسليم عليه، وهذا يدل على أن (4) الصلاة والتسليم المذكورين في الحديث هما الصلاة والتسليم عليه في الصلاة. يوضحه: أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة، لا فيها، لكان (5) قال مُسْلم منهم إذا سَلَّم عليه يقول له: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته". وكان المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيدون (6) في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل __________ (1) تقدم برقم (1 و 2 و 4 و 6). (2) تقدم برقم (1 و 2 و 6) ووقع في (ج) (والمجلس واحد). (3) سقط من (ظ، ت) (عليه فعلمهم إياها)، وسقط من (ج) (فسألوه .. التسليم عليه). (4) في (ظ) (للصلاة). (5) في (ظ (لكل). (6) في (ش) (يتعبَّدون).
(1/410)
منهم يقول: "السلام عليكم"، وربما قال: "السلام على رسول الله"، وربما قال: "السلام عليك يا رسول الله" ونحو ذلك، وهم لم يزالوا يُسَلِّمون عليه من أوَّلِ الإسلام بتحيَّة الإسلام، وإنما الذي عُلِّمُوهُ قدرًا زائدًا عليها، هو السَّلام عليه (1) في الصلاة. 354 - يوضحه: حديث ابن إسحاق: "كيف نصلي إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا"، وقد صحَّحَ هذه اللفظة جماعة من الحفاظ: منهم ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، وقد تقدم في أول الكتاب (2)، وما أُعِلَّت به، والجواب عن ذلك. وإذا تقرر أن الصلاة المسؤول عن كيفيتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة، وقد خرج ذلك مخرج البيان المأمور به منها في القرآن؛ ثبت أنها على الوجوب، وينضاف إلى ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، ولعل هذا وجه ما أشار إليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى بقوله: "كنت أتهيب ذلك، ثم تبينت فإذا هي واجبة". وقد تقدم حكاية كلامه. وعلى هذا الاستدلال أسئلة (3): أحدها: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والسَّلام كَمَا عَلِمْتُم" يحتمل أمرين: __________ (1) في (ب) (عليكم) وهو خطأ. (2) تقدم برقم (1) ص 7 - 10. (3) في (ش، ب) (الاسؤلة) وفي (ظ) (أسؤلة).
(1/411)
أحدهما: أن يراد به السلام عليه في الصلاة. والثاني: أن يراد به السلام من الصلاة نفسها. قاله (1) ابن عبد البر (2). الثاني: أن غاية ما ذكرتم إنما يدلُّ دِلالة اقتران الصلاة بالسلام، والسلامُ واجب في التشهد، فكذا الصلاة، ودِلالة الاقتران ضعيفة. الثالث: أنا لا نُسلِّم وجوبَ السَّلام، ولا الصلاة، وهذا الاستدلال منكم إنما يتمُّ بعد تسليم وجوب السلام عليه - صلى الله عليه وسلم -. والجواب عن هذه الأسئلة (3): أما الأول: ففاسد جدًا؛ فإنَّ في نفس الحديث ما يبطله، وهو أنهم قالوا: 355 - "هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ " لفظ البخاري (4) في حديث أبي سعيد رضي الله عنه. وأيضًا فإنهم إنما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كيفية الصلاة والسلام المأمور بهما في الآية، لا عن كيفية السلام من الصلاة. __________ (1) في (ب) قال، وهو خطأ. (2) انظر: التمهيد (16/ 186) فقد قال (وقيل: ... فذكر هذا الكلام). (3) في (ش، ظ، ب، ج) (الأسؤلة). (4) تقدم برقم (6).
(1/412)
وأما السؤال الثاني: فسؤال مَنْ لم يفهم وجه تقرير الدلالة، فإنا لم نحتج بدلالة الاقتران، وإنما استدللنا بالأمر بهما (1) في (2) القرآن، وَبَيَّنَّا أن الصلاة التي سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمهم إياها؛ إنَّما هي الصلاة التي (3) في الصلاة. وأما السؤال الثالث (4): ففي غاية الفساد، فإنه لا يعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول منازعكم (5) فيها مبطلًا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم؛ فإنَّ الأدلة هي التي تُبْطلُ ما خالفها من الأقوال، ويُعْتَرَضُ بها على من خالف موجبها، فَتُقَدَّم على كلِّ قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين تُعَارَض بها الأدلة وتُبْطِلُ مقتضاها (6) وتُقدَّم عليها. ثم إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، فيجب المصير إليه. الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ذلك في التشهد، __________ (1) في (ب، ش، ح) (بها) وهو خطأ. (2) سقط من (ب، ش) (في القران). (3) سقط من (ش) (من قوله (التي سألوا ... ) - إلى- (الصلاة التي). (4) سقط من (ج) (الثالث). (5) في (ح) (منازعيكم). (6) في (ب) (مقتاها) وفي (ش) (معناها).
(1/413)
وأمرنا أن نصلي كصلاته (1)، وهذا يدل على وجوب فعل (2) ما فعل في الصلاة إلا ما خصَّه الدليل، فهاتان مقدمتان: 356 - أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعي في "مسنده" (3): عن إبراهيم بن محمد، حدثني سعيد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في الصلاة: "اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد". وهذا وإن كان فيه إبراهيم بن (4) أبي يحيى، فقد وثقه جماعة، منهم الشافعي رحمه الله، وابن الأصبهاني، وابن عدي، وابن عقدة، وضعفه آخرون (5). 357 - أما المقدمة الثانية: فبيانها ما روى البخاري في "صحيحه" (6): عن مالك بن الحويرث، قال: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شَبَبَة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا إلى أهلنا، __________ (1) لقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) من حديث مالك بن الحويرث. وسيأتي تخريجه. (2) سقط من (ب). (3) رقم (279) وسنده ضعيف جدًا. (4) في (ب) (إبراهيم بن إسحاق) وهو خطأ، وإنما يكنى بأبي إسحاق. (5) انظر: تهذيب الكمال (2/ 184 - 191). (6) في (14) الأذان (605) واللفظ له، ومسلم في (5) المساجد ومواضع الصلاة (674).
(1/414)
وسألنا عمن تركنا في أهلنا؟ فأخبرناه، وكان رفيقًا رحيمًا، فقال: "ارْجعُوا إلى أهْلِيْكُم فعلِّمُوهم، ومُرُوهم، وصَلُّوا كَمَا رَأيتُمُوني أُصَلَّي، وإذا حضرتِ الصَّلاة فلْيؤذِّن لكم (1) أحدكم وليؤمكم أكبركم". وعلى هذا الاستدلال من الأسئلة (2) والاعتراضات ما هو مذكور في غير هذا الموضع. 358 - الدليل الثالث: حديث فضالة بن عبيد (3)، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له أو لغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، والصلاة، ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليدع بعد بما شاء" وقد تقدم، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وأهل السنن. وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم. واعترض عليه بوجوه: أحدها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر هذا المصلي بالإعادة، وقد تقدم جوابه. الثاني: أن هذا الدعاء كان بعد انقضاء الصلاة، لا فيها، بدليل 359 - ما روى الترمذي في "جامعه" (4): من حديث __________ (1) سقط من (ح) (لكم). (2) في (ب، ظ، ش، ج) (الأسؤلة). (3) تقدم برقم (44). (4) رقم (3477) وقال: هذا حديث حسن".
(1/415)
رِشْدِين (1) في هذا: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد إذ دخل رجل فصلى فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجلت (2) أيها المصلي، إذا صَلَّيْتَ فقعدتَ، فاحْمَدِ الله بما هو أهله، وصلِّ عليِّ، ثم ادْعُهْ". وجواب هذا من وجوه: أحدها: أن رشدين ضعفه أبو زرعة، وغيره، فلا يكون حجة مع استقلاله، فكيف إذا خالف الثقات (3) الأثبات، لأن كل من روى هذا الحديثما قال فيه: "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يدعو في صلاته". الثاني: أن رشدين لم يقل في حديثه: إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدلُّ لفظه على ذلك، بل قال: "فصلى فقال: اللهم اغفر لي". وهذا لا يدل على أنه قال بعد فراغه من الصلاة. ونفْسُ الحديث دليل على ذلك، فإنه قال: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله"، ومعلوم أنه لم يُرِدْ بذلك الفراغ من الصلاة؛ بل الدخول فيها. ولا سيما فإنَّ عامَّة أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما __________ = من طريق رشدين بن سعد عن أبي هاني حميد بن هانيء الخولاني عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة فذكره. (1) وقع في (ب) (رشيدين) وهو خطأ، ومثله ما بعده. انظر: تهذيب الكمال (9/ 193 - 196). (2) إضافة من سنن الترمذي، وليست في جميع النسخ. (3) كعبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح. عند أبي داوود (1481)، وابن خزيمة رقم (709) وغيرهما.
(1/416)
كانت في الصلاة، لا بعدها، لحديث (1) أبي هريرة، وعلي، وأبي موسى، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وعمار (2)، وغيرهم (3)، ولم يَنْقُلْ (4) أحد منهم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو به في صلاته في حديث صحيح. ولما سأله الصِّدِّيق (5) دعاءً يدعو به في صلاته لم يقل: ادع به خارج الصلاة، ولم يقل لهذا الداعي: ادع به بعد سلامك من الصلاة، لا سِيَّما (6) والمصلي مناجٍ ربَّه، مُقْبل عليه، فدعاؤه ربه تعالى في هذه الحال أنْسَب من دعائه له بعد انصرافه عنه وفراغه من مناجاته. الثالث: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فاحمد الله بما هو أهله"، إنما أراد به التشهد في القعود، ولهذا قال: "إذا صليت فقعدت"، يعني في تشهدك، فأمَرَه بحمد الله والثَّناء عليه، والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. الاعتراض الثالث: أن الموضع (7) الذي أمره أن يصلي فيه، ويدعو بعد تحميد الله غير مُعَيَّن (8)، فلِمَ قلتم: إنه بعد التشهد. وجواب هذا: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على __________ (1) في (ب، ش) (كحديث). (2) سقط من (ب) ما بين القوسين. (3) انظر هذه الأحاديث في الوابل الصيب للمؤلف ص 232 - 235. (4) وقع في (ظ) (يَقُلْ). (5) تقدم ص 373. (6) في (ظ، ب) (ولا سيما). (7) زيادة يقتضيها السياق. (8) في (ب) (غير معلوم).
(1/417)
الله، ثُمَّ الصَّلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ الدُّعاء، إلا في التشهد آخر الصَّلاة، فإن ذلك لا يشرع في القيام، ولا الركوع، ولا السُّجود اتِّفَاقًا، فَعُلِم أنَّه إنَّما أراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد. الاعتراض الرابع: أنه أَمَرَهُ فيه (1) بالدُّعاء عَقِبَ الصَّلاة عليه، والدعاء ليس بواجب، فكذا الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -. وجواب هذا: أنه لا يستحيل أن يأمر بشَيْئَيْن، فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما، فيبقى الآخر على أصل الوجوب. الثاني: أن هذا المذكور من الحمد والثناء هو واجب قبل الدعاء، فإنه هو التشهد، وقد أُمِرَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - به، وأخبر الصحابة أنه فرض عليهم، ولم يكن (2) اقتران الأمر بالدعاء به (3) مسقطًا لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: أن قولكم: "الدعاء لا يجب"، باطل، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب، والهداية والعفو، وغيرها، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: __________ (1) سقط من (ب)، وفي (ج) (أنه أمر فيه). (2) في (ب) (ولم يقترن الأمر)، وفي (ت) (ولم يكن الاقتران الأمر بالدعاء به مسقطًا)، وفي (ج) (افتراض). (3) في (ب) (بالدعاء ومسقطًا).
(1/418)
360 - : "من لم يسأل الله يغضب عليه" (1). والغضب لا يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرم. الاعتراض الخامس: أنه لو كانت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرضًا في الصلاة لم يؤخر بيانها إلى هذا الوقت، حتى يرى رجلًا لا يفعلها فيأمره بها، ولكان العلم بوجوبها مستفادًا قبل هذا الحديث. وجواب هذا: أنا لم نقل: إنها ما (2) وجبت على الأُمَّة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلي كان (3) قد تركها، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو مُسْتَقِرٌّ معلوم من شرعه. وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع والسجود والطمأنينة على الأُمَّة لم يكن مستفادًا من حديثه وتأخيرِ بيان النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلي الصلاة التي شرعها لأُمَّتِهِ قبل هذا. __________ (1) أخرجه الترمذي (3373)، وابن ماجه (3827)، وأحمد (2/ 442 و 477) وغيرهم. من طريق أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة فذكره مرفوعًا. وسنده منكر، تفرد به أبو صالح الخوزي، وهو لم يرو عنه غير أبي المليح، وقد قال فيه يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن حجر: لين الحديث. وقد جعل ابن عدي هذا الحديث من مفاريده. انظر: تهذيب الكمال (33/ 418)، والكامل في الضعفاء (7/ 294 - 295). (2) سقط من (ح). (3) ليس في (ب).
(1/419)
الاعتراض السادس: أن أبا داود والترمذي قالا في هذا الحديث، حديث فضالة: "فقال له، أو لغيره". بحرف "أو"، ولو كان هذا واجبًا على كل مُكَلَّف لم يكن ذلك له أو لغيره. وهذا اعتراض فاسد من وجوه: أحدها: أن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة، وابن حبان "فقال له ولغيره" بالواو، وكذا رواه أحمد، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم (1). الثاني: أن "أو" هنا ليست للتَّخْيير، بل للتَّقْسِيم، والمعنى أن أي مُصلٍّ صلى فليقل ذلك، هذا أو (2) غيره، كما قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)} [الدهر: 24]، ليس المراد التخيير، بل المعنى أن أيهما كان فلا تطعه إما هذا وإما هذا. الثالث: أن الحديث صريح في العموم بقوله: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله" فذكره. الرابع: أن في رواية النسائي، وابن خزيمة: "ثم علمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فذكره، وهذا عام. الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث كل منها لا تقوم الحُجَّة به عند انفراده، وقد يُقَوِّي بَعْضُها بعضًا عند الاجتماع. __________ (1) تقدم تخريجه رقم (44). (2) في (ب، ش) (هذا وغيره)، وفي (ج) (فليقل في ذلك أو غيره).
(1/420)
361 - أحدها: ما رواه الدارقطني (1): من حديث عمرو بن شِمْر، عن جابر -هو الجعفي- عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بريدة! إذا (2) صليت في صلاتك فلا تتركن التشهد والصلاة علي، فإنها زكاة الصلاة، وسلم على جميع أنبياء الله ورسله، وسلم على عباد الله الصالحين". 362 - الثاني: ما رواه الدارقطني (3) أيضًا: من طريق عمرو ابن شِمْر، عن جابر، قال: قال الشعبي: سمعت مسروق (4) بن الأجدع يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقبل الله صلاة إلا بطهور، وبالصلاة علي". لكن عمرو بن شمر (5)، وجابر لا يحتج بحديثهما، وجابر أصلح من عمرو. 363 - الثالث: ما رواه الدارقطني (6): من حديث عبد المهيمن بن عباس (7) بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لمن لم يصل على نبيه - صلى الله عليه وسلم - "، ورواه __________ (1) في السنن (1/ 355). (2) في نسخة (ظ) على حاشية (ب) (إذا جلست). وسنده واهي جدًا. (3) في السنن (1/ 355)، وسنده واهي جدًا. (4) في (ب، ش) (مروان) وهو خطأ. (5) قال البخاري: منكر الحديث. وقال الجوزجاني: زائغ كذاب. وغير ذلك. انظر: التاريخ الكبير (6/ 344)، والميزان (5/ 324) رقم (6334). (6) في السنن (1/ 355). وسنده واهي وقد تقدم برقم (36). (7) في (ب، ت، ش، ج) (عياش) وهو خطأ.
(1/421)
الطبراني (1) من حديث أبي بن عباس، عن أبيه، عن جده. وعبد المهيمن ليس بحجة، وأُبيّ أخُوه وإن كان ثقة احتج به البخاري، فالحديث المعروف فيه إنما هو من رواية عبد المهيمن، ورواه الطبراني (2) بالوجهين، ولا يثبت. الدليل الخامس: أنه قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، وقد تقدم ذلك (3)، ولم يُحْفَظْ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غيره حُجَّة، ولا سيما على أصول أهل المدينة والعراق. الدليل السادس: أن هذا عمل الناس من عهد نبيهم إلى الآن، ولو كانت الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - غير واجبة لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد وترك الإخلال بها. وقد قال مُقَاتِل بن حَيَّان (4) في "تفسيره" في قوله عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [المائدة: 55]، قال: "إقامتها المحافظة عليها، وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع والسجود، والتشهد، والصلاة على __________ (1) في المعجم الكبير (6/ 5699). (2) في المعجم الكبير (6/ 5698 و 5699). (3) تقدم برقم (333 - 336). (4) هو النبطي أبو بسطام البلخي الخراز، كان عابدًا صالحًا كبير القدر، صاحب سنة، صدوقًا في الحديث له تفسير، توفي قبل سنة 150 هـ. انظر: تهذيب الكمال (28/ 431 - 433)، وطبقات المفسرين للداوودي (2/ 329 - 330)، وقد وقع في (ب) (حبان) وهو خطأ.
(1/422)
النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير"، وقد قال الإمام أحمد: "الناس في التفسير عِيَال على مقاتل (1) ". قالوا: فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة من إقامتها المأمور بها، فتكون واجبة، وقد تمسك أصحاب هذا القول بأقْيِسَة (2) لا حاجة إلى ذكرها. قالوا: ثم نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلة، هذا أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول بوجوب الوتر، وأين أدلَّة وجوبه من أدلّة وجوب الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويُوجب الوضوء على من قَهْقَهَ في صلاته بحديث مرسل لا يُقاوِمُ أدلتَنا في هذه المسألة، ويوجب الوضوء من القيء، والرّعاف، والحجامة، ونحوها بأدلة لا تقاوم أدلة هذه المسألة. ومالك رحمه الله تعالى يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحب ليست بفرض، وهي فوق الفضيلة والمستحبة يسميها (3) أصحابه سننًا؛ كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات الانتقال، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويُوْجِبُون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه. __________ (1) في (ظ، ت، ج) (الناس عيال في التفسير على مقاتل). (2) في (ب) (فأقيسة). (3) من (ح)، وفي باقي النسخ (يسمونها).
(1/423)
وأحمد رحمه الله تعالى يُسَمِّي هذه واجبات، ويوجب السجود لتركها سهوًا. فإيجاب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إن لم يكن أقوى من إيجاب كثير من هذه فليست دونها. فهذا ما احْتَجَّ به الفريقان في هذه المسألة. والمقصود أنَّ تَشْنيع المشنِّع فيها على الشافعي باطل، فإن مسألة فيها من الأدلة والآثار مثل هذا كيف يُشنَّع على الذاهب إليها؟! والله أعلم.
فصل الموطن الثاني من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول
وهذا قد اختلف فيه، فقال الشافعي في "الأم" (1): يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول. هذا هو المشهور من مذهبه، وهو الجديد (2)، لكنه يُسْتحَب، وليس بواجب، وقال في القديم: "لا يزيد على التشهد" وهذه رواية المزني عنه، وبهذا قال أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، وغيرهم (3). __________ (1) (1/ 270). (2) انظر: المجموع للنووي (3/ 441). (3) انظر: الشرح الكبير على المقنع (3/ 540 - 541)، والبناية (2/ 237)، والمعونة للقاضي عبد الوهاب (1/ 224).
(1/424)
364 - واحْتُجَّ لقول الشافعي بما رواه الدارقطني: من حديث موسى بن عبيدة، عن (1) عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد: التحيات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - (2). 365 - وروى الدارقطني (3) أيضًا: من حديث عمرو بن شمر، عن جابر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بريدة! إذا صليت في صلاتك فلا تتركن الصلاة علي (4) فإنها زكاة الصلاة" وقد تقدم. قالوا: وهذا يَعُمُّ الجلوس الأوَّل والآخر. واحْتُجَّ له أيضًا بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فدل على أنه حيث شُرِع التسليم عليه شُرِعت الصلاة عليه، ولهذا سأله الصحابة (5) عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: "قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ "، فدل __________ (1) في (ب) (وعبد الله ... ) وهو خطأ. (2) في السنن (1/ 351). وسنده واهي فيه خارجة بن مصعب، ضعيف لا يحتج بمفاريده، وموسى بن عبيدة، تقدم، وهو ضعيف. انظر: تهذيب الكمال (8/ 16 - 23). (3) في السنن (1/ 355). وسنده واهي جدًا، وتقدم برقم (361). (4) في (ح) (عليَّ فيها فإنها) ولفظه (فيها) غير موجودة في السنن. (5) في (ح) (أصحابه).
(1/425)
على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن المصلي يسلم (1) على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيشرع له أن يصلِّي عليه. قالوا: ولأنَّه مكان شرع فيه التشهد والتسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير. قالوا: ولأنَّ التشهد الأول محلٌّ يستحب فيه ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فاستحب فيه الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره. 366 - قالوا: ولأن في حديث محمد بن إسحاق: "كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟ " (2). وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحل لذلك، وهو القديم من قولي (3) الشافعي رحمه الله تعالى، وهو الذي صحَّحَهُ كثير من أصحابه؛ لأن التشهد الأول تخفيفه مشروع. 367 - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) إذا جلس فيه كأنه على __________ (1) في (ظ) (أن المصلي مسلم يصلي على .. ) وفي (ب) (معلوم أن يسلم المتشهد) وفي (ش) (ومعلوم أن المسلم يصلي ... )، وفي حاشية (ب) قال الناسح: صوابه .. (يسلّم المتشهد). (2) تقدم تحت رقم (1). (3) في (ب) (قول) وهو خطأ. (4) أخرجه الترمذي (366)، وأبو داوود (995)، والنسائى (1176)، وأحمد (1/ 386) وغيرهم. من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود فذكره. قال الترمذي: "هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة، لم يسمع من أبيه".
(1/426)
الرُّضْف (1)، ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علَّمه للأُمَّة، ولا يُعْرف أنَّ أحدًا من الصَّحابة استحبَّه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر لكانت واجبة في المحل كما في الأخير؛ لِتناوُل الأمر لهما. ولأنه لو كانت الصلاة مستحبَّة في هذا الموضع؛ لاَسْتُحِبَّ فيه الصّلاة على آله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفْرد نَفْسَه دون آله بالأمر بالصّلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه وعلى آله، في الصلاة وغيرها؛ ولأنه (2) لو كانت الصلاة عليه في هذا الموضع (3) مشروعة؛ لشرع فيها ذكر إبراهيم وآل إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها؛ ولأنها لو شرعت في هذا (4) الموضع؛ لشرع فيه الدعاء بعدها لحديث فضالة، ولم يكن فرق بين التشهد الأوَّل والأخير. قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث؛ فمع ضعفها بموسى بن عبيدة، وعمرو بن شمر، وجابر الجعفي، لا تدل، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير، دون الأول، بما ذكرناه من الأدلة، والله أعلم. __________ (1) الرُّضْف: هي الحجارة المحمَّاة بالنار أو الشمس، واحدتها: رَضْفة. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (4/ 125). (2) في (ب) (لأنه). (3) في (ظ) (هذه المواضع) وفي (ش) (في هذا المشروعة لشرع)، وهو خطأ. (4) في (ظ) (هذه المواضع مشروعة لشرع فيها).
(1/427)
فصل الموطن الثالث من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - آخر القنوت
368 - استحبه الشافعي (1) ومن وافقه، واحتج لذلك بما رواه النسائي (2) عن محمد بن سلمة، حدثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي، عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء (3) الكلمات في الوتر، قال: "قل اللهم اهدني فيمن هديت، وبارك لي فيما أعطيت، وتولني فيمن توليت، وقني شر ما قضيت، فإنك __________ (1) انظر المجموع للنووي (3/ 499). (2) في المجتبى (1746). ورواه ابن أبي فديك عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن الحسن بن علي فذكره. أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (رقم 375)، والطبراني في الدعاء (735) وغيرهما. وهذان الطريقان عن موسى بن عقبة خطأ. والصواب ما رواه محمد بن جعفر عن موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي فذكره (ولم يذكر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -). أخرجه الطبراني في الدعاء (740)، والحاكم (3/ 172) (4801). وعليه فزيادة جُمْلة (الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -) لا تصحّ، وممن ضعفها الحافظ ابن حجر حيث أعلَّها بالانقطاع، وبالاختلاف على موسى بن عقبة. انظر التلخيص (1/ 264 - 265). (3) في (ب) (بهؤلاء) وسقط من (ح).
(1/428)
تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي". وهذا إنما هو في قنوت الوتر، وإنما نقل إلى قنوت الفجر قياسًا، كما نقل أصل هذا الدعاء إلى قنوت الفجر. 369 - وقد رواه أبو إسحاق، عن بُرَيْد، عن (1) أبي الحَوْرَاء، قال: قال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلماتٍ أقولهن في الوتر. فذكره (2)، ولم يذكر فيه الصلاة. 370 - وهو مستحب في قنوت رمضان؛ قال ابن وهب (3): أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أنّ عبد الرحمن بن عَبْدٍ القاريّ، وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال، قال: "إن عمر خرج ليلة في رمضان، فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاريّ فطاف في __________ (1) وقع في (ظ، ح) (يزيد عن أبي الجوزاء) وهو خطأ، وفي (ش، ب) (أبي الجوزاء) وهو خطأ، وفي (ج) (يزيد عن أبي الجوازا) وهو خطأ. (2) أخرجه أبو داوود (1425 و 1426)، وابن ماجه (1178)، وأحمد (1/ 200)، وابن خزيمة (2/ 1095)، والطبراني في الدعاء (741) وغيرهم، وهو حديث ثابت، إلا لفظة (في الوتر) فمختلف فيها، تكلَّم فيها ابن خزيمة في صحيحه. وقال: (ولست أعلمه ثابتًا ..... وأعلى خبر يُحفظ في القنوت في الوتر عن أُبيّ بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفًا أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني: من رمضان). ثم ساقه وسيأتي برقم (370). (3) هو في الجزء المنسوب لموطئه رقم (302) مختصرًا، وابن خزيمة برقم (1100) مطولًا والبيهقي (2/ 493) مختصرًا. وسنده صحيح.
(1/429)
المسجد، وأهل المسجد أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهْط، فقال عمر رضي الله عنه: والله إني لأظن لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد يكون أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أُبيَّ بن كعب أن يقوم بهم في رمضان، فخرج عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون. يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله، وقال: كانوا يلعنون الكفرة في النِّصف يقولون: اللهم قاتل الكفرة الذين يَصدُّون عن سبيلك، ويكذِّبون رسلك، ولا يؤمنون بوعْدِك وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرُّعْب، وألق عليهم رِجْزك وعذابك إله الحق. ثم يُصلِّي على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو للمسلمين ما استطاع من خير، ثم يستغفر للمؤمنين. قال: فكان يقول إذا فرغ من لعنه الكفرة، وصلاته على النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستغفاره للمؤمنين (1)، ومسألته: اللَّهُمّ إيَّاك نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي ونَسْجُد، وإليك نَسْعى ونَحْفِد، ونَرْجُو رحْمَتك، ونَخَافُ (2) عذابَك الجدّ، إنَّ عذابك لمن عاديت مُلْحِق. ثم يكبر ويهوي ساجدًا". 371 - وقال إسماعيل بن إسحاق (3): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله __________ (1) زيادة من ابن خزيمة (للمؤمنين والمؤمنات) وقد سقطت من جميع النسخ. (2) في (ب) (نخشى عذابك، إنّ عاديت لمن عاديت ملحق) وهو خطأ. (3) في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (107) وغيره، وسنده صحيح.
(1/430)
ابن الحارث، أن أبا حليمة -معاذًا- كان يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت.
فصل الموطن الرابع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية
لا خلاف في مشروعيتها فيها، واختُلِف في تَوقُّف صِحّة الصلاة عليها، فقال الشافعي، وأحمد في المشهور (1) من مذهبهما (2): إنها واجبة في الصلاة، لا تصح إلا بها. ورواه البيهقي (3): عن عبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. وقال مالك (4)، وأبو حنيفة (5): تستحب وليست بواجبة، وهو وجه لأصحاب الشافعي. والدليل على مشروعيتها في صلاة الجنازة، ما روى الشافعي في: 372 - "مسنده"، أخبرنا مطرف بن مازن، عن معمر، عن __________ (1) في (ب) (المشروع) وهو خطأ. (2) انظر المجموع للنووي (5/ 235) والمغني لابن قدامه (3/ 412). (3) في السنن الكبرى (4/ 40) وهو ثابت عن عبادة بن الصامت وغيره. (4) انظر مواهب الجليل للحطَّاب (3/ 14 - 15). (5) انظر البناية في شرح الهداية للعيني (3/ 252).
(1/431)
الزهري، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل؛ أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًّا في نفسه" (1). 373 - وقال إسماعيل بن إسحاق في كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (2): حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب، قال: "إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة، ثم يسلم في نفسه". وأبو أمامة هذا صحابي صغير، وقد رواه عن صحابي آخر كما ذكره (3) الشافعي. 374 - وقال صاحب "المغني" (4) رُوىَ (5) عن ابن عباس؛ أنه صلى على جنازة بمكة فكبر، ثم قرأ وجهر وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، __________ (1) تقدم برقم (120)، وهو لا يصحُّ. (2) رقم (94) وقد تقدم الكلام عليه رقم (121) وهو ثابت عنه. (3) في (ب) (ذكر). (4) (3/ 412). (5) في (ظ، ت) (يُروى).
(1/432)
ثم دعا لصاحبه (1) فأحسن، ثم انصرف، وقال: "هكذا ينبغي أن تكون الصلاة على الجنازة" (2). 375 - وفي موطأ يحيى بن بكير (3)، حدثنا مالك بن أنس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه؛ أنه سأل أبا هريرة: كيف نصلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: أنا لعمر الله أخبرك، أتبعها من أهلها، فإذا وضعت كبرت، وحمدت الله تعالى، وصليت على نبيّه (4) - صلى الله عليه وسلم -، ثم أقول: "اللَّهُم إنه عبْدُك وابنُ عبدِك، وابنُ أمَتِك (5)، كان يشْهد أنْ لا إله إلَّا أنْت، وأنَّ محمّدًا عبدُك ورسولُك، وأنْت أعلمُ به، اللهُمّ إنْ كان محْسِنًا فَزِد في إحسانه، وإن كان مُسِيْئًا فتجاوز عن سَيِّئاته، اللَّهُمّ لا تَحْرِمْنا أجْره، ولا تَفْتِنَّا بَعْدَه". __________ (1) كذا في جميع النسخ، وفي المغني (3/ 412) (لصاحبها). (2) * أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 512) رقم (1329) وغيره، وفي سنده لين، وله شاهد عند أحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية (5/ 397) وفيه انقطاع *. وروي في بعض الطرق عن ابن عباس، بعد الفاتحة، زيادة: (وسورة) وفي ثبوتها نظر. (3) الموطأ (1/ 228، رواية يحيى بن يحيى) وعبد الرزاق في المصنف (3/ 488) رقم (6425)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (93) وسنده صحيح. (4) في (ح) (على النبي - صلى الله عليه وسلم -). (5) سقط من (ب، ش).
(1/433)
376 - وقال أبو ذر الهروي (1): أخبرنا أبو الحسن بن أبي سهل السرخسي، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن رزين، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا أنس بن عياض، عن إسماعيل بن رافع، عن رجل، قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول: كان ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا أتي بجنازة استقبل الناس، وقال: يا أيها الناس، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: "لكل مائة أمة، ولم يجتمع مائة لميت فيجتهدون له في الدعاء إلا أذهب (2) الله ذنوبه لهم، وإنكم جئتم شفعاء لأخيكم، فاجتهدوا في الدعاء، ثم يستقبل القبلة، وإن كان رجلًا قام عند وسطه، وإن كانت (3) امرأة قام عند منكبها، ثم قال: اللهم عبدك وابن عبدك، أنت خلقته، وأنت هديته للإسلام، وأنت قبضت روحه، وأنت أعلم بسريرته وعلانيته، جئنا شفعاء له، اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له، فإنك ذو وفاءٍ وذو رحمة، أعذه من فتنة القبر، وعذاب جهنم، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عنه سيئاته، اللهم نور له في قبره وألحقه بنبيه. قال: يقول هذا كلما كبر، وإذا كانت __________ (1) أخرجه سحنون في المدونة الكبرى (1/ 159 - 160) عن أنس بن عياض به مثله، وأبو ذر الهروي، ومن طريقه النميري كما في القول البديع ص 197، وهو حديث منكر، وفي سنده: رجل مبهم، وانقطاع، وضعف إسماعيل بن رافع وهو المدني، وأما المتن ففيه ألفاظ ظاهرة النكارة. (2) في (ظ، ت، ج) (وهب)، وفي (ح) (أوهب)، والمثبت من (ب، ش). (3) في (ب) (كان) وهو خطأ.
(1/434)
التكبيرة الآخرة، قال مثل ذلك. ثم يقول: اللهم صل على محمد وبارك على محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على أسلافنا وأفراطنا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ثم ينصرف. قال إبراهيم: كان ابن مسعود يعلم هذا في الجنائز وفي المجلس، قال: وقيل له: أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقف على القبر إذا فرغ منه؟ قال: نعم، كان إذا فرغ منه وقف عليه، ثم قال: "اللهم نزل بك صاحبها وخلف الدنيا وراء ظهره، ونعم المنزول به، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم نور له في قبره، وألحقه بنبيه - صلى الله عليه وسلم -، كلما ذكره" (1). إذا تقرر هذا فالمستحب أن يُصَلَّى عليه - صلى الله عليه وسلم - في الجنازة كما يُصَلَّى عليه (2) في التشهد، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه. وفي "مسائل عبد الله بن أحمد" (3) عن أبيه قال: "يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلي على الملائكة المقربين". قال القاضي (4): "فيقول: اللهم صل على ملائكتك المقربين __________ (1) في (ظ، ت) (ذكر)، والمثبت من (ب، ش). (2) سقط من (ب) قوله (في الجنازة كما يصلَّى عليه). (3) (2/ 469 - 470) رقم (655). (4) انظر: المغني لابن قدامة (3/ 412).
(1/435)
وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، إنك على كل شيءٍ قدير".
فصل الموطن الخامس من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في (1) الخُطَب: كخطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، وغيرها
وقد اختلف في اشتراطها لصحة الخطبة، قال الشافعي (2) وأحمد (3) في المشهور من مذهبهما: لا تصح الخطبة إلا بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقال أبو حنيفة (4) ومالك (5): تصح بدونها، وهو وجه في مذهب أحمد (6). واحتج لوجوبها في الخطبة، بقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 1 - 4]، __________ (1) زيادة من (ظ، ج)، وسقطت من (ب، ش). (2) الأم (1/ 230). (3) انظر: المغني (3/ 173 - 174). (4) انظر: البناية (3/ 68). (5) انظر: المعونة للقاضي عبد الوهاب (1/ 306). (6) انظر: المغني (3/ 174).
(1/436)
77 - قال ابن عباس رضي الله عنهما (1): "رفع الله ذكره، فلا يذكر إلا ذكر معه". وفي هذا الدليل نظر؛ لأن ذكره - صلى الله عليه وسلم - مع ذكر ربه تبارك وتعالى هو الشهادة له - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة إذا شهد لمرسله بالوحدانية، وهذا هو الواجب في الخطبة قطعًا، بل هو ركنها الأعظم. 378 - وقد روى أبو داود، وأحمد، وغيرهما (2): من حديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "كُلُّ خُطبَة لَيْسَ فيها تَشَهُّد فَهِيَ كاليَدِ الجَذْمَاء"، واليدُ الجذماء: المقطوعة. فمن أوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة دون التشهد فقوله (3) في غاية الضعف. 379 - وقد روى (4) يونس، عن شيبان، عن قتادة: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: "رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ابتدأها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله". __________ (1) تقدم برقم (315). (2) أخرجه أبو داوود (4841)، وأحمد (2/ 302 و 343)، والترمذي (1106)، والبخاري في تاريخه (7/ 229)، وابن حبان (7/ 36 و 37) رقم (2796 و 2797) وغيرهم، وسنده صحيح. (3) سقط من (ب). (4) أخرجه عبد بن حميد في تفسيره كما في الدر (6/ 615)، وسنده صحيح، فإن عبد بن حميد يروي عن يونس بن محمد المؤدب هذا. وأخرجه الطبري في تفسيره (30/ 235) وغيره بنحوه.
(1/437)
380 - وقال عبد بن حميد (1): أخبرني عمرو بن عون، عن هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: "إذا ذكرت ذكرت معي، ولا يجوز خطبة ولا نكاح إلا بذكرك معي (2) ". 381 - وقال عبد الرزاق (3): عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4]، قال: "لا أُذْكَرُ إلا ذُكرتَ معى: الأذان، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله". فهذا (4) هو المراد من الآية، وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، وتجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها؟. والدليل على مشروعية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة: __________ (1) أخرجه عبد بن حميد في تفسيره. وفي سنده جويبر، ضعيف جدًا، وما رواه عن الضحاك: قال أحمد: "فهو على ذاك أيسر". انظر: تهذيب الكمال (5/ 167 - 171). (2) لفظة (معي) زيادة من تفسير عبد بن حميد كما في الدر (6/ 615) وسقطت من جميع النسخ. (3) في تفسيره (2/ 309) رقم (3645)، والبيهفي في الكبرى (3/ 209) وغيرهما وسنده حسن. (4) في (ب، ت، ش) (وهذا).
(1/438)
382 - ما رواه عبد الله بن أحمد (1): حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا خالد، حدثني عون بن أبي جحيفة، كان أبي من شرط علي، وكان تحت المنبر، فحدثني: أنه صعد المنبر - يعني عليًّا - رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، والثاني عمر. وقال: يجعل الله الخير حيث شاء" (2). 383 - وقال محمد بن الحسن بن جعفر الأسدي: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد الحميري، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، قال: سمعت أبي يذكر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله؛ أنه كان يقول بعدما يفرغ من خطبة الصلاة، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان، أولئك هم الراشدون، اللهم بارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، __________ (1) وقع في جميع النسخ (حدثنا أبي) وهو خطأ، انظر المسند. (2) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (1/ 106)، والبخاري في تاريخه معلقًا (3/ 180)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 197). وقد وقع اختلاف في هذه اللفظة (وصلّى على النبي - صلى الله عليه وسلم -) وفي ثبوتها نظر، حيث خولف منصور بن أبي مزاحم، وخولف أيضًا خالد وهو ابن يزيد الزيات. انظر: تاريخ ابن عساكر (30/ 351 - 376) و (44/ 196 - 218).
(1/439)
وأزواجنا، وقلوبنا، وذرياتنا" (1). 384 - وروى الدارقطني (2): من طريق ابن لهيعة، عن الأسود بن مالك الحضرمي، عن بَحِيْر (3) بن ذاخر المعافري، قال: "ركبت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة. فذكر حديثًا، وفيه: فقام عمرو بن العاص على المنبر فحمد الله وأثنى عليه حمدًا موجزًا، وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووعظ الناس فأمرهم ونهاهم". 385 - وفي الباب حديث ضَبَّة بن مِحْصن (4)؛ أن أبا موسى كان إذا خطب فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لعمر، فأنكر عليه ضَبَّة الدعاء لعمر قبل الدعاء لأبي بكر رضي الله عنهما، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال لضبة: "أنت أوفق منه وأرشد (5) ". __________ (1) أخرجه النميري ومحمد بن الحسن بن جعفر الأسدي كما في القول البديع ص 192، فيه علي بن محمد بن هارون الحميري أبو الحسن، وهو ثقة، لكن ذهبت عامة كتبه وكان يحفظ عامة حديثه، وباقي رجاله ثقات. انظر: تاريخ بغداد (12/ 68 - 69)، ومحمد بن الحسن الأسدي، ينظر مَنْ هو. (2) في المؤتلف والمختلف (2/ 1002 - 1005)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 98 - 99 مطولًا، وابن عساكر (46/ 161). وسنده ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، والراوي عنه إسحاق بن الفرات متكلم فيه، والأسود بن مالك: مجهول. انظر: الميزان (1/ 348). (3) في جميع الأصول (يحيى) والتصويب من المؤتلف للدارقطني وغيره. (4) في (ب) (محسن) وفي (ج) (محيص) وكلاهما خطأ، انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (3/ 1461). (5) أخرجه ابن بلبان المقدسي في تحفة الصِّديق في فضائل أبي بكر الصِّديق ص 124 - 126 طـ دار ابن كثير. وسنده ضعيف جدًا. فيه فُرات بن السائب =
(1/440)
فهذا دليل على أنّ الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطب كان أمرًا مشهورًا معروفًا عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وأما وجوبها فلم نرَ فيه (1) دليلًا يجب المصير (إليه و) (2) إلى مثله. والله أعلم.
فصل الموطن السادس من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عليه بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة
386 - لما روى مسلم في "صحيحه" (3): من حديث عبد الله بن عمرو، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سَمِعْتُم المؤذِّنَ فقُولوا مِثْلَ ما يَقُولُ، ثم صَلُّوا عَلَيَّ، فإنّه مَنْ صَلَّى عَلَيَّ __________ = قال البخاري: تركوه منكر الحديث. التاريخ الكبير (7/ 130). قلت: وقد جاء عند أبي عبيد في الأموال (325) وابن زنجويه (504) عن ضبَّة قال: شاكيت أبا موسى في بعض ما يشاكي الرجل أميره .. فذكره مختصرًا - قال أبو عبيد: في حديث طويل ذكره. قلت: إن كان في هذا الحديث الطويل -الذي اختصره أبو عبيد- هذا الأثر (385) فالسند لا بأس به، وإلا فالأثر ضعيف جدًا كما تقدم، وضبَّة بن محصن هو العَنَزِي البصري تابعي ثقة. انظر: تهذيب الكمال (13/ 255)، والقول البديع للسخاوي ص 193. (1) من القول البديع للسخاوي ص 193 قوله (فلم نرَ فيه دليلًا ... ) حيث نقله عن ابن القيم. وفي جميع النسخ (وأما وجوبها فنعتمد (فيعتمد) دليلًا ... ). (2) من (ظ) فقط قوله (إليه و). (3) في (4) الصلاة رقم (384).
(1/441)
صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَليْه بهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَة، فإِنَّها مَنْزِلةٌ فِي الجَنَّة لا تنبَغِي إلَّا لعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله تعالى، وأرْجُو أنْ أكُوْنَ أنَا هُوَ، فَمَنْ سألَ (1) لِيَ الوَسِيْلة حَلَّتْ عَلَيْه الشَّفَاعَة" (2). 387 - وقال الحسن بن عرفة: حدثني محمد بن يزيد الواسطي، عن العوام بن حوشب (3)، حدثنا منصور بن زاذان، عن الحسن قال: "من قال مثل ما يقول المؤذن، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة، صل على محمدٍ عبدك ورسولك، وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة؛ دخل في شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - (4) ". 388 - وقال يوسف بن أسباط (5): بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فلم يقل: اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها، صل على محمد وعلى آل محمد، وزوجنا من الحور العين. قلن الحور العين: ما أزهدك فينا". __________ (1) في (ظ، ح، ت، ج) (سأل الله لي ... ) ولم ترد في (ب، ش) ولا في مسلم، لفظ الجلالة (الله). (2) من (ب، ظ، ش) ومسلم، ووقع في (ح) (شفاعتي). (3) في (ب، ش) (حريث) وهو خطأ. (4) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 206) رقم (2365). من طريق أبي حمزة واسمه ميمون عن الحسن فذكره نحوه. وميمون هو الأعور القصاب الكوفي ضعيف، لكنه توبع كما ذكر المؤلف. (5) أخرجه أبو القاسم التيمي الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 208) رقم (289). وهو مقطوع لا يصح.
(1/442)
وفي إجابة المؤذن خمس سنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد اشتمل حديث عبد الله بن عمرو على ثلاثة منها، والرابعة: أن يقول 389 - ما رواه مسلم (1): عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ المؤذِّن: أشْهَدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله وحْدَه لا شَرِيْك لَه، وأنَّ مُحمَّدًا عبْدُهُ ورسوْلُهُ، رَضِيْتُ بالله ربًّا، وبمُحمَّدٍ رَسُولًا، وبالإسْلامِ دِيْنًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبَه". والخامسة: أن يدعو الله بعد إجابة المؤذن، وصلاته على رسوله، وسؤاله له الوسيلة، لما في "سنن أبي داود، والنسائي" (2)، من حديث عبد الله بن عمرو (3)؛ أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن (4) المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 390 - "قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل (5) تعطه". __________ (1) في صحيحه (4) الصلاة رقم (386). (2) أخرجه أبو داود (524)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (44)، وأحمد (2/ 172)، وابن حبان (4/ 593) رقم (1695) وغيرهم. والحديث تفرد به حُييّ بن عبد الله المعافري أبو عبد الله المصري - قال الإمام أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال البخاري: فيه نظر. انظر: تهذيب الكمال (7/ 488 - 490). (3) في (ظ، ب) (عمر) وهو خطأ. (4) سقط من (ب). (5) فى (ظ، ت، ج) (فاسأل).
(1/443)
391 - وفي "المسند" (1): من حديث جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قال حين ينادي المنادي: اللهم رب هذه الدعوة القائمة، والصلاة النافعة، صل على محمدٍ وارض عنه رضى لا سخط بعده، استجاب الله له دعوته". 392 - وفي "المستدرك" للحاكم (2): من حديث أبي أمامة؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سمع الأذان قال: "اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة (3) المستجاب لها، دعوة الحق، وكلمة التقوى، توفني عليها (4)؛ وأحيني (5) عليها، واجعلني من صالح أهلها عملًا يوم القيامة". فهذه خمسة وعشرون سُنَّة في اليوم والليلة لا يحافظ عليها __________ (1) (3/ 337)، وابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (96). وسنده ضعيف، تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف. (2) (1/ 546 - 547) رقم (2004)، والطبراني في الدعاء (1/ رقم 458) وغيرهما، وهو حديث باطل، فيه عفير بن معدان الحضرمي الحمصي، قال أبو حاتم: "هو ضعيف الحديث يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمناكير، ما لا أصل له، لا يشتغل بروايته" الجرح (7/ 36). (3) من المستدرك للحاكم، وسقط من (ظ، ت، ج) (الصادقة المستجابة) وسقط من بقية النسخ (الصادقة) فقط. (4) في المستدرك المطبوع ( ... أحينا عليها وأمتنا عليها، وابعثنا عليها، واجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتًا ثم يسأل الله حاجته). (5) سقط من (ب).
(1/444)
إلا السابقون (1).
فصل الموطن السابع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء
وله ثلاث مراتب:
إحداها: أن يصلي عليه قبل الدعاء، وبعد حمد الله تعالى. والمرتبة الثانية: أن يصلي عليه في أول الدعاء وأوسطه وآخره. والثالثة: أن يصلي عليه في أوله (2) وآخره، ويجعل حاجته متوسطة بينهما. 393 - فأما المرتبة الأولى: فالدليل عليها حديث فضالة بن عبيد (3)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ليدع بَعْدُ (4) بما شاء" وقد تقدم. __________ (1) جاء في حاشية (ب) ما نصه: (لأن الأذان في كل يوم وليلة خمس مرات، في كل أذان خمس سنن، فالمجموع خمس وعشرون سنة). (2) في (ب) (في أول الدعاء وآخره). (3) تقدم برقم (44). (4) سقط من (ظ، ت، ج) قوله (بعْدُ).
(1/445)
394 - وقال الترمذي (1): حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد الله، قال: كنت أصلي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سل تعطه، سل تعطه (2) ". 395 - وقال عبد الرزاق (3): أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "إذا أراد أحدكم أن يسأل فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله؛ ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يسأل بعد، فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب". ورواه شريك: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، نحوه (4). 396 - وأما المرتبة الثانية: فقال عبد الرزاق (5): عن الثوري، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن __________ (1) رقم (593)، وأحمد (1/ 7، 445، 454)، وابن ماجه (138) مختصرًا، وابن حبان (7067)، والطبراني (9/ 62) وغيرهم: * والحديث صححه الترمذي والبزار وابن حبان والضياء في المختارة *. (2) من الترمذي، وقد سقط من جميع النسخ جملة (سَلْ تُعْطه) الأخرى. (3) في مصنفه (10/ 441) رقم (19642)، وفي سنده انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. (4) لم أقف عليه، فإن كان شريك حفظه، فهو ثابت عن ابن مسعود. (5) في مصنفه (2/ رقم (3117). وهو لا يثبت وقد تقدم برقم (13).
(1/446)
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجعلوني كقدح الراكب -فذكر الحديث- وقال: "اجعلوني في وسط الدعاء وفي أوله وفي آخره". 397 - وقد تقدم حديث علي (1): "ما من دعاء إلا بينه وبين الله حجاب حتى يصلي على محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - انخرق الحجاب، واستجيب الدعاء، وإذا لم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستجب الدعاء". 398 - وتقدم قول عمر رضي الله عنه: الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك - صلى الله عليه وسلم -. 399 - وقال أحمد بن علي بن شعيب: حدثنا محمد بن حفص، حدثنا الجراح بن يحيى، حدثني عمرو (2) بن عمرو، قال: سمعت عبد الله بن بسر (3) يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (4): "الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي __________ (1) وهو ضعيف جدًا، تقدم برقم 102 و 103، وحديث عمر الآتي برقم (64). (2) كذا في جميع النسخ، والبخاري في تاريخه (6/ 358)، وبعض نسخ المسند، وابن منده في الكنى (1742). وجاء عند ابن أبي حاتم والدولابي وغيرهما (عُمر). تعجيل المنفعة (2/ 70). (3) في (ب، ت، ش، ج) (بشر). (4) أخرجه * الذهبي في السير (117/ 114)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1026) وقال في السير: "إسناده مظلم". وفي التذكرة: "هذا حديث منكر" *.
(1/447)
- صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو يستجاب لدعائه" (1). وعمرو بن عمرو هذا هو الأحْمُوْسِي، له عن عبد الله بن بسر (2) حديثان، هذا أحدهما. 400 - والآخر رواه الطبراني في "معجمه الكبير" (3) عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استفتح أول نهاره بخير وختمة بالخير؛ قال الله عز وجل لملائكته: لا تكتبوا عليه ما بين ذلك من الذنوب". والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - للدعاء بمنزلة (4) الفاتحة من الصلاة. وهذه المواطن التي تقدمت كلها شرعت الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أمام الدعاء، فمفتاح (5) الدعاء الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أن مفتاح الصلاة الطهور، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا. وقال أحمد بن أبي الحواري (6): سمعت أبا سليمان الداراني يقول: "من أراد أن يسأل الله حاجته فليبدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - __________ (1) في (ب، ش) (الدعاء به). (2) في (ظ، ت، ج) (بشر) وهو خطأ. (3) ليس في المطبوع، والضياء في المختارة (9/ 82) رقم (65) من طريق الطبراني. وأبو نعيم في المعرفة (3/ 1596) رقم (4023) من طريق آخر. لكنه واهٍ. والحديث منكر، كما قال الذهبي في الحديث السابق، وعلَّته الجراح بن يحيى. (4) في (ح) (مثل). (5) في (ب) (فمفتاح الصلاة الدعاء). (6) في (ظ، ت) (وقال أخبرني أحمد بن ... ) وفي (ش، ظ) (الحوارا).
(1/448)
وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مقبولة، والله أكرم أن يرد ما بينهما" (1).
فصل الموطن الثامن من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد وعند الخروج منه
401 - لما روى ابن خزيمة في "صحيحه" (2)، وأبو حاتم (3) بن حبان: عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم". 402 - وفي "المسند" (4) والترمذي، و"سنن ابن ماجه": من حديث فاطمة بنت الحسين، عن جدتها فاطمة الكبرى، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد قال: "اللهم صل على محمد وسلم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج قال مثلها، إلا أنه يقول. "أبواب فضلك"، ولفط الترمذي: "كان __________ (1) أخرجه النميري كما في القول البديع ص (222). (2) (1/ رقم 452). (3) في صحيحه (5/ 395 - 396) رقم (2047 و 2050)، وقد تقدم الكلام عليه وبيان أنه معلول برقم (29). (4) تقدم الكلام عليه رقم (98، 99) وهو لا يثبت، لانقطاعه.
(1/449)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلى على محمدٍ وسلم". وقد تقدم الكلام على هذا الحديث.
فصل الموطن التاسع من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - على الصفا والمروة
403 - لما روى إسماعيل بن إسحاق في كتابه (1): حدثنا هدبة، حدثنا همام بن يحيى، حدثنا نافع؛ أن ابن (2) عمر رضي الله عنهما كان يُكبِّر على الصَّفا ثَلاثًا، يقول: "لاَ إله إلّا الله وحْدَه لا شَرِيْك لَه، لَه المُلْك ولَه الحَمْدُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيْر، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَدْعُو، ويُطِيْل القِيَام والدُّعَاء، ثُمَّ يَفْعَلُ على المَرْوَة مِثْل ذلك". وهذا من توابع الدعاء أيضًا. 404 - وروى جعفر بن عون (3)، عن زكريا، عن الشعبي، عن __________ (1) فضل الصلاة رقم (87)، ومحمد بن الحسن في الموطأ رقم (474)، وابن أبي شيبة (6/ 83 - 84) رقم (29630)، والبيهقي في الكبرى (5/ 94)، وسنده صحيح. (2) وقع في فضل الصلاة (أن عمر) وفي (ج) (رافع بن عمر) وكلاهما خطأ. (3) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة (81)، وابن أبي شيبة (6/ 83) رقم (29629)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 222) رقم (1397) وغيرهم، وسنده صحيح. قال السخاوي: وإسناده قوي، وصححه شيخنا. القول البديع ص 199.
(1/450)
وهب بن الأجدع، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس بمكة يقول: "إذا قَدِم الرَّجُل مِنْكم حَاجًّا فلْيَطُفْ بالبيتِ سَبْعًا، ولْيُصَلِّ عند المَقَامِ ركْعتَيْن، ثم يَسْتَلم الحَجَر الأسْود، ثم يَبْدأُ بالصَّفَا، فَيقُوم عليها ويَسْتَقْبِل البَيْت فَيُكَبِّر سَبْع تَكْبيرات بَيْن كل تكْبيرتَيْنِ حَمْد الله عَزّ وجَلّ وثناءٌ عليه عزَّ وجلَّ، وصَلاة عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ومَسْألة لِنَفْسِه، وعلى المَرْوة مثل ذلك". رواه أبو ذر (1): عن زاهر (2)، عن محمد بن المسيب، عن عبد الله بن خُبَيْق (3)، عن جعفر، ورواه البزار عن عبد الله بن سليمان، عن عبد الله بن محمد بن المسور، عن سفيان، عن (4) مسعر، عن فراس، عن الشعبي، عن وهب، به. __________ (1) الهروي في المناسك، كما في القِرى لقاصد أم القرى، للمحب الطبري ص 367. (2) من (ب، ش، ت، ظ، ج) ووقع في (ح) (زاهد) وهو خطأ. انظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (3/ 1166). (3) في (ب، ش) (حقيق) وهو خطأ، وفي (ت، ج) (حَبيق)، وفي (ظ) غير منقوطة. انظر: الجرح والتعديل (5/ 46)، وتكملة الإكمال لابن نقطة (2/ 398). (4) من (ح، ب، ش) وفي (ظ، ج) (سفيان بن مسعود) وهو خطأ، وفي (ت) (سفيان بن مسعر) وهو خطأ صوابه (عن مسعر). وجاء في طبعة (مش) (سفيان بن سعيد عن فراس) وهو خطأ، فإن عبد الله بن محمد هو ابن المسور بن مخرمة، وسفيان هو ابن عيينة، ومسعر هو ابن كدام. انظر: تهذيب الكمال (11/ 183) و (16/ 69).
(1/451)
فصل الموطن العاشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند اجتماع القوم قبل تفرقهم
وقد تقدمت الأحاديث بذلك عن النبي من غير وجه، أنه قال: 405 - "ما جلس قوم مجلسًا ثم تفرقوا، ولم يذكروا الله، ولم يصلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهم من الله ترة، إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم"، رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وغيرهما (1). 406 - وقد روى عبد الله بن إدريس الأودي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "زَيِّنُوا مَجَالسَكم بالصَّلاة على النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، وبِذِكْر (2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه" (3). __________ (1) تقدم برقم (20)، وهو ثابت، إلَّا جملة (إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم). (2) من (ت) ووقع في باقي النسخ (ويُذكر عن عمر .. )، والصواب ما أثبته كما في مصدري التخريج. (3) أخرجه الخطيب فى تاريخه (7/ 216)، وابن عساكر في تاريخه (44/ 380) * قال الذهبي: "هذا منكر موقوف". الميزان (2/ 295) *.
(1/452)
فصل الموطن الحادي عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره
وقد اختلف في وجوبها كُلَّما ذُكِر اسمه - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبو جعفر الطحاوي (1)، وأبو عبد الله (2) الحَلِيْمي (3): تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكر اسمه. وقال غيرهما: إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه. ثم اختلفوا (4)؛ فقالت فرقة: تجب الصلاة عليه في العُمُرِ مَرَّةً واحدةً، لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا، والماهية تحصل بمرة، وهذا محكي عن أبي حنيفة، ومالك، والثوري، والأوزاعي (5). وقال عياض (6) وابن عبد البر (7): وهو قول جمهور الأمّة. وقالت فرقة: بل تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير كما __________ (1) نقله عنه العيني في البناية شرح الهداية (2/ 321). (2) في (ح) (عبيد الله) وهو خطأ. (3) انظر: الجامع لشعب الايمان (4/ 183). (4) في (ب) إضافة (الماهية) بعد (اختلفوا). (5) انظر: تفسير القرطبي (14/ 232 - 333)، والبناية شرح الهداية (2/ 320)، والحاوي الكبير للماوردي (2/ 137). (6) في الشفا (2/ 61 - 63). (7) في التمهيد (16/ 191).
(1/453)
تقدم، وهو قول الشافعي، وأحمد في آخر الروايتين عنه، وغيرهما. وقالت فرقة: الأمر بالصلاة عليه أمر استحباب، لا أمر إيجاب، وهذا قول ابن جرير وطائفة، وادعى ابن جرير فيه الإجماع (1). وهذا على أصله، فإنه إذا رأى الأكثرين على قول، جعله إجماعًا يجب اتباعه، والمقدمتان هنا باطلتان. واحتج الموجبون بحجج: 407 - الحجة الأولى: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي (2) - صلى الله عليه وسلم -: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي"، صححه الحاكم وحسنه الترمذي. ورغم أنفه: دعاء عليه وذم له، وتارك المستحب لا يذم، ولا يدعى عليه. 408 - الحجة الثانية: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه صعد المنبر فقال: "آمين، آمين، آمين" فذكر الحديث المتقدم في أول الكتاب وقال فيه: "من ذكرت عنده فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين"، رواه ابن حبان في "صحيحه" (3). __________ (1) في تهذيب الآثار ص (224 - 229 في القسم المفقود). (2) تقدم برقم (25). تنبيه: سقط من (ب) من قوله (رغم أنف رجل) إلى قوله (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). (3) تقدم برقم (26)، ولفظة (فمات فدخل النار .. ) غريبة جدًا.
(1/454)
وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى من رواية أبي هريرة (1)، وجابر بن سمرة (2)، وكعب بن عجرة (3)، ومالك بن الحويرث (4)، وأنس بن مالك (5)، وكل منها حجة مستقلة، ولا ريب أن الحديث بتلك الطرق (6) المتعددة يُفِيْدُ الصِّحَّة. 409 - الحجة الثالثة: ما رواه النسائي (7): عن محمد بن المثنى، عن أبي داود، عن المغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ذكرت عنده فليصل علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرًا - صلى الله عليه وسلم -". وهذا إسناد صحيح، والأمْرُ ظاهِرُهُ (8) الوجوب. 410 - الحجة الرابعة: ما رواه ابن حبان في "صحيحه" (9): من حديث عبد الله بن علي بن حسين، عن علي بن حسين، عن __________ (1) تقدم برقم (27). (2) تقدم برقم (122). (3) تقدم برقم (3). (4) تقدم برقم (123). (5) تقدم برقم (51). (6) سقط من (ب، ش). (7) تقدم تخريجه رقم (47)، وعلَّته الانقطاع؛ لأن أبا إسحاق لم يسمع من أنس. (8) من (ظ) وفي باقي النسخ (ظاهر في الوجوب). (9) تقدم برقم (94).
(1/455)
أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي"، ورواه الحاكم في "صحيحه"، والنسائي والترمذي. قال ابن حبان: "هذا أشبه شيء روي عن الحسين بن علي، وكان الحسين رضي الله عنه حين قُبضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن سبع سنين إلا أشهرًا (1)، وذلك أنه ولد لليال خلون من شعبان سنة أربع، وابن (2) ست سنين وأشهرًا، إذا كانت لغته عربية (3) يحفظ الشيء بعد الشيء". وقد تقدمت الأحاديث في هذا المعنى والكلام عليها. 411 - قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا الحارث ابن محمد، حدثنا عبيد الله بن عائشة (4)، حدثنا حماد، عن أبي الهلال العنزي، قال: حدثني رجل في مسجد دمشق، عن عوف بن مالك الأشجعي؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قعد إلى أبي ذر (5)، أو قعد أبو ذر -فذكر حديثًا طويلًا- وفيه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أبخل الناس من ذكرت عنده، فلم يصل علي" (6). 412 - وقال قاسم بن أصبغ: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا __________ (1) في (ش) (شهرًا). (2) في (ب) (فابن). (3) من (ب)، وفي باقي النسخ (العربية)، وسقط من (ج) (الشيء) الثانية. (4) في (ب، ش) (عامر). (5) سقط من (ح)، قوله (إلى أبي ذر). (6) تقدم برقم (133).
(1/456)
جرير بن حازم، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلم يصل علي" (1). 413 - وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، عن أبي حرّة، عن الحسن، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كفى به شحًّا أن أذكر عنده فلا يصلي علي - صلى الله عليه وسلم -" (2). قالوا: فإذا (3) ثبت أنه بخيل فوجه الدلالة له من وجهين: أحدهما: أنّ البُخْل اسم ذمٍّ، وتارك المستحب لا يستحق اسم الذم. قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد: 23 - 24]، فقُرِنَ البُخل بالاختيال والفخر، والأمْرِ بالبخل، وذَمَّ على المجموع، فدلَّ على أن البخل صفة ذمٍّ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 414 - "وأيُّ دَاءٍ أدْوَأُ مِنَ البُخْلِ" (4). الثاني: أن البخيل هو: مانع ما وجب عليه. فمن أدَّى الواجب عليه كله لم يُسَمَّ بخيلًا، وإنما البخيل مانع ما يستحق عليه إعطاؤه وبذله. __________ (1) تقدم برقم (150). (2) تقدم برقم (151). (3) في (ظ، ت، ج) (فأثبت أنه بخيل فوجه الدلالة من وجهين:). (4) أخرجه البخاري في صحيحه في (61) الخمس (2968) واللفظ له، ومسلم في (43) الفضائل (2314) ولم يذكر هذه اللفظة. من حديث جابر بن عبد الله، وله طرق أخرى عن جابر.
(1/457)
الحجة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالصلاة والتسليم عليه، والأمر المطلق للتكرار، ولا يمكن أن يقال: التكرار هو في كل وقت (1)، فإن الأوامر المُكَرَّرَة إنما تَتكرَّرُ في أوقاتٍ خاصَّة، أو عند شروط وأسباب تقتضي تكرارها، وليس وقت أولى من وقت؛ فتكرر المأمور به (2) بتكرر ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى لما تقدم من النصوص. فهنا ثلاث مقدمات: الأولى: أن الصلاة مأمور بها أمرًا مطلقًا، وهذه معلومة. المقدمة الثانية: أن الأمر المطلق يقتضي التكرار، وهذا مختلف فيه، فنفاه طائفة من الفقهاء والأصوليين، وأثبته طائفة، وفَرَّقت طائفة بين الأمر المُطْلق، والمعلَّق على شرط أو وقْتٍ، فأثبتت التِّكْرار في المعلَّق دون المطلق، والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد والشافعي، وغيرهما (3). ورجَّحت هذه الطائفة التكرار بأنَّ عامَّة أوامر الشَّرع على التِّكرار، كقوله تعالى: {آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء: 136]، {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} __________ (1) في (ب، ش) (وقتٍ وقت). (2) من (ت) قوله (به) وسقط من بقية النسخ، ووقع في (ح) (بتكرار ذكر ... ). (3) انظر الكلام في ذلك: أصول السرخسي (1/ 21 - 25)، والإبهاج شرح المنهاج للسبكي وولده (2/ 54 - 56)، وإحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي ص 89 - 96، والفصول في الأصول للجصاص (2/ 133 - 144)، وإرشاد الفحول للشوكاني ص 187، وقواطع الأدلة للسمعاني (1/ 65 - 75) وغيرها.
(1/458)
[البقرة: 208]، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: 194]، {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [آل عمران: 200]، وقوله تعالى: {وَخَافُونِ} [آل عمران: 175]، {وَاخْشَوْنِي} [البقرة: 150]، {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} [الحج: 78] , {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103]، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل: 91]، {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34]، وقوله تعالى في اليتامى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5]، وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، وقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} إلى قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} إلى قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]، وقوله: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153]، وقوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} [الأنعام: 152]، وقوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 153]. وذلك في القرآن أكثر من أن يُحْصَر، وإذا كانت أوامر الله عز وجل ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على التكرار حيث وردت إلا في النادر، عُلِم أن هذا عُرْف خطاب الله ورسوله للأمة، والأمر وإن لم يكن في لفظه المُجَرَّد ما يؤذِن بتكرار ولا فوْر، فلا ريب أنه في عُرْف خِطَاب الشَّارع (1) للتكرار، فلا يحمل كلامه إلا على عُرْفِهِ والمألوف من __________ (1) في (ب) (التنازع) وهو خطأ، وسيتكرَّر هذا الخطأ في موضعين آتيين.
(1/459)
خطابه؛ وإن لم يكن ذلك مفهومًا من أصْل الوضْع (1) في اللُّغة، وهذا كما قلنا: إنَّ الأمْر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد. فإن هذا معلوم من خطاب الشارع، وإن كان لا تَعرُّض لصحَّة (2) المنْهيِّ ولا لفَسَاده (3) في أصل موضوع اللغة. وكذا خطاب الشارع لواحد من الأمة يقتضي بعُرْفه (4) الخاص أن يكون اللفظ متناولًا له، ولأمثاله (5)، وإن كان موضوع اللفظ لغة لا يقتضي ذلك، فإن هذا لغة صاحب الشرْع وعُرْفه في مصادر كلامه وموارده، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه قبل أن يُعْلم (6) صحَّة القياس واعتباره وشروطه، وهكذا فالفرق بين اقتضاء اللفظ، وعدم اقتضائه الغة، وبين اقتضائه) (7) في عرف الشارع وعادة خطابه. المقدمة الثالثة: أنه (8) إذا تكرر المأمور به، فإنه لا يتكرر إلا بسبب أو وقت، وأولى الأسباب المقتضية لتكراره ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم -، لإخباره برغم أنف من ذكر عنده فلم يصل عليه، وللإسْجَال (9) عليه __________ (1) في (ب) (اللفظ). (2) في (ب، ش، ج) (بصحة). (3) في (ش، ظ، ت، ج) (ولا فساده). (4) من (ب)، وفي باقي النسخ (معرفة). (5) ليس في (ب). (6) في (ب) (تعلُّم). (7) سقط من (ب) ما بين القوسين. (8) ليس في (ب، ش، ج) (أنه)، وسقط من (ج) (المقدمة). (9) أصْل السَّجْل، الدلو العظيم، والمراد: صبّ عليه البخل صبًّا. انظر: أساس =
(1/460)
بالبخل وإعطائه اسمه. قالوا: ومما يُؤيِّد ذلك أن الله سبحانه أمَرَ عباده المؤمنين بالصَّلاة عليه عَقِب إخباره لهم بأنه سبحانه وملائكته يصلون عليه (1) ومعلوم أن هذه الصلاة من الله تعالى وملائكته عليه - صلى الله عليه وسلم - (2) لم تكن مرَّة وانقطعت، بل هي صلاة متكررة، ولهذا ذَكَرها مُبيِّنًا بها فضله وشرفه وعلو منزلته عنده، ثم أمر (3) المؤمنين بها، فتكرارها في حقِّهم أحقّ وآكد لأجْل الأمْر. قالوا: ولأن الله تعالى أكَّد السَّلام بالمصْدر الذي هو التَّسْلِيْم، وهذا يقتضي المبالغة والزيادة في كِمِّيَّتِهِ، وذلك بالتكرار. قالوا: ولأن لفظ الفعل المأمور به يدلُّ على التَّكْثيْر، وهو (4) "صلَّى وسَلَّم" فإن "فَعَّل" المشدَّد يدل على تكرار الفعل، كقولك: كَسَّر الخبز، وقطَّعَ اللحم، وعلَّم الخير، وشدَّد في كذا، ونحوه. قالوا: ولأن الأمر بالصلاة عليه في مُقابلة (5) إحسانه - صلى الله عليه وسلم - إلى الأمَّة، وتعليمهم وإرشادهم وهدايتهم، وما حصل لهم ببركته من سعادة الدنيا والآخرة، ومعلوم أن مقابلة مثل هذا النفع العظيم لا __________ = البلاغة للزمخشري ص 203. تنبيه: في (ج) (والاسجال). (1) سقط من (ش) (عليه). (2) سقط من (ح) من قوله (ومعلوم) إلى (صلى الله عليه وسلم). (3) في (ب) (أمره). (4) في (ب) (وهو التكرير صلَّى وسلَّم). (5) في (ح) (مقابل).
(1/461)
يحصل بالصَّلاة عليه مرة واحدة في العُمُر، بل لو صلَّى العبد عليه بِعَدَدِ أنْفَاسِه لم يكن مُوَفِّيًّا لحقه ولا مؤدِّيًا لنعمته، فجعل ضابط شكر هذه النعمة بالصلاة عليه عند ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: ولهذا أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بتسْميةِ (1) من لم يُصَلِّ عليه عند ذكره بخيلًا، لأن من أحسن إلى العبد الإحسان العظيم، وحصل له به هذا (2) الخير الجسيم، ثم يُذكَرُ عنده ولا يثني عليه، ولا يبالغ في حمده (3) ومدحه وتمجيده، ويبدي ذلك ويعيده، ويعتذر من التقصير في القيام بشكره وحقه؛ عَدَّه الناس بخيلًا لَئِيْمًا كَفُورًا، فكيف بمن أدْنى إحسانه إلى العبد يَزِيْدُ على أعظم إحسان المخلوقين بعضهم لبعض، الذي بإحسانه حصل للعبد خير الدنيا والآخرة، ونجا من شرِّ الدنيا والآخرة، الذي لا تَتَصوَّر القلوبُ حقيقةَ (4) نعمته وإحسانه، فضلًا عن أن يقوم بشكره، أليس هذا المنعم المحسن أحق بأن يُعظَّم ويُثْنَى عليه، ويُسْتفْرَغَ الوُسْع في حمده ومدحه إذا ذُكر بين الملأ؟ فلا أقلَّ من أنْ يُصَلَّى عليه مرَّةً إذا ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم -. قالوا: ولهذا دعا عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - برغم أنفه، وهو أن يُلْصَقَ أنفه بالرّغام وهو التُّراب، لأنه لما ذكر عنده فلم يصل عليه استحق __________ (1) في (ح) (بتسميته). (2) سقط من (ب) (هذا). (3) في (ب، ش) (في مدحه وحمده). (4) في (ظ، ت) (حقيقته)، وفي (ج) (الذي لا يتصور حقيقة نعمته).
(1/462)
أن يذلَّه الله، ويلصق أنفه بالتُّراب. وقالوا: ولأن الله سبحانه نهى الأُمَّة أن يجعلوا دعاءَ الرسول بينهم كدُعاء بعضهم بعضًا، فلا يُسمُّونه إذا خاطبوه باسمه كما يسمي بعضهم بعضًا، بل يدعوه (1) برسول الله ونبي الله، وهذا من تمام تَعْزِيره وتَوْقِيره وتعْظِيمه، فهكذا ينبغي أن يُخَصَّ باقتران اسمه بالصلاة عليه، ليكون ذلك فَرْقًا بينه وبين ذِكْر غيره، كما كان الأمر بدعائه بالرسول والنبي فَرْقًا بينه وبين خطاب غيره، فلو كان عند ذكره لا تجب الصلاة عليه كان ذكره كذكر غيره في ذلك. هذا على أحد التفسيرين في الآية. وأما على التفسير الآخر، وهو أن المعنى لا تجعلوا دُعاءَه إِيَّاكُم كدعاء بعضكم بعضًا، فتؤخِّرُوا الإجابة بالاعتذار والعلل التي يؤخِّر بها بعضكم إجابة بعض، ولكن بادروا إليه إذا دعاكم بسرعة الإجابة، ومعاجلة الطاعة، حتى لم يجعل اشتغالهم بالصلاة عذرًا لهم في التخلف عن إجابته، والمبادرة إلى طاعته، فإذا لم تكن الصلاة التي فيها شغل عذرًا يستباح به (2) تأخير إجابته فكيف ما دونها من الأسباب والأعذار؟ فعلى هذا يكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، وعلى القول الأول يكون مضافًا إلى المفعول. وقد يقال -وهو أحسن من القولين-: إنَّ المصدر هنا لم __________ (1) في (ح) (بل يدعونه). (2) في (ح) (بها) وهو خطأ.
(1/463)
يضف إضافته إلى فاعل ولا مفعول، وإنما أُضيف إضافة الأسماء المَحْضَة، ويكون المعنى: لا تجعلوا الدعاء المُتَعلِّق بالرسول المضاف إليه كدعاء بعضكم بعضًا. وعلى هذا فيعُم الأمْرَين معًا، ويكون النهي عن دعائهم له باسمه، كما يدعو بعضهم بعضًا، وعن تأخير إجابته - صلى الله عليه وسلم -. وعلى كل تقدير فكما أمر الله سبحانه بأن يُمَيَّز عن غيره في خطابه، ودعائه إياهم، قيامًا للأُمَّة بما يجب عليهم من تعظيمه وإجلاله، فتمييزه بالصلاة عليه عند ذكر اسمه من تمام هذا المقصود (1). قالوا: وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من ذكر عنده فلم يصل عليه خَطِئَ طريق الجنة، هكذا رواه البيهقي (2)، وهو من مراسيل محمد بن الحنفية، وله شواهد قد ذكرناها في أول الكتاب (3)، فلولا أن الصلاة عليه واجبةٌ عند ذكره لم يكن تاركها (4) مخطئًا لطريق (5) الجنة. قالوا: وأيضًا فمن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكر عنده فلم يصل عليه فقد جفاه، ولا يجوز لمسلم جفاؤه - صلى الله عليه وسلم -. 415 - فالدليل على المقدمة الأولى ما رواه أبو (6) سعيد بن __________ (1) في (ت، ظ، ج) (من تمام الصلاة). (2) تقدم برقم (157)، وراجع رقم (156). (3) راجع رقم (27، 47، 87، 155، 157). (4) في (ب) (لم تكن تاركًا) وهو خطأ. (5) في (ب) (بطريق). (6) سقط من (ح) (أبو).
(1/464)
الأعرابي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من الجفاء أن أذكر عند الرجل فلا يصلي علي" - صلى الله عليه وسلم - (1). ولو تركنا وهذا المُرْسَل وحْده لم نحتجّ به، ولكن له أصول وشواهد قد تقدمت من تسمية تارك الصلاة عليه عند ذكره بخيلًا وشحيحًا، والدعاء عليه بالرغم، وهذا من موجبات جفائه. والدليل على المقدمة الثانية: أن جفاءَه منافٍ لكمال حُبِّه، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال، وأنه أولى بالمؤمن من نفسه؛ فإن العبد لا يؤمن (2) حتى يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من نفسه، ومن ولده، ووالده، والناس أجمعين، كما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: 416 - يا رسول الله! والله لأنْتَ أَحَبُّ إليَّ مِنْ كلِّ شيءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي. قال: "لاَ يَا عُمَر! حَتَّى أكُوْنَ أحَبَّ إليكَ مِنْ نَفْسِك". قال: فَوَالله لأنْتَ الآنَ أحَبُّ إليَّ مِنْ نَفْسِي. قال: "الآنَ يَا عُمَر" (3). 417 - وثبت عنه في "الصحيح" (4) أنه قال: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُم __________ (1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه كما في كنز العمال (1/ 491) رقم (2156) والموجود في المطبوع (عن محمد بن على أبي جعفر مرسلًا، المصنف (2/ 217). (2) (سقط من (ب، ج) (لا يؤمن)، ووقع في (ب) (فإن المؤمن). (3) أخرجه البخاري في (86) الأيمان والنذور (6257) من حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه. (4) أخرجه البخاري في (2) الإيمان رقم (15)، ومسلم في (1) الإيمان رقم =
(1/465)
حتى أكُونَ أحبَّ إليْه مِن ولَدِه ووالدِه والنَّاسِ أجْمَعِيْن". فذكر في هذا الحديث أنواع المحبَّة الثلاثة، فإنَّ المحبَّة إمَّا محبَّة إجلال وتعظيم؛ كمحبَّه الوالد، وإمَّا محبَّة تحنُّن (1) وَودّ ولطف؛ كمحبَّة الولد، وإمّا محبَّة لأجْل الإحسان وصفات الكمال؛ كمحبَّة الناس بعضهم بعضًا، ولا يؤمن العبد حتى يكون حُبُّ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم - عنده أشدَّ من هذه المحابِّ كلِّها. ومعلوم أن جَفَاءَه - صلى الله عليه وسلم - ينافي ذلك. قالوا: فلمَّا كانت مَحبَّته (2) فرضًا، وكانت توابعها من الإجلال والتعظيم والتوقير والطاعة والتقديم على النفس، وإيثاره بنفسه بحيث يقي نفسه بنفسه = فرضًا؛ كانت الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر من لوازم هذه الأُحَبِّيَّة وتمامها. قالوا (3): وإذا ثبت بهذه الوجوه وغيرها وجوب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - على من ذكر عنده، فوجوبها على الذاكر نفسه أولى، ونظير هذا أن سامع السجدة إذا أُمِرَ بالسُّجود إمَّا وجوبًا أو استحبابًا على القولين (4)، فوجوبها على التَّالي أوْلى. والله أعلم. __________ = (44). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. (1) من (ح)، وفي باقي النسخ (تحسين). (2) من (ظ، ج) فقط، وفي باقي النسخ (أحبيّته). (3) سقط من (ب، ش، ح)، (قالوا). (4) سقط من (ظ) فقط قوله (على القولين).
(1/466)
فصل قال نفاة الوجوب: الدليل على قولنا وجوه (1): أحدها: أنه (2) من المعلوم الذي لا ريب فيه: أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكن أحدهم كُلَّما ذُكرَ - صلى الله عليه وسلم - يقرن الصلاة عليه باسمه، وهذا في خطابهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن يُذْكر، فإنهم كانوا يقولون: يا رسول الله، مقتصرين على ذلك، وربما كان يقول أحدهم: "صلَّى اللهُ عليك"، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير، فلو كانت الصلاة عليه واجبةً عند ذكره لأنكر عليهم تَرْكها. الثاني: أنَّ الصَّلاة عليه لو كانت واجبةً كلما ذُكِرَ لكان هذا من أظهر الواجبات، ولَبَيَّنه النَّبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأُمَّته بيانًا يقطع العِلَّة، وتقوم به الحُجَّة. الثالث: أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول، ولا يُعْرف (3) أحد منهم قال له، وأكثر الفقهاء، بل قد حكي الإجماع على أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ليست من فروض الصلاة، وقد نسب القول بوجوبها إلى الشذوذ، ومخالفة الإجماع السابق، كما تقدم، فكيف تجب خارج الصلاة. __________ (1) وقع في (ح) فقط (من وجوه). (2) في (ح) (أن). (3) في (ظ) (ولا يُعْرَف أنَّ أحدًا منهم).
(1/467)
الرابع: أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائمًا، لوجب على المؤذن أن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلًا أن يجب عليه. الخامس: أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابه أن يصلي عليه - صلى الله عليه وسلم -، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - السامع أن يقول كما يقول المؤذن، وهذا يَدُلُّ (1) على جواز اقتصاره على قوله: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله"، فإن هذا هو (2) مثل ما (3) يقول (4) المؤذن. السادس: أن التشهد (5) الأول ينتهى عند قوله: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" اتفاقًا (6)، واختلف هل يشرع أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله فيه، على (7) ثلاثة أقوال: أحدها: لا يشرع ذلك إلا في الأخير (8). والثاني: يشرع. __________ (1) في (ظ) (وهذا دليل على جواز ... ). (2) من (ب، ش، ت) (هو). (3) سقط من (ب)، (ج). (4) من (ظ)، وفي باقي النسخ (قال). (5) في (ب) (تشهد) وهو خطأ. (6) سقط من (ب). (7) من (ح) فقط قوله (على). (8) في (ب) (التأخير) وهو خطأ.
(1/468)
والثالث: تشرع الصلاة عليه خاصة دون آله. ولم يقل أحد بوجوبها في الأول عند ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -. السابع: أن المسلم إذا دخل في الإسلام بتلفظه بالشهادتين لم يحتج أن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الثامن: أن الخطيب في الجُمَع والأعياد وغيرهما لا يحتاج أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفس التشهد، ولو كانت الصلاة واجبة عليه عند ذِكْرِه لوجب عليه أن يقرنها بالشهادة، ولا يقال: تكفي الصلاة عليه في الخطبة، فإن تلك الصلاة لا تنعطف على ذكر اسمه عند الشهادة (1)، ولاسيما مع طُوْل الفَصْل، والموجبون يقولون: تجب الصلاة عليه كُلَّما ذُكِر، ومعلوم أن ذكره ثانيًا غير ذكره أولًا. التاسع: أنه لو وجبت (2) الصلاة عليه كلما ذكر لَوَجَبَ (3) على القارئ كلما مَرَّ بذكر اسمه أن يصلي عليه، ويقطع لذلك قراءته ليؤدي هذا الواجب، وسواء كان في الصلاة أو خارجها، فإن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - لا تبطل الصلاة، وهي واجب قَدْ تعيَّن فلزم أداؤُه، ومعلوم أن ذلك لو كان واجبًا لكان الصحابة والتابعون أقوم به وأسرع إلى أدائه وترك إهماله. __________ (1) سقط من (ب، ش) من قوله (ولا يقال تكفي الصلاة ... ) -إلى- (الشهادة). (2) في (ظ) (لو وجب)، وفي (ب) (أنه لوجبت). (3) وقع في (ح) (لَوَجَبَتْ).
(1/469)
العاشر: أنه لو وجبت الصلاة عليه كُلَّما ذُكِرَ لوجب الثناء على الله عز وجل كُلَّما ذُكِر اسمه، فكان يجب على كل (1) مَنْ (2) ذكر اسم الله أن يَقْرِنَه بقوله: "سبحانه وتعالى" أو "عزَّ وجلَّ" أو "تبارك وتعالى" أو "جلَّت عَظَمته" أو "تعالى جدُّه" ونحو ذلك، بل كان ذلك أوْلى وأحْرى، فإن تعظيمَ الرَّسولِ وإجلالَهُ ومَحَبَّتَهُ وطاعَتَهُ تابعٌ لتعظيم مرسله سبحانه وإجلاله ومحبته وطاعته، فمحال أن تثبت المحبَّة والطَّاعة والتَّعظيم والإجلال للرسول - صلى الله عليه وسلم - دون مرسله، بل إنما يثبت له (3) ذلك تبعًا لمحبَّة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله، ولهذا كان (4) طاعة الرسول طاعة لله، فمن يطع الرسول فقد أطاع الله، ومبايعته مبايعة لله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]، ومحبَّته محبّه لله، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وتعظيمُه - صلى الله عليه وسلم - تعظيمًا لله، ونصرته نصرةٌ لله، فإنه رسوله وعبْده الدَّاعي إليه وإلى طاعته ومحبته وإجلاله، وتعظيمه وعبادته وحده لا شريك له، فكيف يقال: تجب الصلاة عليه كُلَّما (5) ذُكِرَ اسْمُه، وهي ثناء وتعظيم كما تقدم، ولا يجب الثناء والتعظيم للخالق سبحانه وتعالى __________ (1) من (ظ) وسقط من باقي النسخ. (2) من (ظ، ت، ح، ج) ونسخة (ظ) على حاشية (ب). (3) في (ح) (يثبت ذلك له). (4) في (ح) (كانت). (5) سقط من (ب).
(1/470)
كُلَّما ذكر اسمه؟! هذا محالٌ من القول. الحادي عشر: أنه لو جلس إنسانٌ ليس له هِجِّيْرَى (1) إلا قوله: محمد رسول الله، أو اللهم صل على محمد وعلى (2) آل محمد، وبشرٌ كثير يسمعون، فإن قلتم: تجب على كل أولئك السامعين أن يكون هِجِّيْرَاهم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، ولو طال المجلس ما طال، كان ذلك حَرَجًا ومَشَقَّة وتَرْكًا لقراءة قارئهم، ودراسة دارسهم، وكلام صاحب الحاجة منهم، ومذاكرته في العلم، وتعليمه القرآن وغيره، وإن قلتم: لا تجب عليهم الصَّلاة عليه في هذه الحال، نقضْتُم مذهبكم؛ وإن قلتم: تجب عليه مرَّة أو أكثر، كان تحكُمًا بلا دَلِيل، مع أنه مبطل لقولكم. الثاني عشر: أن الشهادة له بالرسالة أفرض (3) وأوجب من الصلاة عليه بلا ريب، ومعلوم أنه لا يدخل في الإسلام إلا بها، فإذا كانت لا تجب كلما ذكر اسمه، فكيف تجب الصلاة عليه كلما ذكر اسمه، وليس من الواجبات بعد كَلِمَة الإخلاص أفرض (4) من الشهادة له بالرسالة، فمتى أقرَّ له فهي أولى بوجوبها (5) عند ذكر __________ (1) أي: دأب وشأن وديدن. انظر: الفائق للزمخشري (4/ 391 - 392). (2) من (ظ، ت، ش، ج) قوله (على). (3) في (ب) (أفضل). (4) في (ب) (أو فرض). (5) وقع في (ش، ح) (فمتى أقرّ بوجوبها) وفي (ب) (فمتى أقر لها بوجوبها)، وسقط من (ج) (فمتى أقر له).
(1/471)
اسمه، تُذَكِّرُ العبد الإيمان (1) وموجبات هذه الشهادة، فكان يجب على كل من ذكر اسمه أن يقول محمدٌ رسول الله، ووجوب ذلك أظهر بكثير من وجوب الصلاة عليه كُلَّما ذُكِر اسمه. ولكلِّ فِرْقة من هاتين الفرقتين أجْوبة من حُجَجِ الفرقة المنازعة لها، بعضها ضعيفٌ جدًا (2)، وبعضها محتمل، وبعضها قويّ، ويظهر ذلك لمن تأمَّل حُجَجَ الفريقيْن. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب.
فصل الموطن الثاني عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الفراغ من التَّلْبِيَة
418 - قال الدارقطني (3): حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا __________ (1) وسقط من (ج) (فمتى أقر له). في (ظ) (بالإيمان). (2) سقط من (ب) (جدًا). (3) في السنن (2/ 238)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (79). وهو حديث منكر، فيه صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد المدني، ضعيف الحديث، وحديثه هذا من مناكيره، انظر: تهذيب الكمال (13/ 84 - 89)، والكامل لابن عدي (4/ 60). وفيه: عبد الله بن عبد الله الأموي، وهو مجهول، لم يرو عنه إلا يعقوب بن حميد بن كاسب. انظر: تهذيب الكمال (15/ 185 - 186). وقد توبع عبد الله الأموي، تابعه إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو متروك. أخرجه الشافعي في الأم (2/ 172).
(1/472)
علي بن زكريا التمار، حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي، قال: سمعت صالح بن محمد بن زائدة يحدث عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من تلبيته: "سأل الله تعالى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النار". قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: "كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -". قلت: وهذا أيضًا من توابع الدعاء، والله أعلم.
فصل الموطن الثالث عشر من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند استلام الحَجَر
419 - قال أبو ذر الهروي (1): حدثنا محمد بن بكران، __________ (1) في مناسكه، والطبراني والنميري - كما في القرى ص 307، والقول البديع ص 199 - والبخاري في تاريخه (1/ 230) رقم (722) تعليقًا. وهو أثر منكر، تفرد به محمد بن مهاجر القرشي عن نافع، وقال البخاري: لا يتابع عليه، وقال ابن عدي: ليس بمعروف. انظر: تهذيب الكمال (26/ 519). قلت: وحديثه يدلُّ على أنه منكر الحديث. فقد خالفه: ابن عُلَيَّه وأيوب السِّخْتِياني وابن جُرَيْج كلهم عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا استلم الركن قال: بسم الله والله أكبر. أخرجه عبد الرزاق (5/ 33)، والأزرقي (1/ 339)، والبيهقي في الكبرى (5/ 79) وغيرهم. وروي عن علي وابن عباس وهما واهيان عنهما.
(1/473)
أخبرنا أبو عبد الله بن مخلد، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عون بن سلام، أنبأنا محمد بن سلام، حدثنا محمد بن مهاجر، عن نافع، قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد أن يستلم الحجر قال: اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك وسنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - ويستلمه (1)، ويصلي (2) على النبي - صلى الله عليه وسلم -". وقد تقدم أن من مواطن الصلاة عليه على الصَّفَا والمَرْوَة - صلى الله عليه وسلم -.
فصل الموطن الرابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الوقوف على (3) قَبرِه
420 - قال سحنون: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: "رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما". ذكره مالك في الموطأ (4). 421 - وقال مالك أيضًا (5): عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله __________ (1) سقط من (ب، ش)، (ويستلمه)، وسقط من (ظ، ت، ج) (الحجر). (2) من (ب، ش) جملة (ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وقد سقطت من (ظ، ت). (3) من (ب، ت، ش) وفي (ظ) (في قبره) فقط، تنبيه سقط من (ح) الموطن الرابع عشر كاملًا. (4) انظر الموطأ رقم (458) لكن بدون لفظة (ويدعو). تنبيه: في رواية يحيى بن يحيى وهم سيأتي الكلام عليه رقم (516). (5) أخرجه إسماعيل القاضي في فضل الصلاة رقم (99) من طريق سفيان بن =
(1/474)
ابن عمر رضي الله عنهما "أنه كان إذا أراد سفرًا، أو قدم من سفر، جاء قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى عليه (1) ودعا، ثم انصرف". 422 - وقال ابن نمير (2): حدثنا محمد بن بشر (3)، حدثنا عبيد الله (4)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا قدم من سفر، بدأ بقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي عليه، ولا يمس القبر، ثم يسلم على أبي بكر رضي الله عنه، ثم يقول (5): "السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أبتِ" (6).
فصل الموطن الخامس عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج إلى السوق أو إلى دعوة أو نحوها
423 - قال ابن أبي حاتم (7): حدثنا أبو سعيد (8) بن يحيى بن __________ = عيينة عن عبد الله بن دينار به نحوه وزاد (ويصلي ركعتين). وسنده صحيح. (1) سقط من (ب، ظ، ش، ج) (فصلى عليه). (2) أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 29) رقم (11792) عن أبي معاوية عن عبيد الله به نحوه، وسنده صحيح. (3) في (ظ) (بشير) وهو خطأ، وهو محمد بن بشر العبدي. تهذيب الكمال (24/ 520). (4) في (ب، ظ) (عبد الله) وهو خطأ، انظر: تهذيب الكمال (24/ 521). (5) في (ب) (قال). (6) في (ت) (يا أبة) وفي (ب، ظ، ش) (يا أبَهْ). (7) أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شيبة (6/ 103) رقم (29801)، والنميري كما في القول البديع ص 208. وسنده صحيح. (8) في (ش، ت، ج) (أبو سعيد بن يحيى بن يحيى بن سعيد) وفي (ب) (أبو =
(1/475)
سعيد القطان، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا مسعر، حدثنا عامر بن شقيق، عن أبي وائل، قال: "ما رأيت عبد الله جَلَس فِي مأدُبة ولا جَنَازَة ولا غيرِ ذلك، فيقومَ حتى يَحْمَد الله، ويُثْنِي عَليه، ويُصَلِّي على النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ويَدْعُو بَدَعَوَات، وإنْ كانَ يَخْرج إلى السُّوقِ فَيَأْتِي أغْفَلَهَا مَكَانًا، فيَجْلِس، فَيَحْمَدُ الله، ويُصَلِّي على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويَدْعو بَدَعَوَات".
فصل الموطن السادس عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا قام الرجل من نوم الليل
424 - قال النسائي في "سننه الكبير" (1): أخبرني علي بن محمد بن علي، حدثنا خلف -يعني ابن تميم -، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي (2) عبيدة، عن __________ = سعيد يحيى بن يحيى بن سعيد) وكلاهم خطأ. الجرح (2/ 74). (1) (6/ 217) رقم (10703)، والآجري في الشريعة (2/ 1056) رقم (637) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الكنود عن ابن مسعود فذكره وسنده حسن. أبو عبيده لم يسمع من أبيه، وأبو الكنود نصَّ ابن معين أنه لقي عمر، وكان من أصحاب علي. مختلف في اسمه. قال: "ابن سعد كان ثقة ... ". انظر: تهذيب الكمال (34/ 230)، والكنى للدولابي (2/ 90 - 91). وروى مرفوعًا وفيه نظر. انظر: علل الدارقطنى (5/ 267). (2) سقط من (ب، ش)، (أبي).
(1/476)
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "يَضحَكُ اللهُ عزَّ وجَلَّ إلى رَجُلَيْن، رجلٌ لَقِيَ العَدُو، وهُوَ عَلَى فَرَسٍ مِن أمْثَلِ خيلِ أصحابه، فانْهَزَمُوا وثَبَتَ، فإنْ قُتِلَ اسْتُشْهِد، وإن بَقِي فذلك الذي يَضْحَكُ اللهُ إليه. ورجلٌ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لا يَعْلَمُ به أحدٌ فَتَوضَّأ فأسْبَغَ الوُضُوء، ثُمَّ حَمِد الله ومجَّده وصلَّى على النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، واسْتَفْتَح القرآن، فَذلك الذي يَضْحَكُ الله إليه، يقولُ: انْظُرُوا إلى عَبْدِي قَائِمًا لا يَراهُ أحدٌ غَيْرِي". 425 - وقال عبد الرزاق (1): حدثنا معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: "رجلان يضحك الله إليهما ... ". فذكره بنحوه.
فصل الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقب ختم القرآن
وهذا لأن المحل محل دعاء، وقد نصَّ الإمام أحمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقب (2) الختمة، فقال في رواية أبي الحارث: __________ (1) أخرجه عبد الرزاق (11/ 185) رقم (20281) ومن طريقه الطبراني في الكبير (9/ 175) رقم (8798). (2) انظر: مرويات ختم القرآن للشيخ بكر أبو زيد من ص 45 فما بعده.
(1/477)
426 - كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده (1). وقال في رواية يوسف بن موسى، وقد سئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع إليه قوم فيدعون؟ قال: "نعم، رأيت معمرًا يفعله إذا ختم". وقال في رواية حرب: "أَسْتَحِبُّ إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو". 427 - وروى ابن أبي داود في "فضائل القرآن" (2) عن الحكم، قال: "أرسل إليَّ مجاهد وعَبْدَة بن أبي لُبَابة: أرسلنا إليك، أنا نريد أن نختم القرآن، وكان يقال: إن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن، ثم دعوا بدعوات". 428 - وروى أيضًا في كتابه (3): عن ابن مسعود، أنه قال: __________ (1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه رقم (27)، والفريابي في فضائل القرآن من رقم (83 - 86)، وابن المبارك في الزهد رقم (809) وغيرهم. من طريق ثابت البُنَاني وقتادة كلاهما عن أنس فذكره. وهو صحيح ثابت عن أنس، وروي مرفوعًا ولا يثبت. (2) أخرجه الفريابي في فضائل القرآن رقم (88 - 92)، وابن الضريس في فضائل القرآن أيضًا رقم (81 و 86) وغيرهما. وسنده صحيح. (3) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ص 48، وابن الضريس في فضائل القرآن رقم (76) وسنده منقطع، إبراهيم التيمي لم يسمع من ابن مسعود. انظر: تهذيب الكمال (2/ 232)، وجامع التحصيل رقم (11). تنبيه: سقط من (ج) (فله دعوة مستجابة).
(1/478)
"من ختم القرآن فله دعوةٌ مستجابة". 429 - وعن مجاهد (1) قال: "تنزل الرحمة عند (2) ختم القرآن". 430 - وروى أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن" (3) عن قتادة، قال: كان بالمدينة رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره عند أصحاب له، فكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يضع عليه الرقباء، فإذا كان عند الختم جاء ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فشهده. ونصَّ أحمد -رحمه الله تعالى- على استحباب ذلك في صلاة التَّراويح، قال حنبل (4): "سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءتك: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1]، فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع، قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه، وكان سفيان __________ (1) أخرجه الفريابي في فضائل القرآن رقم (87) وسنده صحيح، وتقدم أصله رقم (427). (2) في (ب، ت) (عن) وقال ناسخ (ت) في الحاشية لعله (عند)، وما أثبته من باقي النسخ، ومن (ظ) على حاشية (ب). تنبيه: سقط هذا الأثر (ج). (3) ص 48، وأخرجه الدارمي في مسنده (4/ 3515)، وابن الضريس في "فضائل القرآن" رقم (79). وسنده ضعيف، صالح المرّي ضعيف، وقتادة لم يسمع من ابن عباس. انظر: جامع التحصيل رقم (633)، والتقريب رقم (2845). (4) انظر الشرح الكبير (4/ 171).
(1/479)
ابن عيينة يفعله معهم (1) بمكة". قال عبَّاس بن (2) عبد العظيم: "وكذلك أدركت الناس بالبصرة وبمكة، ويروي أهل المدينة في هذا أشياء، وذكر عن عثمان بن عفان" (3). وقال الفضل بن زياد (4): "سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن، أجعله في التراويح أو في الوتر؟ قال: اجعله في التراويح، حتى يكون لنا دعاءٌ بين اثنين. قلت: كيف أصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن، فارفع يديك قبل أن تركع، وادع بنا ونحن في الصلاة، وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت كما أمرني وهو خلفي يدعو قائمًا ويرفع يديه". وهذا إذا كان من آكد مواطن الدعاء وأحقها بالإجابة، فهو من آكد مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) من (ب، ش). (2) سقط من (ب) (بن)، وما أثبته من باقي النسخ، ومن (ظ) على حاشية (ب). (3) قال الشيخ بكر أبو زيد في مرويات دعاء ختم القرآن ص 52 "لم أرَ من أسند هذا مع بالغ التتبع والمباحثة مع عدد من المشتغلين بهذا العلم فالله أعلم". (4) انظر الشرح الكبير (4/ 171).
(1/480)
فصل الموطن الثامن عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة
431 - وقد تقدم فيه حديث أوس بن أوس (1)، وعن أبي أمامة (2)؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعةٍ، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعةٍ، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة" - صلى الله عليه وسلم -. رواه البيهقي. وقد تقدم. 432 - وروي أيضًا عن أبي مسعود الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته" (3). وفيه إسماعيل بن رافع، قال يعقوب بن سفيان: "يصلح __________ (1) تقدم برقم 71، وفي (ظ، ت) (أوس بن أبي أوس). (2) تقدم برقم (78)، وهو لا يثبت. (3) أخرجه ابن أبي عاصم في فضل الصلاة (64)، والحاكم (2/ 421) رقم (3577)، والبيهقي في حياة الأنبياء رقم (12). وهو حديث منكر تفرد به إسماعيل بن رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود وهو ضعيف، بل قال ابن عدي: وأحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء). انظر: تهذيب التهذيب (3/ 85 - 88)، والكامل (1/ 280 - 281).
(1/481)
حديثه للشواهد والمتابعات". 433 - وقال ابن عدي (1): حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب، حدثنا جُبَارة بن مُفلِّس، حدثنا أبو إسحاق الحُمَيْسِي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرا الصلاة علي يوم الجمعة، فإن صلاتكم تعرض علي". وهذا وإن كان إسناده ضعيفًا فهو محفوظ في الجملة، ولا يضرُّ ذكره في الشواهد. 434 - وقد تقدم في مراسيل الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة" (2). 435 - وقال ابن وضَّاح (3): حدثنا أبو مروان البزار (4)، حدثنا ابن المبارك، عن ابن شعيب، قال: كتب عمر بن عبد العزيز. (أن انشروا العلم يوم الجمعة، فإن غائلة العلم النسيان، وأكثروا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة). __________ (1) في الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 74). وهو حديث منكر، فيه حازم بن الحسين أبو إسحاق الحميسي. قال عن أحاديث يرويها بهذا الإسناد: "ليست بمحفوظة". وقال أيضًا: " .. وعامة حديثه عمَّن يروي عنهم لا يتابعه أحد عليه، وأحاديثه شبه الغرائب، وهو ضعيف يكتب حديثه". الكامل (3/ 75). (2) انظر رقم (147، 152). (3) أخرجه ابن بشكوال والنميري كما في القول البديع ص 189. (4) في (ظ) (البراز)، ووقع في (ج) (شعيب) بدلًا عن (ابن شعيب).
(1/482)
فصل الموطن التاسع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند القيام من المجلس
436 - قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (1): حدثنا أبو سعيد (2) يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عثمان بن عمر، قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري مالا أحصي إذا أراد القيام يقول: (صلَّى اللهُ وملائكتُه على مُحمَّد وعَلَى أنبياءِ اللهِ وملائِكتِه) (3). هذا الذي رأيته من الأثر في هذا الموطن.
فصل الموطن العشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند المرور على المساجد ورؤيتها
437 - قال القاضي إسماعيل في كتابه (4): حدثنا يحيى بن __________ (1) في (ظ، ج، ت) (عبد الله بن أبي حاتم) وهو خطأ. (2) من (ظ، ت، ش، ج) ووقع في (ب) (أبو سعيد يحيى بن سعيد) وفي (ح) (أبو سعيد بن يحيى بن يحيى بن سعيد القطان)، وكلاهما خطأ، فإن أبا سعيد هذا هو: أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، وهو صدوق. انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 74). (3) عزاه السخاوي لابن أبي حاتم والنميري كما في القول البديع ص 234. (4) برقم (80) وسنده ضعيف جدًا. فيه سيف بن عمر التميمي صاحب كتاب الردة والفتوح وهو ضعيف جدًا.
(1/483)
عبد الحميد، حدثنا سيف بن عمر التميمي، عن سليمان العبسي، عن علي بن حسين، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا مررتم بالمسجد فصلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) ".
فصل الموطن الحادي والعشرون من مواطن الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الْهَمِّ، والشَّدائِد، وطَلَبِ المغْفِرَة
438 - لحديث الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه (2)، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: "يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه". قال أبي: قلت: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: "ما شئت"، قال: قلت: الربع؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك"، قلت: النصف؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك"، قال: قلت: فالثلثين؟ قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك"، قال: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: "إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك" رواه الترمذي: من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل، __________ = انظر: تهذيب الكمال (12/ 324 - 327). (1) وقع في (ح) (- صلى الله عليه وسلم - تسليمًا.) وهي غير موجوده عند القاضي في كتابه ولا في باقي النسخ. (2) تقدم برقم (73).
(1/484)
عن أبيه، وقال: حديث حسن. وروى من حديث محمد بن عقيل أيضًا، عن الطفيل، عن أبيه، حديثًا آخر (1) وصححه، وهو حديث: 439 - "مثلي ومثل (2) النبيين من قبلي كمثل رجلٍ بنى دارًا" الحديث. 440 - ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده" (3) واختصره، فقال: "عن أبي، قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها صلاةً عليك؟ قال: "إذن يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك" - صلى الله عليه وسلم -.
فصل الموطن الثاني والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كتابة اسمه - صلى الله عليه وسلم –
441 - قال أبو الشيخ (4): حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا بشر ابن عبيد، حدثنا محمد بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال __________ (1) أخرجه الترمذي (3613). (2) لفظه في الترمذي (مثلي في النبيين كمثل ... ). (3) لا يوجد في المطبوع من مسند ابن أبي شيبة (مسند أُبيّ بن كعب). (4) تقدم برقم (127) وهو لا يثبت.
(1/485)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي في كتابٍ لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب". قال أبو موسى: رواه غير واحد عن أسيد كذلك. قال: ورواه إسحاق بن وهب العلاف، عن بشر بن عبيد، فقال: عن حازم بن بكر، عن يزيد بن عياض، عن الأعرج (1). ويروى من غير هذين الوجهين أيضًا عن الأعرج. وفي الباب عن أبي بكر الصديق (2)، وابن عباس، وعائشة، رضي الله عنهم. 442 - وروى سليمان بن الربيع، حدثنا كادح بن رحمة، حدثنا نهشل (3) بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي في كتابٍ لم تزل الصلاة جاريةً له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" (4). وروي من طريق جعفر بن علي الزعفراني قال: سمعت خالي __________ (1) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (65). وهو حديث واهي، فيه يزيد بن عياض أبو الحكم، متروك الحديث. انظر: تهذيب الكمال (32/ 222 - 225). (2) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (64)، وفي الجامع لأخلاق الراوي رقم (565). وهو حديث موضوع، فيه أبو داوود سليمان بن عمرو، وهو كذَّاب. (3) في (ب، ش) (رشك) وهو خطأ. (4) تقدم برقم (126) ولا يثبت.
(1/486)
الحسن بن محمد يقول: "رأيت أحمد بن حنبل في النوم، فقال لي: يا أبا علي لو رأيت صلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب كيف تزهر بين أيدينا؟ " (1). وقال أبو الحسن بن علي الميموني (2): (رأيت الشيخ أبا علي الحسن (3) بن عيينة في المنام بعد موته، وكأنَّ على أصابع يديه شيئًا مكتوبًا بلون الذهب، أو بلون الزعفران، فسألته عن ذلك، وقلت: يا أستاذي أرى على أصابعك شيئًا مليحًا مكتوبًا، ما هو؟ قال: يا بني! هذا لكتابتي (4) لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قال لِكتْبِي (5) - صلى الله عليه وسلم - في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). وذكر الخطيب (6): حدثنا مكي بن علي، قال: حدثنا أبو سليمان الحراني، قال (7): قال لي (8) رجل من جوَاري - يقال له: أبو الفضل (9) - وكان كثير الصوم والصلاة: (كنت أكتب الحديث، ولا أصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، - فرأيته في المنام، فقال: إذا كتبت أو __________ (1) أخرجه ابن بشكوال كما في القول البديع ص 239 - 240. (2) أخرجه أبو القاسم التيمي في الترغيب والترهيب (2/ 1033) رقم (1704). (3) في (ب) (الحسين)، والتصويب من الترغيب والترهيب. (4) في (ب، ش) (بِكتْبي). (5) في (ح) (لكتابتي). (6) في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع رقم (570). (7) وقع في (ش، ب) ( .. الحراني ثنا رجل من جواري يقال له الفضل ... ). (8) من الجامع للخطيب، وسقط من جميع النسخ، (لي). (9) في الجامع (يقال له الفضل) بدون (أبو).
(1/487)
ذكرت فلم لا تصلي علي؟ ثم رأيته مرةً من الزمان، فقال: بلغني صلواتك علي، فإذا صليت علي أو ذكرت، فقل: - صلى الله عليه وسلم -). وقال سفيان الثوري (1): (لو لم يكن لصاحب الحديث فائدةٌ إلا الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يصلي عليه ما دام في ذلك الكتاب - صلى الله عليه وسلم -). وقال محمد بن أبي سليمان (2): رأيت أبي في النوم، فقلت: يا أبَة (3) ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، فقلت: بماذا؟ قال: بكتابتي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث (4). وقال بعض أهل الحديث (5): (كان لي جار فمات، فرؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. قيل: بماذا؟ قال: كنت إذا كتبت ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث كتبت: "- صلى الله عليه وسلم -"). وقال سفيان بن عيينة (6): حدثنا خالد (7) صاحب الخلقان، __________ (1) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (66). (2) أخرجه الخطيب في شرف أصحاب الحديث رقم (67)، وفي الجامع رقم (569). (3) في (ح) (يا أبتِ). (4) قوله (في كل حديث) من الخطيب في الشرف والجامع، وسقط من النسخ. (5) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي رقم (566) نحوه. (6) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (567). وليس فيه (سفيان بن عيينة) وإنما فيه (شيخ ذكره عن خالد صاحب الخلقان) ولعل المؤلف ذهب نظره إلى الأثر الذي قبل هذا (566) فإن فيه (سفيان بن عيينة) والله أعلم. (7) في جميع النسخ (خلف) والتصويب من الجامع للخطيب.
(1/488)
قال: (كان لي صديق يطلب معي الحديث فمات، فرأيته في منامي وعليه ثياب خضر يجول فيها، فقلت: ألست كنت معي تطلب الحديث؟ قال: بلى. قلت: فما الذي أصارك إلى هذا؟ قال: كان لا يَمُرُّ حديث فيه ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا كتبت في أسفله - صلى الله عليه وسلم -، فكافأني ربي هذا الذي ترى عليَّ). وقال عبد الله بن عبد الحكم (1): (رأيت الشافعي في النوم، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنة كما يُزفُّ بالعروس (2)، ونثر علي كما ينثر على العروس، فقلت: بم بلغت هذه الحال؟ فقال لي قائل: يقول لك بما في كتاب "الرسالة" من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: فكيف ذلك؟ قال: وصلى الله على محمد عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون. قال: فلما أصبحت نظرت في الرسالة فوجدت الأمر كما رأيت: النبيَّ (3) - صلى الله عليه وسلم -). وقال الخطيب (4): أنبأنا بشرى (5) بن عبد الله الرومي، قال: __________ (1) أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (2/ 304)، وأبو القاسم التيمي في الترغيب والترهيب (2/ 334) رقم (1709)، وانظر: القول البديع ص 241 من طريق آخر بنحو ذلك. (2) وقع في (ح) (كما تزفَّ العروس). (3) سقط من (ب، ش). (4) في تاريخ بغداد (6/ 69). (5) من (ش)، وفي (ب) (عبد الله بن بشر) وفي (ظ) (بشير بن عبد الله) وفي (ت، ج) (بشر) وكلها خطأ.
(1/489)
سمعت الحسين بن محمد بن عبيد العسكري، يقول: سمعت أبا إسحاق الدارمي المعروف بنهشل، يقول: كنت أكتب الحديث في تخريجي للحديث: "قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا". قال: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فكأنه قد أخذ شيئًا مما أكتبه فنظر فيه، فقال: "هذا جيد". وقال عبيد الله (1) بن عمر: حدثني بعض إخواني ممن أثق به، قال: رأيت رجلًا من أهل الحديث في المنام، فقلت: ماذا فعل بك؟ قال: رحمني أو غفر لي. قلت: وبم ذلك؟ قال: إني كنت إذا أتيت على اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبت: - صلى الله عليه وسلم -. ذكرها محمد بن صالح، عن ثوابة، عن سعيد بن مروان، عنه. وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه (2): عن جماعة من أهل الحديث (أنهم رُؤُوا بعد موتهم، وأخبروا أن الله غفر لهم بكتابتهم الصَّلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث). وقال ابن سنان (3): سمعت عباسًا العنبري، وعلي بن المديني، يقولان: (ما تركنا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل حديث سمعناه، وربما عجلنا، فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه). __________ (1) في (ب، ت، ظ، ج) (عبد الله بن عمرو) وفي (ش، ح) (عبيد الله بن عمرو) والصواب ما أثبته كما في القول البديع ص 241، وقد تصحف (عبيد الله) إلى (عبد الله). (2) انظر: القول البديع ص 242 - 243. (3) أخرجه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي رقم (569).
(1/490)
فصل الموطن الثالث والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند تبليغ العِلْم إلى الناس، وعند التَّذْكِير والقَصَصَ، وإلْقاء الدرس، وتعليم العِلْم، في أوَّلِ ذلك وآخرِه
443 - قال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (1): حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا حسين بن علي -وهو (2) الجعفي- عن جعفر بن بُرْقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: (أما بعد فإن أناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإنَّ مِن القُصَّاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا جاءك كتابي هذا فمُرْهم أن تكون صلاتهم على النَّبيِّين ودعاؤهم للمسلمين عامَّة، ويَدَعُوا ما سِوى ذلك). والصلاة على النبي (3) - صلى الله عليه وسلم - في هذا الموطن، لأنه موطن لتبليغ العلم الذي جاء به ونشره في أُمَّته، وإلقائه (4) إليهم، ودعوتهم إلى سُنَّته وطريقته - صلى الله عليه وسلم -. وهذا من أفضل الأعمال وأعظمها نَفْعًا للعبد في الدنيا والآخرة. __________ (1) "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" رقم (76)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 183) رقم (35083)، وسنده صحيح. (2) ليس في (ش). (3) في (ب، ش) (والصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -). (4) في (ب، ش) (وألقى به).
(1/491)
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33]، وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] وسواءٌ كان المعنى أنا، ومن اتبعني يدعو إلى الله على بصيرة، أو كان الوقف عند قوله: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} ثم يبتدئ: {عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فالقولان متلازمان، فإنه أمره سبحانه أن يخبر أن سبيله الدعوة إلى الله، فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهو على بصيرة، وهو من أتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله ولا هو على بصيرةٍ ولا هو من أتباعه. فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أُمَمِهم والناس تبع (1) لهم؛ والله سبحانه قد أمر رسوله أن يُبَلِّغ ما أُنْزل إليه، وضَمِنَ له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلِّغون عنه من أُمَّته لهم من حفظ الله (2) وعصمته إياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم له، وقد أَمَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ عنه ولو آية (3)، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثًا (4) .. وتبليغُ سُنَّته إلى الأُمَّة أفضل من تَبْليغ السِّهام إلى نُحُور العَدُوّ، لأن ذلك التبليغ __________ (1) في (ب، ش) (تبعًا). (2) في (ش، ت، ظ) (حفظ الله لهم). (3) فقال (بلغوا عني ولو آية). أخرجه البخاري في (64) الأنبياء (3274). (4) فقال: (نضَّر الله امرأً سمع منَّا شيئًا فبلغه كما سمع ... ). أخرجه الترمذي (2657)، وابن ماجه (232). قال الترمذي: حسن صحيح، وقد ورد عن جماعة من الصحابة.
(1/492)
يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا تقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أُمَمِهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنِّه وكرمه. 444 - وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب في خطبته التي ذكرها ابن وضَّاح في كتاب "الحوادث والبدع" له (1)، قال: "الحمد لله الذي امتَنَّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى؛ كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضالٍ تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! يقتلونهم (2) في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)} [مريم: 64]، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم. فلا تقصر عنهم، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة (3) ". 445 - وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن لله عند كل بدعةٍ كِيْدَ بها الإسلام وليًّا من أوليائه، يذب عنها، وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله" (4). __________ (1) رقم (3)، وسنده ضعيف، فيه انقطاع وجهالة. (2) في (ب) (يقتلون). (3) من (ظ) والمطبوع لابن وضاح، وفي (ب، ش) (المضيعة). (4) أخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها رقم (4)، وسنده ضعيف، فيه ضعْف، وانقطاع.
(1/493)
446 - ويكفي في هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي (1) ولمعاذ (2) أيضًا - رضي الله عنهما-: "لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْر لَكَ مِن حُمْرِ النَّعَم". 447 - وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا شيئًا من سنتي كنت أنا وهو في الجنة كهاتين" وضم بين أصبعيه (3). 448 - وقوله: "من دعا إلى هدى فأتبع عليه، كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة" (4). فمتى يُدْرِك العامل هذا الفَضْل العظيم، والحظَّ الجسيم بشيء مِن عمله، وإنما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فحقيق بالمبلِّغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي أقامه الله في هذا __________ (1) أخرجه البخاري في (60) الجهاد (2783)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة (2406). من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. (2) سقط من (ظ) قوله (لعلي ولمعاذ أيضًا رضي الله عنهما). وحديث معاذ أخرجه أحمد في المسند (5/ 238)، وهو حديث منكر، فيه ضُبَارة بن عبد الله الشامي، مجهول، لم يرو عنه غير بقية، وأحاديثه تدلُّ على ضعفه. انظر: الكامل لابن عدي (4/ 102)، وبين دُوَيْد ومعاذ انقطاع. (3) ذكره ابن وضاح في البدع رقم (8) بدون سند، ولم أقف عليه. وجاء بلفظ: " .. ومن أحيا سنتي فقد أحبّني، ومن أحبّني كان معي في الجنة". أخرجه الترمذي (2678) وقال. "حسن غريب من هذا الوجه". (4) ذكره ابن وضاح في البدع رقم (9) بدون سند. وورد بلفظ قريب منه عند ابن ماجه رقم (205) وسنده ضعيف.
(1/494)
المقام أن يفتتح كلامه بحمد الله تعالى، والثناء عليه، وتمجيده، والاعتراف له بالوحدانية، وتعريف حقوقه على العباد، ثم بالصَّلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتمجيده، والثناء عليه، وأن يختمه أيضًا بالصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا.
فصل الموطن الرابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - أوَّل النَّهار وآخره
449 - قال الطبراني (1): حدثنا حفص بن عمر الصباح، حدثنا يزيد بن عبد ربه الجرْجسِي (2)، حدثنا بقية بن الوليد، حدثني إبراهيم بن محمد بن زيادَ الأَلهاني، قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة". قال أبو موسى المديني، رواه عن بقية غير واحد، ويزيد بن عبد ربه كان يسكن بحمص قرب كنيسة جرجس (3)، فنسب إليها (4). __________ (1) تقدم برقم (143). ص 118، وأنه غير ثابت. (2) في (ب) (الجرجيسي) وهو خطأ. (3) في (ب، ش) (الجرجيسي) وهو خطأ. (4) انظر: الأنساب للسمعاني (2/ 43) (جرجس).
(1/495)
فصل الموطن الخامس والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عَقِبَ الذَّنب إذا أراد أن يُكَفِّر عنه
450 - قال ابن أبي عاصم في كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (1): حدثنا الحسن بن البزار، حدثنا شبابة، حدثنا مغيرة بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن أنس رضى الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا عليَّ فإن الصلاة عليَّ كفارةٌ لكم، فمن صلى عليَّ صلى الله عليه عشرًا". 451 - وقال ابن أبي عاصم في كتابه (2): حدثنا محمد بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا الفضل بن عطاء، عن الفضل بن شعيب، عن أبي منظور، عن أبي (3) معاذ، عن أبي كاهل، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات، وكل ليلة ثلاث مرات حبًّا وشوقًا (4) إلي، كان حقًا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة، وذلك اليوم". __________ (1) رقم (40) وقد تقدم برقم (47)، وهو لا يثبت. (2) رقم (62) وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 450 - 451)، والطبراني في الكبير (18/ 361 - 362) رقم (928) مطولًا وغيرهم، وهو حديث موضوع، قال الذهبي "إسناده مظلم" انظر: مجمع الزوائد (4/ 219). (3) في جميع النسخ (ابن) والتصويب من مصادر التخريج. (4) في (ب، ت، ش) (أو شوقًا) وهو خطأ.
(1/496)
452 - وقال أبو الشيخ في كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (1): حدثثا عبد الله بن محمد بن نصر، حدثنا إسماعيل بن زيد، قال: حدثنا الحسين بن حفص، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن ليث بن أبي سليم، عن نافع بن كعب المدني، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم"، ورواه ابن أبي شيبة، عن ابن فضيل (2)، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة. فهذا فيه الإخبار بأن الصَّلاة زكاة للمُصَلِّي على النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، والزَّكاة تَتَضمَّنُ النَّماء والبَرَكة والطَّهارة، والذي قبله فيه أنها كفارة، وهي تتضمن مَحْو الذنب، فتضمَّن الحديثان أن بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - تحْصُلُ طهارة النَّفْس من رذائلها، ويثبت لها النَّماء والزِّيادة في كمالاتها وفضائلها، وإلى هذين الأمرين يرجع كمال النفس، فعلم أنه لا كمال للنفس إلا بالصلاة على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - التي هي من لوازم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواه من المخلوقين - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) تقدم برقم (22). وقد اضطرب فيه ليث بن أبي سليم، فمرة قال (عن كعب) وهنا قال (نافع بن كعب). (2) في (ب) (الفضيل).
(1/497)
فصل الموطن السادس والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند إِلْمَام الفَقْرِ والحاجةِ، أو خَوْفِ وُقُوْعِه
453 - قال أبو نعيم (1): حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة، حدثنا أبو نعيم، حدثنا فطر بن خليفة، عن جابر بن سمرة السوائي، عن أبيه، قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله! ما أقرب الأعمال إلى الله عز وجل؟ قال: "صدق الحديث، وأداء الأمانة"، قلت: يا رسول الله! زدنا، قال: "صلاة الليل، وصوم الهاجر". قلت: يا رسول الله! زدنا. قال: "كثرة الذكر، والصلاة علي تنفي الفقر". قلت: يا رسول الله! زدنا. قال: "من أم قومًا فليخفف فإن فيهم الكبير، والعليل، والضعيف، وذا الحاجة". __________ (1) في معرفة الصحابة (3/ 1413) رقم (3572). وسنده ضعيف، فيه محمد بن الحسن بن سماعة، قال الدارقطني: "ليس هذا بالقوي، ضعيف". انظر: سؤالات حمزة السهمي للدارقطني رقم (45 و 93)، وفيه انقطاع بين فطر وجابر بن سمرة، فقد توفي فطر سنة 155 هـ وتوفى جابر سنة 73 هـ، فبينهما 82 سنة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 315).
(1/498)
فصل الموطن السابع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند خِطبةِ الرجل المرأة في النكاح
454 - قال إسماعيل بن أبي زياد (1): عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، قال: يعني أن الله تعالى يثنى على نبيكم ويغفر له، وأمر الملائكة بالاستغفار له {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} أثنوا عليه في صلاتكم، وفي مساجدكم، وفي كل موطن، وفي خِطْبة النساء فلا تنسوه". فصل الموطن الثامن والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند العُطاس 455 - قال الطبراني (2). حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، __________ (1) إسناده ضعيف جدًا، جويبر ضعيف جدًا. (2) في الأوسط (4/ 197) رقم (5698). تفرد به سليمان بن موسى الدمشقي، وهو صدوق، لكن عنده مناكير يتفرد بها عن عطاء ونافع وعمرو بن شعيب، ويُخشى أن يكون هذا منها. انظر: علل الترمذي الكبير ص 257، والكامل (3/ 263)، وتهذيب الكمال (12/ 92 - 98).
(1/499)
حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع، قال: رأيت ابن عمر وقد عطس رجل إلى جنبه فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله، فقال ابن عمر: وأنا أقول: السلام. على رسول الله، ولكن ليس هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أمرنا أن نقول إذا عطسنا: "الحمد لله على كل حال". قال الطبراني: لم يروه عن سعيد إلا الوليد، تفرد به سهل. 456 - ورواه الترمذي (1) عن حميد بن مسعدة، حدثنا زياد ابن الربيع، حدثنا حضرمي مولى آل الجارود، عن نافع؛ أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، علمنا أن نقول: "الحمد لله على كل حال". قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث __________ (1) رقم (2738)، والبخاري في تاريخه معلقًا مختصرًا (3/ 125)، والمزي في تهذيب الكمال (6/ 553)، والبيهقي في شعب الإيمان (7/ 342) رقم (8884) وغيرهم. وهو حديث منكر، تفرد به حضرمي وهو مجهول. انظر: تهذيب الكمال (6/ 552). وفيه أيضًا زياد بن الربيع، وهو مع أنه صدوق، فله منكرات. انظر: الكامل (3/ 195)، وتهذيب الكمال (9/ 458 - 460).
(1/500)
زياد بن الربيع". قال أبو موسى المديني: "وروي عن نافع أيضًا، عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك". 457 - ثم ساق من طريق عبد الله بن أحمد (1)، حدثنا عباد بن زياد الأسدي، حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن نافع، قال: "عطس رجل عند ابن عمر فحمد الله (2) فقال له ابن عمرة لقد بخلت، هلا حيث حمدت الله تعالى صليت على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ ". فذهب إلى هذا جماعة، منهم أبو موسى المديني، وغيره". ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا تستحب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند العطاس، وإنما هو موضع حمد لله (3) وحده، ولم يشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند العطاس إلا حمد الله تعالى. والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت من أفضل الأعمال، وأحبها إلى الله، __________ (1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 340) رقم (8082)، وسنده حسن؛ إن كان أبو إسحاق سمعه من نافع. وله شاهد: رواه الضحاك بن قيس قال: عطس رجل ... وفيه "فقال عبد الله: لو تممتها والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه البيهقي في الشعب (7/ 341) رقم (8883)، وابن معين معلقًا، كما في سؤالات ابن الجنيد رقم (728). قلت: الضحاك فيه جهالة. انظر: التاريخ الكبير (4/ 332). (2) من شعب الإيمان قوله (فحمد الله) وسقط من جميع النسخ. (3) في (ش، ح) (الله).
(1/501)
فلكلِّ (1) ذِكْرٍ موطن يخصُّه، لا يقوم غيره مقامه فيه. قالوا: ولهذا لا تشرع الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في الركوع ولا السجود، ولا قيام الاعتدال من الركوع، وتشرع في التشهد الأخير، إمَّا مشروعية وجوب، أو استحباب، ورووا حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: 458 - "لا تذكروني عند ثلاث: عند تسمية الطعام، وعند الذبح، وعند العطاس" (2)، وهذا الحديث لا يصح، فإنه من حديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي (3)، عن أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره، وله ثلاث علل: إحداها: تفرد سليمان بن عيسى به، قال البيهقي (4): "وهو في عِدَادِ مَنْ يضع الحديث". الثانية: ضعف عبد الرحيم العمي. الثالثة: انقطاعه. __________ (1) في (ب، ش) (فكل) وهو خطأ. (2) أخرجه البيهقي في الكبرى (9/ 286). وهو حديث موضوع، وسيأتي بيان عِلَّته. (3) من سنن البيهقي، ووقع في (ظ) (عن كثير عن عويد عن أبيه)، وفي (ش) ( ... العمّي كثير عن عويز عن أبيه)، وفي (ب) ( ... العمّي كسير عن عوير عن أبيه)، وفي (ح) ( .. العمّي كسير عن غوير عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)، وفي (ت) ( ... العمي كثير عن عويد عن أبيه .. ) وفي (ج) كذا كثير وكلها خطأ. (4) في سننه الكبرى (9/ 286).
(1/502)
459 - قال البيهقي: وقد روينا في الصلاة عند العطاس: ما أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو عبد الله الصفار، حدثنا عبد الله الصفار، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا عباد بن زياد، فذكر الأثر المتقدم (1).
فصل الموطن التاسع والعشرون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بعد الفراغ من الوضوء
460 - قال أبو الشيخ في كتابه (2): حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن شبيب، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا محمد بن جابر، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليصل علي، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة". __________ (1) رقم (457). (2) الثواب، وفضائل الأعمال، ومن طريقه، أبو موسى المديني كما في القول البديع ص 166. وهو حديث منكر، محمد بن جابر هو أبو عبد الله اليمامي، ضعيف، وحديثه هذا لعله مما أخذه تلقينًا. انظر: تهذيب الكمال (24/ 564 - 569). وهذا الحديث معروف بيحيى بن هاشم عن الأعمش، ويحيى متروك الحديث أخرجه البيهقي في الكبرى (1/ 44).
(1/503)
هذا حديث مشهور له طرق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (1)، وعقبة بن عامر (2)، وثوبان (3)، وأنس (4)، ليس في شيء منها ذكر الصلاة إلا في هذه الرواية. 461 - وقال ابن أبي عاصم في كتابه (5): حدثنا دحيم، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، يرفعه: "لا وضوء لمن لم يصل عبى النبي - صلى الله عليه وسلم -". وعبد المهيمن لا يُحْتَجُّ به، وقد تقدم الحديث.
فصل الموطن الثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المنزل
462 - ذكره الحافظ أبو موسى المديني (6)، وروى فيه من
__________ (1) عند الترمذي (55) وغيره، وهو خطأ من مسند عمر، صوابه من مسند عقبة بن عامر، وانظر: مسند أحمد (4/ 145 - 146). (2) عند مسلم في (2) الطهاره (234). (3) عند الطبراني في الكبير (2/ 100) رقم (1441) وسنده ضعيف، فيه أبو سعد البقَّال. (4) عند ابن ماجه رقم (469) وغيره، وسنده ضعيف. قال البوصيري: "فيه زيد العمي، وهو ضعيف". انظر: مصباح الزجاجة (1/ 187)، وانظر: نتائج الأفكار (1/ 237 - 247)، والقول البديع ص 166. (5) تقدم برقم (36). (6) رواه أبو موسى المديني بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع =
(1/504)
حديث أبي صالح بن المهلب، عن أبي بكر بن عمران، حدثني محمد بن العباس بن الوليد، حدثني عمرو بن سعيد (1)، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثني محمد بن عجلان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه الفقر، وضيق العيش أو المعاش، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد، أو لم يكن فيه أحد، ثم سلم علي، واقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، مرة واحدة". ففعل الرجل، فأدر الله عليه الرزق حتى أفاض (2) على جيرانه وقراباته.
فصل الموطن الحادي والثلاثون من مواطن الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في كل موطن يجتمع فيه لذكر الله تعالى
463 - لحديث أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن لله سيارة من الملائكة إذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض: اقعدوا، فإذا دعا القوم أمنوا على دعائهم، فإذا صلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلوا معهم، حتى يفرغوا، ثم يقول بعضهم لبعض: طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورًا لهم" (3). __________ = ص 124. (1) في (ب، ت، ش، ح) (عمر بن سعد)، وفي (ج) (عمر بن سعيد). (2) في (ح) (أفاد) وهو خطأ. (3) تقدم برقم (31) وهو منكر بهذا اللَّفظ.
(1/505)
وأصل الحديث في مسلم (1)، وهذا سياق مسلم بن إبراهيم الكشي، حدثنا عبد السلام بن عجلان، حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة فذكره.
فصل الموطن الثاني والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا نَسِيَ الشَّيء وأراد (2) ذِكْرَه.
464 - ذكره أبو موسى المديني (3): وروى فيه من طريق محمد بن عتاب المروزي، حدثنا سعدان بن عبدة أبو سعيد المروزي، حدثنا عبيد الله بن عبد الله العتكي، أنبأنا أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نسيتم شيئًا فصلوا علي تذكروه إن شاء الله". قال الحافظ: وقد ذكرناه من غير هذا الطريق في كتاب "الحفظ والنسيان". __________ (1) في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2685). (2) في (ظ، ت، ج) (أو أراد) وهو خطأ. (3) أخرجه أبو موسى المديني بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع ص 217. قلت: والحديث منكر باطل، عبيد الله العتكي يروي عن أنس مناكير، وسعدان بن عبدة القداحي قال ابن عدي: غير معروف. انظر: الكامل (4/ 332 - 333).
(1/506)
فصل الموطن الثالث والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الحاجة تعرض للعبد
465 - قال أحمد بن موسى الحافظ (1): حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن أسيد، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا إبراهيم بن الأشعث الخراساني، حدثنا عبد الله بن سفيان (2)، عن عقبة بن أبي عائشة المدني، عن أبي سهل بن مالك، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة، عجل له منها ثلاثين حاجة، وأخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك". قالوا: وكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: " {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56]، اللهم صل عليه، حتى تعد مائة مرة". 466 - وقال إبراهيم بن الجنيد (3): حدثنا إسماعيل بن خديج __________ (1) أخرجه أحمد بن موسى الحافظ بسند ضعيف. قاله السخاوي في القول البديع ص 169، وابن النجار كما في الكنز (1/ رقم 2232). فيه إبراهيم بن الأشعث: منكر الحديث. اللسان (1/ 132). (2) وقع في الأصول (سنان بن عقبة .. ) والتصويب من التاريخ الكبير للبخاري (5/ 101) و (6/ 436). (3) أخرجه عبد الرزاق (10/ 441) رقم (19642) من طريق معمر عن أبي =
(1/507)
ابن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: "إذا أردت أن تسأل الله حاجة فابدأ بالمدحة والتحميد والثناء على الله عز وجل بما هو أهله، ثم صل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ادع بعد، فإن ذلك أحْرى أن تُصيب حاجتك". 467 - وقال الطبراني (1): حدثنا سهل بن موسى، حدثنا زُرَيْق (2) بن السَّخْت، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا فائد أبو الورقاء، حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "من كان له إلى الله عز وجل حاجة فليتوضأ، وليحسن وضوءه، وليركع (3) ركعتين، وليثن على الله عز وجل، وليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله سبحان الله رب العرش الكريم، والحمد لله رب العالمين، أسألك بموجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل ذنب، لا تدع لي همًا إلا فرجته، ولا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا حاجة هي (4) لك فيها رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين". __________ = إسحاق به نحوه. وفي سنده انقطاع، أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، (1) تقدم برقم (106). (2) انظر توضيح المشتبه (4/ 178 - 179) (زريق). (3) وقع في (ب) جملة (وليركع ركعتين) بعد جملة (وليثن على الله). (4) من (ب، ظ، ت) قوله (هي).
(1/508)
468 - وقال ابن منده الحافظ (1): حدثنا عبد الصمد العاصمي، أخبرنا إبراهيم بن أحمد المستملي، حدثنا محمد بن درستويه، حدثنا ابن متويه، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عباس بن بكار، حدثنا أبو بكر الهذلي، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من صلى علي كل يوم مائة مرة، قضى الله له مائة حاجة، سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه" قال الحافظ أبو موسى: "هذا حديث حسن". قلت: قد تقدم حديث فضالة بن عبيد (2)، وأبي بن كعب (3) في ذلك. والله أعلم.
فصل الموطن الرابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند طَنِيْن الأُذُن.
469 - ذكره أبو موسى، وغيره. قال ابن أبي عاصم في __________ (1) أخرجه ابن منده، وقال الحافظ أبو موسى المديني: "حديث غريب حسن". ذكره السخاوي في القول البديع ص 123. قلت: وهو حديث موضوع، فيه أبو بكر الهذلي البصري: متروك، وقال غندر: "كان يكذب". انظر: تهذيب الكمال (33/ 159 - 161). (2) رقم (44). (3) رقم (73).
(1/509)
كتابه (1): حدثنا أبو الربيع، قال: حدثنا حبان (2) بن عدي، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله (3)، عن أبي رافع، عن أخيه عبد الله، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا طنت أذن أحدكم فليصل علي، وليقل: ذَكَر اللهُ بخيرٍ من ذكرني". ورواه معمر بن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده، لم يذكر عبد الله في الإسناد (4)، وفي رواية: "ذكر الله من ذكرني (5) بخير".
فصل الموطن الخامس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عقيب الصلوات.
ذكره الحافظ أبو موسى وغيره. ولم يذكروا في ذلك سوى حكاية ذكرها أبو موسى المديني (6): من طريق عبد الغني بن سعيد، قال: سمعت إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل المحاسب (7)، قال: أخبرني أبو بكر محمد بن عمر، قال: (كنت عند أبي بكر بن __________ (1) في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - رقم (81)، وقد تقدم تخريجه رقم (104). (2) في (ظ، ت، ج) (حسّان) وهو خطأ. (3) في (ح) (عبد الله). (4) تقدم برقم (105) ص 94 - 95، هو غير ثابت. (5) وقع في (ش) (ذكر بخير) بدلًا من (ذكرني بخير). (6) وابن بشكوال وعبد الغني بن سعيد كما في القول البديع ص 167. (7) في (ظ، ت، ج) (الحاسب).
(1/510)
مجاهد، فجاء الشبلي، فقام إليه أبو بكر بن مجاهد فعانقه، وقبل بين عينيه، فقلت له: يا سيدي، تفعل هذا بالشبلي، وأنت وجميع (1) مَنْ ببغداد يتصورون (2) أنه مجنون؟ فقال لي: فعلت به كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعل به، وذلك أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وقد أقبل الشبلي، فقام إليه، وقبل بين عينيه. فقلت: يا رسول الله! أتفعل هذا بالشبلي؟ فقال: "هذا يقرأ بعد صلاته: ({لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]، إلى آخرها ويتبعها بالصلاة عليَّ"، وفي رواية: "أنه لم يصل صلاة فريضة إلا ويقرأ خلفها) (3) {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} إلى آخر السورة، ويقول ثلاث مرات: صلى الله عليك يا محمد" قال: فلما دخل الشبلي سألته (4) عما يَذْكُرُ بعد الصلاة، فذكر مثله).
فصل الموطن السادس والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند الذَّبِيْحَة.
وقد اختلف في هذه المسألة، فاستحبها الشافعي رحمه __________ (1) سقط من (ب، ش) الواو من (وجميع). (2) في (ب، ش) (يتصوّر به)، وفي (ظ، ح، ج) (يتصورونه). (3) سقط من (ب، ش) من قوله (لقد جاءكم ... -إلى- قوله ويقرأ خلفها). (4) في (ش) (سأله).
(1/511)
الله، قال (1): "والتسمية على الذبيحة بسم الله، فإن زاد (2) بعد ذلك شيئًا من ذكر الله تعالى فالزيادة خير، ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبّه له، وأحبّ له (3) أن يكثر الصلاة عليه على كل الحالات؛ لأن ذكر الله بالصلاة (4) عليه إيمان بالله وعبادة له، يؤجر عليها إن شاء الله تعالى من قالها. وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف؛ أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقدمه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتبعه، فوجده عبد الرحمن ساجدًا، فوقف ينتظره فأطال، ثم رفع، فقال عبد الرحمن: لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك، فقال: 470 - "يا عبد الرحمن، إني لما كنت حيث رأيت لقيني جبريل فأخبرني عن الله؛ أنه قال: من صلى عليك صليت عليه، فسجدت لله شكرًا". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 471 - "من نسي الصلاة علي خطئ به طريق الجنة"" (5). وبسط رحمه الله الكلام في هذا. ونازعه في ذلك آخرون، منهم أصحاب الإمام أبي حنيفة (6) __________ (1) انظر: الأم (3/ 621 - 622) ط. دار الوفاء. (2) في الأم (فإذا زاد .. ). (3) من الأم (3/ 622) (له). (4) في الأم (والصلاة). (5) تقدما برقم (69, 70) و (27 و 87 و 131 و 155 و 157). (6) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (5/ 119)، وفتح القدير (9/ 492).
(1/512)
رحمه الله تعالى، فإنهم كرهوا الصلاة في هذا الموطن، ذكره صاحب "المحيط" وعَلَّله بأن قال: لأنَّ فيه إيهام (1) الإهلال لغير الله تعالى. واختلف أصحاب الإمام أحمد رحمه الله (2) تعالى فكرهها القاضي وأصحابه، وذكر الكراهة أبو الخطاب في "رؤوس المسائل". وقال ابن شاقِلَّا: تستحب. كقول الشافعي. واحْتَجَّ مَن كرهها بأن قالوا: روى أبو محمد الخلال بإسناده (3)، عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 472 - "موطنان لا حظ لي فيهما: عند العطاس والذبح". واحتجوا بحديث سليمان بن عيسى السجزي، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه. وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه غير ثابت (4). __________ (1) سقط من ظ فقط (إيهام). (2) انظر: مسائل عبد الله بن أحمد (3/ 861) رقم (1154)، والشرح الكبير مع الإنصاف (27/ 326)، والفروع لابن مفلح (6/ 317). (3) عزاه له السخاوي في القول البديع ص 205، وهو لا يثبت. (4) برقم (458).
(1/513)
فصل الموطن السابع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة في غير التشهد.
بل في حال القراءة إذا مَرَّ بذكره، أو بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: 56]، ذكره أصحابنا، وغيرهم، قالوا: متى مَرَّ بذكره في القراءة وَقَفَ وصلَّى عليه. 473 - وقال إسماعيل بن إسحاق (1): حدثنا محمد بن أبي بكر، حدثنا بشر بن منصور، عن هشام، عن الحسن، قال: "إذا مرّ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فليقف، وليصل عليه في التطوع". ونص الإمام أحمد رحمه الله تعالى على ذلك فقال: "إذا مر المصلي بآية فيها ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن كان في نفل صلى عليه - صلى الله عليه وسلم -". __________ (1) أخرجه إسماعيل القاضي والنميري كما في القول البديع ص 167، وسنده صحيح إلى الحسن. تنبيه: لم أقف على هذا الأثر في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لإسماعيل القاضي، تحقيق: الألباني، وتحقيق غيره.
فصل الموطن الثامن والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - بَدَل الصَّدقة
لمن لم يكن له مال فتجزئ الصلاة عليه عن الصدقة للمعْسر. 474 - قال ابن وهب (1): عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمدٍ عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، فإنها له زكاة". رواه عنه ابن أخيه، وهارون بن معروف. __________ (1) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (640)، وابن حبان (3/ 185) رقم (903)، والحاكم في المستدرك (4/ 130) رقم (7175) وغيرهم. وسنده ضعيف، لضعف رواية دراج عن أبي الهيثم، وفي متنه نكاره، وعَدَّه ابن عدي في منكرات دَرَّاج. انظر: الكامل (3/ 114). وانظر: تهذيب الكمال (8/ 477 - 480)، والمطالب العالية (13/ رقم 3335)، والحديث صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الهيثمي والمناوي.
(1/515)
فصل الموطن التاسع والثلاثون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند النوم.
475 - قال أبو الشيخ في كتابه (1): أخبرنا إسحاق بن إسماعيل الرَّملِي (2)، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا محمد بن نَشْر، حدثنا محمد بن عامر، قال: قال أبو قرصافة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أوى إلى فراشه ثم قرأ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1]، ثم قال: اللهم رب الحل والحرم، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آيةٍ أنزلتها في شهر رمضان، بلغ روح محمد - صلى الله عليه وسلم - مني تحية وسلامًا، أربع مرات، وكل الله تعالى بها الملكين حتى يأتيا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فيقولان له: يا محمد إن فلان ابن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله. فيقول: وعلى فلان مني السلام ورحمة الله وبركاته". قال الحافظ أبو موسى: "نَشْر" والد "محمد" بفتح النون. قلت: وأبو قرصافة، ذكره ابن عبد البر في كتاب __________ (1) أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ رقم 597)، وفي الثواب، والديلمي في مسند الفردوس، والضياء في المختاره وقال: غريب جدًا، كما في القول البديع ص 207، وكنز العمال (15/ رقم 346). وهو حديث ضعيف جدًا، ويأتي عِلّته. (2) في (ظ، ت، ج) (البرمكي)، وهو خطأ.
(1/516)
الصحابة (1)، وقال اسمه: "جندرة" من بني كنانة، له صحبة، سكن فلسطين، وقيل: كان يسكن تهامة. ولكن محمد بن نشر هذا هو المدني، قال فيه الأزدي (2): "متروك الحديث مجهول". قلت: وعلَّة الحديث أنه معروف من قول أبي جعفر الباقر، وهذا أشبه. والله أعلم.
فصل الموطن الأربعون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كلِّ كلامِ خيرٍ (3) ذي بال
فإنه يبتدئ بحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يذكر كلامه بعد ذلك. أما ابتداؤه بالحمد فلما في "مسند الإمام أحمد رحمه الله تعالى (4)، و"سنن أبي داود" (5): من حديث أبي هريرة رضي الله __________ (1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب (4/ 296) رقم (3165). وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 644) رقم (542). (2) انظر: الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 104) رقم (3228)، وانظر: لسان الميزان (5/ 398). (3) من (ش)، وفي (ظ، ت، ج) (عند كل ذي كلام، ذي بال)، وفي (ب) (عند كل كلامٍ ذي بال). (4) (2/ 359). (5) رقم (484)، وابن ماجه (1894)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (494)، وابن حبان رقم (1، 2) وغيرهم. تفرد به قُرَّة بن عبد الرحمن عن الزهري عن =
(1/517)
عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: 476 - "كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم". وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فروى أبو موسى المديني من حديث إسماعيل بن أبي زياد، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: 477 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل كلام لا يذكر الله فيه، فيبدأ به وبالصلاة عليَّ، فهو أقطع ممحوق من كل بركة" (1). __________ = أبي سلمة عن أبي هريرة وهو حديث منكر، لتفرد قُرَّة به، وهو ضعيف في الزهري، وخالفه أصحاب الزهري فأرسلوه، وهو الصواب كما قاله الدارقطني. انظر: علل الدارقطني (8/ 29 - 30) رقم (1391)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (1/ 5 - 21). (1) أخرجه الخليلي في منتخب الإرشاد (1/ 449) رقم (119)، والسبكي في طبقات الشافعية (1/ 15) وغيرهما. وهو حديث باطل، تفرد به إسماعيل بن أبي زياد الشامي، قال الدارقطني: متروك يضع الحديث. انظر: لسان الميزان (1/ 523) رقم (1289).
(1/518)
فصل الموطن الحادي والأربعون من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - في أثناء تكبيرات (1) صلاة العيد
فإنه يستحب أن يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -. 478 - قال إسماعيل بن إسحاق (2): حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا هشام الدستوائي، حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة؛ أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يومًا (3)، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله: تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم وتقرأ وتحمد ربك، وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع. فقال حذيفة، وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن. وفي هذا الحديث الموالاة بين القراءتين، وهي مذهب أبي __________ (1) إضافة من (ظ، ت، ج) (تكبيرات). (2) في فضل الصلاة رقم (88، 89) وتقدم الكلام عليه رقم (169). (3) وقع في (ح) فقط (بيوم).
(1/519)
حنيفة، وإحدى الروايتين عن أحمد (1)، وفيه تكبيرات العيد الزوائد ثلاثًا ثلاثًا، وهو مذهب أبي حنيفة (2)، وفيه حمد الله والصلاة على رسوله بين التكبيرات، وهو مذهب الشافعي وأحمد (3)، فأخذ أبو حنيفة به في عدد التكبيرات والموالاة بين القراءتين، وأخذ به أحمد والشافعي في استحباب الذكر بين التكبيرات. وأبو حنيفة ومالك (4) يَسْتحبَّان سرد التكبيرات من غير ذكر بينهما، ومالك لم يأخذ به في هذا ولا في هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم. __________ (1) سقط من (ب) من قوله (واحدى الروايتين عن أحمد) إلى قوله (مذهب أبي حنيفة). (2) انظر: بدائع الصنائع للكاساني (1/ 411). (3) انظر: المغني لابن قدامة (3/ 274)، والمجموع للنووي (5/ 15 - 16). (4) انظر: مواهب الجليل للحطاب (2/ 572).
(1/520)
الباب الرابع (1) في الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم –
الأولى: امتثالُ أمْر الله سبحانه وتعالى.
الثانية: موافقته سبحانه في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، وإن اختلفت الصلاتان، فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف كما تقدم.
الثالثة: موافقة ملائكته فيها.
الرابعة: حصول عشر صلوات من الله عَلَى المُصَلِّي عليه (2) مرّة.
الخامسة: أنه يُرْفَعُ له عشر درجات.
السادسة: أنه يُكْتَبُ له عشر حسنات.
السابعة: أنه يُمْحَى عنه عشر سيئات.
الثامنة: أنه يُرْجَى إجابة دعائه إذا قدَّمها أمامه، فهي تصاعد
__________ (1) في جميع النسخ (الخامس)، وظاهر كلام المؤلف في أول الكتاب ومقتضاه أنه (الرابع). (2) من (ش، ب) قوله (عليه)، وسقط من باقي النسخ.
(1/521)
الدعاء إلى عند ربِّ العالمين، وكان موقوفًا بين السماء والأرض قبلها (1). التاسعة: أنها سبب لشفاعته - صلى الله عليه وسلم - إذا قرنها بسؤال (2) الوسيلة له (3) أو أفردها، كما تقدم حديث رُوَيْفِع بذلك (4). العاشرة: أنها سبب لغفران الذنوب، كما تقدم. الحادية عشرة: أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمَّه. الثانية عشرة: أنها سبب لقرب العبد منه - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة، وقد تقدم حديث ابن مسعود بذلك (5). الثالثة عشرة: أنها تقوم مقام الصَّدقة لذي العُسْرَة. الرابعة عشرة: أنها سبب لقضاء الحوائج. الخامسة عشرة: أنها سبب لصلاة الله على المصلِّي وصلاة ملائكته عليه. السادسة عشرة: أنها زكاة للمصلي وطهارة له. السابعة عشرة: أنها سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، ذكره __________ (1) سقط من (ظ، ت، ج) من قوله (وكان موقوفًا) إلى (قبلها). (2) سقط من (ب) قوله (بسؤال). (3) سقط من (ش) قوله (له). (4) تقدم برقم (107، 108). (5) تقدم برقم (41).
(1/522)
الحافظ أبو موسى في كتابه، وذكر فيه حديثًا (1). الثامنة عشرة: أنها سبب للنَّجاة من أهوال يوم القيامة، ذكره أبو موسى وذكر فيه أيضًا حديثًا (2). التاسعة عشرة: أنها سبب لِردِّ النَّبي صلى الله تعالى عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه. العشرون: أنها لسب لتذكر العبد ما نَسِيَه، كما تقدم (3). الحادية والعشرون: أنها سبب لطيب المجلس، وأن لا يعود حَسْرة على أهله يوم القيامة. الثانية والعشرون: أنها سبب لنفي الفقر، كما تقدم (4). الثالثة والعشرون: أنها تنفي عن العبد اسم البُخْل إذا صلى عليه عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -. الرابعة والعشرون: نجاته من الدُّعاء عليه بِرُغْمِ الأنْف إذا تَرَكَها عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - (5). __________ (1) انظره في القول البديع ص 127 وهو حديث منكر. قاله ابن حجر والسخاوي. (2) انظره في القول البديع ص 116 وهو حديث ضعيف جدًا. (3) رقم (464). (4) رقم (453). (5) سقط من (ظ، ت) الفائدة الرابعة والعشرون كاملة.
(1/523)
الخامسة والعشرون: أنها ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها (1). السادسة والعشرون: أنها تنجي من نَتَنِ المجلس الذي لا يُذكرُ فيه الله ورسوله، ويُحْمد الله تعالى ويُثْنى عليه فيه، ويُصلَّى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. السابعة والعشرون: أنها سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. الثامنة والعشرون: أنها سبب لوفور نور العبد على الصِّراط، وفيه حديث ذكره أبو موسى وغيره (2). التاسعة والعشرون: أنه يخرج بها العبد عن الجفاء. الثلاثون: أنها سبب لإلقاء (3) الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلابُدَّ أن يحصل للمصلي نوع من ذلك. الحادية والثلاثون: أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه، لأن المصلي داعٍ ربه أن يبارك عليه __________ (1) في (ب، ش) (طريق الجنة) بدلًا من (طريقها). (2) انظره في الترغيب والترهيب للأصبهاني (2/ 1682) وهو ضعيف جدًا. (3) في (ح) (لإبقاء).
(1/524)
وعلى آله، وهذا (1) الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه. الثانية والثلاثون: أنها سبب لنيل رحمة الله له، لأن الرحمة: إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلابد للمصلي عليه من رحمة تناله. الثالثة والثلاثون: أنها سبب لدوام محبَّته للرسول - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يَتِمُّ إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضارِهِ في قلبه، واستحضارِ محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه = تضاعف حُبُّهُ له (2) وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه. وإذا أعْرَض عن ذكره وإخْطارِهِ وإِخْطارِ (3) محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه. ولا شيء أَقرَّ لعين المُحِبِّ من رؤية محبوبه، ولا أَقرَّ لقلبه من ذكره وإخطاره وإخطار (4) محاسنه. إذا قوي هذا في قلبه، جرى لسانه بمدحه والثناء عليه، وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه يحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك، حتى قال بعض (5) الشعراء في ذلك: __________ (1) ليس في (ب) فقط (هذا). (2) ليس في (ب) (له). (3) وقع في (ح) (وإحضاره وإحضار ... )، وانظر اللسان (4/ 249) (مادة: خطر). (4) وقع في (ح) (ذكره واحضار محاسنه ... ). (5) سقط من (ح) (بعض).
(1/525)
عَجِبْتُ لِمَنْ يَقُولُ: ذَكَرْتُ حِبِّي ... وَهلْ أنْسَى فأذْكُرُ ما نَسِيْتُ؟! (1) فتعجب هذا المحب ممن يقول: ذكرت محبوبي، لأن الذكر يكون بعد النسيان، ولو كمل حب هذا لما نسي محبوبه. (وقال آخر: أُرِيْدُ لأنْسَى ذِكْرَهَا فكأنَّمَا ... تَمَثَّلُ لِيْ لَيْلَى بكلِّ سَبِيْلِ فهذا أخبر عن نفسه أن محبته لها مانع له من نسيانها) (2). وقال آخر (3): يُرَادُ مِنَ القَلْبِ نِسْيَانكُم ... وتَأْبَى الطِّبَاعُ على النَّاقِل فأخبر أن حبهم وذكرهم قد صار طبعًا له، فمن أراد منه خلاف ذلك أبت عليه طباعه أن تنتقل عنه، والمثل المشهور: "من أحب شيئًا أكثر من ذكره" (4)، وفي هذا الجناب الأشرف أحق ما أُنشد: لَوْ شُقَّ عَنْ قَلْبِي فِرَى وسطه (5) ... ذِكْرُك والتَّوحِيْد فِيْ سَطْرِ __________ (1) في (ح) (من نسيت) و (ج) (فإذا) بدل (فاذكر) والبيت لم أقف عليه. (2) سقط من (ب، ش) من قوله (وقال آخر أريد لأنسى ... ) إلى قوله (له من نسيانها)، وانظر البيت لِكُثَيِّرِ عزَّة في ديوانه ص 108. ط: إحسان عباس. (3) هو المتنبي انظر ديوانه (2/ 26 - العرف الطَّيِّب). (4) انظر: مجمع الأمثال للميداني (2/ 329). (5) وقع في (ظ، ج) فقط (وجهه)، وفي (ش، ب) (قرى) بدلًا من (فرى)، والبيت لم أقف عليه.
(1/526)
فهذا قلب المؤمن: توحيدُ الله وذكرُ رسوله - صلى الله عليه وسلم - مكتوبان فيه لا يتطرَّق إليهما (1) مَحْو ولا إزالة، ولمَّا كانت كثرة ذكر الشيء موجبة لدوام محبَّته، ونسيانه سببًا لزوال محبته أو ضعفها، وكان الله سبحانه هو المستحقُّ من عباده نهاية الحبِّ مع نهاية التعظيم، بل الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو أن يُشْرك به في الحُبِّ والتَّعظيم، فيحِب غيره ويعظم من المخلوقات غيره (2) ، كما يحب الله تعالى ويعظمه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]، فأخبر سبحانه أن المشرك يُحِبُّ النِّدَّ كما يُحِبُّ اللهَ تعالى، وأن المؤمن أشدُّ حُبًّا لله من كل شيء، وقال أهل النار في النار: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98)} [الشعراء: 97 - 98]، ومن المعلوم أنَّهم إنَّما سَوُّوهم به سبحانه في الحبّ والتألّه والعبادة (3)، وإلا فلمْ يقل أحد قطُّ إنَّ الصَّنَم أو غيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين سبحانه وتعالى في صفاته، وفي أفعاله، وفي خلق السماوات والأرض، وفي خلق عباده (4) أيضًا، وإنما كانت التسوية في المحبة والعبادة. وأضلُّ من هؤلاء وأسوأ حالًا مَنْ سوَّى كل شيء بالله سبحانه __________ (1) في (ب) (إليها). (2) من (ح) فقط. (3) سقط من (ش). (4) في (ش، ح، ب) (عابده).
(1/527)
في الوجود، وجعله وجود كل موجود كامل أو ناقص، فإذا كان الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بينه وبين الأصنام في الحب، مع اعتقاد تفاوت ما بين الله وبين خلقه في الذَّات والصفات والأفعال، فكيف بمن سوَّى الله بالموجودات في جميع ذلك، وزعم أنه ما عَبَدَ غيرَ الله في كل معبود. والمقصود: أن دوام الذكر لما كان سببًا لدوام المحبة، وكان الله سبحانه أحق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والإجلال= كان كثرة ذكره من أنفع ما للعبد، وكان عدوه حقًا هو الصاد له عن ذكر ربه عز وجل وعبوديته؛ ولهذا أَمَرَ سبحانه بكثرة ذكره في القرآن، وجعله سببًا للفلاح، فقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة: 10]، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)} [الأحزاب: 41]، وقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] , وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9]، وقال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. 479 - وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سَبَقَ المُفرِّدُون"، قالوا: يا رسول الله وما المُفَرِّدُون؟ قال: "الذَّاكِرُون اللهَ كثيرًا والذَّاكِرات" (1). __________ (1) أخرجه مسلم في (48) الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار رقم (2676) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1/528)
480 - وفي الترمذي (1): عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, أنه قال: "ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ "، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "ذكر الله"، وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء. 481 - قال معاذ بن جبل: "ما عمل آدمي عملًا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله" (2). وذكر رسوله - صلى الله عليه وسلم - تبع لذكره. والمقصود: أنَّ دوامَ الذِّكْر سببٌ لدوام المحبَّة، فالذِّكْر __________ (1) رقم (3377)، وابن ماجه (3790)، وأحمد (5/ 195)، والبيهقي في الدعوات رقم (20) وغيرهم من طرق، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء فذكره. وهو معلول، خالفه الإمام مالك وموسى بن عقبة فروياه عن زياد عن أبي الدرداء موقوفًا، بإسقاط (أبي بحرية). أخرجه مالك في الموطأ برقم (564)، وأحمد في المسند (6/ 477) و (5/ 195) وهذا الصواب، وعليه فهو منقطع موقوف. وروي موقوفًا من وجه آخر عن أبي الدرداء. أخرجه ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 96 - 97) من طريق جعفر الفريابي في "الذكر" * وسنده حسن * (2) أخرجه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، والبيهقي في الدعوات رقم (20) وغيرهم بالإسناد السابق وفيه علة الانقطاع. ورواه سعيد بن المسيب عن معاذ موقوفًا، وهو منقطع. أخرجه الفريابي في الذكر (1/ 97، نتائج الأفكار).
(1/529)
للقلب كالماء للزَّرع، بل كالماء للسَّمك، لا حياةَ له إلا به. وهو (1) أنواع: - ذكْرُه بأسمائه، وصفاته، والثناء عليه بها (2). - الثاني: تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده، وهو (3) الغالب من استعمال لفظ الذِّكر عند المتأخرين (4). - الثالث: ذِكْرُه بأحكامه وأوامره ونواهيه، وهو ذِكْرُ أهل العلم، بل الأنواع الثلاثة هي ذِكْرُهم لربِّهم. - ومن أفضل ذِكْرِهِ ذِكْرُهُ بكلامه، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)} [طه: 124]، فذِكْرُهُ هنا: كلامُه الذي أنْزله على رسوله، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28]. - ومن ذِكْره سبحانه: دعاؤه واستغفاره والتَضرُّع إليه. فهذه خمسة أنواع من الذِّكْر. الفائدة الرابعة والثلاثون: أن الصَّلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - (سَبَبٌ لِمَحبَّته للعبد، فإنها إذا كانت) (5) سببًا لزيادة محبَّة المصلّى عليه له، __________ (1) في (ب، ش) (وهذه). (2) سقط من (ظ، ت، ج) قوله (بها). (3) وقع في (ظ، ج) فقط (والغالب) بدلًا من (وهو الغالب). (4) في (ش، ظ، ج) (عند المتأخرين هذا). (5) وقع في (ب) قول (كما كانت) بدلًا مما بين القوسين.
(1/530)
فكذلك هي سبب لمحبته هو للمصلي عليه - صلى الله عليه وسلم -. الخامسة والثلاثون: أنها سبب لهداية العبد وحياة قلبه، فإنه كُلَّما أكثر الصَّلاة عليه وذكره، اسْتَوْلت محبته على قلبه، فلا (1) يبقى في قلبه معارضة (2) لشيء من أوامره، ولا شك في شيء ممَّا جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبًا مسطورًا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويَقْتَبِس الهُدَى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلَّما ازداد في ذلك بصيرة وقُوَّة ومعرفة، ازدادت صَلاته عليه - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا صلاة أهل العلم - العارفين بسُنَّته وهدْيه المتَّبِعين له - عليه، خلافُ صلاة العوام عليه (3)، الذين حَظُّهم منهَا إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم، وأما أتباعه (4) العارفون بسنته العالِمُون بما جاء به، فصلاتهم عليه نوع آخر، فكُلَّما ازْدَادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبَّةً ومعرفةً بحقيقة الصَّلاة المطلوبة له من الله تعالى. وهكذا ذِكْرُ الله سبحانه، كلَّما كان العبدُ به أعْرف، وله أطْوع، وإليه أحبّ، كان ذِكْرُهُ غير ذِكْرِ الغافلين اللَّاهِيْن، وهذا أمْر إنَّما يُعْلَم بالخُبْرِ لا بالخَبَرِ، وفرق بين مَنْ يذكر صفات محبوبه __________ (1) في (ح) (حتى لا يبقى في). (2) في (ش) (معاوضة) وهو خطأ. (3) في (ب، ش) (عليهم). (4) في (ب) (أتباعهم).
(1/531)
الذي قد ملك حُبُّه جميع قلبه، ويثني عليه بها ويمجِّده بها، وبيْن مَن يَذْكرها إمَّا إثارة وإما لفظًا، ولا يدري ما معناه، لا يطابق فيه قلبه لسانه، كما أنه فرْق بَيْن بكاء النَّائِحة وبكاء الثَّكْلَى، فذِكْره - صلى الله عليه وسلم - وذِكْر ما جاء به، وحمد الله تعالى على إنعامه علينا ومنِّه (1) بإرساله، هو حياة الوجود وروحه، كما قيل: روْحُ المَجَالِسِ ذِكْرُه وحَدِيْثُه ... وهدى لِكُلِّ مُلَدَّدٍ حَيْرَانِ وَإِذَا أُخِلَّ بِذِكْرِه في مَجْلِسٍ ... فأُولئكَ الأمْوَاتُ فِي الجُبَّانِ (2) السادسة والثلاثون: أنها سبب لِعَرْض اسْم المُصلِّي عليه - صلى الله عليه وسلم - وذكره عنده، كما تقدم قوله - صلى الله عليه وسلم -: 482 - "إن صلاتكم معروضة علي" (3). 483 - وقوله: "إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام" (4)، وكفى بالعبد نُبْلًا أن يذكر اسمه بالخير (5) بين يَدَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد قيل في هذا المعنى: ومَنْ خَطَرَتْ منْه بِبَالِك خَطْرَة ... حَقِيْقٌ بأنْ يَسْمُو وأنْ يتَقَدَّمَا (6) __________ (1) وقع في (ح) (ومنّته) بدلًا من (ومنِّه). (2) في (ش) (الحِبَان) وفي (ب) (الجنان) وفي (ح، ظ) (الحيَّان)، والبيتان للصرصري في ديوانه * رقم (773 و 774) *. (3) برقم (80 و 433). (4) تقدم برقم (43، 119). (5) سقط من (ح) (قوله (بالخير). (6) لم أقف عليه.
(1/532)
وقال الآخر (1): أَهْلًا بمَا لَمْ أكُنْ أهْلًا لِمَوْقِعِه ... قَوْلَ المُبَشَّر بعْد اليَأسِ بالفَرَجِ لَكَ البِشَارةُ فاخْلَع مَا عَليْكَ فَقْد ... ذُكرْتَ ثَمّ عَلَى مَا فِيْكَ مِن عِوَجِ السابعة والثلاثون: أنها سبب لتثبيت (2) القدم على الصراط، والجواز عليه، لحديث عبد الرحمن بن سمرة (3) الذي رواه عنه سعيد بن المسيب في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه (4): 484 - "ورأيت رجلًا من أمتي يزحف على الصراط، ويحبو أحيانًا ويتعلق أحيانًا، فجاءته صلاته عليَّ فأقامته على قدميه وأنقذته". رواه أبو موسى المديني، وبنى عليه كتابه في "الترغيب والترهيب"، وقال: "هذا حديث حسن جدًا" (5). __________ (1) هو ابن الفارض انظر ديوانه (2/ 80). (2) في (ح) (لتثبت). (3) أخرجه الطبراني في الكبير (كما في جامع المسانيد لابن كثير (8/ 331 - 333، رقم (6015)، وابن شاهين في الترغيب والترهيب رقم (526)، وابن حبان في المجروحين (3/ 44)، وبَحْشل في تاريخ واسط ص 169 - 171 وغيرهم، من طريق علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عنه فذكره مطولًا * ولا يصح الحديث إلى ابن جدعان، ولا إلى ابن المسيب. انظر العلل المتناهية رقم (1165، 1166) *, والقول البديع ص 119 - 120. (4) سقط من (ح) قوله (وفيه). (5) سقط من (ب، ش) هذه الجملة (وقال: هذا حديث حسن جدًا).
(1/533)
الثامنة والثلاثون: أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - أداءٌ لأقل القليل من حَقِّه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها علينا، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علمًا، ولا قدرة، ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه. التاسعة والثلاثون: أنها متضمِّنة لذِكْر الله وشكره، ومعرفة إنعامه على عبيده بإرساله، فالمصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - قد تضمنت صلاته عليه ذكر الله وذكر رسوله، وسؤاله أن يجزيه بصلاته عليه ما هو أهله، كما عرفنا ربنا وأسمائه وصفاته، وهدانا إلى طريق مرضاته، وعرفنا ما لنا بعد الوصول إليه، والقدوم عليه، فهي متضَمِّنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود (1) الربِّ المَدْعو، وعلمه وسمعه وقدرته وإرادته وصفاته وكلامه، وإرسال رسوله، وتصديقه في أخباره كلها، وكمال محبته، ولا ريب أن هذه هي أصول الإيمان، فالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - متضمنة لعلم العبد ذلك، وتصديقه به، ومحبته له، فكانت من أفضل الأعمال. الأربعون: أن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - من العبد هي دعاء، ودعاءُ العبد وسؤاله من ربه نوعان: أحدهما: سؤاله حوائجه ومهمَّاته، وما ينوبه في الليل والنَّهار، فهذا دعاء وسؤال، وإيثار لمحبوب العبد ومطلوبه. الثاني: سؤاله أن يثني على خليله وحبيبه، ويزيد في تشريفه __________ (1) في (ح) (بوجوب).
(1/534)
وتكريمه وإيثاره ذِكْره، ورفعه، ولا ريب أن الله تعالى يحبُّ ذلك، ورسوله يحبه - صلى الله عليه وسلم -، فالمصَلِّي عليه - صلى الله عليه وسلم - قد صرف سؤاله ورغبته وطلبه إلى محابّ الله تعالى ورسولة، وآثر ذلك على طلبه حوائِجَهُ ومحابَّهُ هو، بل كان (1) هذا المطلوب من أحبِّ الأمور إليه وآثرها عنده، فقد آثر ما يحبّه الله ورسوله على ما يحبّه هو، فقد آثر الله ومحابَّه على ما سواه (2)، والجزاء من جنس العمل، فمن آثر الله على غيره آثره الله على غيره، واعْتَبِرْ هذا بما تَجد الناس يعتمدونه عند ملوكهم ورؤسائهم إذا أرادوا التقرب إليهم (3) والمنزلة عندهم، فإنهم يسألون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحبَّ رعيته إليه، وكلما سألوه أن يزيد في حبائه وإكرامه وتشريفه، علت منزلتهم عنده، وازداد قربهم منه، وحظوتهم (4)، لأنهم يعلمون منه إرادة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوده، فأحبُّهم إليه أشدُّهم له سؤالًا وَرغبة أن يُتِمَّ عليه إنعامه وإحسانه، هذا أمر مشاهد بالحسِّ، ولا تكون منزلة هؤلاء ومنزلة من يسأل (5) المطاع حوائجه هو، وهو (6) فارغ من سؤاله تشريف محبوبه والإنعام عليه واحدةً، فكيف بأعظم مُحَبّ وأجلّه لأكرم محبوب وأحقّه بمحبة ربه له؟ ولو لم __________ (1) ليس في (ب، ش)، قوله (كان). (2) سقط من (ش)، ووقع في (ب) (نفسه ومحابه) بدلًا من (ما سواه). (3) سقط من (ح)، ووقع في (ب) (إليه). (4) وقع في (ب) (خطوتهم)، وفي (ح) (خطوبهم) وكلاهما خطأ. (5) سقط من (ظ، ت) (من يسأل)، وفي (ح) (من سأل). (6) سقط من (ح) (وهو).
(1/535)
يكن من فوائد الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - إلا هذا المطلوب وحده لكفى المؤمن به شَرَفًا. وههنا نكتة حسنة لمن عَلَّم أمته دِيْنَه وما جاءهم (1) به، ودعاهم إليه وحضَّهم عليه، وصبر على ذلك، وهي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - له من الأجر الزائد على أجر عمله مثل أجور من اتبعه، فالداعي إلى سنته ودينه، والمعلِّم الخير للأُمَّة إذا قصد توفير هذا الحظ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصرفه إليه، وكان مقصوده بدعاء الخلق إلى الله التقرب إليه بإرشاد عباده، وتوفير أجور المطيعين له على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع توفيتهم أجورهم كاملة، كان له من الأجر في دعوته وتعليمه بحسب هذه النِّيَّة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (2). * * * __________ (1) في (ب) (وما جاء - صلى الله عليه وسلم - به) وفي (ظ، ت) (وما جاء به). (2) سقط من (ح).
(1/536)
الباب الخامس (1) في الصلاة على غير النبي وآله - صلى الله عليه وسلم - تسليمًا أما سائر الأنبياء والمرسلين فيُصَلَّى عليهم (2) ويُسَلَّم. قال تعالى عن نوح عليه السلام: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات: 78 - 80]، وقال عن إبراهيم خليله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) (3) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)} [الصافات: 108 - 109]، وقال تعالى في موسى وهارون: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119) سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)} [الصافات: 119 - 120]، وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)} [الصافات: 130]، فالذي تركه سبحانه على رسله في الآخرين هو السلام عليهم المذكور. وقد قال جماعة من المفسرين، منهم مجاهد وغيره (4): __________ (1) في (ج) فقط (فصل)، وفي بقية النسخ (الباب السادس). (2) من (ح) فقط (عليهم). (3) سقط من (ظ، ت) ما بين القوسين، ووقع في (ج) اضطراب في العبارة. (4) كابن عباس وقتادة والحسن والسُّدِّي وهو ثابت عنهم، وجاء أيضًا عن الضحاك ومقاتل وقول لابن عباس: "يذكر بخير". انظر: وتفسير الطبري (23/ 68)، معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (6/ 37)، والوسيط للواحدي (3/ 527)، ومعالم التنزيل للبغوي (7/ 44)، وتفسير ابن كثير (4/ 14).
(1/537)
وتركنا عليهم في الآخرين: الثَّناء الحسن، ولسان الصدق للأنبياء كلّهم، وهذا قول قتادة أيضًا. ولا ينبغي أن يُحْكى هذا قولان للمفسرين، كما يفعله من له عناية بحكاية الأقوال (1). بل هما قول واحد، فمن قال: إنَّ المتروك هو السَّلام عليهم في الآخرين (2) نفسه، فلا ريب أن قوله: {سَلَامٌ عَلَى نُوْحٍ} هو جملة في موضع نصب (3) بتَرَكْنَا، والمعنى: أن العالمين يُسَلِّمون على نوحٍ ومن بعده من الأنبياءَ، ومَن فسَّره بلسان الصِّدق والثناء الحسن، نَظرَ إلى لازم السَّلام وموجبه، وهو الثناء عليهم، وما جعل لهم من لسان الصدق الذي لأجْله إذا ذُكِرُوا سُلِّمَ عليهم. وقد زعمت طائفة، منهم ابن عطية (4) وغيره: أن من قال: تركنا عليه ثناء حسنًا ولسان صدق، كان {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وهو سلام من الله سلم به عليه. قالوا: فهذا السلام من الله أَمَنَة لنوح في العالمين أن يَذْكُره أحد بشرٍ. قاله الطبري (5)؛ وقد يُقوِّي هذا القول أنه سبحانه أخبر أن المتروك عليه هو في الآخرين، وأن السلام عليه في العالمين، وبأن ابن عباس رضي الله عنهما قال (6): __________ (1) كالماوردي في تفسيره (النكت والعيون) (5/ 53). (2) في (ح) (الأخرى) وهو خطأ. (3) وهو قول الكوفيين. انظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 483). (4) في تفسيره المحرر الوجيز (13/ 241). (5) وقع في (ح) (الطبراني) وهو خطأ، وانظر: تفسير الطبري (23/ 68). (6) لم أقف عليه بهذا اللفظ عن ابن عباس، وإنما المعروف عن ابن عباس قال: =
(1/538)
485 - "أبقى الله عليه ثناءً حسنًا". وهذا القول ضعيف لوجوه: أحدها: أنه يلزم منه حَذْف المفعول لـ "تركنا"، ولا يبقى في الكلام فائدة على هذا التقدير، فإن المعنى يؤول إلى أنا تركنا عليه في الآخرين أمرًا لا ذكر له في اللفظ، لأن السلام عند هذا القائل منقطع قبله، لا تعلق له بالفعل. الثاني: أنه لو كان المفعول محذوفًا كما ذكروه، لذكره (1) في موضع واحد، ليدل على المراد منه عند حذفه، ولم يطرد حذفه في جميع من أخبر أنه ترك عليه في الآخرين الثناء الحسن، وهذه طريقة القرآن، بل وكل كلام فصيح أن يذكر الشيء في موضع، ثم يحذفه في موضع آخر، لدلالة المذكور على المحذوف، وأكثر ما تجده (2) مذكورًا، وحذفه قليل، وأما أن يحذف حذفًا مطردًا، ولم يذكره في موضع واحد، ولا في اللفظ ما يدل عليه، فهذا لا يقع في القرآن. __________ = "يُذكر بخير". أخرجه الطبري (23/ 68)، وابن المنذر في تفسيره كما في الدر (5/ 524) وسنده حسن. وإنما المعروف بهذا اللفظ وروده عن قتادة قال: "أبقى الله عليه الثناء الحسن في الآخرين"، وهو صحيح عنه. أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (2/ 123) رقم (2527)، والطبري في تفسيره (23/ 68) واللفظ له. (1) في (ح) (ذكره، لذكروه) وهو خطأ. (2) في (ش) ( ... ما تجده محذوفًا مذكورًا) وقوله (محذوفًا) خطأ.
(1/539)
الثالث: أن في قراءة ابن مسعود: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامًا} بالنصب (1)، وهذا يدلُّ على أن المتروك هو السلام نفسه. الرابع: أنه لو كان السلام منقطعًا (2) مما قبله؛ لأخلَّ ذلك بفصاحة الكلام وجزالته، ولَمَا حَسُنَ الوقوف على ما قبله، وتأمَّل هذا بحال السامع إذا سمع قوله: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ} كيف يجد قلبه متشوقًا (3) متطلعًا إلى تمام الكلام، واجْتِنَاء الفائدة منه، ولا يجد فائدة الكلام انتهت وتَمَّت ليطمئن عندها، بل يبقى طالبًا لتمامها، وهو المتروك، فالوقف على {الْآخِرِينَ} ليس بوقفٍ تامّ (4). فإن قيل: فيجوز حذف المفعول من هذا الباب، لأن "ترك" هنا (5) في معنى (6) أعطى، لأنه أعطاه ثناء حسنًا أبقاه عليه في الآخرين، ويجوز في باب "أعطى" ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما، وقد وقع ذلك في القرآن، كقوله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1] فذكرهما، وقال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} [الليل: 5]، فحذفهما، وقال تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} [الضحى: 5]، فحذف الثاني، واقتصر على الأول. __________ (1) انظر: فتح القدير للشوكاني (4/ 483). (2) في (ش) (متنطعًا) وهو خطأ. (3) في (ظ، ش، ب) (مشرئبًا). (4) انظر القطع والائتناف لابن النحاس ص 437. (5) في (ب) (ههنا). (6) في (ظ) فقط (بمعنى).
(1/540)
وقال تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [المائدة: 55]، فحذف الأول واقتصر على الثاني. قيل: فِعْل الإعطاء فِعْل مَدْح، فلفظه (1) دليل على أن المفعول المُعْطَى قد ناله عطاءُ المُعْطِي، والإعطاء إحسان ونفع وبرّ، فجاز ذكر المفعولين، وحذفهما، والاقتصار على أحدهما، بحسب الغرض المطلوب من الفعل، فإن كان المقصود إيجاد ماهية الإعطاء المُخْرِجَةِ للعبد من البُخْل والشُّحِّ والمنع المنافي للإحسان = ذَكَرَ الفعل مجرَّدًا، كما قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى واتَّقَى (5)} [الليل: 5] , ولم يذكر ما أعطى ولا مَنْ أعطى، وتقول: فلان يُعطِي ويَتَصدَّقُ ويَهَبُ ويُحْسن، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: 486 - "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت" (2)، لما كان المقصود بهذا تفرُّد الرب سبحانه بالعطاء والمنع لم يكن لذِكْرِ المُعْطَى ولا لِلحَظِّ (3) المعْطَى معنىً، بل المقصود أن حقيقة العطاء والمنع إليك، لا إلى غيرك، بل أنت المتفرد بها، لا يشركك فيها أحد، فذِكْر المفعولين هنا يُخِلُّ بتمام المعنى وبلاغته، وإذا كان المقصود ذكرهما ذُكِرَا معًا، كقوله تعالى. {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ __________ (1) في (ح) (لفظه) وهو خطأ. (2) أخرجه البخاري في صحيحه في (16) صفة الصلاة (808)، ومسلم في صحيحه في (5) المساجد ومواضع الصلاة رقم (593) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. (3) في (ح) (ولا لحظ) وهو خطأ.
(1/541)
الْكَوْثَرَ (1)} [الكوثر: 1]، فإن المقصود إخباره لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بما خصَّه به، وأعطاه إيَّاه من الكوثر، ولا يتمُّ هذا إلا بذكر المفعولين، وكذا قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)} [الإنسان: 8]، وإذا كان المقصود أحدهما فقط اقتصر عليه، كقوله تعالى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [المائدة: 55]، المقصود به أنهم يفعلون هذا الواجب عليهم ولا يهملونه، فَذَكَرَه لأنه هو المقصود، وقوله عن أهل النار: {لمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)} [المدثر: 43 - 44]؛ لما كان المقصود الإخبار عن المستحق للإطعام أنهم بَخِلُوا عنه، ومنعوه حقَّه من الإطعام، وقَسَتْ قلوبهم عنه، كان ذِكْرُه هو المقصود دون المطعوم. وتدبَّر هذه الطريقة في القرآن وذكره للأهمِّ المقصود، وحذفه لغيره، يُطْلِعَك على باب من أَبواب إعجازه، وكمال فصاحته. وأما فعل التَّرك فلا يُشْعِر بشيء من هذا ولا يُمْدَحُ به، فلو قلت: فلان يترك؛ لم يكن مفيدًا فائدة أصلًا، بخلاف قولك: يُطْعم ويُعْطي ويَهَبَ ونحوه، بل لابدَّ أن تذكر ما يَتْرك، ولهذا لا يقال: فلان تارك. ويقال. مُعْط ومُطْعِم، ومن أسمائه سبحانه: "المعطي"، فقياس "ترك" على "أعطى" من أفسد القياس. و {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} جملة محكية. قال الزمخشري: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} [الصافات: 78] من الأمم، وهذه الكلمة وهي: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} يعني يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي، كقولك: قرأت: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1].
(1/542)
الخامس: أنه قال: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)}، فأخبر سبحانه أن هذا السلام عليه في العالمين، ومعلوم أن هذا السلام فيهم؛ هو سلامُ العالمين عليه، كلهم يسلم عليه، ويثني عليه (1)، ويدعو له، فذكره بالسلام عليه فيهم، وأما سلام الله سبحانه عليه فليس مقيدًا بهم، ولهذا لا يشرع أن يسأل الله تعالى مثل ذلك، فلا يقال: السلام على رسول الله في العالمين، ولا اللهم سلم على رسولك في العالمين، ولو كان هذا هو سلام الله؛ لشرع أن يطلب من الله على الوجه الذي سلم به (2). وأما قولهم: إن الله سَلَّم عليه في العالمين، وترك عليه في الآخرين. فالله سبحانه وتعالى أبقى على أنبيائه ورسله سلامًا وثناءً حسنًا فيمن تأخَّر بعدهم جزاءً على صبرهم، وتبليغهم رسالات ربهم، واحتمالهم للأذى من أُمَمِهم في الله، وأخبر أن هذا المتروك على نوح هو عامٌّ في العالمين، وأن هذه التَّحِيَّة ثابتة فيهم جميعًا، لا يخلون منها، فأدامها عليه في الملائكة والثَّقَلين، طَبَقًا بعد طَبَق، وعالَمًا بعد عالَم، مجازاة لنوح عليه السلام بصبره، وقيامه بحق ربه، وبأنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وكل المرسلين بعده بعثوا بدينه، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} [الشورى: 13]. وقولهم: إن هذا قول ابن عباس. فقد تقدم أن ابن __________ (1) ليس في (ب، ش) قوله (ويثني عليه). (2) ليس في (ب) (به).
(1/543)
عباس (1) وغيره إنما (2) أرادوا بذلك أن السلام عليه من الثناء الحسن، ولسان الصدق، فذكروا معنى السلام عليه وفائدته، والله سبحانه (3) أعلم. 487 - وأما الصلاة عليهم (4)، فقال إسماعيل بن إسحاق في كتابه (5): حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا عمر بن هارون، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي هريرة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني" صلى الله عليهم وسلم تسليمًا. ورواه الطبراني: عن الدَّبَرِي (6)، عن عبد الرزاق (7)، عن الثوري، عن موسى. 488 - وقال الطبراني (8): حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا الفريابي، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن __________ (1) سقط من (ب، ت، ش) (فقد تقدم أن ابن عباس وغيره .. ). (2) سقط من (ب). (3) من (ح). (4) وقع في (ت) فقط (السلام عليهم) وهو خطأ. (5) تقدم برقم (24). (6) في (ح) (الديري) وهو خطأ. (7) في مصنفه (2/ 216) رقم (3118) بمثله ولم يقل (كما بعثني) وزاد متنًا آخر. (8) قال الحافظ ابن حجر: "ورويناه في فوائد العيسوي، وسنده ضعيف أيضًا". انظر الفتح (11/ 169). قلت: بل الحديث منكر، فتفرد موسى بن عبيدة به، واضطرابه فيه - على ضعفه - يدل على نكارة حديثه هذا، والله أعلم.
(1/544)
عمرو بن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صليتم علي فصلوا على أنبياء الله، فإن الله بعثهم كما بعثني". وفي الباب عن أَنس (1)، وقيل: عن أَنس، عن أبي طلحة رضي الله عنهما (2). 489 - قال الحافظ أَبو موسى المديني (3): وبلغني بإسناد عن بعض السلف: (أنه رأى آدم في المنام كأنَّه يشكو قِلَّة صلاة بنيه عليه (4) - صلى الله عليه وسلم - وعلى جميع الأنبياء والمرسلين). وموسى وإن كان ضعيفًا فحديثه يستأنس به. وقد حكى غير واحدٍ الإجماع على أن الصلاة على جميع __________ (1) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة رقم (69)، وابن مردويه في تفسيره كما في نتائج الأفكار المجلس (307)، كما في حاشية الصلاة لابن أبي عاصم ص 54). وهو حديث معلول رفعه، والصواب من قول قتاده مرسلًا. أخرجه الطبري (23/ 116) وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم انظر: تفسير ابن كثير (4/ 28). (2) أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة (70)، وابن أبي حاتم في تفسيره (4/ 28) بلفظ (إذا سلمتم عليَّ فسلموا على المرسلين). من طريق الحسين بن محمد المروزي عن شيبان عن قتادة عن أَنس عن أبي طلحة فذكره. وهو معلول أيضًا بما تقدم، وأنه من قول قتادة مرسلًا. فلعل الوهم من الحسين المروزي أو شيبان النحوي. والله أعلم. (3) انظر: القول البديع ص 52. (4) سقط من (ب) فقط (عليه).
(1/545)
النبيين مشروعة، منهم الشيخ محيي الدين النووي (1) - رحمه الله- وغيره. وقد حكي عن مالك رواية أنه لا يصلى على غير نبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولكن قال أصحابه: هي مُؤوَّلة بمعنى أنَّا (2) لم نتعبد بالصلاة على غيره من الأنبياء؛ كما تعبَّدنا الله بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -. فصل وأما من سوى الأنبياء، فإن آل النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى عليهم بغير خلاف بين الأمة. واختلف موجبوا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجوبها على آله على قولين مشهورين لهم، وهي طريقتان للشافعية (3): إحداهما: أن الصلاة واجبة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي وجوبها على (4) الآل قولان للشافعي، هذه طريقة إمام الحرمين والغزالي. والطريقة الثانية: أن في وجوبها على الآل وجهين، وهي الطريقة المشهورة عندهم، والذي صحَّحُوه: أنها (5) غير واجبة عليهم. __________ (1) في الأذكار ص 159. (2) سقط من (ش) فقط (أنَّا). (3) انظر: المجموع للنووي (3/ 465 - 466). (4) في (ش) (على الأقوال) بدلًا من (على الآل قولان) وهو خطأ. (5) في (ح) (أنه) وفي (ش) (أنهم غير واجب عليهم).
(1/546)
واختلف أصحاب أحمد (1) في وجوب الصلاة على آله - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك وجهان لهم، وحيث أوجبوها فلو أبدل لفظ الآل بالأهل فقال: "اللهم صل على محمدٍ وأهل محمد" ففي الإجزاء وجهان. وحكى بعض أصحاب الشافعي الإجماع على أن الصلاة على الآل مُسْتحبَّة لا واجبة، ولا يثبت في ذلك إجماع. فصل وهل يصلي على آله - صلى الله عليه وسلم - منفردين عنه؟ فهذه المسألة على نوعين: أحدهما: أن يُقَال: "اللهم صل على آل محمد" فهذا يجوز، ويكون - صلى الله عليه وسلم - داخلًا في آله، فالإفراد عنه وقع في اللفظ، لا في المعنى. الثاني: أن يُفْرَد واحد منهم بالذِّكر، فيقال: اللهم صل على عليٍّ، أو على حسنٍ، أو حسينٍ، أو فاطمة رضي الله عنهم، ونحو ذلك. فاخْتُلِف في ذلك، وفي الصلاة على غير آله - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة ومن بعدهم، فكره ذلك مالك رحمه الله، وقال: لم يكن ذلك من عمل من مضى، وهو مذهب أبي حنيفة أيضًا، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثووي، وبه قال طاووس (2). __________ (1) انظر: الإنصاف مع الشرح الكبير (3/ 550). (2) انظر: فتح الباري (11/ 169 - 170).
(1/547)
490 - وقال ابن عباس: "لا يَنْبغِي الصَّلاة إلَّا على النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -" (1). 491 - قال إسماعيل بن إسحاق (2): حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، حدثني عثمان بن حكيم بن عباد (3) بن حنيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قال: "لا تصلح الصلاة على أحد (4) إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار". وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز. 492 - قال أبو بكر بن أبي شيبة (5): حدثنا حسين (6) بن علي، عن جعفر بن برقان، قال: كتب عمر بن عبد العزيز: (أما بعد، فإن ناسًا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإن __________ (1) أخرجه عبد الرزاق (2/ 216)، والطبراني (11/ 305)، والبيهقى (2/ 153)، والخطيب في الموضح (2/ 268 - 269)، والسهمي في تاريخ جرجان. رقم (14) وغيرهم. بلفظ لا ينبغي الصلاة (من أحد على أحد) إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسنده صحيح، وصححه الحافظ في الفتح (11/ 534 و 369). (2) في فضل الصلاة رقم (75)، وسنده حسن. وتقدم تخريجه في الأثر الماضي. (3) في (ح) (عبادة) وهو خطأ. (4) ليس في (ب) (على أحد) وسقط من (ش) (على أحدٍ إلا). (5) تقدم برقم (443). (6) في (ح) (حسن) وهو خطأ.
(1/548)
من (1) القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا جاءك كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين، ودعاؤهم للمسلمين (2) عامة) (3). وهذا مذهب أصحاب الشافعي، ولهم ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مَنْع تَحْرِيم. والثاني: وهو قول الأكثرين؛ أنه مَنْع كراهة تنزيه. والثالث: أنه من باب ترك الأوْلى وليس بمكروه. حكاها (4) النواوي (5) في "الأذكار" (6) قال: "والصحيح الذي عليه الأكثر أنه مكروه كراهة تنزيه". ثم اختلفوا في السَّلام هل هو في معنى الصلاة؟ - فيكره أن يُقال: السلام على فلان. أو يُقالُ (7): فلان عليه السلام -. فكرهه طائفة، منهم أَبو محمد الجويني، ومنع أن يقال: عن علي - عليه السلام - وفرق آخرون بينه وبين الصلاة، فقالوا (8): السلام يضرع __________ (1) سقط من (ظ) فقط (من). (2) في (ح) (على المسلمين) وهو خطأ. (3) وتتمته من المصنف (ويدعوا ما سوى ذلك) وقد سقط من جميع النسخ. (4) في (ت، ج) فقط (حكاه). (5) وقع في (ب، ج) فقط (النووي). (6) ص 159. (7) من (ب) وفي باقي النسخ (قال). (8) في (ش، ج) (فقال).
(1/549)
في حق كل مؤمن حي وميت وحاضر وغائب، فإنك تقول: بلغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، بخلاف الصلاة فإنها من حقوق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله، ولهذا يقول المصلي: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، ولا يقول: "الصلاة علينا وعلى عباد الله الصالحين" فعلم الفرق. واحتج هؤلاء بوجوه: أحدها: قول ابن عباس، وقد تقدم. الثاني: أن الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله قد صارت شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ذكره النووي (1). قلت: ومعنى ذلك، أن الرافضة إذا ذَكَرُوا أئمَّتهم يُصلُّون عليهم بأسمائهم، ولا يُصلُّون على غيرهم ممَّن هو خير منهم، وأحبّ إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن يخالفوا في هذا الشِّعَار. الثالث: ما احتج به مالك رحمه الله؛ أن هذا لم يكن من (2) عمل من مضى من الأُمَّة، ولو كان خيرًا لسبقونا (3) إليه. الرابع: أن الصلاة قد (4) صارت مخصوصة في لسان الأمة __________ (1) في الأذكار كما تقدم ص 159، ووقع في (ش، ح) (النواوي). (2) من (ح) فقط (من)، وسقط من باقي النسخ. (3) من (ظ) فقط، وفي (ت، ح) (لسبقوا إليه) وفي (ش، ب) (لسبقوا إليه) مع إسقاط (خيرًا)، وفي (ج) (فلسبقوا لسبقوا إليه). (4) من (ح)، فقط (قد).
(1/550)
بالنَّبي - صلى الله عليه وسلم -، تُذْكَرُ مع ذكر اسمه، كما صار "عزَّ وجلّ" و"سبحانه وتعالى" مخصوصًا بالله عَزَّ وَجَلَّ، يُذْكَرُ مع ذكر اسمه، ولا يَسُوغْ أن يستعمل ذلك لغيره، فلا يقال: محمد عزَّ وجَلّ، ولا سبحانه وتعالى، فلا يُعْطَى المخلوق مرتبة الخالق، فهكذا لا ينبغي أن يعطى غير النبي - صلى الله عليه وسلم - مرتبته، فيقال: قال فلان - صلى الله عليه وسلم -. الخامس: أن الله سبحانه قال: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63]، فأمر سبحانه أن لا يُدْعَى باسمه كما يُدْعَى غيره باسمه، فكيف يَسُوغ أن تُجْعَل الصَّلاة عليه كما تُجْعل على غيره في دعائِه، والإخْبارِ عنه؟ هذا مما لا يَسُوغ أصْلًا. السادس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَرَع لأُمَّته في التشهد أن يُسلِّموا على عباده الصالحين، ثم يُصَلُّوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلم أن الصلاة عليه حَقَّه الذي (1) لا يُشْرِكه فيه أحد. السابع: أن الله سبحانه ذَكَرَ الأمر بالصَّلاة عليه في معرض حقوقه وخواصه التي خَصَّه بها من تحريم نكاح أزواجه، وجواز نكاحه لمن وَهَبَتْ نفسها له، وإيجاب اللَّعْنة لمن آذاه، وغير ذلك من حقوقه، وأكدها بالأمر بالصلاة عليه والتسليم، فدلَّ على أن ذلك حق له خاصة، فآله تَبَعٌ له فيه. الثامن: أن الله سبحانه شرع للمسلمين أن يدعو بعضهم __________ (1) ليس في (ب).
(1/551)
لبعض، ويستغفر بعضهم لبعض، ويترحَّم عليه في حياته وبعد موته، وشرع لنا أن نصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته وبعد موته، فالدعاء حقٌ للمسلمين، والصلاة حق لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يقوم أحدهما مقام الآخر، ولهذا في صلاة الجنازة إنما يُدْعَى للميت، ويُتَرحَّم عليه ويُسْتَغْفَر له، ولا يُصَلَّى عليه بَدَلَ ذلك، فيقال: اللَّهُمَّ صَلِّ عليه وسَلِّم. وفي الصلوات يُصَلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يقال بَدَله (1): اللهم اغفر له وارحمه، ونحو ذلك، بل يُعْطَى كل ذي حقٍّ حقَّه. التاسع: أن المؤمن أحْوج الناس (2) إلى أن يُدْعى له بالمغفرة والرَّحْمة، والنَّجَاة من العذاب، وأما (3) النبي - صلى الله عليه وسلم - فغير محتاج إلى أن (4) يدعى له بذلك، فالصلاة (5) عليه زيادة في تشريف الله له وتكريمه ورفع درجاته، وهذا حاصل له - صلى الله عليه وسلم -، وإن غفل عن ذكره الغافلون، فالأمر بالصلاة عليه إحسان من الله للأمة ورحمة بهم لِيُنيْلهم كرامته بصلاتهم على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف غيره من الأُمَّة؛ فإنه محتاج إلى من (6) يدعو له ويستغفر ويترحَّم عليه، ولهذا جاء __________ (1) وقع في (ح) (بدل ذلك)، وفي (ش) ( .. بدل اللهم ... ). (2) من (ح) فقط (الناس). (3) وقع في (ب) فقط (وإن) وهو خطأ. (4) في (ح) فقط (محتاج أن يُدعى له .. ). (5) من (ظ، ت، ونسخة (ظ) على حاشية (ب)، وجاء في (ح) (بل الصلاة عليه .. )، ووقع في (ب، ش) (بالصلاة) بدلًا من (فالصلاة) وهو خطأ. (6) في (ب) (أن يدعو له) بدلًا من (من يدعو له).
(1/552)
الشرع بهذا في مَحَلِّه، وهذا في (1) مَحَلِّه. العاشر: أنه لو كانت الصلاة على غيره - صلى الله عليه وسلم - سائغة، فإمَّا أن يُقال باختصاصها ببعض الأُمَّة، أو يُقال: تجوز على كلِّ مسلم. فإن قيل باختصاصها فلا وجه له، وهو تخصيص من غير مُخَصِّص، وإن قيل بعدم الاختصاص وأنها تسوغ لكل من يسوغ الدعاء له؛ فحينئذ تسوغ الصَّلاة على المُسْلِم وإن كان من أهل الكبائر، فكما يقال: اللهم تُبْ عليه، اللهم اغفرْ له، يقال: اللهم صلِّ عليه. وهذا باطل. وإن قيل: تجوز على الصَّالحين دون غيرهم، فهذا مع أنه لا دليل عليه، ليس له ضابط، فإن كون الرجل صالحًا، أو غير صالح، وصفٌ يَقْبَلُ الزِّيادة والنُّقْصان، وكذلك كونه وَلِيًّا لله، وكونه مُتَّقِيًا، وكونه مؤْمِنًا، وكل ذلك يقبل الزيادة والنقصان، فما ضابط مَنْ يُصلَّى عليه من الأُمَّة ومَنْ لا يُصَلَّى عليه؟. قالوا: فَعُلِمَ بهذه الوجوه العشرة اختصاص الصلاة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله. وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: تجوز الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله. قال القاضي أبو الحسين بن الفراء في "رؤوس مسائله": __________ (1) سقط من (ب، ش، ج) (وهذا في محله).
(1/553)
"وبذلك قال الحسن المصري، وخُصَيْف، ومجاهد، ومُقَاتِل بن سليمان، ومقاتل بن حيَّان، وكثير من أهل التفسير. قال: وهو قول الإمام أحمد رحمه الله، نص عليه في رواية أبي داود (1)؛ وقد سئل: أينبغي أن يصلى على أحد إلَّا على النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أليس قال علي لعمر - رضي الله عنهما -: 493 - "صلَّى اللهُ عليك" (2). قال: وبه قال إسحاق بن راهويه، وأَبو ثور، ومحمد بن جرير الطبري، وغيرهم، وحكى أَبو بكر بن أبي داود، عن أبيه ذلك. قال أَبو الحسين: وعلى هذا العمل". واحتج هؤلاء بوجوه: أحدها: قوله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103]، فأمره سبحانه أن يأخذ الصَّدقة مِن الأُمَّة، وأن يُصَلِّي عليهم. ومعلوم أن الأئمة بعده يأخذون الصدقة كما كان يأخذها، فيشرع لهم أن يُصَلُّوا على المتصدِّق كما كان يصلي عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أن في الصحيحين (3): من حديث شعبة، عن عمرو، __________ (1) ص 78. (2) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 369)، وسيأتي الكلام عليه برقم (510). (3) تقدم برقم (187).
(1/554)
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: 494 - كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال: "اللَّهُمَّ صلِّ على آلِ فلان"، فأتاه أبي بصدقته، فقال: "اللَّهُمَّ صلِّ على آلِ أبي أوْفى". والأصل عدم الاختصاص، وهذا ظاهر في أنه هو المراد من الآية. 495 - الثالث: ما رواه حجاج، عن أبي عوانة، عن الأسود بن قيس، عن نُبَيْح العَنَزِيّ (1)، عن جابر بن عبد الله، أن امرأة قالت: يا رسول الله! صل عليَّ وعلى زوْجِي، فقال: "صَلَّى اللهُ عليكِ وعلى زَوْجِك"، رواه أحمد، وأَبو داود في "السنن" (2). 496 - الرابع: ما رواه ابن سعد في كتاب "الطبقات" (3): من حديث ابن عيينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله؛ أن عليًّا دخل على عمر وهو مسجَّى؛ فلما انتهى إليه قال: __________ (1) من (ظ، ت، ج)، ووقع في (ب، ش) (العدني)، وفي (ح) (العري) وكلاهما خطأ. (2) أخرجه أحمد (3/ 397 - 398)، وأَبو داوود (1533)، وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة (77)، وابن حبان في صحيحه (3/ 197 و 198) رقم (916 و 918) وغيرهم. وسنده صحيح، نبيح العنزي وثقه أَبو زرعة والعجلي وابن حبان وذكره ابن المديني في جملة المجهولين ... انظر: تهذيب الكمال (29/ 314)، وقد تقدم برقم (188). (3) (3/ 369 - 370) وجملة (صلى الله عليك) معلولة كما سيأتي.
(1/555)
"صلى الله عليك، ما أحد ألقى الله بصحيفته أحبّ إليَّ من هذا المسجَّى بينكم". 497 - الخامس: ما رواه إسماعيل بن إسحاق (1): حدثنا عبد الله بن مسلم، حدثنا نافع بن عبد الرحمن بن (2) أبي نعيم القارئ، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يكبر على الجنازة، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول: "اللهُمّ بَارِكْ فِيْه، وصَلِّ عَلَيْه، واغفرْ له، وأورِدْه حوضَ نَبِيِّك - صلى الله عليه وسلم -". السادس: أن الصلاة هي الدعاء، وقد أُمِرْنا بالدعاء بَعْضُنا لبعض. احتجَّ بهذه الحجة أَبو الحسين. 498 - السابع: ما رواه مسلم في "صحيحه" (3): من حديث حماد بن زيد، عن بُدَيْل، عن عبد الله بن شَقِيْق، عن أبي هريرة، قال: "إِذَا خَرَجَتْ رُوْحُ المُؤمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكانِ يُصْعِدَانِها - __________ (1) في فضل الصلاة (92)، وعبد الرزاق (3/ 488)، وابن أبي شيبة رقم (1364) و (29778)، والطبري في التهذيب من رقم (283 - 286) القسم المفقود، والطبراني في الدعاء (1198 و 1199)، وأَبو الجهم في جزئه رقم (20) وغيرهم. وتابع نافع بن عبد الرحمن (الإمام مالك وعبيد الله بن عمر والليث بن سعد وابن جريج وداوود بن قيس وأيوب السختياني وجرير بن حازم ويونس بن يزيد الأيلي. كلهم عن نافع به فذكروا فيه (وصَلِّ عَلَيْه). (2) في (ب) (عن) وهو خطأ، ووقع في (ظ، ت، ج) (نافع بن عبد الرحمن بن نعيم) بإسقاط (أبي) وهو خطأ أيضًا. (3) في (51) الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2872).
(1/556)
قال حمَّاد: فَذَكَر مِن طِيْب رِيْحِها، وَذَكَر المِسْك - قال: ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوحٌ طَيِّبَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْضِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِيْنَه .. وذكر الحديث. هكذا قال مسلم عن أبي هريرة موقوفًا، وسياقه يدل على أنه مرفوع، فإنه قال بعده: وإنَّ الكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوْحُه - قال حماد: (وذكر من نتنها وذكر لعنًا) - ويقولُ أهلُ السَّماءِ: رُوْحٌ خَبيْثَةٌ جاءَتْ مِن قِبَلِ الأرْض. قال: فَيُقَالُ: انْطَلِقُوا به إلى آخِرِ الأجَلَ. قال أَبو هريرة: فَرَدَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْه (1) عَلَى أنْفِهِ، هكذا". وهذا يدلُّ على أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدَّثهم بالحديث. وقد رواه جماعة عن أبي هريرة مرفوعًا، منهم أَبو سلمة، وعمر بن الحكم، وإسماعيل السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة، وسعيد بن يسار، وغيرهم. وقد استوفيت الكلام على هذا الحديث وأمثاله في كتاب "الروح" (2). قالوا: فإذا كانت الملائكة تقول للمؤمن: "صلى الله عليك" جاز ذلك أيضًا للمؤمنين، بعضهم لبعض. 499 - الثامن: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير" (3)، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} __________ (1) زياده من صحيح مسلم، وقد سقطت من جميع النسخ. (2) ص 93. (3) تقدم برقم (297)، وهو حديث معلول بالإرسال.
(1/557)
[الأحزاب: 43]. 500 - التاسع: ما رواه أَبو داود (1): عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف". 501 - وفي حديث آخر عنها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (2): "إن __________ (1) رقم (676)، وابن ماجة (1005)، والبيهقي (3/ 103) وغيرهم. من طريق معاوية بن هشام عن الثوري عن أسامة بن زيد عن عثمان بن عروة عن عروة عن عائشة فذكره. وهذا خطأ، قال البيهقي "لا أراه محفوظًا" أي هذا المتن. فقد خالف معاويةَ بن هشام، الأشجعيُّ وأَبو أحمد الزُّبيْريّ وقَبِيْصةُ كلهم عن الثوري به باللفظ الآتي رقم (501)، ورواه جماعة عن الثوري به لكنهم قالوا (عبد الله بن عروة) بدل (عثمان) والمحفوظ ما رواه ابن وهب وأنس بن ضَمْرة وسليمان بن بلال وعبد الوهاب بن عطاء وحاتم بن إسماعيل كلهم عن أسامة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره وسيأتي برقم (501). ورواه هشام بن سعد عن عثمان بن عروة به. انظر: علل الدارقطني (5/ 49 ق/ ب). وظاهر إسناده حسن، لكن فيه علَّة المخالفة كما سيأتي تحت رقم 501. (2) أخرجه أحمد (6/ 160)، وعبد بن حميد (1513)، وابن خزيمة (1550)، وابن وهب في الموطأ (466) وغيرهم. من طريق عثمان بن عروة عن أبيه عن عائشة. وخالفه هشام بن عروة فرواه عن أبيه قوله. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ رقم 3809). ورُوي عن هشام عن عروة عن عائشة مرفوعًا عند ابن ماجة (995)، قال أَبو حاتم: "هذا خطأ، إنما هو عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مرسل ... " علل ابن أبي حاتم =
(1/558)
الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف". وقد تقدم في أول الكتاب صلاة الملائكة على من صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -. 502 - العاشر: ما احْتجَّ به القاضي أَبو يعلى (1)، ورواه بإسناده من حديث مالك بن يَخَامِر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلًا؛ أنه قال: "اللهم صل على أبي بكر، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمر، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عثمان، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عليّ، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على أبي عبيدة، فإنه يحب الله ورسوله، اللهم صل على عمرو بن العاص، فإنه يحب الله ورسوله". 503 - الحادي عشر: ما رواه يحيى بن يحيى في "موطئه" (2) عن مالك، عن عبد الله بن دينار، قال: "رأيت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما (3) ". هذا لفظ يحيى بن يحيى. الثاني عشر: أنه قد صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصَّ على أزواجه في __________ = (1/ 149) رقم (415). (1) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (46/ 136 - 137) وقال: "هذا الحديث على إرساله فيه انقطاع بين يزيد ومالك بن يخامر والله أعلم". (2) (1/ 235) رقم (458) ط - دار الغرب. (3) سقط من (ب، ش) من قوله (يقف على ... ) إلى (عنهما) وهو في (ظ، ت، ح، ونسخة (ظ) على حاشية (ب)).
(1/559)
الصلاة، وقد تقدم (1). قالوا: وهذا على أصولكم ألزم، فإنكم لمْ تُدخلوهنَّ في آله الذين تحْرُم عليهم الصَّدقة؛ فإذا جازت الصلاة عليهِنَّ، جازت على غيرهنَّ من الصحابة رضي الله عنهم. الثالث عشر: أنكم قد قلتم بجواز الصَّلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - تبعًا له، فقلتم بجواز أن يقال: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وعلى أصحابه (2) وأزواجه وذريته وأتباعه. قال أَبو زكريا النووي (3): "واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة - ثم ذكر هذه الكيفية وقال - للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمِرْنا به في التشهد، ولم يزل السَّلَف عليه (4) خارج الصلاة أيضًا". قلت: ومنه الأثر المعروف عن بعض السلف: 504 - (اللهم صل على ملائكتك المقربين وأنبيائك والمرسلين، وأهل طاعتك أجمعين من أهل السماوات والأرضين) (5). __________ (1) برقم (4) عند مسلم من حديث أبي حميد الساعدي. (2) سقط من (ب، ش) (وعلى أصحابه). (3) في الأذكار ص 160. (4) سقط من (ش) فقط (عليه). (5) ذكره المعافي النهرواني في الجليس الصالح (3/ 379) بدون سند.
(1/560)
505 - الرابع عشر: ما رواه أَبو يعلى الموصلي (1): عن ابن (2) زنجويه، حدثنا أَبو المغيرة، حدثنا أَبو بكر بن أبي مريم، حدثنا ضمرة بن حبيب بن صهيب، عن أبي الدرداء، عن زيد بن ثابت؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعاه وعلمه دعاء، وأمره أن يتعاهد به أهله كل يوم، قال: "قل حين تصبح: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك ومنك وإليك، اللهم ما قلت من قول أو نذرت من نذرٍ، أو (3) حلفت من حلف فمشيئتك بين يديه، ما شئت منه كان، وما لم تشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بك، أنت على كل شيء قدير، اللهم وما صليت من صلاة فعلى من صليت، وما لعنت من لعن فعلى من لعنت، أنت وليي في الدنيا والآخرة، توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين". ووجه الاستدلال: أنه لو لم تشرع الصَّلاة على غير النَّبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ما صحَّ الاستثناء فيها، فإن العبد لما كان يصلي على من ليس __________ (1) في مسنده (كما في المطالب العالية (14/ 111) رقم (3401) وعنه ابن السني في عمل اليوم والليلة رقم (47)، وأخرجه أحمد (5/ 191)، والطبراني (5/ 119) وغيرهم. والحديث تفرد به أَبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وسيأتي كلام المؤلف عليه. (2) في (ح) (أبي) وهو خطأ. (3) في (ش) (أو خلفت من خلفٍ).
(1/561)
بأهل للصلاة (1) ولا يدري = استثنى من (2) ذلك كما استثنى في حَلِفِه ونَذْرِه. قال الأولون: الجواب عما ذكرتم من الأدلة، أنها نوعان: نوع منها صحيح، وهو غير متناول لمحل النِّزاع، فلا يحتجُّ به. ونوع غير معلوم الصِّحَّة. فلا يحتجُّ به أيضًا، وهذا إنما يظهر بالكلام على كلِّ دليلٍ دليل. أما الدليل الأول: وهو قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} فهذا في غير محل النزاع، لأن كلامنا هل يسوغ (3) لأحدنا أن يصلي على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله أم لا؟. وأما صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على من صلى عليه؛ فتلك مسألة أخرى، فأين هذه من صلاتنا عليه التي أمرنا بها قضاء لحقه، هل يجوز أن يشرك معه غيره فيها (4) أم لا (5)؟. يُؤكِّده الوجه الثاني: أن الصلاة عليه حق له - صلى الله عليه وسلم -، يتعيَّن على الأُمَّة أداؤه والقيام به، وأما هو - صلى الله عليه وسلم - فيخُصُّ مَن أراد ببعض ذلك الحقّ، وهذا كما تقول في شاتمه ومؤذيه: إنَّ قتله حق لرسول الله __________ (1) في (ب) (الصلاة). (2) ليس في (ح) قوله (من). (3) في (ب) (هنا يسوّغ) وفي (ح) (هل يشرع) وما أثبته من (ظ، ت، ش). (4) من (ب، ش)، (فيها)، وسقط من باقي النسخ. (5) سقط من (ش) (لا).
(1/562)
- صلى الله عليه وسلم - يجب على الأُمَّة القيام به واستيفاؤه، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - يعفو عنه، حتى (1) كان يبلغه ويقول: 506 - "رَحِمَ اللهُ مُوسَى لَقَدْ أوْذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَر" (2). وبهذا حصل الجواب عن الدليل الثاني أيضًا، وهو قوله (3): 507 - "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أبِي أوْفَى"، وعن الدليل الثالث أيضا وهو صلاته على تلك المرأة وزوجها (4). 508 - وأما دليلكم الرابع: وهو قولُ عليٍّ لعمر - رضي الله عنهما-: "صلى الله عليك". فجوابه من وجوه: أحدها: أنه قد اخْتُلِف على جعفر بن محمد في هذا الحديث. 509 - فقال أَنس بن عياض (5): عن جعْفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا - لمَّا غَسَّل عمر وكفن وحمل على سريره - وقف __________ (1) وقع في (ح) (حين) مكان (حتى) وهو محتمل. (2) أخرجه البخاري في صحيحه في (61) الخُمس رقم (2981)، ومسلم في (12) الزكاة رقم (1062) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (3) تقدم برقم (187). (4) تقدم برقم (188). (5) أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 370)، وكذا رواه وهيب وسليمان بن بلال وأيوب ويحيى القطان وغيرهم كلهم عن جعفر به. ولم يذكروا (صلى الله عليك)، أخرجه أحمد في الفضائل (345)، وابن عساكر (44/ 453).
(1/563)
عليه، فأثنى عليه، وقال: "والله ما على الأرض رجل أحب إليَّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب". وكذلك رواه محمد ويعلى ابنا عبيد (1)، عن حجاج الواسطي (2)، عن أبي (3) جعفر، ولم يذكرا هذه اللفظة. ورواه ورقاء بن عمر (4)، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر، عن علي، ولم يذكر لفظة الصلاة، وكذلك رواه سليمان بن بلال عن جعفر عن أبيه. وكذلك رواه يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق (5) عن جعفر عن أبيه. وكذلك رواه عون بن أبي جُحَيْفة عن أبيه، قال: كنت عند عمر وقد (6) سُجِّي؛ فذكره دون لفظ الصلاة (7)، بل قال: "رحمك الله"، وكذلك رواه عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، وعمرو بن دينار، وأبي جهضم، قالوا: لما مات عمر فذكروا الحديث دون لفظ الصلاة، وكذلك رواه قيس بن الربيع، __________ (1) عند ابن سعد (3/ 370). (2) في (ب، ش) (الواسواطي) وهو خطأ. (3) من الطبقات لابن سعد، وقد سقط من جميع النسخ، قوله (أبي). (4) في جميع النسخ (عمرو) وهو خطأ. انظر: ابن سعد (3/ 370). (5) قوله (عن فضيل بن مرزوق)، من الطبقات لابن سعد. وهذه الطرق عند ابن سعد (3/ 370 - 371)، والبلاذري في الأنساب (10/ 444). (6) وقع في (ب) (وكنت) مكان (وقد) وهو خطأ. (7) سقط من (ظ، ج، ت) من قوله (وكذلك رواه سليمان بن بلال) إلى (دون لفظ الصلاة).
(1/564)
عن قيس بن مسلم، عن ابن الحنفِيَّة. الثاني: أن الحديث الذي فيه الصلاة لم يسنده ابن سعد (1) قال في الطبقات: 510 - أخبرنا بعض أصحابنا: عن سفيان بن عيينة؛ أنه سمع __________ (1) (3/ 369) قلت قد اختلف على سفيان بن عيينة فى ذِكْر هذه اللفظة: - (صلى الله عليك) - وعدم ذكرها. فذكرها عنه الحُمَيْديّ وغيرُه عند الفسوي في المعرفة (2/ 745)، وابن شبة في تاريخه (3/ 937 - 940) ولم يذكرها عنه إسحاق الفروي ومحمد بن عمرو وابن سعد عند البُلاذري (10/ 443)، وابن سعد (3/ 369). قلت: وخالف ابنَ عُيينة جماعة منهم يحيى القطان ووهيبُ وسليمانُ بن بلال وأنسُ بن عياض وأيوبُ السختياني وغيرهم كلهم عن جعفر عن أبيه فذكره ولم يذكروا (جابرًا). فلعلَّ جعفرًا أخطأ فيه، فقد خالفه: عمرو بن دينار وإسماعيل بن عبد الملك وموسى بن سالم وعبد الواحد بن أيمن وحجَّاج الواسطي كلهم عن أبي جعفر محمد بن علي فذكروا القِصَّة مرسلة. ولعل هذا هو الصواب. وعليه فالأثر إسناده منقطع، فإن محمد بن علي بن الحسين أبا جعفر لم يُدْرك القِصَّة. والصحيح الثابت في قول عليٍّ - بدون جُملة الصَّلاة عَلَى عُمَر - ما رواه ابن عباس قال: كُنَّا نترحَّم عَلَى عمر حيث وُضِع على سريره، جاء رجل مِن خَلْفي فترحَّم عليه فقال: ما أحدٌ أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بعمله منه .... فالْتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب. أخرجه البخاري في صحيحه في (66) فضائل الصحابة، (6) باب مناقب عمر بن الخطاب (3/ 1348) رقم (3482)، ومسلم في (44) فضائل الصحابة رقم (2389).
(1/565)
منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، فذكره، وقال: لما انتهى إليه، فقال له: "صلى الله عليك". وهذا المبهم لعله لم يحفظه، فلا يحتجُّ به. 511 - الثالث: أنه معارض بقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لا ينبغي الصَّلاة عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -". وقد تقدم (1). 512 - قالوا: وأما دليلكم الخامس وهو قول ابن عمر في صلاة الجنازة: "اللهم صل عليه" (2)، فجوابه من وجوه: أحدها: أن نافع بن أبي نُعَيْم ضعيف عندهم في الحديث، وإن كان في القراءة إمامًا، قال الإمام أحمد: "يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء" (3). والذي يدلُّ على أن هذا ليس بمحفوظ عن ابن عمر، أن مالكًا في "موطئه" لم يروه عن ابن عمر، وإنما روى أثرًا عن أبي هريرة، فلو كان هذا عند نافع مولاه، لكان مالك أعلم به من نافع بن أبي نُعَيْم (4). __________ (1) برقم (490). (2) تقدم برقم (497). (3) انظر الكلام عليه في تهذيب الكمال (29/ 281 - 284). (4) قلت: تقدم أن هذا الأثر ثابت عن نافع عند أصحابه (كابن جريج وعبيد الله بن عمر والليث بن سعد وأيوب السختياني وغيرهم، بل عند الإمام مالك عن نافع، هكذا رواه ابن وهب عن مالك).
(1/566)
الثاني: أن قول ابن عباس يعارِضُ ما نُقِلَ عن ابن عمر. وأما دليلكم السادس أن الصلاة دعاء، وهو مشروع لكل مسلم، فجوابه من وجوه: أحدها: أنه دعاء مخْصوص، مأمور به في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهذا لا يدلُّ على جَوَازِ (1) أن يُدْعى به لغيره، لما ذكرنا من الفروق بين الدعاء وغيره، مع الفرق العظيم بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغيره، فلا يصحُّ الإلْحَاق، لا في الدعاء، ولا في المدعو له - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أنه كما (2) لا يصحُّ أنْ يُقاس عليه دعاء غيره، لا يصح أن يقاس على الرسول - صلى الله عليه وسلم - غيره فيه. الثالث: أنه ما شُرِع في حقِّ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - لكونه دعاء، بل لأخصّ من مُطْلَق الدعاء، وهو كونه صلاةً متضمنةً لتعظيمِهِ وتمجيدِهِ والثَّنَاءِ عليه كما تقدَّم تقريره، وهذا أخصُّ من مطلق الدعاء. وأما دليلكم السابع: وهو قول الملائكة لروح المؤمن: "صَلّى اللهُ عَلَيْكِ وعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِيْنَه" (3). فليس بمتناول لمحل النزاع، فإن النزاع إنما هو هل (4) يسوغ لأحدنا أن يصلي __________ (1) في (ب، ش) (وهذا لا يجوز أن يدعى ... ) بدلًا من (وهذا لا يدل على جواز أن يدعى .. )، وفي (ح) ( .. على جواز يدعى .. ) وبإسقاط (أن). (2) سقط من (ح) فقط. (3) تقدم برقم (498). (4) سقط من (ش) فقط (هل).
(1/567)
على غير الرسول وآله - صلى الله عليه وسلم -؟ وأما الملائكة فليسوا بداخلين تحت أحكام تكاليف البَشَر حتى يصحَّ قياسهم عليه فيما يقولونه أو يفعلونه، فأين أحكام المَلَك من أحكام البشر؟ فالملائكة رسل الله في خلقه وأمره، يتصرفون بأمره، لا بأمر البشر، وبهذا خرج (1) الجواب عن كل دليل فيه صلاة الملائكة. 514 - وأما (2) قولكم: "إن الله يصلي على المؤمنين وعلى معلم الناس الخير" (3). فجوابه (4): أنه في غير محل النزاع، وكيف يصح قياس فعل العبد على فعل الرب سبحانه وتعالى؟ وصلاة العبد دعاء وطلب، وصلاة الله على عبده ليست دعاء، وإنما هي إكرام وتعظيم ومحبة وثناء، وأين هذا من صلاة العبد؟. وأما دليلكم العاشر: وهو حديث مالك بن يخامر (5)، وفيه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر وعمر ومن (6) معهما. فجوابه من وجوه: __________ (1) في (ب) (أخرج). (2) من (ح) (وأما) ووقع في (ظ) (وقولكم)، وسقط من باقي النسخ (وأما). (3) تقدم برقم (297)، ووقع في (ت، ج) (معلمي) بدل (معلم). (4) في جميع النسخ (جوابه). (5) المتقدم برقم (502). (6) في (ب) بعد قوله (وعمر) (وعثمان وعلي رضي الله عنهم فجوابه ... )، وفي (ش) بعد قوله (ومن معهما) (وعثمان وعلي فجوابه).
(1/568)
أحدها: أنه لا علم لنا بصحة هذا الحديث، ولم تذكروا إسناده لننظر فيه. الثاني: أنه مرسل. الثالث: أنه في غير محل النزاع، كما تقدم. 515 - وأما دليلكم الحادي عشر: "أن ابن عمر كان يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي عليه، وعلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما". فجوابه من وجوه: أحدها: أن ابن عبد البر قال (1): "أنكر العلماء على يحيى بن يحيى (2) ومن تابعه في الرواية عن مالك، عن عبد الله بن دينار: 516 - "رأيت ابن عمر يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى أبي بكر وعمر"، وقالوا: إنما الرواية لمالك __________ (1) في الاستذكار (2/ 323)، وانظر: المنتقى لأبي الوليد الباجي (2/ 315). (2) هو يحيى بن يحيى الليثي أَبو محمد، رحل وسمع من مالك وهو صغير، انتهت إليه الرئاسة بالأندلس في العلم، وكان عاقلًا مهيبًا، مجاب الدعوة، توفى سنة 234 هـ. انظر: أخبار الفقهاء والمحدثين للخشني رقم (493)، وترتيب المدارك لعياض (1/ 310). فائدة: سَرَد الخُشَنِي جميع الأغلاط ليحيى بن يحيى في الموطأ التي انتقدها عليه تلميذه محمد بن وضّاح وغيره فبلغت (36) موضعًا فانظرها: في أخبار الفقهاء والمحدثين ص 262 - 269. قلت: وهذا الأثر غير مذكور في تلك المواضع، فَلْيُضَفْ إليها، انظر الموطأ ص 166.
(1/569)
517 - وغيره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنه كان يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لأبي بكر وعمر). كذلك رواه ابن القاسم (1) والقعنبي (2)، وابن بُكَيْر (3) وغيرهم (4) عن مالك، ففَرَّقُوا بما وصفت لك بين: "ويدعو لأبي بكر، وعمر" وبين "يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -"، وإن (5) كانت الصلاة قد تكون دعاء، لما خص به - صلى الله عليه وسلم - من لفظ الصلاة". قلت: وكذلك هو في "موطأ ابن وهب" لفظ الصلاة مختص بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء لصاحبيه. الثاني: أن هذا من باب الاستغناء عن أحد الفعلين بالأول منهما، وإن كان غير واقع على (6) الثاني، كقول الشاعر (7): عَلَفْتُهَا تِبْنًا ومَاءً بَارِدًا ... حتَّى غَدَتْ هَمَّالة عَيْنَاهَا __________ (1) انظر: الاستذكار (2/ 323)، وقال (وقد ردَّ ابن وضَّاح رواية يحيى إلى رواية ابن القاسم، فإنه روى رواية ابن القاسم عن سحنون وحدَّث بها عنه ... ا. هـ. (2) أخرجها مالك في الموطأ رقم (283) (رواية القعنبي)، وكذلك أخرجها إسماعيل القاضي رقم (98) لكن بمثل لفظ يحيى بن يحيى. (3) أخرجها البيهقي في الكبرى (5/ 245). (4) كمحمد بن الحسن الشيباني في الموطأ رقم (948) لكنه مختصر، وأبي مصعب الزهري في الموطأ رقم (556)، وسويد بن سعيد في الموطأ ص 145. (5) في (ب، ش) (فإن) وهو خطأ. (6) من (ح)، وفي باقي النسخ (عن) وهو خطأ. (7) لا يعرف قائله، وقيل: إنّه لذي الرّمَّة. انظر: خزانة الأدب (3/ رقم 181)، والمعجم المفصل في شواهد النحو الشعرية (3/ 1288 - 1289).
(1/570)
وقول الآخر (1): وَرَأَيْتُ (2) زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا وقول الآخر (3): وَزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا فلما كان الفعل الأول موافقًا للفعل الثاني في الجنس العام اكتفى به منه، لأن العلف موافق للسقي في التغذية (4)، وتقلد السيف موافق لحمل الرمح في معنى الحمل، وتزجيج الحواجب موافق لكحل العيون في الزينة، وهكذا الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - موافقة للدعاء لأبي (5) بكر وعمر في معنى الدعاء والطلب. الثالث: أن ابن عباس رضي الله عنهما قد خالفه كما تقدم. وأما دليلكم الثاني عشر: بالصلاة على أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، ففاسد، لأنه إنما صلى عليهن لإضافتهنَّ إليه، ودخولهنَّ في آله وأهل بيته، فهذه خاصَّة له، وأهل بيته وزوجاته تبع له فيها - صلى الله عليه وسلم -. __________ (1) هو عبد الله بن الزبعري. انظر: خزانة الأدب (3/ 135) (9/ 144)، والمعجم المفصل (1/ 192). (2) كذا في جميع النسخ، وفي الخزانة وغيره (ياليت)، وسقط البيت من (ج). (3) هو الراعي النميري. انظر: * ديوانه (269) ط - المستشرق راينهرت. بلفظ: يُزججن ... *. (4) في (ش) (التقدير) وهو خطأ. (5) في (ب) (على أبي بكر .. ) وهو خطأ.
(1/571)
وأما قولكم: إنه ألزم على أصولنا، فإنا لا نقول بتحريم الصدقة عليهنَّ. فجوابه: أن هذا وإن سُلِّم دل على أنهن لسن من الآل اللذين تحرم عليهم الصدقة، لعدم القرابة التي يثبت بها التحريم، لكنهن من أهل بيته الذين يستحقون الصلاة عليهم، ولا منافاة بين الأمرين. وأما دليلكم الثالث عشر: وهو جواز الصلاة على غيره - صلى الله عليه وسلم - تبعًا، وحكايتكم (1) الاتفاق على ذلك، فجوابه من وجهين: أحدهما: أن هذا الاتفاق غير معلوم الصحة، والذين منعوا الصلاة على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام منعوها مفردة وتابعة، وهذا التفصيل وإن كان معروفًا عن بعضهم فليس كلهم يقوله. الثاني: أنه لا يلزم من جواز الصلاة على أتباعه تبعًا للصلاة عليه جواز إفراد المعين أو غيره بالصلاة عليه استقلالًا. وقوله: للأحاديث الصحيحة في ذلك. فليس في الأحاديث الصحيحة الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وأزواجه وذريته، ليس فيها ذكر أصحابه ولا أتباعه في الصلاة. وقوله: أمرنا بها في التشهد. فالمأمور به في التشهد الصلاة على آله وأزواجه، لا غيرهما. __________ (1) في (ح) (وحكايتهم) وهو خطأ.
(1/572)
518 - وأما دليلكم الرابع عشر: وهو حديث زيد بن ثابت الذي فيه: "اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت". ففيه أَبو بكر بن أبي مريم ضعفه أحمد، وابن معين، وأَبو حاتم، والنسائي، والسعدي (1)، وقال ابن حبان: "كان من خيار أهل الشام، ولكنه كان رديء الحفظ يحدث بالشيء فَيَهِم (2)، وكثر ذلك حتى استحق الترك". وفصل الخطاب في هذه المسألة:. أن الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -: إما أن يكون على (3) آله وأزواجه وذريته أو غيرهم، فإن كان الأول فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وجائزة مفردة. وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عمومًا الذين يدخل فيهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وغيرهم، جاز ذلك أيضًا، فيقال (4): اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين. __________ (1) انظر: كلام هؤلاء في تهذيب الكمال (33/ 108 - 110). (2) في النسخة (ظ) من حاشية (ب) (فهم)، ويحتمل (يهم). (3) إضافة من القول البديع ص 55، وسقط من جميع النسخ. (4) في القول البديع ص 55 (كأن يقال).
(1/573)
وإن كان شخصًا معينًا أو طائفة معينة كُرِهَ أن يتخذ الصلاة عليه شعارًا لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولاسيما إذا جعلها شعارًا له (1)، ومنع منها (2) نظيره، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعليّ رضي الله عنه، فإنهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع منه (3)، ولاسيما إذا اتخذ شعارًا، لا يُخِلُّ به، فَتَرْكُهُ حينئذ متعيِّن. وأما إن صلى عليه أحيانًا، بحيث لا يجعل ذلك شعارًا، كما يُصلَّى على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت: "صلى الله عليك". وكما صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (4) على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر، فهذا لا بأس به. وبهذا (5) التفصيل تتفق الأدلة، وينكشف وجه الصواب. والله الموفق (6)، __________ (1) سقط من (ش)، (له). (2) في القول البديع (منه). (3) سقط من (ب) (فهذا ممنوع منه). (4) هنا تنتهي النسخة (ب)، برنستون، وفي (ج) (صلّى صلى الله عليه وسلم). (5) في (ش) (وهذا). (6) في نهاية الأصل (ظ) المخطوط: تمَّ الكتاب. الحمد لله رب العالمين. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمّد؛ كما صَلَّيْتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم اغفر لكاتبه ولمن كُتب له بفضلك يا ذا الجلال والإكرام. ووافق الفراغ من كتابته في يوم الاثنين رابع عشر ... الحرام عام خمس عشرة وثمانمائة.
(1/574)
وإليه المرجع والمآب (1). __________ (1) من (ج) (وإليه المرجع والمآب) وجاء في نهاية الأصل (ج) (تمَّ الكتاب والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي، وعلى آله الطيبين، وعلى جميع إخوانه وساداتنا من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وأهل طاعتك أجمعين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا أبدًا آمين). وكان الفراغ من كتابته يوم الثلاثاء الثامن من شهر جمادي الآخرة سنة ست وثمانين وتسعمائه، على يد الفقير إلى الله تعالى خادم [ ... ] آل الصديق جمال الدين بن محمد بن أحمد [ ... ] ولي الله تعالى سيدي إبراهيم الأنصاري المتبولي غفر الله له ولهم ولجميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
(1/575)