الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم: معناها - مواطنها - ثمراتها
التصنيفات
الوصف المفصل
- الصلاة
على النبي محمد صلى الله عليه وسلم: معناها - مواطنها – ثمراتها
- المقدمة
- أفضل هيئات الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -
- معنى الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -
- الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -
- من صفات الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
- البركة في قول: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد»
- خصائص أهل البيت
- في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يتأكد طلبها إما وجوبًا وإما استحبابًا مؤكدًا
- الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -
الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم: معناها - مواطنها – ثمراتها
نورة بنت محمد السعيد
المقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، والحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام والإيمان والإحسان، والحمد لله الذي أرسل إلينا هذا النبيَّ الكريم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، فما من خيرٍ إلا دلَّنا عليه، ولا شرٍّ إلا حذرنا منه، فاللهم أجزه عن أمَّته خير الجزاء.
إنَّ أقلَّ ما نقدِّمه لهذا النبي الكريم هو كثرة الصلاة والسلام عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الكتاب لنا وقفات مع آية من كتاب الله تعالى وبعض من أحاديثه - صلى الله عليه وسلم -، وشرح شيءٍ منها؛ لعلَّها تكون حافظًا لنا على كثرة الصلاة والسلام عليه، كما أنَّ في معرفة معانيها أعظم فضلاً وأكثر أجرًا؛ لأنَّ الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عبادة، والعبادة مع العلم والبصيرة أبلغ من العبادة بدونهما، ففرقٌ بين عبادة العابد وعبادة العالم؛ فقد يتعبَّد العابد شهرًا كاملاً ويتعبَّد العالم دقائق معدودة، فتكون عبادة العالم في سِجلِّ الحسنات أكثر من عبادة العابد في سجل حسناته!
أسأل الله تعالى أن ينفع بما في هذه الورقات، وأن يجعلها في ميزان حسنات الجميع، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه .. وصلى الله على محمد وآله وسلم.
نورة بنت محمد السعيد
القصيم – عنيزة
ص ب 4518 – رمز بريد 51911
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفة مع آية:
قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب: 56].
هذه الآية الكريمة فيها الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأمر يكون تارةً للوجوب، وتارة يكون للاستحباب، ولكن ثواب الواجب أعظم وأكثر؛ وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي إن الله تعالى قال: «وما تقرَّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبُّ إليّ مما افترضته عليه».
فاختلف العلماء رحمهم الله: هل تَجِبُ الصلاة؟ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في العُمر مرَّةً أو بأسبابٍ أو لا تجب؟
والصحيح أنها تحب بأسباب، وإلا فالأصل أنها مستحبَّة.
لكن ما معنى قول القائل: «اللهم صلِّ على محمد»؟
معناها: اللهم أثنِ عليه في الملأ الأعلى.
ومعنى أثن عليه: اذكره بالصفات الحميدة.
والملأ الأعلى: هم الملائكة.
كأنك تقول: يا ربّ، صفْه بالصفات الحميدة، واذكره عند الملائكة؛ حتى تزداد محبَّتهم له ويزداد ثوابه بذلك.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى:
}إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ{
أي: إنَّ الله تعالى أخبر عبادة بمنـزلة عبده ونبيِّه عنده في الملأ الأعلى بأنه يُثني عليه عند الملائكة المقرَّبين، وأنَّ الملائكة تُصلِّي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، عليه الصلاة والسلام، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا.
وفي هذه الآية تنبيه على كمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعة درجته وعلوّ منـزلته عند الله وعند خلقه.
وعن قوله تعالى:
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله:
أي اقتداءً بالله وملائكته، وجزاءً له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلاً لإيمانكم، وتعظيمًا له - صلى الله عليه وسلم - ومحبَّةً وإكرامًا، وزيادةً في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم([1]).
* * *
أفضل هيئات الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -
وأفضل هيئات الصلاة عليه، عليه الصلاة والسلام، ما علَّم به أصحابه: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وهذا الأمر بالصلاة والسلام عليه مشروعٌ في جميع الأوقات، وأوجبه كثير من العلماء في الصلاة([2]).
صلاة الملائكة:
والله عزَّ وجلَّ أخبرنا بأنه وملائكته يصلُّون على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا الخبر من الله حثٌّ لنا على الصلاة والسلام عليه؛ فالله وكلُّ ملائكته في السماوات والأرض يُصلِّون على النبيِّ عليه الصلاة والسلام، والملائكة عالمٌ غيبيٌّ من مخلوقات الله، ولا يحصيهم إلا الله عزَّ وجل، فالبيت المعمور في السماء السابعة يدخله كلّ يومٍ سبعون ألف ملَك ثم لا يعودون إليه، يعني يجيء ملائكةٌ غيرهم، فالملائكة لا يحصيهم إلا الله سبحانه وتعالى.
وفي الحديث عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي أرى ما لا ترَون، وأسمع ما لا تسمعون، إنَّ السماء أطت، وحقَّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذَّذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون على الله».
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله([3]):
والسماء ليست كالأرض، السماء أوسع بكثيرٍٍ من الأرض .. انظر الآن بُعدها الشاسع وهي على الأرض كالكرة، فتكون دائرتها واسعة عظيمة، والسماء الثانية أوسع، والثالثة أوسع، والرابعة أوسع، والخامسة أوسع، والسادسة أوسع، والسابعة أوسع، وكلُّ سماء فيها ملائكة بين أربع أصابع، هناك ملكٌ قائم لله أو راكع أو ساجد، إذن من الذي يحصي الملائكة؟».
إذا كنا لا نحصي الملائكة فهل يمكن أن نُحصي الصلاة على الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
الجواب: لا؛ لأنَّ الملائكة يُصلُّون على النبيّ، فلا تُحصَى الصلاة عليه .. انظر فضل الله الواسع، أعطاه الله سبحانه هذه الفضيلة العظيمة التي لا ينالها أحد فيما نعلم:
}إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ{
هذا خبر أراد الله به الحثّ، ولهذا قال بعدها: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{..
فبمقتضي إيمانكم صلُّوا عليه، وجَّه الخطاب لنا بصدد الإيمان؛ لأنَّ الإيمان هو الذي يحمل الإنسان على امتثال الأمر.
معنى الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -
يقول الله تعالى: }إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب: 56].
}صَلُّوا عَلَيْهِ{ أي: ادعوا له أن يُثنى عليه في الملأ الأعلى.
}وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ أي: ادعوا الله سبحانه وتعالى أن يسلمه تسليمًا تامًا في حياته من الآفات الجسدية والآفات المعنوية، وبعد موته من الآفات المعنوية، بمعنى أن تسلم شريعته من أن يقضي عليها قاض، أو ينسخها ناسخ، وكذلك الجسد؛ لأنه ربما يُعتدَى عليه بعد موته في قبره، كما يأتي في القصة المشهورة أنَّ رجلين أرادا أن يستخرجا جسد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنـزلا المدينة وبدأا يحفران من تحت الأرض حفرة حتى يتوصَّلا إلى قبره - صلى الله عليه وسلم - فيأخذا جسده الشريف، فبقيا على ذلك مدَّة، فرأى أحد الملوك في المنام أن رجلين يحفران ليصلا إلى جسد النبي - صلى الله عليه وسلم - ويأخذاه، فاهتمَّ بذلك اهتمامًا عظيمًا، ثم ارتحل إلى المدينة حتى وصل إليها، فمن أين يعلم هو هذين الرجلين؟.. وكيف يتوصل إلى معرفتهما؟.. فقال لأمير المدينة: ادعُ لي جميع أهل المدينة - وكان قد رأى الرجلين في المنام وعرفهما أو وُصفا له – فدعاهم الأمير، وأطعمهم، وغادروا، ولم يرَ الرجلين، فقال: ادعُ لي أهل المدينة، فدعاهم - مرَّتين أو ثلاثًا([4])- ولكنه لم ير الرجلين، والرؤيا التي رآها رؤيا حقَّ لا ريب، قال: أين أهل المدينة؟ قالوا: لم يتخلَّف أحد، عدا رجلَين غريبَين في المسجد ليس لهما قيمة، قال: أحضروهما، فجيء بهما، فإذا هما اللذان رآهما في المنام، فعرفهما، ثم أمر بأن يحفر إلى الأرض حفرة على جوانب الحجرة التي فيها قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن تكون حجرة بالبناء – ثم صبَّها بالنحاس والرصاص والرخام؛ حتى يحمي الله جسد هذا النبيِّ الكريم، فصبَّ الرصاص إلى الأرض .. وبهذا حفظ الله تعالى قبر نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - حفظًا تامًا ودائمًا بإذنه تعالى([5]).
وعودًا..
فقول المسلم: «اللهم صلِّ وسلِّم على محمَّد»..
يعني: سلَّمه من الآفات الجسدية حيًّا وميتًا، وسلَّمه أيضًا، سلَّم شريعته من أن يطمسها أحدٌ، أو أن يعدو عليها أحد، وسلمه من كلِّ بلاء في حشره عليه الصلاة والسلام لأنَّ الأنبياء في الحشر كلٌّ يدعو: «اللهم سلِّم، اللهم سلِّم، اللهم سلِّم».
* * *
الصلاة على غير النبي - صلى الله عليه وسلم -
واختلف العلماء رحمهم الله: هل يُصلَّى على غير النبيّ أو لا؟ يعني: هل يجوز أن تقول: اللهم صلِّ على فلان أو العالم الفلاني أو الشيخ الفلاني؟ أو اللهم صلِّ على أبي أو ما أشبه ذلك.
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
"والصحيح أنَّ في ذلك تفصيلاً، فإن كان ذلك تابعًا للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا بأس، ولهذا قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين سألوه: كيف يُصلُّون عليه؟ قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آله محمد»([6])..
وإن كان مستقلاً، فإن كان لسببٍ فلا بأس .. ومن ذلك، إذا أتى الإنسان إليك بصدقته لتوزعها، فقل: «اللهم صلِّ عليه»، ويُسمعَ هذا منك، لقول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ{ [التوبة: 103].
قال عبد الله بن أبي أوفي: فأتيت بصدقتي، أو قال: أتاه أبي فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى»([7]) .. هذا أيضًا لا بأس به.
كذلك إذا صلَّيت على إنسان دون أن تجعل ذلك شعارًا له كلَّما ذكرته صلَّيت عليه فلا بأس، يعني حتى لو قلنا: «اللهم صلِّ على أبي بكر أو على عمر أو على عثمان أو على علي» فلا بأس، ولكن لا تجعل ذلك شعارًا كلَّما ذكرت هذا صلَّيت عليه؛ لأنك إذا فعلت ذلك جعلته كأنه نبي"([8]).
* * *
من صفات الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - قال:
أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلِّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟
فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنَّينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم»([9]).
وفي حديث موسى بن طلحة عن أبيه قال:
قلنا: يا رسول الله، كيف الصلاة عليك؟
قال: «قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد»([10]).
هذان الحديثان في بيان كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك أنَّ الصحابة رضوان الله عليهم سألوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كيف يُصلُّون عليه؟ لأنه علمهم كيف يُسلمون، والذي علَّمهم إياه هو قوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، أمَّا الصلاة فعلَّمهم وقال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد».
وقد سبق أن أوضحنا أنَّ معنى صلاة الله على العبد هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، والمراد بـ«آل محمد» هنا كلّ أتباعه على دينه؛ فإنَّ آل الإنسان قد يُراد بهم أتباعه على دينه وقد يُراد بهم قرابته، لكن في مقام الدعاء ينبغي أن يُراد بهم العموم؛ لأنه أشمل، فالمراد بقوله: «وعلى آل محمد»، يعني: جميع أتباعه.
فإن قال قائل: هل تأتي «الآل» بمعنى الأتباع؟
قلنا: نعم، قال الله تعالى: }وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{ [غافر: 46].
قال العلماء: معناه: أدخلوا أتباعه أشدَّ العذاب، وهو أوَّلهم.
وقوله: «كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» وهذا من باب التوسُّل بأفعال الله السابقة إلى أفعاله اللاحقة، يعني: كما مننت بالصلاة على إبراهيم وآله فامنن بالصلاة على محمد وآله - صلى الله عليه وسلم -، فالكاف من باب التعليل.
و«حميد مجيد» يعني: محمودٌ ممجَّد، والمجد هو: العظمة والسلطان والعزَّة والقدرة وما إلى ذلك.
وقوله: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، كذلك أيضًا التبريك، نقول: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد» أي: أنزل فيهم البركة، والبركة: هي الخير الكثير الواسع الثابت.
فهذه هي الصفة الفضلى للصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -([11]).
وقد جاء ذكر محمد وآل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالاقتران دون الاقتصار على أحدهما في عامة الأحاديث، وجاء الاقتصار على إبراهيم وآله في عامتها فلماذا؟
وجواب ذلك:
إنَّ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذُكرت في مقام الطلب والدعاء، وأما الصلاة على إبراهيم فإنما جاءت في مقام الخبر، وذكر الواقع؛ لأنَّ قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد» جملة طلبية، وقوله: «كما صليت على آل إبراهيم» جملة خبرية، والجملة الطلبية إذا وقعت موقع الدعاء والسؤال كان بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها، ولهذا يشرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها؛ فإنها دعاء، والله يحب الملحِّين في الدعاء، ولهذا نجد كثيرًا من أدعية النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها بسطٌ في الألفاظ، وذِكر كلِّ معنى بصريح لفظه دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه .. ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ وما أنت أعلم به مني» الحديث..
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، دِِقَّه وجِلَّه، سرَّه وعلانيته، أوَّله وآخره».
قال الإمام النووي:
والأفضل أن يجمع في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول: "صلى الله عليه فقط" ولا "عليه السلام فقط".
وهذا الذي قاله الإمام النووي يعود إلى هذه الآية الكريمة: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب : 56]..
فالأولى أن يقال: "صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا"([12]).
* * *
البركة في قول: «اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد»
البركة: النماء والزيادة، والتبريك: الدعاء بذلك، ويقال: «باركه الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له»، والمبارك الذي قد باركه الله سبحانه كما قال المسيح u: }وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ{ [مريم: 31]..
وكتابه مبارك، قال تعالى: }وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ{ [الأنبياء : 50].
وقال: }كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ{ [ص : 29].
وهو أحقُّ أن يُسمَّى مباركًا من كلِّ شيء، لكثرة خيره ومنافعه ووجوه البركة فيه.
والرب تعالى يُقال في حقه }تَبَارَكَ{ ولا يقال: «مبارك»، فيقال: «تبارك وتعالى»، وفي دعاء القُنوت: «تباركت وتعاليت»، وهو سبحانه أحقُّ بذلك، وأولى من كلِّ أحد؛ فإنَّ الخير كلَّه بيده، وكلَّ الخير منه، وصفاته كلُّها صفات كمال، وأفعاله كلُّها حكمة ورحمة ومصلحة وخيرات لا شرور فيها .. فإذا كان العبد وغيره مبارَكًا لكثرة خيره ونفعه واتصال أسباب الخير فيه وحصول ما ينتفع به الناس منه؛ فالله تبارك وتعالى أحقُّ أن يكون متباركًا، قال تعالى: }تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا{ [الفرقان : 61].
وقال عقب خلق الإنسان في أطواره السبعة: }فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ{ [المؤمنون : 14].
فقد ذكر تباركه سبحانه في المواضع التي أثنى فيها على نفسه بالجلال والعظمة، والأفعال الدالة على ربوبيته وألوهيته وحكمته، وسائر صفات كماله من إنزال القرآن، وخلق العالمين وجعله البروج في السماء، والشمس والقمر، وانفراده بالملك، وكمال القدرة.
قال الحسين بن الفضل: «تبارك في ذاته، وبارك من شاء من خلقه» وهذا أحسن الأقوال.
والمقصود الكلام على قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم»، فهذا الدعاء يتضمَّن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم وإدامته وثبوته له ومضاعفته له وزيادته، هذا حقيقة البركة، وقد قال تعالى في إبراهيم وآله: }رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ{ [هود : 73].
* * *
خصائص أهل البيت
ولما كان هذا البيت المبارك المطهَّر أشرف بيوت العالم على الإطلاق؛ خصَّهم الله سبحانه بخصائص منها:
1- أنه جعل فيه النبوَّة والكتاب؛ فلم يأتِ بعد إبراهيم u نبيٌ إلا من أهل بيته.
2- أنه سبحانه جعلهم أئمَّةً يهدون بأمره إلى يوم القيامة، فكلُّ من دخل الجنة من أولياء الله بعدهم فإنما دخل من طريقهم وبدعوتهم.
3- أنه سبحانه اتخذ منهم الخليلَين: إبراهيم ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وقال تعالى: }وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا{ [النساء : 125].
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً»، وهذا من خواص هذا البيت.
4- أنه سبحانه جعل صاحب هذا البيت إمامًا للعالمين، كما قال تعالى: }وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا{ [البقرة : 124].
5- أنه أجرى على يديه بناء بيته الذي جعله قيامًا للناس وقِبلةً لهم وحجًّا، فكان ظهور هذا البيت من أهل هذا البيت الحرام.
6- أنه تعالى أمر عباده بأن يصلُّوا على أهل هذا البيت، كما صلَّى على أهل بيتهم وسلفهم، وهم إبراهيم وآله، وهذه خاصية لهم([13]).
7- ومن هذه الخصائص أيضًا أنَّ الله سبحانه أبقى عليهم لسان صدقٍ وثناء حسنًا في العالم، فلا يُذكَرون إلا بالثناء عليهم، والصلاة والسلام عليهم، قال الله تعالى: }وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ{ [الصافات: 108 - 110].
8- ومنها جعل أهل هذا البيت فرقانًا بين الناس، فالسعداء أتباعهم ومُحِبُّوهم ومَن تولاَّهم، والأشقياء مَن أبغضهم وأعرض عنهم وعاداهم، فالجنة لهم ولأتباعهم، والنار لأعدائهم ومخالفيهم.
9- ومنها أنَّ كلَّ نفعٍ وعملٍ صالحٍ وطاعةٍ لله تعالى حصلت في العالم فلهم من الأجر مثل أجور عامليها .. فسبحان من يختصُّ بفضله من يشاء من عباده.
10- ومنها أنه سبحانه خصَّهم من العالم بما لم يَخُصَّ به أهل بيتٍ سواهم من العالمين، فلم يطرق العالم أهل بيتٍ أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وأفعاله وثوابه وعقابه وشرعه ومواقع رضاه وغضبه وملائكته ومخلوقاته منهم .. فسبحان من جمع لهم علم الأوَّلين والآخرين.
11- ومنها أنه سبحانه غرس لهم من المحبَّة والإجلال والتعظيم في قلوب العالمين ما لم يغرسه لغيرهم.
12- ومنها أنه سبحانه جعل آثارهم في الأرض سببًا لبقاء العالم وحفظه، فلا يزال العالم باقيًا ما بَقِيت آثارهم، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أوان خراب العالم .. قال الله تعالى: }جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ{ [المائدة : 97].
قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: «لو ترك الناس كلٌّهم الحج لوقعت السماء على الأرض». وقال: «لو ترك الناس كلُّهم الحجَّ لَمَا نُظِرُوا».
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنَّ في آخر الزمان يرفع الله بيته من الأرض، وكلامه من المصاحف وصدور الرجال»، فلا يبقى له في الأرض بيت يُحَجُّ، ولا كلامٌ يُتلَى، فحينئذ يقرب خراب العالم، وهكذا الناس اليوم، أنما قيامهم بقيام آثار نبيِّهم وشرائعه بينهم وقيام أمورهم وحصول مصالحهم واندفاع أنواع البلاء والشرِّ عنهم بحسب ظهورها بينهم وقيامها، وهلاكهم وعنَتهم وحلول البلاء والشرِّ بهم عند تعطُّلها والإعراض عنها والتحاكم إلى غيرها واتخاذ سواها([14]).
وهذه الخصائص وأضعاف أضعافها من آثار رحمة الله وبركاته على أهل هذا البيت؛ فلهذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نطلب له من الله تعالى أن يبارك عليه وعلى آله كما بارك على هذا البيت المعظم، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ومن بركات أهل هذا البيت أنه سبحانه أظهر على أيديهم من بركات الدنيا والآخرة ما لم يُظهره على أيدي أهل بيت غيرهم.
ومن بركات وخصائص أهل هذا البيت أنَّ الله سبحانه أعطاهم من خصائصهم ما لم يُعطِ غيرهم، فمنهم من اتخذه خليلاً، ومنهم الذبيح، ومنهم من كلَّمه تكليمًا وقربه نجيًّا، ومنهم من آتاه شطر الحسن وجعله من أكرم الناس عليه، ومنهم من آتاه مُلكًا لم يؤتِه أحدًا غيره، ومنهم من رفعه مكانًا عليًّا.
وحُقَّ لأهل بيتٍ هذه بعض فضائلهم وخصائصهم ألاَّ تزال الألسُن رطبةً بالصلاة عليهم والسلام والثناء والتعظيم، والقلوب ممتلئة من تعظيمهم ومحبَّتهم وإجلالهم، وأن يعرف المصلِّي عليهم أنه لو أنفق أنفاسه كلَّها في الصلاة عليهم ما وفَّى القليل من حقِّهم، فجزاهم الله عن بريَّته أفضل الجزاء، وزادهم في الملأ الأعلى تعظيمًا وتشريفًا وتكريمًا، وصلى الله عليهم صلاةً دائمةً لا انقطاع لها، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين([15]).
وقد سُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن قوله: «وآله» في الصلاة والسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"تضاف «آله» المقصود بها آل البيت بيانًا لتعظيمنا لهم وتقديرنا ومحبَّتنا لهم والدعاء لهم وأتباعهم، دون استثناء أحد منهم".
* * *
في مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يتأكد طلبها إما وجوبًا وإما استحبابًا مؤكدًا
الموطن الأول: وهو أهمّها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته، فعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يدعو في صلاته فلم يصلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِل هذا»، ثم دعاه فقال له ولغيره: «إذا صلَّى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليدعُ بعد بما شاء»([16]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تكون صلاةٌ إلا بقراءةٍ وتشهُّدٍ وصلاةٍ علي»([17]).
الموطن الثاني: في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول، وهذا قد اختُلِف فيه، وبه قال الإمام الشافعي في «الأم» ما نصه: "والتشهُّد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف"، ومعنى قولي «التشهد» التشهُّد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يُجزِيه أحدهما عن الآخر"([18]).
لكن هذا يُستحَبُّ وليس بواجب.
وعن بريدة عن أبيه قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يا بريدة، إذا صلَّيت([19]) في صلاتك، فلا تترُكَنَّ التشهُّد والصلاة عليّ؛ فإنها زكاة الصلاة، وسلِّم على جميع أنبياء الله ورُسله، وسلِّم على عباد الله الصالحين»، وهذا له شواهد من أحاديث أخرى تقوِّيه وتعضِّده.
وهذا القول في التشهُّد يعمُّ الجلوس الأول والآخر، واجتمع له أيضًا بأنَّ الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والسلام على رسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فدلَّ على أنه حيث شرَّع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه، ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نصلِّي عليك؟ فدل هذا على أنَّ الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه - صلى الله عليه وسلم -، ومعلومٌ أنَّ المصلِّي يُسلِّم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيشرع له أن يصلِّي عليه.
قالوا: ولأنه مكان شرع فيه التشهد والتسليم عليه - صلى الله عليه وسلم - فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.
قالوا: ولأنَّ التشهد الأول محلٌّ يُستحبُّ فيه ذِكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاستُحِبَّ فيه الصلاة عليه؛ لأنه أكمل في ذكره([20]).
ولقد ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في كتابه «كيفية صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -» أنه يُصلَّى على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول فقال:
"إن كانت الصلاة ثلاثية كالمغرب أو رباعية كالظهر والعصر والعشاء قرأ التشهد المذكور آنفًا مع الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم نهض قائمًا معتمدًا على ركبتيه، رافعًا يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه قائلاً: «الله أكبر»"([21]).
الموطن الثالث: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، ولا خلاف في مشروعيتها.
والدليل على مشروعيتها ما ورد عن الزهري، قال:
أخبرني أبو أمامة بن سهل أنه أخبره رجلٌ من أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه من السُنة في الصلاة على الجنازة، أن يُكبِّر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن، ثم يُسلِّم سرًّا في نفسه»([22]).
الموطن الرابع: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إجابة المؤذِّن، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا سمعتم المؤذِّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليّ؛ فإنه من صلَّى عليّ صلاةً صلَّى الله عليها بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منـزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلاَّ لعبدٍ من عباد الله تعالى، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة، حلَّت له شفاعتي».
فكم تشتاق قلوب العارفين بالله تعالى وبرسوله لسماع صوت المنادي، فتتعلَّق قلوبهم بربِّهم وألسنتهم بذِكره، فردِّدوا وراءه تلك الكلمات المباركات: الله أكبر، الله أكبر ... إلى آخر النداء، غير متشاغلين عن ذلك بكلامٍ ونحوه، ثم أعقبوا ذلك بالصلاة علي نبيِّهم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، فأثنى الله عليهم في الملأ الأعلى عشر مرات، ثم سألوا الله لنبيهم الوسيلة فحلَّت لهم شفاعته حينما يصيرون أحوج ما يكون إليها عند الوقوف بين يدي مولاهم سبحانه وتعالى.
الموطن الخامس: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الدعاء، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنت أصلِّي والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر معه، فلمَّا جلست، بدأت بالثناء على الله تعالى، ثم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «سلْ تُعْطَه».
وقال أحمد بن أبي الحوراء:
"سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من أراد أن يسأل الله حاجته، فليبدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليسأل حاجته، وليختم بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مقبولة، والله أكرم أن يردَّ ما بينهما".
الموطن السادس: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند دخول المسجد وعن الخروج منه، وذلك للحديث الذي رواه الإمام أحمد عن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد صلَّى على محمَّد وآله وسلم ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك»، وإذا خرج صلَّى على محمد وآله وسلم ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك»([23]).
الموطن السابع: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا والمروة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُكبِّر على الصفا ثلاثًا يقول: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلِّ شيء قدير»، ثم يصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو، ويُطيل القيام والدعاء، ثم يفعل على المروة مثل ذلك..
وهذا من توابع الدعاء أيضًا([24]).
الموطن الثامن: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند اجتماع القوم([25])، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما جلس قومٌ مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلُّوا على نبيِّهم، إلا كان عليهم تِِرةً، فإن شاء عذَّبهم وإن شاء غفر لهم».
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما قعد قومٌ مقعدًا لا يذكرون الله عزَّ وجلَّ ويُصلُّون على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا كان عليهم حسرةً يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب».
الموطن التاسع: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ورود ذكره، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ذُكِرت عنده فليصلِّ عليّ؛ فإنه من صلَّى عليّ مرَّةً صلَّى الله عليه عشرًا».
الموطن العاشر: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الوقوف على قبره، فعن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
الموطن الحادي عشر: من مواطن الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وليلتها، فعن أوس بن أوس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة: فيه خُلِق آدم وفيه قُبِض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه؛ فإنَّ صلاتكم معروضة عليَّ»..
قال:
قالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ (يقولون: بليت)..
فقال: «إنَّ الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء».
وعن أنس - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكثِروا الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فمن صلَّى عليّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
الموطن الثاني عشر: الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في كلِّ مكان، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليّ؛ فإنَّ صلاتكم معروضة، تبلغني حيث كنتم».
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله:
"معنى «ولا تجعلوا قبري عيدًا» تكرمونه بالمجيء إليه كلّ سنة مرَّةً أو مرَّتين أو ما أشبه ذلك، وفيه دليلٌ على تحريم شدِّ الرحال لزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ الإنسان إذا أراد الذهاب إلى المدينة لا يقصد أن يسافر من أجل زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكن يسافر من أجل الصلاة في مسجده؛ لأنَّ الصلاة في مسجده خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام..
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وصلُّوا علي؛ فإنَّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم»، إذا صليت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنَّ صلاتك تبلغه حيثما كنت، في برٍّ أو بحرٍ أو جوّ، قريبًا كنتَ أو بعيدًا"([26]).
الموطن الثالث عشر: من مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الهمِّ والشدائد، فعن أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - قال:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثُلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس، اذكروا الله، جاءت الرَّاجفة تتبعها الرَّادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه»..
قال أُبَي:
قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك في صلاتي؟
فقال: «ما شئت»، قال:
قلت: الربع؟
قال: «ما شئت، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك»، قال:
قلت: النصف؟
قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قال:
قلت: فالثُلثَين؟
قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خيرٌ لك»، قال:
قلت: أجعل لك صلاتي كلَّها؟
قال: «إذن تُكفَى همّك، ويُغفَر لك ذنبك».
والمعنى أنَّ من يجعل دعاءه صلاةً على النبيِّ عليه الصلاة والسلام يكفيه الله ما أهمَّه من أمر دِينه ودُنياه.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
سُئِل شيخنا أبو العباس ابن تيمية - رضي الله عنه - عن تفسير هذا الحديث فقال: "كان لأُبَي بن كعب دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل يجعل له منه رُبعه صلاةً عليه؟ فقال: «إن زدتَ فهو خيرٌ لك»، فقال له: النصف؟ فقال: «إن زدتَ فهو خيرٌ لك»، إلى أن قال: أجعل صلاتي، أي: أجعل دعائي كلَّه صلاة عليك؟ قال: «إذن تُكفَى همَك، ويُغفَر لك ذنبك»؛ لأنَّ من صلَّى علي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا، ومن صلَّى الله عليه كفاه همَّه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه - رضي الله عنه -"([27]).
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حول هذا الحديث([28]):
"... ولهذا أَكثِر يا أخي من الصلاة والسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليزداد إيمانك ويسهل لك الأمر، ثم اعلم أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشرٌ لا يَملك النفع لك ولا الضّر، فلا تسأله، لا تقل: «يا رسول الله، سهِّل أمري»، هذا حرام، بل شركٌ أكبر؛ لأنه لا يجوز أن تدعو مع الله أحدًا، الدعاء خاص بالله وحده لا شريك له، قال الله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ [غافر: 60]".
الموطن الرابع عشر: من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - عند كتابه اسمه - صلى الله عليه وسلم -، يقول الشيخ ابن باز رحمه الله في كتابه «حكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -»:
وبما أنَّ الصلاة على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مشروعةٌٍ في الصلوات في التشهُّد ومشروعةٌ في الخطب والأدعية والاستغفار بعد الأذان وعند دخول المسجد والخروج منه وعند ذِكره وفي مواضع أخرى - فهي تتأكَّد عند كتابة اسمه في كتابٍ أو مؤلَّف أو رسالةٍ أو مقالٍ أو نحو ذلك لِما تقدَّم من الأدلَّة، والمشروع أن تُكتب كاملة تحقيقًا لِما أمرنا الله تعالى به، وليتذكَّر القارئ عند مروره عليها.
ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كلمة «ص» أو «صلعم» وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتَّاب والمؤلفين؛ وذلك لِما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: }صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{ [الأحزاب: 56]..
مع أنه لا يتم بها المقصود، وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة - صلى الله عليه وسلم - كاملة، وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها، علمًا بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذَّروا منه؛ فقد قال ابن الصلاح في كتابه «علوم الحديث» المعروف بـ«مقدمة ابن الصلاح» في النوع الخامس والعشرين من كتابه الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتفسيره - قال ما نصه:
".....
التاسع: أن يُحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذِكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره؛ فإنَّ ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجَّلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك فقد حُرِم حظًّا عظيمًا، وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه"..
ثم يقول:
"ثم ليتجنَّب في إثباتها نقصين: أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك، والثاني: أن يكتبها منقوصةً معنى، بألا يكتب «وسلم»".
ورُوي عن حمزة الكناني رحمه الله تعالى أنه كان يقول:
"كنت أكتب الحديث، وكنت أكتب عند ذِكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أكتب «وسلَّم»، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي: «ما لك لا تُتمّ الصلاة عليّ؟»..
قال: فما كتبت بعد ذلك «صلَّى الله عليه» إلا وكتبت «وسلَّم» إلى أن قال ابن الصلاح:
قلت: ويُكره أيضًا الاقتصار على قوله «u»([29]).
ويقول الشيخ ابن باز رحمه الله:
هذه وصيتي لكلِّ مسلمٍ وقارئٍ وكاتبٍ أن يلتمس الأفضل ويبحث عمَّا فيه زيادة أجره وثوابه، ويبتعد عمَّا يبطله أو يُنقصه نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُوفِّقنا جميعًا لِما فيه رضاه؛ إنه جوادٌ كريم، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه»([30]).
وقال أبو الحسن بن علي الميموني:
"رأيت الشيخ أبا علي الحسن بن عُيينة في المنام بعد موته، وكأنَّ على أصابع يديه شيءٌ مكتوبٌ بلَون الذهب أو بلون الزعفران، فسألته عن ذلك، وقلت: يا أستاذ، أرى على أصابعك شيئًا مليحًا مكتوبًا ما هو؟ قال: يا بُني، هذا لكتابتي لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: لكتابتي - صلى الله عليه وسلم - في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وقال عبد الله بن الحكم:
رأيت الشافعي في النوم فقلت: ما فعل الله بك؟
قال: رحمني وغفر لي وزفَّني إلى الجنة كما تُزَفُّ العروس، ونثر عليَّ كما يُنثَر على العروس.
فقلت: بِمَ بلغتَ هذا الحال؟
فقال لي قائل: يقول لك: بما في كتاب «الرسالة» من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: فكيف ذلك؟
قال: وصلَّى الله على محمَّدٍ عدد ما ذكره الذاكرون، وعدد ما غفل عن ذِكره الغافلون .. قال: فلمَّا أصبحت نظرت إلى «الرسالة» فوجدت الأمر كما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -"([31]).
* * *
الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -
1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى.
2- موافقته سبحانه في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وإن اختلفت الصلاتان.
3- موافقة ملائكته فيها.
4- حصول عشر صلوات من الله على المصلِّي مرَّة.
5- أنه يرفع له عشر درجات.
6- أنه يُكتب له عشر حسنات.
7- أنه يُمحَى عنه عشر سيئات.
8- أنه يُرجى إجابة دعائه إذا قدَّمها أمامه، فهي تصاعد الدعاء إلى ربِّ العالمين.
9- أنها سبب لشفاعة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها.
10- أنها سبب لغفران الذنوب.
11- أنها سبب لكفاية الله العبد ما أهمَّه.
12- أنها سبب لقُرب العبد منه - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.
13- أنها سبب لصلاة الله على المصلين، وصلاة ملائكته عليهم، وهذا سبب من أسباب الخروج من الظلمات إلى النور..
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في «الوابل الصيب»:
"إنَّ الذكر يُوجِب صلاة الله عزَّ وجل وملائكته على الذَّاكر، ومن صلَّى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كلَّ الفلاح وفاز كلَّ الفوز، قال سبحانه وتعالى: }هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ{ [الأحزاب : 43]، فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته، إنما هي سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجهم من الظلمات إلى النور، فأيُّ خيرٍ لم يحصل لهم؟ وأي شرٍّ لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربِّهم ما حُرِموا من خيره وفضله!.. وبالله التوفيق"([32]).
14- أنها زكاة للمصلِّي وطهارة له.
15- أنها سبب لردِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة والسلام على المصلِّي والمسلِّم عليه.
16- أنها سبب لطيب المجلس، وألاَّ يعود حسرةً على أهله يوم القيامة.
17- أنها تنفي عن العبد اسم «البخل» إذا صلَّى عليه عند ذكره - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «البخيل من ذُكِرت عنده، فلم يصلِّ عليّ».
18- أنها تُنجي من نتن المجلس الذي لا يُذكر فيه الله ورسوله ويُحمد ويُثنَى عليه فيه ويصلَّى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
19- أنها سبب لوفور نور العبد على الصراط.
2- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلِّي عليه بين أهل السماء والأرض؛ لأنَّ المصلِّي طالب من الله أن يُثنِي على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بدَّ أن يحصل للمصلِّي نوع من ذلك.
21- أنها سببٌ للبركة في ذات المصلِّي وعمله وعمره وأسباب مصالحه؛ لأنَّ المصلِّي داعٍ ربَّه أن يبارك عليه وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
22- أنها سببٌ لنيل رحمة الله له؛ لأنَّ الرحمة إمَّا بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بدَّ للمصلِّي عليه من رحمة تناله.
23- أنها سبب لدوام محبته - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها وتضاعفها، وذلك عقدٌ من عقود الإيمان الذي لا يتمُّ إلا به؛ لأنَّ العبد كلَّما أكثر من ذِكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه، الجالبة لحبِّه - تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه .. وإذا أعرض عن ذِكره وإحضاره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبّه من قلبه، ولا شيء أقرّ لعبن المُحِبِّ من رؤية محبوبه، ولا أقرَّ لقلبه من ذِكره وإحضار محاسنه، فإذا قوي هذا في قلبه جرى لسانه بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحبّ ونقصانه في قلبه، والحسُّ شاهدٌ بذلك.
24- أنها سببٌ لهداية العبد وحياة قلبه؛ فإنه كلَّما أكثر الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وذكره استولت محبَّته على قلبه، حتى لا يبقى في قلبه معارضةٌ لشيءٍ من أوامره، ولا شكَّ في شيء مما جاء به، بل يصير ما جاء به مكتوبًا مسطورًا في قلبه، لا يزال يقرؤه على تعاقب أحواله، ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العلوم منه، وكلَّما ازداد في ذلك بصيرةً وقوة معرفة؛ ازدادت صلاته عليه - صلى الله عليه وسلم -.
25- أنها سببٌ لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه؛ وذلك لحديث عبد الرحمن بن سمرة الذي رواه عنه سعيد ابن المسيب في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه:
«... ورأيت رجلاً من أمَّتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانًا ويتعلَّق أحيانًا، فجاءته صلاته عليّ فأقامته على قدميه وأنقذته».
26- أنَّ الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - أداءٌ لأقلِّ القليل من حقِّه، مع أنَّ الذي يستحقُّه لا يحصي علمًا ولا قُدرةً ولا إرادة، ولكنَّ الله سبحانه لكرمه رضي من عبادة باليسير من شكره وأداء حقِّه([33]).
([1]) تيسير الكريم الرحمن ص:671.
([2]) الشيخ عبد الرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن ص671.
([3]) شرح رياض الصالحين 5/468 وما بعدها.
([4]) ابن عثيمين، المرجع نفسه 5/468.
([5]) تمام القصة في خلاصة الوفاء للسمهودي 2/175.
([6]) البخاري رقم 3119 ومسلم رقم 613.
([7]) البخاري رقم 1402، ومسلم رقم 1791.
([8]) ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين 5/467.
([9]) رواه مسلم رقم (613).
([10]) ابن قيم الجوزية، جلاء الأفهام: 424.
([11]) ابن عثيمين، شرح رياض الصالحين 5/481.
([12]) محمد نسيب الرفاعي، مختصر تفسير ابن كثير 3/516.
([13]) ابن القيم، المرجع السابق، 431 وما بعدها.
([14]) ابن القيم، المرجع السابق، 444.
([15]) ابن القيم، المرجع السابق، 445.
([16]) موسوعة نضرة النعيم 1/885.
([17]) موسوعة نضرة النعيم 1/885.
([18]) انظر ابن القيم، جلاء الأفهام، ص508.
([19]) ووردت: «إذا جلست».
([20]) ابن القيم، المرجع السابق، ص510.
([21]) ابن باز: كيفية صلاة النبي ﷺ ص12.
([22]) ابن القيم، المرجع السابق، ص517.
([23]) ابن كثير، مختصر التفسير للرفاعي 3/515.
([24]) انظر موسوعة نضرة النعيم 1/561.
([25]) هذا الموطن وما بعده يرجع للاستزادة إلى موسوعة نضرة النعيم 1/564 وما بعدها.
([26]) ابن عثيمين، شرح رياض الصالحية، 5/478.
([27]) انظر ابن القيم، جلاء الأفهام ص149.
([28]) شرح رياض الصالحين 5/471.
([29]) ابن الصلاح عن ابن باز، حكم الصلاة على النبي ﷺ ص5 وما بعدها.
([30]) ابن باز، المرجع نفسه، ص8.
([31]) ابن القيم، المرجع السابق ص576-578.
([32]) ابن القيم، الوابل الصيب ص145.
([33]) للاستزادة من الثمرات، انظر «موسوعة نضرة النعيم» 1/571، وكتاب «جلاء الأفهام» للإمام ابن القيم ص612 وما بعدها.